Super User

Super User

الظواهري يلغي داعش.. ويدعو البغدادي والجولاني للتعاون

أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة يعلن أن جبهة النصرة هي صاحبة "الولاية" في سورية ويلغي تنظيم داعش، ويدعو البغدادي والجولاني إلى التعاون ونبذ الخلاف.

أمر زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري بإلغاء ما يعرف بتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، وأكد أن جبهة النصرة هي فرع التنظيم في سورية.

وقال الظواهري في تسجيل صوتي "تلغى دولة العراق والشام الإسلامية ويستمر العمل باسم دولة العراق الإسلامية"، مؤكداً أن "جبهة النصرة لأهل الشام فرع مستقل لجماعة قاعدة الجهاد يتبع القيادة العامة".

وأوضح الظواهري أن "الولاية المكانية لدولة العراق هي العراق، الولاية لجبهة النصرة لأهل الشام هي سورية"، داعياً كلاً من زعيمي التنظيمين إلى التعاون.

وكان نشب خلاف بين أبو بكر البغدادي زعيم داعش وأبو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة على إثر إعلان الأول ضم فرعي القاعدة في سورية والعراق تحت اسم واحد، حيث رفض الجولاني ذلك وأعلن البيعة المباشرة للظواهري.

نصر الله: أصبحنا في ربع الساعة الأخيرة قبيل تحقيق انتصار تاريخي واستراتيجي جديد

الأمين العام لحزب الله يجدد التأكيد أن محور الحرب على سورية وصل إلى حائط مسدود متحدثاً عن قرب تحقيق نصر جديد.

أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أن "أن ذهاب الحزب إلى سورية كان أكثر من ضرورة وواجب".

ونقلت صحيفة "السفير" اللبنانية عن السيد نصر الله قوله أمام كوادر حزبه خلال تنظيم المجالس العاشورائية لحزب الله "إنه تم إحباط معظم ما كان يخطط لسورية برغم مكابرة بعض الدول في المنطقة وعرقلتها الحل السياسي" مؤكداً "أن سورية ستتعافى في نهاية الأمر وسيتم الوصول الى هذا الحل خصوصاً أنّ محور الحرب على سورية قد وصل الى حائط مسدود".

وأضاف السيد نصر الله "يمكن القول إننا أصبحنا الآن في ربع الساعة الأخير قبيل تحقيق انتصار تاريخي واستراتيجي جديد" مضيفاً "لو لم نذهب الى سورية، لتحوّل لبنان عراقاً ثانياً، بدليل أنه استشهد في العراق في الشهر الماضي 900 شخص وسقط المئات من الجرحى، نتيجة 300 سيارة مفخخة أو عملية انتحارية"، داعياً إلى "مواجهة الخطر الكبير المتمثل بمشروع استهداف بيئة المقاومة بالسيارات المفخخة".

السبت, 09 تشرين2/نوفمبر 2013 10:20

عراقجي یصف المفاوضات الثلاثیة بالجیدة

عراقجي یصف المفاوضات الثلاثیة بالجیدة

قال مساعد وزیرالخارجیة الایراني عباس عراقجي بعد انتهاء جولة المفاوضات الثلاثیة بین وزیر الخارجیة الایراني محمد جواد ظریف و نظیره الاميرکي جون کیری ومنسقة السیاسة الخارجیة للاتحاد الاوروبي کاثرین اشتون ، ان المفاوضات کانت جیدة وبناءة.

واضاف عراقجي في حدیث للصحفیین مساء الجمعة لقد حققنا في هذه المفاوضات بعض التقدم، واکد ان هذه المفاوضات ستسأنف صباح الیوم السبت.

وکان مصدر مطلع قد ذکر لمراسل ارنا ان المفاوضات کانت صعبة وتم تقریب وجهات النظر بین الطرفین.

واوضح ان الجانبین یتفاوضان الان حول نص مشترك.

وكان الاجتماع الثلاثي بین وزیر الخارجیة الایراني محمد جواد ظریف ونظیره الاميرکي جون کیري و منسقة السیاسة الخارجیة للاتحاد الاوروبي کاثرین اشتون قد عقد مساء الجمعة علی ان یتم استئناف المفاوضات بینهم صباح الیوم السبت.

واستغرق الاجتماع الثلاثي ثلاث ساعات و 45 دقیقة تخللته فترة استراحة قصیرة، ویبدو انه لم یتم بعد تسویة کل القضایا الخلافیة التي تعترض الوصول الی اتفاق نووي بین الجانبین ، ایران ومجموعة 5+1.

وذکر تقریر لمراسل ارنا ان المفاوضات النوویة بین ایران ومجموعة 5+1 دخلت في مرحلة حساسة، ونظرا الی ان الامر یحتاج الی اتخاذ قرارات علی مستوی اعلی طلبت اشتون من کیری القدوم الی جنیف لهذا الشأن.

وکان کیري قد التقی قبل هذا الاجتماع وبشکل منفرد بکاثرین اشتون.

وقال کیري انه لن یتم بعد التوصل الی اتفاق فی جنیف لهذا السبب جاء الی هنا لتقلیص الهوة بین ایران ومجموعة 5+1.

جولة ثانية من المفاوضات في جنيف بين ظريف وكيري واشتون

افاد المراسلون من جنيف ان الاجتماع الثلاثي الذي عقد امس بين وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف ونظيريه الاميركي جون كيري والاوروبية كاترين اشتون استونف صباح اليوم وذلك قبيل اجتماع وزراء خارجية ايران والدول الست للتوصل الى اتفاق حول البرنامجِ النووي الايراني.

وبالرغم من عدم اعلان نتائج الاجتماع الذي استمر امس لخمس ساعات، افاد المراسلون نقلا عن عضو الوفد الايراني المفاوض عباس عراقجي ان المحادثات والاجتماع الثلاثي بين ظريف وكيري واشتون حققت تقدما.

وفي الجهة الاخرى، اكد مسؤول في وزارة الخارجية الاميركية بعد انتهاء اللقاء تمديد محادثات جنيف يوما اضافيا وأعلن تحقيق تقدم في الجهود الرامية لتقليص الخلافات، وذلك بعد يومين من المفاوضات بين ايران ومجموعة الدول الخمسة زائدا واحد، بمشاركة وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا.

السبت, 09 تشرين2/نوفمبر 2013 10:15

وزير خارجية اليابان يصل طهران

وزير خارجية اليابان يصل طهران

وصل وزير الخارجية الياباني صباح اليوم السبت الى طهران في زيارة رسمية تستغرق يومين.

ومن المقرر ان يلتقي فوميو کيشيدا خلال هذه الزيارة عددا من کبار المسؤولين بمن فيهم الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف.

وستترکز مباحثات وزير الخارجية الياباني مع المسؤولين الايرانيين حول برنامج ايران النووي السلمي والاوضاع في منطقه الشرق الاوسط.

وقالت وسائل الاعلام اليابانية ان الوزير الياباني سيبحث ايضا خلال زيارته هذه التعاون بين طهران وطوکيو في مجال حماية البيئة ومکافحة تهريب الادوية.

«رمز الخلود» عاشوراء ونتائـج الثـورة الحسينيـة

انبعثت ثورة الإمام الحسين ((عليه السلام)) من ضمير الأُمّة الحيّ ومن وحي الرسالة الإسلامية المقدسة ومن البيت الذي انطلقت منه الدعوة الإسلامية للبشرية جمعاء، البيت الذي حمى الرسالة والرسول ودافع عنهما، حتى استقام عمود الدين. وأحدثت هذه الثورة المباركة في التاريخ الإنساني عاصفة تقوض الذل والاستسلام وتدك عروش الظالمين، وأضحت مشعلاً ينير الدرب لكل المخلصين من أجل حياة حرّة كريمة في ظل طاعة الله تعالى.

ولا يمكن لأحد أن يغفل عما تركته هذه الثورة من آثار في الأيام والسنوات التي تلتها رغم كل التشويه والتشويش الذي يحاول أن يمنع من سطوع الحقيقة لناشدها. وبالإمكان أن نلحظ بوضوح آثاراً كثيرة لهذه الثورة العظيمة عبر الأجيال وفي حياة الرسالة الإسلامية بالرغم من أنّا لا نحيط علماً بجميعها طبعاً. وأهم تلك الآثار هي :

 

1 ـ فضح الأُمويين وتحطيم الإطار الديني المزيّف :

بفعل ثورة الإمام الحسين ((عليه السلام)) تكشفت للناس حقيقة النزعة الاُموية المتسلطة على الحكم، ونسفت تضحيات الثائرين كلَّ الاُطر الدينية المزيّفة التي استطاع الاُمويون من خلالها تحشيد الجيوش للقضاء على الثورة، مستعينين بحالة غياب الوعي وشيوع الجهل الذي خلّفته السقيفة. ونلمس هذا الزيف في قول مسلم بن عمرو الباهلي يؤنّب مسلم بن عقيل ربيب بيت النبوة والعبد الصالح لخروجه على يزيد الفاسق، ويفتخر بموقفه قائلاً : «أنا من عرف الحقّ إذ تركته، ونصح الأُمّة والإمام إذ غششته، وسمع وأطاع إذ عصيته»(1).

وهذا عمرو بن الحجاج الزبيدي ـ من قادة الجيش الأموي ـ يحفّز الناس لمواجهة الإمام الحسين ((عليه السلام)) حين وجد منهم تردّداً وتباطؤاً عن الأوامر قائلاً :

يا أهل الكوفة إلزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين، وخالف الإمام(2).

فالدين في دعوى الأُمويين طاعة يزيد ومقاتلة الحسين ((عليه السلام)).

ولكن حركة الإمام الحسين ((عليه السلام)) ورفضه البيعة وتضحياته الجليلة نبّهت الأُمّة، وأوضحت لها ما طُمس بفعل التضليل. فقد وقف الإمام الحسين ((عليه السلام)) يخاطبهم ويوضّح مكانته في الرسالة والمجتمع الإسلامي: «أمّا بعد فانسبوني، فانظروا من أنا؟ ثم ارجعوا إلى أنفسكم فعاتبوها وانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم ((صلى الله عليه وآله)) وابن وصيه وابن عمّه وأوّل المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء من عند ربه ؟!».

هذا بالإضافة إلى كل الخطب والمحاورات التي جرت في وضع متوتّر حسّاس أوضح للناس مكانة طرفي النزاع. ثم ما آلت إليه نتيجة المعركة من بشاعة في السلوك والفكر فاتضحت خسّة الأُمويين ودناءتهم ودجلهم.

وكان الأثر البالغ في مواصلة الثورة الحسينية بدون سلاح دمويّ حين واصلت العقيلة زينب بنت أمير المؤمنين ((عليه السلام)) فضح الجرائم التي ارتكبها بنو اُميّة ومن ثم توضيح رسالة الإمام الحسين ((عليه السلام)).

إنّ جميع المسلمين متفقون ـ على اختلاف مذاهبهم وآرائهم ـ بأنّ الموقف الحسيني كان يمثّل موقفاً إسلامياً شرعياً، وأنّ يزيد كان مرتدّاً ومتمردّاً على الإسلام والشرع الإلهي والموازين الدينية.

 

2 ـ إحياء الرسالة الإسلامية :

لقد كان استشهاد الإمام الحسين ((عليه السلام)) هزّة لضمير الأُمّة وعامل بعث لإرادتها المتخاذلة، وعامل انتباه مستمر للمنحدر الذي كانت تسير فيه بتوجيه من بني اُميّة ومن سبقهم من الحكّام الذين لم يحرصوا على وصول الإسلام نقيّاً الى من يليهم من الأجيال .

لقد استطاع سبط الرسول ((صلى الله عليه وآله)) أن يبيّن الموقف النظري والعملي الشرعي للاُمّة تجاه الانحراف الذي يصيبها حينما يستبدّ بها الطغاة، فهل انتصر الحسين ((عليه السلام)) في تحقيق هذا الهدف ؟ لعلّنا نجد الجواب فيما قاله الإمام زين العابدين((عليه السلام)) حينما سأله إبراهيم بن طلحة بن عبدالله قائلاً : من الغالب ؟ قال ((عليه السلام)) : «إذا دخل وقت الصلاة فأذّن وأقم تعرف الغالب»(3).

لقد كان الحسين ((عليه السلام)) هو الغالب إذ تحقق أحد أهم أهدافه السامية بعد محاولات الجاهلية لإماتته وإخراجه من معترك الحياة .

 

3 ـ الشعور بالإثم وشيوع النقمة على الأُمويين :

اشتعلت شرارة الشعور بالإثم في نفوس الناس، وكان يزيدها توهجاً واشتعالاً خطابات الإمام عليّ بن الحسين ((عليهما السلام)) وزينب بنت عليّ بن أبي طالب وبقية أفراد عائلة النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) التي ساقها الطغاة الاُمويون كسبايا من كربلاء الى الكوفة فالشام .

فقد وقفت زينب ((عليها السلام)) في أهل الكوفة حين احتشدوا يحدّقون في موكب رؤوس الشهداء والسبايا، ويبكون ندماً على ما فرّطوا وما حصل لآل النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) فأشارت إليهم أن اسكتوا فسكتوا فقالت :

أما بعد :

«يا أهل الكوفة أتبكون ؟ فلا سكنت العبرة ولا هدأت الرّنة، إنّما مثلكم مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم ألا ساء ما تزرون، أي والله، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها فلن ترحضوها بغسل أبداً، وكيف ترحضون قتل سبط خاتم النبوة، ومعدن الرسالة ومدار حجّتكم، ومنار محجّتكم، وهو سيد شباب أهل الجنّة؟».

وتكلم عليّ بن الحسين ((عليهما السلام)) فقال :

«أيها الناس! ناشدتكم الله، هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه،

وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه؟ فتباً لكم لما قدمتم

لأنفسكم وسوأة لرأيكم، بأي عين تنظرون إلى رسول الله إذ يقول لكم قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي؟ فلستم من اُمتي»(4).

وروي أيضاً أن يزيد بن معاوية فرح فرحاً شديداً وأكرم عبيدالله بن زياد ولكن ما لبث أن ندم ووقع الخلاف بينه وبين ابن زياد حين علم بحال الناس وسخطهم عليه، ولعنهم وسبّهم(5).

ولقد كان الشعور بالإثم يمثّل موقفاً عاطفياً مفعماً بالحرارة والحيوية والرغبة الشديدة بالانتقام من الحكم الاُموي، مما دفع بالكثير في الجماعات الإسلامية إلى العمل للتكفير عن موقفهم المتخاذل عن نصرة الإمام الحسين ((عليه السلام)) بصيغة ثورة مسلحة لمواجهة الحكم الاُموي الظالم.

صحيح أنه لا يمكننا أن نعتبر موقف المسلمين هذا موقفاً عقلياً نابعاً من إدراك فساد الحكم الاُموي وبعده عن الرسالة الإسلامية، إلاّ أنه كان موقفاً صادقاً يصعب على الحاكمين السيطرة عليه كالسيطرة على الموقف العقلاني، فكان الحكام الظلمة وعبر مسيرة العداء لأهل البيت النبوي((عليهم السلام)) يحسبون له ألف حساب.

 

4 ـ إحياء إرادة الأُمّة وروح الجهاد فيها(6) :

كانت ثورة الإمام الحسين ((عليه السلام)) السبب في إحياء الإرادة لدى الجماهير المسلمة وانبعاث الروح النضالية، وهزّة قوية في ضمير الإنسان المسلم الذي ركن الى الخنوع والتسليم، عاجزاً عن مواجهة ذاته ومواجهة الحاكم الظالم الذي يعبث بالاُمّة كيف يشاء، مؤطّراً تحركه بغطاء ديني يحوكه بالدجل والنفاق، وبأيدي وعاظ السلاطين أحياناً واُخرى بحذقه ومهارته في المكر والحيلة.

فتعلم الإنسان المسلم من ثورة الحسين ((عليه السلام)) أن لا يستسلم ولا يساوم، وأن يصرخ معبّراً عن رأيه ورغبته في حياة أفضل في ظل حكم يتمتع بالشرعية أو على الأقل برضا الجماهير.

ونجد انطلاقات عديدة لثورات على الحكم الأموي وإن لم يُكتب لها النجاح; إلاّ أنها توالت حتى سقط النظام. ورغم أن أهدافها كانت متفاوته إلاّ أنها كانت تستلهم من معين ثورة الحسين ((عليه السلام))، أو تستعين بالظرف الذي خلقته. فمن ذلك ثورة التوابين(7) التي كانت ردّة فعل مباشرة للثورة الحسينية، وثورة المدينة(8)، وثورة المختار الثقفي(9) الذي تمكن من محاكمة المشاركين في قتل الحسين((عليه السلام)) ومجازاتهم بأفعالهم الشنيعة وجرائمهم الفضيعة، ثم ثورة مطرف بن المغيرة، وثورة ابن الأشعث، وثورة زيد بن عليّ ابن الحسين ((عليهما السلام))(10)، وثورة أبي السرايا(11).

لقد أحيت الثورة الحسينية روح الجهاد وأجّجتها، وبقي النبض الثائر في الأُمّة حيّاً رغم توالي الفشل اللاحق ببعض تلكم الثورات. إلاّ أنّ الأُمّة الإسلامية أثبتت حيويّتها وتخلّصت من المسخ الذي كاد أن يطيح بها بأيدي الأُمويين وأسلافهم .

 

مـن تـراث الإمـام الحسيـن ((عليه السلام))

نظرة عامّة في تراث الإمام الحسين ((عليه السلام)) :

الحسين بن عليّ بن أبي طالب ((عليهما السلام)) قائد مبدئي وأحد أعلام الهداية الربّانية الذين اختارهم الله لحفظ دينه وشريعته، وجعلهم اُمناء على تطبيقها، وطهّرهم من كل رجس ليصونوها من أي تحريف أو تحوير.

إنّ المحنة التي عاشها الأئمّة الثلاثة عليّ والحسن والحسين ((عليهم السلام))

كانت أكبر محنة للعقيدة والأُمّة; لأنّها قد بدأت بانحراف القيادة عن خط الرسالة; ولكنها لم تقتصر على الانحراف عن المبدأ الشرعي في ممارسة الحكم فحسب; وإنما كانت تمتد أبعادها إلى أعماق الأُمة والشريعة.

إنّ هذا الانحراف الخطير قد زاد في عزيمة هؤلاء الأئمّة الهداة، ممّا جعلهم يهتمون بإحكام قواعد الشريعة في الأُمّة وتعليمها وتربيتها بما يحول دون تسرّب الانحراف إليها بسرعة، وبما يحول دون تفتيتها وتمزيق قواها. ومن هنا كانت تربية الجماعة الصالحة والسهر على تنشئتها والاهتمام بقضاياها أمراً في غاية الأهمّية، ويظهر للمتتبع والمحقّق عظمة ذلك فيما لو أراد أن يقارن بين مواقف المسلمين تجاه أهل بيت الرسول ((صلى الله عليه وآله)) خلال خمسين عاماً بعد وفاة الرسول ((صلى الله عليه وآله)).

ومن هنا كان التراث الذي تركه لنا كل من الإمام المرتضىوالحسن المجتبى والحسين الشهيد((عليه السلام)) بكربلاء تراثاً عظيماً ومهمّاًجدّاً.

حيث نلمس الغناء في هذه الثروة الفكرية والعلمية التي وصلتنا عنهم((عليهم السلام)).

وللمتتبع أن يراجع موسوعة كلمات الإمام الحسين ((عليه السلام)) ووثائق

الثورة الحسينية، وبلاغة الحسين ومجموعة خطبه ورسائله; ليقف على عظمة هذه الثروة الكبرى وقفة متأمل ومستفيد. وها نحن نستعرض صوراً من اهتمامات هذا الإمام العظيم فيما يلي من بحوث :

 

في رحاب العقل والعلم والمعرفة :

1 ـ سُئل الإمام الحسين((عليه السلام)) عن أشرف الناس، فقال: «من اتّعظ قبل أن يوعَظ واستيقظ قبل أن يوقظ»(12).

2 ـ وقال ((عليه السلام)): «لا يكملُ العقلُ إلاّ باتّباع الحق»(13).

3 ـ «العاقل لا يحدِّث مَن يخاف تكذيبَه، ولا يَسأل مَن يخاف منعَه ولا يثِقُ بِمَن يخافُ غدرَه، ولا يرجو مَن لا يوثقُ برجائه»(14) .

4 ـ «العلم لقاحُ المعرفة، وطول التجارب زيادةٌ في العقل، والشرف التقوى، والقنوعُ راحةُ الأبدان، ومن أحبَّكَ نهاكَ ومن أبغضك أغراك»(15).

5 ـ «من دلائل العالم انتقادُه لحديثهِ وعلمه بحقائق فنونِ النظر»(16).

6 ـ «لو أنّ العالِمَ كلّ ما قال أحْسَنَ وأصابَ لاَوْشَكَ أن يجنّ من العُجْبِ، وإنّما العالِمُ مَن يكثرُ صَوابُه»(17).

7 ـ وفي دعاء عرفةَ للإمام الحسين ((عليه السلام)) مقاطع بديعة ترتبط بالمعرفة البشرية وسُبُل تحصيلها وقيمة كل سبيل وما ينبغي للعاقل أن يسلكه من السبل الصحيحة والموصلة الى المقصود، نختار منها نماذج ذات علاقة ببحثنا هذا:

قال ((عليه السلام)) :

أ ـ «إلهي أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيراً في فقري؟ إلهي أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولاً في جهلي؟ ...» .

ب ـ «إلهي علمتُ باختلاف الآثار وتنقّلات الأطوار أنّ مرادك منّي أن تتعرّف إليَّ في كل شيء حتى لا أجهلك في شيء ...» .

ج ـ «إلهي تردّدي في الآثار يوجب بُعد المزار فَاجمعني عليك بحذمة توصلني إليك، كيف يُستَدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ؟ أيكونُ لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكونَ هو المظهِرَ لك ؟! متى غبتَ حتى تحتاج الى دليل يدلّ عليك ؟!. ومتى بَعُدْتَ حتّى تكونَ الآثار هي التي توصل إليك؟ عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيباً».

