Super User

Super User

السبت, 27 تموز/يوليو 2013 08:40

حَقّ وَلَدِكَ

23. وَ أَمّا حَقّ وَلَدِكَ فَتَعْلَمُ أَنّهُ مِنْكَ وَ مُضَافٌ إِلَيْكَ فِي عَاجِلِ الدّنْيَا بِخَيْرِهِ وَ شَرّهِ وَ أَنّكَ مَسْئُولٌ عَمّا وُلّيتَهُ مِنْ حُسْنِ الْأَدَبِ وَ الدّلَالَةِ عَلَى رَبّهِ وَ الْمَعُونَةِ لَهُ عَلَى طَاعَتِهِ فِيكَ وَ فِي نَفْسِهِ فَمُثَابٌ عَلَى ذَلِكَ وَ مُعَاقَبٌ فَاعْمَلْ فِي أَمْرِهِ عَمَلَ الْمُتَزَيّنِ بِحُسْنِ أَثَرِهِ عَلَيْهِ فِي عَاجِلِ الدّنْيَا الْمُعَذّرِ إِلَى رَبّهِ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ بِحُسْنِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ وَ الْأَخْذِ لَهُ مِنْهُ وَ لا قُوّةَ إِلّا بِاللّهِ

السبت, 27 تموز/يوليو 2013 08:02

ليلة القدر في القرآن الكريم

بسم اللة الرحمن الرحيم

 

إِنَّآ انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلآَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ.

[1] عندما انهمر فيض الوحي على قلب الرسول صلى اللة علية وآلة في ليلة القدر في شهر رمضان، وتنـزلت ملائكة الرحمة و الروح بالقرآن، رسالة السلام، وبشير الرحمة، عندئذ خلد اللة هذة المناسبة المباركة التي عظمت في السماوت و الارض، وجعلها ليلة مباركة خيراً من ألف شهر .

إنها حقاً عيد الرحمة، فمن تعرض لها فقد حظى بأجر عظيم !! فقال اللة سبحانه: [إِنَّآ انزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ]

وكذلك قال ربنا سبحانه: [إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ] (الدخان/3-4)

كذلك نزل القرآن كلة على قلب الرسول في تلك الليلة، ثم نزل بصورة تدريجية طيلـة ثلاث و عشرين عاماً، لتأخذ موقعها من النفوس، وليكون

كتاب تغيير يبني الرسول بة أمة وحضارة، ومستقبلاً مشرقاً للإنسانية.

وكذلك قال ربنا سبحانه: [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي اُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْانُ] (البقرة/185)

ومعروف أن القرآن تنـزل بصورتة المعهودة في أيام السنة جميعاً، فلة إذاً نزلة أخرى جملة واحدة .

والسؤال: لماذا سميت هذة الليلة بليلة القدر؟

يبدو أن أهم ما في هذة الليلة المباركة تقدير شؤون الخلائق، وقد استنبط اللفظ منه، فهي ليلة الأقدار المقدرة، كما قال ربنا: [فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ].

وقال بعضهم: بل لأنها ليلة جليلة القدر، قد أنزل اللة فيها كتاباً قديراً، ولأن الذي يحييها يكون عند اللة ذا قدر عظيم.

[2] من ذا الذي يستطيع أن يدرك أبعاد تلك الليلة التي باركها اللة لخلقة بالوحي، وجعلها زماناً لتقدير شؤون العالمين؟ من ذا الذي يدرك عظمة الوحي، وجلال الملائكة، ومعاني السلام الإلهي؟ إنها ليست فوق الإدراك بصورة مطلقة، ولكنها فوق استيعاب الإنسان لجميع أبعادها، وعلى الإنسان ألا يتصور أنة قد بلغ علم ليلة القدر بمجرد معرفة بعض أبعادها، بل يسعى ويسعى حتى يبلغ المزيد من معانيها، وكلما تقدم في معرفتها كلما استطاع الحصول على مغانم أكبر منها.

[وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ]

سبق القول من البعض: إن هذة الجملة وردت في القرآن لبيان أهمية الحقيقة التي تذكر بعدها.

بينما تترك الحقيقة مجملة إذا ذكرت عبارة وما يدريك .. هكذا قالوا، واعتقد أن كلتا الجملتين تفيدان تعظيم الحقيقة التي تذكر بعدها .

[3] كيف نعرف أهمية الزمان ؟ أليس عندما يختصر المسافة بيننا وبين أهدافنا، فاذا حصلت في يوم على ميلون دينار، وكنت تحصل علية خلال عام أليس هذا اليوم خير لك من عام كامل ؟ كذلك ليلة القدر تهب للإنسان الذي يعرف قدرها ما يساوي عمراً مديداً؛ ثلاثاً وثمانين سنة وأربعة أشهر. وبتعبير أبلغ؛ ألف شهر.

[لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ]

أجل الواحد منا مسمى عند الله، وقد يكون قصيراً، قد لا يبلغ الواحد منا معشار أهدافة فيه، فهل يمكن تحدي هذا الواقع ؟ بلى؛ ولكن ليس بالصورة التي يتخيلها الكثير، حيث يتمنون تطويل عمرهم، وقليل هم الذين يحققون هذة الأمنية، لأن عوامل الوفاة عديدة وأكثرها خارج عن إرادة الإنسان. فما هو إذاً السبيل الى تمديد العمر؟ إنما بتعميقه، ومدى الانتفاع بكل لحظة لحظة منه. تصور لو كنت تملك قطعة صغيرة من الارض، ولا تستطيع توسيعها فكيف تصنع ؟ إنك سوف تبني طوابق فيها بعضها تحت الأرض وبعضها يضرب في الفضاء وقد تناطح السحب. كذلك عاش بعض الناس سنين معدودات في الأرض، ولكنهم صنعوا عبرها ما يعادل قروناً متطاولة؛ مثلاً عمر رسولنا الكريم صلى اللة علية وآلة لم يتجاوز الثلاث والستين، وأيام دعوتة ثلاث وعشرون عاماً منها، ولكنها أبعد أثراً من عمر نوح المديد، بل من سني الأنبياء جميعاً. وهكذا خص اللة أمتة بموهبة ليلة القدر، التي جعلها خيراً من ألف شهر، ليقدروا على تمديد أعمارهم في البعد الثالث (أي بعد العمق) ولعل الخبر المأثور عن رسول اللة صلى اللة علية وآلة يشير الى ذلك، فقد روي ان رسول اللة صلى اللة علية وآلة وسلم أري أعمار الأمم قبلة فكأنة تقاصر أعمار أمتة ألاّ يبلغوا من العمر مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاة اللة تعالى ليلة القدر، وجعلها خيراً من ألف شهر . ([2])

وفي حديث آخر؛ أنة ذكر لرسول اللة رجل من بني إسرئيل أنة حمل السلاح على عاتقة في سبيل اللة ألف شهر، فعجب من ذلك رسول اللة عجباً شديداً، وتمنى أن يكون ذلك في أمته، فقال: يارب! جعلت أمتي أقصر الناس أعماراً، وأقلها أعمالاً. فأعطاة اللة ليلة القدر، وقال: [لَيْلَة الْقَدْرِ خَيْر مِّن ألْفِ شَهْر] الذي حمل الإسرائيلي السلاح في سبيل اللة لك ولأمتك من بعدك الى يوم القيامة في كل رمضان. ([3])

إنك قد تحيي ليلة القدر بالطاعة فيكتب اللة اسمك في السعداء، ويحرم جسدك على نار جهنم أبداً، وذلك بما يوفقك لة من إصلاح الذات إصلاحاً شاملاً. من هنا جاء في الدعاء المأثور في ليالي شهر رمضان مجموعة من البصائر التي تتحول بتكرار تلاوتها الى أهداف وتطلعات يسعى نحوها المؤمن بجد ومثابرة، ويجتهد في طلبها من ربه.

"اللهم اعطني السعة في الرزق، والأمن في الوطن، وقرة العين في الأهل والمال والولد، والمقام في نعمك عندي، والصحة في الجسم، والقوة في البدن، والسلامة في الدين، واستعملني بطاعتك وطاعة رسولك محمد صلى اللة علية وآلة أبداً ما استعمرتني، واجعلني من أوفر عبادك عندك نصيباً في كل خير أنزلتة وتنـزلة في شهر رمضان في ليلة القدر". ([4])

وهكذا ينبغي أن يكون هدفك في ليلة القدر تحقيق تحول جذري في نفسك، تحاسب نفسك بل تحاكمها أمام قاضي العقل، وتسجل ثغراتها السابقة، وانحرافاتها الراهنة، وتعقد العزم على تجاوز كل ذلك بالندم من إرتكاب الأخطاء، والعزم على تركها والالتجاء الى اللة ليغفر لك ما مضى ويوفقك فيما يأتي .

