Super User

Super User

الإثنين, 09 حزيران/يونيو 2014 06:36

حكم الصلاة في مساجد الشيعة

بقلم آيت الله الشيخ جعفر السبحاني

من خلال برنامج لقاء الجمعة في قناة البرهان سُئل الشيخ عثمان الخميس عن الصلاة في مساجد الشيعة؟ فأجاب: لا يجوز للمسلم أن يدخل هذه المساجد ليصلّي فيها ; لأنّها لا تخلو من أُمور تمنع المسلم من الصلاة فيها، وهذه الأُمور كما يلي:

1. إنّ الشيعة كثيراً ما يعظّمون القبور، فيبنون المساجد على القبور أو يجعلون القبور داخل المساجد، أي يدفنون الموتى داخلها، فلا تجوز الصلاة في مسجد فيه قبر.

2. إنّ رائحة الشرك تفوح داخل هذه المساجد، فيذكر غير الله ويستغاث بغير الله، ويدعون غير الله، ويسبّ أولياء الله من الصحابة والخلفاء.

3. أفتى بأنّه لو دخل إنسان وصلّى في هذه المساجد حتّى مع علمه بعدم الجواز فصلاته (صحيحة)، لكن الأمر الأوّل فهو عدم جواز دخول هذه المساجد.

هذا ما ذكره عثمان الخميس في برنامج لقاء الجمعة، وهو مبني على أصل مسلّم عنده، وهو حرمة بناء المساجد على قبور الأولياء، وعلى هذا بنى ما ذكره في الفصول الثلاثة ; ولذا علينا دراسة مبنى كلامه، قبل مناقشة فقرات جوابه، ولذلك فقد بسطنا الكلام في تبيين المبنى وما هو الحق فيه.

وقبل دراسة الموضوع ـ أي حكم بناء المساجد على القبور ـ نقدّم شيئاً وهو أنّ الشيخ عثمان الخميس قال: (إنّ الشيعة يبنون المساجد على القبور، أو يجعلون القبور داخل المساجد، أي يدفنون الموتى داخلها)، ونحن نسأله عن مصدر هذا الخبر، هل أنّه شاهد ذلك الأمر في عامّة المساجد للشيعة الّتي تُعدّ بعشرات الآلاف في مختلف البلدان؟! لا أظن أنّه قد قام بذلك العمل.

ومع ذلك فكيف أصدر هذا الحكم العام؟!

أقول: كلّ ما ذكره الشيخ في هذا الصدد كذب واضح وافتراء صريح، نابع من أصل مسلّم عند القوم، وهو أنّه لكلّ شيء دليل إلاّ الافتراء على الشيعة، بل لكلّ شيء نهاية إلاّ الكذب على الشيعة، وكأنّه سبحانه فرض عليهم الكذب مكان الصدق، والافتراء مكان طرح الحقيقة.

ولنفرض جدلاً صحّة قوله، فلندرس حكم هذه المسألة، أعني: بناء المساجد على القبور، على ضوء الكتاب المجيد والسنّة الشريفة.

 

حكم بناء المساجد على قبور الأولياء

ما أنكره الشيخ من بناء المسجد على قبور الموتى فقد نطق الذكر الحكيم به وعلى جواز قسم منه، وهو إذا كان الموتى من الأولياء، فلا مانع من بناء المسجد على قبورهم تبرّكاً بهم، قال سبحانه: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا)([1]).

إنّ التأمّل في قصة أصحاب الكهف يكشف لنا من أنّ بناء المسجد فوق قبور الأولياء كان سنّة متّبعة عند الأُمم والشرائع السابقة، والقرآن الكريم يشير إلى تلك السنّة من دون أي ردّ ونقد .

إنّ أصحاب الكهف بعد أن انكشف خبرهم اختلف الناس في كيفية احترامهم وتكريمهم وانقسموا إلى قسمين:

1. قسم قالوا: (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ).

وهذا التعبير أي ( رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ)يكشف عن أنّ القائل أو القائلين به لم يكونوا من الموحّدين، حيث حقّروا أُمورهم بقولهم: (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ): أي ربنا أعلم باحوالهم من خير وشرّ وصلاح وفساد.

2. قسم آخر كسب الموقف في النهاية، حيث دعا إلى بناء مسجد على الكهف كي يكون مركزاً لعبادة الله بجوار قبور الذين رفضوا عبادة غير الله وخرجوا من ديارهم هاربين من الكفر ولاجئين إلى توحيد الله وطاعته، وقد حكي عنهم الذكر الحكيم بقوله: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا) فالضمير في قوله سبحانه: (غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ)يرجع إلى أصحاب الكهف، أي وقفوا على مكانتهم وكشفوا الستر عن حقيقة أمرهم، فقالوا:

(لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا) وقد اتّفق أعاظم المفسّرين على أنّ القائلين بذلك هم الموحّدون، قال الطبري: فقال المشركون: نبني عليهم بنياناً فإنّهم أبناء أبائنا، وقال المسلمون: بل نحن أحقّ بهم هم منّا نبني عليهم مسجداً نصلّي فيه ونعبد الله فيه .([2])

وقال الرازي: وقال آخرون بل الأَولى أن يبنى على باب الكهف مسجد وهذا القول يدلّ على أنّ أُولئك الأقوام كانوا عارفين بالله معترفين بالعبادة والصلاة .([3])

وقال الزمخشري: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ)من المسلمين وملكهم وكانوا أولى بهم وبالبناء عليهم (لَنَتَّخِذَنَّ)على باب الكهف (مَسْجِدًا) يصلّي فيه المسلمون ويتبرّكون بمكانهم.([4])

وقال النيسابوري: (الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ) المسلمون وملكهم المسلم ; لأنّهم بنوا عليهم مسجداً يصلّي فيه المسلمون، ويتبرّكون بمكانهم وكانوا أولى بهم وبالبناء عليهم حفظاً لتربتهم بها وضنّاً بها.([5])

إلى غير ذلك من الكلمات في تفاسير الأعاظم، والّتي يتراءى منها أنّ بناء المسجد كان على باب الكهف أو عند الكهف، على خلاف ظاهر الآية، فإنّ ظاهرها يدلّ على أنّ المقترح هو بناء المسجد على قبورهم.

 

كيفية الاستدلال

الاستدلال بالآية ليس مبنيّاً على استصحاب حكم شرع من قبلنا، بل مبني على أمر آخر وهو أنّا نرى أنّ القرآن الكريم يذكر اقتراح الطائفتين بلا نقد ولا ردّ، ومن البعيد جدّاً أن يذكر الله تعالى كلاماً للمشركين ويمرّ عليه بلا نقد إجمالي ولا تفصيلي أو يذكر اقتراحاً للموحّدين وكان أمراً محرّماً في شرعنا من دون إيعاز إلى ردّه.

إنّ هذا تقرير من القرآن على صحّة اقتراح أُولئك المؤمنين، ويدلّ على أنّ سيرة المؤمنين الموحّدين في العالم كلّه كانت جارية على هذا الأمر، وكان يُعتبر عندهم نوعاً من الاحترام لصاحب القبر وتبرّكاً به.

إنّ مَن قرأ القرآن الكريم بتدبّر ووعي يعرف أنّ ما ينقله عن المشركين لو كان أمراً بيّن البطلان ربّما يمر عليه من دون ردّ، وأمّا إذا كان غير واضح البطلان فسيكون له موقف آخر منه، مثلاً عندما أحدق الخطر بفرعون وتيقّن أنّه سوف يغرق قال: (آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)([6]) .

فالقرآن لم يتركه على حاله إذ ربّما يتوهّم الجاهل أنّه ربما يكفي هذا ا لنوع من الإيمان، فلذلك ردّ عليه بقوله: (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)([7]) .

إنّ الغاية من ذكر قصة السابقين هي اتّخاذ العبر والمواعظ والتدبّر في مضامينها ومعانيها.

إنّ القرآن الكريم ليس كتاباً قصصياً أو تاريخياً تُسرد فيه حياة الغابرين، وإنّما نزل كدستور حياة للبشر، وكلّ منهم يستنبط من القصص ما ينفعه. فالمتكلّم يستنبط من قصة أصحاب الكهف إمكان المعاد وتجديد الحياة بعد قرون، ولكن الفقيه يستنبط من هذه القصة أنّه يجوز بناء المساجد على قبور الأولياء للتبرّك بهم.

 

زلة لا تستقال

إنّ الشيخ الألباني (عفا الله عنا وعنه) لمّا وقف على هذا الاستدلال الباهر المتين، حاول أن يناقش في الاستدلال لغاية حفظ موقفه المسبق في المسألة، فقال:

الاستدلال باطل من وجهين:

الأوّل: أنّه لا يصح أن يعتبر عدم الردّ عليهم إقراراً لهم إلاّ إذا ثبت أنّهم كانوا مسلمين وصالحين، ومتمسّكين بشريعة نبيّهم، وليس في الآية ما يشير أدنى إشارة إلى أنّهم كانوا كذلك، بل يحتمل أنّهم كانوا كفّاراً أو فجّاراً، فعدم الردّ عليهم لا يعدّ إقراراً بل إنكاراً، لأنّ حكاية القول عن الكفّار والفجّار يكفي في ردّه عزوه إليهم، فلا يعتبر السكوت عليه إقراراً.([8])

يلاحظ عليه أوّلاً: أنّ في الآية إشارة إلى أنّ القول الأوّل قول غير الموحّدين الّذي لم يكونوا متفاعلين مع أصحاب الكهف، والقول الثاني قول الموحّدين الذين كانت لهم صلة روحية بهم، والشاهد على ذلك أنّ الاقتراح الأوّل ذكر بقولهم: (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا)ثم أعقبوا اقتراحهم بقولهم: (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ): أي لا نعرفهم ولا نقول عنهم شيئاً وربنا أعرف بهم، وهذا كلام مَن لا يعرف أصحاب الكهف وعملهم، أو لا يحبّ ان يوصف بشيء من الصلاح والفلاح ولذا يفوّض مصيرهم إلى الله.

وأمّا الاقتراح الثاني فهو نابع عن قلب عارف بأصحاب الكهف، حيث قالوا: (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ)عرفوهم بجد (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا) وهل يمكن أن يكون هذا الاقتراح ياترى يصدر عن الكافر الفاجر؟!

وعلى هذا كيف يقول الشيخ: يحتمل أنّهم كانوا (المقترحون) فجّاراً كفّاراً؟!!

وثانياً: أنّ الاستدلال ليس مبنيّاً على كون الاقتراح من المسلمين والموحّدين، بل مبني ـ كما تقدّم ـ على رؤية قرآنية وهي أنّه لا يذكر شيئاً عن غيره إذا كان أمراً مشتبهاً إلاّ مع نقده وردّه، والمقام من هذا القبيل، فلو كان في هذا الاقتراح رائحة شرك كما يزعمه من يمنع بناء تلك المساجد، لما سكت عنه القرآن الكريم .

الثاني: قال: إنّ الاستدلال المذكور إنّما يستقيم على طريقة أهل الأهواء من الماضين والمعاصرين الذين يكتفون بالقرآن فقط ديناً ولا يقيمون للسنّة النبوية وزناً .([9])

يلاحظ عليه: أنّ المستدلّ بالآية هو الشيخ أبو الفيض الصدّيق الغماري في كتابه المسمّى: «إحياء المقبور من أدلّة استحباب بناء المساجد والقباب على القبور» وهو شيخ الحديث في المغاربة وله مدارس وتلاميذ وهو محيي السنّة في منطقته، فكيف يتّهمه بأنّه من أهل الأهواء المعرضين عن السنّة المكتفين بالقرآن؟!

ولقائل أن يعكس الأمر ويقابله بأنّ كلام المانعين من اتّخاذ قبور الأولياء مساجد كلام المعرضين عن القرآن، المكتفين بالسنّة، ما هكذا تورد يا سعد الإبل!!

والعجب أنّه في بعض كلامه ينسب الاقتراح الأوّل للمؤمنين، ويقول: ولقائل أن يقول: إنّ الطائفة الأُولى كانوا مؤمنين عالمين بعدم مشروعية اتّخاذ المساجد على القبور فأشاروا بالبناء على باب الكهف وسدّه وكفّ التعرّض عن أصحابه، فلم يقبل الأُمراء منهم وغاضهم ذلك حتّى أقسموا على اتّخاذ المسجد.([10])

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره على خلاف قول المفسّرين الذين وقفت على كلماتهم، وهذا هو الإمام الأثري الشيخ الطبري: ينسب القول الأوّل إلى الكافرين والاقتراح الثاني للمؤمنين، وقد مرّت كلمته وكلمات غيره من غير استقصاء.

 

تأويل مردود للألباني

لمّا أذعن الألباني بأنّ ما ذكره من الردود لا يقابل نص القرآن الكريم حاول أن يؤوّل الآية، قال: وإن أبيت إلاّ حسن الظن بالطائفة الثانية، فلك أن تقول: إنّ اتّخاذهم المسجد عليهم ليس على طراز اتّخاذ المساجد على القبور، المنهي عنه، وإنّما هو اتّخاذ مسجد (عندهم) وقريباً من كهفهم ومثل هذا ليس محذوراً .([11])

يلاحظ عليه: أنّ الموقف المسبق للشيخ الألباني المقلّد لمنهج ابن تيمية وأشباهه، جرّه إلى تأويل القرآن، فليس في الآية القرآنية لفظة (عند) بل الموجود لفظة (على) حيث قالوا: (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ): أي على قبورهم وعلى كهفهم، بحيث تكون القبور داخل المسجد لا خارجه.

