Super User

Super User

على أعتاب يوم الحرس الثوري و الثالث من خرداد [22 أيار 1982 م] ذكرى عمليات بيت المقدس و تحرير مدینة خرمشهر، حضر سماحة الإمام الخامنئي القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية صباح يوم الأربعاء 20/05/2015 م مراسم تخرج الطلبة الجامعيين الضباط و إعداد الحرس الثوري في جامعة الإمام الحسين (عليه السلام).
و زار سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي في بداية حضوره في هذه الجامعة مزار الشهداء المجهولين و أهدى لأرواحهم الطاهرة ثواب سورة الفاتحة سائلاً من الله تعالى لشهداء الدفاع المقدس علوّ الدرجات. ثم استعرض سماحته الوحدات العسكرية الحاضرة في الساحة، كما تفقد المعاقين المشاركين في المراسم.
و ألقى القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية في هذه المراسم كلمة أشار فيها إلى «الخطاب الإسلامي الحديث» و «الخطاب الجاهلي» باعتبارهما خطابين رئيسيين في العالم المعاصر، و أكد على تعذّر اقتراب أو تصالح هذين الخطابين، و أشار إلى حالات الجشع و الاستزادة الجديدة في المفاوضات النووية بما في ذلك طلب تفتيش المواقع العسکریة و إجراء حوارات مع العلماء الإيرانيين، مؤكداً: مثل هذه الرخصة لن تمنح مطلقاً، و ليعلم الأعداء بأن شعب إيران و مسؤوليه لن يتنازلوا أبداً حيال جشعهم و تعسفهم.
كما أشار القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية إلى أخبار تتعلق بمساعي خصوم الشعب الإيراني و بعض المسؤولين في منطقة الخليج الفارسي لجرّ الحروب بالنيابة إلى الحدود الإيرانية قائلاً: إذا حصلت أية أعمال شيطانية فإن ردود فعل الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستكون شديدة جداً.
و شدد قائد الثورة الإسلامية في كلمته في هذه المراسم على منحى القيام بأعمال جديدة و مبتكرة و عميقة على كافة الأصعدة، و أشار إلى وجود هذه الخصوصيات في مراسم اليوم في جامعة الإمام الحسين (عليه السلام) ملفتاً: ينبغي تجنب الأعمال السطحية على كل الصعد و في جميع المجالات.
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي على أن حرس الثورة الإسلامية شجرة طيبة وصلت إلى مرحلة مقبولة من القدرات و التقدم و النضج الفكري و العملي، مضيفاً: جامعة الإمام الحسين (عليه السلام) من مؤشرات تكامل الحرس الثوري و مسيرته إلى الأمام.
و أوضح سماحته أن رصيد هذه الجامعة هو العمليات البالغة الأهمية خلال فترة الدفاع المقدس و الجهاد و التضحيات التي أبداها رواد الحرس الثوري و قال مخاطباً طلبة هذه الجامعة: راية مسيرة الثورة الإسلامية العظيمة اليوم، و هي راية الخطاب الإسلامي الحديث، وصلت اليوم إلى أيديكم و ينبغي أن تحملوها و تتقدموا بها إلى الأمام بكل اقتدار و قوة كما فعل السابقون منكم.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامية أن راية الخطاب الإسلامي الحديث فيها سعادة للبشرية و جاذبية كبيرة للأجيال الشابة في العالم ملفتاً: انطلقت هذه المسيرة الزاخرة بالمفاخر بقيادة الإمام الخميني الجليل و حمل الشعب الإيراني بتضحياته و جهاده هذه الراية و حرس هذه المسيرة.
و أشار آية الله العظمى السيد علي الخامنئي إلى وجود خطاب آخر هو «الخطاب الجاهلي» مردفاً: خطاب الجاهلية اليوم و هو خطاب ظالم و تعسفي و متكبر و أناني تطلقه قوى الهيمنة في العالم، يقف مقابل الخطاب الإسلامي الذي ينادي بالعدالة و حرية البشرية و إلغاء الأرضيات المساعدة على الاستغلال و الاستعمار و القضاء على نظام الهيمنة.
و أكد سماحته على أن الأعين الثاقبة للشعوب قادرة على التمييز بين هذين الخطابين و معرفة التحركات المنافقة و المرائية للخطاب الجاهلي بأقنعة من الكلام المعسول من قبيل «حقوق الإنسان» و «عدم العنف» قائلاً: لن يمكن أبداً المصالحة و التقارب بين هذين الخطابين، لأن أحد الخاطبين ينادي بالظلم و العدوان ضد الشعوب و الخطاب الآخر ينادي بحماية المظلومين و مواجهة الظالمين.
و ألمح قائد الثورة الإسلامية إلى دعايات الأعداء بخصوص عزلة الجمهورية الإسلامية الإيرانية موضحاً: لقد كان للنظام الإسلامي مكانته منذ البداية و دائماً في قلوب الشعوب، و المؤشر البارز على ذلك إبداء شعوب البلدان المختلفة حبهم و إعجابهم برؤساء الجمهورية الإسلامية الإيرانية طوال الـ 36 عاماً الماضية.
و أوضح آية الله العظمى السيد الخامنئي أن اسم الشعب الإيراني بين الشعوب و حتى بين الساسة المنصفين و المستقلين و الأحرار في العالم اسم سام و مجيد، مؤكداً: المعزولون هم الذين لا يستطيعون إلّا استقطاب بعض الأفراد و بواسطة الدولارات و التعسف.
و أشار الإمام الخامنئي إلى أن شعب إيران اكتسب عزته بفضل الإسلام و الحركة و المبادئ الثورية، و لفت إلى وجود بعض التحديات مقابل النظام الإسلامي قائلاً: إننا لا نخشى هذه التحديات أبداً لأن وجود التحديات علامة التحرك و الحيوية و النشاط و المسيرة التقدمية نحو النمو و الرشد.
و أكد قائد الثورة الإسلامية: سوف يتجاوز شعب إيران هذه التحديات باقتدار و بالتوكل على الله و الاعتماد على الذات. و اعتبر آية الله العظمى السيد الخامنئي أن أحد هذه التحديات هو تعسف الطرف المقابل في المفاوضات النووية و جشعه و استزادته ملفتاً: لا يزال الأعداء لا يعرفون شعب إيران و مسؤوليه جيداً لذلك يتحدثون بمنطق القوة، فشعب إيران و حكومته النابعة من هذا الشعب لا يستسلمان مطلقاً لمنطق القوة.
و لفت سماحته إلى أنه مهما تم التنازل أمام جشع الطرف المقابل فإنه سوف يتقدم و يطالب بالأكثر و الأكثر، موضحاً: ينبغي بناء جدار قوي من العزيمة و التوكل و الاقتدار الوطني بوجه هذا الجشع و التمادي.
و ذكر قائد الثورة الإسلامية أن من نماذج جشع الطرف المقابل في المفاوضات النووية طلبه تفتيش المواقع العسكرية و التحاور مع العلماء و الباحثين الإيرانيين، مردفاً: كما سبق أن قيل لن يُسمح بأيّ تفتيش لأيّ موقع عسكري، و كذلك بإجراء حوارات مع العلماء النوويین و علماء سائر الحقول العلمية الحساسة، و توجيه الإهانات إلى ساحتهم.
و أكد آية الله العظمى الخامنئي: لن أسمح للأجانب بأن يأتوا و يجروا محادثات و حوارات مع علماء هذا الشعب و أبنائه الأعزاء المميزين و يستجوبوهم.
و شدد سماحته على أنه ما من شعب أو حكومة عاقلة تسمح بمثل هذا الشيء قائلاً: العدو الوقح الصلف يتوقع بأن نسمح لهم بالتحاور مع علمائنا و باحثينا حول تقدم أساسي محلي و وطني، لكن مثل هذا الشيء لن يُسمح به على الإطلاق. و لفت قائد الثورة الإسلامية قائلاً: ليتنبه أعداء النظام الإسلامي و كل الذين ينتظرون قراره لهذا الشيء بوضوح.
و أضاف آية الله العظمى الخامنئي: ليعلم مسؤولو البلاد الأعزاء الذين يعملون في هذا الميدان بشجاعة بأن الطريق الوحيد لمواجهة العدو الوقح هو العزيمة الراسخة و عدم الانفعال. و أكد سماحته: على المسؤولين و المفاوضين أن يبرزوا رسالة عظمة الشعب الإيراني في المفاوضات.
و أكد قائد الثورة الإسلامية على أن جميع المسؤولين تولوا مسؤولياتهم بفضل الثورة الإسلامية منوهاً: كلنا خدم للشعب و واجبنا أن نقف بكل ثبات أمام منطق القوة و الوقاحة و التوقعات غير المبررة و المؤامرات.
و تابع آية الله العظمى السيد الخامنئي حديثه بالإشارة إلى بعض الأخبار المتعلقة بالمساعي المشتركة للأعداء و بعض المسؤولين السفهاء في منطقة الخليج الفارسي لجرّ الحروب بالنيابة إلى قرب الحدود الإيرانية مؤكداً: حرس الثورة الإسلامية و كل حراس حرم الأمن الوطني في القوات المسلحة يقظون و واعون، و إذا حصلت ممارسات شيطانية فإن ردّ فعل الجمهورية الإسلامية الإيرانية سيكون شديداً جداً.
و أكد سماحته على أن شعب إيران سيواصل مسيرته نحو الأفق المشرق بكل تفاؤل، منوهاً: السير في الطريق نحو المبادئ و الأهداف السامية تصحبه بلا شك تكاليف، و على مرّ التاريخ نالت ميداليات اللياقة تلك الشعوب التي لم تركع أمام التحديات، و شيدت أسواراً قوية من العزم و الاقتدار الوطني قبال أيّ عدوان صلد أو ناعم.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامية الشعب الإيراني في عداد مثل هذه الشعوب و أبدى أمله في أن يحمل الشباب الأعزاء و الجيل الصاعد الأعباء الجسيمة للأمانة التي وصلتهم عن الجيل السابق أفضل و أقوى من ذي قبل.
و تحدث في هذه المراسم أيضاً اللواء محمد علي جعفري القائد العام لحرس الثورة الإسلامية معتبراً الهدف من رفع مستوى الجاهزية الشاملة للحرس الثوري الدفاع عن الثورة الإسلامية و صيانة مكتسباتها و أكد قائلاً: حرس الثورة الإسلامية بوعيه للظروف المحيطة بالثورة الإسلامية و المواجهة بين جبهتي المستضعفين و المستكبرين، يرنو إلى إنتاج اقتدار داخلي مطرد بالاعتماد على المعنوية و الإيمان و العقلانية و الوعي و الاستفادة من التقنيات الدفاعية و الأمنية و تحديث تكتيكات الحروب غير المتكافئة.
و أكد اللواء جعفري على أن البسالة جزء من الحرس مردفاً: حراسة الثورة الإسلامية أمام الأعداء في ظل بريق سيوفنا و قوة إيماننا و التقنيات التي تكرس توازن الرعب و الخطر أمام الأعداء.
و أوضح القائد العام للحرس الثوري أن الأعداء يعرفون لغة السلاح أفضل من غيرها و نحن بدورنا نروم مواجهتهم بهذه اللغة مؤكداً: سلاح الحرس الثوري يستخدم لتحقيق العدالة و محاربة الظلم.
و تحدث في المراسم أيضاً أمير البحر اللواء مرتضى صفاري آمر جامعة الإمام الحسين (عليه السلام) رافعاً تقريراً عن البرامج و الفعاليات العلمية و الثقافية في هذه الجامعة.
و استلم في هذه المراسم إثنان من القادة و إثنان من الأساتذة و الباحثين و ممثل المتخرجين و الطلبة النموذجيين في جامعة الإمام الحسين (عليه السلام) هداياهم من يد القائد العام للقوات المسلحة، کما استلم ممثل الطلبة الجامعيين الملتحقين بجامعة الإمام الحسين (عليه السلام) رتبته العسكرية من الإمام الخامنئي.
و كان تنفيذ أطروحة «الشجرة الطيبة» من جملة فقرات مراسم ميثاق حراسة الطلبة الجامعيين في جامعة الإمام الحسين (عليه السلام) للضباط.
كما أدى طلبة جامعة الإمام الحسين (عليه السلام) للضباط في هذه المراسم استعراضاً قتالياً بعنوان «الثقة بالذات». و قامت الوحدات المتواجدة في الساحة بتقديم استعراض عسكري أمام القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية.