د ـ «إلهي أمرتَ بالرجوع إلى الآثار فأرجعني اليك بكسوةِ الأنوار وهداية الاستبصار حتى أرجعَ إليك منها كما دخلتُ إليك منها مَصونَ السرِّ عن النظرِ إلَيْها ومرفوع الهمّة عن الاعتمادِ عليها».

هـ ـ «منك أطلُبُ الوصول إليك وبك استدلُّ عليك فاهدني بنورك إليك وأقمني بصدْق العبودّية بين يديك».

و ـ «إلهي علّمني من علمك المخزون وصُنّي بستْرك المصون. إلهي حقّقني بحقايق أهلِ القُرب...».

ز ـ «إلهي أخرِجني من ذُلِّ نفسي وطهّرني مِن شكّي وشركي قبل حلول رمسي».

ح ـ «إلهي إنّ القضاء والقدر يُمنيّني، وإنّ الهوى بوثائق الشهوة أسرني، فكن أنت النصير لي حتَى تنصرني وتبصرني».

ط ـ «أنتَ الذي أشرقت الأنوار في قلوب أوْليائك حتى عرفوك ووحَّدوك، وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبّائك حتّى لم يحبّوا سِواك ولم يلجأوا إلى غيرك، أنت المُؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم، وأنت الذي هديتهم حيث استبانت لهم المعالم. ماذا وجد من فقدكَ ؟! وما الذي فقد من وجدك ؟!».

ي ـ «أنت الذي لا إله غيرك، تعرفت لكلّ شيء فما جهلك شيءٌ، وأنت الذي تعرّفت إليَّ في كلّ شيء فرأيْتُك ظاهراً في كل شيء . . . كيف تخفى وأنت الظاهرُ ؟ أم كيف تغيبُ وأنت الرقيبُ الحاضِرُ؟!»(18).

 

في رحاب القرآن الكريم :

لقد اعتنى أهل البيت الطاهرون بالقرآن الكريم اعتناءاً وافراً فعكفوا على تعليمه وتفسيره وفقه آياته وتطبيقه وصيانته عن أيدي العابثين والمحرّفين، وتجلّت عنايتهم به في سلوكهم وهديهم وكلامهم. وقد اُثرت عن الإمام أبي عبدالله الحسين ((عليه السلام)) كلمات جليلة حول التفسير والتأويل والتطبيق، وهي جديرة بالمطالعة والتأمل نختار نماذج منها:

أ ـ قال ((عليه السلام)) : «كتاب الله عزّوجل على أربعة أشياء: على العبارة والإشارة واللطائف والحقائق، فالعبارةُ للعوام، والإشارة للخواص واللطائفُ للأولياء، والحقائق للأنبياء»(19).

ب ـ «من قرأ آيةً من كتاب الله في صلاته قائماً يُكتَب له بكل حرف مِئةُ حَسَنَة، فإن قَرَأها في غير صلاة كتب اللهُ له بكل حرف عَشْراً، فإن استمَعَ القرآنَ كان له بكل حرف حَسَنةٌ، وإن خَتَمَ القرآنَ ليلاً صلّت عليه الملائكة حتى يُصبِحَ، وإن ختَمَه نهاراً صلّت عليه الحفَظَةُ حتى يُمسيَ. وكانت له دعوةٌ مستجابَةٌ وكان خيراً له ممّا بين السماءِ والأرضِ»(20).

ج ـ وعنه ((عليه السلام)) في تفسير قوله تعالى : (تُبَدُّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الاَْرْضِ )يعني بها «أرض لم تكتسب عليها الذنوب، بارزة ليست عليها جبال ولا نبات كما دحاها أوّل مرة»(21).

د ـ وسأله رجل عن معنى (كهيعص) فقال له: لو فسّرتُها لك لمشيت على الماء(22).

هـ ـ وقال النصرُ بن مالك له: يا أبا عبدالله حَدِّثني عن قول الله عزَّوجَلَّ (هذَانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ )، قال: «نحن وبنو اُمية اختصمنا في الله عزّوجلّ، قلنا صدق الله، وقالوا: كذب اللهُ، فنحن وإيّاهم الخصمان يوم القيامة»(23).

و ـ وفي قوله تعالى: (الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ)قال ((عليه السلام)): «هذه فينا أهل البيت»(24).

ز ـ في قوله تعالى : (قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) قال((عليه السلام)): «انّ القرابة الّتي أمَرَ اللهُ بصلتها وعظم حقّها وجعل الخير فيها قرابتنا أهل البيت الذين أوجب حقَّنا على كلّ مسلم»(25).

ح ـ وفسّر النعمة في قوله تعالى: ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) «بما أنعم الله على النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) من دينهِ»(26).

ط ـ وفسّر الصَمَد بقوله : إنّ الله قد فَسَّرَهُ بقوله: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)(27).

ي ـ وقال : «الصمد : الذي لا جوف له، والصمد: الذي قد انتهى سؤدده، والصمد: الذي لا يأكل ولا يشرب. والصمد : الذي لا ينام، والصمد: الدائم الذي لم يزل ولا يزال»(28).

ك ـ وروي أنّ عبد الرحمن السلمي علّم ولد الحسين ((عليه السلام)) سورة الحمد، فلمّا قرأها على أبيه أعطاه ((عليه السلام)) ألف دينار وألف حُلّة وحشا فاه دُرّاً ، فقيل له في ذلك، فقال ((عليه السلام)) : وأين يقع هذا من عطائه ؟ يعني بذلك تعليمه القرآن(29).

 

في رحاب السُنّة النبويّة المباركة :

لقد عاصر الحسين جدّه رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) وعاش في كنف الوحي والرسالة وارتضع من ثدي الإيمان، فحمل هموم الرسالة الخاتمة كاُمّه وأبيه وأخيه، وعلم أنّ سنة الرسول وسيرته هي المصدر الثاني للإشعاع الرسالي، وأيقن بضرورة الاهتمام بهما وضرورة الوقوف أمام مؤامرات التحريف والتضييع، ومنع التدوين التي تزعّمها جملة من كبار الصحابة وكيف واجهوا جدّه بكل صلف، حذراً من انكشاف الحقائق التي تحول دون وصولهم للسلطة أو تعكّر عليهم صفوها.

ومن هنا نجد الحسين ((عليه السلام)) يقف بكل شجاعة أمام هذا التآمر على الدين، ويضحّي بأغلى ما لديه من أجل إحياء شريعة جدّه سيد المرسلين، محقّقاً شهادة جدّه الخالدة في حقّه : «حسين منّي وأنا من حسين»، «ألا وإن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة».

وهكذا نجد في تراثه الرائع اعتناءه البليغ بنقل السيرة النبوية الشريفة، والتحديث بسنّته والعمل بها وإحيائها، ولو بلغ مستوى الثورة على من يتسلّح بها لمسخها وتشويهها.

قال صلوات الله عليه :

1 ـ «كان رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) أحسن ما خلق اللهُ خلْقاً»(30).

2 ـ وروى الحسين ((عليه السلام)) ـ كأخيه الحسن ـ وصفاً دقيقاً للرسول((صلى الله عليه وآله)) وهديه في سيرته مع نفسه وأهل بيته وأصحابه ومجلسه وجلسائه، أخذاه من أبيهما علي((عليه السلام)) وهو الذي ربّاه الرسول((صلى الله عليه وآله)) منذ نعومة أظفاره حتى التحاقه بالرفيق الأعلى. ونشير إلى مقطع من هذه السيرة. قال الحسين ((عليه السلام)) فسألته عن سكوت رسول الله ((صلى الله عليه وآله))، فقال:

«كان سكوته على أربع : على الحلم والحذر والتقدير والتفكّر. فأما التقدير ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس، وأمّا تفكّره ففيما يبقى أو يفنى. وجمع له الحلم في الصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزّه، وجُمع له الحذر في أربع: أخذه بالحَسَن ليُقتدى به، وتركه القبيح ليُنتهى عنه، واجتهاده الرأي في صلاح اُمّته، والقيام في ما جُمع له من خير الدنيا والآخرة»(31).

3 ـ وروى أيضاً أنّ رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) أصبح وهو مهموم، فقيل له: ما لَكَ يا رسول الله؟ فقال: «إني رأيت في المنام كأنّ بني اُميّة يتعاورون منبري هذا». فقيل: يا رسول الله! لا تهتم فإنها دُنياً تنالهُمُ، فأنزل الله: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ...)(32).

4 ـ وروى أيضاً أنّ النبيّ ((صلى الله عليه وآله)) كان إذا أكل طعاماً يقول: «اللهم بارك لنا فيه، وارزقنا خيراً منه»، وإذا أكل لَبَناً أو شَرِبَه يقول: «اللهم بارك لنا فيه وارزقنا منه»(33).

وكان يرفع يديه إذا ابتهل ودعا يفصل بينهما كما يَستَطْعِمُ المسكينُ(34).

5 ـ وسُئل عن الأذان وما يقول الناس فيه، قال: «الوحي ينزل على نبيّكم، وتزعمون أنّه أخَذَ الأذانَ عن عبدالله بن زيد؟! بل سمعت أبي عليّ بن أبي طالب((عليه السلام)) يقول: أهبَطَ الله عزّوجلَّ ملكاً حين عُرِج برسول الله((صلى الله عليه وآله)) فأذّن مثنى مثنى، وأقامَ مثنى مثنى، ثم قال له جبرئيل: يا محمّد هكذا أذان الصلاة»(35).

6 ـ وروى أنّ رسول الله((صلى الله عليه وآله)) بعث مع عليّ((عليه السلام)) ثلاثين فرساً في غزاة السلاسل فقال: «يا عليّ أتلو عليك آيةً في نفقة الخيل: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً ) يا علي هي النفقة على الخيل ينفق الرجلُ سّراً وعلانيةً»(36).

وقد نقل ((عليه السلام)) حوادث عصر الرسول ((صلى الله عليه وآله)) ممّا رآه مباشرة أو سمعه عن اُمّه أو أبيه وهما المعصومان من الزلل والمعتمدان في النقل(37).

 

في رحاب أهل البيت ((عليهم السلام)) :

لقد دلّ حديث الثقلين ـ المتواتر والمقبول لدى عامة المسلمين ـ على أنّ خلود الإسلام رهن الأخذ بركنين مُتلازمين وهما: القرآن الكريم وعترة النبيّ المختار صلوات الله عليهم أجمعين فإنّهما لن يفترقا حتى يردا الحوض على النبيّ ((صلى الله عليه وآله)). فلا بد للمسلمين من التمسّك بهما ليصونوا أنفسهم عن الضلال في كل عصر وزمان.

ومن هنا جهد أعداء الإسلام القدامى على التفريق بين هذين الركنين; تارةً بدعوى تحريف القرآن لفظاً أو معنىً، واُخرى بالمنع عن تفسيره أو تطبيقه، وثالثةً بانتقاص العترة، ورابعةً بعزلهم عن ممارسة دورهم السياسي والاجتماعي والتثقيفي، وخامسةً بطرح البديل عنهم ورفع شعار الاستغناء عنهم وعن علمهم ودرايتهم.

والأئمّة المعصومون المأمونون ـ على سلامة الرسالة الإسلامية بنصّ من الوحي الإلهي ـ كثّفوا جهودهم وركّزوا جهادهم على صيانة هذين الأساسين من أيدي العابثين وان كلّفهم ذلك أنفسهم وأموالهم، بل كلّ ما يملكون تقديمه فداءً للرسالة المحمّدية.

ونشير إلى جملة من النصوص المأثورة عن الحسين بن عليّ((عليهما السلام)) في هذا الصدد :

1 ـ لما قضى رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) مناسكه من حجة الوداع ركب راحلته وأنشأ يقول: «لا يدخل الجنّة إلاّ من كان مُسلماً. فقام إليه أبو ذرّ الغفاري((رحمه الله)) فقال: يا رسول الله: وما الإسلام ؟ فقال ((صلى الله عليه وآله)): الإسلام عريان ولباسه التقوى وزينته الحياء وملاكه الورع، وكماله الدين، وثمرته العمل، ولكلّ شيء أساس وأساس الإسلام حبنّا أهل البيت»(38).

2 ـ وجاء عنه ((عليه السلام)) أنّه قال: «من أحبّنا كان منّا أهل البيت». واستدلّ على ذلك بقوله تعالى تقريراً لقول العبد الصالح: «فمن تبعني فإنّه منّي»(39).

وواضح أنّ من أحبّهم فسوف يتّبعهم ومن تبعهم كان منهم.

3 ـ وقال ((عليه السلام)): «أحِبّونا حُبَّ الإسلام فإنّ رسول الله((صلى الله عليه وآله)) قال: لا ترفعوني فوق حقّي; فإن الله تعالى اتخّذني عبداً قبل أن يتخّذني رسولاً»(40).

4 ـ وقال ((عليه السلام)): «ما كُنّا نعرفُ المنافقين على عهد رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) إلاّ ببغضهم عليّاً وولده ((عليهم السلام))»(41).

5 ـ وروي أنّ المنذر بن الجارود مرّ بالحسين((عليه السلام)) فقال: كيف أصبحت جعلني الله فداك ـ يا ابن رسول الله ؟ فقال ((عليه السلام)) : «أصبَحَتْ العربُ تعتدّ على العَجَم بأنّ محمّداً منها، وأصَبَحَتْ العَجَمُ مُقِرَّةً لها بذلك، وأصبَحْنا وأصبَحَتْ قريشٌ يعرفون فضلَنا ولا يَرَوْنَ ذلكَ لنا، ومن البلاء على هذِهِ الاُمّةِ أنّا إذا دعوناهُم لم يُجيبونا وإذا تركناهم لم يهتدوا بغيرِنا»(42).

 

بشائر الحسين ((عليه السلام)) بالمهدي المنتظر ((عليه السلام)) ودولته :

تراكمت البشائر النبويّة حول غيبة الإمام المهدي المنتظر وظهوره وخصائص دولته وأوصافه ونسبه الشريف، كما توضح الصحاح والمسانيد هذه الحقيقة في أبواب الملاحم والفتن وأشراط الساعة وغيرها.

واعتنى الأئمة من أهل البيت ((عليهم السلام)) بهذه القضية اعتناءاً لا يقل عن عناية الرسول الخاتم ((صلى الله عليه وآله)) واستمراراً للخط الذي اختطّه والمنهج الذي سلكه في التمهيد لدولة الحق التي تتكفل تحقيق آمال الأنبياء والأوصياء جميعاً وعلى مدى التاريخ.

وقد كثرت النصوص الواصلة إلينا عن أبي الأئمّة التسعة من ولد الحسين ((عليه السلام)). فروى عن جدّه رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وعن أبيه أمير المؤمنين((عليه السلام)) مجموعة فريدة من التصريحات المهمّة بشأن المهدي((عليه السلام)) نختار نماذج منها:

1 ـ قال ((عليه السلام)) : دخلت على جدّي رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) فأجلسني على فخذه وقال لي: «إنّ الله اختار من صُلبك يا حسين تسعة أئمة تاسعهم قائمهم، وكلّهم في الفضل

والمنزلة عند الله سواء»(43).

2 ـ وسأله شعيب بن أبي حمزة قائلاً : أنت صاحبُ هذا الأمر؟ فأجابه: لا، فقال له: فمن هو؟ فأجاب ((عليه السلام)): «الذي يملؤها عدلاً كما مُلئِت جَوْراً، على فترة من الأئمّة تأتي، كما أنّ رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) بُعِث على فترة من الرسل»(44).

3 ـ وقال ((عليه السلام)) : «لصاحب هذا الأمر غيبتان إحداهما تطول حتى يقول بعضهم: مات وبعضهم: قتِل، وبعضهم: ذهب، ولا يطّلعُ على موضعه أحدٌ مِن وليّ ولا غيرهِ إلاّ المولى الذي يلي أمره»(45).

4 ـ وقال ((عليه السلام)) : «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوَّلَ الله عزّوجلّ ذلك اليوم حتى يخرجَ رجلٌ من ولدي فيملأها عدلاً وقسطاً كما مُلئِت جوراً وظُلماً، كذلك سمعت رسول الله((صلى الله عليه وآله)) يقول»(46) .

5 ـ وقال ((عليه السلام)): «للمهدي خمسُ علامات: السفياني واليماني والصيحةُ من السماء والخسفُ بالبيداء وقتل النفسِ الزكيّة»(47).

6 ـ وقال ((عليه السلام)) أيضاً: «لو قام المهديّ لأنكره الناس; لأنّه يرجع إليهم شابّاً موفّقاً، وإنّ من أعظم البليّة أن يخرج إليهم صاحبُهم شابّاً وهم يحسبونَه شيخاً كبيراً»(48).

7 ـ وقال ((عليه السلام)): «في التاسع من ولدي سُنّة من يوسف وسنّة من موسى بن عمران ((عليهما السلام)) وهو قائمنا أهل البيت، يُصلح الله تبارك وتعالى أمرَه في ليلة واحدة»(49).

8 ـ وقال ((عليه السلام)): «إذا خرج المهدي ((عليه السلام)) لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلاّ السيف، وما يستعجلون بخروج المهديّ؟ والله ما لباسُه إلاّ الغليظُ ولا طعامه إلاّ الشعيرُ، وما هو إلاّ السيفُ، والموتُ تحت ظِلِّ السَيْفِ»(50).

 

في رحاب العقيدة والكلام :

ونختار نماذج ممّا وصلنا من نصوص عن أبي الشهداء الحسين بن عليّ((عليهما السلام)).

1 ـ ومما قاله عن توحيد الله سبحانه : «... ولا يقدّر الواصِفون كنه عظمته، ولا يخطر على القلوبِ مبلَغَ جبروته; لأنه ليس له في الأشياء عديل، ولا تدركه العلماء بألبابها ولا أهل التفكير بتفكيرهم إلاّ بالتحقيق إيقاناً بالغيبِ; لأنه لا يوصَفُ بشيء من صفات المخلوقين وهو الواحد الصمدُ، ما تُصُوِّر في الأوهامِ فَهُوَ خلافُه ... يوجِدُ المفقودَ ويُفقِدُ الموْجُودَ، ولا تجتمع لغيره الصفتانِ في وقت، يصيب الفكرُ منه الإيمانَ به موجوداً، ووجودَ الإيمانِ لا وجودَ صِفَة، به توصف الصفاتُ لا بها يوصَفُ، وبه تُعرَفُ المعارِفُ لا بها يُعرَف، فذلك الله، لا سَميَّ لَهُ، سبحانه ليس كمثلِهِ شيء، وهو السميعُ البصيرُ(51).

ومما قاله أيضاً لابن الأزرق : «أصف إلهي بما وصف به نفسَه وأُعرِّفُه بما عرّف به نفسَه، لا يُدْرَك بالحواس ولا يُقاس بالناسِ، فهو قريبٌ غير ملتصِق، وبعيدٌ غير مُتَقَصّ (تقص) يُوَحَّدُ ولا يُبَعَّضُ، مَعروف بالآيات موصوف بالعلاماتِ، لا إله إلاّ هو الكبير المتعالُ»(52).

2 ـ وخرج على أصحابه فقال: «أيّها الناسُ! إنّ اللهَ جَلَّ ذكرهُ ما خَلَقَ العباد إلاّ ليعرفوهُ، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنَوْا بعبادته عن عبادة ما سواهُ. ثم سأله رجل عن معرفة الله فقال: معرفةُ أهل كلّ زمان إمامَهُم الذي يجب عليهم طاعَتُه»(53).

3 ـ وتكلّم عن ملاك التكليف قائلاً : «ما أخَذَ الله طاقة أحد إلاّ وضع عنه طاعتَه، ولا أخذ قدرته إلاّ وضع عنهُ كُلْفَتَه»(54).

4 ـ وكتب للحسن بن أبي الحسن البصري جواباً عن سؤاله حول القدر: «إنّه من لم يؤمن بالقدر خيرِه وشرِّه فقد كفر، ومن حمل المعاصي على الله عزوجل فقد افترى على الله افتراءً عظيماً، إنّ الله تبارك وتعالى لا يُطاع بإكراه ولا يُعصى بغَلَبَة ولا يُهملُ العبادَ في الهلكة، لكنّه المالك لما ملّكهم، والقادرُ لما عليه أقدَرَهُم، فإن ائتمروا بالطاعة; لم يكن الله صادّاً عنها مُبطِئاً، وإن ائتمروا بالمعصية فشاء أن يمن عليهم فيحولَ بينهَم وبين ما ائتمروا به فعل، وإن لم يفعل فليس هو حَمَلَهم عليها قسراً ولا كلّفهم جبراً، بل بتمكينهِ إيّاهم بعد إعذاره وإنذاره لهم واحتجاجه عليهم طوّقَهُم ومكّنهم وجعل لهم السبيل إلى أخذ ما إليه دعاهم وترك ما عنه نهاهم...»(55).

5 ـ واشتملت أدعيته ((عليه السلام)) على دُرر باهرة في التوحيد والمعرفة والهداية الإلهية ولا سيما دعاء العشرات المرويّ عنه(56)، ودعاء عرفة الذي عُرِف به; لِما يسطع به من معارف زاخرة وعلوم جمّة، بل هو دورة عقائدية كاملة. وإليك مطلعه :

«الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع ولا لعطائه مانعٌ ولا كصنعه صنعُ صانِع، وهو الجوادُ الواسِعُ، فَطَر أجناسَ البدائعِ وأتقنَ بحكمتِهِ الصنائعَ، لا تخفى عليه الطلائعُ ولا تضيع عنده الودائعُ، أتى بالكتابِ الجامعِ وبشرع الإسلام النور الساطعِ وهو للخليقة صانعٌ وهو المستعانُ على الفجائِع...»(57).

 

في رحاب الأخلاق والتربية الروحية :

1 ـ سُئل عن خير الدنيا والآخرة فكتب ((عليه السلام)): «بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعدُ: فإنه من طلب رضى الله بسخط الناس كفاه الله اُمور الناس، ومن طلب رضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس . والسلام»(58).

2 ـ بيّن ((عليه السلام)) أقسام العبادة ودرجات العُبّاد قائلاً: «إنّ قوماً عبدوا الله رغبةً فتلك عبادة التجّار ، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادةُ العبيد، وإنّ قوماً عبدوا اللهَ شُكراً فتلك عبادةُ الأحرار، وهي أفضل العبادة»(59).