 

عود إلى كلام عثمان الخميس

لمّا استشعر عثمان الخميس أنّ نهيه عن إقامة الصلاة في مسجد فيه قبر، لا يجتمع مع الصلاة في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)فالمسلمون عبر قرون يصلّون فيه وفيه قبر النبي والشيخين، فحاول الإجابة عن عمل المسلمين بقوله: «إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)كان حيّاً لمّا بني المسجد، ولمّا دفن لم يدفن في المسجد بل في بيته ولمّا وسع المسجد صار قبره الشريف داخل المسجد، وهنا يختلف الحكم فالمسجد بني على تقوى فتصحّ الصلاة فيه بلا إشكال، أمّا أن يبنى مسجد على قبر أو يدفن ميّت داخل مسجد فإنّه لم يبن على التقوى ولا تجوز الصلاة فيه.

أقول: إنّ كلامه هذا يعبّر عن تصويبه عمل إدخال قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)في المسجد، بالبيان الّذي ذكره، ولكنّه يخالف ما ذكره الشيخ الألباني حيث لم يرض بعمل السلف بإدخال قبر النبي في المسجد وقال: وقد وقع مع الأسف الشديد بإدخال القبر في المسجد، إذ لا فارق بين أن يكونوا دفنوه (صلى الله عليه وآله وسلم)حين مات في المسجد، وحاشاهم عن ذلك، وبين ما فعله الذين بعدهم من إدخال قبره في المسجد بتوسيعه، فالمحذور حاصل على كلّ حال.([12])

 

الإهانة لأهل البيت (عليهم السلام) و التابعين

إنّ الشيخ الألباني أنكر عمل التابعين في إدخال قبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)في المسجد، وقال: إنّ عمر بن عبدالعزيز لمّا كان نائباً للوليد على المدينة في سنة 91 هـ ، هدم المسجد وبناه بالحجارة المنقوشة، وعمل سقفه بالساج وماء الذهب، وهدم حجرات أزواج النبي فأدخلها في المسجد وأدخل القبر فيه ثم اعترض عليه بقوله: إن إدخال القبر الشريف في المسجد النبوي وضع حين لم يكن في المدينة أحد من الصحابة، وأنّ ذلك كان على خلاف غرضهم، فلا يجوز لمسلم أن يحتج بما وقع بعد الصحابة .([13])

أقول: من أين علم أنّه لم يكن حيثن ذاك أحد من الصحابة في المدينة؟!

أليس هذا رجماً بالغيب؟! فلقد صحب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)أكثر من مائة ألف صحابي، ولقد سجّل التاريخ أسماء قرابة خمسة عشر ألف غير أنّ تاريخ وفاة أكثرهم غير مسجّلة .

ثم إنّ كلامه هذا مأخوذ من كلام مؤسّس مذهبه ابن تيمية حيث اعتذر بهذا وقال: إنّما أُدخلت الحجرة في المسجد بعد انقراض الصحابة. لاحظ كتابه «الجواب الباهر في زوّار المقابر» فقد طبع في المطبعة السلفية في القاهرة كما يحكيه نفس الألباني.

نفترض أنّه لم يكن في المدينة أحد من الصحابة ولكن كان منهم مَن عاش إلى ثلاث وتسعين سنة، أعني: أنس بن مالك (راوية الحديث النبوي بعد أبي هريرة) فهذا هو الذهبي يقول في ترجمته: وقال عدّة وهو الأصحّ أنّه مات سنة ثلاث وتسعين; قاله: ابن عدي وسعيد بن عامر والمدائني وأبو النعيم والفلاس والقعنب .([14])

فلا محال وقف عليه أنس بن مالك، سواء أكان في المدينة أم غيرها، ولكن مع ذلك لم ينبث فيه ببنت شفة، ولم ينقل عنه أنّه اعترض أو أنكر هذا العمل.

وهذا هو أبو الطفيل آخر مَن مات من الصحابة فقد مات كما يقول الذهبي سنة مائة وقيل: مات بعد تلك السنة وأقام بمكة.([15])

أفيمكن أن لا يطّلع عليه ذلك الصحابي والمدنيون يحجّون كلّ سنة وينقلون أخبارها ومع ذلك لم ينقل عنه أي إنكار؟!

نفترض أنّه لم يكن يوم أُدخل قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)في المسجد أي صحابي ولكن كان في المدينة فقهاء وأصحاب الفتيا وعلى رأسهم الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام)الّذي أطبق المؤرّخون والمحدّثون على علمه وزهده وعلمه، وقد أخذ عنه جمع غفير من الفقهاء وأصحاب الفتيا، وكما أسّس مدرسة للفقه والحديث، وقد أُحصي أكثر من مائة وستين من التابعين ممّن كانوا ينهلون من معينه، ويروون عنه.

فقد حدّث عنه: سعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وأبو الزناد، ويحيى بن أُمّ الطويل، وعمر بن دينار، والزهري، وزيد بن أسلم، ويحيى بن سعد الأنصاري، وطائفة .

روي عن الزهري، أنّه قال: ما رأيت أحداً كان أفقه منه.([16]) فلو كان إدخال قبره (صلى الله عليه وآله وسلم)في المسجد أمراً غير صحيح لما سكت الإمام عنه، ولما سكت عنه ولده الإمام الباقر ومن بعده ولده الصادق(عليهم السلام).

هذا وقد صلّى المسلمون يوم أُدخل القبر في المسجد عبر قرون ولم يُسمع من أي ابن أُنثى أنّه أنكر ذلك العمل، بل المسلمون كلّهم يصلّون في المسجد ويتبرّكون بقبره الشريف إلى أن ولد الدهر ابن تيمية ومن لفّ لفّه فأظهروا نكيرهم لهذا العمل.

أليس اتّفاق المسلمين أو الفقهاء وأهل الفتيا في قرن واحد على عمل دليلاً على حلّية العمل وجوازه؟ فإنّ الإجماع عند القوم من أداة التشريع كالكتاب والسنّة، فلماذا لم نجعل هذا الاتّفاق دليلاً على الجواز بل الاستحباب؟!

وهذه هي المدن الإسلاميّة في الشامات كلّها تحتضن قبور الأنبياء العظام(عليهم السلام)وفيها مساجد جنب القبور، وما هذا إلاّ ليتبرّك المصلّي بقبور الأنبياء العظام(عليهم السلام)الذين كرّسوا حياتهم في نشر التوحيد ومكافحة الوثنية، ومن الظلم الواضح عدّ الصلاة عند قبورهم تبرّكاً بهم، شركاً أو ما يفوح منه رائحة الشرك! ومن يوم سيطرت الوهابية على قسم من تلك البلاد أخذوا يفصلون المساجد عن قبورهم ومشاهدهم بشيء من الستر.

ومن عجيب الأمر أنّ القوم حسب ما رووا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)أنّ خير أُمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم .([17]) جعلوا هذه القرون الثلاثة من أفضل القرون، وصار المقياس بين تمييز السنّة عن البدعة هو ما ظهر في هذه القرون من أمر جديد وما ظهر بعدها.

فعلى هذا فلماذا نقضوا غزلهم فلقد حدث هذا الأمر في خير القرون بيد التابعين؟! فلماذا صارت أمراً غير مرضي يا ترى؟!!

نعم قبر النبي يونس (عليه السلام)في الموصل في داخل المسجد وكذلك قبر نبي الله شيث هناك كذلك في المسجد.

 

دراسة أدلّة المانعين

تمسّك الوهابيون بمجموعة من الأحاديث على حرمة بناء المسجد عند قبور الصالحين، ونحن ندرس المهم منها. وليس إلاّ حدثين.

الحديث الأوّل:

روى البخاري: لمّا مات الحسن بن الحسن بن عليّ، ضربت امرأته القُبّة على قبره سنة، ثمّ رفعتْ، فسمِعوا صائحاً يُقول: ألا هل وَجَدوا ما فَقَدوا؟ فأجابه الآخر: بل يئسوا فانقلبوا.([18])

أقول: هذا الحديث الّذي رواه البخاري ـ وهو أصحّ الكتب عند القوم ـ دليل على جواز أمرين تنكرهما الوهابية:

1. نصب المظلّة والقبّة على القبر، لأنّ امرأة الحسن ضربت القبّة على قبر زوجها بمرأى ومسمع من التابعين وبينهم الفقهاء وأصحاب الفتيا وأهل الحديث، ولم يعرف من أحد منهم استنكار ذلك، وهذا أوضح دليل على جواز نصب القبّة على القبور، وكان ذلك في أفضل القرون الّذي هو الفاصل بين البدعة والسنّة.

2. أنّه تجوز الصلاة عند قبور الأولياء وقد ضربت زوجته القبّة لإقامة الصلاة عند قبره وتلاوة القرآن الكريم . والحسن بن الحسن المعروف بالمثنّى، من أسباط النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)وكفى في فضله أنّه كان وصي أبيه وولي صدقة عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)في عصره، وقد روى عن أبيه الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)وابن عمه عبدالله بن جعفر بن أبي طالب إلى غير ذلك. وقد هدّده الحجاج يوم كان أمير المدينة بالقبض عليه لو لم يدخل شخصاً غير صالح في صدقة عليٍّ، فقام في وجهه وقال: لا أُغيّر شرط عليٍّ، ولا أُدخل فيها من لم يُدخل .([19])

وأمّا قول الراوي: فسمعوا صائحاً يقول: ألا هل وجدوا ما فقدوا؟ فأجابه الآخر: بل يئسوا فانقلبوا.

ففيه أوّلاً: أنّه أشبه بقول غير الصالح ; لأنّ كلامه هذا نوع من الشماتة لأهل المصيبة فكان عليه أن يعزّيها بشيء لأجل موت زوجها كما هو السنّة فصار يَشمُت بأهل المصيبة بلغة لاذعة وهي ليست من أخلاق الصالحين. ومثله في ذلك ما أجابه الصائح المزعوم الآخر.

وثانياً: أنّ إقامة تلك المرأة على قبر زوجها الفقيد لم يكن على أمل عودته إلى الحياة حتّى يقال أنّها يئست بل كان لغايات قدسية أشرنا إليها. فقول ذلك الصائح وجواب الآخر ليس حجّة شرعية، إذ لم يعتمدوا على كتاب الله ولا على سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بل أبرزوا أحقادهم وضغائنهم يوم ابتليت المرأة الصالحة بموت زوجها .

الحديث الثاني:

روى البخاري عن عروة، عن عائشة، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)أنّه قال في مرضه الّذي مات فيه: «لعن الله اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مسجداً» قالت: ولولا ذلك لأبرزوا قبره، غير أنّي أخشى أن يتّخذ مسجداً.([20])

إنّ هذا الحديث مهما صحّ سنده لا يمكن قبول ظاهره، بل لابدّ من تبيين المراد منه بشيء وذلك للأسباب التالية :

أوّلاً: أنّ تاريخ اليهود لا يتّفق مع مضمون هذا الحديث، لأنّ سيرتهم قد قامت على قتل الأنبياء وتشريدهم وإيذائهم إلى غير ذلك من أنواع البلايا الّتي كانوا يصبّونها على أنبيائهم ويكفي في ذلك قوله سبحانه: (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقَ)([21]) .

وقوله سبحانه: (قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَ بِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)([22]).

وقوله سبحانه: (فَبَِما نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَ كُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللهِ وَ قَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقّ)([23]).

وثانياً: أنّ هناك قرائن شاهدة على أنّ النصارى كانوا يتّخذون قبور أنبيائهم قبلة لهم، تصرفهم عن التوجّه إلى القبلة الواجبة، فأين هذا من الصلاة في مسجد النبي أو مسجد فيه قبر أحد أولياء الله سبحانه متوجّهاً إلى الكعبة، مصلّياً لله سبحانه تالياً آيات الله، متبرّكاً بالأرض المقدّسة؟!

والّذي يدلّ على ذلك أُمور:

1. ما روي أنّ أُمّ حبيبة وأُمّ سلمة ذكرتا  كنيسة رأيناها في الحبشة فيها تصاوير، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ أُولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوّروا فيه تلك الصور أُولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة .([24])

2. والهدف من وضع صور الصالحين بجوار قبورهم إنّما كان لأجل السجود عليها أو على قبورهم، بحيث يكون القبر والصورة قبلة لهم، أو يكونا كالصنم المنصوب يُعبدان ويسجد لهما.

ويشهد على ذلك أنّ أحمد بن حنبل في «مسنده» ومالك بن أنس في «الموطأ» رويا تتمة لهذا الحديث وهي:أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ـ بعد النهي عن اتّخاذ القبور مساجد ـ : «اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ قَبْري وَثَناً يُعْبَد».([25])

إنّ هذا يدلّ على أنّ أُولئك كانوا يتّخذون القبر والصورة الّتي عليها قبلة يتوجّهون إليها، بل صنماً يعبد ، من دون اللّه سبحانه.

2. إنّ التأمّل في حديث عائشة ـ الحديث الثاني ـ  يزيد في توضيح هذه الحقيقة، حيث إنّها بعد الرواية عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) تقول:

«لولا ذلك لأبرزوا  قبره، غير أنّي أخشى أن يُتَّخذ مسجداً». أي جعلو حاجزاً.

ونتساءل: إقامة الجدار حول القبر يمنع عن أيّ شيء؟!

من الثابت أنّ الجدار يمنع من الصلاة على القبر نفسه وأن يتّخذ وثناً يُعبد، وعلى الأقل لا يكون قبلة يُتوجّه إليها.

أمّا الصلاة بجوار القبر ـ من دون عبادة القبر أو جعله قبلة للعبادة ـ فلا يمنع منها بشهادة أنّ المسلمين ـ منذ أربعة عشر قرناً ـ يُصلّون بجوار قبر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في حين أنّهم كانوا يتوجّهون إلى الكعبة ويعبدون اللّه تعالى، فوجود الحاجز لم يمنعهم من هذا كلّه.

وحصيلة الكلام : إنّ تتمة الحديث الثاني ـ الّتي هي من كلام عائشة ـ تُوضّح معنى الحديث، لأنّها تذكر السبب الّذي منع من إبراز قبر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه للحيلولة دون اتّخاذه مسجداً، ومرادها من اتخاذ مدفنه مسجداً .

