
Super User
بيريز يطلب من هولاند تفكيك الترسانة الصاروخية الإيرانية
هولاند يجبي أثمان تشدده ضد طهران في تل أبيب (عبير سلطان ــ أ ف ب) بدأ الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، أمس، زيارته الرسمية لإسرائيل، وسط ترحيب استثنائي من قبل المسؤولين هناك، وإعرابهم عن الامتنان للموقف الحازم الذي تتخذه باريس، تجاه إيران وملفها النووي قبل استئناف المفاوضات بشأنه
عندما تثير إدارة اوباما شفقة الإيرانيين
لم أتصور يوماً ان تثير الإدارة الامريكية الشفقة لدي الاخرين ، وخاصة لدي من لقي من هذه الادارة الأمرين ، كالايرانيين ، وهي تتعرض لكل هذا الكم الهائل من التعنيف والتوبيخ والاستهزاء والاتهام ، من قبل إسرائيل ، دون ان تملك الجرأة حتي علي الرد.
الحملة الشرسة التي يقودها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ضد الرئيس الامريكي باراك اوباما وادارته ، تأتي علي خلفية اقتناع الاخير ان التهديد بالقوة العسكرية ومواصلة سياسة فرض الحظر ضد الجمهورية الاسلامية في ايران لم تعد تجدي نفعا ، ولابد من اعتماد الدبلوماسية والحوار اساسا للوصول الي حل مشرف يرضي جميع الاطراف ويبدد كل هواجس الغرب ازاء البرنامج النووي الايراني.
هذا الاقتناع ، وهو صحيح ، يبدو انه لم يرق للاسرائيليين الذين تنتهي كل طرقهم للتعامل مع ايران الي الحرب ، وهو امر رفضه اوباما وادارته واعلنوا بشكل واضح ان الشعب الامريكي لا يريد الحرب ويفضل الدبلوماسية طريقا لتسوية القضية النووية الايرانية.
الملفت ان رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو وبدلا من ان يضع حسابا لحليفه الذي هو قوام وجود كيانه ، اعلن حتي قبل ان يصل المتفاوضون وبينهم امريكا في جنيف الي اتفاق مبدئي ، انه لن يلتزم بشروط الاتفاق مع ايران وكرر ان اسرائيل ستتحرك عسكريا ضد ايران ، وكأنه يقول لمجموعة ۵+۱ وعلي راسها امريكا انتم لا تملكون الحق في اتخاذ قرارات دون مصادقة اسرئيل!!.
الامر الذي اثار شفقة الاخرين علي ادارة الرئيس اوباما ، هو حالة الانكسار والضعف والعجز ، والتي ظهرت عليه وهي تحاول تبرير سياستها دون ان تجد هذه التبريرات اذانا صاغية في تل ابيب ، فقد واصلت الحكومة الاسرائيلية شن حملتها الشرسة ضد اوباما حتي في عقر داره واشنطن ، فقد اوفد نتنياهو وزير الاقتصاد الاسرائيلي نفتالي بينيت زعيم حزب البيت اليهودي المتطرف المؤيد بقوة للاستيطان الي واشنطن لتأليب اعضاء الكونغرس الامريكي علي اوباما لافشال الاتفاق النووي المحتمل الذي ينوي التوصل اليه مع ايران ضمن مجموعة ۵+۱.
بينيت هذا وامام معهد بروكينغز سابان للدراسات حول سياسة الشرق الاوسط ، اتهم ادارة اوباما بانها تقامر بـأمن اسرائيل في سعيها للتوصل الي اتفاق مع طهران ، وحذر مجددا من ان اسرائيل يمكن ان تشن ضربات عسكرية بمفردها ، مخاطبا مجموعة ۵+۱ ومن بينها امريكا بصيغة الامر قائلا : ان العقوبات المفروضة علي ايران يجب الا تخفف.
هذه المواقف بالاضافة الي الهجمة الاعلامية الاسرائيلية ضد اوباما وادارته لم تحرك عرقا من عروق اعضاء هذه الادارة ، بل ان وزير الخارجية الامريكي وعوضا من ان يدعو الاسرائيليين الي احترام الادارة الامريكية ، علي الاقل في الظاهر، نراه يستخدم ابشع الصفات لوصف الامريكيين والادارة الامريكية عندما قال نحن لسنا عميان ولا اغبياء في التعامل مع ايران ، وهو ما عكس حالة من الغضب العارم الذي تفجرت داخله امام هذه الهجمة الشرسة التي يقودها نتنياهو ضد الادارة الامريكية ، الا انه نفّس عنها بهذا الشكل البائس والعاجز.
تطرف نتنياهو وفريقه في التعامل غير المحترم وبشكل علني مع ادارة اوباما ، اعتمادا علي سطوة اللوبيات الصهيونية داخل الولايات المتحدة ، التي تضع مصلحة اسرائيل فوق مصلحة امريكا ، اثار مخاوف عجوز السياسة الصهيونية شمعون بيرز الذي دعا نتنياهو وحكومته الي ابداء الاحترام للولايات المتحدة ، مذكرا ، ان اسرائيل لم تتقدم باي طلب الا واستجابت له ادارة اوباما.
