
Super User
ميدفيديف: الغرب يتصرف مثل فيل في متجر خزف صيني
انتقد رئيس الوزراء الروسي دميتري ميدفيديف تدخل الغرب في الشرق الأوسط، مضيفا: الغرب يتصرف مثل فيل في متجر خزف صيني يهاجم ولا يعرف كيف يتعامل.
وفي مقابلة تلفزيونية مع "روسيا اليوم" قال مدفيديف: إن الغرب غالبا ما يدفع دولا بأكملها الى نقطة اللاعودة التي يصعب بعدها اقناع الاطراف المتصارعة بمحاولة التفاوض، متسائلا عن النفع الذي عاد به الربيع العربي على دوله، وما تسببه من سفك للدماء وتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان وتنصيب نظام سياسي موال لواشنطن، على حد قوله.
وأضاف: نحن نعتبر أن تغيير نظام سياسي في دولة ما، وتعيينَ حكام موالين لنا أمر خاطئ ومخالف لميثاق الأمم المتحدة، والبشرية في القرن الـ 21 ينبغي أن تتصرف بشكل مختلف وبالاعتماد على مبادئ القانون الدولي.
الاسد: لا حل للازمة السورية سوى ضرب الارهاب
اكد الرئيس السوري بشار الاسد ان لا حل ممكنا للازمة السورية المتواصلة منذ اكثر من عامين سوى "بضرب الارهاب بيد من حديد".
من جهة اخرى، شن الاسد خلال خطابه الذي القاه في افطار استضافه في أحد القصور الرئاسية بدمشق، هجوما لاذعا على المعارضة التي اعتبرها "ساقطة اخلاقيا وشعبيا" ولا دور لها في الحل.
وقال الاسد في الخطاب الذي بثته القنوات السورية قرابة منتصف الليل (21:00 ت غ)، "صحيح ان المعركة تخاض في الاعلام وفي المواقع الاجتماعية وفي المجتمع، لكن الحسم للأزمة هو فقط في الميدان".
واضاف ان "المعاناة الاقتصادية التي نعاني منها جميعا، الخدمات المتراجعة، كل الامور اليومية التي نعاني منها كسوريين مرتبطة بالوضع الامني، ولا حل لها سوى بضرب الارهاب".
وقال بنبرة حازمة "لا حل مع الارهاب سوى ان يضرب بيد من حديد".
وترك الأسد الباب مفتوحا لحل سياسي للازمة التي تعصف بالبلاد منذ اكثر من عامين، مع تأكيده على تلازم مساري السياسة والمعارك العسكرية في مواجهة معارضيه.
وقال في الخطاب الذي استمر قرابة 45 دقيقة "لا يمكن ان يكون هناك عمل سياسي وتقدم على المسارات السياسية والارهاب يضرب في كل مكان. فلا بد من ضرب الارهاب لتتحرك السياسة في شكل صحيح".
واضاف ان هذا "لا يمنع ان يكون ثمة مسار مواز. اذا كنا نضرب الارهاب وثمة مسار سياسي بالتوازي، لا يوجد مانع، من دون ان يكون هذا مبررا للتوقف عن مكافحة الارهاب".
وشن الاسد هجوما لاذعا على المعارضة الخارجية الممثلة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة من دون ان يسميه.
وقال "لدينا معارضة وطنية زجت نفسها منذ الايام الاولى في العمل السياسي والوطني، وجزء من هذه المعارضة يتواجد معنا الآن في هذه القاعة".
وتابع "وهناك معارضة لا وطنية لم يكن لها هدف سوى تحقيق المكاسب. هناك معارضة حاولت ان تبتزنا في بداية الازمة تحت عنوان نحن نوقف التظاهرات ولكن تعطونا مواقع في الدولة والحكومة".
واكد ان بعض اطراف هذه المعارضة "تقبض الاموال من اكثر من دولة خليجية"، و"لوم الدولة على الارهاب بدلا من لومه المسلحين"، معتبرا ان مواقفها تتغير "بحسب تغير الاوضاع الامنية والعسكرية".
وخلص الى انه "بالمحصلة، هذه المعارضة لا يعول عليها، هي ساقطة شعبيا واخلاقيا ولا دور لها في حل الازمة لانها تسعى فقط الى المكاسب".
وشدد الرئيس السوري على ان كلامه "ليس هجوما على احد، و(انا) لم اهاجم المعارضة لا في كلمة ولا في خطاب سابقا، ولكن لا نستطيع الا ان نكون صريحين عندما نتحدث عن الشأن الداخلي".
مراسم تنفيذ الإمام الخامنئي لحكم رئاسة الجمهورية في دورتها الحادية عشرة
أقيمت مراسم تنفيذ حكم رئاسة الجمهورية للرئيس السابع لجمهورية إيران الإسلامية عصر يوم السبت بحفاوة و معنوية عالية في حسينية الإمام الخميني (رض)، و بتنفيذه تصويت الشعب، نصب سماحة قائد الثورة الإسلامية، حجة الإسلام و المسلمين الدكتور الشيخ حسن روحاني رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
و اعتبر آية الله العظمى السيد الخامنئي في حكم تنفيذ رئاسة جمهورية حسن روحاني، و الذي قرأه في المراسم حجة الإسلام و المسلمين الشيخ محمدي گلپايگاني رئيس مكتب سماحة قائد الثورة الإسلامية، اعتبر المشاركة الواسعة للجماهير في الانتخابات دليلاً على النضج السياسي للشعب، و بأنها تحمل رسائل وضاحة بخصوص الوفاء للثورة و الثقة و الأمل بالنظام الإسلامي و الثقة برجال الدين الشجعان، مصرّحاً: لقد ردّ الشعب رداً قاطعاً زاخراً بالمعاني على الأعداء الذين لم يدخروا أي جهد سياسي و إعلامي لتثبيط الناس.
و بعد قراءة حكم تنفيذ رئاسة جمهورية الدكتور حسن روحاني، ألقي سماحة الإمام الخامنئي كلمة اعتبر فيها الرزانة و الهدوء و العظمة و الخلوص و الصميمية الجارية في مراسم تداول السلطة التنفيذية في البلاد ظاهرة جد قيمة و مهمة لها جذورها في الديمقراطية الدينية.
و أشار سماحته إلى غياب حكومة الشعب في عهد الدكتاتورية البهلوية و قبل ذلك مردفاً: بانتصار الثورة الإسلامية ذاق الشعب طعم الديمقراطية، و تولى زمام الأمور و الأعمال حول محور الإسلام العزيز.
و أشار قائد الثورة الإسلامية إلى الدور الذي مارسه الشعب في كل القضايا المهمة و المسؤوليات الأساسية في البلاد منوهاً: خلال الأعوام الـ 34 الأخيرة أقيمت انتخابات في كل عام تقريباً، و كان للناس مشاركتهم و إشرافهم على سياقات إدارة البلاد و اتخاذ القرارات فيها و البرمجة لشؤونها.
و أضاف سماحته في معرض شرحه لخصوصيات «الديمقراطية الدينية»: في هذا النظام الشعبي لا تنحصر علاقة الشعب بالمسؤولين في الأطر القانونية، إنما هي علاقة متينة و عاطفية و إيمانية تنبع من أعماق المعتقدات الدينية و التزام الشعب بأسس الثورة و أصولها، و تهدي المسؤولين إلى الطريق الصحيح.
و كنموذج للمعتقدات الإسلامية و الالتزام الثوري للشعب أشار آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى المشاركة الملحمية للشعب في تظاهرات يوم القدس في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان مضيفاً: في هذا الجوّ الحار و الناس صيام، ما هو المحفز الذي دفع الشعب للخروج إلى الشوارع و الصمود بوجه أعداء الإسلام و إعلان موقفه بخصوص قضية فلسطين، سوى الإيمان الديني و الوفاء لأهداف الثورة؟
و نوّه سماحته بالتواجد الملحمي الحماسي لكل شرائح الشعب في مظاهرات يوم الثاني و العشرين من بهمن في كل سنة مؤكداً: في الانتخابات أيضاً كان الشعور بالالتزام و التكليف هو الذي أخذ الشعب بكل حماس و حيوية إلى ساحة التواجد السياسي و الاجتماعي، و هو الذي خلق الملاحم، و يجب على كل المسؤولين أن يتذكروا هذه الحقيقة دائماً.
و لفت قائد الثورة الأسلامية: الإمام الخميني الحكيم هو الذي فتح هذا الدرب أمام شعبنا، و قد واصله الشعب إلى اليوم بكل وفاء، و سيكون الحال كذلك في المستقبل أيضاً بفضل من الله سبحانه و تعالى.
و في جانب آخر من حديثه، عدّ آية الله العظمى السيد الخامنئي تقبل المسؤولية في النظام الإسلامي بمعنى تقبل جهود العمل والمساعي الثقيلة و الخدمة الدؤوبة للناس مضيفاً: لحسن الحظ و نتيجة الجهود المتراكمة التي بذلها المسؤولون السابقون توجد في البلاد اليوم إمكانيات عالية يجب الاستفادة منها جميعاً.
و أوصى سماحته الناس و المسؤولين بالصبر و التحمّل و الأناة مردفاً: نسأل الله سبحانه أن تتقدم أمور البلاد بأسرع ما يمكن، و لكن ينبغي التنبّه إلى أن الأعمال و المشاريع الكبرى تستلزم وقتاً بطبيعتها، لذلك يجب عدم توقع أن تعالج المشكلات الاقتصادية و سائر المشكلات خلال مدة قصيرة.
و أوصى الإمام السيد علي الخامنئي رئيس الجمهورية المحترم و هيئة الحكومة التي ستنال الثقة من مجلس الشورى الإسلامي بالسعي الدؤوب، و لكن اجتناب التسرّع، منوّهاً: يجب بالاعتماد على البشائر المتنوّعة الموجودة في البلاد، و استخدام كل الإمكانيات، قطع الخطوات برسوخ و ثقة أكبر.
و لفت قائد الثورة الإسلامية إلى التعامل الخصامي لجبهة الأعداء و على رأسها أمريكا مع الشعب الإيراني مضيفاً: كما أشار رئيس الجمهورية المحترم إلى الحظر و سلوكيات الأعداء، فإن هذه السلوكيات سببت مشكلات للشعب، لكنها في الوقت نفسه منحت المسؤولين و الشعب تجارب و دروساً قيمة.
و اعتبر سماحته السعي لتمتين البنية و الاقتدار الداخلي للبلاد درساً كبيراً مستمداً من الضغوط الاقتصادية التي يفرضها الأعداء مؤكداً: يجب أن نزيد من اقتدارنا في الداخل ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، و لا يكون اعتمادنا على الخارج، و كل من يعتمد على الخارج سوف يُنزع سلاحه عند مواجهة الضغوط.
و اعتبر آية الله العظمى السيد الخامنئي حلّ القضايا الاقتصادية و استمرار التقدم العلمي ذا أهمية بالغة في تمتين البنية الداخلية، و قال مؤكداً: يجب متابعة هاتين القضيتين بكل جدّ.
و أيّد قائد الثورة رأي الدكتور روحاني بشأن التعامل بحكمة في العلاقات الدولية و القضايا السياسية مضيفاً: القضايا السياسية بدورها مهمة و يجب بالتأكيد أن تكون الأعمال حكيمة و عقلانية، و طبعاً لنا أعداء لا يفهمون لغة العقل، لكن من واجبنا على كل حال أن نتعامل مع الأمور و القضايا بشكل حكيم و متانة و تنبّه إلى أهداف النظام.
و استشهد سماحته بآيات قرآنية و اعتبر السبيل الوسط هو سبيل الإسلام مردفاً: لقد شخّص الإسلام الواجبات و طريق النجاح، و يجب علينا جميعاً أن نسعى لكسب رضا الله و أداء الواجب.
و لفت قائد الثورة: بعض الأعداء و منذ اليوم الأول لانتصار الثورة جعلوا و بكل صراحة القضاء على الثورة و محو النظام الإسلامي هدفهم المعلن، و لكن بعد مضي 34 سنة على ذلك اليوم لم يعجزوا عن زعزعة الجمهورية الإسلامية و حسب بل لم يستطيعوا أيضاً الحيلولة دون تقدم النظام.
و عدّ قائد الثورة الإسلامية الألطاف الإلهية و تواجد الشعب في الساحة و جهود المسؤولين الأرضية الممهدة لإخفاق العدو و تحقيق مزيد من النجاحات، منوّهاً: كل هذه النجاحات جاءت بفضل الالتزام بالإسلام و القيم الإسلامية و العمل بالتوجيهات و الخطوط الواضحة التي تركها الإمام الخميني الكبير للشعب.
و أوصى سماحته المسؤولين في السلطات التنفيذية و التشريعية و القضائية بالدرجة القصوى من التعاون لحل المشكلات مضيفاً: يجب بالاعتماد على الإمكانيات الكثيرة في البلاد عقد الهمم و العزائم على الأعمال الكبرى.
و أشار آية الله العظمى السيد الخامنئي في جانب آخر من حديثه إلى المشكلات الاقتصادية - السياسية في العالم الإسلامي و الأوضاع غير المستقرة في بعض بلدان المنطقة مردفاً: التواجد الظالم و الأجرامي للكيان الصهيوني الغاصب طوال الأعوام الـ 65 الأخيرة من جملة المشكلات التي استمرت بحماية بعض المستكبرين العالميين للأسف، و في مثل هذه الأوضاع التي تعيشها المنطقة و العالم تواصل الجمهورية الإسلامية طريق تقدّمها بمواقف واضحة.
و اعتبر آية الله العظمى السيد الخامنئي رئيس الجمهورية المنتخب شخصاً خرج ناجحاً من الاختبارات و من العناصر الخدومة القديمة للنظام الإسلامي منوّهاً: أنجز السيد روحاني في فترة الدفاع المقدس و في مجلس الشورى الإسلامي و المجلس الأعلى للأمن القومي أعمالاً و خدمات كبيرة، و اليوم حيث زادته أصوات الشعب فخراً سيكون بفضل و عون من الباري عزّ و جلّ باعث كثير من الخدمات الأخرى.
و طلب قائد الثورة الأسلامية من كل التيارات و الشخصيات السياسية المتنوعة و العناصر المتنفذة، مساعدة الدكتور روحاني و حكومته مؤكداً: نتمنى أن ينهض رئيس الجمهورية بواجباته الثقيلة على نحو جيد، و يلبّي توقعات الشعب على أحسن وجه.
كما شكر آية الله العظمى السيد الخامنئي السيد أحمدي نجاد و حكومته التي قامت بخدمات كثيرة و أعمال مهمة مضيفاً: ثمة أعمال كثيرة أخرى سوف تنجز إن شاء الله بهمّة المسؤولين و الشعب بشكل يدلّ على أن سياق التقدم في إيران لا يتوقف.
و تحدث في هذه المراسم أيضاً الدكتور حسن روحاني معتبراً أصوات ثقة الشعب الإيراني الكبير و توقيع حكم رئاسة الجمهورية من قبل قائد الثورة الإسلامية الإمام علي الخامنئي فخراً له و شكر الباري عزّ و جلّ مؤكداً: الحدّ الأدنى لتوقّعات الشعب من الحكومة الجديدة هو توفير الهدوء و الاستقرار في كل المجالات و معالجة الهموم و الصعاب و خصوصاَ على صعيىد الشؤون الاقتصادية و المعيشية.
موقع اسرائيلي: الجيش السوري يتجه للنصر من بوابة حلب
اقر موقع دبكا الاستخباراتي الاسرائيلي، الى أنه بعد ثلاثة أشهر من الانتصار في مدينة القصير الاستراتيجية، استولى الجيش السوري على مدينة حمص، الواقعة على بعد 162 كلم شمال شرق العاصمة دمشق.
وكشفت المصادر العسكرية والاستخباراتية لموقع دبكا الاسرائيلي أن مسلحي ما يسمى "كتائب الفاروق" فروا مذعورين من مدينة حمص على متن سيارات الجيب وشاحنات البيك أب المحملة بالمدافع المضادة للطائرات.
وفي أثناء فرارهم، دخلت دبابات الجيش السوري الى وسط حمص، والمدينة القديمة ومنطقة الخالدية ورفعوا صور الرئيس بشار الأسد.
واكدت دبكا أن "سقوط حمص، المعروفة بـ"عاصمة الثورة"، يفتح الطريق شمالاً أمام القوات السورية الى حلب، أكبر المدن السورية".
ورأى الموقع أن "السيطرة على مدينة حلب تمنح الاسد نصراً حاسماً في الحرب الأهلية ".
واشار دبكا الى أنه بعد سقوط حمص واقتراب موعد الهجوم على حلب، لم يعد أمام واشنطن وتل ابيب وأنقرة الوقت الكافي "للمرواغة حول موضوع التدخل في الصراع السوري"، "عليهم الآن اتخاذ قرار حرج إما إنقاذ حلب من هجوم الجيش السوري الذي يحدد مصير الحرب، أو الاستمرار في الوقوف جانبا".
ورأى الموقع الاسرائيلي أن "الأحداث الحاصلة تجاوزت مختلف تكتيكات التدخل التي عرضها الاسبوع الماضي قائد القوات الاميركية الجنرال مارتن ديمبسي والتي تكلف مليار دولار يوميا، لذلك، يجب أن تقرر ادارة أوباما بسرعة".
وقصف الجيش السوري مقر المسلحين في حلب بصواريخ أرض – أرض وأرض جو لتضعف مقاومتهم، فيما كانت مروحيات سلاح الجو السوري تضرب وحدات ما يسمى "حزب الاتحاد الكردي" المنتشرة على طول الحدود السورية التركية لمنعها من التوجه الى حلب.
أساتذة وعلماء بالأزهر يطالبون بإسقاط عضوية القرضاوي
كشف مصدر مسئول بالأزهر الشريف، أن المؤسسة تلقت طلبات من أساتذة الجامعة وبعض أعضاء مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، تطالب بإسقاط عضوية يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من هيئة كبار العلماء، على خلفية إساءة القرضاوي لأحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف وللهيئة.
وأشار المصدر، إلى أن هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ستعقد اجتماعا طارئا خلال الأيام المقبلة، لبحث عدد من الموضوعات الخاصة بالهيئة والقضايا الإسلامية الراهنة وموقف الهيئة بصددها، والرد على إساءة القرضاوي لشيخ الأزهر احمد الطيب.
وكان القرضاوي قد انتقد في بيان للجزيرة شيخ الأزهر في مواقفه الأخيرة، وطالب أعضاء هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية بمراجعة الطيب في مواقفه .
والقرضاوي، يشغل عضوية هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، برئاسة الطيب، وتعتبر أعلى هيئة إسلامية في مصر وتضم كبار العلماء بالأزهر.
وفي نفس السياق أوضح الدكتور عباس شومان أمين عام هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أن أعضاء الهيئة سيردون على هجوم القرضاوي عضو الهيئة على الطيب ومحاولة الإساءة إليه رغم حرص شيخ الأزهر على السعي لاستقرار الوطن والانحياز للشعب بعيدا عن أي مصالح حزبية أو شخصية.
من جانبه وصف الدكتور محمد مهنا، مستشار شيخ الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء، تصريحات يوسف القرضاوى بأنها إثارة للفتنة ومدعاة للضلال والإفساد في الأرض، لأنها من كبائر الأمور.
وأضاف مهنا: "كنا نتمنى من رجل بمكانة الشيخ القرضاوى، أن يقول كلمة حق ترض الله عز وجل، وتطفئ نار الفتنة التي تكاد أن تقضى على الأخضر واليابس، لا أن يزيد ن سكب الزيت على النار لإشغال نار الفتنة وإعطاء رخصة دينية للجاهلين وذوى الهوى من إراقة المزيد من الدماء وقتل النفس الأبرياء".