في ذكرى المبعث النبوي المبارك لرسول الإسلام الكريم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه و آله و سلم)، استقبل آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية صباح يوم السبت 16/05/2015 م عدداً من مسؤولي الجمهورية الإسلامية الإيرانية و مدراؤها و سفراء البلدان الإسلامية لدى طهران، و حشداً من مختلف شرائح الشعب الإِيراني، و أكد على ضرورة الانتهال من دروس البعثة النبوية الشريفة لمواجهة الجاهلية الحديثة في الوقت الراهن مواجهة واعية، الجاهلية التي هي أخطر بكثير و أكثر عدداً و عدة من جاهلية ما قبل الإسلام، و اعتبر الاستكبار و على رأسه أمريكا عاملاً أساسياً في تكوين و تشكيل الجاهلية الحديثة، قائلاً: لقد أثبتت تجربة الأعوام الخمسة و الثلاثين الماضية التي خاضتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن الأمة الإسلامية الكبرى بمحافظتها على مبدئي «البصيرة» و «العزيمة و الهمّة» تستطيع الوقوف بوجه هذه الجاهلية و فرض الهزيمة عليها.
و بارك قائد الثورة الإسلامية عيد المبعث النبوي الشريف الكبير و التاريخي للشعب الإيراني و مسلمي العالم و لكل الناس الأحرار في العالم، و أوضح أن البشرية بحاجة لدروس البعثة و إعادة قراءة هذه الدروس، مضيفاً: لقد كانت بعثة الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله) لمواجهة جاهلية لم تكن مختصة بشبه الجزيرة العربية بل كانت سائدة في الإمبراطوريات الكبرى في ذلك الزمن.
و اعتبر آية الله العظمى السيد الخامنئي أن العنصرين الأصليين لهذه الجاهلية هما «الشهوة» و «الغضب» ملفتاً: عمل الإسلام في ذلك الزمن على مواجهة مساحة واسعة من الضلال في حياة البشر، و هو ضلال ناجم من ناحية عن الشهوات النفسية و الجنسية المنفلتة، و من ناحية أخرى ناتج عن سيادة الغضب و القسوة المدمرة.
و أشار سماحته إلى إعادة إنتاج جاهلية ما قبل الإسلام في العصر الحاضر على نفس ذلكم الركنين «الشهوة» و «الغضب» مردفاً: اليوم أيضاً نشهد اللهاث وراء الشهوات غير المنطقية و المنفلتة و القسوة و التقتيل غير المحدود، مع فارق أن الجاهلية الراهنة مجهزة للأسف بسلاح العلم، و هي أخطر بكثير.
و أكد قائد الثورة الإسلامية: طبعاً في المقابل، فإن الإسلام أيضاً ازداد تجهيزه و استعداده، و القوة الإسلامية العظيمة انتشرت في العالم باستخدام مختلف الوسائل، و الأمل بالنجاح كبير، لكن شرط ذلك «البصيرة» و «العزيمة و الهمة».
و أكد الإمام السيد الخامنئي على أن الظروف الحالية في البلدان الإسلامية و انعدام الأمن و الاقتتال بين الإخوة و سيطرة الجماعات الإرهابية في بلدان المنطقة نماذج من الجاهلية الحديثة اليوم، و هي نتيجة تخطيطات القوى الاستكبارية و على رأسها أمريكا، قائلاً: إنهم من أجل تنفيذ أهدافهم المشؤومة و حفظ مصالحهم، يستخدمون الإعلام الواسع المبني على الكذب، و من جملة ذلك الکذب ادعاء الأمريكيين محاربة الإرهاب.
و لفت سماحته قائلاً: يطرح الأمريكان هذه الادعاءات في حين يعترفون هم أنفسهم بالمشاركة في تكوين أخطر الجماعات الإرهابية مثل داعش. الأمريكان يدعمون رسمياً الجماعات الإرهابية في سورية و حماتها، و هم يدعمون الكيان الصهيوني الزائف الذي يظلم الفلسطينيين في غزة و الضفة الغربية، لكنهم في شعاراتهم يدعون كذباً محاربة الإرهاب، و هذه هي الجاهلية الحديثة.
و خاطب قائد الثورة الإسلامية كل البلدان الإسلامية قائلاً: أيها الشعب الإيراني، أيتها الأمة الإسلامية الكبرى، يا ساسة البلدان الإسلامية اعلموا أننا قادرون على الوقوف في وجه هذه الجاهلية.
و أوضح آية الله العظمى السيد الخامنئي أن المحور الرئيس للسياسات الخبيثة للاستكبار في المنطقة في الظروف الراهنة هو إشعال حروب بالنيابة مؤكداً: إنهم يلهثون وراء مصالحهم و ملء جيوب شركاتهم المنتجة للسلاح، لذلك على بلدان المنطقة أن تتحلى بالوعي و اليقظة لكي لا تقع أسيرة في فخ هذه السياسات.
و لفت سماحته إلى أن أكذوبة أخرى من أكاذيب أمريكا هي دعاواها بخصوص أمن منطقة الخليج الفارسي، مردفاً: أمن الخليج الفارسي شأن يتعلق ببلدان هذه المنطقة التي لها مصالح مشتركة و لا صلة له بأمريكا. لذلك يجب تأمين أمن منطقة الخليج الفارسي من قبل بلدان المنطقة.
و أكد قائد الثورة الإسلامية على أن أمريكا لا تسعى لتأمين أمن منطقة الخليج الفارسي، و ليست مؤهلة للتحدث عن هذا الموضوع، قائلاً: إذا كانت منطقة الخليج الفارسي آمنة سينتفع كل بلدان المنطقة من هذا الأمن، و لكن إذا لم يكن الخليج الفارسي آمناً فلن يكون آمناً لكل بلدان المنطقة.
و اعتبر آية الله العظمى السيد الخامنئي أن أوضاع اليمن المؤلمة نموذج آخر لكذب ادعاء الأمريكان السعي لحفظ أمن المنطقة مردفاً: لقد أضحى اليمن اليوم ساحة لتقتيل الأطفال و النساء الأبرياء، و الذين يقومون بهذه المجازر بلدان مسلمة في ظاهرها، لكن المخطط و العامل الرئيس لها هو أمريكا.
و أشار قائد الثورة الإسلامية إلى ادعاء كاذب آخر للأمريكيين بخصوص دعم إيران للإرهاب ملفتاً: شعب إيران جابه بكل حسم الإرهاب الذي انبثق داخل البلاد بالأموال و الدعم الأمريكي، و إذا بهم يتهمون إيران بدعم الإرهاب! في حين أن الطرف الذي يدعم الإرهاب علانية هو أمريكا.
و أكد الإمام السيد علي الخامنئي على أن شعب إيران وقف دوماً ضد الإرهاب و حماته و سيقف لاحقاً أيضاً، مردفاً: سيتعاون شعب إيران مع كل الذين يتصدون لأخطر الإرهابيين و الصهاينة الإرهابيين في العراق و سورية و لبنان و الأراضي المحتلة.
و ذكّر قائد الثورة الإسلامية ثانية بالأعمال الإرهابية لأمريكا، و قال مخاطباً الساسة الأمريكان: أنتم الإرهابيون و الأعمال الإرهابية هي أعمالكم، و نحن ضد الإرهاب و نحاربه و ندعم أي مظلوم.
و أوضح سماحته أن شعوب اليمن و البحرين و فلسطين من الشعوب المظلومة منوهاً: في حين كان مشركو مكة في صدر الإسلام يجمّدون الحرب في الأشهر الحرام، نجد اليوم في اليمن أن القنابل و الصواريخ تلقى على رؤوس الأبرياء في ذلك البلد في شهر رجب و هو من الأشهر الحرام.
و شدد قائد الثورة الإسلامية على أن حماية المظلوم أمر إسلامي صريح، مضيفاً: سندافع عن المظلوم و نجابه الظالم بأيّ قدر نستطيعه.
و دعا آية الله العظمى السيد الخامنئي بلدان المنطقة إلى اليقظة حيال سياسة الاستكبار الرامية لخلق عدو وهمي و إخافة هذه البلدان بعضها من بعض، قائلاً: إنهم يسعون لإبعاد العدو الأصلي و هو الاستكبار و أتباعه و الصهاينة عن الأذهان، و وضع البلدان الإسلامية بعضها ضد بعض، لذلك ينبغي مواجهة هذه السياسة التي تمثل الجاهلية الحديثة.
و أكد سماحته على أن شعوب المنطقة قد استيقظت منوّهاً: ربما أمكن قمع الصحوة الإسلامية لمدة من الزمن، لكن الصحوة و البصيرة لا يمكن قمعها، و شعب إيران و معظم شعوب المنطقة اليوم واعون يقظون.
و لفت قائد الثورة الإسلامية إلى أن القوى الاستكبارية تعمل منذ سنين على قمع الصحوة و المقاومة في المنطقة، و لم تدخر طوال الأعوام الخمسة و الثلاثين الماضية أي جهد لمواجهة جمهورية إيران الإسلامية باعتبارها محور هذه الصحوة، لكنهم انهزموا دوماً و سينهزمون بعد الآن أيضاً.
قبيل كلمة الإمام الخامنئي تحدث في هذا اللقاء حجة الإسلام و المسلمين حسن روحاني رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية فبارك المبعث النبوي الشريف، و أوضح أن بعثة رسول الإسلام الكريم (صلى الله عليه و آله) تعني انبعاث الإنسانية و بدء حقبة جديدة للمجتمع الإيماني، مردفاً: طبقاً لتعاليم البعثة فإن ما يمكنه بناء المستقبل و المجتمع على أساس القسط و العدل، ليس السيف و الرصاصة و القصور المنيفة، بل الحق و الوحي.
و أوضح الشيخ حسن روحاني أن الشريعة التي جاء بها الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله) للناس هي الحكمة و العدالة و الفضيلة و الكمال الأخلاقي، قائلاً: الشريعة الإسلامية لا صلة لها بالعنف، و الذين يريدون ربط الشريعة بالعنف لم يفهموا شيئاً من الشريعة.
و أشار رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى إشاعة التفرقة و أوهام الخوف من إيران بين المسلمين، و أكد أن إيران كانت منذ البداية ساعية للسلام و العدالة و مساعدة الآخرين و الوقوف بوجه الظلم و العتاة، و لن تخضع لنير الظلم و الجشع، ملفتاً: لم تعتد إيران على أي بلد و لا تعتدي، لكنها إذا تعرضت للاعتداء سيكون الرد تلك الأعوام الثمانية من الدفاع التي فرضت الندم على المعتدي.
و أوضح الدكتور حسن روحاني أن إيران لا تطلب شيئاً أكثر من حقوقها القانونية، و خاطب بلدان المنطقة و الجيران المسلمين مؤكداً: لوذوا بكمب الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله) و القرآن الكريم، و لا تذهبوا إلى كمب ديفيد، لأن معسكر الإسلام و الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله) فقط يمكنه إنقاذكم.