ان العجز الذي ظهرت عليه ادارة الرئيس باراك اوباما في تعاملها مع الصلف الاسرائيلي والذي بلغ حدا غير مألوف في اطار علاقات الدول ، اثار العديد من علامات الاستفهام حول طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل ، كما اثار علامات استفهام حول دور اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة ، والي اي مدي يمكن لهذه اللوبيات ان تؤثر علي السياسة الامريكية علي الصعيدين الداخلي والخارجي، وهل هناك خطوط حمراء امريكية اصلا تقف عندها هذه اللوبيات؟ ، وكيف يمكن تبرير هذا التدخل الاسرائيلي الواضح ، والذي يتعارض مع السياسة الامريكية ، كما بدي في قضية المفاوضات النووية بين ايران ومجموعة ۵+۱ ومن بينها امريكا ؟ ، تري من هي الجهة التي تملك الجرأة داخل امريكا ان تقول للاسرائيليين واللوبيات الصهيونية في امريكا ، ان عليها ان تقف عند هذا الحد ولا تتجاوزه عندما يقرر الامريكيون شيئا لمصلحة بلادهم ؟ . ان من مصلحة الاميركيين الا يمروا من امام هذه الاسئلة مرور الكرام ، اذا ارادوا الا يثير التعامل البائس لامريكا شفقة الاخرين ، وهي تقف عاجزة امام تدخل اسرائيل واللوبيات الصهيونية في ادق تفاصيل شؤونها الداخلية ، كما اثار ويثير تعامل ادارة اوباما مع التدخل الاسرائيلي في سياستها ازاء الملف النووي الايراني شفقة اعداء امريكا قبل اصدقائها.
بقلم: ماجد حاتمي
"كعبة أبرهة الحبشي"... واللعنة التي أصابتها عبر الزمن
تتعدد الروايات حول "غرفة القليس" أو "القليس" كما يسميها أبناء صنعاء التي بناها أبرهة الحبشي، في منتصف القرن الخامس الميلادي تقريباً. بنية صرف العرب للحج إليها بدلاً من بيت الله الحرام في مكة المكرمة.
تقول وكيلة الهيئة العامة للآثار أمة الرزاق جحاف، إن "السبب الذي بنيت من أجله هذه الكنيسة أو القليس هو نفسه الذي أدى إلى إهمالها"، مشيرة إلى أنها "بنيت من أجل معاقبة ذلك الرجل الذي أساء إليها، ومن أجل معاقبة المسلمين الذين فضلوا أن يذهبوا إلى الحج إلى بيت الله الحرام كما هي عادتهم عن أن يزوروا كنيسة أبرهة".
أما المؤرخون فيذكرون أن هذه الحفرة الدائرية الشكل بنيت على ربوة يصل ارتفاعها إلى خمسة أمتار. وكانت محاطة بفضاء فسيح للتنزه، وطليت أبوابها بالذهب والفضة.
في الواقع لا شيء الآن يشير إلى ما يتحدث عنه المؤرخون. فالكنيسة التي دمرت قبل 900 عام تبدو في حال يبعث على الأسى.
ويقول عبد الخالق عقبة، إن "هذه المسماة حالياً "غرقة القليس"، والمعروفة سابقاً "بكنيسة القليس" كانت أكبر كنيسة في الشرق الأوسط".
أما نادر وحيش فيقول بدوره "هذا المعلم تحول إلى مكب للنفايات".
وبالرغم من ذلك ظل هذا المكان إلى ما قبل سنوات عامراً بالسواح الذين قصدوه للإطلاع على ما تبقى من آثار الكعبة التي أودت بصاحبها لتبدو في السنوات الأخيرة أشبه بالمكان المهجور.
وتعرب جحاف عن اعتقادها بأنه "في الفترة القادمة لو استطعنا أن نقوم بحملة توعية للناس والشباب بأهمية المكان، لقطعنا شوطاً كبيراً من المهمة".
تشير بعض الروايات الشفهية إلى وجود سرداب بطول ثلاثة كيلو مترات يمتد من أسفل هذه الكنيسة. وتطالب جهات معنية بالتاريخ بوضع مجسات تتبع الأثر لجمع الدلائل للتأكد من صحة حكاية هذا السرداب. فيما تبدو "الكعبة" التي ظلت محروسة ردحاً من الزمن بعد موت بانيها بلعنة الشياطين والأفاعي، كما لو أنها أصيبت باللعنة.
الأبعاد العسكرية في العلاقات الروسية – المصرية
أرخت الزيارة الأخيرة لوزيري الدفاع والخارجية الروسيين إلى القاهرة على المشهد الرسمي الأميركي، خصوصاً أن الخطوة أتت عقب وقف بعض المساعدات الأميركية العسكرية لمصر، في هذا التقرير تحليل لرد فعل واشنطن على الزيارة وأبعادها على العلاقة بين القاهرة وموسكو.
البارزاني في دياربكر لمناقشة مصير الأكراد في تركيا وسورية
استقبال شعبي ورسمي لمسعود البارزاني في ديار بكر التركية حيث التقى رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان. وعلى جدول أعمال الطرفين الأزمة الكردية في تركيا مع حزب العمال الكردستاني، وتشكيل إدارة مدنية للأكراد شمال سورية.
قتلى وجرحى برصاص مسلحين ضد تظاهرة مناوئة لوجود ميليشيات في ليبيا
31 قتيلاً ونحو 300 جريح سقطوا في اشتباكات عنيفة جرت في العاصمة الليبية طرابلس بحسب ما أعلنت وزاة الصحة. واندلعت شرارة المواجهات إثر إطلاق كتيبة ثوار مصراتة النار على تظاهرة سلمية خرجت للمطالبة بخروج الميليشيات من المدينة.
وكالة الأنباء الليبية قالت إن "العديد من الجرحى حالتهم خطيرة" ودعت وزارةَ الصحة المواطنين "للتوجه إلى مستشفيات شارع الزاوية وحوادث أبوسليم للتبرعِ بالدم بسبب عدد الجرحى الكبير".