وقد جاء في تأويل هذة الآية: أنها نزلت في دولة الرسول التي كانت خيراً من دول الظالمين من بني أمية، حيث نقل الترمذي عن الحسن بن علي عليهما السلام: "أن رسول اللة صلى اللة علية وآلة أري بني أمية على منبرة فساءة ذلك، فنـزلت [إنَّا أعْطَيْنَاكَ الكَوْثَر] يعني نهراً في الجنة، ونزلت [إنَّا أنْزَلْنَا في لَيلة القَدْر وَمَا أدْرَاك مَا لَيْلة القَدْر * لَيْلَة القَدْر خَير مِّن ألْفِ شَهْر] يملكها بعدك بنو أمية"([5]) وكانت حكومة بني أمية ألف شهر لا تزيد ولا تنقص .

وهكذا فضيلة حكومة العدل وأثرها العظيم في مستقبل البشرية أكثر من ألف شهر من حكومة الجور .

لماذا أمست ليلة القدر خيراً من ألف شهر ؟ لأنها ملتقى أهل السماء بأهل الأرض، حيث يجددون ذكرى الوحي، ويستعرضون ما قدر اللة للناس في كل أمر.

[تَنَزَّلُ الْمَلآَئِكَةُ]

والكلمة أصلها تتنـزّل، وصيغتها مضارع تدل على الاستمرار، فنستوحي منها؛ إن ليلة القدر لم تكن ليلة واحدة في الدهـر، وإنما هـي في كل عـام مرة واحدة، ولذلك أمرنا النبـي صلى اللة عليـة وآلـة بإحيائهـا .

فقد جاء في الأثر عن رسول اللة صلى اللة علية وآلة أنة لما حضر شهر رمضان - وذلك في ثلاث بقين من شعبان - قال لبلال: "ناد في الناس" فجمع الناس، ثم صعد المنبر، فحمد اللة وأثنى عليه، ثم قال: " أيها الناس؛ إن هذا الشهر قد خصكم اللة به، وحضركم، وهو سيد الشهور، ليلة فية خير من ألف شهر". ([6])

وروي عن الإمام أمير المؤمنين علية السلام أنة قال لابن العباس: "إن ليلة القدر في كل سنة وإنة ينـزل في تلك الليلة أمر السنة، ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله. فقال ابن عباس من هم ؟ قال علية السلام: " أنا وأحد عشر من صلبي". ([7])

[وَالرُّوحُ]

ما هو الروح ؟ هل هو جبرائيل علية السلام أم هم أشراف الملائكة ؟ أم هم صنف أعلى منهم وهم من خلق الله، أم هو ملك عظيم يؤيد بة أنبياءة ؟

استفاد بعضهم من الآية التالية، أن الروح هو جبرئيل علية السلام، حيث قال [نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاَمِينُ]. (الشعراء/193)

واستظهر البعض من الآية التالية، أن الروح هي الوحي، فإن الملائكة يهبطون في ليلة القدر بة قال اللة تعالى: [وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا]. (الشورى/52)

وجاء في حديث شريف ما يدل على أن الروح أعظم من الملائكة، فقد روي عن الإمام الصادق علية السلام أنة سئل هل الروح جبرئيل علية السلام؟ فقال: جبرئيل من الملائكة، والروح أعظم من الملائكة، أليس أن اللة عز وجل يقول: [تَنَزَّلُ الْمَلآَئِكَةُ وَالرُّوحُ]. ([8])

وقد قال ربنا سبحانه: [وأيَّدَة بِروح مِّنْهُ] مما يدل على أن الروح هو ما يؤيد اللة بة أنبياءة .

ويبدو أن الروح خلق نوراني عظيم الشأن عند الله، وأن اللة ليس يؤيد أنبياءة عليهم السلام بة فقط، وإنما حتى الملائكة ومنهم جبرائيل يؤيدهم به. وبهذا نجمع بين مختلف الاحتمالات والأدلة، واللة العالم .

[فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم]

عظيمة تلك الليلة التي تتنـزّل الملائكة فيها، وعظيمة لأن الأعظم منهم هو الروح يتنـزّل أيضاً، ولكن لا ينبغي أن نتوجة الى عظمة الروح بعيداً عن عظمة الخالق سبحانه، فإنهم عباد مكرمون، مخلوقون مربوبون، وليسوا أبداً بأنصاف آلهة، وليس لهم من الأمر أي شيء، ولذلك فإن تنـزّلهم ليس باختيارهم، وإنما بإذن ربهم.

[مِن كُلِّ أَمْرٍ]

قالوا: معناة لأجل كل أمر، أو بكل أمر. فالملائكة - حسب هذا التفسير- يأتون لتقدير كل أمر، ولكن أليس اللة قد قدر لكل أمر منذ خلق اللوح وأجرى علية القلم ؟ بلى؛ إذاً فما الذي تتنـزّل بة الملائكة في ليلة القدر؟ يبدو أن التقديرات الحكيمة قد تمت في شؤون الخلق، ولكن بقيت أمور لم تحسم وهي تقدر في كل ليلة قدر لأيام عام واحد، فيكون التقدير خاصاً ببعض جوانب الأمور، وليس كل جوانبها. بلـى؛ فالتقديرات جميع الأمور، ولكن من كل أمر جانباً. وهكذا يكون حرف "من" للتبعيض وهو معناة الأصلي، وهو أيضاً ما يستفاد من النصوص المأثورة في هذا الحقل.

سأل سليمان المروزي الإمام الرضا علية السلام وقال: ألا تخبرنـي عـن [ إنَّا أنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ القَدْر] في أي شيء نزلت؟ قال: "يا سليمان؛ ليلة القدر يقدر اللة عز وجل فيها ما يكون من السنة الى السنة، من حياة أو موت, أو خير أو شر أو رزق. فما قدرة اللة في تلك الليلة، فهو من المحتوم ". ([9])

وهكذا تختلف بصائر الوحي عن تصورات البشر، فبينما يزعم الإنسان أنة مجبور لا أثر لمشيئتة في حياتة يعطية الوحي قيمة سامية، حيث يجعلة قادراً على تغيير مجمل حياته؛ من سعادة وشقاء، وخير وشر، ونفع وضر.. كل ذلك بإذن الله، وعبر الدعاء الى اللة في ليلة القدر .

إن البشرية في ضلال بعيد عن حقيقة المشيئة، فهم بين من ظن أنة صاحب القرار، وقد فوض اللة الأمور إلية تفويضاً مطلقاً، فلا ثواب ولا عقاب ولا مسؤولية ولا أخلاق، وبين من زعم أنة مضطر تسوقة الأقدار بلا حرية منة ولا اختيار .

ولكن الحق هو أمر بين أمرين؛ فلا جبر لأننا نعلم يقيناً أن قرارنا يؤثر في حياتنا، أولست تأكل وتشرب وتروح وتأتي حسب مشيئتك وقرارك؟ وكذلك لا تفويض لأن هناك أشياء كثيرة لا صنع لنا فيها؛ كيف ولدت، وأين تموت، وماذا تفعل غداً، وكم حال القضاء بينك وبين ما كنت تتمناه، وكم حجزك القدر عن خططك التي عقدت العزمات على تطبيقها ؟

بلى؛ إن اللة منح الإنسان قدراً من المشيئة لكي يكون مصيرة بيده، إما الى الجنة وإما الى النار، ولكن ذلك لا يعني أنة سيدخل الجنة بقوتة الذاتية أو النار بأقدامه, وإنما اللة سبحانة هو الذي يدخلة الجنة بأفعالة الصالحة، أو يدخلة النار بأفعالة الطالحة.

إذاً فالإنسان يختار، ولكن اللة سبحانة هو الذي يحقق ما اختارة من سعادة وشقاء، وأن اللة لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. وها هنا تتركز أهمية الدعاء وبالذات في ليلة القدر التي هي ربيع الدعاء، وقد تتغير حياة الإنسان في تلك الليلة تماماً، فكم يكون الإنسان محروماً وشقياً إن مرت علية هذة الليلة دون أن يستفيد منها شيئاً.

ويتساءل البعض: أليس هذا يعني الجبر بذاته؟ فإذا كانت ليلة تحدد مصير الإنسان فلماذا العزم والسعي والاجتهاد في سائر أيام السنة؟!

كلا؛ ليس هذا من الجبر في شيء، ونعرف ذلك جيداً إذا وعينا البصائر التالية:

البصيرة الأولى: يبدو أن التقدير في هذة الليلة لا يطال كل جوانب الحياة، فهناك ثلاثة أنواع من القضايا:

نوع قدر في ليلة واحدة في تاريخ الكون، فقد روي عن الإمام أمير المؤمنين علية السلام قال: "قال رسول اللة صلى اللة علية وآلة وسلم: أتدري ما معنى ليلة القدر ؟ فقلت: لا يا رسول اللة ! فقال: إن اللة تبارك وتعالى قدّر فيها ما هو كائن الى يوم القيامة، فكان فيما قدر عز وجل ولايتك وولاية الأئمة من ولدك الى يوم القيامة". ([10])

والنوع الثاني: تقديرات تتم في السنة التي يعيشها الإنسان.