قبلة يصلي إليه كما سيأتي التصريح من شراح الحديث، ولهذا أُقيم الجدار الحاجز حول القبر الشريف.

فالحاجز يمنع من شيئين:

1. من أن يتحوّل القبر إلى وثن يقف الناس بين يديه يعبدونه، فمع وجود الحاجز لا يمكن رؤية القبر فلا يمكن اتّخاذه وثناً للعبادة.

2. من أن يُتَّخذ قبلة، ذلك لأنّ اتّخاذه قبلة فرع رؤيته.

وأمّا الصلاة في المسجد الّذي دفن فيه فلم يمنع عنه بالبداهة، وهذا دليل على أنّ قلق الرسول على فرض صحة الحديث من مدفنه، اتّخاذ قبره صنماً يُعبد أو يسجد عليه .

فإن قال قائل: إنّ اتخاذ القبر قبلة لا يتوقّف على الرؤية بشهادة أنّ الكعبة قبلة للمسلمين في حين أنّ أكثر المسلمين لا يرونها وقت العبادة.

فالجواب: لا تصحّ المقارنة والمقايسة بين الكعبة والقبر، لأنّ الكعبة قبلة عامّة لجميع المسلمين في كافّة أرجاء الكرة الأرضية، وليست قبلة للعبادة فقط، بل للعبادة وغيرها كالذبيحة والدفن وما شابه، فهي قبلة في جميع الأحوال، ولا علاقة للرؤية فيها بأيّ وجه.

أمّا اتّخاذ قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قبلة، فإنّما يمكن للّذين يتواجدون في مسجده ويقيمون الصلاة عنده، فإبراز القبر الشريف يمهّد لهذا الاحتمال ـ على رأي عائشة طبعاً ـ بينما يكون الستر  مانعاً عن ذلك.

وثالثاً: من القرائن الدالّة على أنّ نهي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّما هو عن عبادة القبور، هو أنّ الكثير من شارحي صحيح البخاري ومسلم فسّروا الحديث بمثل ما فسّرناه، وفهموا منه مثل ما فهمناه... فمثلاً:

يقول  القسطلاني ـ في كتاب إرشاد الساري ـ :

إنّما صوّر أوائلهم الصُّور ليستأنسوا بها ويتذكّروا أفعالهم الصالحة، فيجتهدوا كاجتهادهم ويعبدوا اللّه عند قبورهم، ثمّ خَلَفهم قوم جهلوا مرادهم، ووسوس لهم الشيطان أنّ أسلافهم كانوا يعبدون هذه الصور ويُعظّمونها، فحذَّر النبي عن مثل ذلك.

إلى أن يقول:

قال البيضاوي: لمّا كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور  الأنبياء تعظيماً لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجّهون في الصلاة نحوها واتّخذوها أوثاناً، مُنع المسلمون عن مثل ذلك، فأمّا  من اتّخذ مسجداً في جوار صالح وقصد التبرُّك بالقرب منه ـ لا للتعظيم ولا للتوجّه إليه ـ فلا يدخل في الوعيد المذكور.([26])

وليس القسطلاني منفرداً في هذا الشرح، بل يقول به السندي ـ شارح السُّنن للنسائي ـ حيث يقول:

«اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد» أي: قبلة للصلاة يُصلّون إليها، أو بنوا مساجد عليها يُصلّون فيها. ولعلّوجه الكراهة أنّه قد يُفضي إلى عبادة نفس القبر.([27])

ويقول أيضاً:

يُحذّر (النبي) أُمّته أن يصنعوا بقبره ما صنع اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم من اتّخاذهم تلك القبور مساجد، إمّا بالسجود إليها تعظيماً لها، أو بجعلها قبلة يتوجّهون في الصلاة إليها.([28])

ويقول النووي ـ في شرح صحيح مسلم ـ :

قال العلماء: إنّما نهى النبي عن اتّخاذ قبره وقبر غيره مسجداً، خوفاً من المبالغة في تعظيمه والافتتان به، فربّما أدّى ذلك إلى الكفر، كما جرى لكثير من الأُمم الخاليـة، ولمّا احتاجت الصحـابـة والتابعون إلـى الـزيادة فـي مسجد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حين كثر المسلمون وامتدّت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أُمّهات المؤمنين فيه، ومنها حجرة عائشة، مدفن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) وصاحبيه بَنوا على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله، لئلاّ يظهر في المسجد فيصلّـي إليه العوام...

ولهذا قالت «عائشة» في الحديث: ولولا ذلك لأبرزوا قبره، غير أنّه خُشي أن يُتَّخذ مسجداً.([29])

أقول: مع هذه القرائن ومع ما فهمه شُرّاح  الحديث لابدّ من القول به، ولا يمكن استنتاج غير ذلك أو الافتاء بغيره.

 

وجود المساجد في المشاهد المشرّفة لا صلة له بهذه الأحاديث

إنّ مورد الحديث هو ما إذا كان المسجد مبنيّاً فوق القبر، فلا علاقة له بالمشاهد المشرَّفة، لأنّ المسجد  ـ في كلّ المشاهد ـ  ما عدا مسجد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إنّما هو بجوارها لا عليها، بشكل ينفصل أحدهما عن الآخر.

وبعبارة أُخرى:  هناك حرم وهناك مسجد، فالحرم خاصٌّ للزيارة والتوسّل إلى اللّه تعالى بذلك الوليّ الصالح، والمسجد ـ بجواره ـ للصلاة والعبادة، فالمشاهد المشرَّفة ـ في هذه الحالة ـ  خارجة عن مفاد الحديث ومعناه ـ على فرض  أن يكون مفاده ما يدّعيه الوهّابيّون ـ .

وبذلك يظهر مفاد الأحاديث الّتي جمعها الشيخ الألباني في صدر كتابه باسم «تحذير الساجد من اتّخاذ القبور مساجد»، الّذي بلغ عددها إلى أربعة عشر، فالجلّ لولم نقل الكلّ ناظر إلى عمل النصارى من اتّخاذ القبور قبلة أو السجود عليها، وأمّا مجرد الإتيان بالصلاة تبرّكاً بالموضع الّذي فيه قبر نبي التوحيد فخارج عن مفاد هذه الروايات.

إلى هنا تمّ ما أردناه من تبيين حكم بناء المساجد على قبور الأولياء، الّذي هو الأساس لنقد كلام عثمان الخميس.

 

دراسة مقاطع ثلاث في كلام عثمان الخميس

إذا تبيّن ذلك فلنرجع إلى مقاطع ثلاث في كلامه.

المقطع الأوّل: منع عثمان الخميس من الصلاة في مساجد الشيعة لأمرين:

1. لأنّ الشيعة كثيراً ما يعظمون القبور، فيبنون المساجد على القبور أو يجعلون القبور داخل المساجد، أي يدفنون الموتى داخلها، فلا تجوز الصلاة في مسجد فيه قبر.

ولنا مع الشيخ في كلامه هذا بعض الأسئلة:

أوّلاً: أنّ الشيخ أفتى في كلامه بأنّه لا يجوز للمسلم أن يدخل مساجد الشيعة ويصلّي فيها لأنّها تشتمل على القبور .

نسأله أنّ الإفتاء بالقضية الكلّية رهن مشاهدة الشيخ أكثر مساجد الشيعة المنتشرة في العالم أو كلّها، حتّى يستطيع إلى الحكم بالقضية الكلّية. أفهل قام الشيخ بهذا العمل، وشاهد المساجد الشيعية كلّها بعينه حتّى يحكم بهذا الحكم؟

إنّ للشيعة مساجد تعدّ بعشرات الآلاف في إيران والعراق ولبنان وپاكستان والهند وأفغانستان وغيرها من البلاد الإسلاميّة والغربية، فلا يصحّ للشيخ أن يفتي بقضية كلّية دون أن يشاهد هذه المساجد ويرى بأُمّ عينه دفن الموتى فيها .

وقد روي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)سُئل عن الشهادة فقال: «هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع» .([30]) ولا أظنّ أنّ الشيخ ولا أترابه الذين يجترّون ما ذكره ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب قاموا بهذا العمل ولو بنسبة ضئيلة. وقد مرّ التذكير بذلك في صدر المقال .

ثانياً: كيف يتهم الشيعة بأنّهم يدفنون الموتى في مساجدهم مع أنّ فقهاء الشيعة صرّحوا في الكتب الفقهية بتحريم ذلك، هذا هو السيد الطباطبائي في «العروة الوثقى» عقد فصلاً في بعض أحكام المسجد وقال: لا يجوز دفن الميّت في المسجد([31]). لمنافاة الدفن جهة الوقف، فمن خصّ أرضاً بالمسجد فقد فكّ ملكه عن نفسه وجعله لله سبحانه، ومع ذلك كيف يتصرف في ملك الله، فهل قرأ الشيخ صفحة من فقه الشيعة، وصدر في هذه الفتيا عن علم وكثب؟! نعم الحرام دفن الموتى بعد بناء المساجد، وأمّا بناء المساجد على قبورهم لا صلة له بما ذكرنا من الحرمة. وبذلك يظهر أنّ الصلاة في حرم أئمة أهل البيت(عليهم السلام)الّتي تضمّنت أجسادهم الطاهرة، لا صلة له بمسألة دفن الموتى في المساجد، بل بنيت مشاهدهم بعد دفنهم، كما أنّ هذه المشاهد لا تُعدّ مساجداً عند الشيعة.

نعم ربّما يوجد في بعض الأمكنة بصورة نادرة أنّ الواقف يجعل لنفسه غرفة خاصة خارج المسجد متصلة به ليدفن فيها، لأجل أن يستغفر له المصلّون ويقرأوا الفاتحة ويُهدوا ثوابها إليه ، ولا يوجد مثل هذا أيضاً إلاّ نادراً.

ثالثاً: أنّ المانع عند أُستاذه هو القبر الظاهر وأمّا القبر غير الظاهر فيجوز فيها الصلاة، هذا هو الألباني يقول: إنّ العبرة في هذه المسألة بالقبور الظاهرة وأمّا ما في بطن الأرض من القبور فلا يرتبط بها حكم شرعي من حيث الظاهر بل الشريعة تتنزّه عن مثل هذا الحكم لأنّا نعلم بالضرورة والمشاهدة أنّ الأرض كلّها مقبرة الأحياء، كما قال تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَ أَمْوَاتًا)([32]).([33]) فالقبور في مساجد الشيعة على فرض غير صحيح ليست ظاهرة، فكيف يفتي بعدم جواز الصلاة فيها؟!

دراسة المقطع الثاني من كلامه

أمّا السبب الثاني للمنع فيوضّحه بقوله: إنّ رائحة الشرك تفوح داخل هذه المساجد .

1. فيذكر غير الله .

2. ويستغاث بغير الله.

3. ويدعون غير الله .

4. ويسبّ أولياء الله من الصحابة والخلفاء.

فقد ذكر في كلامه هذا أُموراً أربعة:

الأوّل: يذكرون غير الله، فنسأله: هل ذكر غير الله في المسجد عبادة للغير؟! ولو صار ذلك ملاكاً للتوحيد والشرك فلا يوجد على أديم الأرض أي موحّد، فالخطباء يذكرون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)ورواة الحديث وأسماء العلماء وغير ذلك، وربّما يذكر الواعظ أسماء الصالحين والطالحين وقصصهم وأحوالهم.

الثاني: ويستغاث بغير الله، وهذا هو المهم في كلامه، فنقول: هل الاستغاثة بغير الله أمر حرام، فهذا القرآن يذكر قصة الرجل الّذي استغاث بموسى (عليه السلام)وهو من شيعته لينصره على عدوه القبطي واستجاب له موسى (عليه السلام)كما في قوله تعالى: (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَة مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ )([34]).

فلو كانت الاستغاثة أمراً شركياً فلماذا استجاب له موسى (عليه السلام)ولم يستنكر عليه، ولعلّ عثمان الخميس كأسياده يجيبون عن ذلك، بأنّه من قبيل استغاثة الحي بالحي وكلامنا هو في استغاثة الحي بالميّت، ولكن المجيب لم يعرف أنّ الحياة والموت ليسا ملاكين للتوحيد والشرك، بل ملاكين للجدوى وعدمها، فله أن يمنع الاستغاثة بالميّت لعدم الجدوى لا للشرك. ولكنّه يصرّ على أنّ الاستغاثة بالميت شرك أفهل يمكن أن يكون عمل واحد توحيداً في حالة وشركاً في حالة آخر؟!

وأمّا كون الاستغاثة بالميت مجدية أو لا، فهو خارج عن مصبّ كلامنا.

الثالث: ويدعون غير الله

ماذا يريد من دعاء الغير؟ هل يريد الدعاء بالمعنى اللغوي، أي دعاء شخص شخصاً، لا أظنّ أنّ أحداً يحرّمه، فهذا هو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)دعا في غزوة أُحد أصحابه الذين تركوا ساحة الحرب وولّوا هابرين، قال تعالى: (إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَد وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ)([35]).

وإن أراد عبادة الغير فهو بهتان عظيم، فإنّ العبادة عبارة عن الخضوع أمام مَن هو خالق أو مدبّر الأُمور وبيده مصائر العباد، والشيعة جمعاء ـ وفاقاً لعامّة المسلمين ـ يعتقدون بالتوحيد في الخالقية والربوبية، وأنّ الأُمور كلّها بيد الله سبحانه، ولا يملك أحدٌ لنفسه ولا لغيره شيئاً إلاّ الدعاء لنفسه أو لغيره بإذن من الله سبحانه.

وإن أراد من دعاء الغير طلب الدعاء والشفاعة فهذا أمر اتّفق على جوازه المسلمون إلاّ شذّاذ الآفاق.