وطالب مهنا من القرضاوي أن يراجع نفسه تجاه الفتاوى الأخيرة التي أفتى بها، لأن قد حاد كثيراً عن قول الصواب".
من جهة أخرى، أوضح الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء، إنه لايصح إصدار أي فتاوى من شأنها إثارة الفتن والحث على فعل كبائر الذنوب، لأن قتل النفس من أعظم الذنوب التي عظمها المولى عز وجل بالإضافة إلى التفريق بين المصريين وتمزيق صفوفهم.
من جهته شن الدكتور محمد عبدالله نصر خطيب ميدان التحرير هجوما حادا على الشيخ القرضاوي بسبب فتواه بقتل جنود الجيش المصري دفاعا عن وجود جماعة مخطئة ينتمى لها.
وأضاف نصر: "ليس بغريب على القرضاوي الذي أفتى بالجهاد في سوريا وتنفيذ مخطط الغرب بتفتيت سوريا أن تخرج منه مثل هذه الفتاوى الغريبة".
ممنون حسين رئيساً لباكستان
عزّز انتخاب رجل الأعمال ممنون حسين رئيساً لباكستان من نفوذ رئيس الحكومة نواز شريف، لا سيما أن الرئيس الجديد هو من الشخصيات السياسية المقرّبة من الأخير. وبذلك أصبح حزب «الرابطة الإسلامية ــ جناح شريف» مهيمناً على الرئاسات الثلاث، بعدما فاز بـ177 مقعداً من أصل 342 مقعداً في الجمعية العامة (البرلمان) في انتخابات أيار الماضي، وتمكن من تشكيل الحكومة في بلد يعاني من ملفات شائكة، أبرزها أزمة الطاقة والاقتصاد واتساع نفوذ حركتي طالبان الأفغانية والباكستانية، وقضية النزاع مع الهند. وبحكم قرب شريف من الحركات الإسلامية التي يقوى نفوذها في إقليم البنجاب ومنطقة وزيرستان، فإن المرحلة المقبلة قد تشهد شهر عسل مع حركة طالبان باكستان
بانتخاب ممنون حسين رئيساً، يمكن الحديث عن دولة عميقة جديدة باتت في طور التشكّل في باكستان، البلد الواقع في جنوب آسيا، حيث تؤول الرئاسات الثلات الى حزب الرابطة الإسلامية ــ جناح نواز شريف (رئيس الحكومة)، بينما تبقى الكرة في ملعب الأخير للسيطرة على الوضع في إقليم وزيرستان المحاذي لأفغانستان، مع قدرته على اختراق الجيش بالضباط الإسلاميين الذين يرتبطون بشريف بعلاقات وطيدة، في بلد شهد ثلاثة انقلابات عسكرية منذ انفصاله عن الهند عام 1947.
فبعد خروج حزب الشعب الباكستاني الذي يتزعمه الرئيس الحالي آصف علي زرداري من المشهد لتراجعه في انتخابات أيار الماضي أمام حزب الرابطة الاسلامية، والذي تنتهي مدة رئاسته في أيلول المقبل، أصبح نواز شريف أكثر نفوذاً وسيطرة على مفاصل البلاد.
وكونه شغل منصب رئيس وزراء باكستان لولايتين غير متتاليتين، (1990ــ1993) و (1997ــ1999)، تمكن شريف من تشكيل ركيزة شعبية مهمة في صفوف المواطنين والجيش والقضاء، خصوصاً أنه ابن اقليم البنجاب الذي يستوعب أكثر من نصف سكان باكستان، وحيث تسود الحركات الإسلامية بشكل كبير، لهذا استطاع حزبه الذي يحمل عنواناً إسلامياً العودة بقوة الى البرلمان في انتخابات أيار 2013، ما مكّن الرجل من تشكيل حكومة في 4 حزيران الماضي، بعد أن نال 244 صوتاً في البرلمان.
فالحديث عن الرئيس الثاني عشر لباكستان ممنون حسين (73 عاماً) لا يمكن فصله عن دور شريف (64 عاماً) الذي أزاح زعيم حزب الشعب العريق، زرداري، زوج رئيسة الوزراء بنازير بوتو (اغتيلت في كانون الأول 2007)، بعدما انتشرت أخبار فساده الى حدّ وصفه في الصحافة بـ«السيد 10%». لكن المهم في الأمر أن حكومة زرداري هذه هي أول حكومة مدنية باكستانية تكمل فترة ولاية كاملة وتسلم إلى أخرى في صناديق الاقتراع.
أما حسين، فهو من إقليم السند، حيث العاصمة الاقتصادية للبلاد، كراتشي. جمع ثروته من عمله في قطاع النسيج، وتولى فترة وجيزة منصب حاكم إقليم السند الجنوبي في 1999، وشغل سابقاً منصب رئيس غرفة التجارة والصناعة في كراتشي.
انتُخب أمس رئيساً لباكستان في تصويت لأعضاء مجلس النواب وأعضاء مجالس الولايات الأربع (بلوشستان وخیبر والبنجاب والسند). وتقدم مرشح الرابطة الإسلامية من دون صعوبة على خصمه الوحيد في الاقتراع، قاضي المحكمة العليا المتقاعد وجيه الدين أحمد، الذي رشحه حزب حركة العدل (ثالث أكبر حزب في البرلمان). هذا الحزب يقوده لاعب الكريكت السابق عمران خان الذي تحوّل من رياضي الى سياسي. وبذلك تولى ممنون الرئاسة خلفاً لزرداري، صهر عائلة بوتو العريقة في حكم البلاد، والذي تنتهي ولايته الرئاسية في الثامن من أيلول. واللافت أن المحكمة العليا كانت قد قدّمت إلى 30 تموز موعد هذه الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في السادس من آب، الأمر الذي دفع حزب الشعب الى مقاطعتها. وبناءً على قرار المقاطعة هذا، سحب مرشّح حزب الشعب النافذ، عضو مجلس الشيوخ، رضا رباني، ترشيحه للانتخابات الرئاسية.
المراقبون وصفوا حسين بأنه من المقرّبين من شريف، وتوقّعوا أن يكون خير سند له في تعزيز نفوذ الحكومة وإقامة التوازن بين سلطة العسكر والمؤسسات السياسية.
ومعروف عن الرئيس الجديد أنه من أشد معارضي سياسات زرداري، وهو كان قبل ترشّحه للرئاسة أحد أهم اللاعبين السياسيين في كواليس المشهد.
وعشية الانتخابات، قال حسين أمام اجتماع لحزب الرابطة الاسلامية في العاصمة الباكستانية إسلام اباد، إن مقعد الرئاسة رمزٌ لفدرالية باكستان. وتعهد بخدمة البلاد وشعبها.
وصفه الرئيس الحالي لغرفة التجارة والصناعة في كراتشي، أزهر هارون، بأنه «لم يكن لديه انتماء سياسي حتى 1999، لكن حديثه المهذب وقدراته الاحترافية تركت انطباعاً لدى نواز شريف الذي عيّنه حاكماً للسند».
ويقول أنصار حسين إن انتخابه يمكن أن يحمل أهمية في الداخل بإعطاء الجنوب اهتماماً ما في الادارة الفدرالية التي تسيطر عليها البنجاب.
ورغم أن التعديلات الدستورية التي أقرّتها الحكومة الأخيرة لحزب الشعب الباكستاني تعني أن مقعد الرئاسة يصبح مرة أخرى مركزاً فخرياً، قد يغيّر احتلال حسين لهذا المركز الى جانب حليفه وزميله في حزب الرابطة شريف ورئيس مجلس النواب سردار اباز صادق، السياسة الداخلية والخارجية لإسلام آباد. ففي ظل هذه التطورات في كنف الدولة النووية الإسلامية، أصبح شريف الذي يلقبه أنصاره بـ«أسد البنجاب» مُطلق اليد في البلاد، لديه دعم رئيسي من الوسط حيث تتمركز القوى الاسلامية في إقليم البنجاب، والتي يحتاج إليها لتعزيز موقفه مع العدو التاريخي الهند، خصوصاً أن للإسلاميين في البنجاب نفوذاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً كبيراً. كذلك يحتاج شريف في المرحلة المقبلة الى إعادة نسج علاقات سوية مع طالبان باكستان وضبط الوضع في منطقة وزيرستان (شمال غرب) تمهيداً لعودة نفوذ باكستان الى أفغانستان. لذلك كان واضحاً منذ تسلمه رئاسة الحكومة في نيته التفاوض مع هذه الحركة المتشددة التي صنعتها في الأساس الاستخبارات الباكستانية.
وتركيز السلطة بيد شريف لا يعني امتيازات ممنوحة له فحسب، بل سيتمكن من إجراء الإصلاحات التي تحتاج إليها بلاده على المستوى الاقتصادي، ومحاربة الفساد المُستشري في دوائر الدولة، وقد ينجح في تشكيل الدولة العميقة الأقرب إلى توجهات حزبه في فترة قياسية، ليصبح «أسد باكستان» بمجملها.
اقتحام سجن وإطلاق مئات النزلاء
اقتحم مقاتلون من طالبان متخفّين في زي الشرطة ومسلحين بقنابل وقذائف صاروخية سجناً في باكستان، وأطلقوا سراح 250 سجيناً، في هجوم وقع أول من أمس على السجن المركزي الذي يخضع لحراسة مشددة في مدينة ديرا إسماعيل خان، رغم تقارير عن أن مسؤولين محليين تلقّوا معلومات استخبارية قبل 14 يوماً تشير الى أن مثل هذ الهجوم وشيك.
وقالت طالبان الباكستانية إنها أرسلت فريقاً من 100 مقاتل وسبعة مهاجمين انتحاريين في مهمة للإفراج عن بعض كبار زعمائها، مضيفة أنهم أفرجوا عن 250 سجيناً، وهو عدد يساوي تقريباً العدد الذي تحدثت عنه السلطات الباكستانية المحلية.
واستمر القتال حتى الساعات الأولى من صباح أمس، حيث دوّت أصوات الانفجارات ونيران الأسلحة الآلية في المدينة التي تقع في إقليم خيبر بختون خوا، المتاخم لأفغانستان.
الإمام الخامنئي يستقبل مجموعة من الطلبة الجامعيين في لقائه الرمضاني السنوي بهم
التقى نحو ألف طالب جامعي من مختلف الجامعات و مراكز التعليم العالي عصر يوم الأحد 28/07/2013 م لقاء صميمياً صريحاً مع سماحة قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي، و أعربوا عن وجهات نظر شرائح الطلبة الجامعيين في مختلف الموضوعات العلمية و الجامعية و الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية.
في هذا اللقاء الذي استمر من الساعة الخامسة عصراً إلى موعد صلاتي المغرب و العشاء، تحدث 12 طالباً جامعياً من ممثلي التنظيمات و الاتحادات الطلابية مفصحين عن قضاياهم و همومهم و مطاليبهم و مواقفهم.
و أجاب سماحة آية الله العظمى السيد الخامنئي عن بعض الأسئلة المطروحة في كلمات الطلبة الجامعيين، و أشار إلى بعض النقاط حول الموضوعات و النقاط المطروحة، و أوضح طبيعة العلاقة بين و المُثُل و الواقع، و تطرّق كذلك إلى واجبات شريحة الطلبة الجامعيين، و سبل إيجاد و مضاعفة النشاط و الحراك الحقيقي في الجامعات.
و شكر سماحته الباري عزّ و جلّ على لقائه بهذه الجماعة المخلصة و الصميمية و المتوثبة من الطلبة الجامعيين، معتبراً النقاط و الآراء المذكورة في هذا اللقاء من قبل الطلبة الجامعيين في غالبها ناضجة و مدروسة و جيدة جداً، و أوصى الأجهزة المختلفة بدراسة سبل تحقيق اقتراحات الطلبة الجامعيين.
و في معرض إجابته على طالب جامعي طالب بتبيين معنى الاعتدال، أوضح قائد الثورة الإسلامية: رئيس الجمهورية المنتخب الذي رفع هذا الشعار سوف يعرب بالتأكيد عن المعنى و المفهوم الذي يقصده من شعار الاعتدال.
و أشار آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى كلام طالب جامعي آخر حول التعامل الصحيح مع حكومة رئيس الجمهورية المنتخب، مردفاً: كما جرى التأكيد بخصوص كل الحكومات، يجب دعم هذه الحكومة أيضاً و مساعدتها.
و أضاف قائلاً: البعض يقولون إذا كانت الحكومة على هذا النحو أو ذاك نساعدها، و إلّا سننقدها. إنني لا أعارض النقد، و لكن أولاً النقد يختلف عن تسقّط العثرات، و ثانياً يجب أولاً منح الفرصة للعمل و السعي و التحرّك.
و عدّ سماحة الإمام الخامنئي عمل السلطة التنفيذية صعباً و عسيراً بحق، منوّهاً: ما من أحد ليس في نقطة ضعف، لذلك يجب عدم رفع سقف التوقعات بنحو يخرج عن القدرات المنطقية للأشخاص.
و ألمح قائد الثورة الإسلامية إلى ضرورة أخذ مشكلات البلاد و حقائقها بنظر الاعتبار، مردفاً: لتتعاضد القوى السياسية و العملية و الجامعية الناشطة ليمكن بفضل من الله التقدم بالأعمال و الأمور إلى الأمام.
و كان طالب جامعي آخر قد تحدث عن بروز حالات كدر بين الطلبة الجامعيين بسبب اختلافات في التحليلات السياسية و الاجتماعية.
و قد أكد آية الله العظمى السيد علي الخامنئي على تجنّب تبديل الاختلاف في وجهات النظر إلى كدر و خصومات، قائلاً: إنني أطلب بكل جدّ من الطلبة الجامعيين الأعزاء و أنصار الأذواق المختلفة بأن لا يسمحوا بتحوّل اختلاف وجهات النظر في التحليلات و التصورات و التفاسير إلى أحقاد و عداء.
و أضاف سماحته في هذا الصدد: حسب توصية الإمام الخميني، كونوا كطلبة العلوم الدينية حيث هم جادون تمام الجد عند مباحثة دروسهم، لكنهم في سائر الأوقات أصدقاء و رفاق و أصحاب لبعضهم.
و ألمح قائد الثورة الإسلامية إلى النقاط التي طرحها بعض الطلبة الجامعيين حول فتنة عام 1388 هـ ش قائلاً: في دراسة تلك الأحداث المريرة، يلوح أن القضية الأصلية و الأساسية هي خرق القانون و السلوك غير النجيب لجماعة وقفت بوجه السياق القانوني، و وجّهت لإيران العزيزة ضربات و خسائر.
و أردف سماحته قائلاً: طبعاً على هامش و جوانب حدث كبير، قد تكون وقعت أمور ظُلم فيها شخص أو كان ظالماً، و لكن يجب عدم ضياع القضية الأصلية بذريعة هذه الأمور.
و في هذا المضمار طرح سماحته السؤال الأساسي: لماذا عمد أدعياء التلاعب في انتخابات سنة 88 في مواجهتهم للقضية إلى التحشيدات الشوارعية؟!
و لفت قائد الثورة الإسلامية: مرات و مرات طرحنا هذا السؤال لا في المحافل العامة بل بشكل يمكن الإجابة عنه، فلماذا لا يجيبون إذن، و لماذا لا يعتذرون؟
و أضاف آية الله العظمى السيد الخامنئي: يقولون في جلساتهم الخاصة إنه لم يحصل تلاعب و غش، إذن لماذا تسببتم للبلاد بكل تلك الخسائر، و أخذتموها إلى حافة الهاوية؟
و أشار سماحته إلى الأوضاع المضطربة و الدامية لبعض بلدان المنطقة ملفتاً: أتعلمون أنه لو لا معونة الله سبحانه و تعالى في فتنة سنة 88 ، و لو كانت قد اشتبكت المجاميع الجماهيرية في ما بينها، ماذا كان سيحلّ بالبلاد؟ لكن الله طبعاً لم يشأ ذلك، و أبدى الشعب عن نفسه البصيرة اللازمة.
و في معرض إجابته عن طالب جامعي آخر، اعتبر الإمام علي الخامنئي «التشدّد» بمعنى الجدّ و المقاومة المنطقية في البحث و النقاش أمراً مقبولاً، لكنه أكد قائلاً: إذا كان المراد بالشدة و التشدّد المعارضة المصحوبة بالعنف و القوة فأنا أعارض ذلك تماماً.
و أيّد قائد الثورة الإسلامية رأي طالب جامعي آخر بخصوص ضرورة الإشراف على كل السلطات و الأجهزة بما في ذلك مجلس الشورى الإسلامي، و السلطة القضائية، و مؤسسة الإذاعة و التلفزيون، لكنه لفت قائلاً: كيفية الإشراف على مجلس الشورى الإسلامي و الجهاز القضائي قضية مهمة بوسع الناشطين من الطلبة الجامعيين العمل عليها بطريقة ناضجة و تقديم اقتراحاتهم.
و تابع قائد الثورة الإسلامية حديثه بطرح عدة أسئلة و الإجابة عنها، مطالباً بالبحث الدقيق في الجامعات بخصوص هذه الموضوعات.
و كان السؤال الأول حول العلاقة بين الطالب الجامعي و العناصر الثورية و بين مبادئ الثورة؟ و في إطار الإجابة عن هذا السؤال تحدّث قائد الثورة الإسلامية أولاً عن مبادئ الثورة و علاقتها بواقع المجتمع.
كما ذكّر قائد الثورة الإسلامية بنقطة فحواها أن تحقيق مبادئ الثورة و أهدافها غير متاح من دون قوى الشباب و نشاطهم و جرأتهم و اقتحاميتهم.
و أضاف سماحته: على هذا الأساس يجب أن يؤخذ دور الشباب في تحقيق أهداف الثورة و مبادئها مأخذ الجد، لأنني أعتقد أن بمقدور الشباب حلّ العقد و معالجتها.
و بعد هذه المقدمة تطرق آية الله العظمى السيد الخامنئي لتبيين و عرض مبادئ الثورة الإسلامية و أهدافها، قائلاً: للنظام الإسلامي منظومة من المبادئ و الأهداف يجب السعي للوصول إليها، لكن لهذه المبادئ تراتبيتها و درجاتها المختلفة في الأولوية.
و عدّ سماحته الوصول إلى مجتمع عادل و متقدم و معنوي من المبادئ الأصلية للنظام الإسلامي و التي تصنف على مبادئ الدرجة الأولى للثورة، و نوّه في معرض شرحه لهذا المبدأ: المجتمع العادل مجتمع يتصرّف فيه المسؤولون بشكل عادل و يتعامل فيه الناس أيضاً بنحو عادل مع بعضهم. مضافاً إلى أن هذا المجتمع متقدم في الميادين العلمية و السياسية و الحضارية، و مستفيض أيضاً على الصعيد الروحي و المعنوي.
و أكد قائد الثورة الإسلامية على أن تحقيق مثل هذا المبدأ و الهدف ممكن تماماً، و قد أنجزت على هذا الصعيد لحد الآن الكثير من الأمور، و أردف قائلاً: مثل هذا المجتمع سيكون نموذجياً للبلدان الإسلامية و غير الإسلامية.
و أشار آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى مجموعة من مبادئ النظام الإسلامي التي تأتي في ترتيبها بعد هذا المبدأ الأصلي، قائلاً: الاقتصاد المقاوم، و السلامة و الصحة في المجتمع، و الصناعة المتطورة، و الزراعة المتقدمة، و التجارة المزدهرة، و العلوم المتفوقة، و النفوذ الثقافي و السياسي في العالم، تقع كلها في منظومة مبادئ النظام الإسلامي، و هي ممكنة التحقيق.