استقبل سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية عصر يوم الأربعاء 13/05/2015 م السيد فؤاد معصوم رئيس جمهورية العراق و الوفد المرافق له، و أكد على أن العراق بلد مهم و مؤثر جداً بين البلدان العربية و الإسلامية، و أشار إلى الظروف المؤسفة في المنطقة، بما في ذلك ما يجري في اليمن و السورية، مشدداً: العراق و في ضوء مكانته يستطيع بالتأكيد التأثير في قضايا المنطقة، و ينبغي الاستفادة من هذه الإمكانية أكثر من ذي قبل.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامية العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية و العراق عميقة و أخوية جداً، و رحّب بالتنمية المضطردة لهذه العلاقات قائلاً: العلاقات الحالية بين إيران و العراق غير مسبوقة بالمقارنة إلى السنين الماضية، و هذا السياق الدال على حكمة الإخوة العراقيين و وعيهم، ينبغي أن يستمر.
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي على استعداد الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتقديم مختلف المساعدات بهدف تقدم العراق و استقراره، و اعتبر تصريحات السيد فؤاد معصوم بشأن العلاقات بين البلدين و ظروف العراق و المنطقة دقيقة و شاملة، مضيفاً: العراق بين البلدان العربية و الإسلامية من جملة عدة بلدان مهمة و ذات خصوصيات منقطعة النظير.
و أوضح سماحته أن وجود حكومة شعبية و مستقرة في العراق من الامتيازات النادرة لهذا البلد بين البلدان العربية مؤكداً: على المسؤولين و الجماعات العراقية المختلفة صيانة هذا الامتياز الكبير بكل قوة و عدم السماح لبعض الاختلافات المحتملة بالمساس بهذا المكسب التاريخي للشعب العراقي.
كما أشار الإمام الخامنئي إلى تأثير حكومة العراق في العالم العربي قائلاً: تشهد المنطقة و العالم الإسلامي اليوم أموراً مؤسفة و مبكية حقاً مثل قضية فلسطين و قضايا شمال أفريقيا و الحرب في سورية و اليمن، و بوسع العراق يقيناً التأثير في هذه القضايا.
و شدد آية الله العظمي السيد الخامنئي على خطورة مخطط أعداء الإسلام لسورية ملفتاً: إنهم يسعون لزعزعة الاستقرار و الأمن في سورية لينشروا عدم الاستقرار من هناك إلى المنطقة كلها.
و ألمح سماحته إلى أن مخطط بعض البلدان العربية لسورية مدمر جداً، و أضاف قائلاً: مخططهم لن يدمر سورية فقط بل سيدمر بلدانهم هم أيضاً.
و أكد قائد الثورة الإسلامية على أن إعادة الاستقرار إلى سورية و الحفاظ عليه يعتبر أهم الأهداف، و أشار إلى كلام رئيس جمهورية العراق بخصوص الأعمال الإرهابية لداعش في سورية و تأثيرها على العراق و المنطقة قائلاً: وجود الجماعات التكفيرية - الإرهابية المتعددة في سورية و تحت مختلف العناوين، هو في الواقع لصالح الكيان الصهيوني و لصالح الذين يريدون عدم الاستقرار للمنطقة من إجل فرض إرادتهم.
و تابع آية الله العظمى السيد الخامنئي حديثه بالإشارة إلى الأحداث المؤسفة في اليمن مؤكداً: لقد ارتكب السعوديون خطأ كبيراً في اليمن، و لا مراء في أن آثار الجرائم التي ارتكبوها سترتد عليهم.
و أكد سماحته على أن المذابح التي ترتكب ضد الشعب المظلوم في اليمن يجب أن تتوقف بأسرع ما يمكن، مردفاً: أحداث اليمن تدل على أن أفكار جاهلة و غير حكيمة داخل السعوديين هي التي تقف وراء اتخاذ القرار بخصوص قضايا اليمن.
و وصف قائد الثورة الإسلامية ذريعة السعوديين للاعتداء على اليمن بأنها حمقاء، مضيفاً: لقد هاجموا اليمن بذريعة طلب رئيس جمهورية مستقيل و هارب من اليمن خان بلده في أكثر الظروف حساسية.
و اعتبر آية الله العظمى السيد الخامنئي موقف العراق و دوره في هذه القضايا مهماً، و أبدى تفاؤله الكبير بمستقبل العراق، مشيداً بمبادرة الحكومة العراقية في تحشيد الشعب و الاستعانة بالقوات الشعبية إلى جانب الجيش.
و قال سماحته: كل واحد من شباب العراق بطل كامن يمكنه في الظروف المناسبة و في الساحات المختلفة أن يمارس دوره، و هذه تجربة اكتسبناها نحن في إيران.
كما تفقّد قائد الثورة الإسلامية حال السيد جلال الطالباني رئيس جمهورية العراق السابق، و سأل الله تعالى له الصحة و العافية.
في هذا اللقاء الذي حضره أيضاً رئيس جمهورية إيران الإسلامية الشيخ حسن روحاني، أبدى السيد فؤاد معصوم رئيس جمهورية العراق ارتياحه الوافر للقاء قائد الثورة الإسلامية و قال يخاطبه: نعتقد أن سماحتكم باعتباركم قائد الثورة الإسلامية و مرجعاً دينياً كبيراً، تستطيعون من كلا الزاويتين المساعدة على تمتين العلاقات بين إيران و العراق و حل قضايا العراق و مشكلاته أكثر من السابق.
و شدد رئيس جمهورية العراق على أن حكومة العراق و شعبه لن ينسيا أبداً مساعدات الجمهورية الإسلامية الإيرانية للعراق عند هجوم داعش و في أحلك الظروف، قائلاً: داعش في العراق و داعش في سورية لا يختلفان أبداً، فخطر داعش محدق بكل المنطقة.
و وصف السيد فؤاد معصوم محادثاته مع الشيخ حسن روحاني بأنها جيدة و أبدى أمله في أن تمهد هذه المحادثات لتنمية أكبر للتعاون الثنائي.

لا ندري بالضبط كيف نشأت فكرة تحريف القرآن الكريم. ربما بعض الأحاديث والآثار التي روتها المجاميع الحديثية في الفريقين هي التي أوهمت أن القرآن الكريم في الأصل نزل على غير هذا الذي عندنا بين الدفتين. ثم ثبنّت فئة قليلة من العلماء ـ سنّةً وشيعةً ـ فكرة نقصان القرآن الكريم، بناءً على فهم بسيط من هذه الأحاديث. أما الرأي العام والغالبية العظمى من العلماء رفضوا الفكرة تماماً وصنّفوا كتباً ورسائل مفردة في الردّ على هذه النظرية، مستدلّين بنفس آيات القرآن الكريم وبالأحاديث الشريفة وكذلك سيرة المسلمين طوال العصور. ثم فسّروا تلك الأحاديث الموهمة بأشكال أخرى حتى لا تتعارض مع بقاء القرآن خالداً غير محرّف.

النقطة اللافتة للانتباه أننا حتى لو وضعنا هذه الأدلة النقلية جانباً وتركناها تماماً فإن العقل هو الذي يحكم بعدم إمكان التحريف في القرآن الكريم وذلك من عدة طرق، نتطرق هنا لواحدة منها باختصار شديد:

إنّا نعرف جميعاً أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ سيحتجّ يوم القيامة على الناس بالمبشّرين والمنذرين الذين أرسلهم إليهم، وها هم الأنبياء والرسل. أما الذين عاشوا في زمن حياة الأنبياء ووصلتهم الدعوة فسيُحتجّ عليهم بهذه الدعوة الواصلة مباشرة، وأما الذين وُلدوا في أزمان الفترات بين الرسل أو بعد ختم الرسل ولم يعاصروا نبيّاً فيجب أن تصلهم تلك الدعوة كما هي عن طريق من الطرق. إذاً يلزم أن تبقى دعوة النبي بلا زيادة ولا نقصان حتى تبلغ الأجيال القادمة، ولو لم يكن كذلك لم يستطع ربنا ـ سبحانه وتعالى ـ أن يحتجّ على المذنبين والمجرمين، إذ كان بإمكانهم أن يقولوا: ﴿رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنينَ﴾ [القصص: 47]

هذه من جهة؛ وأما من جهة أخرى، فالكل يعرف أن الديانات والكتب السماوية قبل الدين الإسلامي الحنيف كلّها محرّفة على أيدي علماء أهل الكتاب، وصرّح بذلك القرآن الكريم في غير موضع، مثلاً يقول: ﴿مِنَ الَّذينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَ يَقُولُونَ سَمِعْنا وَ عَصَيْنا﴾ [النساء: 46] ويقول: ﴿فَبِما نَقْضِهِمْ ميثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ﴾ [المائدة: 13] ويقول أيضا: ﴿وَ لَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَريقٌ مِنَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 101].

فيجب أن يبقى على الأقل واحد من تلك الأديان وخاصة تلك الكتب بلا تحريف حتى يكون حجّة على الذين يتركون الدين ولا يخضعون أمام ربّ العالمين.

بناءً على ما سبق، فلا بدّ من عدم تحريف القرآن الكريم. إذ لو كان محرّفاً بأي نوع من الأنواع وبأي شكل من الأشكال لما بقيت حجّة على الناس، واللا حجّة تعني اللا احتجاج يوم القيامة!

 

الأحد, 10 أيار 2015 09:36

بيعة المسلمين للرسول (ص) (24)

من المعلوم تاريخياً أن الإسلام دخل إلى المدينة المنورة (يثرب) بواسطة بعض الأفراد والجماعات الذين كانوا قد التقوا بالنبي (ص) أثناء وجودهم في مكة بهدف التجارة والحج، وخصوصا أولئك الذين بايعوا الرسول (ص) من قبيلتي الأوس والخزرج في بيعتي العقبة الأولى والثانية. فما هي بيعة العقبة الأولى وما هي بيعة العقبة الثانية؟..وكيف حصلت هاتان البيعتان وفي أي ظروف؟.

أوردنا في المقال السابق أن النبي (ص) كان يبادر إلى مقابلة القبائل التي كانت تأتي إلى مكة، سواء في المناسبات الدينية أو المواسم التجارية، وكان يحاول اقناعها بالإسلام. ونحجت محاولات الرسول (ص) مع الوافدين في نهاية المطاف واستطاع في السنة الحادية عشر من البعثة النبوية الشريفة أن يلتقي بجماعة صغيرة من أهل المدينة، بمنى بالقرب من مكة، وكان عددهم ثمانية أشخاص. فعرض عليهم الدين الإسلامي، فاقتنعوا به وأسلموا واتفقوا على الالتقاء به في العام المقبل.

رجع هؤلاء إلى المدينة وبدأوا يدعون قومهم إلى الإسلام، فأسلم من أسلم، ولم يبق بيت من بيوت الأوس والخزرج إلا وفيه ذكر لرسول الله (ص) والإسلام. فلما أطل العام المقبل اجتمع بالرسول اثني عشر رجلا من أهل المدينة في مكان يسمى العقبة. وهو مكان يقع بين مكة ومنى، فأسلموا وبايعوا رسول الله (ص) على أن لا يشركوا بالله شيئا ولا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا أولادهم ولا يأتوا ببهتان يفترونه من بين أيديهم وأرجلهم ولا يعصوه في معروف. فقال لهم رسول الله (ص) :"إن وفيتم فلكم الجنة ومن غشي كان أمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه".

وهذه البيعة هي التي عرفت بالتاريخ بـ"بيعة العقبة الأولى". ويقول المؤرخون إنه لما رجع المبايعون إلى المدينة، أرسل النبي (ص) مصعب بن عمير من أجل أن يقرأهم القرآن الكريم ويعلّمهم الإسلام الحنيف ويفقههم في الدين. فذهب مصعب إلى المدينة وبقي فيها يدعو الناس إلى الإسلام حتى استطاع بفعل نشاطه التبليغي الواسع أن يُدخل في الإسلام عددا كبيرا من أهل المدينة من الأوس والخزرج في مقدمتهم سعد بن معاذ الذي كان وجيهاً وزعيماً في قومه ومجتمعه، والذي تحوّل بدوره إلى داعية ومبلغ للإسلام، فاستطاع أن يقنع أفراد عشيرته بني عبد الأشهل بالدين الجديد إذ أسلموا جميعاً.

ويقول المؤرخون إن بيعة "العقبة الثانية" كانت يعد مرور سنة كاملة على "بيعة العقبة الأولى"، حيث إنه في موسم حج السنة الثالثة عشر من البعثة جاءت أعداد كبيرة من المدينة إلى مكة بقصد الحج إلى بيت الله (عز وجل)، وربما قدّر عددهم بخمسماية شخص، فيهم المشركون وفيهم المسلمون، كما أن فيهم من هو من قبيلة الأوس والخزرج. فالتقى بعض المسلمين منهم بالنبي (ص) ووعدهم أن يجتمع بهم في العقبة بين منى ومكة، في اليوم الثاني من أيام التشريق ليلاً. وأمرهم ألا ينبهوا نائماً ولا ينتظروا غائباً حفاظاً على سرية الاجتماع.