3 ـ قال ((عليه السلام)) عن آثار العبادة الحقيقية: «من عَبَدَ الله حقَّ عبادته آتاه الله فوق أمانيه وكفايتهِ»(60).

4 ـ سُئل عن معنى الأدب فقال: «هو أن تخرج من بيتك فلا تَلقى أحداً إلاّ رأيت له الفضلَ عليك»(61).

5 ـ قال الإمام الحسين ((عليه السلام)) : «مالُكَ إن يكن لك كنتَ له فلا تُبقِ عليه; فإنّه لا يُبقي عليك، وكلْهُ قبل أن يأكلك»(62).

 

في رحاب مواعظه الجليلة :

1 ـ كتب إليه رجل : عِظني بحرفين فكتب إليه: «مَن حاوَل أمراً بمعصية الله تعالى كانَ أفْوَتَ لما يَرجو وأسْرَعَ لمجي ما يحذَرُ»(63).

2 ـ وجاءه رجل فقال له: أنا رجلٌ عاص ولا أصبر عن المعصية فعظني بموعظة فقال ((عليه السلام)) : «إفعل خمسةَ أشياءَ واذنب ما شئتَ، فأوّل ذلك: لا تأكل رزقَ اللهِ واذنب ما شئِتَ، والثاني : اخرج من ولاية الله واذنِب ما شئت. والثالث: اطلُبْ موضِعاً لا يراكَ اللهُ واذنب ما شِئتَ. والرابع: إذا جاء ملَكُ الموتِ ليقبِضَ روحَكَ فادفَعْهُ عن نفسِكَ واذنب ما شئتَ، والخامِسُ: اذا أدخَلَكَ مالكُ النارِ فلا تدخُلْ في النارِ واذنِب ما شئتَ»(64).

3 ـ ومما جاء عنه ((عليه السلام)) في الموعظة : «ياابن آدمَ! تفكَّرْ وقل: أينَ ملوكُ الدنيا وأربابُها؟ الذين عَمّروا واحتفَروا أنهارها وغَرَسوا أشجارها ومدّنوا مدائِنَها، فارقوها وهم كارهون وورثها قوم آخرون، ونحن بهم عمّا قليل لاحقونَ. ياابن آدم! اُذكر مصرعك، وفي قبرك مضجعَك وموقفَك بين يَدَي اللهِ تشهَدُ جوارحُكَ عليكَ يوم تَزِلُّ فيه الأقدامُ وتبلغُ القلوبُ الحناجِرَ وتبيضّ وجوهٌ وتسوَدُّ وجوهٌ وتبدو السرائرُ، ويوضَعُ الميزانُ القِسط. ياابن آدمَ! اذكُر مصارعَ آبائك وأبنائك كيف كانوا وحيثُ حَلّوا وكأنّك عن قليل قد حَلَلْتَ مَحَلَّهُم وصِرتَ عِبرَةً للمعتَبِر»(65).

4 ـ وخطب ((عليه السلام)) فقال : «يا أيّها الناسُ! نافسِوا في المكارم، وسارِعوا في المغانِم، ولا تحتسِبوا بمعروف لم تُعجّلوا، واكسبوا الحمدَ بالنُجح، ولا تكتسِبوا بالمطلِ ذَمّاً، فمهما يكنْ لاِحد عند أحد صنيعةٌ له رأى أنّه لا يقومُ بشكرِها; فالله له بمكافاتهِ فإنّه أجْزَلُ عطاءً وأعظمُ أجراً. واعلموا أن حوائج الناس اليكم من نعم الله عليكم ، فلا تملّوا النعم فتُحوّر نقماً»(66).

 

في رحاب الفقه والأحكام الشرعية :

لقد أثبت أهل البيت المعصومون جدارتهم للمرجعية الدينية بعد رسول الله((صلى الله عليه وآله)) في المجالَين العلمي والسياسيّ معاً.

وقد عمل خطّ الخلافة بشكل مدروس على حذف هذا الخطّ النبوي وعزله عن الساحة السياسية والاجتماعية، وخطّط أهل البيت((عليهم السلام)) لمواجهة هذه المؤامرة، كما عرفت.

غير أنّ البُعْد العلمي قد برز وطغى على البعد السياسي حتى اتُّهِمَ أهل البيت((عليهم السلام)) باعتزالهم الساحة السياسية بعد الحسين((عليه السلام)) ولكن العجز العلمي للخطّ الحاكم بالرغم من كل ما اُوتي من إمكانات ماديّة وبشرية هو الذي قد بانَ على مدى التاريخ، وتميّزت مرجعيّة الأئمة الأطهار على من سواها من المرجعيات السائدة آنذاك. وكانت حاجة الاُمة الإسلامية إلى تفاصيل الأحكام الشرعية نظراً للمستجدات المستمرّة هي السبب الآخر في ظهور علم أهل البيت((عليهم السلام)) وفضلهم وكمالهم.

وما سجّلته كتب التاريخ من حقائق لا تخفى على اللبيب مثل حقيقة عدم عجزهم أمام الأسئلة المثارة، وعدم اكتسابهم العلم من أحد من أهل الفضل سوى الرسول((صلى الله عليه وآله)) وأهل بيته المعصومين((عليهم السلام)) لدليل واضح على تميّزهم عمّن سواهم.

وهنا نختار نماذج مما يرتبط بالفقه بمعناه المصطلح بمقدار ما يسمح

به المجال.

1 ـ ممّا يرتبط بباب الصلاة، ذكر الإمام محمّد الباقر ((عليه السلام)) جواز الصلاة بثوب واحد مستشهداً بأنه قد حدّثه من رأى الحسين بن عليّ ((عليهما السلام))

وهو يصلّي في ثوب واحد وحدّثه أنه رأى رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) يُصلّي في

ثوب واحد(67).

2 ـ وجاء أنّ الأئمّة ((عليهم السلام)) كانوا يجهرون «ببسم الله الرحمن الرحيم» فيما يجهر فيه بالقراءة من الصلوات في أوّل فاتحة الكتاب وأوّل السورة في كل ركعة. وجاء عن الحسين ((عليه السلام)) قوله: «اجتمعنا ولد فاطمة ((عليها السلام)) على ذلك»(68).

3 ـ وكان الحسين بن عليّ ((عليهما السلام)) يصلي فمرّ بين يديه رجل، فنهاه بعض جلسائه، فلما انصرف من صلاته قال له : «لِمَ نَهَيْتَ الرَجُلَ؟ فقال: ياابن رسول الله! خطر فيما بينك وبين المحراب، فقال ((عليه السلام)): ويحك إنّ الله عزّوجلّ أقربُ إليَّ من أن يخطرَ فيما بيني وبين ]وبينَهُ[ أحد»(69).

4 ـ وكان الحسين ((عليه السلام)) جالساً فمرّت عليه جنازةٌ فقام الناسُ حين طلعت الجنازة، وهنا أوضح الإمام ((عليه السلام)) للناس ما تصوّروه خطأً من أنّ القيام عند مرور الجنازة من السنّة باعتبار ما سمعوه من قيام رسول الله عند مرور الجنازة. فقال الحسين بن عليّ ((عليهما السلام)): «مرَّت جنازة يهوديّ فكان رسول الله((صلى الله عليه وآله)) على طريقها جالساً فكره أن تعلو رأسَه جنازةُ يهوديّ فقامَ لِذلك»(70).

وقد أحصى مؤلّف موسوعة كلمات الإمام الحسين ((عليه السلام)) ما يقارب من مائتين وخمسين رواية في الأحكام الشرعية وردت عن الإمام الحسين ((عليه السلام)) في مختلف أبواب الفقه الإسلامي.

على أنّ سيرة الإمام الحسين((عليه السلام)) مثل سيرة سائر الأئمّة الأطهار تعتبر مصدراً من مصادر استلهام الأحكام الشرعية لتنظيم السلوك الفردي والاجتماعي للإنسان المسلم وللمجتمع الإسلامي.

 

في رحاب أدعية الإمام الحسين ((عليه السلام)) :

لقد تميّز تراث أهل البيت ((عليهم السلام)) بظاهرة الدعاء تميّزاً فريداً في جانبي الكمّ والكيف معاً.

فالاهتمام بالدعاء في جميع الحالات والظروف التي يمرّ بها الإنسان في الحياة كما قال تعالى : ( قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ )(71) هو المظهر الذي ميّز سلوك أهل البيت عمّن سواهم، وعلى ذلك ساروا في تربيتهم لشيعتهم.

والمسلمون بشكل عام يلمسون هذه الظاهرة بوضوح في موسم الحجّ وغيره من مواسم العبادة عند أتباع أهل البيت((عليهم السلام)) وشيعتهم.

وتفرّدت أدعية أهل البيت((عليهم السلام)) في المحتوى والمقاصد والمعاني التي اشتملت عليها أدعيتهم; فإنّها تُفصح بوضوح عن البون الشاسع بينهم وبين غيرهم فأين الثرى وأين الثريّا؟

وتدلّنا بعض النصوص المأثورة عن الإمام الحسين ((عليه السلام)) على سر هذا الاهتمام البليغ منهم بالدعاء.

1 ـ قال ((عليه السلام)) : «أعجز الناس مَن عجز عن الدعاء، وأبخل الناس مَن بخل بالسلام»(72).

2 ـ وجاء عنه أنه كان يدعو في قنوت الوتر بالدعاء الذي علّمه رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وهو : «اللهم إنك تَرى ولا تُرى وأنت بالمنظر الأعلى وانّ إليك الرجعى وإنّ لك الآخرة والاُولى ، اللهم إنّا نعوذ بك من أن نَذِلّ ونخزى»(73).

3 ـ من الأدعية القصيرة المأثورة عنه قوله ((عليه السلام)) : «اللهم لا تستدرِجني بالإحسانِ ولا تؤدِّبني بالبلاء»(74).

وقال في معنى الاستدراج : «الاستدراج من الله لعبده أن يُسبغ عليه النِعَمَ ويَسْلُبَه الشُكرَ»(75).

4 ـ ومن أدعيته في قنوته : «اللهمّ مَن آوى إلى مأوى فأنتَ مأوايَ، ومن لجأ الى مَلجَأ فأنتَ مَلجايَ اللهم صلّ على محمّد وآلِ محمّد واسمع ندائي وأجب دُعائي واجعل مآبي عندك ومثوايَ، واحرُسني في بَلواي من افتتانِ الامتحان ولُمَّةِ الشيطانِ بعظمتك التي لا يشوبُها وَلَعُ نفس بِتَفتين، ولا واردُ طيف بتظنين ولا يلُمُّ بها فَرَجٌ حتى تقلبني إليك بإرادتك غير ظنين ولا مظنون ولا مُراب ولا مُرتاب، إنّك أنت أرحمُ الراحِمينَ»(76).

5 ـ وله دعاء آخر كان يدعو به في قنوته هو: «اللهم منك البدءُ ولك المشيئةُ ولك الحولُ ولك القوّةُ، وأنت اللهُ الذي لا إله إلاّ أنتَ جَعَلْتَ قلوبَ أوليائك مسكناً لمَشِيّتِكَ ومكمَناً لإرادتكَ، وجَعَلتَ عُقولَهُم مَناصِبَ أوامِركَ ونواهيكَ فأنتَ إذا شِئت ما نشاءُ حرّكتَ مِن أسرارهم كوامِن ما أبطَنْتَ فيهم، وأبَدأتَ من إرادتك على ألسنتِهِم ما أفهَمْتَهُم به عنكَ في عقودِهم بعقول تدعوك وتدعو إليك بحقائقِ ما مَنَحتَهُم به، وإنّي لأعلَمُ ممّا علّمتني ممّا أنت المشكورُ على ما منه أريتني وإليه آوَيتني».

6 ـ وله دعاء يُسمّى بـ (العشرات) .

7 ـ وله دعاء كان يدعو به حين كان يمسك الركن اليماني ويناجي ربّه هو: «إلهي أنعمتني فلم تجدني شاكراً وأبليتني فلم تجدني صابراً، فلا أنت سلَبْتَ النعمة بترك الشكر، ولا أدَمْتَ الشدّةَ بترك الصبرِ إلهي ما يكونُ من الكريمِ إلاّ الكرَمُ»(77).

8 ـ وروي أنّ شريحاً دخل مسجد الرسول ((صلى الله عليه وآله)) فوجد الحسين((عليه السلام)) في المسجد ساجداً يعفِّر خدّه على التراب وهو يقول: «سيّدي ومولاي ألِمقامِعِ الحديد خَلَقْتَ أعضائي؟ أم لِشُربِ الحميمِ خَلَقْتَ أمعائي؟ إلهي لئن طالبتني بذنوبي لاُطالبنّك بكرمك، ولئن حَبَستني مع الخاطئينَ لأخبِرنَّهُم بحُبّي لك، سيّدي! إنّ طاعَتي لا تنفعُك، وَمعصيتي لا تضرّك، فهب لي ما لا ينفعُك واغفر لي ما لا يضرّك فإنك أرحم الراحمين»(78).

9 ـ وكان من دعائه إذا دخل المقابِرَ: «اللّهم ربَّ هذه الأرواح الفانيةِ والأجساد البالية، والعِظامِ النَخِرةِ التي خرجتْ من الدنيا وهي بك مؤمنة أدخِل عليهم رَوْحاً منك وسلاماً مِنّي، وقال((عليه السلام)): إذا دعا أحد بهذا الدعاء كتب الله له بعدد الخلق من لدن آدم الى أن تقوم الساعةُ حسنات»(79).

10 ـ ومن دعائه في الصباح والمساء قوله: «بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله ومن الله وإلى الله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله وتوكّلت على الله ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم. اللهم إني أسلمْتُ نفسي إليك ووجّهت وجهي إليك وفوّضت أمري إليك، إياك أسألُ العافية من كل سوء في الدنيا والآخرة، اللهم إنك تكفيني من كلّ أحد ولا يكفيني أحدٌ منك فاكفني من كلّ أحد ما أخاف وأحذرُ، واجعل لي من أمري

فرجاً ومخرجاً إنك تعلمُ ولا أعلم وتقدرُ، ولا أقدِر، وأنت على كل شيء قدير برحمتك

يا أرحم الراحمين»(80).

وأمّا دعاء عرفة المرويّ عن الإمام الحسين ((عليه السلام)) فهو من غرر الأدعية المطوّلة والتي تستدرّ الرحمة الإلهية بما تمليه على الإنسان من أسباب الإنابة والتوبة وشموخ المعرفة، وقد أشرنا الى مقاطع منه في بحوث سابقة.

وإليك مقطعاً آخر من هذا الدعاء:

«الحمدلله الّذي لم يتّخذ ولداً فيكون موروثاً، ولم يكن له شريك في الملك فيضادّه فيما ابتدع، ولا وليّ من الذلّ فيرفده فيما صنع، سبحانه سبحانه سبحانه لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا وتفطرتا، فسبحان الله الواحد الحقّ الأحد الصمد الّذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، الحمدلله حمداً يعدل حمد ملائكته المقرّبين، وأنبيائه المرسلين، وصلّى الله على خيرته من خلقه محمّد خاتم النبّيّين وآله الطّاهرين المخلصين، اللّهمَّ اجعلني أخشاك كأ نّي أراك، وأسعدني بتقواك، ولا تشقني بمعصيتك، وخر لي في قضائك، وبارك لي في قدرك حتّى لا اُحبّ تعجيل ما أخّرت، ولا تأخير ما عجّلت»(81).

 

في رحاب أدب الإمام الحسين ((عليه السلام)) :

لا ريب في أنّ الإمام الحسين((عليه السلام)) يعدّ امتداداً لجدّه وأبيه وأخيه من حيث المعرفة ومن حيث الاقتدار الفني في التعبير.

وقد جاء على لسان خصومهم «أنهم أهل بيت قد زقّوا العلم زَقّـاً»، و«أنها ألسِنَةُ بني هاشم التي تفلق الصخر وتغرف من البحر»(82).

وعلّق عمر بن سعد يوم عاشوراء على خطبة للإمام الحسين ((عليه السلام)): «إنّه ابن أبيه، ولو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً، لما انقطع ولما حُصِر»(83).

وقال أصحاب المقاتل عن كلماته وخطبه في كربلاء ويوم عاشوراء أنه لم يُسمع متكلّم قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطقه من الحسين((عليه السلام))(84).

وبالرغم من قصر المدّة الزمنيّة لإمامته وعدم إتاحة الفرصة السياسيّة التي تفرض صياغة الخطب عادةً بخاصّة أنّه ((عليه السلام)) التزم بالهدنة التي عقدها أخوه((عليه السلام)) في زمن معاوية، فقد اُثر عنه ((عليه السلام)) في ميدان الخطبة وغيرها أكثر من نموذج فضلاً عن أنه ((عليه السلام)) في زمن أبيه ((عليه السلام)) قد ساهم في خطب المشاورة والحرب(85)، وحشَد فيها كل السمات الفنّية التي تتناسب والغرض الذي استهدف توصيله الى الجمهور(86).

وأمّا خطب المعركة التي خاضها في الطف أو كربلاء، حيث فجّرت هذه المناسبة عشرات الخطب منذ بدايتها إلى نهايتها، فقد تنوّعت صياغةً ومضموناً، وتضمّنت التذكير بكتبهم التي أرسلوها إليه وبطاعة الله وبنصرته وبالتخليّ عن قتاله. وممّا جاء في إحداها : «تبـّاً لكم أيّتها الجماعة وتَرَحاً، أحين استصرختمونا والهِين ، فأصرخناكم موجِفين مؤدّين مستعدّين سَلَلْتُم علينا سيفاً لنا في أيْمانِكم وحششتُم علينا ناراً قدحناها على عدوّكم وعدوّنا فأصبحتم إلبْاً على أوليائكم ويداً عليهم لأعدائكم بغيرِ عدل أفشوه فيكُم ولا أمل أصبح لكم فيهم إلاّ الحرام من الدنيا أنالوكم وخسيس عيش طمعتم فيه ...».

واحتشدت هذه الخطبة بعناصر الفن المتنوعة بالإضافة الى عنصرَي المحاكمة والعاطفة. وبمقدور المتذوّق الفني الصرف أن يلحظ ما تتضمّنه من دهشة فنّية مثيرة كل الإثارة(87).

والأشكال الأدبيّة الاُخرى التي طرقها أدب الإمام الحسين ((عليه السلام)) هي الرسائل والخواطر والمقالة والأدعية والشعر(88) والحديث الفني.

ونشير الى نموذجين من شعره بما يتناسب مع المجال هنا:

ـ 1 ـ

تباركَ ذو العلا والكبرياءِ *** تفرّد بالجلالِ وبالبقاءِ

وسوّى الموتَ بين الخلق طُرّاً *** وكلّهُم رهائنُ للفناءِ

ودنيانا ـ وإن ملنا إليها *** وطالَ بها المتاعُ ـ الى انقضاءِ

ألا إنَّ الركونَ على غرور *** الى دار الفناءِ من الفناءِ

وقاطنها سريعُ الظعنِ عنها *** وإن كان الحريصُ على الثَواءِ(89)

ـ 2 ـ

اغنَ عن المخلوق بالخالقِ *** تَغنَ عن الكاذبِ والصادقِ

واسترزقِ الرحمنَ من فضلهِ *** فليسَ غيرُ الله من رازقِ

من ظنّ أنّ الناس يغنونه *** فليس بالرحمن بالواثقِ

أو ظن أن المال من كسبه *** زلّت به النعلان من حالق(90)

 

الهوامش

(1) تاريخ الطبري : 4 / 281 .

(2) المصدر السابق : 4 / 331 .

(3) حياة الإمام الحسين بن علي ((عليهما السلام)) : 3 / 440 عن أمالي الشيخ الطوسي .

(4) حياة الإمام الحسين بن علي ((عليهما السلام)) : 3 / 341 عن مثير الأحزان .

(5) تأريخ الطبري : 4 / 388 ، تأريخ الخلفاء : 208 .

(6) للمزيد من التفصيل راجع ثورة الحسين (النظرية ، الموقف ، النتائج ) للسيّد محمّد باقر الحكيم :100.

(7) تاريخ الطبري : 4 / 426، 449 .

(8) المصدر السابق : 4 / 464 .

(9) المصدر السابق : 4 / 487 .

(10) مقاتل الطالبيين : 135 .

(11) المصدر السابق : 523 .

(12) موسوعة كلمات الإمام الحسين : 743 عن إحقاق الحقّ: 11 / 590 .

(13) أعلام الدين: 298، موسوعة كلمات الإمام الحسين: 743. وورد هذا النصّ عن الإمام علي((عليه السلام)) أيضاً.

(14) موسوعة كلمات الإمام الحسين: 742 عن حياة الإمام الحسين((عليه السلام)): 1/181.

(15) أعلام الدين: 298،، بحار الأنوار : 78 / 128 ، الحديث 11، موسوعة كلمات الإمام الحسين ((عليه السلام)) : 742 و743 .

(16) تحف العقول: 248، موسوعة كلمات الإمام الحسين((عليه السلام)): 742.

(17) موسوعة كلمات الإمام الحسين((عليه السلام)): 887.

(18) موسوعة كلمات الإمام الحسين : 803 ـ 806 عن إقبال الأعمال : 339 .

(19) معارج اليقين: 116، موسوعة كلمات الإمام الحسين((عليه السلام)): 551 عن جامع الأخبار : 48.

(20) موسوعة كلمات الإمام الحسين((عليه السلام)): 551 ، عن الكافي : 2 / 611، الحديث 3 .

(21) تفسير العياشي 2: 236، موسوعة كلمات الإمام الحسين((عليه السلام)): 560 عن تفسير البرهان : 2 / 323 .

(22) موسوعة كلمات الإمام الحسين((عليه السلام)): 561 عن ينابيع المودّة : 484 .

(23) الخصال، الشيخ الصدوق: 43، موسوعة كلمات الإمام الحسين((عليه السلام)): 563 عن حياة الحسين : 2 / 234 .

(24) مناقب آل أبي طالب 3: 207، موسوعة كلمات الإمام الحسين((عليه السلام)) : 564 عن بحار الأنوار : 24 / 166 .