و كان السؤال الثاني الذي طرحه قائد الثورة الإسلامية أمام جماعة الطلبة الجامعيين عن العلاقة بين المبادئ و الواقع؟
و قال آية الله العظمى السيد الخامنئي: الحظر الاقتصادي مثلاً واقع، و من ناحية أخرى التقدم الاقتصادي أحد مبادئ الثورة و طموحاتها. و السؤال الآن: كيف يمكن التوفيق بين التقدم الاقتصادي و واقع مثل واقع الحظر؟
و أكد سماحته: في موضوع العلاقة بين النزعة المبدئية و النزعة الواقعية، نؤيد تماماً النزعة المبدئية و كذلك النظر للواقع و الواقعيات.
و لفت قائد الثورة الإسلامية قائلاً: المبدئية من دون رؤية الواقع تؤدّي إلى نوع من الخيال و الأوهام، و طبعاً يجب التمييز بين الواقع و ما يُحاول الإيحاء به على أنه واقع.
و أوضح سماحته أن من الأساليب الدارجة في الحرب النفسية الإيحاء بواقع غير واقعي، مؤكداً: من فاعليات البصيرة و ثمارها أن يرى الإنسان الواقع كما هو، و لا يقع في الخطأ.
و بيّن قائد الثورة الإسلامية أن من أساليب الحرب النفسية تضخيم بعض الواقعيات بشكل كبير جداً و تجاهل واقعيات أخرى، مردفاً: كنموذج لذلك، من الأمور الواقعية أن مجموعة من نخبة البلاد تخرج إلى الخارج، و لكن ثمة إلى جانب ذلك واقع آخر هو الزيادة الملحوظة في عدد الطلبة الجامعيين النخبة، و لكن في الإعلام يجري تضخيم الواقع الأول و تجاهل الواقع الثاني تجاهلاً تاماً.
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي كاستنتاج لهذا الموضوع: الناشط المبدئي من الطلبة الجامعيين و الذي ينظر للواقع أيضاً، لا يشعر بالانفعال أبداً لا في ظروف الانتصارات الحلوة، و لا في ظروف الهزائم المُرّة، و لا يعتريه اليأس و الشعور بأن الطريق أمامه طريق مسدود، ففي النزعة المبدئية الصحيحة و النزعة الواقعية لا توجد طرق مسدودة.
و لفت قائد الثورة الإسلامية: توقعي من الطلبة الجامعيين الأعزاء أن يسعوا دائماً و في كل الظروف نحو المبادئ بنظرة واقعية.
و طرح آية الله العظمى الخامنئي سؤاله الثالث على النحو التالي: «ما هي العلاقة بين التكليف و النتيجة؟» و في معرض إجابته عن هذا السؤال أشار سماحته إلى جملة معروفة للإمام الخميني (رض) حيث يقول: «إننا نعمل بتكليفنا و واجبنا» مضيفاً: هل تعني هذا الجملة أن الإمام الخميني بكل ما تحمّله من صعاب و جهود على مدى سنوات طويلة، لم يكن يهتم للنتائج؟ لا مراء أن الأمر لم يكن كذلك.
و قال قائد الثورة الإسلامية: نزعة التكليف الصحيحة هي أن يعمل الإنسان بتكليفه و واجبه في سبيل الوصول إلى النتيجة المطلوبة، و يتجنّب الأعمال غير المشروعة و المضادة للتكليف.
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي: الإنسان الذي يعمل بواجبه من أجل الوصول للنتيجة، حتى لو لم يصل للنتيجة فلن يشعر بالندم و الخسارة.
و قال سماحته ملخصاً هذه الفكرة: نزعة التكليف لا تتنافى أبداً مع السعي لتحقيق النتائج المرجوّة.
ثم تطرق قائد الثورة الإسلامية لموضوع «ضرورة توفر أجواء النشاط و الحراك و الحيوية في الجامعات».
و لفت الإمام الخامنئي قائلاً: هذه الفاعلية و الحيوية يجب أن تظهر في البيئة الجامعية و في شتى المجالات العلمية و الاجتماعية و السياسية.
و أوضح سماحته بأن الجامعة بيئة باحثة و متطلعة في مختلف قضايا البلاد الكبرى و الشؤون السياسية، مضيفاً: البحث و التحليل و الفهم الصحيح للقضايا الداخلية و الدولية المختلفة من سبل توفير الحراك و النشاط في الجامعات.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامية معرفة القضايا الأصلية و تمييزها عن المسائل الفرعية، و عدم الانشغال بالقضايا التي لا تتمتع بالأولوية، من الأمور الأخرى التي توفر أرضيات الحيوية و الحراك في الجامعات.
و استطرد قائلاً: بمستطاع الأجواء الجامعية و الطلابية عن طريق النقاشات و البحوث الزاخرة بالحيوية و الحراك، مساعدة مسؤولي الدولة في تشخيص الأولويات بشكل صائب.
و في معرض بيانه للمصاديق التي أن تشكل في الجامعات محاور للبحوث الحقيقية الباعثة على الحيوية و النشاط، أشار السيد القائد لموضوع الملحمة الاقتصادية.
و أضاف يقول: الملحمة الاقتصادية من جملة القضايا المصيرية التي بوسع الطلبة الجامعيين دراسة حدودها و آلياتها بدقة و عمق، و المساعدة بذلك في تقدم البلاد.
و ألمح آية الله العظمى السيد الخامنئي: طبعاً الملحمة الاقتصادية ليست قضية تؤتي ثمارها في غضون عدة أشهر، إنما هي حركة طويلة الأمد يجب البدء بها في هذه السنة.
و اعتبر سماحته الاقتصاد المقاوم، و أسلوب الحياة، من الموضوعات الواقعية الأخرى التي يمكن لدراسة أبعادها و جوانبها المختلفة ضخّ دماء جديدة في جسد الأجواء الطلابية و الجامعية.
و دعا قائد الثورة الإسلامية الأجواء و المحافل الطلابية الجامعية لدراسة «الصحوة الإسلامية» دراسة عميقة، و البحث في تداعياتها على بلدان المنطقة، مؤكداً: الصحوة الإسلامية ظاهرة مهمة جداً لا تزول بالمضادات الاستكبارية.
و أشار سماحته إلى الأحداث الجارية في بعض بلدان المنطقة مردفاً: تدل هذه الأحداث على عمق الصحوة الإسلامية في هذه البلدان، و لكن بسبب عدم إدارة الأمور بشكل صحيح و ارتكاب بعض الممارسات الصبيانية، نرى أن أوضاع بلد مصر الكبير اليوم مؤلمة جداً.
و أضاف آية الله العظمى السيد الخامنئي: بمقدور التنظيمات و المحافل الطلابية الجامعية ببحوثها العميقة حول «سياق الصحوة الإسلامية، و الخنادق الطويلة للاستكبار مقابل هذه الظاهرة، و الأخطاء التي ارتكبت في بلدان المنطقة، و مقارنة أحداثها بسياق استقرار و استمرار الجمهورية الإسلامية في إيران»، تقديم خدمة لبلادها و شعبها.
و عدّ قائد الثورة الإسلامية دراسة و شرح العمق الاستراتيجي للنظام الإسلامي من الموضوعات الأخرى التي بوسعها المساعدة على تكريس الحراك و النشاط الفكري في الجامعات.
و لفت سماحته قائلاً: النظرة الواقعية لأوضاع المنطقة تشير إلى أن بعض الأمور عامل متانة للنظام الإسلامي، و دليل على العمق الاستراتيجي للجمهورية الإسلامية.
و أضاف آية الله العظمى السيد الخامنئي: الهدف من الكلام الصريح للإمام الخميني حول الخلايا الثورية خارج البلاد هو تشكيل هذا العمق الاستراتيجي الذي يحاول الاستكبار اليوم محاربته بتخبّط و اضطراب، لكنه لن يصل إلى نتيجة.
و لفت قائد الثورة الإسلامية إلى مساعي أعداء الإسلام الرامية إلى بث الخلافات و العداء بين الشيعة و السنة مردفاً: يوجّهون الضربات للشيعة في مختلف المناطق لأنهم يتصورون أن الشيعة هم الأرضية الطبيعية للجمهورية الإسلامية، لكن الأعداء لا يعلمون أن الإخوة من أهل السنة في الكثير من البلدان يدافعون عن النظام الإسلامية بشدة أكبر.
و أكد قائد الثورة الإسلامية ملخصاً هذا الجانب من حديثه: «القضايا السياسية - الاجتماعية المتعلقة بواقع الحياة» يمكنها أن تؤدي إلى حراك الجامعات و نشاطها و توثبها، و تقديم نتائج الأبحاث للمسؤولين كنتاجات علمية.
و تابع الإمام الخامنئي حديثه معتبراً الجهود و المساعي العلمية ساحة أخرى لزيادة النشاط الحقيقي في الجامعات.
و أضاف قائلاً: الحاجة العلمية من الحاجات الأساسية و الأولى لأيّ بلد من البلدان، و يجب أن نسعى لمواصلة سياق التقدم الذي تحقق في الأعوام العشرة الأخيرة بشكل مضاعف.
و عدّ قائد الثورة الإسلامية التطور العلمي حلالاً للمشكلات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية مؤكداً: يجب النهوض بالعمل و التقدم العلمي في الجامعات و البلاد على نحو جهادي.
و في ختام حديثه دعا سماحته الطلبة الجامعيين لمضاعفة تواصلهم مع الأساتذة المتدينين، و تعزيز ارتباطهم بالمراجع الفكرية الموثوقة و السليمة، و رفع مستوى بحوثهم و دراساتهم الفكرية.
شبح الدماء يخيّم على «رابعة»
تتجه مصر نحو احتمال الانفجار الأكبر في تاريخها بين جماعة «الإخوان المسلمين» من جهة، ومعارضيها والجيش المصري من جهة ثانية. وذلك بسبب إصرار قيادة الإخوان في مصر والخارج على المواجهة وعدم القبول بخريطة الطريق التي أقرها الجيش بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، بالتحالف مع قوى مصرية معارضة لحكم الإخوان. ويبدو أن قرار قيادة الإخوان يتجاوز الحسابات الداخلية المصرية، إذ إن جميع قيادات الحركة الأكثر عراقة في التيارات الإسلامية العربية، والأكثر انتشاراً، تدفع باتجاه «عدم السماح بإقصائهم من جديد عن الحكم بعد عقود طويلة من النضال للوصول الى المواقع الرئيسية فيه» على ما يقول مصدر متابع. ويضيف إن الخشية تتعلق بالمسرح المصري، حيث يكثر الحديث بين قيادات الإخوان عن حملة اضطهاد جديدة، لكن الخشية هي من أن تكر السبحة على عواصم عربية أخرى في المغرب العربي، وأن تنتقل العدوى الى تركيا والعراق. ومن الجانب الآخر، يبدو أن قيادة القوات المسلحة المصرية أخذت تفويضاً كاملاً من قوى المعارضة السياسية وقبل تظاهرات حركة «تمرد» بالتعامل مع معارضة الإخوان لخريطة الطريق بالأسلوب المناسب، بما في ذلك العمل على منع «نشوب حرب أهلية متنقلة بسبب قرار الإخوان الاستمرار بشل الحياة العامة من خلال الاعتصامات والمسيرات». إن جميع المؤشرات تدل على أن القوات المسلحة المصرية في صدد اللجوء الى «إجراءات قاسية ضد الإخوان في حالة عدم الخروج من الشارع خلال الأيام القليلة المقبلة»
وجهت وزارة الداخلية رسائل شديدة الى مناصري «الإخوان المسلمين»، وطلبت منهم فض الاعتصامات، والا فمواجهة القوة الضاربة، رغم المجزرة التي وقعت فجر أول من أمس، وسط استنكار القوى السياسية والدينية التي طالبت بالتحقيق. واستفاق المصريون عقب مليونية «التفويض» التي دعا إليها قائد الجيش الجمعة على مجزرة راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى، بعدما وقعت اشتباكات بين الشرطة ومناصري الرئيس المعزول محمد مرسي. واعلن مسؤول رفيع المستوى في وزارة الصحة المصرية أن الاشتباكات في مدينة نصر أدت الى 72 قتيلا واكثر من 400 جريح.
وبدأت الاشتباكات بعد منتصف ليل الجمعة ــ السبت عندما حاولت مجموعة من المتظاهرين المناصرين لمرسي، قطع مطلع جسر «٦ اكتوبر»، الحيوي الذي يربط شمال وشرق القاهرة بوسطها وجنوبها. وبحسب شهود عيان، فان الشرطة و«البلطجية» اطلقوا الرصاص الحي والخرطوش على المتظاهرين الاسلاميين.
وفي وقت لاحق، وقعت اشتباكات بين معارضين ومؤيدين لمرسي، في مدينتي بورسعيد (شمال شرق) وكفر الزيات (شمال)، ادت إلى مقتل شخصين بطلق ناري واصابة ٢٨ آخرين بجروح.
ويبدو أن السلطات تصر على التعامل مع تظاهرات «الإخوان» بالقوة وبقبضة حديدية، حيث أعلن وزير الداخلية محمد ابراهيم في مؤتمر صحافي، أنه سيُفَض اعتصاما الاسلاميين في القاهرة في «القريب العاجل» و«بأقل قدر من الخسائر». وقال «نتمنى ان يتعقلوا وان يفضوا هذا الاعتصام قبل ان نفضه بالقوة حفاظا على الدم».
كذلك اتهم الوزير أنصار جماعة «الإخوان» «بافتعال واقعة (الاشتباكات الدامية) لاستثمارها سياسيا». واضاف إن قوات الشرطة «كانت حاضرة في شارع النصر وبينها وبين ميدان رابعة العدوية، حيث الاعتصام، مسافة كبيرة، ولم تتقدم القوات نحو المعتصمين، بل هم الذين تحركوا حتى مكان القوات من اجل ان يستثمروا ذلك سياسيا».
كما كشف إبراهيم عن إعادته إدارات مكافحة التطرف ورصد النشاط السياسي والنشاط الديني التي تم إلغاؤها بعد ثورة 25 يناير، مشيراً إلى أن حركة تشكيلات الضباط، بينهم ضباط جرى استبعادهم، ستعلن الإثنين المقبل.
وحول وضع الرئيس المعزول، قال ابراهيم إن من يملك قرار إيداع مرسي في السجن هو قاضي التحقيق، لافتاً إلى أنه من المتوقع أن يودَع في أحد سجون طرة، بحيث يكون مؤمناً جيداً.
وفي حفل تخريج دفعة جديدة من طلبة كلية الشرطة، وصف وزير الداخلية عن وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، بأنه «ابن مصر البار الذي حمى مصر من خطر يعلم الله وحده مداه».
بدوره، ندد الامام الاكبر لجامع الازهر الشيخ احمد الطيب، بما جرى، وقال في بيان إن «الازهر الشريف، وقلبه يتمزق الماً بسبب تلك الدماء الغزيرة التي سالت على ارض مصر اليوم، يستنكر ويدين بقوة سقوط هذا العدد من الضحايا»، مطالبا «الحكومة الانتقالية بالكشف فورا عن حقيقة الحادث من خلال تحقيق قضائي عاجل وانزال العقوبة الفورية بالمجرمين المسؤولين عنه مهما كانت انتماءاتهم او مواقعهم».
كذلك أكد نائب الرئيس المؤقت للعلاقات الدولية محمد البرادعي، أنه «يدين بكل قوة الاستخدام المفرط للقوة وسقوط الضحايا». وقال «أعمل بكل جهد وفي كل اتجاه لانهاء المواجهة بأسلوب سلمي».
وعبرت جبهة الانقاذ الوطني المصرية عن «الحزن» على مقتل عدد كبير من المصريين في القاهرة، منددة في الوقت نفسه بجماعة الاخوان المسلمين لاستمرارها في «نهج عدائي تحريضي»، ومطالبة بتحقيق قضائي مستقل في الاشتباكات.
من جهتها، أعلنت حملة «تمرد» رفضها الحديث عن عودة حالة الطوارئ أو عودة إدارة لمكافحة النشاط الديني والسياسي في وزارة الداخلية، كما ورد عى لسان وزير الداخلية، وعدته «حديثاً مرفوضاً ويعارض مبادئ ثورة 25 يناير، التي كانت الحرية أحد أهم مطالبها». وقال مؤسس الحملة، محمود بدر، «إنها وإن كانت تدعم خطوات الدولة المصرية وأجهزتها في مكافحة الإرهاب، إلا أنها سبق أن أكدت أن هذا الدعم لا يشمل أي إجراءات استثنائية أو مناقضة للحريات العامة وحقوق الإنسان».
في المقابل، اتهم المرشد العام للإخوان، محمد بديع، السيسي بارتكاب مجازر «لم نر مثلها إلا على يد الصهاينة الأعداء الألداء، وأيضا على يد عملائهم الخونة». وقال عن السيسي إنه «تفوّق على فرعون الذي كان يقتل الأبناء ويستحي النساء، بعدما قام السيسي وجنوده بقتل الكل». وأضاف إن «المعركة الآن تدور بين الحق والباطل»، وإن الخيار بات بين «إما حكم الحرية والديموقراطية والكرامة التي تحملنا فيها لمدة سنة كاملة اتهامات باطلة، وبذاءات وحرقاً وتدمير ممتلكات وتضليلا إعلاميا أساء استخدام حريته، ولم يسجن أحد ولم يدافع عنا حتى واحد، وإما البديل الآن قتل ودماء وصوت واحد وتكميم أفواه وإغلاق قنوات وتلفيق تهم، وسجن واعتقال لقيادات إسلامية وسياسية».
وأشار المرشد إلى «الأصابع الصهيونية باللعب في دول الربيع العربي بنفس السيناريو الذي جربوه في مصر، وظنوا أنه يحقق إسرائيل الكبرى»، مشيرا إلى أنهم «يسلطون بعض القتلة في ليبيا وتونس ليغتالوا نشطاء سياسيين معارضين للتيار الإسلامي، وبعدها مباشرة يبدأ حرق المقارّ ومحاولات إبعاد الإسلاميين وإحلال غيرهم مكانهم».
وفي ظل هذه الأجواء المشحونة، وجه رئيس حزب مصر القويةعبد المنعم أبو الفتوح، نداءً إلى المعتصمين في ميداني رابعة العدوية والنهضة بالاحتكام إلى المنافسة السياسية، لأن الموضوع ليس معركة بين الإسلام والكفر.
وفي سيناء، أعلن مصدر أمني مقتل عشرة مسلحين «ارهابيين وإلقاء القبض على عشرين آخرين في الـ 48 ساعة الاخيرة في شمال سيناء، بحسب ما نقلت وكالة انباء الشرق الاوسط».
الخالدية: معركة على أسوار «سيدي خالد»
يمسك الضابط قلم تلوين أحمر. يقف أمام الخريطة العسكرية لحيّ الخالدية المشتعل وسط حمص. في يده الأُخرى يحمل مؤشراً معدنياً يستخدمه في شرح الخطط لبقية العسكريين. بفرحة يظلّل بقعة صغيرة وسط الخريطة بلون أحمر فاتح، كناية عن التقدّم البرّي الجديد. بالاقتراب قليلاً من الخريطة تلمح كلمات كتبت وسط البقعة الصغيرة: «جامع خالد بن الوليد»
حمص | رغم الأحاديث المتكررة عن قرب انتهاء العمليات العسكرية في المنطقة الوسطى في حمص، وهزيمة المعارضة المسلحة منذ ما بعد انتصار القصير وبدء الإعداد لإعادة الإعمار، يبدو أنّ الانتظار لن يكون قصيراً على أعتاب جامع خالد بن الوليد كي يعلن الجيش السوري انتصاراً حقيقياً في الخالدية. ومع تسجيل عناصر الجيش السوري دخولاً إلى المسجد والخروج منه، واعتبار الضباط تقدّمهم هذا نصراً أولياً قاهراً لغرفة عمليات المسلحين العصية في الخالدية، إلا أنّ الواقع الميداني يقول إنّ الجامع يرزح الآن تحت السيطرة النارية للمعارضة المسلحة.