وفي تلك الليلة، بعد مضي ثلث الليل، بدأ المسلمون يتسللون إلى المكان الذي حدده لهم الرسول (ص)، واحداً بعد الأخر، دون أن يشعر بهم أحد، حتى اجتمع سبعون، أو ثلاثة وسبعون رجلاً وامراتان، في الشعب عند العقبة. وهناك تمّ اللقاء بالنبي (ص) في الدار الذي كان ينزل فيه هو، وهي دار عبد المطلب، وكان معه عمه حمزة وعلي بن أبي طالب والعباس. ما حصل في هذا اللقاء أن المجتمعين بايعوا الرسول(ص) على حمايته وأن يمنعوه وأهله بما يمنعون به أنفسهم وأهلهم، وأن ينصروه ويقفوا إلى جانبه في الشدة والرخاء وفي السراء والضراء. كما بايعوه على أن يسمعوا له ويطيعوه، وعلى الأمر بالمعورف والنهي عن المنكر، وأن يدعوا إلى الله ولا يخافوا لومة لائم. وأمرهم رسول الله (ص) باختيار اثني عشر رقيباً منهم، ليمثلوا قومهم وليكونوا هم المسؤولين عنهم تجاه الرسول (ص). فاختاروا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس.

وقبل إتمام مراسم البيعة أدرك العباس بن عبّادة، وهو أحد المبايعين، خطورة الموقف. وخاصة أن المطلوب من المبايعين ليس مواجهة ومقاومة مشركي مكة والجزيرة العربية فقط، وإنما مواجهة كل من يحاول الاعتداء على رسول الله (ص) والحدّ من حرية دعوته، ولو كان العالم بأسره. لذلك أحبّ العباس هذا تأكيد البيعة ويفتح عيون المبايعين ليكونوا على وضوح وبصيرة من أمرهم حتى لا يقولوا في يوم من الأيام لو كنّا نعلم أن الأمر سينتهي بنا إلى هذا لم نقدم. لذلك وقف هذا الرجل وقال للمبايعين جميعاً : "يا معشر الأوس والخزرج تعلمون ما تقدمون عليه، إنما تقدمون على حرب الأحمر والأبيض وعلى حرب ملوك الدنيا. فإن علمتم أنه إذا أصابتكم المصيبة في أنفسكم خذلتموه وتركتموه فلا تغرّوه، فإن رسول الله وإن كان قومه خالفوه إلا أنه في عزّ ومنعة".

إثر ذلك قال عبد الله بن حزام والد جابر بن عبدالله الأنصاري، وكان أحد المبايعين، وغيره أيضاً، "يا رسول الله بل دمنا بدمك وأنفسنا بنفسك فاشترط لنفسك وربك ما شئت". وكان هذا الكلام تأكيداً منهم على الوقوف بجانب النبي (ص) مهما بلغت التحديات وغلت التضحيات.

وهكذا تقدم المجتمعون وبايعوا رسول الله (ص) واحدا تلو الأخر، بقلوب يغمرها الفرح والثقة. وبعدما تمّت المراسم تفرّقوا إلى أماكنهم. وسميت هذه البيعة بـ"بيعة العقبة الثانية".

ما نستفيده من إصرار النبي (ص) على مواصلة اللقاء بالقبائل الوافدة إلى مكة، إلى أن حصلت البيعة الثانية، هو أن المحاولات الفاشلة والمتكررة التي واجهته في دعوته تلك القبائل للإسلام في بداية الدعوة لم تدفعه إلى اليأس وفقدان الأمل والاستسلام للفشل، بل كانت حافزا له لمواصلة التجربة والاستمرار في دعوته، كغيره من الأنبياء، الذين تقدموه وواجهوا الفشل بروح الأمل المستمد من الإيمان بالله والثقة بوعده بالنصر.

إن الإصرار من قبل النبي (ص) على مواصلة التجربة رغم كل الفشل السابق والثقة بوعد الله سبحانه وتعالى بالنصر، كانا أحد أسباب المد الإسلامي السريع الذي شاهدناه في التجاوب الشامل مع الدعوة الإسلامية، في مدة قصيرة نسبياً.

جواب:

استند بعضهم إلى هذه الرواية للقول بحُرمة شدّ الرحال لزيارة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم عادّاً السفر بمثل هذه النية سفر معصية، مع العلم أنّ هذا الاستدلال مرفوض لابتنائه على فهم خاطيء.

ولأجل تفسير هذا الحديث، ينبغي القول بأنّ هذا الكلام ـ بحسب الأسلوب المعهود عند أهل اللغة ـ جاء على شكل استثناء، ومقتضى ذلك توفّرُه على كلٍّ من المستثنى والمستثنى منه، حيث يأتي المستثنى بعد «إلاّ»، والمستثنى منه قبلها، سواءً كان ذلك بشكل ظاهر أو تقديري، وتُعدّ هذه المسألة من أبده المسائل الواردة في الكتب النحويّة. وحينما نتأمّل في هذا الرواية، نرى أنّه تمّ التصريح فيها بالمستثنى: «ثلاثة مساجد» من دون أن يرد فيها أيّ ذكر للمستثنى منه قبل «إلاّ». وعليه، يلزم علينا تقديرُه بحسب أحد هذه الاحتمالات الثلاثة، ولا يُتصوّر وجه رابع له:

1. أن نجعل تقدير المستثنى منه هو كلمة «قبر»، فتصير الرواية المنسوبة للنبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلّم بهذا الشكل: «لا تشدّوا الرحال إلى قبر، إلاّ ثلاثة مساجد». لكنّنا نلاحظ أنّ هذا السياق غير متّسق ولا يُناسب البلاغة النبويّة؛ إذ أنّ المستثنى لا يُعدّ من جنس المستثنى منه، والأصل أن يكون كذلك؛ ولهذا فإنّ قلب العالِم لا يسكن لنسبة مثل هذا الكلام للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلّم، فلا يجوز لنا ـ والحال هذه ـ أن نتّخذ كلمة «قبر» بعنوان مستثنى منه.  

2. أن نفترض بأنّ تقدير المستثنى منه هو لفظة «مكان»، فتصير الرواية ـ بحسب هذا الفرض ـ بالشكل الآتي: «لا تشدّوا الرحال إلى مكان، إلاّ ثلاثة مساجد»، بمعنى أنّه لا يجوز السفر وشدّ الرحال لأيّ سبب سواءً كان تجارة أو طلب علم أو القيام بالأمور الخيريّة، ويجوز ذلك فقط إلى تلك المساجد الثلاثة، وبطلان هذا الاحتمال واضح وجليّ.

3. أن يكون تقدير المستثنى منه في الحديث هو كلمة «مسجد»، بحيث تُصبح الرواية بهذا الشكل: «لا تُشدّ الرحال إلى مسجد، إلاّ إلى ثلاثة مساجد». ونلاحظ بأنّ الكلام ـ بحسب هذا التقدير ـ صار منسجماً ويجري وفقاًً للأسلوب الفصيح، ولا يُعاني من الأخطاء التي وقع فيها كلّ من الاحتمالان السابقان، وتُشرق منه روح النبوّة، ويطمئنّ قلب الإنسان المتّقي إلى نسبته للرسول صلى الله عليه وآله وسلّم.

فمن الناحية العقليّة، يبدو هذا التقدير مناسباً، وفضلاً عن ذلك، فإنّنا نستطيع أيضاً الكشف عن صحّته من خلال الأخذ بنظر الاعتبار لبقيّة الروايات الواردة في هذا الشأن. فقد تمّ التصريح بالمستثنى منه في العديد من الروايات المنقولة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم.

ومن جملتها الرواية التي ينقلها أحمد بن حنبل عن طريق «شهر بن حوشب» والتي يقول فيها: سمعت أبا سعيد وذُكر عنده الصلاة في الطور فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا ينبغي للمطي أن تُشدّ رحالها الى مسجد يُبتغى فيه الصلاة غير مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى. (1)

وعليه، فإنّ كلام الرسول يدور حول المساجد ذات الفضيلة والمنزلة الرفيعة، ولا علاقة له بالسفر لزيارة القبور أو باقي الأمور. وبالتالي، فإنّ ربط هذه الرواية بمسألة زيارة المقابر يُعدّ افتراءً على الرسول. هذا مع العلم أنّ العديد من الروايات الواردة عن طريق أهل السنّة رغّبت في زيارته عليه السلام، وقال باستحبابها مجموعة من علماء أهل السنّة في الكتب التي تتحدّث عن المناسك، وتمّ تأييد هذا الأمر في الكثير من الروايات. (2)

 

الهوامش:

1. أحمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد بن حنبل، القاهرة، مؤسّسة قرطبة، بدون تاريخ، ج 3، ص 64.

2. لمزيد من الاطّلاع، يُرجى مراجعة: العلوي المالكي، مفاهيم يجب أن تُصحّح، القاهرة، دار جوامع الكلم، بدون تاريخ، ص 204.

 

«أيها الرفاق... العالم كله ينظر إليكم ويراكم كقوة قادرة على تدمير جحافل الغزاة الألمان...»
(جوزيف ستالين، 31 تموز 1941)

تحيي روسيا اليوم ذكرى الانتصار على النازية في الحرب العالمية الثانية باستعراض عسكري في الساحة الحمراء كما جرت العادة. وللعرض العسكري هذه السنة خصوصيتان، الأولى كونه بمناسبة الذكرى السبعين للانتصار، والثانية لأهميته الديبلوماسية -السياسية لناحية مشاركة أو عدم مشاركة رؤساء بعض الدول الأجنبية فيه، على خلفية المواجهة الروسية الغربية في أوكرانيا، إذ ستشكل المشاركة في العرض أو عدمها مناسبة لتظهيرها بروتوكولياً.

فإذا كان العرض الذي أقيم منذ خمس سنوات (2010) في الذكرى الخامسة والستين للانتصار مناسبة أظهرت انفتاحاً دولياً تجاه موسكو، تظهّر بمشاركة أميركية، إضافة إلى المشاركة الأوروبية الواسعة، حيث شاركت قوات رمزية فرنسية، بريطانية وبولونية، فإن الأمر هذه السنة سيختلف.

تستعيد العروض العسكرية الحديثة والمعاصرة تقليداً قديماً جداً، حيث عرف عدد من الحضارات القديمة، كبلاد ما بين النهرين منذ السومريين ومصر الفرعونية، شيئاً مشابهاً. وكان للعرض العسكري أهميته عند الرومان حيث كان «النصر» (triumphus)، وهو احتفال روماني بانتصار عسكري، يسير فيه جنرال منتصر في شوارع المدينة الخالدة على رأس جيشه، قبل أن تصبح هذه المراسم حكراً على الإمبراطور وعائلته منذ عهد أغسطس قيصر (63 ق.م ـ 14 ب.م). فأصبح الجنرال المنتصر يكتفي بالـ«ovatio» أي الانتصار الصغير، وهو احتفال آخر أقل أهمية من «النصر»، لكنه لا يقل عنه رسمية. وقد حافظت الإمبراطورية الرومانية الشرقية على تقاليد العرض، حيث كان الإمبراطور المنتصر يدخل القسطنطينية من «الباب المذهب» في الأسوار الأرضية ويتجه إلى ميدان السباق مروراً بمراحل واضحة وثابتة تقوده إلى قلب المدينة. وإذا كان العرض العسكري قديماً يتماهى مع تقنيات التشكيلات القتالية التي كانت تميّز الجيوش الكبرى كالجيش الروماني تاريخياً، إذ كان العرض هو نفسه تقنيّة القتال في ساحة المعركة لناحية تشكيل الفرق، كالفيالق الرومانية (Legion romaine)، أو الكتائب اليونانية (Phalange greque)، فللعروض العسكرية حالياً قيمة طقوسية مرتبطة بالدعاية وأيديولوجية الدولة.