(25) شواهد التنزيل 2: 208، موسوعة كلمات الإمام الحسين : 565، بحار الأنوار : 23 / 251 الحديث 37 .

(26) موسوعة الإمام الحسين((عليه السلام)): 567، المحاسن : 1 / 344 الحديث 11 .

(27) المصباح، الكفعمي: 329، موسوعة الإمام الحسين((عليه السلام)): 568 ، التوحيد : 91 الحديث 5 ثم نقل تفسيرها بشكل تفصيلي فراجع.

(28) التوحيد: 90، تفسير مجمع البيان 10: 487، موسوعة الإمام الحسين((عليه السلام)): 569 ، معادن الحكمة : 2/ 51.

(29) مناقب آل أبي طالب 3: 222، موسوعة الإمام الحسين((عليه السلام)): 827 ، بحار الأنوار : 44 / 191 .

(30) كنز العمّال : 7 / 217 حديث رقم 18694، موسوعة كلمات الإمام الحسين((عليه السلام)): 571 .

(31) عيون أخبار الرضا 2: 285، معاني الأخبار : 79،مجمع الزوائد : 8 / 275، موسوعة كلمات الإمام الحسين((عليه السلام)) : 571 ـ 575.

(32) الدر المنثور 4: 191، موسوعة الإمام الحسين((عليه السلام)): 575، الغدير : 8 / 248 .

(33) عيون أخبار الرضا : 2 / 42، موسوعة الإمام الحسين((عليه السلام)): 578 .

(34) بحار الأنوار : 16 / 287، موسوعة الإمام الحسين((عليه السلام)): 578.

(35) مستدرك الوسائل : 4 / 17، موسوعة الإمام الحسين((عليه السلام)): 683 .

(36) مستدرك الوسائل : 8 / 253 ، موسوعة كلمات الإمام الحسين ((عليه السلام)) : 710 .

(37) راجع موسوعة كلمات الإمام الحسين وتتبع ما نقله عن رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) .

(38) أمالي الطوسي: 84، وبشارة المصطفى، الطبري (الشيعي): 151، موسوعة كلمات الإمام الحسين : 582، أمالي الطوسي : 1 / 82 .

(39) نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: 85 ، موسوعة كلمات الإمام الحسين: 582 .

(40) المعجم الكبير: 3/128، مجمع الزوائد : 9 / 21، موسوعة كلمات الإمام الحسين: 582 .

(41) عيون أخبار الرضا ((عليه السلام)) : 2 / 72 وكفاية الأثر: 102، موسوعة كلمات الإمام الحسين: 585.

(42) نزهة الناظر: 85، موسوعة كلمات الإمام الحسين((عليه السلام)): 586.

(43) ينابيع المودّة : 590، موسوعة كلمات الإمام الحسين : 659.

(44) انظر الكافي 1: 341، عقد الدرر: 158، موسوعة الإمام الحسين: 660.

(45) عن عقد الدرر : 134، موسوعة كلمات الإمام الحسين : 660.

(46) كمال الدين : 317، موسوعة كلمات الإمام الحسين: 661.

(47) عقد الدرر : 111، موسوعة كلمات الإمام الحسين: 662.

(48) عقد الدرر: 41، موسوعة كلمات الإمام الحسين: 665.

(49) كمال الدين : 317، موسوعة كلمات الحسين: 665.

(50) عقد الدرر : 228، موسوعة كلمات الإمام الحسين: 663.

(51) تحف العقول : 173، موسوعة كلمة الإمام الحسين : 530 .

(52) التوحيد: 80، موسوعة كلمات الإمام الحسين: 533.

(53) علل الشرائع 1: 9، كنز الفوائد: 151، موسوعة كلمات الإمام الحسين : 540 عن علل الشرايع.

(54) تحف العقول : 175، موسوعة كلمات الإمام الحسين : 542 .

(55) فقه الرضا، ابن بابويه: 409، معادن الحكمة : 2 / 45، موسوعة كلمات الإمام الحسين: 540 ـ 541.

(56) البلد الأمين للكفعمي : 24 .

(57) إقبال الأعمال : 339، موسوعة كلمات الإمام الحسين : 793 ـ 806.

(58) أمالي الصدوق : 167 .

(59) تحف العقول : 175 .

(60) بحار الأنوار : 71 / 184 .

(61) ديوان الإمام الحسين : 199 .

(62) نزهة الناظر: 84، بحار الأنوار : 71 / 357 .

(63) الكافي : 2 / 373 .

(64) بحار الأنوار : 78 / 126 .

(65) إرشاد القلوب : 1 / 29 .

(66) كشف الغمّة : 2 / 29 .

(67) دعائم الاسلام : 1 / 175 .

(68) مستدرك الوسائل : 4 / 189 .

(69) وسائل الشيعة : 3 / 434 الحديث 4 .

(70) الكافي : 3 / 192 .

(71) الفرقان (25): 77.

(72) روضة الواعظين: 459، بحار الأنوار : 93 / 294، الأمالي، المفيد: 317 .

(73) مسند الإمام أحمد : 1 / 201، كنز العمال : 8 / 82 .

(74) نزهة الناظر: 83، كشف الغمّة 2: 241، الدرّة الباهرة، الشهيد الأوّل: 5، بحار الأنوار : 78 / 128.

(75) تحف العقول : 175 .

(76) مهج الدعوات : 49 .

(77) إحقاق الحق : 11 / 595 .

(78) المصدر السابق : 11 / 424 .

(79) بحار الأنوار 99: 301، مستدرك الوسائل : 2 / 373 الحديث 2323 .

(80) مهج الدعوات : 157 .

(81) بحار الأنوار: 98 / 218 ـ 219.

(82) المجالس السنية : 21 ، 28 ، 30 .

( 84 و 83) المجالس السنية: 21، 28، 30 .

(85) راجع حياة الإمام الحسين في عهد أبيه، في هذا الكتاب ص 74 ـ 81.

(86) تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي : 307 ـ 311 .

(87) تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي : 311 ـ 303 .

(88) للاطلاع التفصيلي على خصائص كل شكل في أدب الحسين ((عليه السلام)) راجع تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي للدكتور محمود البستاني.

(89) ديوان الإمام الحسين : 4 / 115 .

(90) البداية والنهاية : 8 / 228 .

الإمام الحسين(ع) من أرض الوحي إلى أرض الميعاد

 

لم تكن نهضة الإمام الحسين((عليه السلام)) وثورته حركةً آنيةً أو ردّة فعل مفاجئة; بل كان الحسين((عليه السلام)) في الأُمّة يمثّل بقية النبوّة وكان وريث الرسالة وحامل راية القيم السامية التي أوجدها الإسلام في الأُمّة وأرسى قواعدها، كما أنّ العهد قريب برحيل النبىّ((صلى الله عليه وآله)) الذي كان يكثر الثناء والتوضيح لمقام الإمام الحسين ((عليه السلام)). وفي الوقت نفسه كانت قد ظهرت مقاصد الاُمويّين الفاسدة تجاه رسالة النبي ((صلى الله عليه وآله)) الإسلامية واُمّته المؤمنة برسالته .

وقد وقف أهل البيت((عليهم السلام)) بصلابة يدافعون عن الحقّ والعدل وإحياء الرسالة الإسلامية، والمحافظة عليها بكلّ وسيلة ممكنة ومشروعة.

وفي عصر الإمام الحسين((عليه السلام)) كان لتراخي وفتور الأُمّة عن نصرة الحقّ الى جانب تسلّط المنافقين ونفوذهم في أجهزة الدولة دور كبير لإيجاد حالة مَرَضيّة يمكن تسميتها بفقدان الإرادة وموت الضمير، ومن ثمّ تباينت المواقف تجاه اُسلوب الدفاع عن العقيدة الإسلامية وصيانتها وسيادة الحقّ والعدل.

ولكن لم يشكّ أحد في مشروعية وعدالة موقف الإمام الحسين((عليه السلام)) تجاه الانحراف المستشري في كلّ مفاصل الدولة، وتجاه التغيير الحاصل في بنية الأُمّة الإسلامية، إلاّ أنّ موقف الاستعداد الكامل للنصرة باتخّاذ قرار ثوريّ يزيح عن الأُمّة الظلم والفساد لم يكن يتكامل بعد لدى الجميع.

وقد كانت هذه المواقف تتراوح بين التأييد مع إعلان الاستعداد للثورة مهما كانت النتائج ، وبين الحذر من الفشل وعدم نجاح الثورة ، وبين التثبيط وفتّ العزائم .

وتبنّى شيعة أهل البيت ((عليهم السلام)) الذين اكتووا بجحيم البيت الأموي المتحكّم في رقاب المسلمين موقف التأييد وإعلان الاستعداد ، وإن غلب الخوف على بعضهم فيما بعد، واُودع البعض الآخر السجن أو حوصر من قبل قوّات السلطة الاُمويّة .

كما تبنّى آخرون من أقرباء الإمام ((عليه السلام)) ـ مثل عبدالله بن عباس ومحمّد ابن الحنفيّة ـ موقف الحذر، ورجّحوا للإمام الحسين((عليه السلام)) الهجرة إلى اليمن ; نظراً لبُعد اليمن عن العاصمة، ولتوفّر جمع من شيعته وشيعة أبيه فيها(1).

وتبنّى آخرون موقف التثبيط وفتّ العزائم والتخويف من مغبّة الثورة على الحاكم، فنصحوا الإمام ((عليه السلام)) بالدخول فيما دخل فيه الناس ، والصبر على الظلم ، كما تمثّل ذلك في نصيحة عبدالله بن عمر للإمام الحسين ((عليه السلام))(2).

 

توجّه الإمام ((عليه السلام)) الى مكّة

قال المؤرّخون : إنّ الإمام الحسين((عليه السلام)) عندما توجّه الى مكة لزم الطريق الأعظم، فقال له أهل بيته: لو تنكبت الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير كي لا يلحقك الطلب، فقال: لا والله لا اُفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض(3). ولمّا دخل الإمام الحسين((عليه السلام)) مكة كان دخوله إيّاها ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان دخلها وهو يقرأ (ولمّا توجّه تلقاء مدين قال عسى ربّي أن يهديني سواء السبيل)(4).

ثم نزلها فأقبل أهلها يختلفون إليه ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق، وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة وهو قائم يصلّي عندها ويطوف، ويأتي الحسين((عليه السلام)) فيمن يأتيه، فيأتيه اليومين المتواليين ويأتيه بين كلّ يومين مرة، وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير، قد عرف أنّ أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسين((عليه السلام)) في البلد وأنّ الحسين((عليه السلام)) أطوع في الناس منه وأجلّ(5).

وحين خرج الإمام الحسين((عليه السلام)) من المدينة متوجّهاً الى مكة بأهله وإخوته وبني عمومته و بعض الخواصّ من شيعته، لم يبقَ في المدينة إلاّ أخوه محمّد بن الحنفية.

وأفادت بعض المصادر التأريخية بأنّ الإمام((عليه السلام)) أقام في مكّة في بيت العباس بن عبدالمطلب(6)، فيما تحدّثت مصادر اُخرى عن إقامته((عليه السلام)) في شِعْب عليّ(7).

وأقام الإمام((عليه السلام)) في مكة أربعة أشهر وأياماً من ذي الحجّة، كان فيها مهوى القلوب، فالتفّ حوله المسلمون يأخذون عنه الأحكام ويتعلّمون منه الحلال و الحرام، ولم يتعرّض له أمير مكة يحيى بن حكيم بسوء، وحيث ترك الإمام((عليه السلام)) وشأنَه فقد عزله يزيد بن معاوية عنها، واستعمل عليها عمرو بن سعيد بن العاص. وفي شهر رمضان من تلك السنة (60 هـ ) ضمّ إليه المدينة، وعزل عنها الوليد بن عتبة، لأنّه كان معتدلا في موقفه من الإمام((عليه السلام)) ولم يستجب لطلب مروان(8).

 

رسائل أهل الكوفة إلى الإمام ((عليه السلام)) :

وقد عرف الناس في مختلف الأقطار امتناع الإمام الحسين((عليه السلام)) عن البيعة، فاتّجهت إليه الأنظار و بخاصّة أهل الكوفة، فقد كانوا يومذاك من أشدّ الناس نقمةً على يزيد و أكثرِهم ميلا إلى الإمام((عليه السلام)) فاجتمعوا في دار سليمان ابن صرد الخزاعي فقام فيهم خطيباً فقال: «إنَّ معاوية قد هلك، وإنّ حسيناً قد تقبّض على القوم ببيعته، وقد خرج إلى مكة، وأنتم شيعته وشيعة أبيه، فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه، فاكتبوا إليه وأعلموه، وإنْ خفتم الفشل والوهن فلا تغرّوا الرجل في نفسه، قالوا: لا ، بل نقاتل عدوّه و نقتل أنفسنا دونه. قال: فاكتبوا إليه ، فكتبوا إليه:

 

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

للحسين بن عليّ ((عليهما السلام)) من سليمان بن صرد والمسيّب بن نَجَبَة ورفاعة بن شدّاد البجلي وحبيب بن مظاهر وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة.

سلام عليك، فإنّا نحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو.

أمَّا بعد ، فالحمد لله الذي قصم عدوّك الجبّار العنيد، الذي انتزى على هذه الأُمّة فابتزّها أمرها، وغصبها فيئها، و تأمّر عليها بغير رضىً منها، ثم قتل خيارها واستبقى شرارها، وجعل مال الله دُوْلةً بين جبابرتها وأغنيائها، فبعداً له كما بعدت ثمود، إنّه ليس علينا إمام غيرك، فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحقّ، وأنّ النعمان بن بشير في قصر الإمارة، وإنّنا لم نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه الى عيد، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله تعالى .

ثم سرّحوا بالكتاب مع عبدالله بن مِسْمَع الهَمْداني و عبدالله بن وال وأمروهما بالنجاء(9)، فخرجا مسرعَين حتى قدما على الحسين((عليه السلام)) بمكة لعشر مضين من شهر رمضان، ولبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب، وأنفذوا قيس بن مُسْهِر الصيداوي وعبدالله وعبدالرحمن ابني شداد الأرحبي وعمارة بن عبد السَلولي إلى الحسين((عليه السلام)) ومعهم نحو من مائة وخمسين صحيفةً من الرجل والاثنين والأربعة، ثم لبثوا يومين آخرين وسرّحوا إليه هاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبدالله الحنفي، وكتبوا إليه:

 

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

للحسين بن علىّ ((عليهما السلام)) من شيعته من المؤمنين والمسلمين.

أمَّا بعد ، فإنّ الناس ينتظرونك، لا رأي لهم غيرك، فالعجل العجل، ثم العجل العجل، والسلام.

ثم كتب شبث بن ربعي وحجّار بن أبجر ويزيد بن الحارث بن رُوَيْم وعروة بن قيس وعمرو بن الحجّاج الزبيدي ومحمّد بن عمير التميمي :

أمَّا بعد ، فقد اخضرّ الجَناب وأينعت الثمار، فإذا شئت فاقدم على جند لك مجنّدة، والسلام(10).

 

 

جواب الإمام ((عليه السلام)) على رسائل الكوفيّين :

تتابعت كتب الكوفيّين كالسيل إلى الإمام الحسين((عليه السلام)) وهي تدعوه الى المسير والقدوم إليهم لإنقاذهم من ظلم الاُمويّين وبطشهم، وكانت بعض تلك الرسائل تُحَمِّلُه المسؤولية أمام الله والأُمّة إن تأخّر عن إجابتهم، ورأى الإمام ـ قبل كلّ شيء ـ أنْ يختار للقياهم سفيراً له يُعَرّفُه باتّجاهاتهم وصدق نيّاتهم، وقد اختار ثقته و كبير أهل بيته مسلم بن عقيل، وهو من أمهر الساسة وأكثرهم قدرةً على مواجهة الظروف الصعبة والصمود أمام الأحداث الجسام، وزوّده برسالة رويت بصور متعدّدة، من بينها النصّ الذي رواه صاحب الإرشاد، وهي كما يلي:

 

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

«من الحسين بن عليّ إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين :

أمّا بعد ، فإنّ هانئاً و سعيداً قَدِما عليّ بكتبكم، وكانا آخر من قَدِمَ عليّ من رسلكم، وقد فهمتُ كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جُلّكم: أنّه ليس علينا إمام، فأقبلْ لعلّ الله أن يجمعنا بك على الحقّ والهدى، وإنّي باعث إليكم أخي وابنَ عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل، فإنْ كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأيُ ملئكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمتْ به رسلُكم، وقرأتُ في كتبكم فإنّي أقدمُ إليكم وشيكاً إن شاء الله،فلعمري ما الإمام إلاّ الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحقّ الحابسُ نَفسه على ذات الله، والسلام»(11).

تحرّك مسلم بن عقيل نحو الكوفة :

لقد أكّد المؤرّخون أنّ الإمام الحسين((عليه السلام)) أرسل مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهر الصيداوي وعمارة بن عبدالله السلولي وعبدالله وعبد الرحمن ابني شدّاد الأرحبي إلى الكوفة، بعد أنْ أمره «بالتقوى وكتمانِ أمرِه واللطف بالناس، فإنْ رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجّلَ إليه بذلك»(12).

وفي النصف من شهر رمضان انطلق مسلم من مكة نحو الكوفة، فعرّج على المدينة فصلّى في مسجد رسول الله((صلى الله عليه وآله)) وودّع مَنْ أحَبَّ من أهله وواصل مسيره الى الكوفة.

وتعدّدت أقوال المؤرّخين بشأن المكان الذي نزل فيه مسلم بن عقيل بعد أنْ وصل إلى الكوفة، فثمّة مَنْ قال: إنّه نزل في دار المختار بن أبي عبيدة(13)، وقيل: نزل في بيت مسلم بن عوسجة(14)، وقيل : في بيت هاني بن عروة(15).

وعندما علم الكوفيّون بوصول مبعوث الحسين((عليه السلام)) إلى مدينتهم; ازدحموا للقائه و بيعته، وحسب قول بعض المؤرّخين فقد أقبلت الشيعة تختلف إليه، فلمّا اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين((عليه السلام)) وهم يبكون وبايعه الناس، حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً(16).

 

رسالة مسلم بن عقيل إلى الإمام الحسين ((عليه السلام)) :

ظلّ مسلم بن عقيل يجمع القواعد الشعبية ويأخذ البيعة للإمام((عليه السلام)) وتوالت الوفود تقدم ولاءها، و الجماهير تعلن عن استبشارها. وقد لاحظنا كيف أنّ الناس كانوا يبكون وهم يسمعون مسلماً يقرأ عليهم رسالة الإمام الحسين((عليه السلام)) التي فيها يحيّيهم، ويعلن استعداده للقدوم إليهم وقيادة الثورة على الحكم الطاغي.

وبعد أن لاحظ مسلم كثرة الأنصار; بادر بالكتابة إلى الإمام((عليه السلام)) ناقلا إليه صورةً حيّة للأحداث والوقائع التي تجري أمام عينيه في الكوفة، وقيّم له الموقف وأعرب عن تفاؤلهِ وسأله القدوم.

وقد جاء في رسالة مسلم للإمام((عليه السلام)): «أَمّا بعد، فإن الرائد لايكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشَر ألفاً، فعجّل حين يأتيك كتابي، فإنّ الناس كلُّهُم معك، ليس لهم في آل معاوية رأيٌّ ولا هوىً»(17).

 

الغدر بمسلم بن عقيل :

اتّخذ ابن زياد كلّ وسيلة مهما كانت دنيئة للقضاء على الوجود السياسي والتحرّك الذي برز منذراً بالخطر بوجود مسلم بن عقيل على النظام الاُموي، وسارع للقضاء على مسلم بن عقيل وكلّ الموالين له قبل وصول الإمام الحسين((عليه السلام)) وليتمكّن بذلك من إفشال الثورة، فدبّر خطّةً للتجسّس على تحرّكات مسلم ومكانه والموالين له، واستطاع أن يكتشف مخبأه وأن يعلم بمقرّه(18) فكانت بداية تخاذل الناس عن الصمود في مواجهة الظلم.

لقد استطاع الوالي الجديد عبيد الله بن زياد أن يُحْكِمَ الحيلةَ والخداع ليقبضَ على هانىء بن عروة الذي آوى رسول الحسين((عليه السلام)) وأحسن ضيافته واشترك معه في الرأي والتدبير، فقبض عليه وقتله بعد حوار طويل ومشادة كلامية جرت بينهما، وألقى بجثمانه من أعلى القصر إلى الجماهير المحتشدة حوله، فاستولى الخوف والتخاذل على الناس، وذهب كلّ إِنسان إلى بيته وكأنّ الأمر لا يعنيه(19).

ولمّا علم مسلم بما جرى لهانىء ورأى تَخاذُلَ عشيرته مذحج الغنية بعددها وعدَّتِها خرج في أصحابه ونادى مناديه في الناس وسار بهم لمحاصرة القصر، واشتد الحصار على ابن زياد وضاق به أمرُه، ولكنّه استطاع بدهائه ومكره أن يتغلّب على المحنة ويُخذِّلَ الناسَ عن مسلم(20).

لقد دسّ ابن زياد في أوساط الناس أشخاصاً يُخَذِّلونهم ويتظاهرون بالدعوة إلى حفظ الأمن والاستقرار وعدم إراقة الدماء، ويحذّرون من قدوم جيش جرّار من الشام بهدف كسب الوقت وتفتيت قوى الثوار. واستمرّ الموقف كذلك والناس تنصرف وتتفرّق عن مسلم. وبدخول الليل صلّى بمن بقي معه وخرج من المسجد الجامع وحيداً لا ناصر له ولا مؤازر ولا مَنْ يَدُ لُّه على الطريق، وأقفل الناس أبوابهم في وجهه، فمضى يبحث عن دار يأوي إليها في ليلته تلك، وفيما هو يسير في ظلمة الليل وجد امرأةً على باب دارها وكأنّها تنتظر شيئاً، فعرّفها بنفسه وسألها المبيت عندها إلى الصباح، فرحّبت به وأدخلته بيتها، وعرضت عليه العشاء فأبى أن يأكل شيئاً، وعرف ولدها بمكانه وكان ابن زياد قد أعدّ جائزة لِمَنْ يخبره عنه، وما كاد الصبح يتنفّس حتى أسرع ولدها إلى القصر وأخبر محمّد بن الأشعث بمكان مسلم بن عقيل، و فور وصول النبأ الى ابن زياد أرسل قوّة كبيرة من جنده(21) بقيادة ابن الأشعث إلى المكان الذي فيه مسلم، وما أن سمع بالضجّة حتى أدرك أنّ القوم يطلبونه فخرج إليهم بسيفه.