هذا هو الترمذي يروي عن أنس أنّه قال: سألت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)أن يشفع لي يوم القيامة، فقال: أنا فاعل، قلت: فأين أطلبك، قال: على الصراط ([36]).

وهذا هو سواد بن قارب وفد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وطلب منه الشفاعة ضمن قصيدة، فيها:

وكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة *** بمغن فتيلاً عن سواد بن قارب([37])

ولا يختص طلب الشفاعة من الحي بل يشمل طلب الشفاعة من الميّت، فهذا هو ابن عباس يقول: لمّا فرغ أمير المؤمنين (عليه السلام)من تغسيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)قال: «بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ! لَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالاِْنْبَاءِ وَأَخْبَارِ السَّمَاءِ ـ إلى أن قال: ـ اذْكُرْنَا عِنْدَ رَبِّكَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ بَالِكَ!...»([38]).

ويروى أيضاً أنّه لمّا توفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)كشف أبو بكر عن وجهه ثمّ أقبل عليه فقبّله ثم قال:«بأبي أنت وأُمّي أمّا الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها، ثمّ لن تصيبك بعدها موتة أبداً»([39]).

إنّ هاتين الروايتين ـ وأمثالهما ـ تدلاّن على أنّه لا فرق بين طلب الشفاعة من الشفيع في حياته وبعد وفاته، وقد كان الصحابة يطلبون الدعاء من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)بعد وفاته، فلو كان طلب الدعاء منه صحيحاً بعد وفاته، فإنّ طلب الشفاعة ـ الّذي هو نوع من طلب الدعاء ـ سيكون صححياً أيضاً.

وليس للشيعة في مساجدهم إلاّ طلب الشفاعة، أي طلب الدعاء من النبي وآله، وقد دلّت الآيات والروايات على حياتهم ووجود الصلة بيننا وبينهم، فلنفترض ـ فرضاً باطلاً ـ أنّهم غير أحياء وأنّهم لا يسمعون كلامنا، فغاية ما يمكن أن يقول به الرجل هو عدم الجدوى في طلب الدعاء من العبد الّذي لا يسمع، فلا يكون ذلك دليلاً على الشرك.

الرابع: سبّ الأولياء من الصحابة والخلفاء

إنّ الشيعة تقتفي إثر أئمة أهل البيت(عليهم السلام)وإثر إمام المتقين وقدوة الموحّدين علي أمير المؤمنين (عليه السلام)وهانحن ننقل شيئاً من كلامه حول الصحابة: «أَيْنَ إِخْوَانِي الَّذِينَ رَكِبُوا الطَّرِيقَ، وَ مَضَوْا عَلَى الْحَقِّ؟ أَيْنَ عَمَّارٌ؟ وَأَيْنَ ابْنُ التَّيِّهَانِ؟ وَأَيْنَ ذُو  الشَّهَادَتَيْنِ؟ وَأَيْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَى الْمَنِيَّةِ، وَأُبْرِدَ بِرُؤُوسِهِمْ إِلَى الْفَجَرَةِ!

قال: ثم ضرب بيده على لحيته الشريفة الكريمة، فأطال البكاء، ثم قال(عليه السلام):

أَوِّهِ عَلَى إِخْوَانِي الَّذِينَ تَلَوُا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ، وَتَدَبَّرُوا الْفَرْضَ فَأَقَامُوهُ، أَحْيَوُا السُّنَّةَ وَ أَمَاتُوا الْبِدْعَةَ. دُعُوا لِلْجِهَادِ فَأَجَابُوا، وَوَثِقُوا بِالْقَائِدِ فَاتَّبَعُوهُ».([40])

وهذا هو الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام)يدعو لصحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)ويقول: «اللّهم وأصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)خاصّة الذين أحسنوا الصحبة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكانفوه وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته ـ إلى أن يقول: ـ فلا تنس لهم اللّهم ما تركوا لك وفيك، وأرضهم من رضوانك، وبما حاشوا الخلق عنك  وكانوا مع رسولك دعاة لك إليك، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم»، ثم يقول: «اللّهم وأوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون: ربنا أغفر لنا»([41]).

هذا هو منطق أئمة الشيعة والمسلمين، والمسلمون كلّهم سائرون عليه، والعجب أنّه يتّهم الشيعة بسبّ الصحابة في عامّة مساجدهم ولذلك منع من الدخول إليها، ومع ذلك كلّه نرى في أصحّ كتبهم وهو صحيح البخاري سبّ بعض الصحابة البعض الآخر في مجلس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وحضوره، وإن كنت في ريبّ فلنتلوا عليك رواية واحدة نقلها البخاري في صحيحه باختصار:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)في قصة الإفك: «مَن يعذرني من رجل ] المراد به عبدالله بن سلول[ قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي، إلاّ خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلاّ خيراً وما كان يدخل على أهلي إلاّ معي».

فقام سعد بن معاذ الأنصاري، فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عُنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت عائشة : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحميّة، فقال لسعد: كذبت، لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أُسيد بن حضير وهو ابن عم سعد، فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنّه فإنّك منافق، تجادل عن المنافقين. فتثاور الحيّان الأُوس والخزرج حتّى همّوا أن يقتتلوا ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يُخفّضهم حتّى سكتوا وسكت([42]).

 

النقد والتقييم غير السبّ

إنّ النقد القائم على أُسس صحيحة وموازين سليمة هو قبلة طالبي الحقيقة، والساعين إلى الفضيلة.

وأمّا السبّ والشتم فهو وليد العصبية ونتاج الغيظ والحقد والهوى، وبتعبير آخر: السبّ هو النيل من كرامة الشخص بكلمات مبتذلة، ولسان بذيء لغاية التشفّي وهدم الكرامة.

وأمّا النقد: فهو دراسة حياة الشخص من منظار موضوعي وبيان ما له من الفضيلة والكرامة، أو ما اقترف من المآثم والخطايا، فيُمدح على الأوّل ويذمّ على الثاني.

فالذي في كتب الشيعة عند المرور بآيات الذكر الحكيم هو دراسة النقد لا السبّ.

ولو كان هذا سبّاً فكتب القوم هي التي فتحت هذا الباب على مصراعيه بوجه المسلمين، وهذا هو البخاري، ومسلم رووا في صحاحهم روايات كثيرة في ارتداد الصحابة بعد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونحن ننقل منها رواية واحدة:

روى أبو هريرة أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قال: «يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي ـ أو قال: من أُمّتي ـ فيحلّؤون عن الحوض، فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنّه لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنّهم ارتدوا على أدبارهم القهقري».([43])

دراسة المقطع الثالث

مع أنّ المفتي أفتى بحرمة الصلاة في مساجد الشيعة إلاّ أنّه أفتى أخيراً بأنّ الإنسان لو دخل وصلّى في هذه المساجد، حتّى مع علمه بعدم الجواز، فصلاته صحيحة.

أقول: كيف يفتي بصحّة الصلاة، مع أنّ المصلّي فيها ـ حسب روايتهم ـ ملعون بعمله هذا، فكيف تنسجم حرمة العمل مع صحّته، وكيف ينسجم كون المصلّي ملعوناً مع كون صلاته مقبولة؟!

وكيف يتمشّى قصد التقرّب وامتثال الأمر مع كونه مطروداً من رحمة الله؟!

ولعمر الحق فما أرخص هذا الاجتهاد الّذي لا يحتاج إلى إتقان المبادئ والمقدّمات اللازمة.

فكأنّ الإفتاء عند القوم لا يحتاج إلى مبادئ ومقدّمات تؤهّل المفتي لاستنباط الحكم الشرعي من كتاب الله وسنّة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيفتي بلا دليل على حرمة الدخول، ثم ينقض ما أبرمه، بلا دليل ولا برهان.

هذا ما سمح به الوقت في دراسة هذه الفتوى ونقدها نقداً علمياً، والتي وجدناها على شفا جرف هار.

والحمد لله رب العالمين

جعفر السبحاني

قم المقدسة ـ الحوزة العلمية

21 رجب المرجب 1435 هـ

 


[1] . الكهف: 21.

[2] . تفسير الطبري: 15 / 149 .

[3] . تفسير الرازي: 21 / 105 .

[4] . تفسير الكشّاف: 2 / 334 .

[5] . تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان المطبوع بهامش تفسير الطبري: 15 / 119 .

[6] . يونس: 90 .

[7] . يونس: 91.

[8] . تحذير الساجد من اتّخاذ القبور مساجد: 81 ـ 82 .

[9] . تحذير الساجد من اتّخاذ القبور مساجد: 82 .

[10] . تحذير الساجد من اتّخاذ القبور مساجد: 76 .

[11] . تحذير الساجد من اتّخاذ القبور مساجد: 76 ـ 77 .

[12] . تحذير الساجد من اتّخاذ القبور مساجد: 89 .

[13] . تحذير الساجد من اتّخاذ القبور مساجد: 93.

[14] . سير أعلام النبلاء: 3 / 406 برقم 62.

[15] . سير أعلام النبلاء: 3 / 470 برقم 97 .

[16] . لاحظ : سير أعلام النبلاء6 4 / 389 ; تاريخ مدينة دمشق: 41 / 371 .

[17] . فتح الباري: 7 / 3.

[18] . صحيح البخاري: 2 / 90، كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتّخاذ المساجد على القبور، بعد رقم 1329.

[19] . تهذيب الكمال: 6 / 92 .

[20] . صحيح البخاري: باب ما يكره من اتّخاذ المساجد على القبور برقم 1330 .

[21] . آل عمران: 181 .

[22] . آل عمران: 183 .

[23] . النساء: 155.

[24] . صحيح مسلم: 2 / 66، كتاب المساجد ; ولاحظ: سنن النسائي: 2 / 41 .

[25] . مسند أحمد:3/248.

[26] . إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري: 2 / 437، باب بناء المساجد على القبور. وقد مال إلى هذا المعنى ابن حجر ـ في فتح الباري:3/208 حيث قال: إنّ النهي إنّما هو عمّا يؤدّي بالقبر إلى ما عليه أهل الكتاب، أمّا غير ذلك فلا إشكال فيه.

[27] . السنن للنسائي:2/21مطبعة الأزهر.

[28] . نفس المصدر السابق.

[29] . شرح صحيح مسلم للنووي:5/13ـ 14.

[30] . كنز العمال: 7 / 23 برقم 17782 .

[31] . العروة الوثقى: 2 / 407، فصل في بعض أحكام المسجد.

[32] . المرسلات: 25 ـ 26 .

[33] . تحذير الساجد من اتّخاذ القبور مساجد: 113 .

[34] . القصص: 15 .

[35] . آل عمران: 153.

[36] . سنن الترمذي: 4 / 42، باب ما جاء في شأن الصراط.

[37] . الدرر السنية لزيني دحلان: 29.

[38] . نهج البلاغة: من قصار كلامه 235.

[39] . السيرة النبوية: 2 / 655 ـ 656.

[40] . نهج البلاغة: الخطبة 182 .

[41] . الصحيفة السجادية: الدعاء رقم 4، الصلاة على مصدّقي الرسل.

[42] . صحيح البخاري بشرح الكرماني: 17 / 14 ـ 15 .

[43] . صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب في الحوض، برقم 6576، ولاحظ بقية الأحاديث بالأرقام: 6582، 6583، 6584، 6585، 6586، 6587.

السيد القائد يلقي خطابه السنوي في الذكري الخامسة و العشرين لرحيل الإمام الخميني (رض)السيد القائد يلقي خطابه السنوي في الذكري الخامسة و العشرين لرحيل الإمام الخميني (رض)عرض عشاق الإمام الخميني (رض) القادمون من كافة أنحاء البلاد إلي جوار مرقده الطاهر في الذكري الخامسة و العشرين لرحيل مؤسس الثورة الإسلامية الكبير صوراً نادرة من العظمة و الصمود و العزة و العشق لمبادئ الثورة الإسلامية، مجددين العهد مع أصول و مبادئ ذلك الحبيب الراحل.

و ألقي سماحة آية الله العظمي السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية في هذا الحشد الهائل من مختلف شرائح أبناء الشعب و الضيوف الأجانب كلمته السنوية التي تطرق فيها لجذور و أسباب الشوق و التطلع المطرد لشعوب العالم لمعرفة ظاهرة الجمهورية الإسلامية المقتدرة و السائرة نحو التقدم، و اعتبر الشريعة الإسلامية و الديمقراطية الدينية النابعة من الشريعة الركنين الأساسيين لمدرسة الإمام الخميني، و شدد علي وفاء شعب إيران و مسؤوليه لهذه الوصفة السياسية - المدنية الجديدة مردفاً: مضايقات أمريكا و عرقلاتها و خفوت روح نهضة الإمام الخميني الكبير و اتجاهاتها تحديان أساسيان سيواصل شعب إيران بتشخيصهما و الانتصار عليهما طريق الإمام الخميني الراحل الكبير المحفوف بالمفاخر و السعادة.

في الجانب الأول من حديثه في هذا الملتقي الوطني العظيم، اعتبر آية الله العظمي السيد الخامنئي الجاذبية المطردة للإمام الخميني و الجمهورية الإسلامية بين الرأي العام للشعوب و خصوصاً الشعوب المسلمة حقيقة واقعة، منوّهاً: بعد خمسة و عشرين عاماً علي رحيل قائد الثورة الإسلامية الكبير تسعي مختلف الشرائح في العالم الإسلامي و خصوصاً الشباب و الواعون بكل شوق و تطلع إلي معرفة المزيد عن ظاهرة الديمقراطية الدينية و نظرية ولاية الفقيه و سائر قضايا الثورة الإسلامية.

و اعتبر سماحته الهجمات الإعلامية و السياسية المستمرة و الواسعة جداً للأعداء ضد الجمهورية الإسلامية من عوامل تشديد تطلع الشعوب لمعرفة الثورة الإسلامية مردفاً: الرأي العام في العالم الإسلامي متشوق أكثر من الماضي لمعرفة ماهية و حقيقة الحكومة التي تتعرض لكل هذه الهجمات غير المسبوقة و المستمرة، و لإدراك سرّ صمودها و نجاحاتها.