الضابط المختص في غرفة عمليات الجيش السوري وسط حيّ الخالدية يشرح توزّع الجيش السوري المسيطر على معظم أحياء الخالدية وحمص القديمة. بالأحمر تتبيّن الكتل التي سيطر الجيش عليها أخيراً، بالأحمر الغامق تلمح المناطق التي ثبّت الجيش قواته فيها وسيطر عليها منذ مدّة. أما بالأحمر الفاتح، فتجد مناطق ملونة حديثاً، وهي صغيرة نسبياً، بين المساحات السابقة والمساحات غير الملوّنة التي يسيطر عليها مسلّحو المعارضة، وهي ترمز إلى المناطق التي عادت إلى سيطرة الدولة خلال اليومين الأخيرين. المساحات غير الملوّنة تبدو وسط الخريطة على شكل مستطيل طولي مفتوح على بساتين ومزارع تؤدي إلى منطقة الوعر، حيث تتركز أعداد كبيرة من المسلحين. يضيق المستطيل، تدريجاً، في المنتصف. وفي منتصفه تماماً الجامع. كتلة جديدة هي التي سيطر عليها الجيش السوري، وجرى تلوينها سريعاً إثر دخول عناصر الجيش إلى وسط الجامع. من جورة الشياح، تتقدم قوات الجيش السوري ببطء باتجاه الجامع أيضاً. القوات هُناك قليلة، لا تقارن بحجم القوات من جهة الخالدية، إلا أن إحراز التقدم ضمن كتلة تضم بضعة جدران، جدير بالذكر على اعتبار أن المعركة هُناك أشدّ صعوبة، بسبب تثبيت الطرفين المتحاربين عسكرياً، كلّ ضمن كُتله. «الصلاة الليلة في جامع سيدي خالد»، عبارة يقولها أحد العسكريين. ضابط يقف بالقرب منه، ويرفع حاجبيه بطريقة يُستنتَج منها أن الأُمنية ما زالت سابقة لأوانها، إذ إنّ جولة ميدانية خطرة تثبت ذلك سريعاً. يبادر الضابط إلى القول: «قد تكون الصلاة في الجامع غداً أو بعد غد». يصمت الآخرون أمام العبارة المتعقلة.
سقط الجامع... لم يسقط الجامع
مفارق مفتوحة المجال أمام القنص في شوارع الخالدية المتهدّمة. الركض مقابل الفتحات يحتاج إلى خفض الرأس طوال الوقت، ما يسبب الكثير من الإرهاق، ويجعل احتمال الخطر أكبر. العبور إلى المنطقة المطلوبة باستخدام مدرّعة هو الحلّ الأسلم. المدرّعة تعبر فوق الأحجار التي خلّفها الدمار وتجعل إمكانية الإصابة برصاص القناص معدومة، إنما الحرّ الخانق داخلها يفتح الاحتمالات على قذيفة مشؤومة، تشعل المعدن وتحيل من بداخلها إلى جثث ملتصقة بجدران المدرعة. الوصول إلى الكتلة الأخيرة، حيث سيطر الجيش على الحديقة الخلفية للجامع. «سقط الجامع»، عبارة تسمعها وتسمع نفيها مرات عدة. الحديقة الخلفية مكشوفة على النيران كسائر زوايا الجامع. يلوح الجامع واقفاً على حاله. بضعة قذائف أصابت قبابه، لكنه لا يزال قائماً بما يرمز إليه من بعد ديني وعسكري. لا نيّة للجيش السوري بالقصف المباشر. الأمر يبدو واضحاً من مجرّد محاولة الاقتحام براً، والإصابات المباشرة التي تصيب محيطه. مصدر ميداني يخالف الكلام السابق عن أن الجيش السوري يريد شخصيات محددة، ممن يتحصنون داخل الجامع، على قيد الحياة. كلام المصدر يبدو واقعياً أكثر من الإيمان بأن الدولة السورية تحرص على الحفاظ على جامع يستخدم كواحدة من أشرس غرف العمليات العسكرية الناشطة ضد الدولة في المنطقة الوسطى. المعركة على أبواب الجامع تكلّف الكثير من الدماء. الجرحى يقدرون بالعشرات. شهيد سقط برصاص قناص. لا أحد سيهتم لخبر استشهاد «المتطوّع كرم» الذي وصل إلى أرض القتال منذ أسبوع واحد فقط، وسقط مُحدثاً مفاجأة لرفاقه والضابط المسؤول عنه، الذي كان مهتماً بتأمين سرعة انسجامه في الخدمة. يتأثر الضابط بالخبر، لكنه يتابع الرفاق خلال دقائق تقدّمهم مبتسمين للموت الذي يواجههم أيضاً. لا وقت للحزن هُنا. سقطت ذراعك أو رأسك أو كُلّك، هُناك من سينبري لإسعافك أو دفنك، إنما لكلّ عمله، والمقاتل لن يتوقف تحت أي ظرف. القرار بالتقدّم لن يتوقف تحت أي ظرف أيضاً، و«سنصلّي في جامع سيدي خالد»، بحسب ضابط يقف قريباً من الحديقة الخلفية للجامع. وسائل إعلامية ازدادت حماسة مراسليها، فأذاعت خبر سقوط الجامع بأيدي جنود الجيش السوري، قبل سقوطه بساعات، ما أربك القياديين وأحرجهم ودعاهم إلى سحب الصحافيين من منطقة الحدث. خروج موقت من أرض المعركة، مع وعود لم تبدُ جدّية بالعودة فور تحرير الجامع.
السيطرة على الجامع من الجهة الشرقية لم تكن كافية فعلياً، فقد سمحت للمسلحين بالهرب، ما أبعد عن الأذهان صحة فرضية وجود مطلوبين يريدهم الجيش أحياءً. والعبارة المتكررة على ألسنة ضباط بنيّة الصلاة داخل حرم الجامع، تعيد فرضية عدم تفكير الجيش بضرب المكان ذي البعد الديني المعروف. الجامع فارغ من مسلّحيه الآن، لكنه مكشوف من جميع الاتجاهات، عدا الشرقية، على النار. إنه تحت السيطرة النارية للمعارضة المسلحة، ما يجعل السيطرة الفعلية عليه من قبل الجيش السوري ما زالت حلماً قريباً من التحقيق. محاولة العبور إلى الداخل، رغم كل التحذيرات، تفتح طرق العبور إلى احتمالات عديدة، قد يكون آخرها حياةً جديدة.
الجامع المحاصر بالجحيم
اللحظات القليلة التي يمكن خلالها ركض مسافة تتجاوز 200 متر برأس خفيض مثقل بخوذة، بالإضافة إلى درع ثقيلة، هي لحظات العبور خلال الحديقة الخلفية والدخول إلى الجامع. الجامع هذه المرة تحت نار المعارضة التي تباكت على الضريح طوال أيام العملية العسكرية المتواصلة. لا يمكن ملاحظة الكثير بوجود ملاك الموت المخيّم الذي يؤرق المزاج الفضولي لبعض الواصلين إلى هذه النقطة، ونشوة الانتصار بالوصول إليها، بالنسبة إلى البعض الآخر. ولا تفكّر أن يدعك الهاربون من الجامع، والمتربصون بمن فيه الآن، تهنأ بوجودك داخله. عليك أن تلتجئ إلى الوقوف دقائق، تشعر بها سنوات، وراء عمود ما، حيث يدخل الرصاص من جميع النوافذ. جحيم يفتحه المسلحون على العابرين إلى ساحة الجامع من جهات عدة داخل حمص القديمة. لا تسمح لقدمك بأن تنزلق على غبار الرخام في باحة المسجد، فلن يرحمك القنّاصون. وإن حصل وفعلتَ، فستكون في موقف صعب. ستلمح رجلاً هُنا أو هُناك يقفز قفزات عالية، ما كان لينجح فيها لو شارك في مسابقة الوثب العالي. سيكتشف هُنا أنه مؤهل لأن يشارك بمثل هذه المسابقات، أو سيتلمّس شغف الحياة بداخله. يمكنك أن تلحظ سريعاً ضريح خالد بن الوليد، وقد نال حصّته من الإصابات، والسجّاد الأحمر المفروش، موحياً للوهلة الأولى وكأنه أنهار من الدماء. وأنت تعبر للخروج من باب الجامع المثقّب بالرصاص، قد يصدمك أحد الزملاء بسقوطه أرضاً برصاصة دخلت في الفخذ اليمنى وخرجت من اليسرى. بعد الانتهاء من صدمة نجاتك، ستكتشف أن الزميلة التي أصيبت هي مراسلة إحدى المحطات غير السورية. لكن إصابتها ستصيب الجميع بالخيبة، فتلك المغامرة لن تبقى ذكرى أو لعبة إذاً، بل ملوّنة بالمرارة، مرارة نسيتَ للحظة أن أهل «المتطوّع كرم» يواجهونها الآن، لمجرد أنك تعرف الزميلة ولا تعرف «كرم». البعض يَبِس بمكانه رافضاً عبور أمتار الموت تلك. البعض الآخر تجمعت الدموع في عينيه، وركض صارخاً. أقسى سيناريوات الموت ستواجهها في جامع «سيدي خالد»، كما يحلو لأبناء الخالدية تسميته.
عقدة الوصل بين المسلحين
يتربع جامع «سيف الله المسلول» ضمن أشد النقاط تحصيناً في الخالدية. جزء منه يطلّ على الحي المنكوب، والجزء الآخر يطلّ على جورة الشياح. تقدم الجيش السوري بدا أفقياً على خط حديقة العلو. هرب «أنصار خالد»، تاركين الضريح متهالكاً بعد بكائهم ومرثياتهم عبر المحطات والصفحات الإخبارية المعارضة. ساعات فقط هي المسافة الفاصلة عن السيطرة الكاملة على الجامع، وتحصينه. لم يسيطر الجيش السوري على منطقة الجامع بالكامل، لكن بدأت الكثير من الأصوات الحمصية تنادي بالتحضير لترميم الجامع، وتنظيف ما حوله، بهدف استعادة شيء من قيمته التراثية ومظهره العمراني الحضاري. كرم المسلحين في إطلاق الذخيرة الحية من كل الجهات على الجامع، يصوّر حجم الإمدادات الهائلة لديهم. صوت قائد عسكري ميداني يجهر بصوت عالٍ مختصراً المعركة على طول البلاد وعرضها بالقول: «عندما نستطيع التقدم سنفعل. ما يمنعنا لم يكن قرار قيادة، بل صعوبة الحرب الدائرة بين المباني». لا كلام ميدانياً بعد كلامه. إنما يعني ما ذكره، عجز الجيش عن التقدم في بعض المناطق، وبالتالي لم يكن للجيش فعلياً أن يسيطر على الخالدية خلال ساعتين، لو أراد، كما يحلو للبعض القول.
صدى الحرب لدى «الموالاة»
«إنها الحرب، تدمي القلب» هذا ما أعلنه الشاعر أمل دنقل يوماً، ويعايشه السوريون عموماً، والحمصيون على نحو خاص، كل يوم. وليست كل الحروب، حتماً، كحرب مدينة حمص، «قلب البلاد» الذي ما زال مثخناً بسموم الحرب وأوجاعها. لأصوات القنص والقصف والانفجارات في المدينة المشتعلة، قسوة لا يمكن الإحساس بها في أي مكان آخر. ليس بعيداً عن حيّ الخالدية حيث تشتد المعارك دون توقف، وتحديداً في حيّ الزهراء «الموالي» يمكن سماع أناشيد الحرب المرابطة على تخوم الحيّ. تسأل: «أين هذا القصف العنيف؟»، سيأتيك الجواب سريعاً: «الخالدية». وستسمع، لا شك، الكثير من التذمر والتساؤلات: «ما السبب في كل هذا القصف، فيما الدولة غير عاجزة عن إنهاء مسلحي الخالدية خلال ساعتين؟». وستسمع كثيراً عن وجود مسلحين مسيحيين في حيّ الحميدية القديم، الذين «لا يتعدّون أكثر من 150 مسلحاً»، بحسب أحد أبناء الحيّ النازحين إلى حيّ الأرمن. الحيّ الذي يهجس بأخبار الحرب القريبة، بعيدٌ نسبياً عن مجريات الأحداث الحقيقية، حيث يحاول سكانه الإلمام بأخبار المعارك داخل أحياء المدينة، إلا أن التناقضات تخيّم على كلام الجميع. صاروخ مريع قد يقطع أحاديثهم، يهبط عليهم من السماء، آتياً بلا رحمة من أراضي الأحياء المجاورة، أو ربما حمص القديمة. قدرٌ خيّم على أهالي الحي، والحمصيون عموماً، إنما يعلمون جيداً أنها «الحرب... تدمي القلب».
إطلالة على حياة الإمام علي ( ع )
ذريّة بعضها من بعض
كان عليّ بن أبي طالب من سلالة ذرية طيّبة و عائلة كريمة في صفاتها ، صالحة في أخلاقها و سيرتها ، محمودة في خصالها ، رفيعة في شمائلها ، متميّزة في رجالها و سيادتها ، فبنو هاشم ، سادة قريش بل سادة الدنيا ، « ملح الأرض ، و زينة الدنيا ، و حلى العالم ، و السنام الأضخم ، و الكاهل الأعظم ، و لباب كلّ جوهر كريم ، و سرّ كلّ عنصر شريف ، و الطينة البيضاء ، و المغرس المبارك ، و النصاب الوثيق ، و المعدن الفهم ، و ينبوع العلم ... ».
فقد كان منها أكرم خلق الله تعالى على الإطلاق ، محمّد بن عبدالله و كان منهم آله الطاهرون ، و أعظمهم و أفضلهم سيّدهم عليّ بن أبي طالب الذي اجتمع فيه من الخصال ما لم يجتمع لغيره ، و من المكارم ما لم يحظ بها أحد غيره ، و من السجايا ما لم يحظَ بها الآخرون ، فحسبٌ شريف ، و خلقٌ عال ، و فطرةٌ سليمة لم تتلوّث ببراثن الجاهلية ، و عقيدةٌ صافية ، و علم جمّ ، و شجاعة لا مثيل لها ..
- فأبوه :
شيبة بني هاشم شيخ قريش ، و زعيمها و سيّد قومه أبو طالب ، الذي انطوت نفسه على خصال كريمة كلّها شموخ و عزّة و فضائل .. و هو الكافل المدافع الذابّ عن رسول الله(صلى الله عليه و آله) ، و الذي أحاط رسول الله بعناية عظيمة و رعاية قلَّ نظيرها ، خصوصاً إذا عرفنا مكانته في قريش و بين زعمائها ، و ما سبّبه ذلك من إحراج له و ضيق و أذًى ، و مع هذا كلّه فقد صبر أيما صبر دفاعاً عن محمّد و رسالته ، حتّى إنّ قريشاً لم تكن قادرةً على أذى رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) مع رغبتها في ذلك حتّى توفي أبو طالب فراحت تكيد له ..
يقول رسول الله(صلى الله عليه و آله) : « و الله ما نالت قريش منّي شيئاً أكرهه حتّى مات أبوطالب » . و لم يهاجر إلى المدينة إلاّ بعد وفاة عمّه رضوان الله عليه . هذا أبوه .
- و أمّا جدّه :
فهو عبد المطّلب شيبة الحمد أمير مكّة ، و سيّد البطحاء له ولاية البيت الحرام من السقاية وا لرفادة .. و كان ذا مهابة و وقار و ميل إلى الدين و النسك ، و هو الذي قام بحفر بئر زمزم ، التي تفجّرت تحت قدمي جدّه إسماعيل من قبل ، بعد أن غاب أثرها ، و لم يهتدِ إليها أحد حتّى هتف به هاتف في منامه ، فراح يحفر حتّى اهتدى إليها مستعيناً بابنه الحارث الذي كان وحيده وقتذاك .
ثمّ هو الذي خذل اللهُ على يديه ابرهة الحبشي ، و جنده الذين جاؤوا لهدم الكعبة ، و صرف الحاجّ عنها إلى بيت بناه في اليمن ، ولمّا التقى ابرهة بعبد المطلب أراد أن يستميله إلى جنبه ، فما وجد منه إلاّ الرفض ، و إلاّ الثقة العالية بالله ، مكتفياً بأن يرد إليه إبله و شويهاته التي أخذها جنده . فقال ابرهة : كنت في نفسي كبيراً ، و سمعت أنّك وجيه في قومك ، فلمّا سألتك عن حاجتك ، و ذكرت الإبل و الشياه ، و نسيت بلدك و أهلك و بيتك المقدّس سقطت من عيني .
فقال عبد المطلب : الإبل لي ، و للبيت ربّ يحميه .
فقال ابرهة : ما كان ليمتنع منّي .
فقال عبد المطلب : أنت و ذلك ، و صعد على الجبل ، و تضرّع إلى الله ، و أنشد :
يارب عادِ من عاداك وامنعهموا أن يهدموا حماك
ثمّ راح يستحثّ قومه على ترك مكّة و اللجوء إلى الجبل خشية بطش ابرهة و جيشه ، و التوجّه إلى الله بالدعاء . فحلّت الكارثة بابرهة و جنده .. و هناك سورة الفيل تحكي هذه الحادثة ..
- أُمّه :
فاطمة بنت أسد بن هاشم فهي ابنة عمّ أبي طالب ، و هي أوّل هاشمية تزوّجها هاشمي ، و عليّ أوّل مولود ( مع اخوته ) ولد لهاشميين فقد تعوّد بنو هاشم أن يصهروا إلى اُسر اُخرى . كانت ذات منزلة رفيعة ، جعلتها من اللائي امتازت حياتهنّ بمواقف جليلة في حركة الأنبياء و مسيرتهم عبر التاريخ ، فقد أثنى عليها رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ، و كان شاكراً لها ، و لمعروفها ، و رعايتها له ، فكان يدعوها « اُمّي بعد اُمّي التي ولدتني » .
و راحت هي الاُخرى تفضّله على جميع أولادها الأربعة ، فقد كان طالب أكبر أولادها ثمّ عقيل ، ثمّ جعفر ثمّ عليّ ، و كلّ واحد أكبر من الذي بعده بعشر سنوات ، و كان عليّ ( عليه السلام ) أصغر أولادها . حظيت هذه السيّدة و المرأة المؤمنة الطاهرة بمكانة عظيمة في قلب رسول الله ، و تركت في نفسه آثاراً طيّبة راح يذكرها طيلة حياته ، و يترحّم عليها و يدعو لها .. تقول الرواية : ( لمّا ماتت فاطمة بنت أسد أُمّ عليّ ـ و كانت قد أوصت لرسول الله(صلى الله عليه وآله) و قَبِل وصيتها ـ ألبسها النبي ( صلى الله عليه و آله ) ، قميصه ، و اضطجع معها في قبرها ، فقالوا : ما رأيناك يا رسول الله صنعت هذا!
فقال : إنّه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرَّ بي منها ، إنّما ألبستها قميصي ، لتكسى من حُلل الجنّة ، و اضطجعت معها ليُهوَّن عليها . و في دعاء خاص لها قال : ( اللّهم اغفر لاُمّي فاطمة بنت أسد ، و لقنها حجّتها ، و وسِّع عليها مدخلها . و خرج من قبرها و عيناه تذرفان ) .
لقد كانت رضوان الله عليها لرسول الله ( صلى الله عليه و آله) بمنزلة الاُمّ ، بل كانت أُمّاً بكلّ ما تعنيه هذه الكلمة من معنى ، وقد كانت بارّة برسول الله(صلى الله عليه و آله) ، « لم يكن بعد أبي طالب أبرّ بي منها »، فحنانها و شفقتها و رعايتها له بلغت مبلغاً عظيماً ، حتّى فاقت رعايتها لأبنائها ، و كأنّها تعلم أنّ له مكانة عظيمة و شأنا جميلا ، تقول بعض الروايات كان أولادها يصبحون شعثاً رمصاً ، و يصبح رسول الله ( صلى الله عليه و آله) كحيلا دهيناً . هذا في مداراتها لرسول الله ( صلى الله عليه و آله ) و حبّها له .