المظاهرة التي خرجت عقب صلاة الجمعة بطلب من رئيس مجلس طرابلس وائمة المساجد للتنديد بالمليشيات المسلحة في العاصمة الليبية، نالت نصيبها من رصاصها، قتلى وجرحى في إطلاق نار برصاص مسلحين بحسب شهود عيان في كل من باب العزيزية وحي غرغور.
الحادثة أزمت المشهد الأمني في طرابلس. وتفاقم الوضع دفع رئاسة الاركان العامة الليبية إلى إصدار أوامر لإعادة قوة درع ليبيا الوسطى للتمركز في عدت أماكن في طرابلس وذلك بالتنسيق مع قوة الردع وسرايا الشرطة العسكرية ومديرية أمن طرابلس.
أما رئيس المجلس المحلي بطرابلس فدعا إلى عصيان مدني إلى حين خروج الميليشيات من المدينة.
وفتح التصعيد الأمني في ليبيا باباً سياسياً على الخارج. فالناطقة الرسمية باسم بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا راضية العاشوري قالت "إن البعثة سهلت حواراً للفرقاء الليبيين بأوسلو بناء على رغبة الأطراف السياسية"، خطوة سياسية قد تغني عن مقترح رئيس الحكومة علي زيدان في دعوة الغرب للمساعدة على تخليص ليبيا من السلاح.
وطالب زيدان المليشيات بإخلاء طرابلس، وقال إن "التظاهرة كانت مرخصة وسلمية وتلتها اشتباكات بين الثوار ومسلحين غير منظمين لم تتمكن قوات الأمن من الفصل بينهم". وأكد في مؤتمر صحفي "أن لا حلّ للأزمات التي تعيشها ليبيا باللجوء إلى السلاح".
المشهد السياسي
على وقع هذه الأجواء، تتواصل في ليبيا الإستعدادات لإجراء انتخابات لجنة إعداد الدستور. إستعدادات أمنية وتنطيمية تسير بالتوازي مع مقاطعة الأمازيغ لها الذين يطالبون بدسترة اللغة الأمازيغية في الدستور الليبي الجديد، والذين يتحركون في كل الإتجاهات قبل شهر ونيف من انتخابات لجنة الدستور.
اعتصامات وإغلاق للحقول النفطية في الغرب الليبي ووصل الأمر إلى رفض الترشح لانتخابات لجنة إعداد الدستور. إحتجاج على عدم إقرار المؤتمر الوطني لمبدأ التوافق بين أعضاء لجنة الستين بخصوص الفصول المتعلقة بهوية ليبيا ولغتها ونشيدها.
وقال القانون والمرشح لانتخابات لجنة الستين محمد التومي "إنه لا يمكن بأي حال نفي هوية ليبيا العربية". وتخشى السلطات الليبية كذلك من اضطرابات أمنية خاصة في الشرق الليبي تعيق هذه الإنتخابات في ظل معارضة الفدراليين والمتشددين الإسلاميين. وهي التي قالت انها ضبطت خطة أمنية بالتنسيق مع وزارتي الداخلية والدفاع، لكن الإنتقادات لهذه الإنتخابات لا تتوقف عند هذا الحد.
ولفت المختص في القانون الدستوري مسعود الكانوني إلى "الثغرات التي تشوب شروط الترشح".
انتقادات تضاف الى تخوف من عزوف الليبين عن التصويت في ظل حالة الاحباط العامة من سير العملية السياسية.
مسؤول أميركي يتوقع اتفاقاً نووياً الأسبوع المقبل
صحيفة "نيويورك تايمز" تنقل عن مسؤول رسمي أميركي احتمال التوصل الى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني في جولة المفاوضات المقبلة في جنيف في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.
نتنياهو: إسرائيل وبعض دول الخليج تتحدث بصوت واحد بشأن إيران
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يدعو إلى حلّ ثالث في سورية معتبراً أن انتصار النظام أو انتصار قوات المعارضة بديلان مخيفان على حدّ سواء.
الزيدية - النشأة والتطور
1 ـ اتخذت الفرقة الزيدية من زيد الشهيد رمزاً لتحرّكها، وعملت على الاقتداء بنهجه، وسيرته في النهوض والثورة بوجه الحكام المستبدين، فكان زيد إماماً لهم، انتسبوا إليه وسموا باسمه، ولم يكن زيد مفكراً كلامياً غارقاً في البحوث الكلامية، بل كان رجلاً ثورياً له صلة بتفسير القرآن، وجمع الروايات وعظة الناس، وهدايتهم إلى الطريق المستقيم. فزيد لم يقم بالثورة كي يوجد مذهباً مقابلاً للتشيع الذي يتبناه الأئمة المعصومون (عليه السّلام)، وإنما بذل دمه الزكي لأجل إصلاح الأمّة، وإعادة الحق المغتصب، نقل الزنوزي : إنّ زيد بن علي كان دائماً يفكر في الانتقام والأخذ بثأر جده الحسين (عليه السّلام) ،ومن هذه الجهة توهم بعضهم أنّه ادّعى الإمامة، وهذا الظنّ خطأ لأنّه كان عارفاً برتبة أخيه، وكان حاضراً في وقت وصية أبيه، ووضع أخيه في مكانه وكان متيقناً إنّ الإمامة لأخيه، وبعده للصادق (عليه السّلام).