بينما النوع الثالث: تبقى مفتوحة تخضع لمشيئة الإنسان وهي الفتنة. مثلاً؛ أن اللة يقدر للإنسان في ليلة القدر الثروة، أما كيف يتعامل الإنسان مع الثروة، هل ينفق منها أم يبخل بها ويطغى؟ فان ذلك يخضع لمشيئة الإنسان وبة يتم الابتلاء. كذلك يقدر اللة للإنسان المرض، أما صبر المريض أو جزعة فانة يتصل بإرادتة .

ومع ذلك؛ فإن للة البداء، إذ لا شيء يحتم على ربنا سبحانه، وقد قال سبحانه: [يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ اُمُّ الْكِتَابِ](الرعد/39) وقد جاء في حديث مأثور عن الإمام الصادق علية السلام قال: "إذا كانت ليلة القدر نزلت الملائكة والروح والكتبة الى السماء الدنيا، فيكتبون ما يكون من قضاء اللة في تلك السنة، فإذا أراد اللة أن يقدم شيئاً أو يؤخره، أو ينقص أمر الملك أن يمحو ما شاء، ثم أثبت الذي أراد". قلت: وكل شيء هو عندة ومثبت في كتاب ؟ قال: "نعم". قلت فأي شيء يكون بعدة ؟ قال: "سبحان اللة ! ثم يحدث اللة أيضاً ما يشاء تبارك وتعالى". ([11])

هكذا تبقى كلمة اللة هي العليا، ومشيئتة هي النافذة، ولكن الاتكال على البداء، وتفويت فرصة ليلة القدر نوع من السذاجة، بل من السفة والخسران.

البصيرة الثانية: إن اللة يقدر لعبادة تبعاً لحكمتة البالغة ولقضائة العدل، فلا يقضي لمؤمن صالح متبتل ما يقدر لكافر طالح، وما ربك بظلام للعبيد. وهكذا يؤثر الإنسان في مصير نفسة بما فعلة خلال العام الماضي، وما يفعلة عند التقدير في ليلة القدر، وما يعلمة اللة من سوء اختيارة خلال السنة. مثلاً؛ يقدر اللة لطاغوت يعلم أن لا يتوب بالعذاب في هذة السنة لأنة سوف يظلم الناس خلالها، ولو افترضنا أنة وفق للتوبة ولم يظلم الناس خلالها، فإن للة البداء في أمره، ويمحو عنة السقوط ويمد في ملكه، وقد قال ربنا سبحانه: [إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِاَنفُسِهِمْ] (الرعد/11)

البصيرة الثالثة: إن الناس يزعمون أن هناك أحداثاً تجري عليهم، لا صنع لهم فيها كموت عزيز، والاصابة بمرض عضال، والابتلاء بسلطان جائر، أو بالتخلف، أو بالجفاف، ولكن الأمر ليس كذلك إذ أن حتى هذة الظواهر التي تبدو أنها خارج إطار مشيئة الإنسان إنما تقع بإذن اللة وتقديرة وقضائه، وأن اللة لا يقضي بشيء إلاّ حسبما تقتضية حكمتة وعدالته، ومن عدلة أن يكون قضاؤة وتقديرة حسب ما يكسبة العباد، أولم يقل ربنا سبحانه: [ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ] (الروم/41)

وإن في ذلك لكرامة بالغة لمشيئة الإنسان أن يجعل اللة تقديرة وفق قرار ما، أليس كذلك؟

[5] السلام كلمة مضيئة تغمر الفؤاد نوراً وبهجة، لأنها تتسع لما تصبو إلية النفس، وتتطلع نحوة الروح، ويبتغية العقل، فلا يكون الإنسان في سلام عندما يشكو من نقص في أعضاء بدنة، أو شروط معيشته، أو تطلعات روحه. فهل للمريض سلام، أم للمسكين عافية، أم للحسود أمن؟ كلا؛ إنما السلام يتحقق بتوافر الكثير الكثير من نعم اللة التي لو افتقرنا الى واحدة منها فقدنا السلام. أولم تعلم كم مليون نعمة تتزاحم على بدنك حتى يكون في عافية، وكم مليون نعمة تحيط بمجمل حياتك وتشكلان معا سلامتها. وليلة القدر ليلة السلام، حيث يقول ربنا سبحانه: [سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ].

حينما تنسب هذة الموهبة الإلهية الى الزمن نعرف أنها تستوعبة حتى لتكاد تفيض منه. فالليل السلام كل لحظاتة سلام لكل الأنام، كما اليـوم السعيد كلة هناء وفلاح، بينما اليوم النحس تتفجر النحوسة مـن أطرافـه.

فماذا يجري في ليلة القدر حتى تصبح سلاماً الى مطلع الفجر ؟

لا ريب أن اللة سبحانة يغفر في تلك الليلة لفئام من المستغفرين، وينقذهم - بذلك - من نار جهنم، وأي سلام أعظم من سلامة الإنسان من عواقب ذنوبة في الدنيا والآخرة .

من هنا يجتهد المؤمنون في هذة الليلة لبلوغ هذة الأمنية وهي العتق من نار جهنم، ويقولون بعد أن ينشروا المصحف أمامهم: " اللهم إني أسألك بكتابك المنـزل وما فيه، وفية اسمك الأكبر، وأسماؤك الحسنى وما يخاف ويرجى أن تجعلني من عتقائك من النار". ([12])

كذلك يقدر للإنسان العافية فيها، وإتمام نعم اللة عليه، وقد سأل أحدهم النبي صلى اللة علية وآله: أي شيء يطلبة من اللة في هذة الليلة فأجابة - حسب الرواية - " العافية". ([13])

وقد تدخل على فرد هذة الليلة وهو من الأشقياء فيخرج منها سعيداً، أوليست الليلة سلاماً؟ من هنا ينبغي للإنسان أن يدعو فيها بهذة الكلمات الشريفة:

اللهم امدد لي في عمري، وأوسع لي في رزقي، وأصح لي جسمي، وبلغني أملي، وإن كنت من الأشقياء فامحني من الأشقياء، واكتبني من السعداء، فإنك قلت في كتابك المنـزل على نبيك المرسل صلواتك علية وآله: [يَمْحُو اللة ما يَشَاء وَيُثَبِّت وَعِنْدَة أمّ الكِتَاب]. ([14])

وفي هذة الليلة يقدر اللة الرزق لعباده، وهو جزء من السلام والأمن، وعلى الإنسان أن يطلب منة سبحانة التوسعة في رزقه.

كما يقدر الأمن والعافية والصحة والذرية، وكلها من شروط السلام.

حقاً؛ إن المحروم هو الذي يحرم خيرها كما جاء في حديث مأثور عن فاطمة الزهراء عليها السلام أنها كانت تأمر أهلها بالاستعداد، لاستقبال ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان المبارك بأن يناموا في النهار لئلا يغلب عليهم النعاس ليلاً وتقول: " محروم من حرم خيرها ". ([15])

وقال البعض: إن معنى السلام في هذة الآية؛ أن الملائكة يسلمون فيها على المؤمنين والمتهجدين في المساجد، وأن بعضهم يسلم على البعض. وقيل: لأنهم يسلمون على إمام العصر علية السلام وهم يهبطون عليه.

ليلة القدر متى هي ؟

إذا كان القرآن قد نزل في شهر رمضان وفي ليلة القدر حسب آيتين في القرآن، فإن ليلة القدر تقع في هذا الشهر الكريم، ولكن متى ؟ جاء في بعض الاحاديث: "التمسوها في العشر الأواخر". ([16])

وروى عن الإمام الباقر علية السلام أنة قال في تفسير [إنَّا أنْزَلْنَاهُ في لَيْلَة مُبَارَكَة] قال: "نعم؛ ليلة القدر وهي في كل سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر، فلم ينـزل القرآن إلا في ليلة القدر". ([17])

وجاء في حديث آخر تحديد واحدة من ليلتين؛ إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين. فقد روى أبو حمزة الثمالي، قال: كنت عند أبي عبد اللة الإمام الصادق علية السلام، فقال لة أبو بصير: جعلت فداك ! الليلة التـي يرجى فيها ما يرجى ؟ فقال: "في إحدى وعشرين أو ثـلاث وعشرين". قال: فإن لم أقو على كلتيهما؟ فقال: "ما أيسر ليلتين فيما تطلب". قلت فربما رأينا الهلال عندنا وجاءنا من يخبرنا بخلاف ذلك من أرض أخرى؟ قال: "ما أيسر أربع ليال تطلبها فيها". قلت: جعلت فداك! ليلة ثلاث وعشرين ليلة الجهني؟([18]) فقال: "إن ذلك ليقال" ثم قال: "فاطلبها في ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين، وصل في كل واحدة منهما مائة ركعة، واحيهما - إن استطعت - الى النور، واغتسل فيهما". قال: قلت فإن لم أقدر على ذلك وأنا قائم؟ قال: "فصل وأنت جالس". قال: قلت فإن لم استطع؟ قال: "فعلى فراشك، ولا عليك أن تكحل أول الليل بشيء من النوم. إن أبواب السماء تفتح في رمضان، وتصفد الشياطين، وتقبل أعمال المؤمنين. نعم الشهر رمضان كان يسمى على عهد رسولة الله: المرزوق". ([19])

وقد استفاضت أحاديث النبي وأهل بيتة في إحياء هاتين الليلتين، إلا أن حديثاً يروي عن رسول اللة يحددة في ليلة ثلاث وعشرين، حيث يرجى أن تكون هي ليلة القدر، حيث قال عبد اللة بن أنيس الانصاري المعروف بالجهني لرسول اللة صلى اللة علية وآله: إن منـزلي ناءٍ عن المدينة فمرني بليلة أدخل فيها، فأمرة بليلة ثلاث وعشرين. ([20])

ويبدو من بعض الأحاديث، أن ليلة القدر الحقيقية هي ليلة ثلاث وعشرين بينما ليلة التاسع عشر وواحد وعشرين هما وسيلتان إليها، من وفق للعبادة فيهما نشط في الثالثة، وكان أقرب الى رحمة اللة فيها.