أمّا في إيمانها فقد كانت بدرجة عظيمة ، و من السابقات إلى الإسلام و المهاجرات الاُول إلى المدينة و هي بدرية .فذاك أبوه و جدّه و هذه اُمّه ، فهو وليد هذه الاُسرة الهاشمية المباركة . ثمّ بعد هذا كان عليّ(عليه السلام) قد اختصّ بقرابة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فهو إضافة إلى كونه ابن عمّه ، وقد ربّاه في حجره تربية الوالد لولده و .. كان زوجاً لابنته الزهراء التي كانت بضعة منه (صلى الله عليه وآله) ، و أباً لريحانتيه المباركتين الحسن و الحسين ( عليهما السلام ) ، و كان أخاه يوم المؤاخاة ، و كان خليفته و وصيه و وزيره و عيبة علمه ..
- بين يدي النبوّة
لقد كنت سيّدي شجرة طيّبة توسّطت روضة فيحاء وباحة خضراء ودوحة معطاء ، فكان أصلها ثابتاً وفرعها في السماء تؤتي اُكلها كلّ حين بإذن ربّها .
ففي ربى النبوّة أبصرت النور بعد أن انبرى رسول الرحمة لرعايتك و تربيتك ، و من نسيمها العذب وأريجها الفوّاح تنشقت الحياة ، و من نمير ساقيتها الصافي الذي كانت النبوّة نبعه الدافق ارتشفت أوّل قطرة ماء ، و على أديمها الأخضر كانت أوّل خطواتك ، كان حضن النبوّة يرعاك فكنت في جنّة عالية ، قطوفها دانية .
شممت رائحة النبوّة في مراحل حياتك الأولى ، و رأيت نور الوحي و الرسالة ، بعد أن وضعك رسول الله(صلى الله عليه و آله) في حجره و ضمّك إلى صدره و كنفك في فراشه و مسّك جسده الطاهر و أشمّك عَرْفه .. فجنيت بروض النبوّة ورداً و ذقت بكأسها شهداً .
و كيف لا تجني ذلك كلّه و قد اختارتك السماء برعماً تحتضنك شجرة النبوّة و الرسالة ، ثمّ لتكون بعد ذلك بقية النبوّة و الامتداد الطبيعي للرسالة . .؟!
روت فاطمة بنت أسد « اُمّ عليّآ » : ( بينا أنا أسوق هدياً إذ استقبلني رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، و هو يومئذ غلام شاب قبل البعثة فقال لي : يا أمّاه إنّي أُعلمك شيئاً فهل تكتمينه عليَّ؟
قلت : نعم .
قال : اِذهبي بهذا القربان فقولي : كفرت بهبل (كبير آلهة المشركين وهو أوّل صنم نصب بمكة) وآمنت بالله وحده لا شريك له .
فقلتُ : أعمل ذلك لِما أعلمه من صدقك يا محمّد ، ففعلت ذلك .
فلمّا كان بعد أربعة أشهر ، و محمّد يأكل معي و مع عمّه أبي طالب ، إذ نظر إليَّ و قال : يا اُمّ ما لَك! مالي أراك حائلة اللون؟!
ثمّ قال لأبي طالب : إن كانت حاملا اُنثى فزوجنيها .
فقال أبو طالب : إن كان ذكراً فهو لك عبد ، وإن كان اُنثى فهو لك جارية و زوجة .
فلمّا وضعتُه ـ في الكعبة ـ جعلته في غشاوة ، فقال أبو طالب : لا تفتحوها حتّى يجيء محمّد فيأخذ حقّه .
فجاء محمّد ففتح الغشاوة فأخرج منها غلاماً حسناً فشاله بيده ، و سمّـاه عليّاً ، و أصلح أمره ، ثمّ إنّه لقمه لسانه فما زال يمصّه حتّى نام ) .
و قد سمّته أوّل الأمر حيدر، بمعنى أسد على اسم أبيها ، فغلب عليه اسم عليّ الذي سمّـاه به محمّد(صلى الله عليه وآله) .
ثمّ راح عليّ(عليه السلام) الذي ما إن فتح عينيه في بيت أبي طالب حتى وجد محمّداً( صلى الله عليه وآله )يضمّه إلى صدره و يبثّه كلماته و يعلمه خطواته . . .
ولمّا تزوّج خديجة رضوان الله عليها انتقل إلى بيته الجديد ، ففارق بيت عمّه أبي طالب ، ولكنّه لم يترك برّه لعمّه و رعايته لابن عمّه عليّ(عليه السلام) ، و منذ ذلك اليوم راح يتعهده رسول الله(صلى الله عليه وآله) و يرعاه رعاية خاصّة و منذ نعومة أظفاره . .
و بدأ عليّ(عليه السلام) يلتهم زاده الوحيد مبادئ السماء و قيمها ، حتّى شحن بها فكره الثاقب ، و غدت نفسه الطاهرة ترتشف الايمان و تستنشق عقيدته وعبيرها ؛ لتسمو نفسه ولتصبح مصباحاً يستضيء به من حوله .
اخترتُ من اختاره الله
ولمّا مرّ أبو طالب في سنة أصابته بل أصابت قريشاً وقحط حلّ بهم وهو ذو عيال كثيرة ، ويبدو أنّ الابتلاء هذا كان عامّاً لقريش بسبب ما عانته من الجفاف .
تقول الرواية : ( إنّ قريشاً أصابتها أزمة وقحط ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله)لعمّيه حمزة و العبّاس : ألا نحمل ثقل أبي طالب في هذا المحل؟
فجاءوا إليه وسألوه أن يدفع إليهم وِلدَه ليكفوه أمرهم ، فقال : دَعُوا لي عقيلا وخذوا من شئتم ـ وكان شديد الحبّ لعقيل ـ فأخذ العبّاس طالباً ، وأخذ حمزة جعفراً ، وأخذ محمّد(صلى الله عليه وآله) عليّاً ، وقال لهم : « قد اخترتُ من اختاره الله لي عليكم ، عليّاً » . فكان علي(عليه السلام) في حجر رسول الله(صلى الله عليه وآله) منذ كان عمره ستّ سنين.
والذي أميل إليه أنّ عليّاً(عليه السلام) لم يكن ذلك القحط وهذا الجفاف هما السبب في ملازمته لرسول الله(صلى الله عليه وآله) ، بل إنّ الأمر سبق هذا كلّه وسبق هذا العمر الذي يحددونه لبداية هذه الملازمة (6 سنوات) نعم الانتقال من بيت أبي طالب إلى بيت رسول الله قد يكون تمّ وعليّ له 6 سنوات ، إلاّ أنّ تلك الرعاية من رسول الله(صلى الله عليه وآله)لعليّ وذلك الاهتمام كان منذ اليوم الأوّل لولادته(عليه السلام) فرسول الله(صلى الله عليه وآله) حينما عاد من غار حراء وقد بشّر بولادة علي راحت يده المباركة تتوسّده وتضفي عليه بركات انعكست ثمارها على حياته(عليه السلام) في كلّ الميادين ... ) .
تقول الرواية عن يزيد بن قعنب : ( ولدت (فاطمة بنت أسد) عليّاً . . . في بيت الله الحرام ، إكراماً من الله عزّ اسمه وإجلالا لمحلّه في التعظيم . . . ، فأحبّه رسول الله(صلى الله عليه وآله) حبّاً شديداً وقال لها : « اجعلي مهده بقرب فراشي » ، وكان يتولى أكثر تربيته ، وكان يطهّر عليّاً في وقت غسله ، ويوجره اللبن عند شربه ، ويحرِّك مهده عند نومه ، ويناغيه في يقظته ، ويحمله على صدره.
وهنا نعيش لحظات جميلة مع عليّ(عليه السلام) نفسه ، وهو يصوِّر لنا منزلته من رسول الله(صلى الله عليه وآله) ويصف رعايته له وتعلّقه به وملازمته له حتّى يمكن وصفها بأنّها ملازمة الظلّ لصاحبه لا يفارقه إلاّ في أوقاته المخصوصة ، فتواشجت روحه مع أجواء ذلك البيت الطاهر وهي أجواء الرسالة والنبوّة والوحي ، انظره في خطبة القاصعة حيث يصف تلك الملازمة والمواشجة بشكل دقيق طفلا وصبيّاً وفتًى . .
« ولقدعلمتم موضعي من رسول الله(صلى الله عليه وآله) بالقرابة القريبةوالمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وليد ، يضمّني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويمسّني جسده ويُشمني عَرْفه ، وكان يمضغ الشيء ، ثمّ يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل ، ولقد قرن الله به(صلى الله عليه وآله) من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته ، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ، ليله ونهاره ، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل إثر اُمّه ، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً ، ويأمرني بالاقتداء به . ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء ، فأراه ولا يراه غيري » .
ولدتُ على الفطرة
من اللافت الذي أدهش من تتبّع حياته أنّ ولادته(عليه السلام) ـ التي كانت في الكعبة يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب على قول الأكثر ـ كانت في اليوم الأوّل لدخول رسول الله(صلى الله عليه وآله) غار حراء للتعبّد والمناجاة ، وللتدبّر والتفكير في ملكوت السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما .. وكان هذا بعد عام الفيل بثلاثين سنة ، حقّاً أنّه أمر يثير العجب ، أن السماء راحت تعدّ أمرين في آن واحد ووظيفتين في وقت واحد; ففي غار حراء على بعد من الحرم المكّي أعدّت رسولا نبيّاً ، وفي داخل الحرم المكي راحت تعدّ إماماً ووزيراً وخليلا وفيّاً; ليكمل الشوط ويملأ الفراغ آ«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي أو لا نبوّة بعديآ» آ«أنت أخي ووصيي وخليفتي ... » .
يقول ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه القيم لنهج البلاغة في قوله(عليه السلام) : « فإنّي ولدتُ على الفطرة » وفي جوابه عن قول من يقول : كيف علّل نهيه عن البراءة منه(عليه السلام) ، بقوله : « فإنّي ولدتُ على الفطرة) ; فإنّ هذا التعليل لا يختص به(عليه السلام) ؛ لأنّ كلّ أحد (واحد) يولد على الفطرة ، قال النبي(صلى الله عليه وآله) : « كلّ مولود يولد على الفطرة ؛ وإنّما أبواه يهودانه وينصّرانه »؟
فكان أحد أجوبته الثلاثة : بأنّه(عليه السلام) علل نهيه لهم عن البراءة منه بمجموع اُمور وعلل وهي كونه ولد على الفطرة ، وكونه سبق إلى الإيمان والهجرة ، ولم يعلّل بآحاد هذا المجموع ، ومراده هاهنا بالولادة على الفطرة أنه لم يولد في الجاهلية ؛ لأنّه ولد(عليه السلام) لثلاثين عاماً مضت من عام الفيل ، والنبي(صلى الله عليه وآله) أرسل لأربعين سنة مضت من عام الفيل ؛ وقد جاء في الأخبار الصحيحة أنه(صلى الله عليه وآله) مكث قبل الرسالة سنين عشراً يسمع الصوت ويرى الضوء ، ولا يخاطبه أحد ، وكان ذلك إرهاصاً لرسالته(عليه السلام) فحُكم تلك السنين العشر حكم أيّام رسالته(صلى الله عليه وآله) فالمولود فيها إذا كان في حجره وهو المتولي لتربيته مولود في أيّام كأيّام النبوّة ، وليس بمولود في جاهلية محضة ، ففارقت حاله حال من يدّعي له من الصحابة مماثلته في الفضل .
وقد روي أنّ السنة التي ولد فيها عليٌّ(عليه السلام) هي السنة التي بدئ فيها برسالة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فاُسمع الهتاف من الأحجار والأشجار ، وكشف عن بصره ، فشاهد أنواراً وأشخاصاً ولم يخاطب فيها بشيء . وهذه السنة هي السنة التي ابتدأ فيها بالتبتّل والانقطاع والعزلة في جبل حراء ، فلم يزل حتّى كوشف بالرسالة وأنزل عليه الوحي . وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يتيمّن بتلك السنة ، وبولادة علي(عليه السلام)فيها ، ويسمّيها سنة الخير وسنة البركة ، وقال لأهله ليلة ولادته ، وفيها شاهد ما شاهد من الكرامات والقدرة الإلهية ولم يكن من قبلها شاهد من ذلك شيئاً : « لقد ولد لنا الليلة مولود يفتح الله علينا به أبواباً كثيرة من النعمة والرحمة » .
وهنا يقول ابن أبي الحديد : وكان كما قال(صلى الله عليه وآله) فإنّه(عليه السلام) كان ناصره والمحامي عنه ، وكاشف الغماء عن وجهه ، وبسيفه ثبت دين الإسلام وأرست قواعده .
كما يذكر تفسيراً آخر : بأنّه(عليه السلام) أراد بالفطرة العصمة ، وأنه منذ أن ولد لم يواقع قبيحاً ولا كان كافراً طرفة عين قط ولا مخطئاً ولا غالطاً في شيء من الأشياء المتعلّقة بالدين وهذا تفسير الإمامية.
فقد روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنه قال : « إن سُبّاق الاُمم ثلاثة لم يكفروا طرفة عين : علي بن أبي طالب وصاحب ياسين ومؤمن آل فرعون فهم الصدِّيقون وعليّ أفضلهم ».
وعن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال : آ«ثلاثة لم يكفروا بالله قط : مؤمن آل ياسين وعلي بن أبي طالب وآسية امرأة فرعون ».
لم يسجد لصنم قطّ
بعد نعمة تربية رسول الله (صلى الله عليه وآله) له وصناعته كما تريدها السماء ، راحت نعمُ الله تترى على هذا العبد الصالح ، وتواكبه فلم تنجّسه الجاهلية بأنجاسها ، لم يعبد صنماً قطّ بل لم تمل نفسه إليها أبداً ، وهذا أمر ليس سهلا خاصةً وهو يعيش في مجتمع حالك متسربل برداء الشرك يعيش ركاماً من الجهل والعبودية والطغيان ، في بيئة أنّى اتجهت وجدت صنماً يُعبد وتمثالا يركع له ويسجد ، ومن حوله كبار قريش وزعماؤها وقد ملئت بيوتهم بهذه التماثيل وكانوا لها عاكفين .
في مجتمع فاسد كهذا تمّت صياغة علي(عليه السلام) لأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)أحسن غذاءه وتنشئته وإعداده ، وراحت يداه المباركتان ترعاه أحسن رعاية وتحفظه من كلّ تحديات مجتمعه وانحرافاته ، فولد وعاش طفولته وصباه وقد كرّم الله وجهه من أن يسجد للاّت أو يركع للعزّى أو يشطط به قدم هنا وهناك ، ومثل هذا ما نراه في كلام العقّاد الآتي فيما بعد .
وكيف يسجد لصنم أو ينحرف به السير .. ولحمه لحم رسول الله ودمه دمه وهو وعلي من نور واحد ومن شجرة واحدة وفي صلبه ذرية رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو من رسول الله ورسول الله منه؟!
ثمّ كيف يسجد لصنم وهو يكرهها صغيراً بل وهو جنين ـ فبغضه لها من بغض رسول الله(صلى الله عليه وآله) لها ـ وهو الذي راح يقلعها كبيراً ويطهِّر الأرض منها والقلوب؟!
يقول(عليه السلام) : انطلق رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى الكعبة فقال لي : اجلس .
فجلست ، فصعد على منكبي .
فقال لي : انهض .
فنهضت فعرف ضعفي تحته .
قال لي : اجلس .
فجلست ، ثمّ نهض بي رسول الله(صلى الله عليه وآله) فخيّل إلي أنني لو شئت نلت أُفق السماء ، فصعدت إلى الكعبة .
وتنحّى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقال : ألق صنمهم الأكبر ، صنم قريش . وكان من نحاس مُوتّد بأوتاد من حديد في الأرض .
فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : عالجه .
فجعلت أُعالجه ، حتى استمكنت منه . فقال : اقذفه ، فقذفته حتّى انكسر . ونزلت من فوق الكعبة ، وانطلقت أنا والنبي(صلى الله عليه وآله) نسعى وخشينا أن يرانا أحد من قريش وغيرهم .
وهناك مصادر تقول : إنّ هذه القصّة مع بعض التغيير وقعت بعد فتح مكّة .
إسلامه
وقد تعدّدت واختلفت أقوال المؤرِّخين في عمره الشريف حين إسلامه وتصديقه بالنبوّة ، بين من يقول كان له ثمان سنين وبين من يقول له تسع وآخر يقول له عشر ، ورابع يقول له إحدى عشرة سنة وخامس يقول له اثنتا عشرة سنة وسادس يقول له ثلاث عشرة سنة وهناك من يقول : له خمس عشرة سنة أو ست عشرة سنة ، وكلّ هذا إنّما يدلّ على تحديد عمره المبارك وقت أن أعلن الرسول رسالته للخاصّة من مريديه وموقفه الرسمي إن صحّ التعبير منها ، وإلاّ فإنّ روحه لم تتلوّث بالشرك فهو الذي لم يكفر بالله قط . وهذا ما نجده في الروايات أعلاه وفي قول الإمام زين العابدين جواباً عن سؤال من سأله عن عمر الإمام عليّ(عليه السلام) عند إيمانه ، فقال(عليه السلام) : أو كان كافراً؟! إنما كان لعلي حين بعث الله عزّوجلّ رسوله(صلى الله عليه وآله)عشر سنين ولم يكن كافراً.
والذي يؤيّد أن عمره كان عشر سنوات أنّ عمر الدعوة الإسلامية في مكّة ثلاث عشرة سنة وهاجر إلى المدينة وله ثلاث وعشرون سنة وأنه استشهد سنة 40هـ وهو ابن ثلاث وستّين سنة .
ويميل ابن أبي الحديد إلى أنّ عمره الشريف كان ثلاث عشرة سنة ، متقيداً من قوله(عليه السلام) : « لقد عبدتُ الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأمّة سبع سنين » ، وقوله(عليه السلام) : « كنت أسمع الصوت وأبصر الضوء سنين سبعاً ، ورسول الله(صلى الله عليه وآله) حينئذ صامت ما أُذِنَ له في الإنذار والتبليغ » .
وذلك ـ والقول ما زال لابن أبي الحديد ـ لأنّه إذا كان عمره يوم إظهار الدعوة ثلاث عشرة سنة ، وتسليمه إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) من أبيه وهو ابن ستّ ، فقد صحّ أنّه كان يعبد الله قبل الناس بأجمعهم سبع سنين ، وابن ستّ تصحّ منه العبادة ، إذا كان ذا تمييز ، على أنّ عبادة مثله هي التعظيم والإجلال وخشوع القلب ...
وقد جاء في ترجمة الإمام علي(عليه السلام) في الاستيعاب أنّ : المروي عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخبّاب وأبي سعيد الخدري وزيد بن أسلمه أنّ علياً(عليه السلام) أوّل من أسلم وفضّله هؤلاء على غيره .
وقال ابن إسحاق : أوّل من آمن بالله وبمحمّد رسول الله(صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب(عليه السلام) وهو قول ابن شهرآشوب إلاّ أنّه قال : من الرجال بعد خديجة .
وعن ابن عبّاس قال : سمعت عمر بن الخطّاب وعنده جماعة فتذاكروا السابقين إلى الإسلام فقال عمر : أمّا عليّ ، فسمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول فيه ثلاث خصال لوددت أنّ لي واحدة منهنّ ، فكان أحبّ إليَّ ممّا طلعت عليه الشمس ، كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من الصحابة إذ ضرب النبي(صلى الله عليه وآله) بيده على منكب عليّ فقال له : يا عليّ أنت أوّل المؤمنين إيماناً وأوّل المسلمين إسلاماً وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى.