تنظم عدة دول حالياً عروضاً عسكرية منتظمة بمناسبات ثابتة مختلفة، كفرنسا والصين وتركيا وروسيا. ويعد العرض العسكري الروسي من أكبرها وأكثرها شهرة منذ أيام الاتحاد السوفياتي السابق. وقد ورث الجيش الأحمر تقليد العروض العسكرية عن روسيا القيصرية. وكان العرض العسكري الأهم ينظم بمناسبة ذكرى الثورة البولشفية في تشرين الأول في الساحة الحمراء، ثاني أكبر ساحة في العالم بعد ساحة تيانن مين الصينية. أما بعد الحرب العالمية الثانية، فأضيف عرض جديد في ذكرى الانتصار السوفياتي على ألمانيا النازية.
شكلت الحرب العالمية الثانية، التي يسميها الروس الحرب الوطنية العظمى، منعطفاً تاريخياً كبيراً، ليس فقط في تاريخ روسيا المعاصر لناحية النتائج الجيوسياسية التي نتجت منها، بل شكلت أيضاً منعطفاً خاصاً في الوجدان الروسي، نظراً إلى كلفة الانتصار الباهظة. فبعد الغزو الألماني في حزيران 1941 وفشل النازيين بإخراج الجيش الأحمر من المعركة كقوة مقاتلة، ونجاح الروس في تثبيت الجبهات حول موسكو ولينينغراد (سان بطرسبرغ)، وخاصة بعد نقطة التحول التي شكلتها معركة ستالينغراد (فولغوغراد)، وبعد سلسلة من المعارك امتدت على طول سنوات الحرب الأربع، وصل الجيش الأحمر إلى قلب أوروبا، محرراً عدداً كبيراً من العواصم والمدن التي كان قد احتلها الألمان وصولاً إلى السيطرة على قسم من برلين في نيسان 1945. هذا الانتصار منحه وضعاً استراتيجياً مكّن ستالين من توسيع الإمبراطورية السوفياتية وضم الأراضي التي وصلها الجيش الأحمر إلى المعسكر الشرقي، بإقامة أنظمة سياسية تدور في فلك موسكو، وإقامة منطقة عازلة كبيرة بين العمق الروسي وأوروبا، منبع كل الهجمات التي واجهتها روسيا تاريخياً، منذ أيام مسكوبيا إلى اليوم.

في المقابل، فقد الاتحاد السوفياتي نحو 26 مليون شخص بين مدني وعسكري، إضافة إلى دمار كبير جداً في البنية التحتية. لذلك، فلذكرى الانتصار مكانة في وجدان الروس، من «يوم المدافعين عن الوطن» في 23 شباط، ووضع أكاليل الزهر على نصب المحاربين القدامى، وأهمها تلك الواقعة في مدافن دير «نوفوديفيتشي» التاريخي في موسكو، إلى كل التقاليد الموروثة من الحقبة السوفياتية والمتعلقة بذكرى الانتصار، وصولاً إلى العادات الشعبية بوضع الورود على أنصبة المدن البطلة ـ وهو لقب أعطي لاثنتي عشرة مدينة روسية دافع سكانها عنها ببسالة خلال الحرب العالمية الثانية ـ وخاصة نصب ستالينغراد، في حديقة «اليكساندروفسكي» المحاذية للكرملين والتي تضم أيضاً ضريح الجندي المجهول.
أقيم أول عرض عسكري بمناسبة الانتصار على النازية في موسكو في 24 حزيران 1945، بعد شهر ونيف على توقيع الطرف الألماني على الاستسلام في الثامن من أيار في إحدى ضواحي برلين الشرقية، التاسع من أيار بتوقيت موسكو. وهو أكبر عرض عسكري في الساحة الحمراء على الإطلاق، شارك فيه نحو 40 ألف عسكري روسي، إضافة إلى مجموعة صغيرة من البولونيين، وبمشاركة ممثلين عن الحلفاء.

لم يصبح العرض العسكري بمناسبة الانتصار تقليداً سنوياً خلال الفترة السوفياتية، بالرغم من أهمية الذكرى. فقد نُظِّمَت أربعة عروض فقط بين 1945 و1990 (1945-1965-1985-1990). السبب الأول في عدم تحول الذكرى إلى مناسبة سنوية هو أهمية ذكرى الثورة البولشفية في تشرين الأول، ما لم يسمح بإرساء تقليد سنوية الانتصار حتى خلال فترة حكم ستالين. والسبب الثاني للمفارقة هو ربما ارتباط الانتصار بشخص ستالين نفسه، لأنه كان على رأس الاتحاد السوفياتي، فلم يبادر خروتشوف إلى تغيير الأمر الواقع، وحتى بريجنيف نفسه بالرغم من ستالينيته إلى حد ما، إذ اكتفى بعرض واحد سنة 1965.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي توقفت العروض العسكرية بمناسبة ذكرى ثورة 1917، بعد إقامة آخر عرض سنة 1990، وكان هذا التوقف مؤشراً إلى حالة الاهتراء التي عاشتها روسيا في هذه الفترة الانتقالية بين انهيار المنظومة السوفياتية وإعادة بناء ما تضرر من هيكلية الدولة، اقتصادياً ومالياً، وخاصة سياسياً لجهة تأكيد مركزية السلطة السياسية وإرادة موسكو بتأكيد سيادتها على كامل الأراضي الروسية بعد نزعات الانفصال التي ظهرت، خاصة في القوقاز. وكان العرض العسكري مناسبة لتأكيد هذا رمزياً، فجاء اختيار ذكرى الانتصار بديهياً إلى حد كبير كمناسبة جامعة في الوجدان القومي الروسي، فأقيم أول عرض بهذه المناسبة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي سنة 1995 خلال فترة حكم بوريس يلتسين.

مع وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة في سنة 2000، أولى العرض العسكري أهمية خاصة من هذا المنظار، خاصة في السنوات الست الأخيرة، حيث لوحظ اهتمام مستمر بتطوير العرض عديداً وعتاداً للعودة به إلى مستوى العروض السوفياتية، بغض النظر عن الكلفة التي بلغت نحو 50 مليون دولار في 2010. إذ اعتبر بوتين أن للعروض العسكرية في روسيا «قيمة بيداغوجية».
تقنياً، التحضير للعرض السنوي المركزي في أيار يبدأ في آخر العام الذي يسبق العرض على مستوى الوحدات والفرق التي ستشارك، وتتكثف مع اقتراب الموعد وصولاً إلى الأسبوع الأخير، حيث تقام عدة تمارين ليلية في الساحة الحمراء، إلى التمرين الأخير الذي سبق العرض هذه السنة يوم الخميس الماضي. وبالرغم من مركزية العرض الذي يقام في موسكو، ينبغي التذكير بباقي الاستعراضات التي تقام أيضاً سنوياً في عدد من المدن الروسية، وستقام في 28 مدينة هذا العام، من بينها سيباستوبول بعد استعادة روسيا لشبه جزيرة القرم.
وكما كانت المشاركة الغربية في العرض الأول في موسكو غداة الحرب العالمية الثانية تحمل مضامين سياسية، كذلك المشاركة في عرض 2010 في الذكرى الخامسة والستين للنصر، حيث شارك الرئيس الأميركي باراك أوباما شخصياً، إضافة إلى الفرنسيين والإنكليز والألمان والبولونيين... فإن للمشاركة أو عدمها في الذكرى هذه السنة مضامين سياسية. فموسكو وجهت دعوات إلى ثمانية وستين رئيس دولة وحكومة، إضافة إلى مسؤولي الأونيسكو والأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي والمجلس الأوروبي. وقد أكد أكثر من 30 رئيس دولة مشاركتهم في الاحتفالات، من بينهم رؤساء الصين، الهند، والرئيس المصري، فيما أعلن عدد آخر من الرؤساء عدم مشاكتهم في الاحتفالات، بينهم الرئيس الفرنسي الذي سيرسل وزير الخارجية لوضع إكليل من الزهر على ضريح الجندي المجهول دون حضور العرض، تماماً كالمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. وفيما تأخذ المشاعر المعادية لروسيا بعداً آخر عند البولونيين، الذين بالرغم من أن بلدهم من أكثر البلدان تضرراً من الحرب العالمية الثانية، ومن مشاركة رئيسهم وجيشهم رمزياً في عرض 2010، اعتبر الرئيس البولوني، برونيسلاف كوموروفسكي أن العرض العسكري الروسي هذه السنة هو «استعراض للقوة» ولا علاقة له بالماضي، بل بالمستقبل، في إشارة إلى توجسه من عدوان روسي متخيل. ولم ينس البولونيون هذه السنة تنظيم احتفالاتهم الخاصة في الثامن من أيار، وهو التاريخ الذي تعتمده الدول الغربية لتوقيع الاستسلام الألماني بدل التاريخ الروسي في التاسع منه.

لا يقتصر الأمر على رسالة ديبلوماسية توجهها دول كفرنسا وبريطانيا وطبعاً الولايات المتحدة إضافة إلى بعض دول أوروبا الوسطى والشرقية التي حررها الجيش الأحمر من النازيين، والتي كانت للأمس القريب ضمن المعسكر الشرقي، لروسيا في هذه المناسبة، التي من المفترض أن تكون جامعة، على اعتبار أنها جمعت هذه الدول في مواجهة مع ألمانيا النازية، في حرب حفرت عميقاً في ذاكرة شعوبها، لكنها لم تحفر عميقاً بالقدر نفسه في أجسادها. فالجيش الألماني دمر 80% منه على الجبهة الشرقية وليس على أي جبهة أخرى، وقدم الاتحاد السوفياتي نحو 26 مليون قتيل. لا يمكن مقارنة ما حصل في شرق أوروبا بالكثير من الدول التي تدعي حصة الأسد في الانتصار على النازية، للسطو على الذكرى. ففرنسا مثلاً استسلمت بعد أسابيع قليلة من دخول الجيش الألماني أراضيها، ولم تتعرض للتدمير إطلاقاً كما تعرض الاتحاد السوفياتي، فيما قسم كبير من نخبها السياسية والثقافية كان متعاوناً جداً مع المحتل، بغض النظر عن كل الأدبيات التي تتحدث بتضخيم كبير عن مقاومة للنازيين، لا تعدو كونها خطاباً نرجسياً لمسح ذكرى هزيمة مهينة. أما بريطانيا التي تعرضت لقصف جوي مدمر خاصة العاصمة لندن فلم تنتقل المعارك إلى أراضيها، لأن الجزيرة لم تُغزَ. فيما الولايات المتحدة لم تدخل الحرب إلا بعد الاعتداء على أراضيها في «بيرل هاربور» وحاربت على أراضٍ ليست لها أيضاً. فمن دون التقليل من دور الحلفاء في هزيمة ألمانيا النازية، يبقى تقديم إنزال النورماندي دعائياً على أنه العامل الحاسم في هزيمة النازيين غير متوازن وغير منصف وسطواً وقحاً على تضحيات الشعوب السوفياتية والشعب الروسي خاصة. وأخيرا لا شك في أن لعدم مشاركة العديد من رؤساء الدول وقعاً ديبلوماسياً متفاوتاً، لكن الأكيد أيضاً أنهم سيفوتون على أنفسهم مشهدية جميلة في الساحة الحمراء اليوم.


عرض احترافي اليوم بمشاركة صينية

سيشارك في العرض الروسي هذه السنة نحو 16500 ألف عسكري، و2300 من المحاربين القدامى الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى 200 آلية عسكرية بينها الدبابة الروسية الجديدة «ارماتا»، و140 طائرة حربية، وأنواع أخرى من الأسلحة الحديثة كالمدافع الذاتيةالحركة «مستا-اس» و«كواليتسيا-اس»، دبابات «ت-90»، وأنظمة دفاعات جوية متوسطة المدى من طراز «بانتسير-اس1»، فضلاً عن منظومة «إس ـ400». وسيشارك أيضاً نوعان من المدرعات، هما «راكوشكا بي ام دي-4ام»، و«بي تي ار-ام دي ام»، والصواريخ الباليستية «ار اس-24 يارس»، وهي أسلحة تشارك للمرة الأولى في العرض، قبل أن يختتم العرض مع سلاح الطيران، باستعراض مقاتلات السوخوي «سو-30» و«سو-35»، وقاذفات توبوليف «تو-22» «م-3», «تو-95»، و«تو-160». إشارة إلى مشاركة بعض القطع التاريخية كدبابة من طراز «ت-34»، والمدفع المتحرك «اس يو-100»، اللذين سيفتتحان القسم المتحرك من العرض.
كذلك يشارك جنود حرس الشرف الصيني في العرض العسكري لأول مرة. إضافةمشاركة جنود من أذربيجان، أرمينيا، بيلاروسيا، كازاخستان، كيرغيكستان، طاجاكستان، الهند، منغوليا، صربيا.
(الأخبار)

حتى الساعات الأخيرة، قبل فتح أبواب مراكز الاقتراع للناخبين البريطانيين، يوم الخميس، كانت التوقعات تتراوح بين القول بعجز أي حزب عن الحصول على غالبية تكفي لتشكيل الحكومة، حتى ضمن تحالف مع حزب آخر، ما قد يدفع باتجاه إعادة الانتخابات، وصولاً إلى توقع فوز حزب المحافظين ــ بزعامة رئيس الوزراء الحالي ديفيد كاميرون ــ بأكبر عدد من المقاعد، ولكن من دون الحصول على غالبية تكفيه لتشكيل حكومة، ما يعني حتمية تشكيل ائتلاف مع حزب آخر، كما حصل في المرة الماضية.