هكذا روي عن الإمام الصادق علية السلام أنة قال لمن سألة عن ليلة القدر: "أطلبها في تسع عشر، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين". ([21])

وجاء في حديث آخر، أن لكل ليلة من هذة الثلاث فضيلة وقدراً، فقد روي عن الإمام الصادق علية السلام أنة قال: "التقدير في ليلة القدر تسعة عشر، والإبرام في ليلة إحدى وعشرين، والإمضاء في ليلة ثلاث وعشرين". ([22])

وجاء في علامات ليلة القدر: "أن تطيب ريحها، وإن كانت في برد دفئت، وإن كانت في حر بردت فطابت". ([23])

وعن النبي صلى اللة علية وآله: إنها ليلة سمحة، لا حارة ولا باردة، تطلع الشمس في صبيحتها ليس لها شعاع". ([24])

نسأل اللة أن يوفقنا لهذة الليلة الكريمة ويقدر لنا السعادة فيها.

 

الهوامش

([1]) هذا الفصل مأخوذ من تفسير (من هدى القرآن) للمؤلف.

([2]) تفسير جامع الأحكام للقرطبي، ج20، ص133.

([3]) تفسير نور الثقلين، ج5، ص615.

([4]) كلمات من دعاء أبي حمزة الثمالي المأثور لأسحار شهر رمضان، انظر مفاتيح الجنان، ص196.

([5]) تفسير جامع الأحكام للقرطبي، ج20، ص133.

([6]) تفسير نور الثقلين، ج5، ص618.

([7]) المصدر، ص619.

([8]) تفسير نمونة، ج26، ص184 نقلاً عن تفسير البرهان، ج4، ص418.

([9]) تفسير نور الثقلين، ج5، ص630.

([10]) تفسير نور الثقلين، ج5، ص629.

([11]) تفسير نور الثقلين، ج5، ص631.

([12]) مفاتيح الجنان، ص225.

([13]) المصدر، ص226.

([14]) المصدر، ص235.

([15]) مفاتيح الجنان، ص236.

([16]) حسب رواية عن رسول اللة صلى اللة علية وآله، تفسير نور الثقلين، ج5، ص629.

([17]) تفسير نور الثقلين، ج5، ص625.

([18]) سوف نذكرة إن شاء الله.

([19]) نور الثقلين، ج5، ص625.

([20]) المصدر، ص626.

([21]) تفسير نور الثقلين، ج5، ص628.

([22]) المصدر، ص627.

([23]) المصدر، 623.

([24]) المصدر.

بقلم سماحة آية الله السيد محمد تقي المدرسي

السبت, 27 تموز/يوليو 2013 07:55

معنى اللعن ودليل جوازه

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا أبو القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

لدي عدد من الأسئلة أرجو الإجابة عليها بشكل موجز :

1- ماهو معنى اللعن ؟

2- متى يجوز اللعن ؟

3- ماهو الدليل على جوازه من القرآن الكريم ؟

4- ماهو دليل جوازه من سنة الرسول والمعصومين عليهم السلام ؟

هل يوجد دليل عقلي على جوازه ؟

وشكراً.

 

الجواب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن معنى اللعن هو : الدعاء على شخص أو اشخاص أن يبعدهم الله تعالى ويطردهم عن رحمته.

وهو جائز وثابت في الشريعة الاسلامية . والدليل على جوازه من القرآن الكريم آيات كثيرة , منها :

(1) قوله تعالى: (( إنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافرينَ وَأَعَدَّ لَهمْ سَعيرًا )) (الاحزاب: 64).

(2) قوله تعالى: (( إنَّ الَّذينَ يؤْذونَ اللَّهَ وَرَسولَه لَعَنَهم اللَّه في الدّنْيَا وَالْآخرَة وَأَعَدَّ لَهمْ عَذَابًا مّهينًا )) (الاحزاب:57).

(3) قوله تعالى: ((...أَلاَ لَعْنَة اللّه عَلَى الظَّالمينَ )) (هود:18).

(4) قوله تعالى: ((...لَّعْنَة اللّه عَلَى الْكَاذبينَ )) (آل عمران:61).

(5) قوله تعالى: ((...أولَـئكَ يَلعَنهم اللّه وَيَلْعَنهم اللَّاعنونَ )) (البقرة:159).

ومن السنة الشريفة روايات كثيرة، منها:

(1) قوله (ص): (( لعنة الله على الراشي والمرتشي )) (مجمع الفائدة 12/49).

(2) قوله (ص): (( من أحدث في المدينة حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله )) (كتاب الأربعين للقمي الشيرازي 583).

(3) قوله (ص): (( إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه , فمن لم يفعل فعليه لعنة الله )) (الفصول المهمة في أصول الأئمة 1/522).

(4) قوله (ص): (( جهزوا جيش أسامة , لعن الله من تخلف عنه )) (الملل والنحل 1/23).

بالاضافة إلى هذا الدليل النقلي فقد قام الدليل على العقلي على جواز اللعن. فالعقل يحكم بصحة وجواز دعاء المظلوم على الظالم ـ بإبعاده عن رحمة الله ـ والغاصب والخائن والقاتل والكاذب وغيرهم. خصوصاً لمن يظلم آل البيت (عليهم السلام) ويغصب حقهم ويقتل شيعتهم ويخون في أمانة رسول الله (ص).

ودمتم في رعاية الله

زعمت الحكومة الصينية منذ سنة 2012 أن بعض مقاتلي "اليغور" من جينجيانغ يقاتلون مع المتمردين في سوريا ضد حكومة بشار الأسد. ففي 1 تموز/يوليو, قالت الصين إن مقاتلاً من "اليغور" درس في اسطنبول وقاتل مع ‘الجيش السوري الحر’ في حلب عاد إلى جينجيانغ وتم اعتقاله وهو يحاول تنفيذ "أعمال عنف" في الصين.

الصين ليست قلقة فقط من أن الحرب الأهلية في سوريا ستؤدي إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط, بل أيضاً من احتمال عودة مقاتلي "اليغور" الذين يحاربون في سوريا إلى الصين. إذ إن علاقاتهم مع المتطرفين العالميين في سوريا سوف تساهم في تدويل قضية جينجيانغ بين صفوف الجهاديين العالميين وتزود مقاتلي "اليغور" بمهارات قتالية جديدة بمقدورهم استخدامها في تنفيذ الهجمات في جينجيانغ.

تأتي التقارير الصينية حول مقاتلي "اليغور" العائدين من سوريا إلى جينجيانغ وسط موجة من العنف التي تجتاح جينجيانغ:

- في 7 آذار/مارس, قتل 5 أشخاص في معركة بين "اليغور" وصينيي "هان" في سوق مقبي في الحي التجاري "كورلا".

- في 9 آذار/مارس, قامت مجموعة من الرجال المجهولين بمهاجمة قسم للشرطة بقنبلة بترولية في هوتان.

- في 23 نيسان/إبريل, قتل 21 شخصاً في كاشغار بعد أن اكتشفت دورية أهلية مجموعة من "اليغور" وهم يصنعون المتفجرات.

- في 26 حزيران/يونيو, قتل حوالي 47 شخصاً في توربان عندما قامت مجموعة من "اليغور" مكونة من 15 شخصاً بمهاجمة قسم للشرطة ومبان أخرى بالخناجر والقنابل البترولية.

- في 28 حزيران/يونيو, في هوتان, قتل 18 شخصاً من "اليغور" بعد أن فضت الشرطة خطبة دينية في أحد المساجد واعتقلت الإمام, مما أدى إلى احتجاجات ضخمة في ساحة البلدة الرئيسية.

من الجدير بالذكر أن هجمات حزيران/يونيو في جينجيانغ قد سبقت الذكرى الرابعة لأحداث العنف الإثنية في عاصمة جينجيانغ, أورومكي, التي حصلت في 5 تموز/يوليو 2009, التي ذهب ضحيتها أكثر من 200 من اليغور وصينيي هان. وقد ساهمت أعمال الشغب هذه, التي دفعت الصين إلى قطع الاتصالات طيلة سنة تقريباً في جينغجيانغ, في وضع جينغجيانغ في دائرة الضوء الدولية, وخاصة بالنسبة إلى الإسلامويين شرق الأوسطيين والأتراك, المرتبطين إثنياً ولغوياً باليغور.