2 ـ فتح باب الاجتهاد المطلق من قبل فقهاء المذهب، كان من العوامل الأساسية التي ساعدت كثيراً على انتشار المذهب الزيدي، وتطوره فكان باب الاختيار من المذاهب الأخرى باجتهادهم وتمكنهم على اخذ ما يتفق مع منطق مذهبهم وأصولهم، ومن هنا نرى إنّ جملة من أصولهم متحدة أو متقاربة مع جملة الأصول التي قررها فقهاء الإسلام.
ويمكن أن نقول أنّ من العوامل المهمة التي ساعدت على نضج المذهب الزيدي وازدهاره وتبلوره، هي بقاء الفكر الزيدي منفتحاً على جميع المذاهب الإسلامية، يأخذ منها ويستند عليها، ويواكب حالة الإصلاح والتجديد في المجتمع.
3 ـ تشعبت الفرقة الزيدية إلى عدّة فرق، وقد اختلف المۆرخون في عددها، فعدّهم الأشعري ستّ فرق، وهي الجار ودية، والسليمانية، والبترية، والنعيمية، وفرقة يتمأون من أبي بكر وعمر، ولا ينكرون رجعة الأموات قبل يوم القيامة، وأخرى تولوا أبا بكر، وعمر، ولا يتبرۆون ممن برئ منهما ،وينكرون رجعة الأموات، ويتبرۆون ممن دان بها، وهم اليعقوبية، وحصرهم المسعودي بثماني فرق وهي الجارودية، والمرئية، والابرقية، واليعقوبية، والعقبية، والابترية، والجريرية، واليمانية.
وذهب نشوان الحميري إلى رأي ثالث، فقال الزيدية ثلاث فرق، بترية، وجريرية، وجارودية.
4 ـ استطاع رجال الزيدية إقامة دول لهم في اليمن، وطبرستان، والمغرب، حيث قادوا فيها انتفاضات ناجحة، كان لها الدور الفعال والمۆثر في تغيير الأوضاع السياسية، والاجتماعية، والفكرية وتربع المذهب الزيدي على شۆونها الدينية والإدارية، وقد استمر حكمهم في بلاد اليمن إلى سنة 1383 هـ حيث أزاحهم العسكريون وأقاموا الجمهورية، وفي طبرستان استمرّ حكمهم من سنة 250 هـ وحتى سنة 360 هـ ولا تزال لهم فيها آثار وقبور تزار، وفي المغرب شيدوا دولة عظيمة حكم فيها الادارسة، بقيادة إدريس بن عبد الله المحضّ، حيث تمتّ له البيعة فيها سنة 172 هـ وخلع طاعة بني العباس وتمّ له الأمر، ولم تستقر دولة الادارسة، بسبب منازعة الخوارج لهم برئاسة عبد الرزاق الخارجي الصفري، إلى أن انتهت عام 323 هـ.
الإمام علي بن أبي طالب(ع) وصيانة السنة النبوية الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن عظمة كل اُمة من الاُمم تتجلى في عظمائها الذين يرسمون الطريق من خلال ما يؤثر عنهم من فضائل تكون نبراساً للأجيال على مرّ تاريخها، تستلهم من أخلاق ومبادئ اُولئك العظماء، كل المعاني التي تتجلى في سمو الخلق ورفعة الشأن وحسن السيرة ما يجعلها مثلاً يحتذى بها واُسوة تقتدى على مرّ الزمن.
والكلام عن الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) الذي صارت سيرته قمة من القمم تتغنى بها الأجيال من الاُمة الإسلامية، وتفاخر بها المشرق والمغرب، ذلك الرجل الذي شهد له الأعداء قبل الأصدقاء بالفضل والرفعة والسمو، وكل الأخلاق الحميدة التي تتقاصر أمامها الهمم، ولا تنال شأوها أو تدرك بعضها على كثرة اجتهادها.
لقد وقفت أمام عظمة الإمام(عليه السلام) جميع الاُمم التي ألمّت بطرف من أخباره، أو نالت حظاً من العلم بتراثه، فترى الغربيين ـ على موقفهم من الإسلام والمسلمين ـ لا يملكون إلاّ الاعتراف بعظمة هذا الرجل، بل وتراهم يستلهمون من سيرته المبادئ التي يبنون عليها نظرياتهم في الحكم والسياسة،مستلهمين المبادئ الإنسانية العظيمة التي تطفح بها أقواله وأعماله، والتي لا يسع أحد انكارها، وهي أوضح من الشمس في رابعة النهار.
ليس من الغريب أن يتصف الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) بصفات الكمال الإنساني وهو الذي عاش في كنف النبي(صلى الله عليه وآله) منذ نعومة أظفاره، وارتضع مكارم الأخلاق من ذلك المنهل الروي الذي لا يضاهيه منهل، وقد وصفه الله تعالى في كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فقال له عزّ من قال: (وإنّك لعلى خلق عظيم)(1) فكان الإمام(عليه السلام)يحيا في ظل ذلك الخلق العظيم، وتتشرّب به نفسه يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة حتى انجبلت بها وأصبحت جزءاً من كيانه، واختلطت بدمه ولحمه، وتحوّلت الى سجيّة وطبع.
وقد وصف الإمام(عليه السلام) تلك المرحلة الرائعة التي تركت بصماتها على وجدانه أثراً لا يمحى، بقوله(عليه السلام): «.. وضعني في حجره وأنا وليد يضمني الى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسّني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجدلي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل.. ولقد كنت اتّبعه اتّباع الفصيل أثر اُمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه، ولا يراه غيري، ولم يجمع بيتٌ واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وخديجة، وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشمُّ ريح النبوة...(2).