و عدّ سماحة قائد الثورة الإسلامية الصحوة الإسلامية و المشاعر المناهضة للاستكبار إحدي نتائج تطلع و وعي الشعوب تجاه الجمهورية الإسلامية مؤكداً: ترتكب جبهة الاستكبار خطأ استراتيجياً عندما تتصور أنها استأصلت الصحوة الإسلامية، فالوعي و الفهم الذي أدي إلي ظهور الصحوة الإسلامية ليس مما يزول و يمحي، و هذه الظاهرة سوف تنتشر عاجلاً أم آجلاً.

و أوضح سماحته أن الاقتدار و التقدم المطرد لشعب إيران عامل آخر من عوامل تطلع الشعوب نحو الجمهورية الإسلامية و الديمقراطية الدينية، مضيفاً: يبحث الجيل الشاب في العالم الإسلامي عن إجابة لهذا السؤال التاريخي المهم و هو: لماذا و كيف استطاعت الجمهورية الإسلامية طوال 35 عاماً الصمود و المقاومة إزاء الهجمات العنيفة و الوحشية العسكرية و السياسية و الإعلامية للأعداء‌ و الحظر غير المسبوق الذي فرضته أمريكا، و راحت تزداد تقدماً و اقتداراً يوماً بعد يوم، و دون أية نزعة محافظة؟

و في معرض إيضاحه لأسباب جاذبية الجمهورية الإسلامية أكثر، أضاف قائد الثورة الإسلامية: ‌الشعوب و الأجيال الشابة و الواعية في العالم الإسلامي تري حالات تقدم الشعب الإيراني في ميادين الفضاء و الجو، و تلاحظ وجود إيران ضمن البلدان العشرة الأولي عالمياً في الكثير من العلوم الجديدة، و كذلك السرعة العلمية لإيران و التي تعادل 13 مرة أكثر من متوسط السرعة العالمية، و تدرك أن شعب إيران له الدور الأول في السياسات الإقليمية، و أنه بصموده بوجه الكيان الصهيوني الغاصب يدافع عن المظلوم و يجابه الظالم.

و استطرد سماحة الإمام السيد علي الخامنئي قائلاً: هذه الحقائق تدفع أي إنسان للتطلع و طلب معرفة المزيد عن ظاهرة الجمهورية الإسلامية.

و أكد سماحته علي أن إقامة 32 انتخابات طوال الأعوام الـ 35 الماضية بمشاركة عالية مثيرة للإعجاب من قبل الشعب، و التواجد الهائل و الملحمي للشعب في مظاهرات يوم الثاني و العشرين من بهمن و يوم القدس العالمي حقيقة أخري من حقائق إيران الجذابة للرأي العام الخارجي مردفاً: لقد تعودنا نحن علي مثل هذه الأمور و لا نشعر بعظمتها و أهميتها لكن هذه الحقائق الجميلة تثير التساؤلات و الانبهار لدي المراقبين العالميين و شعوب البلدان الأخري.

و اعتبر قائد الثورة الإسلامية كل هذه الحقائق و الواقعيات الجميلة و المشوقة من صناعة و صياغة اليد القديرة و الفكر المبدع لمهندس الثورة الإسلامية الكبير الإمام روح الله الخميني (رض)، و تابع حديثه برسم صورة مختصرة لكن بليغة لمدرسة الإمام الخميني.

و كانت النقطة الرئيسة في هذا الجانب من حديث قائد الثورة الإسلامية حقيقة أنه من أجل الوصول للهدف ينبغي عدم إضاعة الطريق، و لأجل السير في الطريق الصواب نحتاج لاستيعاب الخارطة الأساسية لذلك المهندس الحاذق البارع.

و أوضح آية الله العظمي السيد علي الخامنئي أن تشييد نظام «مدني - سياسي» علي أساس «العقلانية الإسلامية» هي الخارطة الأصلية للإمام الخميني الراحل مضيفاً: انهيار النظام الملكي العميل الفاسد المستبد في إيران و استئصال خصوصيات ذلك النظام هو مقدمة تشييد صرح عظيم أقامه الإمام الخميني بهمته الفذة و مواكبة الشعب له.

و في معرض شرحه للأركان و الأعمدة الرئيسة في النظام السياسي المدني الذي تغيّاه الإمام الخميني شدّد قائد الثورة الإسلامية السيد الخامنئي علي نقطتين أساسيتين و مرتبطتين ببعضهما أشد الترابط فقال: الركن الأول هو الشريعة الإسلامية باعتبارها روح الجمهورية الإسلامية و جوهرها، و الركن الثاني هو إحالة الأمور و الأعمال للناس عن طريق الديمقراطية و الانتخابات.

و تابع سماحته يقول: لا يظنن أحد أن الإمام الخميني اقتبس الانتخابات من الثقافة الغربية و مزجها بالفكر الإسلامي، إذ لا ريب في أنه لو لم تكن الانتخابات و الديمقراطية مستمدة من أصل الشريعة الإسلامية لأعرب الإمام الخميني عن ذلك بكل صراحة و حسم.

و أكد قائد الثورة الإسلامية: ‌علي أساس مدرسة الإمام الخميني ينبغي النظر للشريعة الإسلامية و الاهتمام بها إلي أقصي حد باعتبارها حقيقة النظام الإسلامي و ماهيته، و ذلك في كل الأعمال و الممارسات و عمليات التشريع و رسم السياسات و عمليات و العزل و النصب و السلوكيات العامة و سائر الأمور و القضايا، هذا إلي جانب أن تسيير الأمور في هذا النظام السياسي المدني يقوم علي أساس الديمقراطية النابعة من نفس هذه الشريعة، فالناس ينتخبون كل مسؤولي البلاد انتخاباً مباشراً أو غير مباشر.

و أكد قائد الثورة الإسلامية علي أن التطبيق الكامل للشريعة من شأنه تأمين العناصر الأربعة الرئيسية: الاستقلال و الحرية و العدالة و المعنوية، مردفاً: الالتزام بالشريعة الإسلامية الباعثة علي السعادة يضمن فضلاً عن الحريات الفردية و المدنية حرية الشعب من ربقة المستكبرين أي الاستقلال الوطني، و يحقق العدالة و يستتبع المعنوية.

ثم تطرق الإمام السيد علي الخامنئي إلي نقطة أساسية و مهمة أخري في مدرسة الإمام الخميني.

فقد قال سماحته: في مدرسة الإمام الخميني لا تقبل أية قدرة أو سلطة أو غلبة تحصل عنوة و باستخدام السلاح، و بالطبع فإن السلطة و الاقتدار الناتج عن انتخاب الشعب محترم و مقبول و لا ينبغي لأي شخص أن يقف ضده، و إذا وقف ضده فإن عمله هذا فتنة.

و اعتبر آية الله العظمي السيد الخامنئي الوصفة السياسية المدنية للإمام الخميني فصلاً جديداً في الأدبيات السياسية العالمية، و قال في معرض بيانه لعنصر آخر من عناصر هذه الوصفة الجديدة: مساعدة المظلوم و مجابهة الظالم من العناصر الأصلية في مدرسة الإمام الخميني.

و أشار قائد الثورة الإسلامية في هذا الصدد إلي الدعم التام و غير المنقطع الذي أبداه الإمام الخميني لشعب فلسطين المظلوم مردفاً: الوقوف بوجه الظالم و التحطيم الصريح لهيبة و أبّهة الظالمين من الأصول المهمة في مدرسة الإمام الخميني، و التي يجب أن تكون دوماً موضع اهتمام و انتباه الشعب و المسؤولين.

و عدّ السيد القائد الخامنئي أن التطبيق العملي للوصفة السياسي - المدنية للإمام الخميني من الفوارق الواضحة بين مدرسته و بين النظريات النظرية الصرفة، و طرح هذا السؤال الأساسي:‌ هل سيستمر العمل العظيم الذي أنجزه الإمام الخميني بنجاح؟

و كانت إجابته عن هذا السؤال إيجابية و لكن مشروطة.

فقد لفت قائد الثورة الإسلامية: في الجدول الجميل و الرائق للإمام الخميني هناك بشكل طبيعي خانات فارغة و من الممكن تماماً ملؤها و مواصلة هذا الطريق المصيري، و لكن بشرط الهمة و الوعي الوطني و مراعاة عناصر هذا الطريق.

و أثني آية الله العظمي الإمام الخامنئي علي وفاء شعب إيران لأهداف الإمام الخميني و مبادئه مؤكداً: بالسلوك الذي أبداه شعب إيران طوال 25 عاماً بعد رحيل الإمام الخميني الكبير فقد أثبت أن كل الخانات الخالية في هذا الجدول ستمتلئ و ستصل إيران العزيزة في ظل مواصلة درب الإمام الخميني إلي ذروة الاقتدار بإذن الله تعالي.

و استطرد قائد الثورة الإسلامية في كلمته لافتاً انتباه الحشود الحاضرة و كل شعب إيران إلي نقطة أساسية أخري، حيث قال: السير في درب الإمام الخميني و تحقيق أهداف هذا القائد الكبير مثل أي هدف مهم آخر يواجه عقبات و تحديات إذا لم نعرفها و لم نرفعها فإن مواصلة الدرب ستكون صعبة أو غير ممكنة.

و اعتبر آية الله العظمي السيد الخامنئي في هذا الصدد أن التحديين الخارجي و الداخلي من أهم التحديات القائمة التي من الضروري للشباب و النخبة و أصحاب الخبرة و الوعي في المجالات الفكرية و النظرية أن يولوها الاهتمام و التمحيص و الدراسة الكافية.

و في معرض بيانه للتحدي الخارجي أشار قائد الثورة الإسلامية إلي المضايقات و العراقيل التي يجترحها الاستكبار العالمي و خصوصاً أمريكا، موضحاً: طبعاً قال بعض المفكرين السياسيين الغربيين إن هذه المضايقات لا جدوي منها، لكن أمريكا لا زالت تواصل تنفيذ خطتها الشاملة هذه.

و أضاف قائد الثورة الإسلامية: يقسّم الأمريكان البلدان و التيارات السياسية و الشخصيات في العالم إلي ثلاث مجاميع هي « البلدان المطيعة» و «الحكومات و التيارات التي يتم التعامل معها حالياً بمداراة» و « الحكومات و التيارات غير المطيعة». و طريقة تعامل أمريكا مع الحكومات المطيعة و الخاضعة هي الدعم التام و الشامل و تبرير سلوكياتها القبيحة في المجتمع العالمي، و طبعاً هي تمتص خيرات هذه البلدان لقاء ما تقدمه لها من دعم سخي.

و أشار قائد الثورة الإسلامية إلي بعض الأنظمة الرجعية و الشديدة الاستبداد التي تدعمها أمريكا دعماً شاملاً قائلاً: تذكر أمريكا مثل هذه البلدان التي لا انتخابات فيها و لا يتمتع فيها الشعب بقدرة علي الكلام و قول شيء، تذكرها باعتبارها بلداناً أبوية و ليست دكتاتورية.

و أوضح قائد الثورة الإسلامية إن الفئة الثانية من البلدان حسب تقسيم أمريكا هي البلدان التي تداريها أمريكا في الوقت الحاضر بسبب مصالحها، لكنها إذا وجدت الفرصة طعنتها بخنجرها في القلب.

و عدّ الإمام الخامنئي البلدان الأوربية نموذجاً لهذه الفئة مؤكداً: طبعاً الأمريكان إلي جانب مداراتهم المصلحية مع الأوربيين يتجسسون علي الحياة الخاصة للمواطنين و المسؤولين الأوربيين، و هم غير مستعدين حتي للاعتذار عن ذلك.

و أضاف سماحته قائلاً: طبعاً الأوربيون يرتكبون خطأ استراتيجياً كبيراً بتقديمهم الخدمة للمصالح الأمريكية و باتجاه مخالف لمصالحهم الوطنية.

و وصف آية الله العظمي السيد الخامنئي الفئة الثالثة من البلدان بأنها البلدان التي لا تخضع لتعسف أمريكا.

و لفت سماحته قائلاً: سياسة أمريكا قبال هذه البلدان هي الاستخدام اللامحدود لكل الإمكانيات و الطاقات من أجل توجيه ضربة لها و إسقاطها.

و قال قائد الثورة الإسلامية في شرحه لأساليب مواجهة أمريكا للبلدان التي لا تخضع لابتزازاتها: طبعاً بسبب الأضرار و الخسائر التي تكبدتها أمريكا نتيجة هجماتها علي العراق و أفغانستان، ليس الهجوم العسكري اليوم ضمن أولويات المخططات الأمريكية.

و أوضح سماحته أن من الاستراتيجيات الأمريكية المهمة حيال البلدان المقاومة و غير المطيعة استخدام العناصر العميلة في هذه البلدان ملفتاً: تدبير الإنقلابات أو جرّ الناس إلي الشوارع من أهم أساليب أمريكا في استخدامها للعناصر العميلة.

و‌ أضاف قائد الثورة الإسلامية: أية حكومة في أي بلد تستلم زمام السلطة بانتخاب من الشعب فإن الأقلية التي لم تنتخب تلك الحكومة تعارضها يقيناً، و أمريكا تستخدم هذه القضية بالذات فتحرض العناصر الأصلية المعارضة و تجرّ جزءاً من الناس إلي الشوارع.

و استطرد سماحته يقول: نموذج من هذه الممارسة مشهود اليوم بوضوح في جانب من أوربا، و طبعاً لا نريد أصدار حكم في هذا الصدد، لكن ماذا يفعل الشيوخ الأمريكان حقاً وسط المتظاهرين المعارضين في الشوارع؟

و أكد قائد الثورة الإسلامية أن تنشيط الجماعات الإرهابية من الأساليب الأمريكية الأخري لمواجهة البلدان غير المستعدة للخضوع لتعسف أمريكا.