فمن مقاعد مجلس العموم البالغة 650 مقعداً، يحتاج أي حزب للفوز على الأقل بالنصف زائداً واحداً، أي 326 مقعداً، ليتمكن من تشكيل الحكومة المقبلة وحده. لم يتمكن حزب المحافظين من الفوز بهذه الغالبية في انتخابات عام 2010، حين حصل على 306 مقاعد، فاضطر إلى الدخول بتحالف مع حزب الليبراليين الديموقراطيين، الذي فاز يومها بـ 57 مقعداً، ليتمكن التحالف من تشكيل الحكومة.

ولكن النتائج التي ظهرت عند فزر الأصوات، يوم الجمعة، حملت مفاجآت عدة. المفاجأة الكبرى، بطبيعة الحال، هي فوز المحافظين بالغالبية الكافية لتشكيل الحكومة بمفرده. فاز المحافظون بـ 331 مقعداً، متقدمين بـ 25 مقعداً عن الانتخابات الماضية في عام 2010. جاء تقدم المحافظين، بالدرجة الأولى، على حساب حزب العمال؛ حيث حافظ المحافظون على سيطرتهم في معظم الدوائر الانتخابية التي صوتت لهم في الانتخابات الماضية وفازوا في دوائر انتخابية أخرى، كانت حكراً على حزب العمال وحزب الليبراليين الديموقراطيين. فوز حزب المحافظين بهذه الغالبية هو الأول، منذ الانتخابات العامة في عام 1992، عندما قاد جون ميجر حزب المحافظين للفوز بـ 336 مقعداً. دفع هذا الفوز ديفيد كاميرون إلى الإعلان، بعد لقائه الملكة إليزابيث، ظهيرة يوم الجمعة، أن المحافظين سيشكلون الحكومة المقبلة منفردين.
المفاجأة الثانية تمثلت بتراجع حزب العمال، الذي كان قد فاز في عام 2010 بـ 258 مقعداً، ليحصل الآن على 232 مقعداً فقط. حافظ حزب العمال على مقاعده في شمال المملكة المتحدة، باستثناء اسكتلندا، حيث تشتهر المدن هناك بأنها مدن صناعية تملك فيها النقابات العمالية والمهنية نفوذاً كبيراً، كما يملك حزب العمال مؤيدين كثيرين فيها. وبالرغم من أن حزب العمال نجح في انتزاع فوز في بعض الدوائر الانتخابية الجديدة، وتحديداً في لندن، إلا أنه خسر دوائر انتخابية عديدة كانت له في الدورات الانتخابية الماضية لصالح حزب المحافظين، وخسر كامل مقاعده في اسكتلندا لصالح الحزب الوطني الاسكتلندي. دفع هذا الفشل رئيس الحزب، إيد ميليباند، إلى تقديم استقالته. ميليباند الذي كان أحد أبرز مخططي النجاح الساحق، الذي أوصل طوني بلير إلى رئاسة الوزراء، في انتخابات عام 1997، فشل في تحقيق فوز مشابه لنفسه اليوم.
يقول محللون إن السبب الرئيسي لفشل حزب العمال هو رغبته في التحالف مع الحزب الوطني الاسكتلندي الداعي إلى استقلال اسكتلندا، الأمر الذي استغله المحافظون هذا ضدهم، بالقول إن العمال متهاونون مع فكرة تحطيم الاتحاد الذي يشكل المملكة المتحدة.
المفاجأة الثالثة هي فوز الحزب الوطني الاسكتلندي بالغالبية الساحقة في المقاعد المخصصة لاسكتلندا، والبالغة 59 مقعداً، حيث فاز الحزب الوطني الاسكتلندي بـ 56 مقعداً، متقدماً بـ 50 مقعداً عن انتخابات عام 2010. تقدم الحزب الوطني الاسكتلندي على منافسيه كان متوقعاً، ولكن عدد المقاعد النهائي تخطى كل التوقعات وجاء بمثابة زلزال سياسي، سواء في اسكتلندا أو في المملكة المتحدة عموماً. يعني هذا الفوز استمرار صعود الروح الوطنية الاسكتلندية ومعها، بطبيعة الحال، النزعة الاستقلالية، فهذا الحزب كان من دعاة الاستقلال عن المملكة المتحدة، ولكنه فشل في الاستفتاء الذي جرى في الصيف الماضي حول استقلال اسكتلندا. يعتبر بعض المحللين السياسيين أن أحد أهم أسباب التقدم الساحق لحزب المحافظين، هو امتعاض الناخبين البريطانيين من التقدم المتوقع للحزب الوطني الاسكتلندي، ونزعة الاستقلال الاسكتلندي، واعتبارهم حزب المحافظين كضامن لاستمرار المملكة المتحدة بصيغتها الحالية. بعض المتحدثين باسم حزب المحافظين ذهب إلى القول إن ديفيد كاميرون ظهر بمظهر «حامي وشافي» المملكة المتحدة، في إشارة إلى نجاح حكومة كاميرون في تجاوز عواقب الأزمة الاقتصادية العالمية، في عام 2008، وإفشال استفتاء استقلال اسكتلندا، في حين علّقت رئيسة الحزب الوطني الاسكتلندي، والوزير الأول في اسكتلندا، نيكولا سترجيون، على هذه المزاعم بالحديث عن إخفاق حزب العمال في إقناع الناخبين الاسكتلنديين بقدرته على الفوز، وتلبية طموحات الاسكتلنديين، وهو ما دفع هؤلاء الناخبين إلى التصويت للحزب الوطني الاسكتلندي.
المفاجأة الرابعة كانت التراجع الهائل لحزب الليبراليين الديموقراطيين الذي حصل على 8 مقاعد فقط، متراجعاً من 57 مقعداً حصل عليها في الانتخابات الماضية، كانت قد جعلته في المرتبة الثالثة بعد المحافظين والعمال، ومكّنته من الدخول في تحالف تشكيل الحكومة مع المحافظين.
خسر الليبراليون الديموقراطيون عشرات المقاعد، ذهب معظمها إلى حزب العمال، وخسروا معها أي أمل في الحفاظ على حقائبهم الوزارية في الائتلاف مع المحافظين. هذه الخسارة الهائلة دفعت قائد الليبراليين الديموقراطيين، نيك كليغ، إلى تقديم استقالته هو الآخر، قبل اكتمال فرز الأصوات وإعلان النتائج النهائية.
المفاجأة الخامسة قدمها حزب «استقلال المملكة المتحدة»، المعروف باسم UKIP، والذي فاز بمقعد واحد فقط في هذه الانتخابات. ولكن المفاجأة هي أن هذا الحزب حصل على 12.6% من إجمالي أصوات الناخبين، أي أكثر من الحزب الوطني الاسكتلندي والليبراليين الديموقراطيين، مجتمعين، وللمقارنة فقد حصل حزب المحافظين على 36.9% من إجمالي الأصوات. دفعت هذه النتائج بالمحللين إلى القول إن حزب UKIP قد يصنع مفاجأة كبرى في الانتخابات المقبلة، عام 2020. وللتوضيح فقد وصل مرشحو هذا الحزب إلى المرتبة الثانية في 120 دائرة انتخابية وإلى المرتبة الثالثة في أكثر من 360 دائرة انتخابية، ما يعني أن هامشاً صغيراً فصل هذا الحزب عن احتلال المرتبة الثالثة في الانتخابات بقرابة 100 مقعد، قد يحصل عليها عام 2020. رئيس الحزب، نايجل فاراج، استقال عقب إعلان النتائج.
حصلت الأحزاب الأربعة الكبرى: المحافظون، العمال، الوطنيون الاسكتلنديون والليبراليون الديموقراطيون على 627 مقعداً من أصل 650 مقعداً، وتوزعت المقاعد الباقية على أحزاب صغيرة مثل «الحزب الاتحادي الديموقراطي»، حزب «شين فين» الإيرلندي، وحزب مقاطعة ويلز «بلايد كمري»، وحزب «الخضر» وحزب «استقلال المملكة المتحدة». قد لا تكون هذه الأحزاب معروفة بالنسبة إلى القارئ العربي، ولكن العرب يعرفون، بكل تأكيد، جورج غالوي، عضو البرلمان البريطاني، بشكل متواصل، منذ عام 1987، الذي أخفق في الاحتفاظ بمقعده في هذه الانتخابات. 


الحكومة البريطانية المقبلة

فوز حزب المحافظين بالأغلبية، يمكنه بالطبع من تشكيل الحكومة وحده لتكون حكومة أغلبية صغيرة. ولكن هناك من يتخوف من أن تواجه هذه التجربة المصير نفسه لتجربة جون ميجر، عندما شكل المحافظون الحكومة منفردين، بالاعتماد على أغلبية صغيرة في البرلمان البريطاني، فكانت تلك السنوات الخمس، 1992-1997، مريرة بالنسبة إلى المحافظين الذين وجدوا أنفسهم محاربين من قبل كل الأحزاب البريطانية الأخرى، كما تعرضوا للابتزاز في كل مرة كانوا يحاولون فيها إمرار قانون عبر البرلمان. انتهت تجربة المحافظين، يومها، بخسارة انتخابات عام 1997 لصالح العمال، الذين احتكروا السلطة على مدى الأعوام الثلاثة عشر التالية.
يُطمئن المحللون السياسيون، المحسوبون على حزب المحافظين، بأن تجربة حكومة جون ميجر كانت نتيجة ظروف مختلفة تماماً، فالمحافظون خسروا انتخابات عام 1997، بعدما حكموا البلاد منفردين لثمانية عشر عاماً، عانت خلالها البلاد أزمات متعددة. كما كانت التسعينيات فترة صعود لحزب العمال بفضل زعامته الجديدة، أما اليوم فحزب العمال في حال تراجع، إضافة إلى أن المحافظين لا يحتاجون في الفترة المقبلة إلى إمرار الكثير من القوانين عبر البرلمان، ما يقلّل من احتمال تعرضهم للابتزاز أو تقديم تنازلات.