فبعد عدة أسابيع من أحداث 2009, قارن "الإخوان الإسلامويون" المصريون السياسات الصينية تجاه اليغور بسياسات حسني مبارك تجاه الإسلامويين في مصر, وقال رئيس الوزراء التركي تايب رجب إيردوغان إن الصين "ترتكب مجازر أشبه بالإبادة الجماعية" في جينجيانغ, كما هددت القاعدة في المغرب الإسلاموي باستهداف المصالح الصينية في شمال غرب أفريقيا.

في شهر آب/أغسطس 2009, نشرت القاعدة في العراق شريط فيديو تصف فيه "النظام الصيني" بنفس الطريقة التي تصف فيها القاعدة "النظام الصهيوني" في إسرائيل. وفي شهر تشرين الأول/أكتوبر 2009, نشر الجناح الإعلامي للقاعدة "السحاب" شريط فيديو لأبي يحيى الليبي يتكلم فيه عن جينجيانغ بصفتها "الجرح المَنسي" للعالم الإسلامي. لكن شريط القاعدة في العراق أظهر الدعم ﻠ "حزب تركستان الإسلاموي" الذي يقوده اليغور, والذي يعمل مع القاعدة, و "طالبان", و "حركة أوزبكستان الإسلاموية" في باكستان. وتزعم هذه الحركة أنها نفذت هجمات في أفغانستان, لكن هدفها هو استقلال "شرق تركستان" (جينجيانغ) وإقامة "خلافة إسلاموية" في آسيا الوسطى.

لكن زعيم الحركة, عبد الله منصور, لم يعلن مسؤوليته حتى الآن سوى عن هجوم 23 نيسان/إبريل في كاشغار, حيث صرحَ على شريط الفيديو, بلغة اليغور, أن "العملية الجهادية" جاءت رداً على "الشيوعيين الصينيين" الذين يقتلون ويسجنون المدرسين والباحثين الإسلامويين, و "هيمنة" الثقافة الصينية على اليغور, ومنع الحجاب الإسلامي للنساء واللحى للرجال.

في عدد آذار/مارس من "تركستان الإسلامية", التي تنشرها الحركة ويحررها منصور منذ سنة 2008, أعلنت "حركة أوزبكستان الإسلاموية" مسؤوليتها عن هجوم نفذه انتحاري على دراجة نارية في يتشنغ, جينجيانغ في 1 تشرين الأول/أكتوبر 2012 أودى بحياة 21 من حراس الحدود. تبعد يتشنغ 150 ميلاً (241 كم) إلى الشمال من حدود جينجيانغ مع باكستان وكانت أيضاً موقعاً لهجوم وقع في شباط/فبراير 2012, حيث قامت مجموعة من اليغور بقتل حوالي 24 مدنياً في منطقة تجارية يتردد عليها صينيو الهان.

في سنة 2011, قدمت هذه الحركة أيضاً دليلاً مصوراً على مسؤوليتها عن هجوم حصل على صينيي الهان في أحد شوارع كاشغار في 30 تموز/يوليو 2011 أودى بحياة أكثر من 10 أشخاص وكان شبيهاً بالهجوم الذي وقع في يتشنغ في "يوم العيد الوطني" في سنة 2012.

أشارت الحركة إلى تورطها في النزاع السوري في مجلتها: "إذا كان للصين الحق في دعم الأسد في سوريا, فنحن لدينا الحق في دعم السوريين المسلمين." ولكن هناك دليل مصور واحد لوجود "مقاتل صيني" في سوريا. ويظهر هذا الشخص, الذي يبدو من اليغور من الناحية الإثنية, وهو يصلي بينما يقوم المتمردون بإصلاح صاروخ في شريط فيديو نشر على "يوتيوب" في شهر آذار/مارس من قبل المستخدم "جبهة النصرة".

ربما يكون هناك بعض المبالغة في التقديرات الصينية التي تقول إن 30- 100 من اليغور تلقوا التدريب العسكري في باكستان وذهبوا إلى تركيا للانضمام إلى المتمردين السوريين. ولكن هناك أكثر من 20,000 من اليغور في تركيا, كما أن منظمات اليغور الموجودة في تركيا (بما في ذلك "هيئة شرق تركستان للتعليم والتضامن", التي تزعم الصين أنها ترسل مقاتلي اليغور إلى سوريا) تقدم المساعدات الإنسانية للسوريين. ومن المرجح أن يكون بعض مقاتلي اليغور قد عبروا تركيا للقتال في سوريا.

بغض النظر عن العدد الكلي لليغور في سوريا, من غير المحتمل أن تكون هناك علاقة مباشرة لسوريين أو للحركة في أحداث جينجيانغ في سنة 2013. إذ يبدو أن العديد من الأحداث العنيفة في جينجيانغ تنشأ بشكل عفوي عن نزاعات حول قضايا محلية, مثل إزالة قرى اليغور التقليدية لإقامة مشاريع تنموية جديدة وتمييع الهوية اليغورية في جينجيانغ نتيجة لهجرة الهان الصينيين من شرق الصين.

ومع ذلك فإن دورَ أشرطة الفيديو الجهادية في إلهام المهاجمين وتشابه الهجمات, التي غالباً ما تظهر سيارات تصدم مدنيين من الهان, واحتجاجات تسبق الهجمات على أقسام الشرطة, وعمليات انتحارية باستخدام دراجات هوائية أو عربات, تشير إلى وجود تنسيق بين بعض المجموعات في جينجيانغ وبين هذه المجموعات و الحركة. ومن الجدير بالذكر أن سلسلة من أشرطة فيديو الحركة المنشورة في تموز/يوليو 2013 والتي تدعى "إرشادات عسكرية سريعة" تهدف إلى تدريب المشاهدين على استخدام الأسلحة, مثل مسدسات توكاريف وبنادق (أك- 47), ولكن لم تستخدم الأسلحة في الهجمات التي وقعت في جينجيانغ حتى الآن, ربما بسبب عدم قدرة المتطرفين على حيازتها.

بالإضافة إلى اليغور, هناك عدد من الأشخاص من آسيا الوسطى والقوقاز يقاتلون في سوريا:

- غالباً ما يرى المهربون بعض الأوزبكستانيين وهم يساعدون المتمردين على الدخول إلى سوريا من تركيا, كما أن أوزبكياً ترأس كتيبة إسلاموية في حلب في سنة 2012.

- قالت قرغيزستان في شهر نيسان/إبريل إن حوالي 15 شاباً من جنوب قرغيزستان, بما في ذلك قرغيزيون وأوزبكيون وطاجيك, قد سافروا إلى سوريا.

- هناك عدد غير معروف من المقاتلين الطاجيك في سوريا, مع أن عددهم يمكن أن يفوق عدد أي مجموعة مقاتلة من آسيا الوسطى. فقد قتل ثلاثة من الطاجيك في سوريا في شهر أيار/مايو.

- ذكرت كازخستان أنه تم القبض على 8 من مواطنيها في شهر حزيران/يونيو وهم يحاولون جمع الأموال للسفر إلى سوريا بهدف القتال إلى جانب المتمردين.

- وأخيراً, هناك حوالي 250 مواطناً روسياً في سوريا, بما في ذلك التتر المسلمون والشيشان, حيث قاد الشيشان "كتائب المهاجرين" في شمال سوريا التي قامت بتجنيد صيني من الهان اعتنق الإسلام, يوسف الصيني, ظهر في شريط فيديو على "يوتيوب" نشره المتمردون في شهر آذار/مارس 2013.

يقود التحليل السابق إلى ثلاث نتائج رئيسة:

أولاً: يبين وجود مقاتلي اليغور وآسيا الوسطى في سوريا أن قضية "المقاتلين الأجانب" في سوريا ليست قضية أوروبية فقط, كما يقال في الغالب, بل مسألة تؤثر على آسيا الوسطى ومناطق أخرى.

ثانياً: من المرجح أن تساهم أشرطة فيديو "حركة أوزبكستان الإسلاموية" ومقاتلو اليغور في سوريا في عولمة قضية اليغور بين صفوف الجهاديين العالميين وأن تدخلَ الإيديولوجيا الجهادية إلى اليغور في جينجيانغ.

ثالثاً: من المحتمل أن التقارير الصينية حول المقاتلين السوريين العائدين إلى جينجيانغ تهدف إلى إقناع الغرب بأن دعمه للمتمردين في سوريا, بالتنسيق مع الدعم الخليجي, سيقود إلى عواقبَ غير مقصودة, على خلاف التدخل العسكري الغربي في ليبيا.

مجلس الامن: لا حل عسكريا للازمة في سوريا

أكد مندوب فرنسا لدى مجلسِ الامن "جيرار ارو" خلال لقاء في نيويورك بين مندوبي الدولِ دائمة العضوية ووفد من المعارضة السورية، أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة السورية.