و قال سماحته: العراق و أفغانستان و بعض البلدان العربية وإيران العزيزة من الضحايا الأصليين لهذا الأسلوب الأمريكي في التعامل.

و أشار آية الله العظمي السيد الخامنئي إلي دعم أمريكا لزمرة المنافقين الإرهابية و ارتباط عناصر هذه المنظمة الإرهابية بالأجهزة الحاكمة في أمريكا، و منها الكونغرس الأمريكي، مردفاً: المنافقون الذين اغتالوا عدداً كبيراً من العلماء و النخب السياسية و الثقافية و أبناء الشعب الإيراني، يستظلون بمظلة الدعم الأمريكي.

و اعتبر قائد الثورة الإسلامية أن من الأساليب و الممارسات الأخري لأمريكا حيال البلدان المستقلة و التي لا تخضع للابتزاز هو بث الخلافات و الثنائية في قمة هرم نظام الحكم و خلق انحرافات في الركائز الإيمانية و العقيدية للشعب، موضحاً: بفضل من الله، فقد هزم الأمريكان أمام شعب إيران في كل هذه الميادين و المجالات، و أخفقت كل مؤامراتهم بما في ذلك الانقلاب العسكري و دعم أرباب الفتنة و السعي لجرّ جزء من الشعب إلي الشوارع و خلق خلافات بين المسؤولين، بفضل إيمان الشعب و يقظته.

و بعد شرحه لأبعاد التحدي الخارجي، قال الإمام الخامنئي عن التحدي الداخلي: يحدث هذا التحدي و الخطر الكبير عندما ينسي الشعب و المسؤولون روح و اتجاهات نهضة الإمام الخميني الكبير.

و أشار سماحته في هذا الموضوع للخطأ في تمييز الصديق من العدو، و العجز عن معرفة العدو الأصلي من الفرعي، قائلاً: علي الجميع أن يتنبهوا للعدو الأصلي و لا يغفلوا عنه في مختلف الأحداث.

و كمصداق لموضوع جعل الأعداء الفرعيين أصليين، أشار قائد الثورة الإسلامية إلي الممارسات القبيحة لبعض الجماعات الجاهلة التكفيرية الوهابية و السلفية ضد التشيع قائلاً: علي الجميع أن يتنبهوا إلي أن العدو الأصلي هو الأجهزة الاستخبارية الأجنبية و الذين يحرضون هذه التيارات و يوفرون لها المال و السلاح.

و أكد سماحته قائلاً: طبعاً كل من يفكر بالتطاول علي الجمهورية الإسلامية سيتلقي بلا شك صفعة قوية من شعب إيران، لكننا في الوقت نفسه نعتقد أن اليد غير الخافية جداً للعدو و التي توقع بين المسلمين، هي عدونا الأصلي، و ليست هذه الجماعات المخدوعة.

و اعتبر قائد الثورة الإسلامية فقدان الانسجام الوطني و الإصابة بالكسل و ضعف المحفزات و سيادة اليأس و القنوط و كذلك التصور الخاطئ بأننا غير قادرين و أننا لم نقدر، اعتبرها من الأبعاد الأخري للتحدي الداخلي للنظام الإسلامي مؤكداً: كما قال إمامنا الخميني العزيز فإننا قادرون و العزيمة الوطنية و الإدارة الجهادية ستستطيعان حل العقد و معالجة المشكلات.

و أكد قائد الثورة الإسلامية في ختام كلمته: الاسم المبارك للإمام الخميني الكبير و خارطة هذا المهندس العظيم سوف تعين - بفضل من الله - شعب إيران في كل المراحل و الأطوار، و توفر الأمل و الحيوية و المحفزات لتصنع المستقبل المشرق لإيران العزيزة.

قبل كلمة آية الله العظمي السيد الخامنئي ألقي سماحة حجة الإسلام و المسلمين السيد حسن الخميني حفيد الإمام الخميني كلمة رحّب فيها بزوار و عشاق مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، و اعتبر معالجة الحرمان و الفقر و مساعدة المستضعفين من الأهداف و التوجهات الرئيسية للإمام الخميني الراحل، قائلاً: قائد الثورة الإسلامية السيد الخامنئي أيضاً شدد دوماً علي هذه التوجهات الأساسية، و هذا درس للجميع.

كما اعتبر سادن الحرم المطهر للإمام الخميني (رض) معالجة المشكلات الاقتصادية بحاجة‌ إلي تدبير و عقلانية و تعاون من السلطات الثلاث و وحدة وطنية مردفاً: ينبغي أن يمتزج الاقتصاد بثقافة رفع الحرمان.

عراقتشي: مباحثاتنا مع مجموعة 5+1 تقتصر على الملف النووي فقط

كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقتشي بقول اجراء مفاوضات ثنائية قبل وبعد جولات المفاوضات مسالة عادية ومتواصلة، معتبراً أن الحظر على طهران مفروض بمعظمه من قبل الولايات المتحدة الأميركية ولم تفرضه البلدان الاخرى في مجموعة 5+1.

السيسي بعد توليه الرئاسة: مصر الجديدة ستساهم في استقرار المنطقة

عبدالفتاح السيسي رئيساً رسمياً لمصر بعد أدائه اليمين الدستوري فاتحاً بذلك سابقة في تاريخ مصر حيث يجري تسلم السلطة وتسليمها بين رئيسين للجمهورية، ويعلن في خطابه الأول من قصر الاتحادية أن بلاده ستعاود لعب دورها الفاعل اقليمياً ودولياً.

الإبراهيمي يتهم المجموعات المسلحة في سوريا باستخدام الأسلحة الكيميائية في خان العسل

الأخضر الإبراهيمي يتهم المجموعات المسلحة في سوريا بشن الهجوم الكيميائي في خان العسل في مدينة حلب. ويحذر في مقابلة مع "دير شبيغل" من تحول سوريا إلى دولة فاشلة على غرار الصومال.

حمّل المبعوث العربي والدوليّ السابق إلى سوريا الأخضر الابراهيمي المجموعات المسلحة مسؤولية شنّ هجوم بأسلحة كيميائية في خان العسل في مدينة حلب، والذي كان وقع في آذار/ مارس 2014.

وفي مقابلة لأسبوعية "دير شبيغل" الألمانية قال الإبراهيمي الذي استقال أخيراً "ظنوا أن الرئيس بشار الأسد سيسقط سريعاً فدعموا الحرب عليه" مضيفاً أن "الكثير من الدول أساء تقدير الأزمة السورية حيث توقعوا انهيار حكم الأسد مثلما حدث مع بعض الزعماء العرب الآخرين، وهو خطأ تسببوا في تفاقمه بدعم جهود الحرب بدلاً من جهود السلام".

وحذر الإبراهيمي مما سماه صومالاً ثانية في سوريا، ومن "انفجار كامل المنطقة المحيطة بها إذا لم يجر التوصل إلى حلّ".

وقال "إن "سوريا تتّجه لأن تصبح دولة فاشلة يديرها زعماء ميليشيات على غرار الصومال، معتبراً أنه بدون تضافر الجهود للتوصل إلى حل سياسي للحرب الأهلية في سوريا "يوجد خطر جدي لأن تنفجر المنطقة بأسرها"، مشيراً إلى أنّه "لن يبقى الصراع داخل سوريا".

الأحد, 08 حزيران/يونيو 2014 04:12

المرحلة السرية من الدعوة الإسلامية (12)

المرحلة السرية من الدعوة الإسلامية (12)

لقد رأى بعض المؤرخين أن النبي (ص) مرّ بأربع مراحل خلال دعوته وتبليغه للرسالة الإسلامية. الأولى المرحلة السرية، واستمرت ثلاث سنوات. والمرحلة الثانية وهي مرحلة إعلان الدعوة إلى الله بالقول حصراً والأساليب السلمية دون اللجوء إلى القتال، واستمرت هذه المرحلة حتى السنة الرابعة بعد البعثة حتى الهجرة إلى المدينة المنورة. والمرحلة الثالثة هي مرحلة تأسيس المجتمع والدولة الإسلامية، والدفاع عن الإسلام بالسيف، واستمرت هذه المرحلة من الهجرة إلى صلح الحديبية حتى السنة السادسة بعد البعثة.

والمرحلة الرابعة هي مرحلة قتال كل من وقف بوجه الدعوة الإسلامية ووقف في طريقها بالعنف من الوثنيين والمشركين وغيرهم. المرحلة السرية يقصد بها تلك المدة التي كان يدعو فيها النبي (ص) إلى الإسلام خفية. فقد بقي بعدما بعثه الله بالرسالة مدة ثلاث سنوات تقريباً، يتستر في دعوته ويتحاشى الإعلان عن رسالته أمام الرأي العام.

وكان يدعو إلى الدين خلال هذه المرحلة بعض الأشخاص بصورة طوعية، وعفوية دون لفت الأنظار إلى الأمر. فآمن عدد من الناس تباعاً حتى وصل عددهم إلى أربعين رجلاً تقريباً كي لا يتعرضوا للتعذيب والتنكيل.

وقد كان هذا الأسلوب ضرورياً للأسباب الأتية :

أولاً : من أجل الحفاظ على مستقبل الدعوة، كي لا تتعرض لعمل مسلح يقضي عليها في مهدها، فكان لا بد من إيجاد مجموعة من المؤمنين من مختلف القبائل والجماعات السياسية بعيداً عن الأنظار يحملون هذه العقيدة ويدافعون عنها حى لا يبقى مجال لتصفيتهم بصورة سريعة من قبل أعدائهم. فلو أن النبي (ص) أعلن عن دعوته فور البعثة لانتفضت قريش وقضت على هذه الدعوة وعناصرها بشكل سريع وحاسم من أول الطريق.

ثانياً: هدف الإسلام والنبي (ص) هي القيام بعملية تبليغ شاملة لكل الواقع الجاهل الديني والأخلاقي والاجتماعي والسياسي واستبداله بواقع جديد يستند إلى مبادئ الإسلام وعقائده ومفاهيمه. وإذا كانت هذه هي الغاية من البعثة النبوية، فلا بد له من إتاحة فرصة لتهئية وإعداد الكوادر والقوى التي تستطيع تحقيق هدف كبير مثل هذا، والاحتفاظ بالوجود الفعّال والمؤثر، في بقاء واستمرار ذلك الهدف.

والمرحلة السرية هي أفضل فرصة لإعداد القوى المطلوبة لتحقيق كل هذا.

ثالثا : إن مدة المرحلة السرية كانت بمثابة إعداد نفسي وتربية عقيدية وروحية وجهادية لتلك الصفوة والجماعة التي دخلت في الإسلام وآمنت بربها وبرسالة نبيها الأكرم. وكان لا بد في هذه المرحلة أن يقوم النبي (ص) بمثل هذه التربية، التي تمكّن من الصمود في وجه التحديات المنتظرة. تسرّب خبر الدعوة إلى قريش ويقول المؤرخون، إنه رغم سرية هذه المرحلة عرف المشركون بنبوة الرسول (ص) وتسرّبت إليهم أخبار عن الدعوة من هنا وهناك، فقد راح الناس يتحدثون عنها في مجالسهم. وكانوا يقولون إن فتى عبد المطلب ليُكلّم من السماء.

ولكنهم في تلك المرحلة لم يهتموا للأمر أو يحملوا القضية على محمل الجد. ربما لأنهم ظنوا أن قضية النبي (ص) لا تزيد عن قضية بعض الأشخاص الذين تركوا عبادة الأصنام وخرجوا من دين أبائهم يبحثون عن دين جديد تقبله عقولهم وتطمئن إليه نفوسهم، أمثال قس ابن ساعدة وأمية ابن أبي الصلت، وغيرهما، وأن محمداً وأتباعه مثل هؤلاء سوف يعودون في نهاية المطاف إلى دين أبائهم وأجدادهم. اختيار دار الأرقم مكاناً سرياً للدعوة ويضيف المؤرخون في الحديث عن المرحلة السرية من الدعوة أنه عندما أصبح عدد المسلمين ثلاثين رجلاً،

وصار بعض المسلمين يخرجون إلى الشعاب والجبال خارج مكة، لأداء الصلاة وإقامة الشعائر الدينية، وأنه عندما راحت تحدث صدامات بينهم وبين بعض المشركين الذين كانوا يرفضونهم ويتعمدون إيذائهم، عندئذ قرر النبي (ص) اختيار دار الأرقم، الواقعة عند الصفا في مكة، لتكون مركزاً لدعوته ومحلاً لاجتماع أصحابه فيه، ومقراً يقيمون فيه عبادتهم وشؤونهم بعيداً عن أنظار المشركين بدلاً من الخروج إلى الشعاب والجلال لإداء الصلاة.

وهكذا تحولت دار الأرقم في أواخر المرحلة السرية إلى مركز يجتمع فيه النبي (ص) بأصحابه، ويقوم فيه بحركاته ونشاطاته بصورة خفية بعيدة عن أنظار أهل مكة. ويقال إن النبي (ص) بقي في دار الأرقم شهراً كاملاً لا يخرج منها حتى صار عدد المسلمين أربعين رجلاً. عندئذ خرج الرسول (ص) من الدار ليعلن دعوته ويظهر رسالته أمام الرأي العام وليبدأ مرحلة جديدة من مراحل الدعوة الإسلامية هي الأكثر صعوبة وخطراً، وأشد عنفاً وبلاءً من المرحلة السرية السابقة.