في ذلك الجو المعبّق بأريج النبوة ونور الرسالة، عاش الإمام(عليه السلام) حتى شبّ عن الطوق، ليتشرّف بأن يكون أول من يتلقى الدعوة المباركة الى الإسلام من قبل النبي(صلى الله عليه وآله)، فيكون أول من أسلم من الذكور، وجاءت بذلك الأخبار الصحيحة التي أخرجها الحفاظ والمحدثون والمؤرخون من كل الطوائف، والتي يصعب استقصاؤها في مثل هذا المبحث، فنكتفي برواية عن زيد بن أرقم. حيث قال: أوّل من صلّى مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) علي(3).
ومضت السنون والإمام(عليه السلام) يرافق النبي(صلى الله عليه وآله) في جهاده الدؤوب المليء بالمصاعب والأشواك، ولشدّة التصاقه بالنبي(صلى الله عليه وآله)، آخى النبي بينه وبين نفسه، وقال له: أما ترضى أن أكون أخاك؟ قال: بلى يا رسول الله رضيت. قال: فأنت أخي في الدنيا والآخرة(4).
وأثبت الإمام(عليه السلام) يوماً بعد يوم أنه أهل لهذه المكانة الرفيعة التي بوّأه إياها النبي(صلى الله عليه وآله)، حتى إذا كات ليلة هجرة النبي(صلى الله عليه وآله) الى المدينة، نجد علياً(عليه السلام) يفتدي أخاه الكريم بمهجته، فيبيت على فراشه تحت شفرات السيوف المرهفة التي كانت تترصد ساعة الصفر لتهوي على جسد النبي الكريم، وتنهي ثلاثة عشرعاماً من الصراع الفكري الذي أجهد قريشاً وقلب الموازين ضدّها، وبعد أن أثبتت الدعوة قدرتها على مقاومة كل رياح قريش، وشاء الله أن يسلم النبي(صلى الله عليه وآله) من تلك المؤامرة بافتداء علي نفسه والمخاطرة بحياته صوناً لحياة الرسول الذي أنجاه الله منها.
لقد كانت حادثة المبيت أول مصداق ليس على قوة إيمان الإمام (عليه السلام)فحسب، بل كانت مؤشراً الى ما يتمتع به من صفات عظيمة في طليعتها الشجاعة التي وصفها ابن أبي الحديد المعتزلي بقوله: أما الشجاعة، فانّه أنسى الناس فيها ذكر من كان قبله، ومحا اسم من يأتي بعده، ومقاماته في الحرب مشهورة، يضرب بها الأمثال الى يوم القيامة، وهو الشجاع الذي ما فرّ قط، ولا ارتاع من كتيبة، ولا بارز أحداً إلاّ قتله، ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت الاُولى الى ثانية، وفي الحديث: كانت ضرباته وتراً(5).
وقد تجلت شجاعته في مواطن شهيرة في بدر واُحد والخندق وخيبر، وفي كل المعارك التي شارك فيها، وكان حامل لواء النبي(صلى الله عليه وآله) فيها، حتى قال فيه النبي(صلى الله عليه وآله):«إنّه صاحب لوائي عند كل شديدة وكريهة»(6).
وأما تجلي فضائل علي(عليه السلام)، حتى قال له: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي»(7).
وقال(صلى الله عليه وآله) في مرض موته: «أيها الناس، يوشك أن اُقبض سريعاً فينطلق بي، وقد قدّمت إليكم القول معذرة إليكم، ألا انىّ مخلّف فيكم كتاب ربّي عزّ وجل، وعترتي أهل بيتي، ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي، لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض، فأسألهما ما خلفت فيهما»(8).
وقد ظلّ علي(عليه السلام) ينهل من مناهل العلم الصافية من فم رسول الله(صلى الله عليه وآله)، حتى قال (عليه السلام): علمني (صلى الله عليه وآله) ألف باب من العلم، فتح لي كل باب ألف باب(9).
وأيّد النبي(صلى الله عليه وآله) هذه المقولة ليجذب أنظار أصحابه الى الطريق المهيع بقوله(صلى الله عليه وآله): «أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب»(10).
ولذا صار علي (عليه السلام) مرجعاً للصحابة في المعضلات، ونقل سعيد بن المسيب عن عمر، انّه كان يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن(11).
وكان عمر يقول: أقضانا علي، وكان(عليه السلام) يقول أيام خلافته: أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله ما بين لوحي المصحف آية تخفى عليّ، فيما نزلت ولا أين نزلت، ولا ما عني بها(12).
وقد بلغ من حب النبي(صلى الله عليه وآله) لربيبه (عليه السلام)، أن جعل محبته عنوان صحيفة المؤمن(13).
وأكد النبي هذه الحقيقة مراراً بقوله: «من أحبّ عليّاً فقد أحبني، ومن أحبّني فقد أحبّ الله، ومن أبغض عليّاً فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله(14).
دفاع الإمام علي (عليه السلام) عن سنّة النبي(صلى الله عليه وآله)
لا يمكن لمنصف أن يتصور بعد هذا أن يكون احد أشد تعلقاً وثباتاً على المنهج النبوي ولا أكثر تمسكاً بالسنّة الشريفة أكثر من علي(عليه السلام)، وبعد أن أثبت له النبي(صلى الله عليه وآله) فضيلة الأعلمية على جميع أصحابه، فقال(صلى الله عليه وآله)«أعلم اُمتي بالسنّة والقضاء بعدي: علي بن أبي طالب»(15).