من جهته قال الوفد ان المحادثات تركزت حول التوجهات السياسية والعسكرية لائتلاف المعارضة.

وقال احد اعضاء الوفد ان الدول الكبرى حثت الائتلاف على ان يكون اكثر انفتاحا على خيارات الحل السياسي للازمة.

من جانبه اعلن مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، ان اعضاء الوفد عبروا من حيث المبدأ عن نيتهم في المشاركة في المؤتمر الدولي حول سوريا، لكنهم طرحوا عدة شروط للموافقة على عقده.

وأضاف تشوركين أن اللقاء كان مفيدا، منوها بأن الجانب الروسي طلب مساعدة الائتلاف المعارض لتحرير المطرانين المختطفين منذ 3 أشهر، يوحنا ابراهيم رئيس طائفة السريان الأرثوذكس في حلب وتوابعها وبولس يازجي رئيس طائفة الروم الأرثوذكس في حلب وتوابعها.

وأفاد تشوركين بأن رئيس الائتلاف أحمد الجربا وعد بالمساعدة رغم تأكيده أن المطرانين اختطفا من قبل "أجانب" لا يخضعون (لما يسمى ب) الجيش السوري الحر.

السبت, 27 تموز/يوليو 2013 06:57

نموذج من أكاديمية الوهابيين

نموذج من أكاديمية الوهابيين

من بين سيل الكتب الكثيرة التي ينشرها الوهابيون ضدنا، لفت نظري كتاب في ثلاث مجلدات، اسمه (أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية عرض ونقد) اسم مؤلفه الدكتور ناصر بن عبد الله القفاري، الطبعة الثانية 1415 هـ - 1994 م. وقد كتبوا في أوله هذه العبارة: (أصل هذا الكتاب رسالة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الدكتوراه من قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد أجيزت هذه الرسالة بمرتبة الشرف الأولى، مع التوصية بطبعها وتبادلها بين الجامعات). انتهى.

ويبدو أن هذه الرسالة كانت بحثاً صغيراً أعجب الدكاترة الوهابيين لقوته العلمية مثلاً، فأمدوا مؤلفها بعدد من المعاونين ومئات المصادر الشيعية، وبذلت هذه المجموعة جهودها حتى أكملت تأليف هذا الموسوعة (الموضوعية) عن عقائد الشيعة ومذهبهم.

وإنما حكمنا بأن الكتاب من تأليف مجموعة لأن قلمه متفاوت وفي بعض مقاطعه عجمة لا يمكن أن تكون من قلم سعودي قفاري.

على أن علينا أن نتعامل بالظاهر ونأمل من الكتاب خيراً لوفرة مصادره الشيعية، ولأن أصله كتب ونوقش من قبل دكاترة، فلا بد أن يتناسب مستواه مع مستوى الشهادة الجامعية. ويزداد أملنا خيراً عندما نقرأ من المؤلف بشائره التي بشر القارئ بها في مقدمته.

فقال في ج 1 ص 14 و 16:

(وإذا كان لا بد من إشارات في هذا التقديم فأقول: قد عمدت في بداية رحلتي مع الشيعة وكتبها ألا أنظر في المصادر الناقلة عنهم، وأن أتعامل مباشرة مع الكتاب الشيعي حتى لا يتوجه البحث وجهة أخرى. وحاولت جهد الطاقة أن أكون موضوعياً ضمن الإطار الذي يتطلبه موضوع له صلة وثيقة بالعقيدة كموضوعي هذا.. والموضوعية الصادقة أن تنقل من كتبهم بأمانة، وأن تختار المصادر المعتمدة عندهم، وأن تعدل في الحكم، وأن تحرص على الروايات الموثقة عندهم أو المستفيضة في مصادرهم ما أمكن).

(ثم إنني في عرضي لعقائدهم ألتزم النقل من مصادرهم المعتمدة، لكن لا أغفل في الغالب ما قالته المصادر الأخرى، ووضع الأمرين أمام القارئ مفيد جداً للموازنة... اكتنفت دراستي عدة صعوبات: أولها أن كتب الرواية عند الشيعة لا تحظى بفهرسة، وليس لها تنظيم معين، كما هو الحال في كتب أهل السنة، ولذلك فإن الأمر اقتضى مني قراءة طويلة لكتب حديثهم، حتى تصفحت البحار بكامل مجلداته، وأحياناً أقرأ الباب رواية رواية، وقرأت أصول الكافي، وتصفحت وسائل الشيعة، وكانت الروايات التي أحتاج إليها تبلغ المئات في كل مسألة في الغالب). انتهى.

حسناً، لقد وعدنا المؤلف أن ينقل آراء الشيعة من مصادرهم.. وقد قرأ كثيراً كثيراً منها.. فماذا قال في موضوعنا (التجسيم)؟

قال في ج 2 ص 527:

(الفصل الثالث: عقيدتهم في أسماء الله وصفاته.

للشيعة في هذا الفصل أربع ضلالات:

الضلالة الأولى: ضلالة الغلو في الإثبات، وما يسمى بالتجسيم.

الضلالة الثانية: تعطيلهم الحق جل شأنه من أسمائه وصفاته.

الضلالة الثالثة: وصف الأئمة بأسماء الله وصفاته.

الضلالة الرابعة: تحريف الآيات بدافع عقيدة التعطيل للأسماء والصفات.

وسأتوقف عند كل مسألة من هذه المسائل الأربع وأبين مذهب الشيعة فيها من خلال مصادرها إن شاء الله.

المبحث الأول: الغلو في الإثبات (التجسيم):

اشتهرت ضلالة التجسيم بين اليهود، ولكن أول من ابتدع ذلك بين المسلمين هم الروافض، ولهذا قال الرازي (؟): اليهود أكثرهم مشبهة، وكان بدء ظهور التشبيه في الإسلام من الروافض مثل هشام بن الحكم، وهشام بن سالم الجواليقي، ويونس بن عبد الرحمن القمي وأبي جعفر الأحول (1).

وكل هؤلاء الرجال المذكورين هم ممن تعدهم الإثنا عشرية في الطليعة من شيوخها، والثقات من نقلة مذهبها (2)...

وقد حدد شيخ الإسلام ابن تيمية أول من تولى كبر هذه الفرية من هؤلاء فقال (وأول من عرف في الإسلام أنه قال إن الله جسم هو هشام بن الحكم) (3).

وقبل ذلك يذكر الأشعري في مقالات الإسلاميين أن أوائل الشيعة كانوا مجسمة، ثم بين مذاهبهم في التجسيم، ونقل بعض أقوالهم في ذلك، إلا أنه يقول بأنه قد عدل عنه قوم من متأخريهم إلى التعطيل (4).

وهذا يدل على أن اتجاه الإثني عشرية إلى التعطيل قد وقع في فترة مبكرة، وسيأتي ما قيل في تحديد ذلك (5).

وقد نقل أصحاب الفرق كلمات مغرقة في التشبيه والتجسيم منسوبة إلى هشام بن الحكم وأتباعه تقشعر من سماعها جلود المؤمنين. يقول عبد القاهر البغدادي: زعم هشام بن الحكم أن معبوده جسم ذو حد ونهاية وأنه طويل عريض عميق وأن طوله مثل عرضه... (6).

ويقول: إن هشام بن سالم الجواليقي مفرط في التجسيم والتشبيه لأنه زعم أن معبوده على صورة الإنسان... وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان (7).

وكذلك ذكر أن يونس بن عبدالرحمن القمي مفرط أيضا في باب التشبيه، وساق بعض أقواله في ذلك (8). وقال ابن حزم (قال هشام إن ربه سبعة أشبار بشبر نفسه) (9). انتهى.

وقال في هامشه: (1) اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص 97. (2) أنظر محسن الأمين / أعيان الشيعة: 1/106. (3) منهاج السنة: 1/20. (4) أنظر: مقالات الإسلاميين: 1/106 - 109. (5) في المبحث الثاني. (6) الفرق بين الفرق ص 65. (7) المصدر السابق: ص 68 69. (8) السابق ص 70. (9) الفصل: 5/40.

سبحان الله، لقد وعد المؤلف أن ينقل آراء الشيعة من مصادرهم، ولم يذكر في مصادره إلا أعيان الشيعة وقد رجعنا إلى المكان الذي ذكره فلم نجد

فيه شاهداً على كلامه! لقد صار معنى نقل آراء الشيعة من مصادرهم أن ينقلها من مصادر خصومهم المتحاملين عليهم، فما حدا مما بدا..؟!

أين مصادر الشيعة المعتمدة التي تنادي كلها بالتنزيه وتدين التشبيه، ومنها المصادر التي بين يدي المؤلف، وقد أدرج أسماءها في آخر كتابه.. وفيها على الأقل مئة باب ومسألة تنفي التشبيه والتجسيم بالآيات والأحاديث والبحوث الكلامية؟ فهل صدف نظر الدكتور عنها جميعاً؟!