وقد اقتحموا عليه الدار فشدّ عليهم يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار، ثم عادوا إليه فشدّ عليهم كذلك، مع انّهم تكاثروا عليه بعد أن اُثخن بالجراح فطعنه رجل من خلفه فخرّ الى الأرض فاُخذ أسيراً وحمل على بغلة وانتزع الأشعث سيفه وسلاحه وأخذوه الى القصر فاُدْخِلَ على ابن زياد ولم يسلّم عليه، وجرى بينهما حوار طويل كان فيه ابن عقيل ـ رضوان الله عليه ـ رابط الجأش بليغاً في بيانه قويّ الحجّة، حتى أعياه أمرُه وانتفخت أوداجه وجعل يشتم عليّاً والحسن والحسين، ثم أمر أجهزته أن يصعَدوا به الى أعلى القصر ويقتلوه ويرموا جسده إلى الناس ويسحبوه في شوارع الكوفة ثم يصلبوه إلى جانب هانىء بن عروة، هذا وأهل الكوفة وقوف في الشوارع لا يحرّكون ساكناً وكأنّهم لا يعرفون من أمره شيئاً.

وكان مسلم قد طلب من ابن الأشعث أن يكتب إلى الحسين((عليه السلام)) يخبره بما جرى في الكوفة وينصحه بعدم الشخوص إليهم، فوعده ابن الاشعث بذلك، ولكنّه لم يفِ بوعده(22).

 

تحرّك الإمام الحسين((عليه السلام)) نحو العراق

ونترك الكوفة يعبثُ بها ابن زياد ـ ويتتبّع شيعة الإمام الحسين((عليه السلام)) ويطاردهم ـ ونعود إلى مكّة لنتابع السير مع ركب الحسين((عليه السلام)) حتى الطفّ حيث المأساة الكبرى. قال المؤرّخون: كان خروج مسلم بن عقيل رحمة الله عليه بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين، وقتلُه يوم الأربعاء لتسع خلون منه يوم عرفة، وكان توجّه الحسين صلوات الله عليه من مكة الى العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة ـ وهو يوم التروية ـ بعد مُقامه بمكة بقية شعبان وشهر رمضان وشوّالاً وذا القعدة وثماني ليال خلون من ذي الحجة سنة ستين، وكان((عليه السلام)) قد اجتمع إليه مدةَ مُقامه بمكة نَفَرٌ من أهل الحجاز ونفر من أهل البصرة انضمّوا إلى أهل بيته ومواليه.

ولمّا أراد الحسين((عليه السلام)) التوجّه إلى العراق طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحلّ من إحرامه وجعلها عمرةً، لأَنّه لم يتمكّن من تمام الحجّ مخافة أن يُقْبَضَ عليه بمكة فيُنْفَذ به إلى يزيد بن معاوية، فخرج((عليه السلام)) مبادراً بأهله وولده ومن انضمّ إليه من شيعته، ولم يكن خبر مسلم قد بلغه(23).

 

لماذا اختار الإمام الحسين((عليه السلام)) الهجرة إلى العراق؟

رغم كلّ ما قيل من تحليل ودراسة لوضع المجتمع الكوفي وما ينطوي عليه من إثارة سلبيات يتكهّن بأغلبها المحلّلون من دون جزم فإنّنا نرى أنّ اختيار الإمام الحسين((عليه السلام)) الهجرة الى العراق كان لأسباب منها :

1 ـ إنّ التكليف الإلهي برفع الظلم والفساد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشمل جميع المسلمين بلا استثناء، إذ أنّنا لا نجد في النصوص التأريخية ما يدلّل على قيام قطر من الأقطار الإسلامية بمحاولة لمواجهة الحكم الاُموي سوى العراق الذي وقف ضدّهم منذ أن ظهر الاُمويّون في الساحة السياسية وحتى سقوطهم.

2 ـ إنّ الإمام الحسين((عليه السلام)) لم يعلن دعوته لمواجهة ظلم الاُمويّين وفسادهم والنهوض لإحياء الرسالة يوم طُلب منه مبايعة يزيد، بل كانت تمتدّ دعوته في العمق الزمني إلى أبعد من ذلك، ولكن لم نرَ نصوصاً تأريخية تدلّل على استجابة شعب من شعوب العالم الإسلامي لنداء الإمام الحسين((عليه السلام)) ونهضته غير العراق، فكانت الدعوات الكثيرة والملحّة موجّهة إليه تعلن الولاء والاستعداد لتأييد النهضة ومواجهة الحكم الاُموي الفاسد.

3 ـ لم يكن أمام الحسين((عليه السلام)) من خيار لاختيار بلد آخر غير العراق، لأنّ بقية الأقطار إمّا أنها كانت مؤيّدة للاُمويين في توجّهاتهم وسياساتهم، أو خاضعة مقهورة، أو أنّها كانت غير متحضّرة وغير مستعدّة للاستجابة للنهضة الحسينيّة. على أنّ كثيراً من شعوب العالم الإسلامي كانت في ذلك الحين إمّا كافرة أو حديثة عهد بالإسلام، أو غير عربية بحيث يصعب التعايش والتعامل معها; ممّا كان سبباً لتضييع ثورة الإمام وجهوده.

4 ـ كانت الكوفة تضمّ الجماعة الصالحة التي بناها الإمام علىّ((عليه السلام)) والقاعدة الجماهيرية التي تتعاطف مع أهل البيت ((عليهم السلام)) فأراد الإمام الحسين ((عليه السلام)) أن لا يضيع دمه وهو مقتول لا محالة، كما أراد أن يعمّق الإيمان في النفوس ويجذّر الولاء لأهل البيت ((عليهم السلام))، وكان العراق أخصب أرض تستجيب لذلك، وسرعان ما بدأت الثورات في العراق بعد استشهاد الإمام الحسين((عليه السلام))، وأصبح العراق القاعدة العريضة لنشر مبادئ وفضائل أهل البيت((عليهم السلام)) إلى العالم الاسلامي في السنين اللاحقة.

5 ـ إنّ اختيار أيّ بلد غير العراق سيكون له أثره السلبي، إذ يتّخذه أعداء الإسلام وأهل البيت((عليهم السلام)) أداة عار وشنار للنيل من مقام الإمام وأهدافه السامية، ويفسّر خروجه إليه على أنّه هروب من المواجهة الحتمية، في الوقت الذي كان يهدف الإمام ((عليه السلام)) الى إحياء حركة الرسالة والمُثل الأخلاقية وتأجيج روح المواجهة والتصدّي للظلم والظالمين. وحتى على فرض اختياره ((عليه السلام)) بلداً آخر فإنّ سلطة الاُمويّين ستنال منه وتقضي عليه دون أن يحقّق أهداف رسالته التي جاء من أجلها.

6 ـ لمّا كان العراق يصارع الاُمويّين كانت أجواؤه مهيّئة لنشر الإعلام الثوري لنهضة الحسين((عليه السلام)) وأفكاره، ومن ثمّ فضح بني اُميّة وتستّرهم بالشرعية وغطاء الدين، وحتى النزعة العاطفية المزعومة في العراقيّين فقد كانت سبباً في ديمومة وهج الثورة وأفكارها كما نرى ذلك حتّى عصرنا هذا.

ولعلّ هناك أسباباً لا ندركها، لا سيما ونحن نرى أنّ الإمام الحسين((عليه السلام)) كان على بيّنة واطلاع من نتيجة الصراع، وكان على معرفة بالظروف الموضوعية المحيطة بمسيرته وعلى علم بطبيعة التكوين الاجتماعي والسياسي للمجتمع الذي كان يتوجّه إليه من خلال وعيه السياسي الحاذق، والنصائح التي قدّمها إليه عدد من الشخصيات فضلاً عن عصمته عن الزلل والأهواء ـ كما نعتقد ـ فلم يكن اختياره العراق منطلقاً لثورته العظيمة، إلاّ عن دراية وتخطيط رغم الجريمة النكراء التي نتجت عن تخاذل الناس وتركهم نصرة إمامهم ولحوق العار بهم في الدنيا والآخرة.

 

تصريحات الإمام((عليه السلام)) عند وداعه مكّة :

صدرت عن الإمام الحسين((عليه السلام)) عدّة تصريحات عند ما كان يعتزم مغادرة مكّة والتوجّه إلى العراق، وكانت بعض هذه التصريحات تمثّل أجوبته((عليه السلام)) على مَن أشفق عليه أو مَنْ ندّد بخروجه، وقد تمثّل خطابه للناس بصورة عامة، فنذكرُ منها هنا:

1 ـ روى عبدالله بن عباس عن الإمام الحسين بشأن حركته نحو العراق قوله((عليه السلام)): «والله لايَدَعُونَنِي حتى يستخرجوا هذه العَلْقَةَ من جوفي، فإذا فعلوا سُلِّط عليهم مَنْ يذلّهم حتى يكونوا أذلَّ من فَرْم المرأة»(24).

2 ـ كان محمّد بن الحنفية في يثرب فلمّا علم بعزم الإمام((عليه السلام)) على الخروج إلى العراق توجّه إلى مكة، وقد وصل إليها في الليلة التي أراد((عليه السلام)) الخروج في صبيحتها إلى العراق، وقصده فور وصوله فبادره قائلا: «يا أخي إنّ أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك، ويساورني خوف أن يكون حالك حال مَن مضى، فإن أردت أن تقيم في الحرم فإنّك أعز مَن بالحرم وأمنعهم».

فأجابه الإمام((عليه السلام)): «خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية، فأكون الذي تستباح به حرمةُ هذا البيت» فقال محمّد: «فإنْ خفت ذلك فسر إلى اليمن، أو بعض نواحي البرّ فإنّك أمنع الناس به، ولا يقدر عليك أحد»، قال الحسين((عليه السلام)): «أنظر فيما قلت».

ولمّا كان وقت السَحَر بلغه شخوصُه إلى العراق وكان يتوضّأ فبكى، وأسرع محمّد إلى أخيه فأخذ بزمام ناقته وقال له: «يا أخي، ألم تعدني فيما سألتك؟» قال الإمام((عليه السلام)): «بلى ولكنّي أتاني رسول الله((صلى الله عليه وآله)) بعد ما فارَقْتُك وقال لي: يا حسين، اُخرج فإنّ الله شاء أن يراك قتيلا»، فقال محمّد: فما معنى حملِ هؤلاء النساء والأطفال، وأنت خارج على مثل هذا الحال؟ فأجابه الإمام((عليه السلام)): «قد شاء الله أن يراهن سبايا»(25).

ولم يكن اصطحاب الحسين((عليه السلام)) لعيالاته حالة غريبة على المجتمع العربي والإسلامي، فقد كان العرب يصطحبون نساءَهم في الحروب وكذا فعل النبىّ((صلى الله عليه وآله)) في غزواته فقد كان يقرع بين نسائه، أمّا بالنسبة إلى الإمام الحسين((عليه السلام)) فإنّ اصطحابه لعائلته في حركته إنّما كان لأجل أن يكون وجودها معه بمثابة حجّة قوية على المسلمين لنصرته، فمن تولّى الحسين((عليه السلام)) ويسعى لنصرته والدفاع عنه فأولى له أن يدافع عنه وهو بين أهله. وإن اختلف مع الحسين((عليه السلام)) فما ذنب عيالاته وهنّ بنات النبىّ((صلى الله عليه وآله)) خاصة أنّ الخلاف بزعم الاُمويّين إنّما هو لأجل الخلافة.

3 ـ ذكر المؤرخون أنّ الإمام الحسين((عليه السلام)) لمّا أراد الخروج من مكة ألقى خطاباً فيها، جاء فيه: «خُطَّ الْمَوْتُ على وُلْدِ آدم مَخَطّ الْقِلادة على جيدِ الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اِشتياق يعقوب إلى يوسف، وخُيّر لي مصرعٌ أنا لاقيه، كأ نّي بأوصالي تُقطّعها عُسْلانُ الفلواتِ بينَ النواويس وكربلاء، فيملأنَّ منّي أكراشاً جوفاً وأجربةً سُغباً، لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفّينا أُجور الصابرين، لن تشذّ عن رسول الله((عليهم السلام)) لُحْمَتُه، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تَقِرُّ بهم عينُه، ويُنْجَزُ بهم وعدُه، مَنْ كان باذلا فينا مهجتَه وموطِّناً على لقاء الله نَفْسَه فَلْيَرْحَلْ معنا، فإنّي راحل مُصبحاً إن شاء الله تعالى»(26).

يُبَيِّنُ الإمام الحسين((عليه السلام)) في هذه التصريحات أنّه مصمّم على عدم مبايعة يزيد; قياماً بتكليفه الإلهي، موضحاً سبب خروجِه من مكة، مخبراً عن المصير الذي ينتظره وأهل بيته جميعاً، داعياً الى الالتحاق به من كان مُوَطِّناً على لقاء الله نفسه، معلِناً أنّ الله تعالى قرن رضاه برضا أهلِ البيت((عليهم السلام)).

 

النزول في أرض الميعاد :

أقلقت الأخبار عن تقدّم الإمام الحسين((عليه السلام)) نحو الكوفة ابن زياد وأعوان السلطة الاُموية، فأسرع بكتابه إلى الحرّ بن يزيد الرياحي يطلب فيه أن لا يسمح بتقدّم الإمام حتى تلتحق به جيوش بني اُميّة وتلتقي به بعيداً عن الكوفة خشية أن يستنهض أهلها ثانية، وليستغل ابن زياد ظروف المنطقه الصعبة للضغط على الإمام((عليه السلام)) واستسلامه.

وبغباء المنحرف الساذج وجهالته ردّ حامل كتاب ابن زياد على أحد أصحاب الحسين((عليه السلام)) ـ يزيد بن مهاجر ـ مدافعاً عمّا جاء به قائلا: أطعت إمامي ووفيت ببيعتي، فقال له ابن مهاجر: بل عصيت ربّك وأطعت إمامك في هلاك نفسك وكسبت العار والنار، وبئس الإمام إمامك، قال الله تعالى:

(وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يُنصَرُونَ)(27).

وحالت جنود ابن زياد قافلة الإمام الحسين((عليه السلام)) دون الاستمرار في المسير، فقد منعهم جيش الحرّ بن يزيد وأصرّوا على أن يدفعوا الإمام((عليه السلام)) نحو عراء لا خضرة فيها ولا ماء.

وكان زهير بن القين متحمّساً لقتال جيش الحرّ قبل أن يأتيهم المدد من قوات بني اُميّة، فقال للحسين((عليه السلام)): «إنّ قتالهم الآن أيسر علينا عن قتال غيرهم»، ولكنّ الإمام((عليه السلام)) رفض هذا الرأي لأنّ القوم لم يعلنوا حرباً عليه بعد، وما كان ذلك الموقف النبيل إلاّ لما كان يحمله الإمام من روح تتسع للاُمّة جمعاء، وأيضاً لعظيم رسالته التي يدافع عنها وقِيَمهِ التي كان يسعى الى بنائها في الأُمّة رغم أنّها بدت تظهر العداء سافراً ضدّه، فقال((عليه السلام)): «ماكنت لأبدأهم بقتال».

وكان نزول الإمام في كربلاء في يوم الخميس الثاني من محرم سنة إحدى وستين(28)، ثم اقترح زهير على الإمام((عليه السلام)) أن يلجأوا الى منطقة قريبة يبدو فيها بعض ملامح التحصين لمواجهة الجيش الاُموي لو نشبت المعركة.

وسأل الإمام((عليه السلام)) عن اسم هذه المنطقة فقيل له: كربلاء، عندها دمعت عيناه وهو يقول: «اللهم أعوذ بك من الكرب والبلاء»، ثم قال: «ذات كرب وبلاء، ولقد مرّ أبي بهذا المكان عند مسيره الى صفّين وأنا معه فوقف، فسأل عنه فاُخبر باسمه فقال: ها هنا محطّ ركابهم، وهاهنا مهراق دمائهم، فسئل عن ذلك فقال: ثقل لآل بيت محمّد ينزلون هاهنا»(29).

وقبض الإمام الحسين((عليه السلام)) قبضةً من ترابها فشمّها وقال: «هذه والله هي الأرض التي أخبر بها جبرئيل رسول الله أننّي اُقتل فيها، أخبرتني اُم سلمة»(30).

فأمر الإمام((عليه السلام)) بالنزول ونصب الخيام إلى حين يتّضح الأمر ويتّخذ القرار النهائي لمسيرته.

 

جيش الكوفة بقيادة عمر بن سعد يتأهبّ للحرب :

وفي تلك الأثناء خرج عمر بن سعد من الكوفة في جيش قدّرته بعض المصادر بثلاثين ألفاً، وبعضها بأكثر من ذلك، وفي رواية ثالثة: إنّ ابن زياد قد استنفر الكوفة وضواحيها لحرب الحسين و توعّد كلَّ مَنْ يقدر على حمل السلاح بالقتل والحبس إن لم يخرجْ لحرب الحسين.

وكان من نتائج ذلك أن امتلأت السجونُ بالشيعة واختفى منهم جماعة، وخرج مَنْ خرج لحرب الحسين من أنصار الاُمويّين وأهل الأطماع والمصالح الذين كانوا يشكّلون أكبر عدد في الكوفة، أمّا رواية الخمسة آلاف مقاتل التي تبنّاها بعض المؤرّخين فمع أ نّها من المراسيل، لا تؤيّدها الظروف والملابسات التي تحيط بحادث من هذا النوع الذي لا يمكن لأحد أن يقدِمَ عليه إلاّ بعد أن يُعِدَّ العُدَّة لكلّ الاحتمالات، ويتّخذ جميع الاحتياطات، وبخاصة إذا كان خبيراً بأهل الكوفة وتقلّباتهم وعدم ثباتهم على أمر من الأُمور(31).

وتوالت قطعات الجيش الأموي بزعامة عمر بن سعد فأحاطت بالحسين((عليه السلام)) وأهله وأصحابه، وحالت بينهم وبين ماء الفرات القريب منهم. وقد جرت مفاوضات محدودة بين عمر بن سعد والإمام الحسين((عليه السلام)) أوضح فيها الإمام((عليه السلام)) لهم عن موقفه وموقفهم ودعوتهم له، وألقى عليهم كل الحجج في سبيل إظهار الحقّ، وبيّن لهم سوء فعلهم هذا وغدرهم ونقضهم للوعود التي وعدوه بها من نصرته وتأييده، وضرورة القضاء على الفساد.

ولكن عمر بن سعد كان أداة الشرّ المنفّذة للفساد والظلم الاُموي، فكانت غاية همّته هي تنفيذ أوامر ابن زياد بانتزاع البيعة من الإمام((عليه السلام)) ليزيد، أو قتله وأهل بيته وأصحابه(32)، متجاهلا حرمة البيت النبوي بل وحاقداً عليه كما جاء في رسالته لعمر: أن حُلْ بين الحسين وأصحابه وبين الماء، فلا يذوقوا قطرة كما صُنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان(33).

 

ماذا جرى في كربلاء؟

ليلة عاشوراء :

نهض عمر بن سعد إلى الحسين ((عليه السلام)) عشية يوم الخميس لتسع مضين من المحّرم، وجاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين ((عليه السلام)) فقال: أين بنو اُختنا؟ يعني العباس وجعفر وعبدالله وعثمان أبناء عليّ ((عليه السلام)). فقال الحسين((عليه السلام)) : «أجيبوه وإن كان فاسقاً فإنّه بعض أخوالكم»; وذلك أنّ اُمّهم اُمّ البنين كانت من بني كلاب وشمر بن ذي الجوشن من بني كلاب أيضاً.

فقالوا له : ما تريد ؟ فقال لهم : أنتم يا بني اُختي آمنون فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين والزموا طاعة يزيد. فقالوا له: لعنك الله ولعن أمانك! أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له ؟

وناداه العباس بن أمير المؤمنين تبّت يداك ولعن ما جئتنا به من أمانك يا عدوّ الله! أتأمرنا أن نترك أخانا وسيّدنا الحسين بن فاطمة وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء ؟ !

ثم نادى عمر بن سعد يا خيل الله! إركبي وبالجنة أبشري. فركب الناس ثم زحف ابن سعد نحوهم بعد العصر والحسين ((عليه السلام)) جالس أمام بيته محتب بسيفه، إذ خفق برأسه على ركبتيه، فسمعت اُخته زينب الصيحة، فدنت من أخيها وقالت : يا أخي! أما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت ؟ فرفع الحسين((عليه السلام)) رأسه فقال: «إني رأيت رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) الساعة في المنام فقال إنّك تروح إلينا، فلطمت اُخته وجهها، ونادت بالويل، فقال لها الحسين ((عليه السلام)) : ليس لكِ الويل، يا اُخيّة اسكتي، رحمك الله».

وقال له العباس : يا أخي أتاك القوم فنهض ثم قال : «يا عبّاس اركب ـ بنفسي يا أخي ـ أنت حتى تلقاهم وتقول لهم : ما بالكم وما بدا لكم ؟ وتسألهم

عمّا جاء بهم؟» فأتاهم في نحو من عشرين فارساً منهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر فسألهم فقالوا: قد جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم ، قال : فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبدالله فأعرض عليه ما ذكرتم ، فوقفوا ورجع العباس إليه بالخبر ووقف أصحابه يخاطبون القوم ويعظونهم ويكفّونهم عن قتال الحسين ((عليه السلام)) .

فلما أخبره العباس بقولهم قال له : «ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غدوة وتدفعهم عنّا العشية لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم أني كنت أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار».