الاخبار

استقبل سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية صباح يوم الأربعاء 06/05/2015 م وزير التربية و التعليم و حشداً كبير من المعلمين و المعلمات القادمين من مختلف أرجاء البلاد، و أوضح في كلمته لهم المكانة الفذة للتربية و التعليم و كذلك الدور البالغ الأهمية للمعلم في تربية الأجيال المؤمنة العالمة المستنيرة المتحلية بالثقة بالذات و الحيوية و الأمل، و قال إن تحقيق مثل هذه الأهداف السامية رهن بتنفيذ متناسق و كامل لميثاق التحول الجذري في التربية و التعليم مؤكداً: مسؤولو الحكومة و خصوصاً المسؤولین الاقتصاديین يجب أن تكون لهم نظرتهم الخاصة، الممتازة عن نظرتهم لسائر الأجهزة و المؤسسات، للتربية و التعليم و القضايا المعيشية للمعلمين، و ليعلموا أن أية تكاليف يوظفونها في هذه المنظومة هي استثمار للمستقبل و إيجاد لقيمة مضافة.
و أشار سماحته إلى التهديدات الأخيرة التي أطلقها بعض الساسة الأمريكان الرسميين تزامناً مع إقامة جولة جديدة من المفاوضات النووية مؤكداً: إنني لا أوافق على المفاوضات في ظل شبح التهديد، و على مسؤولي السياسة الخارجية و المفاوضين أن يراعوا الخطوط الحمراء و الأصلية بدقة، و أن يدافعوا تزامناً مع الاستمرار في المفاوضات عن عظمة الشعب الإيراني و هيبته، و لا يخضعوا لأية أشياء مفروضة أو منطق قوة أو تهديد.
و حيّى قائد الثورة الإسلامية في مستهل حديثه ذكرى الشهيد آية الله الشيخ مطهري الذي تصادف ذكرى استشهاده من كل سنة يوم المعلم في إيران، و اعتبر أن أهم خصوصيات ذلك الشهيد أنه كان معلماً مخلصاً مجداً لا يعرف التعب، و أشار إلى الدور الفذ للتربية و التعليم في بناء مستقبل البلاد قائلاً: المعلم له أكبر و أهم الأدوار في التربية و التعليم من أجل تكوين الشخصية الفكرية و الروحية للتلاميذ و الأجيال الصاعدة في البلاد، إلى درجة لا يرقى لها حتى دور الأب و الأم و البيئة الحياتية من حیث تأثيرها على الطالب.
و أضاف آية الله العظمى الخامنئي: بالنظر لمكانة التربية و التعليم و المعلمين في مستقبل البلاد، فإن أية تكاليف تصرف لهذا القطاع تعد استثماراً.
و شدد سماحته على أنه ينبغي التخطيط لاقتصاد التربية و التعليم بهذه النظرة، و أشار إلى دور المعلم في تربية و إعداد الشخصيات الكبرى الممتازة قائلاً: واجب المعلم إعداد الأجيال المؤمنة المتدينة العالمة ذات الثقة بالذات و الأمل بالمستقبل و الحيوية و الاستنارة و الإرادة و السلامة الجسمية و الروحية.
و لفت قائد الثورة الإسلامية: واجب المعلم في الواقع إيجاد مجتمع إنساني أفضل و أرقى، و هذا الواجب يأتي في امتداد واجبات الأنبياء أي التعليم و التزكية.
و أوضح آية الله العظمى السيد الخامنئي أن تحقيق الرسالة الحقيقية للمعلمين بحاجة إلى لوازم، مضيفاً: من هذه اللوازم الاهتمام بقضية معيشة المعلمين، و على المسؤولين الحكوميين و خصوصاً المسؤولین الاقتصاديین، و على الرغم من النواقص و القيود الموجودة، أن تكون لهم نظرتهم الخاصة للتربية و التعليم و المعلمين، و أن يجعلوا قضاياهم ضمن الأولويات.
و أكد سماحته على أنه لو حصلت غفلة عن قضية معيشة المعلمين فإن العدو سيستغل ذلك، مردفاً: طبعاً المعلمون أشخاص متدينون و ذوو نجابة و وعي و متفطنون لمؤامرات الأعداء و الحاقدين على النظام الإسلامي الذين يرومون بذريعة معيشة المعلمين إطلاق شعارات تثير الفتن و الخطوط و الفئويات السياسية، و خلق متاعب للنظام الإسلامي.
و لفت قائد الثورة الإسلامية إلى الأهمية البالغة لموضوع جامعة المعلمين من حيث قدرتها استقطاب المعلمين و إعدادهم، مؤكداً: جميع العمليات في هذه الجامعة، و خصوصاً دراسة الأهليات لاستقطاب المعلمين و محتوى الدروس و اختيار الأساتذة و أعضاء الهيئة العلمية، يجب أن تكون نزيهة و سليمة و متطابقة مع معايير الإسلام و الثورة.
و ألمح الإمام السيد علي الخامنئي إلى ميثاق التحول الجذري في التربية و التعليم و تأييده من قبل الخبراء المبرّزين مضيفاً: الشيء الضروري لكي يكون هذا الميثاق منتجاً و مجدياً هو تنفيذ مواده بشكل متناسق و كامل، و إذا تم تنفيذ جانب من ميثاق التحول الجذري في التربية و التعليم و لم ينفذ جانب آخر، فإن هذا الميثاق لن يكون مؤثراً و لن يحصل تحول.
و شدد سماحته على ضرورة تعريف هذا الميثاق للعاملين في التربية و التعليم و المعلمين قائلاً: في هذا الخصوص يجب أن تعمل الأجهزة الإعلامية و خصوصاً مؤسسة الإذاعة و التلفزيون على مساعدة التربية و التعليم.
و عدّ قائد الثورة الإسلامية الاستفادة من إمكانيات الخطة التنموية السادسة التي سوف تدون في المستقبل على أساس السياسات العامة، و تكون فيها نظرة خاصة لميثاق التحول الجذري في التربية و التعليم، أمراً ضرورياً و خاطب المسؤولين في التربية و التعليم مؤكداً: احذروا من أن تحل الخطط السطحية و اليومية محل التحول الجذري في التربية و التعليم.
و اعتبر آية الله العظمى السيد الخامنئي ظروف البلاد مهيئة و جاهزة لتحول أساسي في التربية و التعليم قائلاً: الحمد لله، يتمتع البلد اليوم باستقرار و أمن و المسؤولون الحكوميون يزاولون عملهم برغبة، وفي مثل هذه الظروف تتوفر الأرضية اللازمة لرفع مستوى جودة التربية و التعليم و إيصالها إلى الدرجة المنشودة.
و في ختام هذا الجانب من حديثه أثنى سماحته على المعلمين ثانية و قال: إنني أبعث من هنا التحية و السلام لكل المعلمين في كل أنحاء البلاد.
و خصص قائد الثورة الإسلامية الجانب الثاني من كلمته لقضية أسلوب التعامل الأخير للساسة الرسميين الأمريكيين مع شعب إيران تزامناً مع المفاوضات النووية، مشيراً إلى نقاط مهمة.
في البداية أشار آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى واقع لا ينكر قائلاً: طوال الـ 35 عاماً الماضية تنبه أعداء النظام الإسلامي على الرغم من إرعادهم و إزبادهم الكثير، تنبهوا دوماً إلى عظمة الشعب الإيراني و هيبة نظام الجمهورية الإسلامية.
و أكد سماحته قائلاً: هذه الهيبة و العظمة ليست وهمية بل واقعية لأن بلد إيران الكبير بسكان يزيدون على السبعين مليون نسمة له سوابق ثقافية و تاريخية أصيلة و عميقة و شجاعة و عزيمة تضرب بها الأمثال.
و أكد قائد الثورة الإسلامية على أن هذا الشعب دافع دوماً عن هويته و شخصيته، منوهاً: خلال ثمانية أعوام من الدفاع المقدس حاولت كل قوى العالم تركيع هذا الشعب لكنها لم تستطع، لذلك يجب الحفاظ على هذه العظمة و الهيبة.
و أضاف آية الله العظمى السيد الخامنئي: حسب الاعترافات العلنية و الخفية للكثير من المسؤولين السياسيين من مختلف البلدان، لو مورست هذه الضغوط و الحظر الراهن الذي يمارس ضد شعب إيران، على أي بلد آخر لتحطم ذلك البلد، لكن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقف مقاومة صامدة.
و أكد سماحته قائلاً: هذه القضايا ليست بالأمور الصغيرة بيد أن الإعلام العالمي حاول دائماً أن تبقى شعوب البلدان المختلفة غير مطلعة على حقائق إيران، لكن الكثير من الشعوب رغم ذلك تعرف هذه الحقائق، و المسؤولون السياسيون في العالم يعلمون هذه الحقائق جيداً، رغم أنهم لا يذكرونها بألسنتهم بل يتحدثون بطريقة أخرى.
بعد عرضه لهذه المقدمة خاطب قائد الثورة الإسلامية مسؤولي البلاد و خصوصاً مسؤولي السياسة الخارجية و كذلك النخبة في المجتمع قائلاً: اعلموا أن الشعب إذا لم يستطع الدفاع عن عظمته و هويته مقابل الأجانب فإنه سيُذلّ حتمياً، لذلك يجب معرفة قدر هوية الشعب و شخصيته.
و أشار آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى التهديدات العسكرية التي أطلقها مؤخراً أثنان من المسؤولين الرسميين الأمريكان تزامناً مع المفاوضات النووية، قائلاً: لا معنى للتفاوض في ظل شبح التهديد، و شعب إيران لا يطيق المفاوضات في ظل التهديد.
و أشار سماحته مجدداً إلى تصريحات المسؤولين الرسميين الأمريكان في الأيام الأخيرة حيث قالوا إنه لو حدث كذا و كذا من الظروف فإننا سنهاجم عسكرياً، و قال مخاطباً الساسة الأمريكان: أولاً سترتكبون بذلك حماقة، و ثانياً كما قلتُ في زمن رئيس جمهورية أمريكا السابق فإن زمن توجيه الضربات و الهروب من ردود الأفعال قد ولى، و شعب إيران لن يترك الذي يريد التطاول عليه لحاله.
و عاد قائد الثورة الإسلامية و أكد مرة أخرى على أن جميع المسؤولين الإيرانيين و خصوصاً المفاوضین النوويین، يجب أن يركزوا على هذه القضية مردفاً: على المفاوضين النووين أن ينتبهوا دوماً للخطوط الحمراء و الأساسية و سوف لن يتجاوزوا هذه الخطوط إن شاء الله.
و لفت آية الله العظمى السيد الخامنئي: ليس من المقبول أن يعمد الطرف المقابل إلى التهديد دوماً تزامناً مع المفاوضات.
و أضاف سماحته: حاجة الأمريكان إلى المفاوضات إذا لم تكن أكبر من حاجتنا لها فإنها ليست بأقل. إننا نرغب في أن تفضي المفاوضات إلى نتيجة و يُرفع الحظر، بيد أن هذا لا يعني أنه إذا لم يرفع الحظر فإننا لن نستطيع إدارة البلاد و تدبير شؤونها.
و أكد قائد الثورة الإسلامية: لقد ثبُت الآن للجميع في الداخل أن حلّ المشكلات الاقتصادية للبلاد غير منوط برفع الحظر، إنما يجب حل المشكلات الاقتصادية بالتدبير و الإرادة و القدرات الذاتية، سواء رفع الحظر أم لم يرفع.
و لفت آية الله العظمى السيد الخامنئي: طبعاً إذا لم يكن الحظر لربما كان حل المشكلات الاقتصادية أسهل، و لكن في حال استمرار الحظر أيضاً فإن معالجة المشكلات ممكن.
و شدد سماحته على أن هذا هو موقف الجمهورية الإسلامية من المفاوضات النووية، و قال حول سبب حاجة الحكومة الأمريكية الماسة للمفاوضات: إنهم من أجل أن يسجلوا في ملفهم فقرة أساسية، يحتاجون بشدة لأن يقولوا: جئنا بإيران لطاولة المفاوضات و فرضنا عليها بعض الأمور.
و أكد قائد الثورة الإسلامية: إنني لا أوافق المفاوضات في ظل شبح التهديد. و خاطب الإمام الخامنئي الفريق المفاوض الإيراني قائلاً: واصلوا المفاوضات بمراعاة الخطوط الأصلية و إذا وصلتم في هذا الإطار إلى اتفاق فلا بأس في ذلك، و لكن لا تخضعوا أبداً لمنطق القوة و التهديد و الإهانة و ما يريدون فرضه.
و أكد سماحته على أن الحكومة الأمريكية في الوقت الحاضر أسوء حكومة في العالم من حيث السمعة و ماء الوجه، و أحد أسباب ذلك الدعم الأمريكي الصريح لجرائم حكومة آل سعود في اليمن، مضيفاً: حكومة آل سعود مشغولة بذبح الناس الأبرياء و النساء و الأطفال في اليمن من دون أي مبرر، و فقط بذريعة أن شعب اليمن لا يريد فلاناً لرئاسته، و الأمريكان يدعمون هذه الجرائم المروعة.
و أكد قائد الثورة الإسلامية على أن أمريكا ليس لها بين شعوب المنطقة أي ماء وجه، مردفاً: الأمريكان يدعمون تقتيل شعب اليمن دون خجل، أما إيران التي تسعى لإيصال الأدوية و الغذاء للشعب اليمني فتتهم بالتدخل في هذا البلد و إرسال السلاح له.
و أضاف آية الله العظمى السيد الخامنئي: الشعب اليمني الثوري المناضل لا يحتاج للسلاح، لأنه يسيطر على كل المراكز العسكرية و المقرات، و هو بسبب الحصار الدوائي و الغذائي و الوقودي الذي فرضتموه عليه يحتاج لمساعدات إنسانية، لكنكم لا تسمحون حتى بدخول الهلال الأحمر.
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي على أن الدرب الذي اختاره الشعب الإيراني درب قويم و مستقيم و حسن العاقبة قائلاً: سيفضي هذا الدرب بتوفيق من الله و على رغم أنوف الأعداء إلى نتائجه الطيبة، و سيرى الجميع أن الأعداء لن يستطيعوا تنفيذ أهدافهم المشؤومة بخصوص الشعب الإيراني.
قبيل كلمة قائد الثورة الإسلامية تحدث في هذا اللقاء السيد فاني وزير التربية و التعليم الإيرانية فحيّى ذكرى الشهداء رجائي و باهنر و مطهري و بارك أسبوع المعلم منوهاً: من جملة الخطوات التي قامت بها وزارة التربية و التعليم في دورتها الجديدة تشكيل لجنة تنفيذية و إعداد خارطة طريق لتطبيق ميثاق التحول الجذري في نظام التربية و التعليم الإيراني، و زيادة مخيمات «السائرون إلى النور» الطلابية، و تطبيق الحفظ الموضوعي للقرآن الكريم في المدارس، و زيادة المخيمات التربوية بهدف تعليم أسلوب الحياة الإيراني - الإسلامي، و إقامة أولمبيادات رياضية داخل المدارس باعتماد المبادئ الثلاثة: «الدراسة و التهذيب و الرياضة»، و الاهتمام الخاص بالطلاب في المناطق الفقيرة، و إصلاح منحى المواد الدراسية القائمة على السياسات السكانية و الاقتصاد المقاوم، و زيادة مشاركة الخيّرين من بناة المدارس، و رفع مستوى قدرات المعلمين و تأهليهم.