أين أصول الكافي التي قال إنه قرأه وهو مجلدان، وفي المجلد الأول منهما كتاب التوحيد وأبوابه كما يلي:

كتاب التوحيد

باب حدوث العالم وإثبات المحدث

باب إطلاق القول بأنه شئ

باب أنه لا يعرف إلا به

باب أدنى المعرفة

باب المعبود

باب الكون والمكان

باب النسبة

باب النهي عن الكلام في الكيفية

باب في إبطال الرؤية

باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى

باب النهي عن الجسم والصورة

باب صفات الذات

باب آخر وهو من الباب الأول

باب الإرادة أنها من صفات الفعل وسائر صفات الفعل

باب حدوث الأسماء

باب معاني الأسماء واشتقاقها

باب آخر... الفرق ما بين المعاني التي تحت أسماء الله وأسماء المخلوقين

باب تأويل الصمد

باب الحركة والإنتقال

باب العرش والكرسي

باب الروح

باب جوامع التوحيد

باب النوادر. انتهى.

 

لقد رأى الدكتور كل ذلك! فقد كشف في الصفحات اللاحقة عن (سره) واعترف بأنه أغمض عينيه عمداً عن مصادر الشيعة لأن خصومهم أخبر منهم بعقائدهم وأصدق منهم!! قال في ص 531:

(وقد يقال إن ما سلف من أقوال عن هشام وأتباعه هي من نقل خصوم الشيعة فلا يكون حجة عليهم. ومع أن تلك النقول عن أولئك الضلال قد استفاضت من أصحاب المقالات على اختلاف اتجاهاتهم، وهم أصدق من الرافضة مقالاً وأوثق نقلاً، وهي تثبت أن الرافضة هم الأصل في إدخال هذه البدعة على المسلمين، لكن القول بأن نسبة التجسيم إليهم قد جاءت من الخصوم ولا شاهد عليها من كتب الشيعة قد يتوسمه من يقرأ إنكار المنكرين لذلك من الشيعة، وإلا فالواقع خلاف ذلك). انتهى.

ولم يبين لنا الدكتور الباحث أي واقع يقصده؟ هل هو واقع مصادرهم التي أغمض عينيه عنها، أم واقع الشيعة الذين هم حوله، ويمكنه أن يرفع التلفون ويتصل بعشرين من علمائهم وخمسين من عوامهم، من داخل المملكة السعودية وخارجها، من أي بلد إسلامي وأي قومية أراد؟!

وهكذا طار وعد الدكتور بنقل آراء الشيعة من مصادرهم، لأن معناه الواقعي عنده: نقل التهم الموجهة إليهم من خصومهم والحكم عليهم بها!

حسناً، لنا الله.. فلنطوِ هذه الصفحة، ولننظر إلى موضوعية دكتورنا في البحث والإستدلال التي يؤكد عليها فيقول في ج 1 ص 14: (وحاولت جهد الطاقة أن أكون موضوعياً ضمن الإطار الذي يتطلبه موضوع له صلة وثيقة بالعقيدة كموضوعي هذا...). ويقول في ج 1 ص 57: (فالمنهج العلمي والموضوعية توصي بأخذ آراء أصحاب الشأن فيما يخصهم أولاً). انتهى.

ونكتفي بذكر نموذج لموضوعية هذ الدكتور حيث يقول في ج 2 ص 535: (المبحث الثاني: التعطيل عندهم. بعد هذا الغلو في الإثبات بدأ تغير المذهب في أواخر المائة الثالثة حيث تأثر بمذهب المعتزلة في تعطيل الباري سبحانه من صفاته الثابتة له في الكتاب والسنة، وكثر الإتجاه إلى التعطيل عندهم في المائة الرابعة لما صنف لهم المفيد وأتباعه كالموسوي الملقب بالشريف المرتضى، وأبي جعفر الطوسي، واعتمدوا في ذلك على كتب المعتزلة (1). وكثيرا مما كتبوه في ذلك منقول عن المعتزلة نقل المسطرة، وكذلك ما يذكرونه في تفسير القرآن في آيات الصفات والقدر ونحو ذلك هو منقول من تفاسير المعتزلة (2). ولهذا لا يكاد القارئ لكتب متأخري الشيعة يلمس بينها وبين كتب المعتزلة في باب الأسماء والصفات فرقاً، فالعقل كما يزعمون هو عمدتهم فيها ذهبوا إليه والمسائل التي يقررها المعتزلة في هذا الباب أخذ بها شيوخ الشيعة المتأخرون كمسألة خلق القرآن، ونفي رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة، وإنكار الصفات. بل إن الشبهات التي يثيرها المعتزلة في هذا، هي الشبهات التي يثيرها شيوخ الشيعة المتأخرون.) انتهى.

وقال في هامشه: (1) منهاج السنة: 1/229. (2) المصدر السابق: 1/356.

وقال في ج 3 ص 537:

(كما وصفت مجموعة من رواياتهم رب العالمين بالصفات السلبية التي ضمنوها نفي الصفات الثابتة له سبحانه، فقد روى ابن بابويه أكثر من سبعين رواية تقول إنه تعالى (لا يوصف بزمان ولا مكان، ولا كيفية، ولا حركة، ولا انتقال، ولا بشيء من صفات الأجسام، وليس حساًّ ولا جسمانياً ولا صورة... (1). وشيوخهم ساروا على هذا النهج الضال من تعطيل الصفات الواردة في الكتاب والسنة ووصفه سبحانه بالسلوب). انتهى. وقال في هامشه: (1) التوحيد لابن بابويه ص 57.

وقال في ج 3 ص 536: (هذا والثابت عن علي رضي الله عنه وأئمة أهل البيت إثبات الصفات لله.. والنقل بذلك ثابت مستفيض في كتب أهل العلم. منهاج السنة: 2/44. انتهى. وهكذا أصدر الدكتور حكمه على الشيعة بأنهم كانوا مجسمة إلى حوالي القرن الرابع فصاروا معطلة ضالين لأنهم لا يصفون الله تعالى (بشئ من صفات الأجسام)!

ثم أصدر حكمه على الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، بأن مذهبهم موافق لمذهب الوهابيين في حمل الصفات على ظاهرها اللغوي الحسي ووصف الله تعالى بصفات الأجسام! وقد رأيت فيما تقدم أنه استدل على أن الشيعة مجسمة بأقوال خصوم الشيعة لأنهم بزعمه أصدق منهم! فبماذا استدل هنا على أن الشيعة معطلة؟! استدل بذكر أسماء علمائهم المتهمين ولم يذكر شيئاً من أقوالهم! فقد قال (وكثر الإتجاه إلى التعطيل عندهم في المائة الرابعة لما صنف لهم المفيد وأتباعه كالموسوي الملقب بالشريف المرتضى، وأبي جعفر الطوسي، واعتمدوا في ذلك على كتب المعتزلة). انتهى.

بالله عليك أيها الدكتور القفاري هل يمكننا الإستدلال على تهمة بسرد أسماء المتهمين؟ وهل يقبل ذلك منا الأساتذة المحترمون في حرم جامعي، بل هل يقبله بسطاء الناس من سكان البوادي والقفار؟! أما كان الواجب أن تنقل شيئاً من أقوال هؤلاء المتهمين ليرى القارئ تعطيلهم أو تجسيمهم، ولا يقول عنك إنك أصدرت حكماً بدون دليل وقفزت عن حيثياته وأبقيتها سراً مستسراً في قلبك؟!

ثم إن الشيخ المفيد أيها الدكتور توفي سنة 413 هـ وتلميذه الشريف المرتضى توفي سنة 436، وتلميذه الطوسي توفي سنة 460.. وإذا كان هؤلاء معطلة فكان اللازم أن يكون التعطيل بدأ عند الشيعة في المئة الخامسة لا الرابعة!

ثم إنك اعترفت أنك رأيت أحاديث الشيعة عن النبي وآله (صلى الله عليه وآله) في كتاب التوحيد للشيخ الصدوق فقلت: (روى ابن بابويه أكثر من سبعين رواية تقول إنه تعالى لا يوصف بزمان ولا مكان... الخ.) انتهى.

وابن بابويه محمد بن الحسين الصدوق متوفى سنة 281 وبذلك صعد تاريخ التعطيل المدعى عند الشيعة إلى الحديث الشريف عن النبي (صلى الله عليه وآله)! فأين التجسيم الذي ادعيت أن الشيعة كانوا عليه إلى القرن الرابع أو الخامس، حتى ألف لهم المفيد والمرتضى والطوسي كتب التعطيل؟!

لقد حصحص الحق واعترف الدكتور الباحث بأنه رأى كتاب التوحيد للصدوق وأحاديثه الكثيرة عن النبي وآله (صلى الله عليه وآله) في التنزيه، وأن الشيعة لم يكونوا مجسمة ولا معطلة.. إلا عند المجسمة الذين يعدون التنزيه تعطيلاً! ويعدون من لا يصف الله تعالى بصفات الأجسام ضالاً ملحداً!!