يقول جورج جرداق عن إسلام أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) :
وإذا أسلم بعض الوجوه من قريش منذ أوّل الدعوة احتكاماً للعقل وتخلّصاً من الوثنية ، وإذا أسلم كثير من العبيد والأرقّاء والمضطهدين طلباً للعدالة التي تتدفّق بها رسالة محمّد واستنكاراً للجور الذي يلهب ظهورهم بسياطه ، وإذا أسلم قوم بعد انتصار النبي امتثالا للواقع وتزلّفاً للمنتصر كما هي الحال بالنسبة لأكثر الأمويين . إذا أسلم هؤلاء جميعاً في ظروف تتفاوت من حيث قيمتها ومعانيها الإنسانية وتتّحد في خضوعها للمنطق أو للواقع الراهن فإنّ علي بن أبي طالب قد ولد مسلماً ؛ لأنّه من معدن الرسالة مولداً ونشأةً وفي ذاته خلقاً وفطرةً ، ثمّ إنّ الظرف الذي أعلن فيه عمّا يكمن في كيانه من روح الإسلام ومن حقيقته لم يكن شيئاً من ظروف الآخرين ولم يرتبط بموجبات العمر; لأنّ إسلام عليّ كان أعمق من ضرورة الارتباط بالظروف ، إذ كان جارياً في روحه كما تجري الأشياء من معادنها والمياه من ينابيعها ، فإنّ الصبي ما كاد يستطيع التعبير عن خلجات نفسه حتى أدّى فرض الصلاة وشهد بالله ورسوله دون أن يستأذن أو يستشير .
لقد كان أوّل سجود المسلمين الأوّل لآلهة قريش ، وكان أوّل سجود عليّ لإله محمّد! إلاّ أنّه إسلام الرجل الذي اُتيح له أن ينشأ على حبّ الخير وينمو في رعاية النبي ويصبح إمام العادلين من بعده وربّان السفينة في غمرة العواصف والأمواج.
كما أنّ العقاد يقول عن إسلام علي :
ولد عليٌّ في داخل الكعبة ، وكرّم الله وجهه عن السجود لأصنامها ، فكأنّما كان ميلاده إيذاناً بعهد جديد للكعبة وللعبادة فيها . وكاد عليٌّ أن يولد مسلماً . . بل لقد ولد مسلماً على التحقيق إذا نحن نظرنا إلى ميلاد العقيدة والروح; لأنّه فتح عينيه على الإسلام ولم يعرف قط عبادة الأصنام . . ..
الذبيح الثالث
إنّ من قدّر له أن يتصفّح حياته(عليه السلام) لا يجد فيها شيئاً من الخوف أو التردّد من الموت ، إنّ قاموس حياته المباركة خال من ذلك كلّه . إنّ عليّاً(عليه السلام) قهر الموت وقضى عليه فمن أي شيء يا ترى يخاف؟!
ولهذا تراه يستسلم ويطيع رسول الله(صلى الله عليه وآله) حينما يُلقي به في لهوات الحرب ويرمي به في أحلك الأمور وأعسرها .
حان الوقت ، وجاء اليوم الموعود وتشابكت خيوط المؤامرة وتسابق القوم من هنا وهناك ، واجتمع زعماء القبائل في دار الندوة في مكة ، وكان فيهم أبو جهل وعروة بن هشام وأبو البختري ، وقرّروا أن يضعوا لهذا الأمر نهاية وأن يطووا صفحته إلى الأبد . فجمعوا شجعانهم ليضربوا محمّداً ضربة رجل واحد فيتوزّع دمه هنا وهناك على جميع القبائل فيضيع وتضيع المطالبة به ، وحدّدوا لمكرهم هذا وقتاً وموعداً .
هاجر رسول الله(صلى الله عليه وآله) خفيةً وأمر عليّاً بالمبيت تلك الليلة في فراشه ، ليعتّم عليهم هجرته ، إنّه فراش الموت ، فما كان من عليّ إلاّ التسليم والانقياد وهو يعلم جيّداً أنّ القوم قد تآمروا على ابن عمّه رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأنّهم قاتِلوه في فراشه ، وأنّهم مباغتوه لا محالة ، ولا ينجو منهم إلاّ وهو أشلاء ممزّقة وأعضاء مقطّعة ، مؤامرة نافذة واقعة لا شكّ فيها ولا ريب .
اختاره الرسول (صلى الله عليه وآله) لهذه المهمّة وهو شاب يافع في مقتبل العمر! إنّه ثالث قربان يقدَّم بعد إسماعيل وعبدالله والد النبي(صلى الله عليه وآله) وشتّان بين الذبيحين عليّ وإسماعيل ، وعليّ وعبدالله ، فكلّ منهما بيد أب شفيق رحيم يرقّ قلبه وترتجف يده ، وهو بسيف عدوٍّ نزعت الرحمة من قلبه ، وبخنجر يمسك بقوّة حاقد بغيض ، وبيد صلبة لا ينتابها الخوف ولا تربكها الرحمة . .
إنّه امتحان عصيب لهم جميعاً ، ولكن أي الثلاثة أشدّ محنةً وأقسى؟! وأيّ امتحان هذا لإيمانه وانقياده واستسلامه؟!
لقد تيقّن فتى بني هاشم أنّه ما إن يغمض عينيه حتّى تنهال عليه مديّهم التي امتشطوها وسيوفهم التي حملوها وتبضعه خناجرهم . . . فلا تردّد ولا خوف بل لسان حاله يقول : نعم ستجدني إن شاء الله من الصابرين . .
فأنجاهما الله برحمته من كيد المشركين ومكرهم ، وأنزل في ذلك : ( و َإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) .
زواجه المبارك
كان عمره(عليه السلام) حينما هاجر إلى المدينة بعد هجرة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ثلاثاً وعشرين سنة ، وهناك كانت بضعة رسول الله(صلى الله عليه وآله) فاطمة الزهراء(عليها السلام) التي طالما تمنى التشرف بها كبار الصحابة; ومن أهل السابقة في الإسلام والفضل والشرف والمال ; لأنّها بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)ولكثرة ما كانوا يسمعون منه(صلى الله عليه وآله) في ثنائه عليها واحترامها وتقديرها ، ولموقعها العظيم منه(صلى الله عليه وآله) . راحت نفوسهم تطمح للاقتران بها ، وكانوا كلّما تقدّم واحد منهم لم يجد عنده(صلى الله عليه وآله) إلاّ أن يعرض بوجهه الكريم حتّى يخرج منه القادم وهو يظنّ أنّه(صلى الله عليه وآله)ساخط عليه وغير راض عنه ، وإلاّ الرفض ، وأنّه ينتظر في زواجها أمر الله وقضاءه.
تقدّم عليٌّ(عليه السلام) بخطوات يكتنفها الحياء ، وراحت نظراته تتوزع هنا وهناك ، نظرة إلى وجه رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأخرى يرسلها بعيداً ، وثالثة إلى ما بين يديه ، ماذا يقول ويده خالية .
حانت نظرة من رسول الله(صلى الله عليه وآله) إليه فعرف ما يريد : إنّ علياً جاء لحاجة ، وحاجة عليّ يمنعه حياؤه من التحدّث بها ، فبادره رسول الله(صلى الله عليه وآله) مشجّعاً حتّى ينطق ، وما إن نطق حتّى كان ذلك البيت من أبهى وأزهى وأزكى وأعظم بيوت الدنيا بل وأغناها إيماناً وطهارةً وأثراها أخلاقاً وعلماً ... إنّه بيت عليّ وفاطمة ثمّ ريحانتي رسول الله(صلى الله عليه وآله) الحسن والحسين(عليهما السلام) والذرّية الصالحة!
وفي السنن الكبرى يقول عليّ(عليه السلام) : « لقد خطبت فاطمة بنت النبيّ(صلى الله عليه وآله) فقالت لي مولاة : هل علمت أنّ فاطمة تخطب؟
قلت : لا ـ أو نعم ـ
قالت : فاخطبها إليك .
قال : قلت : وهل عندي شيء أخطبها عليه؟! قال : فوالله ما زالت ترجيني حتّى دخلت عليه ، ـ وكنّا نجلّه ونعظّمه ـ فلمّا جلستُ بين يديه ألجمت حتّى ما استطعت الكلام .
قال : هل لك من حاجة؟ فسكتُ فقالها ثلاث مرّات .
قال : لعلّك جئت تخطب فاطمة!
قلت : نعم يا رسول الله .
قال : هل عندك من شيء تستحلّها به؟
قال : قلت : لا والله يا رسول الله .
قال : فما فعلت بالدرع التي كنتُ سلّحتكها؟
قال عليّ : والله إنّها درع حُطمية ما ثمنها إلاّ أربعمائة درهم .
قال : اِذهب فقد زوّجتكها ، وابعث بها إليها فاستحلّها بهآ».
وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : آ«إنّ الله أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ ».
وقال(صلى الله عليه وآله) أيضاً : « والله ما ألوت (أي ما قصّرت في أمرك وأمري) أن أزوجك خير أهلي ».
وعن عائشة وأمّ سلمة : أمرنا رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن نجهّز فاطمة حتّى ندخلها على عليّ ، فعمدنا إلى البيت ففرشناه تراباً ليّناً من أعراض البطحاء ، ثمّ حشونا مرفقتين ليفاً فنفشناه بأيدينا ثمّ أطعمنا تمراً وزبيباً وسقينا ماءً عذباً ، وعمدنا إلى عود فعرضناه في جانب البيت ليلقى عليه الثوب ، ويعلّق عليه السقاء ، فمارأينا عرساً أحسن من عرس فاطمة.
العبادة عند عليّ(عليه السلام)
( وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) ، العبادة كانت عنده(عليه السلام) وقفة مع السماء يتأمّل فيها ، ويتدبّر حياته وسيرته ، ويربّي فيها نفسه ويبعدها عن كلّ مزالق الشيطان ، ويقوّي فيها إيمانه ، ويكسب فيها مزيداً من التقوى .
العبادة عنده(عليه السلام) عبادة الأحرار لا عبادة التجّار أو العبيد آ«وجدته أهلا للعبادة فعبدتهآ» إذن لا طمع في جنّة وثواب ولا خوف من نار وعذاب .
العبادة عنده(عليه السلام) نموّ مستمر وسمو متواصل واستلهام واع لكلّ معاني العزّ والفخر والخير والعطاء . « إلهي كفى بي عزّاً أن أكون لك عبداً ، وكفى بي فخراً أن تكون لي ربّاً ، أنت كما أحبّ فاجعلني كما تحبّ » .
العبادة عند عليّ(عليه السلام) خشوع وتواضع لخالق السماوات والأرض .
العبادة عند أمير المؤمنين(عليه السلام) شكر لنعمه تعالى المتواصلة على العباد .
العبادة عنده(عليه السلام) اعتراف بخالق الكون ورضا بقضائه وتسليمٌ لقدره .
العبادة عنده(عليه السلام) تحمّل لأمانة السماء ، ومسؤولية كبرى أمام الله سبحانه وتعالى من جهة وإزاء المجتمع من جهة اُخرى .
إذن فهي ليست عبارات جوفاء ومفردات لا معنى لها و حركات منتظمة وحسب.
هكذا يؤدّي عليّ(عليه السلام) عبادته بخشوع عظيم وبصوت حزين ونغمة شجيّ .
فيما رواه عروة بن الزبير : كنّا جلوساً في مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله)فتذاكرنا أهل بدر وبيعة الرضوان ، فقال أبو الدرداء : يا قوم ألا أُخبركم بأقلّ القوم مالا وأكثرهم ورعاً وأشدّهم اجتهاداً في العبادة؟
قالوا : مَنْ هو؟
قال : علي بن أبي طالب .
قال : فوالله لقد رأيت كلّ من كان في المجلس إلاّ أعرض بوجهه عنّي . فقال : يا عَوَيمر لقد تكلّمت بكلمة ما وافقك عليها أحد مذ أتيت بها .
فقال أبو الدرداء : يا قوم إنّي قائل ما رأيته . وليقلّ كلّ قوم ما رأى . شهدت علي بن أبي طالب(عليه السلام) بسويحات بني النجار ، وقد اعتزل عن مواليه واختفى ممّن يليه ، واستتر ببعيلات النخل فافتقدته وبَعُدَ عليّ مكانه ، فقلت لحق بمنزله . فإذا بصوت حزين ، ونغمة شجي وهو يقول :
« إلهي كم من موبقة حملتُها فقابلتَها بنعمتك . وكم من جريرة تكرّمت عن كشفها بكرمك . إلهي إن طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي ، فما أنا بغير غفرانك طامع ، ولا أنا براج غير رضوانك » .
فشغلني الصوت واقتفيت الأثر . فإذا هو عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)بعينه . فاستترت له لأسمع كلامه ، فركع ركعات في جوف الليل ، ثمّ فزع إلى الدعاء والتضرّع والبكاء والبثّ والشكوى . فكان ممّا ناجى به الله أن قال :
« إلهي أُفكّر في عفوك فتهون عليَّ خطيئتي ، ثمّ أذكر العظيم من أخذك ، فتعظم عليَّ بليتي » .
ثمّ قال :
«آه إن أنا قرأتُ في الصحف سيئة أنا ناسيها ، وأنت محصيها ، فتقول خذوه فيا لَه من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ولاتنفعه قبيلته. يرحمه الملأ إذاأذّن فيه النداء » .
ثمّ قال :
« آه من نار تنضح الأكباد والكلى . آه من نار نزّاعة للشوى . آه من غمرة من ملهبات لظى » . ثمّ انفجر في البكاء ، فلم أسمع له حسّاً ولا حركة فقلت غلب عليه النوم لطول السهر ، أوقظهُ لصلاة الفجر (قال أبو الدرداء) فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة ، فحرّكته فلم يتحرّك ، وزويته فلم ينزو ، قلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون . مات والله علي بن أبي طالب . فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم .
فقالت فاطمة(عليها السلام): « ياأباالدرداء، ماكان من شأنهومن قصّته؟ »، فأخبرتهاالخبر.
فقالت : « هي والله يا أباالدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله » ، ثمّ أتوه بماء فنضحوه على وجهه ، فأفاق ونظر إليَّ وأنا أبكي .
فقال : ممَّ بكاؤك يا أباالدرداء؟
فقلت : ممّا أراه تنزله بنفسك .
فقال : يا أبا الدرداء ، فكيف لو رأيتني ودُعي بي إلى الحساب ، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب ، واحتوشتني ملائكة غلاة ، وزبانية حفاة ، فوقفت بين يدي الملك الجبّار ، قد أسلمني الأحبّاء ، ورحمني أهل الدنيا ، لكنتَ أشدّ رحمة لي بين يدي من لا تخفى عليه خافية .
فقال أبوالدرداء : فوالله ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)
ممّا قالوه
ما تقول في عليٍّ(عليه السلام)؟
سؤال أجاب عنه الخليل بن أحمد الفراهيدي .
« فقال : هو إمام الكلّ .
قالوا : ما دليلك عليه؟
قال : استغناؤه عن الكلّ واحتياج الكلّ إليه ، دليل على أنّه إمام الكلّ » .
حقّاً سيّدي إنّك لم تكن نبيّاً ولكنّك كنت إماماً ووصيّاً ، لم تكن رسولا ولكنّك كنت أخاً ووزيراً ، وكنت قدوةً ، وكنت جوهرةً يتيمةً ، خلقها الله وصاغها محمّد(صلى الله عليه وآله)وضيّعها الناس ، كلمة ما أعظمها نطق بها جورج جرداق حينما سئل عن الإمام عليّ(عليه السلام) : آ«ما عساني أن أقول في جوهرة يتيمة ، خلقها الله وصاغها محمّد(صلى الله عليه وآله)!»
إذن ما عسانا أن نقول فيك ـ و أنت إمام الكلّ ـ وفي فضائلك ومناقبك وفي إيمانك وتقواك وجهادك وشجاعتك ، وفي علمك وأدبك وفي فصاحتك وبلاغتك ، أنستطيع أن نصوغ معانيها البليغة والجميلة والعظيمة؟ وكيف نجرؤ أن نفرغ منقبة من مناقبك سيدي في قوالب حروف وكلمات لا نراها إلاّ ميتة؟ اللّهم إلاّ أن نقول وهو الحقّ : إنّها تبعث حيّة بذكر خصالك وفضائلك ...
وحقّاً ما يقوله أبو إسحاق النظام : « عليّ بن أبي طالب محنة على المتكلّم ، إن وفاه حقّه غلا وإن بخسه حقّه أساء! » .
و حقّاً أيضاً ما يقوله المتنبي في جواب من اعترض عليه في عدم مدحك على كثرة أشعاره وقصائده . .
وتركتُ مدحي للوصي تعمّداً
إذ كان نوراً مستطيلا شاملا
وإذا استطال الشيء قام بنفسه
وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا
حقّاً كلمة يتيمة ولدت في غير زمنها ولكنّها مشيئة الله .
مسك كلما حاول أعداؤه إخفاءَه انتشر عَرفه ، وكلّما بذلوا جهودهم لأن يكتموه تضوع نشره ، فشمسك يا سيدي لا تخفيها أكفُّ الظالمين والحاسدين والمبغضين . . .
نعم كانوا لا يُطيقون ظهور فضائلك ولا الإصغاء إليها فضلا عن الارتواء من نميرها .
لقد عثرتُ على قول آخر للخليل بن أحمد الفراهيدي :
« ما أقول في حقّ امرئ كتمت مناقبه أولياؤه خوفاً وأعداؤه حسداً ، ثمّ ظهر ما بين الكتمين ما ملأ الخافقين . بل ظهر نزر يسير فكان له كلّ هذا » .
ممّا فعلوه
لقد كنت سيّدي فريداً نأت عنه هذه الأمّة بسوء حظّها ، ووحيداً جفته لسوء طالعها .
كم دأب الأعداء على محو آثارك ومعالمك ، فلعلّ ذاكرة التاريخ تنساها ، فخاب كيدهم ، وأنصفك التاريخ ، فهذه كتب التأريخ والحديث والآثار تحكي لنا أنّ الذي زيّن صفحاتها كان ذِكرك ، وأنّ الذي لوّن لوحاتها كانت مناقبك وفضائلك ، فقد بهر ما ظهر منها العيون وحيّر العقول خاصة إذا تتبعنا ما أفرغه الأعداء من جهود وما بذلوه من أموال لشراء الذمم وما سخّروه من وسائلهم الإعلامية ـ بعد أن عقد حبّك وولاؤك على قلوب محبّيك ومريديك ـ على مدى سبعين سنة أو تزيد : منابر تشتمك ، وألسن تتبرأ منك ، وأخرى تلعنك . . وفي قبالها نفوس تزهق ، وألسن قطعت; لأنّها لا تقول فيك شيئاً نكراً لطمس فضائلك ودفنها ، فخابت جهودهم وبطلت أحلامهم .
لم يكتفوا بالحسد آ«فكلّ ذي نعمة محسودآ» ونعمتك ما أعظمها : فآيات نزلت بحقّك ، وروايات تواترت بفضلك ، وأقوال لرسول الله(صلى الله عليه وآله) أخذت تشيد بك ، ومواقف رسالية راحت تتباهى بك . . هذا فضلا عن الصياغة الربّانية لك : قدرات عجيبة ، وصفات فريدة ، ومناقب جليلة . . . فكيف لا يحسدوك وكلّ منهم خال الوفاض منها؟! ، ( يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ )
إن يحسدوك على علاك فإنّما
متسافل الدرجات يحسد من علا
بل مزجوا حسدهم بحقد دفين وثارات عقيمة ، في حصيلتها النهائية كانت بغضاً لله ولرسوله وعداءً للدين الذي حلّ بين ظهرانيهم ، فلم يستطيعوا الكيد له ، رغم كلّ جهودهم ، فكادوك لأنّ سيفك كان على رؤوسهم لينطقوا بالحقّ ، وما كانوا ليهتدوا فقالوها مرغمين ، ولم يستطيعوا شتم الرسول(صلى الله عليه وآله) فشتموك . .