فسألهم العباس ذلك ، فتوقف ابن سعد ، فقال له عمرو بن الحجاج الزبيدي : سبحان الله! والله لو أ نّهم من الترك أو الديلم وسألونا مثل ذلك لأجبناهم، فكيف وهم آل محمّد ؟ ! وقال له قيس بن الأشعث بن قيس: أجبهم، لعمري ليصبحنّك بالقتال . فأجابوهم إلى ذلك .

وجمع الحسين ((عليه السلام)) أصحابه عند قرب المساء . قال الإمام زين العابدين ((عليه السلام)): «فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم وأنا إذ ذاك مريض، فسمعت أبي يقول لأصحابه : اُثني على الله أحسن الثناء وأحمده على السرّاء والضرّاء، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة فاجعلنا لك من الشاكرين .

( أمّا بعد ) فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيراً ألا وإنّي لأظنّ أنه آخر يوم لنا من هؤلاء ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً، وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرّقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم; فإنّهم لا يريدون غيري».

فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبدالله بن جعفر : ولِمَ نفعل ذلك ؟ لنبقى بعدك ؟ لا أرانا الله ذلك أبداً . بدأهم بهذا القول أخوه العبّاس ابن أمير المؤمنين واتبعه الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه .

ثم نظر إلى بني عقيل فقال : «حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم إذهبوا قد أذنت لكم»، قالوا : سبحان الله! فما يقول الناس لنا وما نقول لهم، إنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرِب معهم بسيف، ولا ندري ما صنعوا، لا والله ما نفعل ذلك ولكنّنا نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ونقاتل معك حتى نردَ موردك، فقبّح الله العيش بعدك .

وقام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي فقال : أنحن نخلّي عنك وقد أحاط بك هذا العدّو ؟ وبم نعتذر إلى الله في أداء حقّك ؟ لا والله لا يراني الله أبداً وأنا أفعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، ولو لم يكن معي سلاح اُقاتلهم به; لقذفتهم بالحجارة ولم اُفارقك أو أموت معك .

وقام سعيد بن عبدالله الحنفي فقال: لا والله يا ابن رسول الله لا نخلّيك أبداً حتّى يعلم الله أنّا قد حفظنا فيك وصيّة رسوله محمّد ((صلى الله عليه وآله)) والله لو علمت أني اُقتل فيك ثم أحيا ثم اُحرق ثم اُذرّى يُفعل ذلك بي سبعين مرّة; ما فارقتك حتى ألقى حِمامي دونَك ، وكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة ثمّ أنال الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً .

وقام زهير بن القين وقال : والله يا ابن رسول الله لوددت أني قُتلت ثم نُشرت ألف مرّة وأنّ الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن نفس هؤلاء الفتيان من إخوانك وولدك وأهل بيتك .

وتكلّم بقيّة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً وقالوا : أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا ووجوهنا، فإذا نحن قُتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربّنا وقضينا ما علينا(34) .

وأمر الحسين ((عليه السلام)) أصحابه أن يقرّبوا بين بيوتهم، ويدخلوا الأطناب بعضها في بعض، ويكونوا بين يدي البيوت كي يستقبلوا القوم من وجه واحد والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم قد حفّت بهم إلاّ الوجه الذي يأتيهم منه عدوّهم .

وقام الحسين((عليه السلام)) وأصحابه الّليل كله يصلّون ويستغفرون ويدعون، وباتوا ولهم دويّ كدويّ النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد، فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلاً .

قال بعض أصحاب الحسين ((عليه السلام)) : مرّت بنا خيل لابن سعد تحرسنا وكان الحسين ((عليه السلام)) يقرأ (ولا يحسبنّ الذين كفروا انّما نملي لهم خيرٌ لأنفسهم إنّما نُملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذابٌ مهين) ، (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيّب) فسمعها رجل من تلك الخيل يقال له عبدالله بن سمير فقال : نحن وربّ الكعبة الطيّبون ميزنا منكم ، فقال له برير بن خضير : يا فاسق أنت يجعلك الله من الطيبين ؟ ! فقال له : مَن أنت ويلك ؟ قال : أنا برير بن خضير فتسابّا ، فلمّا كان وقت السحر خفق الحسين ((عليه السلام)) برأسه خفقة ثم استيقظ فقال : «رأيت كأنّ كلاباً قد جهدت تنهشني وفيها كلب أبقع رأيته أشدّها عليّ وأظنّ أنّ الذي يتولّى قتلي رجلٌ أبرص»(35).

 

يوم عاشوراء :

انقضت ليلة الهدنة، وطلع ذلك اليوم الرهيب، يوم عاشوراء، يوم الدم والجهاد والشهادة، وطلعت معه رؤوس الأسنّة والرماح والأحقاد وهي مشرعة لتلتهم جسد الحسين((عليه السلام)) وتفتك بدعاة الحق والثوار من أجل الرسالة والمبدأ.

نظر الحسين((عليه السلام)) إلى الجيش الزاحف، ولم يزل((عليه السلام)) كالطود الشامخ، قد اطمأنت نفسه، وهانت دنيا الباطل في عينه، وتصاغر جيش الباطل أمامه، ورفع يديه متضرعاً إلى الله تعالى قائلاً : «اللهم أنت ثقتي في كل كَرْب، وأنترَجائي في كُلِ شِدّة وأنت لي في كل أمر نَزَلَ بي ثقةٌ وعدَّةٌ، كم من همٍّ يَضْعَفُ فيهالفؤاد وتقلّ فيه الحيلة ويخذُلُ فيه الصديق و يشمت فيه العدوّ، أنزلته بك وشكوته

إليك، رغبة مني إليك عمّن سواك ففرّجته عني وكشفته فأنت وليّ كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة(36).

 

خطاب الإمام((عليه السلام)) في جيش الكوفة :

أخذ جيش عمر بن سعد يشدِّد الحصار على الإمام((عليه السلام)) ولما رأى الحسين((عليه السلام)) كثرتهم وتصميمهم على قتاله إذا لم يستسلم ليزيد بن معاوية، تعمّم بعمامة رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) وركب ناقته وأَخذ سلاحه ثم دنا من معسكرهم بحيث يسمعون صوته وراح يقول: «ياأهل العراق ـ وجُلُّهُمْ يسمعون ـ »فقال: «أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظَكم بما يحقّ لكم عليَّ وحتى أُعْذَرَ إليكم فإن أعطيتموني النّصف كنتم بذلك أسعد، وإن لم تعطوني النّصف من أنفسكم فاجمعوا رأيكم ثم لا يكن أمركم عليكم غُمَّةً ثم اْقضوا إليَّ ولا تُنظِرونِ ( إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَـبَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)(37)، ثم حمد الله وأثنى عليه وذكرالله تعالى بما هو أهله وصلّى على النبي((صلى الله عليه وآله)) وعلى ملائكته وأنبيائه فَلَمْ يُسْمَعْ متكلمٌ قط قبلَه ولابعدَه أبلغُ في منطق منه» ثم قال: «أمّا بعد فانسبوني فانظروا مَنْ أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاكُ حُرمتي؟ ألَسْتُ ابنَ بنتِ نبيّكم وابنَ وصيِّه وابن عمّه وأوّل المؤمنين المصدّق لرسول الله((صلى الله عليه وآله)) بما جاء به من عند ربه؟ أوليس حمزةُ سيدُ الشهداء عمّي؟ أو ليس جعفر الطيار في الجنّة بجناحين عَمّي؟ أو لم يبلغكم ما قال رسولُ الله((صلى الله عليه وآله)) لي ولأخي: (هذانِ سيّدا شباب أهل الجنة؟) فإنْ صدقتموني بما أقول ـ وهو الحقّ ـ فوالله ما تعمّدتُ كذباً منذ علمت أن الله يَمْقُتُ عليه أهله، وإنْ كذبتموني فإنَّ فيكم مَنْ إذا سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبدالله الأنصاري وأبا سعيد الخِدْري و سهل بنَ سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنسَ بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله((صلى الله عليه وآله)) لي ولأخي، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟... ثم قال لهم الإمام الحسين((عليه السلام)): فإن كنتم في شك من هذا فتشكّون أني ابن بنت نبيكم فوالله ليس ما بين المشرق والمغرب ابنُ بنتِ نبىّ غيري فيكم ولا في غيركم. ويحكم! أتطلبونني بقتيل منكم قَتَلْتُه أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة؟ فأخذوا لا يكلمونه، فنادى: يا شبث بن ربعي! ويا حجّار بن أبجر! ويا قيس بن الأشعث! ويا يزيد بن الحارث! ألَمْ تكتبوا إليَّ أنْ قد أينعت الثمار واْخضرّ الجَنابُ وإنما تقدِم على جند لك مجندة»؟ فقال له

قيس بن الأشعث: ماندري ما تقول، ولكن اِنزل على حكم بني عمّك. فقال له الحسين((عليه السلام)): «لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفرُّ فِرار العبيد». ثم نادى: «يا عبادَ الله! إني عذْتُ بربّي ورَبِّكم أنْ ترجمُونِ، أعوذ بربّي و ربّكم من كلِّ متكبر لا يؤمن بيوم الحساب»(38).

لقد أبى القوم إلاّ الإصرار على حربه والتمادي في باطلهم، وأجابوه بمثل ما أجاب به أهل مدين نبيَّهم كما حكى الله عزوجل عنهم في كتابه الكريم: (مانفقه كثيراً ممّا تقول ،وإنا لنراك فينا ضعيفاً)(39).

 

الحُر يخيّر نفسه بين الجنّة والنار :

وتأثر الحر بن يزيد الرياحي بكلمات الإمام الحسين((عليه السلام)) وندم على ما سبق منه معه، وراح يدنو بفرسه من معسكر الحسين تارة ويعود الى موقفه أخرى وبدا عليه القلق والاضطراب. وعند ما سئل عن السبب في ذلك قال: «والله إني أُخيِّرُ نفسي بين الجنة والنار وبين الدنيا والآخرة ولا ينبغي لعاقل أن يختار على الآخرة والجنة شيئاً»، ثم ضرب فرسه والتحق بالحسين((عليه السلام)) ووقف على باب فسطاطه، فخرج إليه الحسين((عليه السلام)) فانكبَّ عليه الحرّ يُقبّل يديه ويسأله العفو والصفح، فقال له الحسين((عليه السلام)): «نعم يتوب الله عليك وهو التّواب الرحيم». فقال له الحر: والله لا أرى لنفسي توبة إلاّ بالقتال بين يديك حتى أموتَ دونك. وخطب الحر في أهل الكوفة فوعظهم وذكّرهم موقفهم من الإمام((عليه السلام)) ودعوتهم له وحثّهم على عدم مقاتلة الإمام((عليه السلام)) ثم مضى إلى الحرب فتحاماه الناس، ثم تكاثروا عليه حتى استشهد(40).

 

المعركة الخالدة :

حصّن الإمام((عليه السلام)) مخيّمه وأحاط ظهره بخندق أوْقَد فيه النار ليمنع المباغتة والالتفاف عليه من الخلف، وليحميَ النساء والأطفال من العدوان المحقّق.

نظر شمر بن ذي الجوشن إلى النار في الخندق فصاح: يا حسينُ تعجّلت النار قبل يوم القيامة، فرد عليه: «أنت أولى بها صِلِيّا»(41)، وحاول صاحب الحسين((عليه السلام)) مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم، فاعترضه الإمام ومنعه قائلا: «لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم»(42).

ويقول المؤرخون: إنّ بعض أصحاب الإمام خطب بالقوم بعد خطبة الإمام الاُولى، وأنّ الإمام (عليه السلام) أخذ مصحفاً ونشره على رأسه ووقف بإزاء القوم فخاطبهم للمرة الثانية بقوله : «يا قوم! إنّ بيني وبينكم كتاب الله وسنّة جدّي رسول الله(صلى الله عليه وآله) ثم استشهدهم عن نفسه المقدسة وما عليه من سيف النبيّ(صلى الله عليه وآله) ودرعه وعمامته فأجابوه بالتصديق فسألهم عمّا أقدمهم على قتله، قالوا: طاعةً للأمير عبيدالله ابن زياد، فقال((عليه السلام)): تباً لكم أيتها الجماعَةُ وترحاً أحين استصرختمونا(43) والهين فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحَشَشْتم علينا ناراً اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم فأصبحتم إلباً(44) لأعدائكم على أوليائكم بغير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم، فهلاّ ـ لكم الويلاتُ ـ تركتمونا والسيفُ مشيم والجأش طامن والرأي لمّا يستحصفْ! ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدَّبا(45)، وتداعيتم عليها كتهافُتِ الفراش، ثم نقضتموها فسُحْقاً لكم يا عبيدَ الأُمّة وشُذّاذَ الأحزابِ و نبذة الكتابِ ومحرّفي الكلِمِ وعصبة الإثمِ ونفثةَ الشيطان ومطفئي السُنَنِ، ويْحَكم! أهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون؟ أجل! والله غدرٌ فيكم قديم، وشجت عليه اُصولكم وتأزرت فروعكم، فكنتم أخبثَ ثمر، شجىً للناظر وأكلةً للغاصب. ألا وإنّ الدعيَّ ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السِّلة والذلة. وهيهات منا الذلة! يأبى اللهُ لنا ذلك ورسولُه والمؤمنون، وحجورٌ طابت وطَهُرَتْ واُنوفٌ حميةٌ ونفوسٌ أبيّةٌ من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام. ألا وإني زاحف بهذه الاُسرة على قلة العدد وخذلان الناصر. ثم أنشدَ أبياتِ فروة بن مسيك المرادي:

فاِنْ نَهْزِمْ فهزّامون قِدْما *** وإن نُهْزَمْ فغيْرُ مهزَّمينا

وما إن طبَّنا جُبْنٌ ولكن *** منايانا ودولةُ آخرينا

فَقُلْ للشامتين بنا أفيقوا *** سَيَلْقى الشامتون كما لقينا

إذا ما الموتُ رَفَّعَ عن اُناس *** كلاكله أناخ بآخرينا(46)

أما والله لا تلبثون بعدها إلاّ كريثما يُركبُ الفرس، حتى تدور بكم دور الرَّحى، و تقلق بكم قلق المحور، عهد عهده إليّ أبي عن جدي رسول الله((صلى الله عليه وآله)) (فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إليَّ ولا تنظرون)(47) (إني توكلتُ على الله ربي وربكم مامن دابة إلاّ هو آخذ بناصيتها إنّ ربي على صراط مستقيم)(48). ثم رفع يديه نحو السماء وقال: «اللهم احبس عنهم قطر السماء وابعث عليهم سنينَ كسنيّ يوسف وسلِّطْ عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مصبَّرةً، فإنهم كذّبونا وخذلونا وأنت ربنا عليك توكلنا وإليك المصير»(49).

كل ذلك وعمر بن سعد مُصرّ على قتال الحسين((عليه السلام))، والإمام الحسين((عليه السلام)) يحاور وينصح ويدفع القوم بالتي هي أحسن. ولما لم يجد النصح مجدياً قال لا بن سعد: «أيْ عمر أتزعم أنك تقتلني ويوليك الدعيّ بلاد الري وجرجان؟ والله لا تتهنّأ بذلك، عهد معهود، فاصنع ما أنت صانع، فإنك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة، وكأني برأسك على قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة ويتخذونه غرضاً بينهم» فصرف ابن سعد وجهه عنه مغضباً(50).

واستحوذَ الشيطان على ابن سعد فوضع سهمه في كبد قوسه ثم رمى باتجاه معسكر الحسين((عليه السلام)) وقال: «إشهدوا أني أوّلُ مَنْ رمى» ثم ارتمى الناس وتبارزوا(51).

فخاطب الإمام((عليه السلام)) أصحابه قائلا: «قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لابد منه، فإن هذه السهام رسل القوم إليكم»(52).

فتوجهوا إلى القتال كالأُسود الضارية لا يبالون بالموت مستبشرين بلقاء الله جل جلاله، وكأنهم رأوا منازلهم مع النبيين والصديقين وعباده الصالحين، وكان لا يقتل منهم أحدٌ حتى يقول: السلام عليك يا أبا عبدالله ويوصي أصحابه بأن يفدوا الإمام بالمهج والأرواح، واحتدمت المعركة بين الطرفين، (فكان لا يُقْتَلُ الرجل من أنصار الحسين((عليه السلام)) حتى يَقْتل العشرة والعشرين)(53).

استمرت رحى الحرب تدور في ساحة كربلاء، واستمر معه شلاّل الدم المقدس يجري ليتخذ طريقه عبر نهر الخلود، وأصحابُ الحسين((عليه السلام)) يتساقطون الواحد تلو الآخر، وقد أثخنوا جيش العدو بالجراح وأرهقوه بالقتل، فتصايح رجال عمر بن سعد: لو استمرت الحرب برازاً بيننا وبينهم لأتوا على آخِرنا. لنهجم عليهم مرة واحدة، ولنرشقهم بالنبال والحجارة.

فبدأ الهجوم والزحف نحو من بقي مع الحسين((عليه السلام)) وأحاطوا بهم من جهات متعددة مستخدمين كل أدوات القتل وأساليبه الدنيئة حتى قتلوا أكثر جنود المعسكر الحسيني من الصحابة.

وزالت الشمس وحضر وقت الصلاة، وها هو الحسين((عليه السلام)) ينادي للصلاة وقد تحول الميدان عنده محراباً للجهاد والعبادة، ولم يكن في مقدور السيوف والأسنّة أن تحول بينه وبين الحضور في ساحة المناجاة والعروج إلى حظائر القدس وعوالم الجمال والجلال.

ولم يزل يتقدّم رجلٌ رجلٌ من أصحابه فيقتل ، حتّى لم يبق مع الحسين ((عليه السلام)) إِلاّ أهل بيته خاصّةً . فتقدّم ابنه عليّ بن الحسين ((عليه السلام)) ـ واُمّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثّقفيّ ـ وكان من أصبح النّاس وجهاً، فشدَّ على النّاس وهو يقول :

أنا عليُّ بن الحسين بن عليّ *** نحن وبيت الله أولى بالنَّبي

تالله لا يحكم فينا ابن الدَّعي

ففعل ذلك مراراً وأهل الكوفة يتَّقون قتله ، فبصر به مرّة بن منقذ العبديّ فقال : عليَّ آثام العرب إن مرَّ بي يفعل مثل ذلك إن لم أثكل أباه ; فمرَّ يشدُّ على النّاس كما مرَّ في الأوّل ، فاعترضه مرّة بن منقذ فطعنه فصرع ، واحتوشه القومُ فقطّعوه بأسيافهم ، فجاء الحسين ((عليه السلام)) حتّى وقف عليه فقال : « قتل الله قوماً قتلوك يا بنيَّ ، ما أجرأَهم على الرّحمن وعلى انتهاك حرمة الرّسول ! » وانهملت عيناه بالدُّموع ثمّ قال: « على الدُّنيا بعدك العفا » وخرجت زينب أخت الحسين مسرعةً تنادي : يا أُخيّاه وابن أُخيّاه ، وجاءت حتّى أكبّت عليه، فأخذ الحسينُ برأسها فردَّها إلى الفسطاط ، وأمر فتيانه فقال: « احملوا أخاكم » فحملوه حتّى وضعوه بين يدي الفسطاط الّذي كانوا يقاتلون أمامه .

ثمّ رمى رجلٌ من أصحاب عمر بن سعد يقال له : عمرو بن صبيح عبدالله بن مسلم بن عقيل ((رحمه الله)) بسهم ، فوضع عبدالله يده على جبهته يتّقيه، فأصاب السّهم كفَّه ونفذ إلى جبهته فسمّرها به فلم يستطع تحريكها، ثمّ انتحى عليه آخر برمحه فطعنه في قلبه فقتله .

وحمل عبدالله بن قُطبة الطائي على عون بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله .

وحمل عامر بن نهشل التّيميّ على محمّد بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله .

وشدَّ عثمان بن خالد الهمدانيّ على عبد الرّحمن بن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله .

قال حميد بن مسلم : فإنّا لكذلك إذ خرج علينا غلام كأنَّ وجهه شقَّة قمر، في يده سيف وعليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما، فقال لي عمر بن سعيد بن نفيل الأزديّ : والله لأشدَّنَّ عليه، فقلت: سبحان الله، وما تريد بذلك ؟ ! دعه يكفيكه هؤلاء القوم الّذين ما يبقون على أحد منهم ; فقال : والله لأشدَّنَّ عليه، فشدَّ عليه فما ولّى حتّى ضرب رأسه بالسّيف ففلقه ، ووقع الغلام لوجهه فقال : يا عمّاه ! فجلى(54) الحسين ((عليه السلام)) كما يجلي الصقر ثمّ شدَّ شدّة ليث أغضب ، فضرب عمر بن سعيد بن نفيل بالسّيف فاتّقاها بالسّاعد فأطنَّها من لدن المرفق ، فصاح صيحة سمعها أهل العسكر، ثمّ تنحّى عنه الحسين ((عليه السلام)) . وحملت خيل الكوفة لتستنقذه فوطأته بأرجلها حتّى مات .

وانجلت الغبرة فرأيت الحسين ((عليه السلام)) قائماً على رأس الغلام وهو يفحص برجله والحسين يقول : « بعداً لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدُّك ثمّ قال: عزَّ ـ والله ـ على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا ينفعك ، صوت ـ والله ـ كثرَ واتروه وقلَّ ناصروه » ثمّ حمله على صدره ، فكأنِّي أنظر إلى رجلَي الغلام تخطّان الأرض، فجاء به حتّى ألقاه مع ابنه عليِّ بن الحسين والقتلى من أهل بيته، فسألت عنه فقيل لي: هو القاسم بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالب ((عليهم السلام)).

ثمّ جلس الحسين ((عليه السلام)) أمام الفسطاط فاُتي بابنه عبدالله بن الحسين وهو طفل فأجلسه في حجره ، فرماه رجل من بني أسد بسهم فذبحه ، فتلقّى الحسين ((عليه السلام)) دمه ، فلمّا ملأ كفَّه صبَّه في الأرض ثمّ قال : « ربّ إن تكن حبست عنّا النّصر من السّماء فاجعل ذلك لما هو خير ، وانتقم لنا من هؤلاء القوم الظّالمين » ثمّ حمله حتّى وضعه مع قتلى أهله .