فكان أمير المؤمنين(عليه السلام)، مستودع السنّة النبوية الشريفة، وقد أدرك(عليه السلام) أن مهمته بعد رحيل النبي(صلى الله عليه وآله)، الحفاظ على هذه السنة من أن تتلاعب بها الأهواء والبدع لا سيّما بعد ما رآه وسمعه من النبي(صلى الله عليه وآله) من أنه قال: قد كثرت عليّ الكذابة، إلاّ فمن كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار، فتصدى بكل حزم للدفاع عنها ونشرها، والتنبيه الى البدع التي ظهرت بعد رحيل النبي(صلى الله عليه وآله) الى الرفيق الأعلى، فراح يبيّن للاُمة هذا الأمر، ويدلها على مواطن الخطر التي يجب اجتنابها، فكان مما قال:
«إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتّبع، وأحكام تبتدع، يُخالف فيها كتاب الله، ويتولى عليها رجالٌ رجالاً على غير دين الله...»(16).
وقال: «طوبى لمن ذلّ في نفسه... وعزل عن الناس شرّه، ووسعته السنّة، ولم يُنسب الى البدعة...»(17).
ولفت أنظار الاُمة الى أن اتّباع السنة يستلزم لزوم الجماعة، وترك البدع المضلّة، فقال(عليه السلام): «فلا تكونوا انصاب الفتن، وأعلام البدع، والزموا ما عقد عليه حبل الجماعة، وبُنيت عليه أركان الطاعة»(18).
كما بيّن للاُمة الطريق المستقيم الذي عليها أن تسلكه، وبيّن تلك الطريق بأنها الطريق المتوسطة، غير المنحرفة الاتجاهات، فقال(عليه السلام): «اليمين والشمال مضلّة، والطريق الوسطى هي الجادة، عليها باقي الكتاب وآثار النبوة، ومنها منفذ السنّة وإليها مصير العاقبة»(19).
وحثّ الاُمة على التمسك بالسنّة الشريفة التي فيها الهدى قائلاً: «واقتدوا بهدي نبيّكم فانّه أفضل الهدي، واستنّوا بسنّته فانّها أهدى السّنن...»(20).
موقفه(عليه السلام) من البدع
إنّ الاُمور التي حدثت بعد رحيل النبي(صلى الله عليه وآله) كانت مبعث قلق لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، فكثير من السنن قد أبدلت بالبدع والمحدثات، مما جعل أمير المؤمنين(عليه السلام)ينهض بمهمة الكشف عن هذه البدع، ونشر السنّة الصحيحة للنبي، مستنكراً ما يراه بقوله: «فيا عجباً ومالي لا أعجب من خطا هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها، لا يقتصّون أثر نبي، ولا يقتدون بعمل وحي.. مفزعهم في المعضلات الى أنفسهم، وتعويلهم في المهمات على آرائهم، كأن كل امريء منهم إمام نفسه، قد أخذ منها ما يرى بُعرىً ثقات، وأسباب محكمات...»(21).
ودعا الناس للاحتكام الى كتاب الله وسنّة نبيه(صلى الله عليه وآله) عند التنازع والتباس الاُمور عليهم قائلاً: «واردد الى الله ورسوله ما يُضلعك من الخطوب، ويشتبه عليك من الاُمور; فقد قال الله تعالى لقوم أحب إرشادهم: (يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واُولي الأمر منكم، فان تنازعتم في شيء فردّوه الى الله والرسول) فالردّ الى الله: الأخذ بمحكم كتابه، والردّ الى الرسول: الأخذ بسنّته الجامعة غير المفرّقة.
وبيّن أن البدع لا تظهر إلاّ بترك السنّة وتبديلها، فقال: «وما أحدثت بدعة إلاّ تُرك بها سنّة، فاتّقوا البدع، والزموا المهيع، إن عوازم الاُمور أفضلها، وإن محدثاتها شرارها»(22).
تصدّيه(عليه السلام) للانحراف
كان أمير المؤمنين(عليه السلام) يراقب الأوضاع بعد رحيل النبي(صلى الله عليه وآله) عن كثب، وكلّما أحسّ بأن المسيرة بدأت تنحرف عن خطها المستقيم، كان يتصدى لذلك الانحراف وينبّه عليه، حتى لو استدعى ذلك التصادم مع السلطة، فان الأحداث التي وقعت في زمن الخليفة الثالث عثمان بن عفان، قد فتحت طريق الانحراف على مصراعيه وبدأت نذر الشر تلوح في الاُفق، حيث اشتكى الناس من سوء سياسة ولاة عثمان فيهم، وتحوّل التذمر الى عصيان وقعقعة بالسلاح، فلم يكن أمام أمير المؤمنين(عليه السلام) إلاّ القيام بواجبه الشرعي في تبيين مواضع الخطأ ومواجهة المسؤول عن انبعاث الفتنه، وتنبيهه الى الحقيقة، وأن ترك السنّة هو مفتاح المصائب والبلايا، حتى لقد وقف أمام الخليفة ليقول له بكل صراحة ووضوح: «فاعلم أن فضل عبادالله عند الله: إمام عادل، هُديَ وهَدى، فأقام سنّة معلومة، وأمات بدعة مجهولة، وإن السنن لنيّرة لها أعلام، وإن البدع لظاهرة لها أعلام، وإن شرّ الناس عند الله إمام جائر ضلّ وضُلّ به، فأمات سنّة مأخوذة، وأحيا بدعة متروكة...»