فهذا عبدالله بن عبّاس حبر الأمّة وترجمان القرآن ، كان يقوده سعيد بن جبير ـ وقد كفّ بصره ـ فمرّ على زمزم فإذا بقوم من أهل الشام يسبّون عليّاً كرّم الله وجهه ، فسمعهم عبدالله بن عبّاس ، فقال لسعيد : ردّني إليهم ، فردّه إليهم فقال :
أيّكم السابّ لله عزّوجلّ؟
فقالوا : سبحان الله ما فينا من سبّ الله عزّوجلّ!
فقال : أيّكم السابّ لرسول الله(صلى الله عليه وآله) ؟
فقالوا : ما فينا من سبَّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)!
فقال : أيكم السابّ لعليّ بن أبي طالب؟
فقالوا : أما هذا فكان منه شيء .
فقال : شهدت على رسول الله(صلى الله عليه وآله) بما سمعته يقول لعليّ بن أبي طالب : « يا عليّ مَنْ سبّك فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ الله ، ومن سبّ الله ، أكبّه الله على منخريه في النار » . ثمّ تولّى عنهم ...
يقول عبدالله بن أحمد بن حنبل : « سألت أبي عن عليّ وأعدائه ، فقال : يا بني إنّ عليّاً كان كثير الأعداء ، ففتش عليه أعداؤه شيئاً مكروهاً ولم يجدوا ، وجاؤوا إليه وحاربوه وقاتلوه وخلعوه كيداً منهم له » .
نعم ، حاربوك فكانت حربهم ظالمة ، كادوا لك فردّ كيدهم إلى نحورهم ، افتروا عليك فكانت افتراءاتهم جائرة .
لم يجدوا عيباً فيك سيّدي فلاذوا بطمس معالمك وفضائلك وألجموا الألسنة الناطقة بمناقبك ، لقد بنوا كيانهم على شتمك وسبّك وطمس آثارك . . وكأن حكمهم ليس له هدف إلاّ إنهاء ذكرك ، وكأن ليس لهم همٌّ إلاّ إخفاء فضلك . . .
أما آن لك ـ يا معاوية ـ أن تترك عليّاً وشأنه ، وتأمر بترك مسبّته على المنابر؟
قال : لا ، حتّى يموت عليها الكبير ويربو عليها الصغير .
فقد أبت نفوس هؤلاء الطلقاء قبول عليّ بفضائله ومناقبه ومواقفه الجليلة التي كانت دفاعاً عن الرسالة والرسول ، وعن كلمة الحقّ والعدل . . أبت قلوبهم ذلك كلّه ، فراحت سياستهم تقوم على نبذ هذه المناقب والفضائل بل التصدّي لها بكلّ حزم حتّى صارت أساس سياستهم والبناء الذي تقوم عليه ، فأصدر زعيم هؤلاء القوم وعميدهم معاوية بن أبي سفيان أمراً سلطانياً : برئت الذمّة ممّن روى شيئاً في فضل أبي تراب وأهل بيته .
ولم يكتف بهذا بل عمّم كتاباً آخر إلى جميع عمّاله يقول فيه :
إذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ، ولا تتركوا خبراً يرويه أحدٌ من المسلمين في أبي تراب ، إلاّ وتأتوني بمناقض له في الصحابة ، فإنّ هذا أحبُّ إليَّ وأقرُّ لعيني ، وأدحضُ لحجّة أبي تراب وشيعته. وبسبب هذا كلّه وتشجيعاً من السلطان الظالم ظهر الوضّاعون وكثروا ، وظهر البهتان وانتشر وشاعت المختلقات من الروايات وذاعت بين الآفاق ، وتجرأ أعداء الدين على تشويه معالمه والكيد له . .
معاوية يقدم قومه
ولكن هيهات هيهات! فالزوابع بغبارها لا تخفي الحقيقة التي علت ناصعةً تتحدّاهم جميعاً ، فقد ذاع صيتك وعطّر الخافقين عبيرك ، وحتّى هؤلاء الأعداء راحت ألسنتهم تنطق بالحقّ ، نطقت بصفاتك ، ونشرت مجالسهم عظيم مناقبك . . . فلسان مناوئيك أنطقه الله الذي أنطق كلّ شيء ، لتكون الحجّة عليهم أقوى ، فالفضل ما شهدت به الأعداء .
* جاء ابن أحور التميمي إلى معاوية فقال : يا أمير المؤمنين جئتك من عند ألأم الناس ، وأبخل الناس ، وأعيا الناس ، وأجبن الناس .
فقال : ويلك وأنّى أتاه اللؤم ، ولكنا نتحدّث أن لو كان لعليّ بيتٌ من تبن وآخر من تبر ، لأنفد التبر قبل التبن ، وأنّى أتاه العي وإن كنّا لنتحدّث أنه ما جرت المواسي على رأس رجل من قريش أفصح من عليّ ، ويلك وأنّى أتاه الجبن؟ وما برز له رجل قطّ إلاّ صرعه ، والله يا ابن أحور ، لولا أنّ الحرب خدعة لضربتُ عنقك ، اخرج فلا تقيمن في بلدي.
* وله أيضاً : فوالله لو أنّ ألسن الناس جمعت فجعلت لساناً واحداً لكفاها لسان عليّ. ولو لم يكن للأمّة إلاّ لسان علي لكفاها .
* ولمّا جاء ابن أبي محفن معاوية قال له : جئتك من عند أعيا الناس .
قال له : ويحك! كيف يكون أعيا الناس؟! فوالله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره.
* قال معاوية لضرار بن ضمرة من أصحاب عليّ(عليه السلام) بعد مصرعه :
صِف لي عليّاً .
فقال ضرار : اعفني .
قال معاوية : لَتصِفنَّه .
قال : أمّا إذ لابدّ من وصفه ، فكان والله بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلا ، ويحكم عدلا ، يتفجّر العلم من جوانبه ، وتنطلق الحكمة من نواحيه ، ويستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل ووحشته .
وكان غزير العبرة ، طويل الفكرة ، يعجبه من اللباس ما قصر ، ومن الطعام ما خشن .
وكان فينا كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ، وينبئنا إذا استنبأناه . ونحن والله ـ مع تقريبه إيّانا وقربه منّا ـ لا نكاد نكلِّمه هيبةً له .
ويعظّم أهل الدين ، ويقرب المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييئس الضعيف من عدله .
وأشهد أنّي لقد رأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه ، قابضاً على لحيته ، يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، ويقول :
يا دنيا غُرّي غيري! أإليّ تعرّضتِ أم إليَّ تشوّقتِ؟!
هيهات هيهات!
قد باينتك ثلاثاً لا رجعة فيها ، فعمرك قصير ، وخطرك قليل .
آه من قلّة الزاد ، وبُعد السفر ، ووحشة الطريق!
ولما انتهى ضرار من وصفه هذا يقول الخبر : فبكى معاوية حتّى اخضلّت لحيته وقال : رحم الله أبا الحسن ، كان والله كذلك .
فكيف حزنك عليه يا ضرار؟
قال : حزن من ذُبحَ وحيدُها في حجرها .
* ولمّا بلغ معاوية قتل علي(عليه السلام) قال :
ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب .
فقال له أخوه عتبة بن أبي سفيان : لا يسمع هذا منك أهل الشام .
فقال له : دعك منّي.
وكان يقول عن علم عليّ(عليه السلام) : كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يغره العلمَ غرّاًرحم الله أباالحسن فلقد سبق من كان قبله ، وأعجز من يأتي بعده.
. . . هيهات هيهات! عقمت النساء أن يلدن مثله
* وهذا عمرو بن العاص العدوّ اللدود لعليّ(عليه السلام) حينما راح يخيِّر نفسه بين علي ومعاوية :
أمّا عليٌّ فدين ليس يشركه دنيا وذاك له دنيا وسلطان .
وفيما كتبه إلى معاوية قبل التحاقه به : ويحك يا معاوية! أما علمت أنّ أباالحسن بذل نفسه بين رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقد قال فيه يوم غدير خم : ألا من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاده . . .
. . . حيث نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته ، ولكنّا إنّما أردنا هذه الدنيا . . .
وراح يخاطب معاوية . . . ومهما نسيت فلا تنسى أنّك على باطل . . .
أوهل يستغنون عنك؟!
فوجئ عليٌّ(عليه السلام) يوماً بجمع من صحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وكان فيهم حبر الأمّة عبدالله بن عبّاس والخليفة أبو بكر ورجل يهودي يقرعون عليه باب داره .
ذلك أنّ مالك بن أنس روى أنّ يهودياً دخل المسجد فسأل الناس :
أين وصيّ رسول الله؟ فأشار القوم إلى أبي بكر .
فقال الرجل : أريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلاّ وصيّ أو نبيّ . . . قال أبوبكر : سل عمّا بدا لك .
قال اليهودي : اخبرني عمّا ليس لله ، وعمّا ليس عند الله . . وعمّا لا يعلمه الله . . . قال أبو بكر : هذه مسائل الزنادقة يا يهودي!
همّ أبو بكر والمسلمون رضي الله عنهم باليهودي ، فقال ابن عبّاس(رضي الله عنه) : ما أنصفتم الرجل! . . . فقال أبو بكر : أما سمعت ما تكلّم به؟
فقال ابن عبّاس : إن كان عندكم جوابه ، وإلاّ فاذهبوا إلى علي(رضي الله عنه)يجيبه ، فإنّي سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول لعلي بن أبي طالب : آ«اللّهم اهدِ قلبه وثبّت لسانهآ» .
فقام أبو بكر، ومن حضره ، فأتوا عليّ بن أبي طالب في داره ، فاستأذنوا عليه .
فقال أبو بكر : يا أبا الحسن إنّ هذا اليهودي سألني مسائل الزندقة!
فقال عليّ كرّم الله وجهه : آ«ما تقوله يا يهوديّ؟آ»
قال : أسألك عن أشياء لا يعلمها إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ .
فقال له : قلّ .
فأعاد اليهودي الأسئلة .
فقال عليّ(رضي الله عنه) :
أما ما لا يعلمه الله فذلك قولكم معشر اليهود أن عزيراً ابن الله ، والله لا يعلم أنّ له ولداً (إذ لو كان له ولد لكان يعلمه) .
وأمّا قولك : أخبرني بما ليس عند الله .
فليس عنده ظلمٌ للعباد .
وأمّا قولك : أخبرني بما ليس لِلّه .
فليس لِلّه شريك .
فقال اليهودي : أشهد أنّ محمّداً رسول الله وأنّك وصيّ رسول الله .
فارتاح أبو بكر والمسلمون من جواب عليّ ، وقالوا : يا مفرِّج الكروب!.
وهكذا كان يفعل الخليفتان الثاني والثالث فهم جميعاً لم يستغنوا عن
آراء الإمام عليّ(عليه السلام) في الفقه والقضاء والجهاد والسياسة والإدارة . . وكان
يمدّ لهم يدَ العون والرشد ما دامت هناك مصلحة إسلامية ، والشواهد كثيرة
على هذا .
مع بعض أقواله(عليه السلام)
« لا يقيم أمر الله سبحانه وتعالى إلاّ من لا يصانع ولا يتبع المطامع .. » ، و ممّا كان يعظ به من يتولّى أمراً من أُمور المسلمين صغر هذا الأمر أو كبر :
«لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل ، فتكون أموالهم نهمته ، ولا الجاهل فيضلّهم بجهله ، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه ، ولا الخائف للدول فيتّخذ قوماً دون قوم ، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ، ولا المعطل للسنّة فيهلك الأمّة . ومَن نصب نفسه للناس فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره ، وليكن تهذيبه بسيرته قبل تهذيبه بلسانه ، ومعلم نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلم الناس ومؤدّبهم » .
ولمّا رأى الثراء فاحشاً في الناس وأخلاق السوء قد دبّت فيهم ، ولما رآهم يتزاحمون على نيل المناصب والجاه ، ولمّا رآهم يتّصفون بالتفاخر والتكاثر بالأموال والأنفس ، ولمّا رآهم وقد عادت العصبية إلى سيرتهم والقومية تنهش بهم وقد نهى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقال :
« دعوها إنّها نتنة » ، و « ليس منّا من دعا إلى عصبية » .
راح عليّ(عليه السلام) يعظهم ويحذّرهم ممّا يتركه ذلك على نفوسهم وعواقب ما هم فيه :
« أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع » .
« من أصبح على الدنيا حزيناً ، فقد أصبح لقضاء الله ساخطاً » .
« ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به ، فقد أصبح يشكو ربّه » .
«ومن أتى غنياً فتواضع لغناه ذهب ثلثا دينه» .
« ما بال ابن آدم والفخر؟ أوّله نطفة ، وآخره جيفة ، لا يرزق نفسه ولا يدفع حتفه » .
« ياابن آدم ، كن وصي نفسك في مالك ، واعمل فيه ما تؤثر أن يُعمل فيه من بعدك » .
« ظلم الضعيف أفحش الظلم » .
« لا تَظلم كما لا تُحبّ أن تُظلَم » .
« من ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده ، ومن خاصمه الله أدحض حجّته ، وكان الله حرباً عليه حتّى ينزع عن ظلمه ويتوب ، وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم ، فإنّ الله يسمع دعوة المضطهدين ، وهو للظالمين بالمرصاد» .
«لا يغرّنكم ما أصبح فيه أهل الغرور ، فإنّما هو ظلٌّ ممدود إلى أجل محدود» .
و ختاماً نكتفي بما ذكره بعض كبار الكتّاب والمفكّرين :
* عبّاس محمود العقّاد
تدلّ أخباره ـ كما تدلّ صفاته ـ على قوّة جسدية بالغة في المكانة والصلابة على العوارض والآفات . فربما رفع الفارس بيده فجلد به الأرض غير جاهد ولا حافل ، ويمسك بذراع الرجل فكأنّه أمسك بنفَسِهِ فلا يستطيع أن يتنفّس ، واشتهر عنه انّه لم يصارع أحداً إلاّ صرعه ، ولم يبارز أحداً إلاّ قتله ، وقد يزحزح الحجر الضخم لا يزحزحه إلاّ رجال ، ويحمل الباب الكبير يعيى بقلبه الأشدّاء ، ويصيح الصيحة فتنخلع لها قلوب الشجعان . . . لا ينهض له أحد في ميدان مناجزة ، فكان لجرأته على الموت لا يهاب قرناً من الأقران بالغاً ما بلغ من الصولة ورهبة الصيت . . .
ويزيد شجاعته تشريفاً أنّها ازدانت بأجمل الصفات التي تزين شجاعة الشجعان الأقوياء . . فلا يعرف الناس حلية للشجاعة أجمل من تلك الصفات التي طبع عليها عليّ بغير كلفة ولا مجاهدة رأي . وهي التورّع عن البغي ، والمروءة مع الخصم قويّاً أو ضعيفاً على السواء ، وسلامة الصدر من الضغن على العدوّ بعد الفراغ من القتال .
أمّا مروءته في هذا الباب فكانت أندر بين ذوي المروءة من شجاعته بين الشجعان . فأبى على جنده وهم ناقمون أن يقتلوا مدبراً أو يجهزوا على جريح أو يكشفوا ستراً أو يأخذوا مالاً . وصلّى في وقعة الجمل على القتلى من أصحابه ومن أعدائه على السواء ، وظفر بعبدالله بن الزبير ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص وهم ألدّ أعدائه المؤلّبين عليه فعفا عنهم ولم يتعقّبهم بسوء ، وظفر بعمرو بن العاص وهو أخطر عليه من جيش ذي عدّة فأعرض عنه وتركه ينجو بحياته حين كشف عن سوأته اتقاءً لضربته . . وحال جند معاوية بينه وبين الماء في معركة صفّين وهم يقولون له : ولا قطرة حتى تموت عطشاً . . فلمّا حمل عليهم وأجلاهم عنه سوَّغ لهم أن يشربوا منه كما يشرب جنده ، وزار السيّدة عائشة بعد وقعة الجمل فصاحت به صفية أم طلحة الطلحات : أيتم الله منك أولادك كما أيتمت أولادي . فلم يرد عليها شيئاً ، ثمّ خرج فأعادت عليه ما استقبلته به فسكت ولم يرد عليها . قال رجل أغضبه مقالها : يا أمير المؤمنين! أتسكت عن هذه المرأة وهي تقول ما تسمع؟ فانتهره وهو يقول : ويحك؟ إنّا أُمرنا أن نكفّ عن النساء وهن مشركات أفلا نكفّ عنهنّ وهن مسلمات؟ وإنّه لفي طريقه إذ أخبره بعض أتباعه عن رجلين ينالان من عائشة فأمر بجلدهما مائة جلدة . ثمّ ودّع السيّدة عائشة أكرم وداع وسار في ركابها أميالاً وأرسل معها من يخدمها ويحفّ بها . قيل : إنّه أرسل معها عشرين امرأة من نساء عبد القيس عمّمهن بالعمائم وقلّدهن السيوف . . فلمّا كانت ببعض الطريق ذكرته بما لا يجوز أن يذكر به وتأفّفت وقالت : هتك ستري برجاله وجنده الذين وكّلهم بي . . فلمّا وصلت إلى المدينة ألقى النساء عمائمهنّ وقلن لها : إنّما نحن نسوة .
وهنا تقول عائشة : ما ازددت والله يا ابن أبي طالب إلاّ كرماً .
وكانت هذه المروءة سنّته مع خصومه ، من استحق منهم الكرامة ومن لم يستحقها ، ومن كان في حرمة عائشة رضي الله عنها ومن لم تكن له قط حرمة ، وهي أندر مروءة عرفت من مقاتل في وغر القتال . .
وتعدلها في النبل والندرة سلامة صدره من الضغن على أعدى الناس له وأضرّهم به وأشهرهم بالضغن عليه . فنهى أهله وصحبه أن يمثِّلوا بقاتله وأن يقتلوا أحداً غيره ، ورثى طلحة الذي خلع بيعته وجمع الجموع لحربه رثاءً محزون يفيض كلامه بالألم والمودّة ، وأوصى أتباعه ألا يقاتلوا الخوارج الذين شقوا صفوفه وأفسدوا عليه أمره وكانوا شرّاً عليه من معاوية وجنده ، لأنّه رآهم مخلصين وإن كانوا مخطئين وعلى خطئهم مصرِّين . .
وعن صفة الثقة والاعتزاز بالنفس في المواقف الحرجة والعلم . . . يقول العقاد : فما منعته الطفولة الباكرة يوماً أن يعلم أنّه شيء في هذه الدنيا وأنّه قوّة لها جوار يركن إليه المستجير . ولقد كان في العاشرة أو نحوها يوم أحاط القروم القرشيون بالنبيّ عليه السلام ينذرونه وينكرونه وهو يقلب عينيه في وجوههم ويسأل عن النصير ولا نصير . . لو كان بعلي أن يرتاع في مقام نجدة أو مقام عزيمة لارتاع يومئذ بين أولئك الشيوخ الذين رفعتهم الوجاهة ورفعتهم آداب القبيلة البدوية إلى مقام الخشية والخشوع . ولكنّه كان عليّاً في تلك السن الباكرة كما كان عليّاً وهو في الخمسين أو الستّين . . فما تردّد وهم صامتون مستهزئون أن يصيح صيحة الواثق الغضوب : أنا نصيرك . . فضحكوا منه ضحك الجهل والاستكبار ، وعلم القدر وحده في تلك اللحظة أن تأييد ذلك الغلام أعظم وأقوم من حرب أولئك القروم . .