ورمى عبدالله بن عقبة الغنويّ أبا بكر بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالب ((عليهم السلام)) فقتله .

فلمّا رأى العبّاس بن عليّ رحمة الله عليه كثرة القتلى في أهله قال لإخوته من اُمِّه ـ وهم عبدالله وجعفر وعثمان ـ يا بني اُمِّي! تقدّموا حتّى أراكم قد نصحتم لله ولرسوله ، فإنّه لا ولد لكم . فتقدّم عبدالله فقاتل قتالاً شديداً، فاختلف هو وهانيء بن ثبيت الحضرميّ ضربتين فقتله هانيء لعنه الله. وتقدّم بعده جعفر بن عليّ ((عليه السلام)) فقتله أيضاً هانيء . وتعمّد خوليُّ بن يزيد الأصبحيّ عثمان بن عليّ ((عليه السلام)) وقد قام مقام إخوته فرماه بسهم فصرعه ، وشدَّ عليه رجل من بني دارم فاحتزَّ رأسه .

وحملت الجماعة على الحسين ((عليه السلام)) فغلبوه على عسكره ، واشتدَّ به العطش ، فركب المسنّاة(55) يريد الفرات وبين يديه العبّاس أخوه ، فاعترضته خيل ابن سعد وفيهم رجل من بني دارم فقال لهم: ويلكم حُولوا بينه وبين الفرات ولا تمكِّنوه من الماء ، فقال الحسين ((عليه السلام)) : « اللّهمّ أظمئه » فغضب الدّارميُّ ورماه بسهم فأثبته في حنكه، فانتزع الحسين ((عليه السلام)) السّهم وبسط يده تحت حنكه فامتلأت راحتاه بالدَّم ، فرمى به ثمّ قال: « اللّهمَّ إنِّي أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيِّك » ثمّ رجع إلى مكانه وقد اشتدَّ به العطش .

 

استشهاد الإمام الحسين((عليه السلام))

لم يبقَ مع الإمام الحسين((عليه السلام)) سوى أخيه العباس الذي تقدم إليه يطلب منه الإذن في قتال القوم فبكى الحسين وعانقه ثم أذن له فكان يحمل على أهل الكوفة فينهزمون بين يديه كما تنهزم المعزى من الذئاب الضارية وضجّ أهل الكوفة من كثرة من قتل منهم، ولما قتل قال الحسين((عليه السلام)): «الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي وشمت بي عدوّي»(56).

وفي رواية اُخرى: إنّ الإمام الحسين((عليه السلام)) اتجه الى نهر الفرات وبين يديه أخوه العباس فاعترضته خيل ابن سعد ـ لعنه الله ـ وفيهم رجل من بني دارم فقال لهم: ويلكم حولوا بينه وبين الفرات ولاتمكّنُوهُ من الماء، فقال الحسين((عليه السلام)): اللهم أظمئه، فغضب الدارمي ورماه بسهم فأثبته في حنكه فانتزع الحسين((عليه السلام)) السهم و بسط يده تحت حنكه فامتلأت راحتاه من الدم فرمى به ثم قال: «اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك»، ثم رجع إلى مكانه وقد اشتد به العطش وأحاط القوم بالعبّاس((عليه السلام)) فاقتطعوه عنه فجعل يقاتلهم وحده حتى قتل رحمة الله عليه(57).

ونظر الحسين((عليه السلام)) الى ما حوله، ومدّ ببصره إلى أقصى الميدان فلم يرَ أحداً من أصحابه وأهل بيته إلاّ وهو يسبح بدم الشهادة، مقطّعَ الأوصال والأعضاء.

وهكذا بقي الإمام((عليه السلام)) وحده يحمل سيف رسول الله((صلى الله عليه وآله)) و بين جنبيه قلب علي ((عليه السلام)) وبيده راية الحقّ البيضاء، وعلى لسانه كلمة التقوى.

وحينما التفت أبو عبدالله الحسين((عليه السلام)) يميناً وشمالا ولم يرَ أحداً يذبّ عن حرم رسول الله أخذ ينادي هل من ذابٍّ يذبّ عنا؟ فخرج الإمام زين العابدين((عليه السلام)) من الفسطاط وكان مريضاً لا يقدر أن يحمل سيفه واُم كلثوم تنادي خلفه: يابني ارجع. فقال: «يا عمّتاه! ذريني اُقاتل بين يدي ابن رسول الله((صلى الله عليه وآله))».

وإذا بالحسين((عليه السلام)) ينادي: «يا اُم كلثوم! خذيه لئلاّ تبقى الأرض خالية من نسل آل محمّد((صلى الله عليه وآله))»(58).

ويقول المؤرخون: إنه لما رجع الحسين((عليه السلام)) من المسنّاة إلى فسطاطه تقدم إليه شمر بن ذي الجوشن في جماعة من أصحابه، فأحاطوا به فأسرع منهم رجل يقال له مالك بن النسر الكندي فشتم الحسين((عليه السلام)) وضربه على رأسه بالسيف وكان عليه قلنسوة فقطعها حتى وصل إلى رأسه فأدماه فامتلأت القلنسوة دماً، فقال له الحسين((عليه السلام)): «لا أكلت بيمينك ولاشربت بها وحشرك الله مع القوم الظالمين».

ثم ألقى القلنسوة ودعا بخرقة فشدَّ بها رأسَه واستدعى قلنْسوة اُخرى فلبسها واعتمّ عليها، ورجع عنه شمر بن ذي الجوشن ومن كان معه إلى مواضعهم، فمكث هنيئة ثم عاد وعادوا إليه وأحاطوا به»(59).

حمل الإمام الحسين((عليه السلام)) سيفه وراح يرفع صوته على عادة الحروب ونظامها في البراز، وراح ينازل فرسانهم، ويواجه ضرباتهم ببسالة نادرة وشجاعة فذّة، فما برز إليه خصم إلاّ وركع تحت سيفه ركوع الذلّ والهزيمة.

قال حميد بن مسلم: فوالله ما رأيت مكثوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً منه، أَن كانت الرجّالة لتشدّ عليه فيشدَّ عليها بسيفه فتنكشف عن شماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب(60).

ولمّا عجزوا عن مقاتلته، لجأوا إلى أساليب الجبناء; فقد استدعى شمر الفرسان فصاروا في ظهور الرجّالة، وأمر الرماة أنْ يرموه فرشقوه بالسهام حتى صار جسمُه كالقنفذ فأحجم عنهم، فوقفوا بإزائه وخرجت أُخته زينب إلى باب الفسطاط فنادت عمر بن سعد بن أبي وقاص: ويلك يا عمر! أيقتل أبو عبدالله وأنت تنظر إليه؟! فلم يجبها عمر بشيء، فنادت ويحكم! أما فيكم مسلم؟ فلم يجبها أحد بشيء. ونادى شمر بن ذي الجوشن الفرسان والرجّالة فقال: ويحكم! ماتنتظرون بالرجل؟ ثكلتكم أُمهاتكم، فحملوا عليه من كل جانب.

فضربه زُرعة بن شريك على كتفه اليسرى فقطعها، وضربه آخر منهم على عاتقه فكبامنها لوجهه، وطعنه سنان بن أنس النخعي بالرمح فصرعه، وبدر إليه خُولى بن يزيد الأصبحي فنزل ليحتزّ رأسه فأرعد فقال له شمر: فتَّ الله في عضدك، مالك ترعد؟

ونزل شمر إليه فذبحه ثم رفع رأسه إلى خولى بن يزيد فقال: إحمله إلى الأمير عمر بن سعد.

ثم أقبلوا على سلب الحسين((عليه السلام)) فأخذ قميصه اِسحاق بن حَيْوَة الحضرمي، وأخذ سراويله أبجر بن كعب، وأخذ عمامته أخنس بن مرثد، وأخذ سيفه رجل من بني دارم، وانتهبوا رحله وإبله وأثقاله وسلبوا نساءه(61).

 

امتداد الحمرة في السماء :

ومادت الأرض واسودَّتْ آفاق الكون وامتدت حمرة رهيبة في السماء كانت نذيراً من الله لاُولئك السفّاكين المجرمين الذين انتهكوا جميع حُرُماتِ الله(62).

وصبغ فرس الحسين((عليه السلام)) ناصيته بدم الإمام الشهيد المظلوم وأقبل يركض مذعوراً نحو خيام الحسين((عليه السلام)) ليعلم العيال بمقتله واستشهاده، وقد صوّرت زيارة الناحية المقدّسة هذا المشهد المأساوي كما يلي:

«فلما نظرت النساء الى الجواد مخزياً والسرج عليه ملوياً خرجن من الخدور ناشرات الشعور، على الخدود لاطمات وللوجوه سافرات وبالعويل داعيات وبعد العز مذَلَّلات وإلى مصرع الحسين مبادرات».

ونادت عقيلة بني هاشم زينب بنت عليّ بن أبي طالب((عليه السلام)) وهي ثكلى: «وا محمّداه! وا أبتاه! وا علياه! وا جعفراه! وا حمزتاه! هذا حسين بالعراء، صريع بكربلاء، ليت السماء أطبقت على الأرض! وليت الجبال تدكدكت على السهل!!»(63).

 

حرق الخيام وسلب حرائر النبوة :

وعمد المجرمون اللئام إلى حرق خيام الإمام أبي عبدالله الحسين((عليه السلام)) غير حافلين بمن في الخيام من بنات الرسالة وعقائل النبوّة. قال الإمام زين العابدين ((عليه السلام)): «والله ما نظرت إلى عمّاتي وأخواتي إلاّ وخنقتني العبرة وتذكّرت فرارهن يوم الطف من خيمة إلى خيمة ومن خباء الى خباء، ومنادي القوم ينادي: أحرقوا بيوت الظالمين!»(64).

وعمد أراذل جيش الكوفة إلى سلب حرائر النبوة وعقائل الرسالة فنهبوا ما عليهن من حليّ وحلل، كما نهبوا ما في الخيام من متاع.

 

الخيل تدوس الجثمان الطاهر :

لقد بانت خِسّة الأُمويين لكلِّ ذي عينين، وعبّرت عن مسخ في الوجدان الذي كانوا يحملونه وماتت الإنسانية فتحولت الأجساد المتحركة إلى وحوش دنيئة لا تملك ذرّة من رحمة ولا يزعها وازع من بقية ضمير إنساني.

فحين حاصرت جيوش الضلالة أهل بيت النبوة ((عليهم السلام)) في عرصات كربلاء كتب ابن زياد إلى عمر بن سعد كتاباً وهو يبيّن له ما يستهدفه من نتيجة للمعركة، وما تنطوي عليه نفسه الشريرة من حقد دفين على الرسالة والرسول ((صلى الله عليه وآله))، وكل ما يمتّ إليهما بصلة أو قرابة، وقد جاء فيه ما يلي:

أما بعد: فإني لم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه، ولا لتطاوله، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء، ولا لتعقد له عندي شافعاً، انظر فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم سلماً، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثّل بهم فإنهم لذلك مستحقّون، فإن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره، فإنه عاقّ مشاقّ قاطع ظلوم وليس في هذا أن يضر بعد الموت شيئاً، ولكن علىّ قول، لو قد قتلته فعلت هذا به(65).

على أن ابن زياد كان من أعمدة الحكم الاُموي. ولا نعلم أوامر صدرت من أحد أفراده بحيث كانت ترعى حرمة أو تقديراً لمقام ابن النبيّ((صلى الله عليه وآله)) الذي لم يكن خافياً على أحد من الأُمويين .

وهكذا انبرى ابن سعد بعد مقتل ريحانة رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) لينفّذ أوامر سيّده الحاقد ابن زياد، فنادى في أصحابه: من ينتدب للحسين فيوطئه فرسه ؟

فانتدب عشرة، فداسوا جسد الحسين ((عليه السلام)) بخيولهم حتى رضّوا ظهره(66).

 

عقيلة بني هاشم أمام الجثمان العظيم :

ووقفت حفيدة الرسول ((صلى الله عليه وآله)) وابنة أمير المؤمنين ((عليه السلام)) العقيلة زينب ((عليها السلام)) على جثمان أخيها العظيم، وهي تدعو قائلةً: «اللهم تقبّل منّا هذا القربان»(67).

إنَّ الإنسانية لتنحني إجلالاً وخضوعاً أمام هذا الإيمان الذي هو السرّ الوحيد في خلود تضحية الحسين((عليه السلام)) وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

 

الهوامش

(1) مروج الذهب : 3 / 64، مقتل الحسين ( الخوارزمي ) : 1 / 187 و 216.

(2) مقتل الحسين ( الخوارزمي ) : 1 / 191 .

(3) الفتوح : 5 / 24 ، الإرشاد للمفيد: 2/35، ينابيع المودّة : 402 .

(4) القصص (28): 22 .

(5) الإرشاد 2: 36، بحار الأنوار 44: 332.

(6) تأريخ ابن عساكر : 13 / 68 .

(7) الأخبار الطوال : 209 .

(8) سيرة الأئمّة الاثني عشر: 2 / 58 .

(9) النجاء : السرعة .

(10) الفتوح لابن أعثم : 5 / 33، تأريخ الطبري : 4 / 262، الإرشاد : 2 / 38 ، تذكرة الخواص : 213، مقتل الحسين للخوارزمي : 1 / 195، روضة الواعظين : 171 .

(11) الفتوح لابن أعثم : 5 / 35، الإرشاد: 2/39 ، إعلام الورى : 1 / 436، مقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 195.

(12) الفتوح : 5 / 36 ، ومقتل الحسين للخوارزمي : 1 / 196 .

(13) الإرشاد : 2 / 41 ، وإعلام الورى : 1 / 437 .

(14) الإصابة : 1 / 332 .

(15) تهذيب التهذيب : 2 / 349 .

(16) الإرشاد : 2 / 41 ، ومناقب آل أبي طالب : 4 / 90 ، وتذكرة الخواص : 220 .

(17) تاريخ الطبري: 6 / 224، حياة الإمام الحسين : 2 / 348 .

(18) أنساب الأشراف : 79، الأخبار الطوال : 178، الفتوح لابن أعثم : 5 / 69، تاريخ الطبري : 4 / 271، إعلام الورى : 1 / 440، مناقب آل أبي طالب : 4 / 91 .

(19) الفتوح لابن اعثم : 5 / 83 ، إعلام الورى : 1 / 441، الكامل في التاريخ : 3 / 271.

(20) إعلام الورى : 1 / 441، مناقب آل أبي طالب : 4 / 92 ، الكامل في التاريخ : 3 / 271، سيرة الأئمّة الاثني عشر، القسم الثاني : 63.

(21) جاء في «الإرشاد» أنّهم كانوا سبعين رجلا .

(22) الفتوح : 5 / 88، تاريخ الطبري : 4 / 280، مقاتل الطالبيّين : 92، إعلام الورى : 1 / 442 ، ويراجع في تفصيلاته الى : أعيان الشيعة: 1/592، والكامل في التاريخ: 4/32 .

(23) الإرشاد : 2 / 67 .

(24) الكامل في التاريخ : 4 / 39 .

(25) اللهوف على قتلى الطفوف : 27 ، وبحار الأنوار : 44 / 364، أعيان الشيعة : 1 / 592.

(26) كشف الغمّة : 2 / 204، إحقاق الحق : 11 / 598 .

(27) القصص (28) : 41 .

(28) الأخبار الطوال : 252،، تاريخ الطبري : 3 / 309، إعلام الورى : 1 / 451، معجم البلدان : 4 / 444، بحار الأنوار : 44 / 380.

(29) الأخبار الطوال : 253، حياة الحيوان للدميري : 1 / 60، مجمع الزوائد : 9 / 192.

(30) تذكرة الخواص : 260، ناسخ التواريخ : 2 / 168، نفس المهموم : 205، ينابيع المودة: 406.

(31) سيرة الائمّة الاثني عشر القسم الثاني : 68.

(32) الفتوح : 5 / 97، الإرشاد للمفيد: 2 / 85، إعلام الورى: 1 / 451، مقتل الحسين للخوارزمي : 1 / 245، البداية والنهاية : 8 / 189، بحار الأنوار : 44 / 284.

(33) إعلام الورى : 1 / 452.

(34) الإرشاد: 2/93.

(35) راجع بحار الأنوار 45: 3، أعيان الشيعة : 1 / 601 .

(36) الإرشاد : 2 / 96.

(37) الأعراف: 196 .

(38) الإرشاد: 2 / 98، إعلام الورى: 1/459.

(39) هود (11) : 91 .

(40) الفتوح : 5 / 113،الإرشاد : 2 / 99 ، بحار الأنوار : 5 / 15 .

(41) مقتل الحسين ، للمقرم: 277 .

(42) تاريخ الطبري : 3 / 318، مقتل الحسين ، للمقرم: 277 .

(43) استصرختمونا: طلبتم نجدتنا.

(44) إلباً: مجتمعين متضامنين ضدنا.

(45) الدَّبا : الجراد الصغير.

(46) تاريخ ابن عساكر: 69/265، اللهوف في قتلى الطفوف، ابن طاووس: 59 و 124.

(47) يونس (10): 71 .

(48) هود (11) : 56 .

(49) راجع إعلام الورى : 1 / 458، تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين((عليه السلام)) : 216، مقتل الحسين للخوارزمي : 2 / 6، مقتل الحسين، للمقرم: ص286.

(50) مقتل الحسين للمقرم: 289.

(51) الإرشاد: 2 / 101 ، إعلام الورى : 1 / 461، اللهوف : 100.

(52) مقتل الحسين للمقرم : 292.

(53) سيرة الأئمّة الاثني عشر : 2 / 76 .

(54) جلّى ببصره : إذا رمى به كما ينظر الصقر الى الصيد . « الصحاح ـ جلا ـ 6 : 2305 » .

(55) المسناة : تراب عال يحجز بين النهر والأرض الزراعية . « تاج العروس ـ سنى ـ 10 : 185 » .

(56) بحار الأنوار : 45 / 440، المنتخب للطريحي : 431، سيرة الائمّة الاثني عشر : 2 / 77 .

(57) الإرشاد: 2 / 109.

(58) بحار الأنوار : 45 / 46.

(59) الإرشاد: 2 / 110، إعلام الورى : 1 / 467.

(60) الإرشاد : 2 / 111، إعلام الورى : 1 / 468.

(61) إعلام الورى : 1 / 469، الإرشاد : 2 / 112.

(62) إعلام الورى : 1 / 429، راجع كشف الغمّة : 2 / 9، سير أعلام النبلاء : 3 / 312، تاريخ الاسلام للذهبي : 15، حوادث سنة 61.

(63) مقتل الحسين للمقرم : 346 .

(64) حياة الإمام الحسين (عليه السلام) ، نقلاً عن تاريخ المظفري : 238 .

(65) تاريخ الطبري : 4 / 314 ، إعلام الورى : 1 / 453 .

(66) إعلام الورى : 1 / 470 ، مقتل الحسين للخوارزمي : 2 / 39 .

(67) حياة الإمام الحسين بن علي ((عليه السلام)) : 2 / 301 .

المفاوضات النووية ونتنياهو و رائحة الشمع

في الوقت الذي ينتظر العالم اجمع سماع أخبار سارة ، قد تترشح في اية لحظة عن المفاوضات النووية الجارية بين الجمهورية الاسلامية في ايران ومجموعة ۵+۱ في جنيف ، لابعاد المنطقة عن شبح خطر داهم قد يهدد استقرارها في اية لحظة بسبب أزمة مفتعلة ، نري إسرائيل ، الوحيدة في العالم ، لا يسرها ذلك ، بل تكاد تتقطع من الغيظ وهي تري بوادر اتفاق يلوح في افق هذه المفاوضات.

غضب إسرائيل ، الذي تحول الي هستيريا ، كما هو ظاهر علي التصرفات والمواقف والتصريحات غير المألوفة لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ، يعود بالدرجة الاولي الي التغيير الذي طرأ علي توجهات الرئيس الامريكي في تعامله مع قضايا المنطقة وفي مقدمتها إيران.

عدم فهم قادة الكيان الصهيوني للاسباب الحقيقة وراء هذا التوجه الامريكي الجديد ، هو الذي جعل قادة الكيان وفي مقدمتهم نتنياهو ، يظهرون بهذا المظهرالمضحك ، وهم يعيدون ويكررون ذات العبارات المسرحية المحذرة من ايران وخطورتها علي المنطقة والعالم ، في الحاح طفولي ممل ، وكأن الاخرين لا يرون ما يرونه هم.

ان نتنياهو لايريد ان يفهم ، بل انه لا يفهم حقا ، انه لم يعد في جعبة امريكا ، حليفته الكبري ، من سلاح يمكن ان تستخدمه ضد ايران ، فكل ما كان لديها استخدمته علي مدي اكثر من ثلاثة عقود ، والنتيجة خروج ايران من هذه المواجهة ، لاعبا اقليميا بل ودوليا قويا ومؤثرا لايمكن تجاهله في اية تسوية في منطقة الشرق الاوسط ، وهذه حقيقة اصبحت واضحة كوضوح الشمس يعترف بها العالم اجمع وفي مقدمته امريكا التي تحاول الاقتراب من هذه القوة الاقليمية الكبري والمسؤولة للخروج من الازمات التي خلقتها للمنطقة ولشعوبها ، الا ان هذه الحقيقة الواضحة مازالت عصية علي ان تتقبلها عقلية كعقلية نتنياهو الذي ما برح يدور في ذات الدائرة التي كانت تدور فيها حليفته الكبري قبل ان تغادرها مجبرة.

العجز الواضح لاستيعاب التطورات الاقليمية والدولية ، الذي يعاني منه نتنياهو ، بان وبشكل ملفت وهو يضع للقوي الكبري التي تتفاوض معها ايران وبندية ، شروطا وخطوطا حمر، واصفا اي اتفاق مع ايران بشأن برنامجها النووي بانه خطأ تاريخي ، في الوقت الذي يسارع فيه وزير خارجية أمريكا جون كيري الزمن للوصول الي جنيف من اجل عدم تفويت فرصة الوصول الي اتفاق مع ايران ليكون بمثابة خارطة طريق لتسوية الازمة المفتعلة بشأن ملفها النووي.