 

قرابتها بالمعصوم
حفيدة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وبنت الإمام علي والسيّدة فاطمة الزهراء(عليهما السلام)، وأُخت الإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام)، وعمّة الإمام زين العابدين(عليه السلام).

اسمها ونسبها
زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب(عليهم السلام).

كنيتها ولقبها
كنيتها: أُم كلثوم، أُم الحسن، ولقبها: الصدّيقة الصغرى، زينب الكبرى، العقيلة، عقيلة بني هاشم، عقيلة الطالبيين، الموثّقة، العارفة، العالمة غير المعلّمة، الكاملة، عابدة آل علي... .

أُمّها
السيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام).

ولادتها
ولدت في 5 جمادى الأُولى 5ﻫ بالمدينة المنوّرة.

زوجها
ابن عمّها، عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

من أولادها
علي وعون ومحمّد.

من أقوال العلماء فيها
1ـ قال ابن الأثير (ت:630ﻫ): «وكانت زينب امرأة عاقلة لبيبة جزلة»(2).

2ـ قال السيّد محسن الأمين(قدس سره): «كانت زينب(عليها السلام) من فضليات النساء، وفضلها أشهر من أن يُذكر، وأبين من أن يسطر، وتُعلم جلالة شأنها وعلو مكانها وقوّة حجّتها ورجاحة عقلها وثبات جنانها وفصاحة لسانها وبلاغة مقالها حتّى كأنّها تفرع عن لسان أبيها أمير المؤمنين(عليه السلام) من خطبها بالكوفة والشام، واحتجاجها على يزيد وابن زياد»(3).

3ـ قال السيّد الخوئي(قدس سره): «إنّها شريكة أخيها الحسين(عليه السلام) في الذب عن الإسلام والجهاد في سبيل الله، والدفاع عن شريعة جدّها سيّد المرسلين، فتراها في الفصاحة كأنّها تفرغ عن لسان أبيها، وتراها في الثبات تنئ عن ثبات أبيها، لا تخضع عند الجبارة، ولا تخشى غير الله سبحانه تقول حقّاً وصدقاً، لا تحرّكها العواصف، ولا تزيلها القواصف، فحقّاً هي أُخت الحسين(عليه السلام) وشريكته في سبيل عقيدته وجهاده»(4).

جلالة قدرها
قال يحيى المازني: «كنت في جوار أمير المؤمنين(عليه السلام) في المدينة مدّة مديدة، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصاً، ولا سمعت لها صوتاً، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدّها رسول الله(صلى الله عليه وآله) تخرج ليلاً، والحسن عن يمينها والحسين عن شمالها وأمير المؤمنين(عليه السلام) أمامها، فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين(عليه السلام) فأخمد ضوء القناديل، فسأله الحسن(عليه السلام) مرّة عن ذلك، فقال(عليه السلام): أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أُختك زينب»(5).

وفي هذا قال الشيخ حسن سبتي:

«إن قصدت تزور قبر جدّها ** شوقاً إليه إذ هم بيثربا

أخرجها ليلاً أمير المؤمنين ** والحسين والزكي المجتبى

يسبقهم أبوهم فيطفئ ** الضوء الذي في القبر قد ترتّبا

قيل له لم ذا فقال إنّني ** أخشى بأن تنظر عينٌ زينبا»(6).

«وجاء في بعض الأخبار أنّ الحسين(عليه السلام) كان إذا زارته زينب يقوم إجلالاً لها، وكان يجلسها في مكانه»(7).

«ويكفي في جلالة قدرها ونبالة شأنها ما ورد في بعض الأخبار من أنّها دخلت على الحسين(عليه السلام) وكان يقرأ القرآن، فوضع القرآن على الأرض وقام إجلالاً لها»(8).

وخاطبها الإمام زين العابدين(عليه السلام) بقوله: «وأنت بحمد الله عالمة غير معلّمة، وفهمة غير مفهّمة»(9).

روايتها للحديث
تُعتبر من رواة الحديث في القرن الأوّل الهجري، وقد وقعت في إسناد كثير من الروايات، فقد روت أحاديث عن الإمام علي والسيّدة فاطمة الزهراء والإمامين الحسن والحسين(عليهم السلام).

أخبارها في كربلاء
كان لها(عليها السلام) في واقعة كربلاء المكان البارز في جميع المواطن، فهي التي كانت تشفي العليل وتراقب أحوال أخيها الحسين(عليه السلام) ساعةً فساعة، وتخاطبه وتسأله عند كلّ حادث، وهي التي كانت تدبّر أمر العيال والأطفال، وتقوم في ذلك مقام الرجال.

والذي يلفت النظر أنّها في ذلك الوقت كانت متزوّجة، فاختارت صحبة أخيها وإمامها على البقاء عند زوجها، وزوجها راضٍ بذلك، وقد أمر ولديه بلزوم خالهما والجهاد بين يديه، فمن كان لها أخ مثل الحسين(عليه السلام) وهي بهذا الكمال الفائق، فلا يستغرب منها تقديم أخيها وإمامها على بعلها.

ندبتها لأخيها الحسين(عليه السلام)
ندبت(عليها السلام) أخاها الإمام الحسين(عليه السلام) يوم عاشوراء: «بأبي مَن فسطاطه مقطّع العُرى، بأبي مَن لا غائب فيُرتجى ولا جريح فيُداوى، بأبي مَن نفسي له الفداء، بأبي المهموم حتّى قضى، بأبي العطشان حتّى مضى، بأبي مَن شيبته تقطر بالدماء، بأبي مَن جدّه محمّد المصطفى ...»(10).

أخبارها في الكوفة
لمّا جيء بسبايا أهل البيت(عليهم السلام) إلى الكوفة بعد واقعة الطف، أخذ أهل الكوفة ينوحون ويبكون، فقال حذلم بن ستير: ورأيت زينب بنت علي(عليهما السلام)، فلم أرَ خَفِرة (عفيفة) قطّ أنطق منها، كأنّها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين(عليه السلام)، وقد أومأتْ إلى الناس أن اسكتوا، فارتدّتْ الأنفاس، وسكتتْ الأصوات، فقالت:

«الحمد لله والصلاة على أبي رسول الله، أمّا بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والخذل، فلا رقأت العبرة، ولا هدأت الرنّة، فما مثلكم إلّا كالتي نقضت غزلها من بعد قوّةٍ أنكاثاً، تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم، ألا وهل فيكم إلّا الصلف النطف...»(11).

أخبارها في الشام
أرسل عبيد الله بن زياد ـ والي الكوفة ـ السيّدة زينب(عليها السلام) مع سبايا آل البيت(عليهم السلام) ـ بناءً على طلب من يزيد بن معاوية ـ ومعهم رأس الحسين(عليه السلام) وباقي الرؤوس إلى الشام، فعندما دخلوا على يزيد دعا برأس الحسين(عليه السلام) فوضع بين يديه، وأخذ ينكث ثنايا الإمام الحسين(عليه السلام) بقضيب خيزران، فقامت(عليها السلام) له في ذلك المجلس، وخطبت قائلة: «الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على رسوله وآله أجمعين... أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نُساق كما تُساق الأُسراء، أنّ بنا على الله هواناً، وبك على الله كرامة، فشمخت بأنفك، ونظرت إلى عطفك حين رأيت الدنيا ستوثقاً حين صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلاً مهلاً نسيت قوله تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)، ثمّ تقول غير متأثم:

فأهلّوا واستهلّوا فرحاً ** ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل

متنحياً على ثنايا أبي عبد الله سيّد شباب أهل الجنّة تنكتها بمخصرتك، وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشافة بإراقتك دماء الذرّية الطاهرة، وتهتف بأشياخك لتردن موردهم، اللّهم خذ بحقّنا وانتقم لنا من ظالمنا، فما فريت إلّا جلدك، ولا حززت إلّا لحمك، بئس للظالمين بدلاً، وما ربّك بظلام للعبيد، فإلى الله المشتكى وعليه المتّكل، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، والحمد لله الذي ختم لأوّلنا بالسعادة ولآخرنا بالشهادة، ويحسن علينا الخلافة، إنّه رحيم ودود»(12).

وفاتها
تُوفّيت(عليها السلام) في 15 رجب 62ﻫ، واختُلِف في مكان دفنها، فمنهم مَن قال: في مصر، ومنهم مَن قال: في الشام، ومنهم مَن قال: في المدينة المنوّرة.

من أقوال الشعراء فيها
1ـ قال الشيخ جعفر النقدي(قدس سره):

عقيلة أهل بيت الوحي بنت ** الوصي المرتضى مولى الموالي

شقيقة سبطي المختار مَن قد ** سمت شرفاً على هام الهلال

حكت خير الأنام عُلاً وفخراً ** وحيدر في الفصيح من المقال

وفاطم عفّةً وتقىً ومجداً ** وأخلاقاً وفي كرم الخلال

ربيبة عصمة طهرت وطابت ** وفاقت في الصفات وفي الفعال

فكانت كالأئمّة في هداها ** وإنقاذ الأنام من الضلال

وكان جهادها بالليل أمضى ** من البيض الصوارم والنصال

وكانت في المصلّى إذ تناجي ** وتدعو الله بالدمع المذال

ملائكة السماء على دعاها ** تؤمّن في خضوعٍ وابتهال

روت عن أُمّها الزهراء علوماً ** بها وصلت إلى حدّ الكمال

مقاماً لم يكن تحتاج فيه ** إلى تعليم علم أو سؤال

ونالت رتبةً في الفخر عنها ** تأخّرت الأواخر والأوالي

فلولا أُمّها الزهراء سادت ** نساء العالمين بلا جدال(13).

2ـ قال الشيخ حسن سبتي(قدس سره):

روحي لها الفداء من مصونةٍ ** زكيّة كريمة ذات إبا

ذات عفافٍ ووقارٍ وحجىً ** من شرفت أُمّاً وجدّاً وأبا

أحمد جدّي وعلي والدي ** وفاطم أُمّ فأكرم نسبا

تكفّلت أثقل ما في الدار ** بعد أُمّها من أيّام الصبا

وجرعت ما جرعته أُمّها ** من الأذى ما منه تنسف الربى

عيبة علمٍ غير أنّ علمها ** غريزة ولم يكن مكتسبا

عالمة عاملة لربّها ** طول المدى سوى التقى لن تصبحا

تقية من أهل بيت عصمةٍ ** شقيقة السبط الحسين المجتبى

صدّيقة كبرى لجمّ علمها ** طاشت بها الألباب والفكر كبا

فيا لها داعية إلى الهدى ** في حلّ كلّ مشكلٍ قد صعبا

ذات فصاحة إذا ما نطقت ** حيناً تخال المرتضى قد خطبا

سل مجلس الشام وما حلّ به ** مذ خطبت ماج بهم واضطربا(14).

ــــــــــــــــــــــــ

1. اُنظر: أعيان الشيعة 7/137.

2. أُسد الغابة 5/469.

3. أعيان الشيعة 7/137.

4. معجم رجال الحديث 24/219 رقم15659.

5. وفيات الأئمّة: 435.

6. المصدر السابق: 477.

7. المصدر السابق: 436.

8. المصدر السابق: 437.

9. الاحتجاج 2/31.

10. اللهوف في قتلى الطفوف: 78.

11. الأمالي للمفيد: 321.

12. مثير الأحزان: 80.

13. وفيات الأئمّة: 442.

14. المصدر السابق: 477.