لقد كانت هذه التنبيهات القيّمة كفيلة بأن تقضي على نوازع الشّر، وتعيد الى الاُمة وحدتها وترأب صدعها لو أن الخليفة الثالث استمع لنصح أمير المؤمنين، لكن ضعف الخليفة أمام أقربائه ـ وبخاصة مروان بن الحكم الذي غلب على رأي الخليفة ـ وعدم أخذه الاُمور بقوة وحملها محمل الجد، قد أدّى الى تفاقم الاُمور أكثر فأكثر، حتى انتهت الى ماهو معلوم عند الجميع.
وقد يستغرب البعض من تحميلنا الخليفة الثالث معظم المسؤولية عن مجريات الأحداث والحقيقة أن الاطلاع على حقيقة ما جرى يرفع هذا الغموض: إذ أن المعلوم عند المحققين المنصفين، وكما أكدت ذلك الكتب التي ألفها المؤرخون والمحدثون غير المتهمين على الخليفة، انّه قد بدأ يحرف السنّة عن اتجاهها ببعض الأحداث التى أحدثها ولم يكن لها مبرّر من عقل أو شرع، وربما كان لهذه الاُمور امتدادات الى ما قبل خلافة عثمان، فقد قال الصحابي الكبير حذيفة بن اليمان ـ الذي توفي بعد مقتل الخليفة الثالث بأربعين يوماً أو أقل ـ : ابتلينا حتى جعل الرجل منّا لا يصلّي إلاّ سرّاً!(23)
إن هذا التصريح الخطير من هذا الصحابي الجليل يرفع النقاب عما كان يجري في تلك الفترة بعد رحيل النبي(صلى الله عليه وآله)، وقد اعترف ابن حزم بذلك، فقال: كان عثمان قد أحدث الصلاة في منى أربعاً، ولم يقصرها كما كان يفعل رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فاعتلّ عثمان مرة، فطلبوا من علي(عليه السلام) أن يصلي بالناس، فقال(عليه السلام): إن شئتم صلّيت لكم صلاة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ يعني ركعتين ـ .
قالوا: لا، إلاّ صلاة أمير المؤمنين أربعاً. فأبى!(24).
إنّ هذه الرواية تكشف وجهاًآخر أكثر خطورة من رواية حذيفة، فهي تدل على أن الناس قد استمرؤا البدع والمحدثات، وبدؤا يقدّمونها على السنّة المتواترة عن النبي(صلى الله عليه وآله) !
وقد واصل الإمام(عليه السلام) جهاده المستمر الدؤوب لاعادة السنّة النبوية الى مكانها المشرق بالاقتداء بها حرفياً، حتى روى مطرّف، قال:صلّيت أنا وعمران بن حصين صلاة خلف علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، فكان إذا سجد كبّر، وإذا رفع كبّر، وإذا نهض من الركعتين كبّر.
فلما سلّم أخذ عمران بيدي فقال: لقد صلّى بنا هذا صلاة محمد(صلى الله عليه وآله)(25).
وتتبّع هذه الاُمور يستغرق وقتاً، لكنه(عليه السلام) نبّه الى أن الاُمور قبل توليه الخلافة قد جرت في غير الاتجاه الصحيح فقال: إني سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله)يقول: كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير ويهرم فيها الكبير، يجري الناس عليها ويتخذونها سنّة، فإذا غُيّر منها شيء قيل: قد غيّرت السنّة، وقد أتى الناس منكراً، ثم تشتد البلية وتسبى الذرية، وتدقهم الفتنة كما تدق النار الحطب، وكما تدق الرحا بثقالها، ويتفقهون لغيرالله، ويتعلمون لغير العمل، ويطلبون الدنيا بأعمال الآخرة.
ثم أقبل بوجهه وحوله ناس من أهل بيته وخاصته وشيعته، فقال: قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول الله(صلى الله عليه وآله) متعمدين لخلافه، ناقضين لعهده، مغيّرين لسنته، ولو حملت الناس على تركها وحوّلتها الى مواضعها والى ما كانت عليه في عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، لتفرّق عني جندي حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عزّ وجل وسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
أرايتم لو أمرت بمقام ابراهيم(عليه السلام)، فرددته الى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ورددت فدك الى ورثة فاطمة(عليها السلام)، ورددت صاع رسول الله(صلى الله عليه وآله) كما كان، وامضيت قطائع اقطعها رسول الله(صلى الله عليه وآله) لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ، ورددت دار جعفر الى ورثته وهدمتها من المسجد، ورددت قضايا من الجور قُضي بها، ونزعت نساءً تحت رجال بغير حق فرددتهن الى أزواجهنّ، واستقبلت بهن الحكم في الفروج والأحكام، وسبيت ذراري بني تغلب، وردت ما قسم من أرض خيبر، ومحوت دواوين العطايا، وأعطيت كما كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يعطي بالسومة، ولم أجعلها دولة بين الأغنياء والقيت المساحة، وسوّيت بين المناكح، وانفذتُ خمس الرسول كما أنزل الله عزّ وجل وفرضه، ورددت مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله) الى ما كان عليه، وسددت ما فتح فيه من الأبواب، وفتحت ما سدّ منه، وحرّمت المسح على الخفين، وحددت على النبيذ، وأمرت باحلال المتعتين، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات، وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وأخرجت من اُدخل مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) في مسجده ممن كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) أخرجه وأدخلت من أخرج بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)أدخله، وحملت الناس على حكم القرآن، وعلى الطلاق على السنّة، وأخذت الصدقات على اصنافها وحدودها، ورددت الوضوء والغسل والصلاة الى مواقيتها وشرائعها ومواضعها، ورددت أهل نجران الى مواضعهم، ورددت سبايا فارس وسائر الاُمم الى كتاب الله وسنّة نبيّه(صلى الله عليه وآله)، إذاً لتفرّقوا عني(26)...»