قلق أممي بسبب الوضع الصحي للأسرى الفلسيطينيين المضربين عن الطعام

أعربت الأمم المتحدة عن قلقها حيال تفاقم الوضع الصحي للأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية وطالبت بالإفراج عنهم إذا لم يتم توجيه تهم رسمية لهم. وقال متحدث باسم الأمم المتحدة إن " الأمين العام يشعر بقلق إزاء التقارير المتعلقة بتدهور صحة المعتقلين الإداريين الفلسطينيين المضربين عن الطعام منذ أكثر من شهر". ونقل عشرات الأسرى الفلسطينيين إلى المستشفيات بعد دخولهم في إضراب عن الطعام إحتجاجا على استخدام إسرائيل للاعتقال الإداري لابقائهم رهن الإعتقال. وأضاف المتحدث الأممي إن بان كي مون "شدد على موقفه المعلن منذ فترة طويلة بضرورة توجيه إتهامات للمعتقلين إداريا أو الإفراج عنهم دون إبطاء". ويقول النشطاء الفلسطينيون إن 78 أسيرا فلسطينيا يحتاجون للرعاية بالمستشفى، بينما تنفي مصلحة السجون الإسرائيلية ذلك قائلة " إن 65 سجينا فلسطينيا مضربين عن الطعام موجودون في المستشفيات على الرغم من أنه لا يوجد أحد منهم في حالة خطيرة ولم يفقد أحد منهم وعيه".

السيد نصر الله: الحل السياسي في سوريا يبدأ وينتهي مع الرئيس الأسد

أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أن الانتخابات الرئاسية السورية أثبتت أن الحل السياسي يبدأ وينتهي مع الرئيس السوري بشار الأسد معتبراً أن الإقبال الشعبي الكبير هو إنجاز وانتصار لسوريا.

وقال نصر الله إن "الحل السياسي يقوم على دعامتين: الأخذ بنتائج الانتخابات، ووقف دعم الجماعات التكفيرية في سوريا بما يساعد على وقف الحرب فيها"، مضيفاً أنه "بعد الانتخابات السورية لم يعد بالامكان المطالبة باستقالة الرئيس الاسد".

وخلال احتفال تأبيني اعتبر السيد نصر الله أن "الانتخابات السورية هي إعلان شعبي وسياسي بفشل الحرب على سوريا وهي أثبتت أن القيادة السورية تتمتع بحاضنة شعبية كبيرة جداً وأن المعركة ليست بين النظام والشعب" مهنئاً الشعب السوري بإنجاز هذا الاستحقاق والرئيس السوري.

الأمين العام لحزب الله قال أيضاً "إن الانتخابات السورية ثبتت وحدة سوريا وبقاء الدولة وتماسكها وأكدت صمود السوريين وعدم تخليهم عن مستقبلهم لتصنعه دول العالم" مشيراً إلى أن مشهد الانتخابات السورية في لبنان فاجأت أصدقاء سوريا كما خصومها.

وإذ دعا "الجميع في سوريا إلى المصالحة والحوار ووقف نزف الدم الذي لم يعد يخدم أي أهداف سورية داخلية" توجه السيد نصر الله إلى المجموعات المسلحة في سوريا بالقول "لا أفق لقتالكم سوى المزيد من تدمير سوريا وسفك الدماء".

وقال الأمين العام لحزب الله "إن الاستخبارات العالمية كانت تتوقع كثافة اقتراع السوريين في الخارج لذا منعت بعض الدول الاقتراع" فيما كان "يمكنها أن تعطي المعارضة فرصة إظهار صوتها" مشيراً إلى أن "الائتلاف المعارض عمد إلى تحذير السوريين من الاقتراع تحت ذريعة التفجيرات".

وفي موضوع الاستحقاق الرئاسي اللبناني دعا السيد نصر الله إلى جهد داخلي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي دون انتظار التدخل الخارجي والمفاوضات السعودية ـ الإيرانية، مضيفاً "أن إيران لا تفرض شيئاً على حلفائها وأصدقائها في أي مكان لأنها تحترمهم".

السيد نصر الله قال إن لا أساس لاتهام حزب الله وحركة أمل بالسعي للمثالثة وإن أول من طرح الفكرة هم الفرنسيون في طهران.

وفي الموضوع المطلبي وسلسلة الرتب والرواتب أكد الأمين العام لحزب الله أن من واجب جميع الكتل النيابية المشاركة في جلسة البرلمان لإقرار السلسلة معتبراً أن كل من يتخلف يتحمل المسؤولية. ورأى أنه من الخطأ وضع موظفي القطاع العام والأساتذة وجهاً لوجه مع الطلاب وأهاليهم.

زيارة اوباما الاوروبية: تحريض الناتو لمواجهة روسيا

شهدت الساحة السياسية الأميركية ترويجا واسعا وآمالا كبيرة علقت على زيارة الرئيس اوباما لكل من بروكسل، لحضور مؤتمر قمة الدول الصناعية السبع باستثناء روسيا، وفرنسا للاحتفال بمعركة الحلفاء التي عدت حاسمة لهزيمة النازية، تمثلت بانزال عسكري ضخم على شواطيء مقاطعة نورماندي الفرنسية. ايضا، ترتب على الزيارة مساعي اميركية كبيرة "لتفعيل" حلف الناتو عسكريا واعادة الدول الاوروبية المشاركة الى حظيرة الحلف في ظل اوضاع اقتصادية داخلية متردية، واعلان اوباما (تبعه ايضا تصريح وزير الدفاع الاميركي، تشاك هيغل)، أن بلاده استحدثت صندوقا ماليا بقيمة مليار دولار لدعم مساهمات الاوروبيين بغية حثهم ايضا على "اعادة هيكلة تراتبية الحلف" دون المساس باهدافه "وانشاء قوات تدخل عسكري تابعة له للانتشار في ساحات الشرق الاوسط وآسيا وافريقيا".

الأهم ربما التوقعات المتباينة والمتناقضة احيانا بامكانية لقاء ثنائي مباشر بين الرئيس الأميركي ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، لبحث أهم الملفات الساخنة بين البلدين: اوكرانيا وسوريا، اللتين شهدتا انتخابات رئاسية متزامنة؛ حظيت الأولى بدعم وتأييد أميركي، بينما واجهت الثانية مقاطعة استباقية للنتائج ووصفها باقذع الأوصاف قبل حدوثها، لتؤكد نتائجها التفاف ملايين الشعب السوري والادلاء باصواتهم بكثافة لافتة حفاظا على الدولة السورية ومشروعها الوطني.

اللقاء المرتقب خيّب آمال عديدة بعد تمنّع الرئيس اوباما الظهور مع الرئيس بوتين أو بالقرب منه، مما اضطر المضيف الفرنسي، فرانسوا اولاند، إلى تناول مأدبة العشاء مرتين بفاصل ساعتين مع الضيفين دون ان يلتقيا.

أحد مستشاري الرئيس اوباما لشؤون الأمن القومي والمرافق له في الزيارة، بن دورس، صرّح بأن الرئيسين اوباما وبوتين اجريا لاحقا نقاشا ثنائيا على هامش مراسيم الاحتفال، مشددا على انه نقاش غير رسمي "إنها محادثة غير رسمية وليست اجتماعاً ثنائياً رسميا،ً" في اعقاب اعلان قصر الاليزيه عن لقائهم

ربما ما كان يدور في ذهن الرئيس اوباما امتعاضه الشديد من اعلان فرنسا قبل ساعات قليلة من لقاء القمة انها ماضية قدما في تلبية التزاماتها التجارية نحو روسيا التي اشترت سفينتين حربيتين من طراز "ميسترال" لحمل قوات مشاة البحرية والطائرات العمودية المقاتلة.

ترتيبات الزيارة الرسمية للرئيس اوباما اصيبت بانتكاسة عملياتية قبل ان تبدا، اذ تعرّض المسؤول الأميركي "الكبير" المكلف بالترتيبات في نورماندي الى اصابة خطرة بانفلونزا الخنازير، H1N1، قبل بضعة ايام من بدء الزيارة نقل على اثرها الى المستشفى لتلقي العلاج ارفقتها السلطات الفرنسية بالاعلان عن تعرض نحو 20 مواطنا للاصابة بالمرض والاشتباه بتعرض 10 آخرين لذات العارض.

الأحداث والتطورات الدولية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق اعادت تسليط اضواء اعضاء حلف الأطلسي على استمرار المساهمه في الميزانية ومبررات وجوده، سيما وان الهدف المعلن لتأسيسه قد تبخر، اي حماية الدول الغربية لاراضي ألمانيا الاتحادية من هجوم بري مدرع مصدره حلف واسو.

تسابق دول اوروبا الشرقية سابقا إلى الفوز بعضوية حلف الاطلسي (الناتو) بعد خروجها من عباءة حلف وارسو احيا الأمل برفد الاول بدماء جديدة في البداية، خاصة دول بحر البلطيق الثلاث: لاتفيا واستونيا وليثوانيا، سرعان ما رافقها مضاعفة الأعباء العسكرية الملقاة على عاتق الاطلسي نظرا لهشاشة القوات العسكرية لتلك الدول التي "لا تملك اي طائرة مقاتلة وبالكاد تستطيع تخصيص ثلاث مدرعات مجتمعة." للدلالة على مدى الأزمة الاقتصادية المرافقة، طُلِب من استونيا تخصيص 2% من ناتجها القومي السنوي للانفاق على الشؤون العسكرية، تليها دول البلطيق الاخرى في تخصيص نسبة متصاعدة من الدخل السنوي للشؤون العسكرية.

الدول الاوروبية الرئيسة في الحلف تقتطع اضعاف تلك النسبة من ناتجها السنوي للانفاق على الشؤون العسكرية، والتي تحثها واشنطن باستمرار على المشاركة بنسبة أعلى من الدخل القومي؛ وتراجعت قليلا أمام شبح التضخم والمصاعب الاقتصادية. وامتثلت كل من بريطانيا واليونان للمساهمة بنسبة 2%، جنبا الى جنب مع مساهمة استونيا، مما دفع باليونان إلى تبرير خطوتها بأنها جاءت بدافع التصدي للاطماع التركية وليس لمواجهة روسيا. باقي الدول كانت مشاركتها ادنى من تلك النسبة: بولندا 1.8%؛ المانيا 1.3%، ايطاليا 1.2%؛ واخفقت كل من فرنسا وتركيا في المساهمة المطلوبة. الأمر الذي تسبب بتراجع الميزانية العامة لحلف الناتو 1.6% للعام المنصرم.في المقابل، بلغ انفاق الولايات المتحدة نحو 4.1% من الناتج القومي على الشؤون العسكرية.

 

تبدلات مهمة حلف الناتو

استطاعت الولايات المتحدة تطوير مشاريع هيكلية القوة العسكرية للحلف من تشكيلات عسكرية تقليدية، قبل انهيار حلف وارسو، الى قوات اصغر حجما سريعة الحركة تستخدم في مهام التدخل السريع عبر العالم، مما انعكس في تخفيض الانفاق الاوروبي على القوات العسكرية وتحويلها المدخرات للانفاق على البرامج الداخلية.

وسارع بعض الخبراء الغربيين الى توصيف حلف الناتو بعد انتهاء الحرب الباردة بـ "حلف من الديموقراطيات اكثر منه حلفا عسكريا." المعلق اليميني المعروف، شارلز كراوثهامر، تنبأ عام 2002 أنه "ينبغي اعادة النظر بدور حلف الناتو ليصبح اكثر فائدة. ومهمته الجديدة يجب ان يهتم باستدراج روسيا كحاضنة لدخولها لاوروبا والتكامل مع الغرب. وذلك عائد بالضبط إلى تحوّل الناتو من حلف عسكري الى نادٍ من الديموقراطيات عابرة للمحيط الاطلسي يسهّل على روسيا الانضمام بسلاسة .. حلف الناتو (القديم) قد ولى. دعونا نستقبل روسيا للانخراط في الحلف الجديد."

غني عن القول ان تلك النبوءة قد ولت ايضا، بيد ان الحلف لن يكون بوسعه العودة لممارسة مهمته الاصلية بتجهيز ومرابطة قوات عسكرية تقليدية ضخمة على الاراضي الالمانية من ضمن خطة طواريء. فقد برزت ساحات مواجهات متعددة تنتظر ماذا سيفعله الحلف فضلا عن ضرورة تخصيص موارد اضافية لحماية بعض اعضائه الضعفاء واعانتهم على النهوض والاعتماد على قواهم الذاتية.

وعليه، تحتل بولندا مركزا متقدما وحيويا في النظرة المتجددة للحلف، سيما وانها تمتلك أكبر مؤسسة عسكرية، عدة وعتادا، بين منظومة دول اوروبا الشرقية وتنتهج سياسات عدائية ضد روسيا.

كما اسهمت بولندا في ارسال عدد من قواتها العسكرية ضمن قوات حلف الناتو الى افغانستان، مما يعزز امتلاكها نواة قوات عسكرية مدربة. ولدى القوات العسكرية البولندية نحو 900 مدرعة وما ينوف عن 100 طائرة مقاتلة، جلها من صناعة الاتحاد السوفياتي لكنها تسندها بمدرعات المانية حديثة من طراز "ليوبارد."

يدرك القادة العسكريين والاستراتيجيين الاميركيين ضعف القوات العسكرية لدول الحلف التي تشترك حدوديا مع روسيا، باستثناء تركيا وبولندا. الأمر الذي يستدعي تشعب مهام الحلف بالتصدي لروسيا بتحريك قوات عسكرية تقليدية بطيئة الحركة يرافقها قوات محمولة سريعة الحركة تتخذ مواقعها على الفور على اراضي الدولة العضو في الحلف المهددة، وباستطاعتها الاشتباك سريعا مع القوات الروسية.