عليّ هذا هو الذي نام في فراش النبيّ ليلة الهجرة ، وقد علم ما تأتمر به مكّة كلّها من قتل الراقد على ذلك الفراش .
وعليّ هذا هو الذي تصدّى لعمرو بن ود مرّةً بعد مرّةً والنبيّ يجلسه ويحذّره العاقبة التي حذرها فرسان العرب من غير تحذير ، يقول النبي : اجلس . إنّه عمرو . فيقول : وإن كان عمراً . . كأنّه لا يعرف من يخاف ولا يعرف كيف يخاف ، ولا يعرف إلاّ الشجاعة التي هو ممتلئ بها واثق فيها في غير كلفة ولا اكتراث .
أن يعتصم المرء منه بثقة لا تنخذل ، وأنفة لا تلين . فمن شواهد هذه الثقة بنفسه انّه حملها من ميدان الشجاعة إلى ميدان العلم والرأي حين كان يقول : « اسألوني قبل أن تفقدوني ، فوالذي نفسي بيده لا تسألوني في شيء فيما بينكم وبين الساعة ، ولا عن فئة تهدى مائة وتضلّ مائة إلاّ أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها ، ومناخ ركابها ومحطّ رحالها » .
ومن شواهدها أنّه كان يقول والخارجون عليه يرجمونه بالمروق : « ما أعرف أحداً من هذه الاُمّة عَبَدَ الله بعد نبيّنا غيري ، عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذا الاُمّة تسع سنين » .
وزاده اتهام من حوله معتصماً بالثقة بنفسه ، فلمّا عتب عليه خصماه طلحة والزبير أنه ترك مشورتهما قال : « نظرت إلى كتاب الله وما وضع لنا وأمرنا بالحكم به فاتّبعته . وما استنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاقتديته . فلم أحتج في ذلك إلى رأيكما ولا رأي غيركما ، ولا وقع حكم جهلته فأستشيركما واخواني المسلمين ، ولو كان ذلك لم أرغب عنكما ولا عن غيركما . . . » .
ومن أقوال العقّاد الأخرى : كان مثلاً يخرج إلى مبارزيه حاسر الرأس ومبارزوه مقنّعون بالحديد . أفعجيب منه أن يخرج إليهم حاسر النفس وهم مقنّعون بالحيلة والرياء؟ وكان يغفل الخضاب أحياناً ويرسل الشيب ناصعاً وهو لا يحرم خضابه في غير ذلك من الأحيان . أفعجيب منه ، مع هذا ، أن يقل اكتراثه لكلّ خضاب ساتراً ما ستر ، أو كاشفاً ما كشف ، من رأي وخليقة؟
وعن صدقه وزهده فيقول العقاد : . . . فما استطاع أحد قطّ أن يحصي عليه كلمة خالف فيها الحقّ الصراح في سلمه وحربه ، وبين صحبه أو بين أعدائه ، ولعلّه كان أحوج إلى المصانعة بين النصراء ممّا كان بين الأعداء ، لأنّهم أرهقوه باللجاجة وأعنتوه بالخلاف . فما عدا معهم قول الصدق في شدّة ولا رخاء ، حتى قال فيه أقرب الناس إليه : إنّه رجل يعرف من الحرب شجاعتها ولكنّه لا يعرف خدعتها . وكان أبدا عند قوله : « علامة الايمان أن تؤثر الصدق حيث يضرّك ، على الكذب حيث ينفعك ، وألا يكون في حديثك فضل على علمك ، وأن تتّقي الله في حديث غيرك » .
وصدق في تقواه وإيمانه كما صدق في عمل يمينه ومقالة لسانه . فلم يعرف أحد من الخلفاء أزهد منه في لذّة دنيا أو سيب دولة ، وكان وهو أمير المؤمنين يأكل الشعير وتطحنه امرأته بيديها ، وكان يختم على الجراب الذي فيه دقيق الشعير فيقول : آ«لا أحبّ أن يدخل بطني ما لا أعلمآ» . . قال عمر بن عبد العزيز وهو من أسرة أميّة التي تبغض عليّاً وتخلق له السيّئات وتُخفي ما توافر له من الحسنات : آ«أزهد الناس في الدنيا عليّ بن أبي طالبآ» . وقال سفيان : « إنّ عليّاً لم يبن آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبةآ» وقد أبى أن ينزل القصر الأبيض بالكوفة إيثاراً للخصاص التي يسكنها الفقراء . وربما باع سيفه ليشتري بثمنه الكساء والطعام . وروى النضر بن منصور عن عقبة بن علقمة قال : آ«دخلت على عليّ(عليه السلام) فإذا بين يديه لبن حامض آذتني حموضته وكسر يابسة . فقلت : يا أمير المؤمنين ، أتأكل مثل هذا؟ فقال لي : يا أبا الجنوب ، كان رسول الله يأكل أيبس من هذا ويلبس أخشن من هذا ـ وأشار إلى ثيابه ـ فإن لم آخذ بما أخذ به خفت ألا ألحق به » ..
. . . هذه صفات تنتظم في نسق موصول : رجل شجاع لأنّه قوي ، وصادق لأنّه شجاع ، وزاهد مستقيم لأنّه صادق ، ومثار للخلاف; لأنّ الصدق لا يدور بصاحبه مع الرضا والسخط والقبول والنفور ، وأصدق الشهادات لهذا الرجل الصادق أنّ الناس قد أثبتوا له في حياته أجمل صفاته المُثلى ، فلم يختلفوا على شيء منها إلاّ الذي اصطدم بالمطامع . . .
* عبد الفتاح عبد المقصود :
أجل لقد واجه أبو طالب دنياه فقيراً ، ومات عبد المطّلب عنه وهو بعد في نحو من السن لم يكن كدحه قد أفاء عليه من الخير ما يشتهيه . ولم يورثه أيضاً سيادة القوم لأنّه أوصى لآخر من بنيه هو الزبير . فلئن أقبلت الدنيا على هذا الفقير فحبته بمكرمة هي آية المكرمات فقد كان هذا من القدر غاية المرتجى عند ذي رجاء ...
... فإذا تمّ لأبي طالب الفقير المعسر بعض أمره في جوار كعبة الحرم ، فإنّ أمره هذا لجليل في عيون القوم لأنّه اكتسب أبلغ شرف بأشرف جوار في أقدس دار ، فكيف لو تمّ له أمره ذاك بغير سابق ترتيب منه ، بل بصدفة هي عند أولئك الناس منّة منّ الله وحظوة أراد أن يشرف بها ابن عبد المطّلب كما لم يشرف بمثلها قبله أو بعده من الرجال كثير ولا قليل؟
* * *
تلك ليلة فذة في الليالي ، أضاء نجمها على الدنيا مرّه ثمّ لم يقدر بعدها لضوئه أن يبزغ ثانية كمثل بزوغه لأنّ مثيلاتها لا تعود . ولكن ضياء أشدّ لمعاناً من نور النجم توهّج ، ثمّ سطع ، ثمّ فاض بنوره على الآفاق سيرة كوجه الشمس رفاقة الإشراق . . سيرة إن فاتها أن تنفرد وحدها بالمبنى الساحر فقليل سواها ضمّ ما كان لها من معنى قاهر ، بل أقلّ القليل ، بل الأندر منه . ولو أنّك استطعت أن تتحلّل من شباك الزمن وتنفض خيوطها عنك ، وسبحت عائداً إلى الماضي لرأيت ابنة أسد ـ فاطمة ـ تجول بالبيت الحرام تلتمس البركة ، لأنّها سيّدة تجمّعت فيها مزايا آلها الكرام وامتلأ ـ كمثلهم ـ قلبها طهراً . ثمّ لرأيتها تأتي الكعبة فتطوف بها مرّة فمرّات متمسّحة بأستارها آونة مقبّلتها أُخرى . ولكنّك لا تلبث حتّى تشهدها وقد أوشك أن يصيبها أعياء تكاد أن تنوء به ، وتنكر هي ـ بادئ الأمر ـ ما تحسّه ، ثمّ تمضي متجلّدة تستحثّ نفسها وتستنهضها . ولكنّها رغم هذا لا تقوى ، ولا تستطيع أن تقوم عودها . وإذا هي تتشبّث أصابعها بأستار الكعبة تستعين بها وقد أخذت تحسّ شيئاً غاب عن ذهنها ، وتقف مجهودة لا يستقرّ بها موطئ القدمين ، كمن على طرف كثيب رخو من الرمال . وتجيل فيما حولها عيناً حائرة لعلّها تبصر زوجها أبا طالب يسعى هنا أو هناك فتجد لديه عوناً على ما تلقى ، ولكنّها لا تراه لأنّ ما حضرها في هذه اللحظة غاب عن حسابه . .
ثمّ لعلّك تتبعها وقد خشيت هي أن تلقفها الأبصار المتطلّعة ممّن حضر من أناس كان دأبهم الاجتماع في أروقة البيت وفي أفنائه فإذا رأيتها قد انحازت ناحية ، ودلفت إلى أستار الكعبة فتوارت خلفها عن عيون القوم فكفاك ما شهدت . وقف منها على ملقط السمع دون مرمى العين لأنّها شاءت أن تتّخذ من الستر المقدّس ردءاً . واسمع بعد هذا حسيساً خافتاً يأتيك من لدنها . وأنيناً يحكمه الجلد واصطناع الاحتمال ، وصرخات مكتومة تكاد أن تضلّها الأذن كأنّها تأتي من مهوى سحيق بعيد القرار . ثمّ اسمع نبرة بكاء تخالط هذه الصرخات ، لها غير جرسها وغير رنتها ، رقيقة ، رنانة في غير حدّة ، كأنّها شدو طائر تفتّحت عيناه على شعاع فجر أسفر أو أوشك على اسفار . وقد يأخذك العجب ، وتملكك الدهشة ، ولكنّه عجب قصير أجله، ودهشة لن يطول بك مداها ما دامت فاطمة قد بدت ثانية لناظريك ، واهنة، وأشدّ ضعفاً ممّا رأيتها من قبل ، كسا وجهها الشحوب ومشت في أوصالها رجفة الاعياء ، وقد احتملت ـ مدثراً بستر الكعبة الشريف ـ وليدها بين صدرها وكفّيها .
* * *
تلك ولادة لم تكن قبل طفلها هذا الوليد ولم يحز فخرها بعده وليد أكرمه بها الله وأكرم اُمّه وأباه ، فكان تكريماً لفرعي هاشم الذي انحدر منه الطفل عن فاطمة وعن أبي طالب حفيدي الأصل الثابت الكريم .
وأقبل القوم ـ حين انتبهوا ـ يستبقون إلى السيّدة ، يعاونونها : ويأخذون بيدها ، ويملأون الأبصار بطلعة ذلك الذي كان بيت الله مولده ، وستر الكعبة ثوبه ، كأنّما أوسع له في الشرف باجتماعه في كلا المولد والمحتد وهم لو استطاعوا أن يسبقوا زمانهم كما تأخّرت أنت لرأوه أيضاً يجتمع له نفس هذا الشرف حين يقبل عليه الموت فيلقاه في بيت الله يهمّ أن يقوم بالصلاة . . .
أمّا فاطمة فقد أحبّت أن تحي في وليدها اسم أبيها فدعته بمعناه وان لم تدعه بلفظه ، وقالت لزوجها وهي تحاوره :
« هو حيدرة » .
وأمّا أبو طالب فقد كان أكثر توفيقاً حين اختار . رأى وليده قد علا شرفاً بمكان مولده كما علا من قبل بأصله الرفيع فقال :
« بل علي » .
وبدأت عند هذا حياة الرجل الذي ساير أخطر الأحداث في هذه الدنيا ، وعاشر أطهر الخلق وسيّد النبيّين ، واحتمل نصيبه من عبء كبير ألقاه الله على مختاره الأمين ، الذي خصّه بوحيه ورسالته الإلهية لهداية العالم .
وعاش عليّ عمره لغيره من المثل ومن الرجال ، فكان في صباه القريب المفتدي ، وفي شبابه الصديق المقتدي بالنبي الكريم ، وبين هذا وذاك من أطوار العمر وما جاء في أعقابها من فترات ، التزم غايات الكمال في الفِعال والخِلال ، فلمّا انطوى بعض أجله ، ومضى من الدنيا وعن هاديه ، كان المعقب له وقد ذهب العقب . وأجل من أخذ عنه فأجاد ، وركب جادته فما حاد .
* محمود أبو ريّه
عليٌّ أوّل من أسلم وتربّى في حجر النبي وعاش تحت كنفه من قبل البعثة وظلّ معه إلى أن انتقل النبيّ إلى الرفيق الأعلى ، لم يفارقه لا في سفر ولا في حضر ، وهو ابن عمّه وزوج ابنته فاطمة الزهراء ، شهد المشاهد كلّها سوى تبوك ، فقد استخلفه النبيّ(صلى الله عليه وآله) فيها على المدينة فقال : يا رسول الله ، أتخلفني في النساء والصبيان؟ فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : « أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي؟ » .
هذا الإمام الذي لا يكاد يضارعه أحد من الصحابة جميعاً في العلم . . .
ثمّ واصل أبورية حديثه تحت عنوان : غريبة توجب الحيرة :
من أغرب الأمور ، وممّا يدعو إلى الحيرة أنّهم لم يذكروا اسم عليّ(رضي الله عنه) فيمن عهد إليهم بجمع القرآن وكتابته ، لا في عهد أبي بكر ولا في عهد عثمان! ويذكرون غيره ممّن هم أقلّ منه درجة في العلم والفقه!
فهل كان عليّ لا يُحسن شيئاً من هذا الأمر ، أو كان من غير الموثوق بهم ، أو ممّن لا يصحّ استشارتهم أو إشراكهم في هذا الأمر؟!
اللّهم إنّ العقل والمنطق ليقضيان بأن يكون عليّ أوّل من يعهد إليه بهذا الأمر ، وأعظم من يشارك فيه ، وذلك بما أُتيح له من صفات ومزايا لم تتهيّأ لغيره من بين الصحابة جميعاً ، فقد ربّاه النبي(صلى الله عليه وآله) على عينه ، وعاش زمناً طويلا تحت كنفه ، وشهد الوحي من أوّل نزوله إلى يوم انقطاعه ، بحيث لم يند عنه آية من آياته!! فإذا لم يدع إلى هذا الأمر الخطير فإلى أيّ شيء يدعى؟!
وإذا كانوا قد انتحلوا معاذير ليسوغوا بها تخطيهم إيّاه في أمر خلافة أبي بكر ، فلم يسألوه عنها ولم يستشيروه فيها; فبأي شيء يعتذرون من عدم دعوته لأمر كتابة القرآن؟
فبماذا نعلّل ذلك؟ وبماذا يحكم القاضي العادل فيه؟
حقّاً إنّ الأمر لعجيب ، وما علينا إلاّ أن نقول كلمةً لا نملك غيرها وهي :
لك الله يا عليّ! ما أنصفوك في شيء!
* فتحي يكن في رحاب نهج البلاغة :
يصعب جدّاً الإحاطة بما تضمّنه كتاب نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ورضي الله عنه وأرضاه ، من موضوعات تتعلّق بمختلف شؤون الحياة ، سابرة أغوارها ، مستكشفة أبعادها ، مقدمة المواعظ والعبر والدروس والحكم النافعة الجليلة من خلالها .
سأتناول من (نهج البلاغة) سفراً من أسفاره ، وقبساً من قبساته ، والذي يلفت فيه ببلاغة العالم ، وعلم الرسالي ، وإحاطة الداعية ، وسرّ نجاح وفلاح الإمام حيث يقول : آ«من نصب نفسه للناس إماماً ، فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره ، وليكن تهذيبه بسيرته قبل تهذيبه بلسانه ، ومعلم نفسه ومهذّبها أحقّ بالإجلال من معلم الناس ومهذّبهمآ» .
إنّه سرّ نجاح الإمامة ، وخلفية تألّق الإمام . . . سواء كانت إمامة دعوة ، أو إمامة ولاية ، وسواء كانت إمامة صغرى أو كبرى . .
فسبب النجاح يبقى هو هو ، وسرّ الأثر لا يتبدّل ولا يتغيّر . . . إنّه تأكيد للسنّة الإلهية الثابتة الماضية : (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلا ) تلكم هي (سنّة التغيير) التي تتجلّى في قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْم حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) .
فمن يتصدّى للإمامة .. للقيادة .. للدعوة .. للرسالة .. للإمامة ... لابدّ وأن يكون تمكّن من إمامة نفسه ، وقيادة ذاته برسالة الإسلام ، كما لابدّ وأن يكون قد أحكم قياد حياته وفق أمر الله وأمر رسوله(صلى الله عليه وآله) . وهذا مناط قوله(عليه السلام) : « فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره » .
ومن يفعل ذلك يكن ماضياً وفق السنّة الإلهية . . ومن التزم السنن الإلهية لا يضلّ ولا يشقى ، وإنّما يبقى مسدّداً مهتدياً راشداً مسترشداً .
إذا لم يكن عون من الله للفتى
فأوّل ما يقضي عليه اجتهاده
فالذي يُطلّ على الناس بحال الإسلام غير الذي يطل عليهم بمقال الإسلام . . والذي يترجم الإسلام بأعماله غير الذي يترجمه بلسانه . . وهذا مناط قوله(رضي الله عنه) : « وليكن تهذيبه بسيرته قبل تهذيبه بلسانه » .
إنّ حالة الانفصام بين الادّعاء والواقع ، وبين القول والعمل ، وبين الشعار والمضمون حالة مرضية ومذمومة ، وقبيحة ومقبوحة ، ورذيلة ومرذولة ، ويجب أن لا ترى النور ضمن الدائرة الإسلامية التي تفرض التجانس والوئام بين النظرية والتطبيق; ليتحقّق الفوز والفلاح في الحياة الدنيا « ومعلّم نفسه ومهذّبها أحقّ بالإجلال من معلّم الناس ومهذّبهم » . فضلا عن الفوز برضا الله تعالى ، وذلك هو الفوز العظيم .
من هنا كان الخطاب القرآني يتهدّد ويتوعّد أولئك المصابين بداء انفصام الشخصية فيقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَاللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ ) .
* سليمان كتّاني
... آتياً إلينا من فضاء لا ينتهي اُفقه ، ولا ينتهي لألاؤه ، إنّه الإمام عليّ : اُنسوجة بكر ـ كأنّها أبداً ـ بكر .. سبحان الله ، وقد نسلَه من فسحات المعاني ، كأن الفضا ل ه à…ث àج نّما هي من أجل صفوات المباني ، شدّت إليه ليكون بها المثال ، في بنية الإنسان ، وكلّ مجتمعات الإنسان .
ولستُ أظنّ فضائله تُحصى برقم ، فهي الوسيعة ، والرفيعة ، والمديدة ... يوسعها الحجى ، ويرفعها الصدق ، ويمدّدها الجمال ... أما آفاقها ـ في نعيم انصباباتها ـ فهي الله ـ جلّ شأنه ـ في اتصافه الوجودي المطلق ، تمنطق بها الإمام عليّ ، من أجل أن يفسّر جلالات الرسالة النازلة سوراً في قرآن نبي الإسلام(صلى الله عليه وآله) .. وكلّها لبناء مجتمعات الإنسان أكان هناك في الغرب أم هنا في الشرق ..
يا للإمام عليّ! كيف له أن يُدرَك في معانيه الأنيقة وفي مبانيه الوثيقة ... إنّ المعاني كلّها عند الإمام ، لا تزل تثير فينا المحجات ، وتوسّع لنا المسافات ، وتشدّد بنا الخطوات ...