لقد كشف الإمام عن مدى التحريف الذي وقع في السنّة النبوية الشريفة في تلك الأعوام التي سبقت خلافته، والتي صارت فيها تلك الأحداث سنّة في مقابل السنّة النبوية الصحيحة، وتعلّق الناس بتلك المحدثات بدلاً من السنّة الصحيحة، وكما أوردنا مثالاً لها عن قصر الصلاة في منى، وامتناع الناس عن ذلك رغم كونها سنّة نبوية، وتمسكهم بسنّة عثمان بدلاً منها.
إذاً ماالذي كان الإمام(عليه السلام) ينبغي أن يفعله أمام رعايا لا يتحرجّون عن مخالفة الكتاب والسنّة، والأخذ بسنّة الخلفاء الذين أعقبوا النبي(صلى الله عليه وآله) على الاُمة، وصارت تلك الأحداث أحبّ إليهم من العمل بالسنة النبوية؟
لقد أخبر الإمام(عليه السلام) عن عدم إمكان تغيير هذه البدع بعد أن ترسخت في نفوس القوم ولم يرضوا عنها حولاً، فيوقت كانت قوى الضلالة قد شمّرت عن سواعدها، وألقت الفتن بين المسلمين، وشغلت أمير المؤمنين(عليه السلام) خليفة الوقت بحروب طاحنة تأكل الأخضر واليابس، وأتباع الإمام يصدوّن عنه ويتمردون على أوامره، فكيف نتصور موقف الإمام(عليه السلام) من هذه الاُمة التي فضّلت العمى على الهدى، ولم تعطه فرصة كافية للتغيير؟ حتى لقد قال(عليه السلام): «لو قد استوت قدماي من هذه المداحض، لغيّرت أشياء»(27).
لقد كانت عملية التغيير والتصحيح التي بدأها الإمام علي(عليه السلام) منذ اليوم الأول لتولّيه الخلافة، مدعاة لانتقاض الناس ونكوصهم على الأعقاب، فالفترة السابقة قد هيّأت لهم أسباب الغنى والثراء الفاحش، وصارت الحياة الرغيدة أهم من الالتفات الى السنّة النبوية التي بدأت تُغيّر. وكان التصدي للتغيير يعني الحرمان من تلك الامتيازات، لذا فانّ الإمام(عليه السلام)عندما بدأ في ردّ قطائع عثمان على مستحقّيها، قال: ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله، فهو مردود في بيت المال، فانّ الحق القديم لا يبطله شيء، ولو وجدته قد تزوّج به النساء، وفُرّق في البلدان، لرددته الى حاله، فانّ في العدل سعة، ومن ضاق عليه الحق، فالجور عليه أضيق...»
فبلغ ذلك عمرو بن العاص ـ وكان بأيلة من أرض الشام، أتاها حين وثب الناس على عثمان فنزلها ـ فكتب الى معاوية: ما كنت صانعاً فاصنع، إذ قشّرك ابن أبي طالب عن كل ما تملكه كما تُقشّر عن العصا لحاها(28).
فرفض الآخرين للسنّة النبوية التي أراد أمير المؤمنين(عليه السلام) إحياءها كان نابعاً من صلابته وعدله، فلما لم يجدوا عنده مبتغاهم من حطام الدنيا لم يكن ثمة ما يدعو للامتثال له في تصحيح السنّة، كما امتثلوا للآخرين من قبل في تحريف السنّة طالما كان هناك ثمن للتغيير والسكوت عنه.
الهوامش:
(1) القلم: 4 .
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدبيد: 13/197 .
(3) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: 9/103، وقال: أخرجه أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيحين.
(4) السيرة الحلبية: 2/20.
(5) شرح نهج البلاغة: 1/20.
(6) تاريخ دمشق: 42/331 عن ابن عباس.
(7) صحيح مسلم: 4/187، البخاي: 5/24، كتاب فضائل أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله) وقال ابن عبدالبر في الاستيعاب: 3/202 وهو من أثبت الآثار وأصحها.
(8) الصواعق المحرقة: 126.
(9) كنز العمال: 13/114.
(10) المستدرك على الصحيحين: 3/138.
(11) الطبقاتالكبرى: 2/339.
(12) تاريخ دمشق: 42/397.
(13) تاريخ بغداد: 4/410، تاريخ دمشق: 5/230.
(14) المعجم الكبير للطبراني: 23/380.
(15) كفاية الطالب: 332 عن أبي أمامة.
(16) نهج البلاغة: الخطبة 50.
(17) نهج البلاغة: الخطبة 123.
(18) نهج البلاغة: الخطبة 51.
(19) نهج البلاغة: الخطبة 15.
(20) نهج البلاغة: الخطبة 110.
(21) نهج البلاغة: الخطبة 88 .
(22) نهج البلاغة: الخطبة 145.
(23) صحيح مسلم: 1/91، صحيح البخاري: 2/116.
(24) المحلى: 4/270.
(25) البخاري: 2/209، كتاب الصلاة، باب: يكبّر وهو ينهض بين السجدتين، مسند أحمد: 7/200 .
(26) الكافي: 8/58.
(27) نهج البلاغة: الحكمة 272 .
(28) شرح نهج البلاغة: 1/69.