وشرعت الولايات المتحدة العمل لتحقيق ذلك منذ زمن، وارسلت في شهر نيسان/ ابريل الماضي نحو 600 عنصر من المظليين من اللواء 173 المحمول جوا للمرابطة في استونيا ولاتفيا وليثوانيا وبولندا "للاشتراك في مناورات عسكرية يجريها الحلف". كما عززت المفرزة الجوية البولندية بطائرات مقاتلة اضافية من طراز اف-16 مع طواقمها بغية التواصل وتنمية سبل التعاون مع سلاح الجو البولندي. وذلك اضافة لثلاث طائرات نقل ضخمة من طراز C-130J التي ترابط في قاعدة بوويدز الجوية في بولندا، كجزء من اجراءات التناوب الاعتيادية التي تتم كل أسبوعين.

يجادل اولئك الخبراء والاستراتيجيين أن لحلف الناتو ضرورة اخرى تتمثل بنشر قوات ومعدات مسبقا في الدول التي تشترك حدوديا مع روسيا مما يعزز مهمتها كقوة اشتباك اولية تسمح لرفدها بتعزيزات سريعة في زمن الأزمات.

وتشكل العمليات الجوّية لحلف الناتو في دول بحر البلطيق تطبيقا مبكراً على ابعاد المهمات المقبلة. وقامت الولايات المتحدة في شهر آذار/ مارس الماضي بنشر ست طائرات مقاتلة اخرى من طراز F-15C لتعزيز الطائرات الاربعة من ذات الطراز والمرابطة في ليثوانيا تمكنها من تحريك سريع للطائرات المعترضة المتوفرة لدى سلاح الجو بغية حماية دول البلطيق. جدول التناوب للقوات الاميركية بدء مطلع العام الجاري وانتهى في بداية شهر ايار/مايو الماضي. ومنذ ذلك الحين تسلمت كل من بولندا وبريطانيا وفرنسا والدانمارك مهام الحماية الجوية لبلدان بحر البلطيق.

كما اقدم حلف الناتو على تعزيز تواجده قواته العسكرية في جنوب شرق اوروبا، رغم تراجع واضمحلال فرص تعرضها لتهديد ما. وساهمت كندا بعدة طائرات مقاتلة لتعزيز مهام قوات الحلف في الحماية الجوية هناك. فضلا عن ذلك، هناك ايضا قوات التناوب للبحر الاسود ومقرها قاعدة "ميخائيل كوغالنيشيانو،" الجوية في رومانيا والتي تتضمن مرابطة نحو 250 عنصر من قوات مشاة البحرية الاميركية (المارينز)، يضاف اليها نحو 500 جندي و 175 عنصر "مارينز" اميركي يقيمون بشكل مؤقت في القاعدة الجوية المذكورة. قوات مشاة البحرية هي احد مكونات قوات المارينز الخاصة لمهام جو-ارض، التي شكلت بغية نشرها سريعا للتعامل مع عدد كبير منالعمليات العسكرية في افريقيا واوروبا.

بالعودة للقاء قمة حلف الناتو في بروكسيل تجدر الاشارة الى اتخاذها تدابير اضافية لبلوغ تعزيز عاجل لقوات دول الحلف. فقد صادق وزراء دفاع الحلف على "خطة عمل للاستعداد القتالي،" التي ترمي لتطوير قدرات قوات التدخل لدول الحلف، وتحديث القدرات الإستخبارية والاستطلاعية للحلف، وتخزين معدات ولوازم عسكرية مسبقا في دول الحلف المطلة على روسيا، وتركيز هدف التدريبات العسكرية لقوات الحلف على مواجهة التهديد الروسي.

الولايات المتحدة من جانبها وعدت بتوفير بضعة آلاف من القوات العسكرية لتعزيز قوات التدخل السريع، تتضمن لواء من قوات فرقة الفرسان الاولى، وعدد من طائرات تزويد الوقود جواً وسفن حربية مرافقة.

كما صادق وزراء الدفاع على خطة اعدتها المانيا لتعزيز تواجد القوات متعددة الجنسية في دول اوروبا الشرقية. ورحّب الأمين العام للحلف بقرار الدانيمارك والمانيا وبولندا لرفع جهوزية القوات متعددة الجنسيات المرابطة في الشطر الشرقي الشمالي من بولندا. وقال "من شأن القرار شد عضد قدراتنا للتعامل مع التحديات المستقبلية في المنطقة. فضلا عن انها مساهمة معتبرة لمسألة الدفاع المشترك".

في سياق هذا التمدد وتجديد المهام المنوطة بحلف الناتو ينبغي على قيادته تعزيز سبل التعاون مع الدول غير الاعضاء في الحلف "والمؤيدة للغرب". وعقب لقاء وزراء دفاع الناتو مع نظيرهم الأوكراني، ميخائيل كوفال، اعرب المجتمعون عن دعمهم للحكومة الاوكرانية في سعيها لبسط الأمن وتحقيق الاصلاحات الدفاعية. كما أجمع اعضاء اللقاء على بلورة حزمة مساعدات شاملة لاوكرانيا من شأنها تثبيت اقدام قواتها المسلحة، وسيتم التوصل للصياغة النهائية خلال الاسابيع المقبلة.

تدرك قيادة حلف الناتو قصور امكانياتها في نشر وحدات عسكرية كبيرة في "الدول الأمامية،" وحاجتها لتصعيد وتيرة الدورات التدريبية التي تتطلب تدوير قوات اضافية على اراضي تلك الدول، وفي الوقت نفسه تعزيز اطر التعاون مع القوات المسلحة المتعددة. ونفذت قيادة الحلف العسكرية مناورات عسكرية كبيرة اطلقت عليها مناورات "الرمح الثابت 1،" على اراضي استونيا بدأت يوم 16 ايار وانتهت في 23 منه. وشارك في المناورات نحوة 6,000 جندي ينتمول لبلجيكا والدانيمارك واستونيا وفرنسا ولاتفيا وليثوانيا وبولندا وبريطانيا، إلى جانب مشاركة اميركية. يشار الى ان عدد لا باس به من القوات المشاركة تموضع مسبقا في استونيا والمشاركة في مناوراتها التي بدأت يوم 5 أيار وامتدت بهم المهمة للمشاركة في مناورات حلف الناتو لاحقا.

المستجدات الهيكلية على حلف الناتو قد تستدعي بقاء وحدات مدرعة في الخدمة بعد نيلها ارشادات بالتسريح، منها عدد تابع لاعضاء الحلف المشارك في الحرب على افغانستان والذين كانو يتأهبون لاخراج المدرعات الثقيلة من ساحة القتال. كما قد ينطوي على المتغيرات اعادة الاهتمام لتقنية المدرعات وتعاظم الاعتماد عليها بشكل اكبر مما شهدته ابان العقد المنصرم. وعليه، سيحظى قطاع المجمع الصناعي العسكري الاميركي بنصيب الاسد من الميزانيات المرصودة للقوات العسكرية وجهود تحديث معداتها ولوازمها.

 

هل تكفي التدابير المتخذة

بعد انتهاء الحرب الباردة وتقليص ميزانيات الانفاق العسكرية تراجع حجم قوات حلف الناتو، وتصاعدت المشاورات بين اعضاء الحلف سعيا لترميم توجهات الحلف بما يلائم التحديات الراهنة، وافساح المجال لكل دولة عضو المضي في تحديث قواتها العسكرية.

لا يزال الحلف ينعم ببعض المزايا منها تضخم النطاق الدفاعي عما كان الأمر خلال الحرب الباردة، اذ وقعت معظم دول اوروبا الغربية آنئذ تحت مرمى نيران القوات السوفياتية. اما اليوم، فقد غاب ذلك التهديد عن كل من المانيا وفرنسا وبريطانيا، واضحى اكثر تعقيدا بالنسبة لروسيا ان تقدم على توجيه ضربات عسكرية محكمة لدول الحلف الاساسية

يصنف القادة العسكريين الاميركيين من ضمن مزايا الحلف تطور التقنية العسكرية المتقدمة لدوله الاساسية: اميركا، بريطانيا، فرنسا والمانيا؛ بينما لا يزال الجيش الروسي يعتمد على معدات من مخلفات الحرب الباردة، كما يقولون.

ومن المزايا الاخرى للحلف ان نهاية الحرب الباردة وفرت له فرصة لبلورة قوات للتدخل السريع باستطاعتها القيام بمهام قتالية، كما يجري في افغانستان، والتي يتم اعدادها لمواجهات مباشرة مع القوات الروسية. وهي الفرصة التي حفزت قيادات الحلف على تعويض القصور بالانتشار الواسع في دول اوروبا الشرقية مترامية الاطراف إلى الإعتماد على قوات سريعة الحركة باستطاعتها الانخراط على الفور في اي ساحة تتطلب ذلك. يشار الى ان تلك القوات تتضمن عددا كبير من العناصر القتالية المجربة في العراق وافغانستان مما يعزز اداءها الميداني اضعاف عددها المباشر.

ويزهو قادة حلف الناتو بامتلاكهم شبكة واسعة ومنتشرة من سبل الدعم اللوجستي – في المستويين العسكري والتجاري. الأمر الذي يترجم بنشر سريع وناجع للقوات المطلوبة في دول اوروبا الشرقية عند نشوب ازمة؛ فضلا عن القاعدة الاقتصادية الواسعة للحلف مقارنة بما يتوفر لدى روسيا.

تعتبر الشريحة العسكرية المولعة بالمغامرات والحروب ان روسيا لا زالت تشكل تهديدا لاوروبا، وامتدادا لاميركا، وتنفرج اساريرهم لعزم دول الحلف اخذ الأمر على قدرٍ عالٍ من الجدية. وتدرك تلك الشريحة حاجة الدول الاعضاء الاحدث في الحلف لتحديث قدراتها القتالية مما يعني تعاظم اعتمادها على دول الحلف الاساسية لتوفير قوات محترفة متطورة تقنيا وسريعة الحركة، لجسّ ومواجهة القوات المسلحة الروسية. ما لم يعد يقينا لدى تلك الشريحة هو مدى التزام وتضحية دول الحلف الاوروبية بموارد مالية هي في امسّ الحاجة اليها للانفاق على وَهْم متطلبات التحضير للدخول في حرب باردة مجددا يبقى المستفيد الاكبر المجمع الصناعي العسكري على ضفتي الأطلسي.

الإمام الخامنئي يستقبل المشاركين في مسابقات القرآن العالمية الحادية و الثلاثين

في ذكرى ميلاد الإمام علي بن الحسين السجاد (عليه السلام) تعطرت أجواء حسينية الإمام الخميني (رحمه الله) بأريج الآيات القرآنية الكريمة، حيث أقام أساتذة القرآن الكريم و مقرئوه و حفاظه المشاركون في الدورة الحادية و الثلاثين من مسابقات القرآن الكريم العالمية بطهران جلسة قرآنية في هذه الحسينية بحضور سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية.

و اعتبر الإمام السيد علي الخامنئي في كلمة ألقاها في هذه الجلسة أن الهدف النهائي من حفظ القرآن الكريم و تلاوته هو فهم القرآن الكريم و العمل به و الاستئناس بالكلام الإلهي، و أوضح أن الهداية الإلهية و فهم المعايير الأساسية للقرآن الكريم في قضايا حساسة من قبيل معرفة الأعداء، هي رهن بالاستئناس بالقرآن الكريم و صحبته، منوّهاً: الاستئناس بالقرآن الكريم و مصاحبته و التدبر و التعمق في معانيه و مفاهيمه يحقق للأمة الإسلامية العزة الموعودة من قبل الله تعالى.

و اعتبر قائد الثورة الإسلامية الإقبال الواسع للشباب و الأحداث على القرآن الكريم بعد انتصار الثورة الإسلامية نعمة كبيرة، مردفاً: الاستئناس بالقرآن الكريم و صحبته تقرب المجتمع من العمل بتعاليمه الباعثة على الحياة، و هذا هو الهدف الأسمى و النهائي لحفظ و تلاوة القرآن الكريم.

كما اعتبر سماحته صحبة القرآن الكريم علامة على استعداد قلب الإنسان لتلقي الهداية الإلهية مضيفاً: أكبر معضلة يواجهها العالم الإسلامي اليوم هي الابتعاد عن المعارف القرآنية و بالتالي الغفلة عن مؤامرات أعداء الإسلام و خبثهم.

و اعتبر آية الله العظمى السيد الخامنئي أن السبيل لتلافي هذا النقص الأساسي في العالم الإسلامي هو الفهم الدقيق للمعايير القرآنية ملفتاً: لقد شدد أعداء الإسلام مؤامراتهم و زادوها تعقيداً بعد ظهور الجمهورية الإسلامية.

و قال قائد الثورة الإسلامية: سياسة أعداء الإسلام في الوقت الراهن هي إشعال حروب داخلية بالنيابة، و نشر الاقتتال بين الإخوة في المجتمعات الإسلامية، و لكن للأسف ثمة البعض في الأمة الإسلامية لا يتفطنون لهذه السياسة المشؤومة، و هم مستعدون من أجل مجابهة إخوتهم المسلمين لأن يضعوا أيديهم في أيدي الشيطان، و حتى للتعاون مع الكيان الصهيوني.

و قدّر سماحته العاملين على إقامة مسابقات القرآن الكريم العالمية و المشاركين فيها، منوّهاً: تستطيع الأمة الإسلامية بفضل صحبتها المطردة لمفاهيم القرآن الكريم أن تحقق العزة الموعودة من قبل الله تعالى.

قبل كلمة قائد الثورة الإسلامية تحدث حجة الإسلام و المسلمين محمدي ممثل الولي الفقيه و رئيس منظمة الأوقاف و الشؤون الخيرية فبارك الأعياد الشعبانية و خصوصاً الميلاد السعيد للإمام علي بن الحسين السجاد (عليه السلام) و أشار إلى المستوى الرفيع للمسابقات و الإقبال الواضح على الدورة الحادية و الثلاثين منها قائلاً: شارك في هذه الدورة من المسابقات متنافسون من 71 بلداً في العالم من مختلف القارات، و قد حكّم في هذه الدورة عشرة محكّمين أجانب و خمسة محكّمين إيرانيين، و ثلاثة محكّمين مشرفين.