نتنياهو العاجز عن فهم التطورات الاقليمية والدولية ، مازال يرفع عقيرته محرظا حلفاءه للابقاء علي الحظر الغربي الاحادي الجانب والظالم ضد الشعب الايراني ، وعدم الانخداع بالسياسة الايرانية !!، تلقي الرد المناسب من حلفائه وليس من ايران ، فهذا المتحدث باسم مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون ، مايكل مان يؤكد إن القوي العالمية

تحرز تقدما في المحادثات مع إيران بشأن برنامجها النووي ، فيما وصف مسؤول كبير بوزارة الخارجية الامريكية محادثات وكيلة وزارة الخارجية الامريكية للشؤون السياسية ويندي شيرمان مع نائب وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي بانها كانت محادثة جادة وجوهرية.

وفي محاولة واضحة لاستباق نتائج المفاوضات ، رغم صعوبتها ، اعلن الرئيس الامريكي باراك اوباما في مقابلة مع محطة تلفزيون إن بي سي نيوز الخميس ، إن المجتمع الدولي قد يخفف العقوبات المفروضة علي إيران بشكل طفيف في المراحل الاولي من التفاوض علي اتفاق بشأن برنامج طهران النووي.

اخيرا ، قيل ويقال الكثير عن شخصية قادة اسرائيل ، واختلافهم الجوهري مع باقي قادة دول العالم ، فهم مجموعة من الرجال وضعوا في لحظة تاريخية ، في هذه المواقع بفضل تبني الغرب وفي مقدمته بريطانيا سابقا وامريكا لاحقا ، لكيانهم ، ولاسباب معروفة ، ويكفي ان يرفع هذا الغرب الغطاء السياسي او الاعلامي عنهم ، ولو قليلا ، حتي تطفو الطبيعة الحقيقية لهذه الشخصيات علي السطح ، فإذا هي سوقية وغبية الي درجة رهيبة ، وما رائحة الشمع الاحمر الذي خُتم به عقل نتانياهو ، التي اخذت تفوح وبشكل منفر هذه الايام ، الا دليلا علي ذلك.

بقلم: ماجد حاتمي

الإمام الخامنئي أمام آلاف الطلبة: إنني غير متفائل بالمفاوضات لكنها تجربة لا ضرر فيها

الإمام الخامنئي أمام آلاف الطلبة: إنني غير متفائل بالمفاوضات لكنها تجربة لا ضرر فيهااستقبل سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية صباح يوم الأحد 03/11/2013 م و عشية اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار الآلآف من الطلبة الجامعيين و تلامذة المدارس، و قدم تحليلاً مهماً لجذور عداء الاستكبار لشعب إيران، و أعلن دعمه الجاد و الأكيد للمسؤولين الدؤوبين في المفاوضات مؤكداً: تدل سوابق أمريكا على أن الملف النووي مجرد ذريعة لمواصلة العداء ضد إيران، فلا توقع الابتسامات المخادعة للأعداء أحداً في الخطأ. إذا حصلت نتيجة عن المفاوضات فنعمّا ذلك، و إذا لم تحصل فسيكون ذلك إثباتاً إضافياً لضرورة النظر للداخل من أجل حلّ المشكلات.

و أشار آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى الأحداث الثلاثة التاريخية في يوم الثالث عشر من آبان (الرابع من نوفمبر) قائلاً: نفي الإمام الخميني (رض) في سنة 1343 [1964 م] بسبب كلمته التي ألقاها في معارضة الحصانة القضائية للمأمورين و العسكريين الأمريكان في إيران، و المذبحة البشعة التي ارتكبت بحق تلاميذ المدارس في طهران على يد مأموري النظام البهلوي الدكتاتوري المدعوم من قبل أمريكا في سنة 1357 [1978 م] ، و التحرك المضاد و الشجاع للطلبة الجامعيين باحتلالهم السفارة الأمريكية في سنة 1358 [1979 م] كل هذه الأحداث كانت مرتبطة بنحو من الأنحاء بالحكومة الأمريكية، لذلك أطلق على يوم الثالث عشر من آبان اسم يوم مقارعة الاستكبار.

و تابع سماحته حديثه بشرحه مفردة الاستكبار في القرآن الكريم، لكنه ذكّر قبل ذلك بنقطة قائلاً: الشباب المؤمنون الشجعان من الطلبة الجامعيين الذين احتلوا السفارة الأمريكية في سنة 1358 كشفوا عن الهوية الحقيقية لهذه السفارة التي كانت في الواقع وكراً للتجسس، و عرضوا هذه الحقيقة أمام أنظارالعالم.

و لفت قائد الثورة الإسلامية قائلاً: في ذلك اليوم أطلق شبابنا على سفارة أمريكا اسم وكر التجسس، و اليوم بعد مضي أكثر من ثلاثة عقود يطلق على سفارات أمريكا في البلدان الأوربية، و هم شركاء لأمريكا، اسم وكر التجسس، و هذا يدل على أن شبابنا متقدمون على مفكرة التاريخ في العالم بثلاثين عاماً.

بعد ذكره لهذه النقطة قال سماحة قائد الثورة الإسلامية بخصوص معنى الاستكبار: تطلق كلمة الاستكبار على الأفراد و الحكومات التي ترى من حقها التدخل في شؤون الشعوب الأخرى و فرض ما تفرضه عليهم، و لا تتحمّل المسؤولية أمام أيّ أحد.

و أضاف سماحته: النقطة المقابلة للاستكبار هي الشعوب و الناس الذين لا يخضعون للعسف و لمنطق القوة و لتدخلات القوى الاستكبارية و ما تفرضه عليها، بل و تقارع ذلك، و شعب إيران من هذه الشعوب.

و أكد سماحة آية الله العظمى السيد الخامنئي على أن الحكومة الأمريكية حكومة مستكبرة ترى لنفسها حق التدخل في شؤون كل الشعوب، مردفاً: الشعب الإيراني بثورته وقف في الواقع بوجه تعسف و هيمنة أمريكا، و بعد انتصار الثورة الإسلامية أيضاً استأصل جذور المستكبرين في الداخل، و خلافاً لبعض البدان لم يترك هذه العملية ناقصة غير مكتملة بحيث يتحمّل تبعات ذلك.

و شدّد سماحته على أن مماشاة الاستكبار لا فائدة منها لأي من البلدان و الشعوب مضيفاً: المنحى الاستكباري لأمريكا جعل الشعوب تشعر تجاهها بشعور الكراهية و عدم الثقة، مضافاً إلى أن التجربة أثبتت أن أي شعب أو حكومة تثق بأمريكا ستتلقى الضربات حتى لو كانت من أصدقاء أمريكا.

و ألمح قائد الثورة الإسلامية في هذا الخصوص إلى عدة نماذج تاريخية منها ثقة الدكتور مصدق بالأمريكان و ردّهم عليه بانقلاب الثامن و العشرين من مرداد، و كذلك عدم وفاء الأمريكان لمحمد رضا بهلوي بعد فراره من إيران، مؤكداً: أمريكا اليوم هي القوة المكروهة بين الشعوب أكثر من أية قوة أخرى.

و لفت الإمام السيد علي الخامنئي: لو أجري اليوم استبيان عادل و نزيه في العالم لكان الرأي السلبي للناس في العالم مختصاً بأمريكا أكثر من أية حكومة أخرى.

و في معرض تلخيصه لهذا الجانب من حديثه قال الإمام الخامنئي: على هذا الأساس فإن موضوع مقارعة الاستكبار و اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي قضية أساسية و نابعة من تحليل صحيح.

و أوصى قائد الثورة الإسلامية كل الشباب بالتحليل الصحيح و الدقة في موضوع مقارعة الاستكبار مردفاً: الشباب في بداية الثورة لم يكونوا بحاجة لتحليل بخصوص مقارعة أمريكا، لأنهم كانوا قد شهدوا ظلم أمريكا و جورها و دعمها لذلك النظام الطاغوتي القاسي، أما شباب اليوم فعليهم بالبحث و التحقيق و التحليل الصحيح أن يدركوا لماذا يعارض شعب إيران الاستكبار و التوجّهات الأمريكية، و ما هو سبب امتعاض الشعب الإيراني من أمريكا؟

ثم عرض قائد الثورة الإسلامية عدة نقاط مهمة و أساسية في ما يتعلق بالقضايا الجارية مع أمريكا. و أبدى سماحته دعمه لمجموعة المسؤولين و المتفاوضين مع 5 + 1 مؤكداً: هؤلاء أبناء الثورة و مأمورو الجمهورية الإسلامية و هم يبذلون جهوداً كبيرة للنهوض بمأمورية صعبة، و يجب أن لا يعمل أحد على إضعافهم و إهانتهم أو اعتبارهم استسلاميين.

و أشار آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى أن المفاوضات مع البلدان الستة التي من ضمنها أمريكا هي مفاوضات حول الملف النووي فقط و ليس إلّا، مردفاً: سوف لا يصيبنا ضرر من هذه المفاوضات بإذن الله، بل تتوفر بواسطتها تجربة للشعب، سوف ترفع كما كان الأمر بالنسبة لتجربة تعليق التخصيب موقتاً في سنتي 82 و 83 [2003 و 2004 م] الإمكانيات الفكرية و التحليلية للشعب.

و أضاف قائد الثورة الإسلامية في شرحه لنتائج تلك التجربة الوطنية: قبل عقد من الزمان و في إطار المفاوضات مع الأوربيين، و بنوع من التراجع، وافقنا على تعليق كان في الواقع مفروضاً، و لكن بعد سنتين من التعليق و تعطيل الكثير من الأعمال و المشاريع، أدركنا جميعاً أنه حتى بمثل هذه الأعمال لا يوجد إطلاقاً أمل بتعاون الأطراف الغربية.

و لفت آية الله العظمى السيد الخامنئي قائلاً: لو لم نفعل ذلك ربما ادعى البعض أننا لو كنا قد تراجعنا مرة واحدة لتمّ علاج المشكلات و لأصبح الملف النووي عادياً طبيعياً، و لكن بتجربة التعليق الموقت أدرك الجميع أن الأطراف المقابلة لنا ترمي إلى أهداف أخرى، لذلك استأنفنا العمل و التقدم ثانية.

و اعتبر سماحته الفارق بين الوضع النووي لإيران اليوم مع ما قبل عقد من الزمان كالفارق بين السماء و الأرض، و أعلن دعمه الجاد و القوي للمسؤولين عن الأمور الجارية مع أمريكا مردفاً: إنني غير متفائل بالمفاوضات الجارية، لأنه من غير المعلوم أنها ستثمر النتائج التي يتوقّعها الشعب، و لكن نعتقد أن هذه التجربة لا ضرر فيها شريطة أن يكون الشعب يقظاً واعياً و يعلم ما الذي يجري.

و انتقد قائد الثورة الإسلامية بشدة بعض العناصر الإعلاموية الساذجة أو المغرضة، مردفاً: البعض يتلقّون منهجهم من وسائل الإعلام الأجنبية و يحاولون تضليل الرأي العام ليوحوا بأننا إذا استسلمنا في الملف النووي لآلت كل المشكلات الاقتصادية و غير الاقتصادية إلى العلاج.

و في معرض إثباته لبطلان هذه الحيلة الإعلامية استشهد سماحته بالمؤامرات و المخططات الأمريكية المعادية لإيران قبل طرح قضية الطاقة النووية الإيرانية، و طلب من كل الشعب و خصوصاً الشباب و الطلبة الجامعيين و طلبة المدارس أن يتأملوا و يفكروا في هذا الشأن.

و طرح سماحة آية الله العظمى السيد الخامنئي عدة أسئلة قائلاً: في بداية الثورة عندما فرضت أمريكا الحظر على إيران و واصلته، هل كانت هناك قضية نووية؟ عندما استهدفت أمريكا طائرة الركاب الإيرانية و قتلت ركابها البالغ عددهم 290 إنساناً، هل كانت هناك ذريعة باسم الملف النووي؟ في السنوات الأولى للثورة عندما نفذ الأمريكان مخطط انقلاب معسكر نوجه، هل كان الموضوع النووي مطروحاً؟ و الدعم التسليحي و السياسي الأمريكي للجماعات المعادية للثورة بعد انتصار الثورة هل كان بسبب النشاط النووي الإيراني؟

و أشار آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى الإجابات السلبية لهذه الأسئلة مؤكداً: إذن، القضية النووية ليست أكثر من ذريعة، و لنفترض أن هذه القضية ستجد حلاً في يوم من الأيام بتراجعنا، فإن لديهم العشرات من الذرائع الأخرى لمواصلة عداءهم لإيران العزيزة، من قبيل التقدم الصاروخي، و معارضة شعب إيران للكيان الصهيوني و دعم الجمهورية الإسلامية للمقاومة.

و بعد الاستناد على هذه الحقائق و الواقعيات أكد قائد الثورة الإسلامية: عداء الأمريكان للجمهورية الإسلامية الإيرانية سببه أن شعب إيران يرفض مطاليبهم و يعتقد أن أمريكا لا تستطيع ارتكاب أية حماقة ضد إيران.

و استطرد سماحة القائد قائلاً: أمريكا تعارض وجود الجمهورية الإسلامية و تعارض نفوذ و اعتبار و اقتدار النظام المنتخب من قبل الشعب الإيراني. كما صرّح أخيراً أحد الساسة و العناصر الفكرية الأمريكان بقوله إن إيران خطرة سواء كانت نووية أو غير نووية، لأن لها نفوذها و اقتدارها، و هناك تفوق إيراني يسود المنطقة.

و أكد قائد الثورة الإسلامية مخلصاً هذا الجانب من حديثه: القضية النووية ذريعة، و سيقلع الأمريكان عن خصامهم يوم يكون الشعب الإيراني معزولاً لا اعتبار له و لا احترام.

و تابع آية الله العظمى السيد الخامنئي حديثه فاعتبر النظر للداخل و الاعتماد على القدرات الداخلية الحل الحقيقي للقضايا و المشكلات منوّهاً: إذا اعتمد الشعب على قدراته و مواهبه الذاتية فلن يضطرب بتهديدات الأعداء أو الحظر الذي يفرضونه عليه، و نحن يجب أن نسعى لهذا الهدف.

و أضاف قائلاً: كل كلامنا مع المسؤولين في الماضي و الحاضر هو أن يعتمدوا من أجل التقدم و معالجة الأمور على الإمكانيات البشرية المتنوّعة و الواسعة، و المواهب الطبيعية و الجغرافية لإيران.

و أوضح قائد الثورة الإسلامية أن التحرك الدبلوماسي في هذا الشأن مهم جداً مضيفاً: الاعتماد على القدرات الداخلية لا يعني رفض الدبلوماسية، و لكن ينبغي التفطن إلى أن التحرك الدبلوماسي جزء من الأمر ليس إلّا، و المحور الأصلي هو الاعتماد على القدرات الداخلية التي يمكنها توفير الاعتبار و الاقتدار على طاولة المفاوضات أيضاً.

و استرعى قائد الثورة الإسلامية اهتمام الشعب و المسؤولين إلى نقطة مهمة هي أن إيران في مواجهتها للأعداء لم تصب أبداً منذ بداية انتصار الثورة الإسلامية و إلى اليوم باليأس، و لن تصاب باليأس بعد اليوم أيضاً.

و أضاف آية الله العظمى السيد الخامنئي موضحاً الدليل على هذا القول: في العقد الأول من الثورة لم تكن تتوفر لدينا الكثير من الوسائل المادية من قبيل المال و السلاح و التجربة و التنظيم و القوات المسلحة الكفوءة، و الحال أن الجبهة المقابلة للثورة الإسلامية أي نظام البعث الصدامي و القوى الغربية و الشرقية التي تدعمه، كانت في ذروة اقتدارها و قوتها، لكنها لم تستطع تركيع الشعب الإيراني.

و قال سماحته: في الوقت الحاضر فإن ظروف الشعب الإيراني و ظروف الجبهة المقابلة له تختلف اختلافاً كبيراً عن تلك الأعوام، لأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ذات علوم و تقنيات و أسلحة و اعتبار دولي و ملايين الشباب الموهوبين و المستعدين للعمل، بينما الجبهة المقابلة أي الأمريكان و شركائهم يعيشون مشكلات سياسية و اقتصادية عديدة و خلافات كثيرة.

و عدّ قائد الثورة الإسلامية الخلافات السياسية في أمريكا و تعطيل الحكومة الأمريكية لمدة ستة عشر يوماً، و المشكلات الاقتصادية الكبرى و عجز الوارد الذي يصل لآلآف المليارات من الدولارات، و الخلافات العميقة بين أوربا و أمريكا في مختلف القضايا، بما في ذلك الهجوم على سورية عسكرياً، عدّها نماذج للوضع الراهن للجبهة المقابلة لشعب إيران مؤكداً: الشعب الإيراني اليوم شعب واع و مقتدر و متقدم و لا يقبل المقارنة بما كان عليه قبل عشرين أو ثلاثين سنة.

و أضاف آية الله العظمى السيد الخامنئي: طبعاً هم سوف يضغطون، لكننا يجب أن نتحمّل هذه الضغوط و نتجاوزها بالاعتماد على قدراتنا الداخلية.

و أعرب سماحته مرة أخرى عن دعمه للخطوات و المساعي التي تبذلها الحكومة المحترمة و المسؤولين على الصعيد الدبلوماسي و المفاوضات، منوّهاً: هذه الخطوة تجربة و من المحتمل أن تكون عملاً مفيداً. و إذا أثمرت عن نتائج فنعمّا ذلك، لكن إذا لم تثمر فمعنى ذلك أن البلد يجب أن يقف على قدميه و يعتمد على نفسه في حل المشكلات.

و قال قائد الثورة الإسلامية في الوقت ذاته: أكرر توصيتي السابقة مرة أخرى و هي: يجب عدم الثقة بالعدو المبتسم.

و لفت آية الله العظمى السيد الخامنئي يقول: توصيتي للمسؤولين في المجال الدبلوماسي و المفاوضات هو أن يحذروا من أن توقعهم ابتسامة العدو المخادعة في الخطأ.

و تابع قائد الثورة الإسلامية يقول: ليدقق المسؤولون في تصريحات الطرف المقابل و خطواته و يتمعّنوا فيها بالمقدار اللازم. الطرف المقابل يبتسم من ناحية و يبدي رغبته بالمفاوضات لكنه يقول بعد ذلك فوراً إن كل الخيارات موجودة على الطاولة. و ليس من المعلوم ما السخافة التي يريدون ارتكابها.

و أشار قائد الثورة الإسلامية إلى كلام أحد الساسة الأمريكان الذي طالب بقصف إيران نووياً، مضيفاً: إذا كان الأمريكان صادقين بأنهم جادين في المفاوضات فيجب عليهم صفع أفواه مثل هؤلاء المهذارين و تحطيم أفواههم.

و أضاف آية الله العظمى السيد الخامنئي: الحكومة التي تتوهّم بأنها تتحمّل مسؤولية حيال قضايا العالم و القضايا النووية من السخافة أن تهدد بلداً آخر بالقصف النووي.

و أضاف سماحته قائلاً: الأمريكان اليوم و بسبب هيمنة الرأسماليين المقتدرين و الشركات الصهيونية على الحكومة و الكونغرس يتعاملون بأقصى درجات المجاملة مع الأوساط و الكيان الصهيوني المنحط، و المساكين مضطرون لمراعاتهم، لكننا لسنا مضطرين لمراعاتهم.

و قال قائد الثورة الإسلامية: قلنا منذ اليوم الأول و نقولها اليوم أيضاً و سنقولها في المستقبل أيضاً: إننا نعتبر الكيان الصهيوني كياناً غير شرعي و ابن حرام.

و أشار سماحته إلى يقظة الشعب الإيراني و مسؤوليه ملفتاً: إننا ندعم أية خطوة يتخذها المسؤولون باتجاه مصالح البلاد، لكننا نوصي في الوقت نفسه الشعب و المسؤولين و خصوصاً الشباب بأن يفتحوا أعينهم تماماً لأن السبيل الوحيد للوصول إلى أهداف الشعب هو الحفاظ على الوعي و اليقظة.

و قال قائد الثورة الإسلامية في ختام حديثه: نتمنى بلطف الله و عنايته أن يستلم الشباب البلاد بروحهم البهيجة المتوثبة و يصلوا بها إلى القمم بإبداعاتهم.

الثلاثاء, 05 تشرين2/نوفمبر 2013 12:52

العراق: اقرار قانون انتخابي جديد

العراق: اقرار قانون انتخابي جديد

اقر النواب العراقيون مساء الاثنين القانون الانتخابي الذي ستجرى على اساسه الانتخابات التشريعية التي حدد موعدها في الثلاثين من نيسان/ ابريل 2014، حسب ما افاد التلفزيون العراقي الرسمي.

وينهي هذا التصويت اسابيع عدة من النقاشات المحتدمة حول هذا القانون تركزت على عدد المقاعد وطريقة الانتخاب.

وكان نائب الرئيس العراقي خضير الخزاعي اعلن الاثنين ان الانتخابات البرلمانية ستجري في 30 نيسان/ ابريل المقبل.

وكان مجلس النواب صوت قبل اسبوعين على اجراء الانتخابات في تاريخ لا يتجاوز الثلاثين من نيسان/ ابريل واوعز للمفوضية اجراء استعداداتها لاجرائها.

واصدر الخزاعي الاثنين مرسوما جمهوريا لتحديد يوم الثلاثين من شهر نيسان/ ابريل المقبل موعدا لاجراء انتخابات مجلس النواب.

وعلى مدى الاسبوعين الماضيين علق البرلمان جميع اعماله وكرس مناقشاته لاقرار قانون الانتخابات.

والانتخابات البرلمانية القادمة ستكون الاولى منذ عام 2010 وتاتي وسط ازمة سياسية طويلة وخلافات داخل حكومة الشراكة الوطنية وتصاعد في اعمال العنف في البلاد.

ويرى محللون ودبلوماسيون ان الانتخابات قد تساعد في تخفيف التجاذب السياسي الذي ينعكس انفلاتا امنيا.