إن أبسط حق للقارئ عليك أيها الدكتور أن تذكر له ولو رواية واحدة من هذه السبعين حتى يرى تعطيلهم المزعوم لوجود الله تعالى وإلحادهم به!! خاصة أنك اتهمت الشيعة بأنهم حرفوا كل هذه الروايات السبعين و (ضمنوها نفي الصفات الثابتة له سبحانه) أي لم يفسروا آيات الصفات بالظاهر الحسي كما يفعل الوهابيون؟!

ومن حق القارئ علينا هنا أن نوضح له معنى تهمة التعطيل التي جعلها القفاري والوهابيون عصا يضربون بها وجه من يخالفهم ولا يفسر صفات الله تعالى بالتفسير المادي الوهابي؟!

معناها أنك إذا فسرت (يد الله فوق أيديهم) بأن قدرته فوق قدرتهم، فأنت عندهم متأول معطل ملحد!

ولا تصير مؤمناً حتى تقول إن لله تعالى يداً حقيقية حسية!!

وإذا قلت: أنا لا أعلم معنى يد الله وعين الله وجنب الله في القرآن ولا أفسرها لا بالمعنى الحسي ولابغيره، بل أفوض معناها إلى الله تعالى ورسوله، فأنت أيضاً عندهم مفوض معطل ضال، حتى تفسرها بالمعنى المادي!!

فجميع المتأولين والمفوضين عندهم معطلون، لأنهم بزعمهم جعلوا الله تعالى وجوداً معطلاً عن الصفات والحس والكيف! وهم عندهم ملحدون، لأنهم بزعمهم ألحدوا في صفات الله المادية التي وردت في القرآن!! وبذلك يخرجون كل مذاهب المسلمين عن الإسلام، ولا يبقى مسلم إلا هم والمجسمة!!

وهكذا يرتكب الوهابيون كأجدادهم المجسمة إفراطا نحو المادية في تفسير وجود الله تعالى وصفاته بالحس، ويحكمون بضلال من خالفهم وكفرهم!!

ثم يرتكبون إفراطاً مادياً آخر في تحريمهم التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله) والأولياء وزيارة قبورهم ويعتبرونها شركاً، ويحكمون بضلال من خالفهم في ذلك وكفرهم!

والقاسم المشترك بين الإنحرافين أن أذهانهم مسكونة بالمادية، فهي لا ترى غيرها ولا تؤمن بغيرها.. ورحم الله أصحابهم الماديين الغربيين!!

بقي حكم الدكتور القفاري على أهل البيت (عليهم السلام) بأنهم كانوا مثله تيميين وهابيين، حيث اكتفى بالإستدلال على ذلك بقول ابن تيمية الذي لم يذكر عليه دليلاً! فقد نقل القفاري عن ابن تيمية قوله (والثابت عن علي رضي الله عنه وأئمة أهل البيت إثبات الصفات لله... والنقل بذلك ثابت مستفيض في كتب أهل العلم). وقد كرر ابن تيمية هذا الادعاء في كتبه ولم يأت عليه بدليل!

قال في مجموعة رسائله مجلد 1 جزء 3 ص 115:

(لكن الإمامية تخالف أهل البيت في عامة أصولهم، فليس من أئمة أهل البيت مثل علي بن الحسين وأبي جعفر الباقر وابنه جعفر بن محمد من كان ينكر الرؤية). انتهى.

ومن حق القارئ أن يطلب نموذجاً من هذا النقل المستفيض، الذي ادعاه ابن تيمية، ثم ادعاه به تلميذه الأكاديمي الدكتور القفاري! ولا بد أنه فتش عنه هو وفريقه فلم يجدوا منه حتى رواية واحدة، مع أنه حسب زعم إمامهم ابن تيمية (مستفيض في كتب أهل العلم) ولكنهم أصروا على دعواهم بدون بينة وعلى حكمهم بدون دليل!! وهكذا، طار وعد الدكتور بالموضوعية والأكاديمية، كما طار وعده سابقاً بالإستناد إلى مصادر الشيعة!

حسناً، لنا الله.. فلنطوِ هذه الصفحة ولننظر إلى وعد الدكتور الثالث بأن يكون أميناً فيما ينقل من مصادر الشيعة، حيث قال كما تقدم:

(والموضوعية الصادقة أن تنقل من كتبهم بأمانة، وأن تختار المصادر المعتمدة عندهم، وأن تعدل في الحكم، وأن تحرص على الروايات الموثقة عندهم أو المستفيضة في مصادرهم ما أمكن). انتهى. فلننظر كيف طبق كلامه في مسألة رؤية الله تعالى بالبصر..

قال في ج 2 ص 551:

(لقد ذهبت الشيعة الإمامية بحكم مجاراتهم للمعتزلة إلى نفي الرؤية وجاءت روايات عديدة ذكرها ابن بابويه في كتابه التوحيد وجمع أكثرها صاحب البحار تنفي ما جاءت به النصوص من رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة... فنفيهم لرؤية المؤمنين لربهم في الآخرة خروج عن مقتضى النصوص الشرعية، وهو أيضاً خروج عن مذهب أهل البيت، وقد اعترفت بعض رواياتهم بذلك، فقد روى ابن بابويه القمي عن أبي بصير، عن أبي عبد الله قال: قلت له أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟ قال: نعم (1).

وقال في هامشه: (1) ابن بابويه التوحيد ص 117، بحار الأنوار: 4 44، وانظر: رجال الكشي ص 450 (رقم 848). انتهى.

ويبدو الدكتور هنا أكاديمياً موضوعياً، لأنه يقول وجدت رواية في مصادر الشيعة عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) تثبت أنه يعتقد برؤية الله تعالى بالعين يوم القيامة، بينما ينفي الشيعة إمكان الرؤية بالعين في الدنيا والآخرة وينسبون رأيهم إلى أهل البيت (عليهم السلام)! فكيف يدعون أنهم شيعة أهل البيت ويخالفون إمامهم جعفر الصادق؟!

ولكن دكتورنا لم يكن أميناً في نقله من مصادر الشيعة مع الأسف، فقد بتر النص وقطع منه جزءاً ناقصاً ليستدل به على ما يريد! فطارت بذلك (موضوعيته الصادقة) التي يدعيها وصارت (موضوعية) غربية مثلا ً!

وإليك أصل الرواية: قال الصدوق في كتابه (التوحيد) ص 117:

(.. عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال قلت له: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟ قال: نعم وقد رأوه قبل يوم القيامة، فقلت متى؟ قال: حين قال لهم: ألست بربكم قالوا بلى، ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة، ألست تراه في وقتك هذا؟ قال أبو بصير: فقلت له جعلت فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال: لا، فإنك إذا حدثت به فأنكر منكر جاهل بمعنى ما تقوله ثم قدر أن ذلك تشبيه كفر، وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون.). انتهى.

فالرواية الشريفة تثبت الرؤية بالبصيرة والعقل، وتبين أنها حاصلة قبل الدنيا من يوم أخذ الله ميثاق ذرية آدم على ربوبيته وهي مستمرة في الدنيا، وفي الآخرة تكون أجلى وأوضح. وتنفي ادعاء الرؤية بالعين وتعتبرها تشبيهاً لله تعالى بخلقه وكفراً!! ومع ذلك أقدم الدكتور على قطع السطر الأول منها فقط إلى قوله (نعم) وحذف السطور التي بعده، لينسب بذلك رؤية الله تعالى بالعين إلى الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)!!

لقد ارتكب هذا الدكتور ما لا يناسب مسلماً بقالاً، فضلاً عن دكتور من الدرجة الأولى في جامعة الإمام محمد بن سعود! وبعمله هذا طار الشرف الذي منحته الجامعة لرسالته فقالت (وقد أجيزت هذه الرسالة بمرتبة الشرف

الأولى، مع التوصية بطبعها وتبادلها بين الجامعات) ولو كنت رئيس كليته وارتكب عندي مثل هذه الخيانة العلمية لسحبت منه درجته ومنعت تعميم رسالته، ثم اعتذرت من الذين أساء إليهم وغرهم بشهادته.. حتى لا تسقط الجامعة عن الإعتبار العلمي.. ولكن أساتذة القفاري لا يفعلون لأن الأمر ليس بيدهم، بل قد تزداد مكانة القفاري عند شيوخه لأنه أجاد سب الشيعة وشتمهم، وألبس ذلك ثوباً جامعياً والحمد لله!

كنت أتصور عندما تصفحت كتاب القفاري لأول مرة أنه يستحق الإهتمام لأنه كتاب علمي، لكن بعد أن وقفت على هذه الفضيحة قررت أن لا أتعب نفسي بتدقيق بقية ما نقله من مصادرنا؟ لأن كذبة واحدة في كتاب تكفي شرعاً لإسقاطه عن الإعتبار.

نعم بقيت مسألتان من كتاب القفاري تتعلقان بموضوعنا بنحو وآخر:

المسألة الأولى: اتهامه إيانا بأنا أخذنا عقائدنا من اليهود والمجوس والوثنيات أو تأثرنا بها.. قال في ج 1 ص 87 تحت عنوان:

(المذهب الشيعي مباءة للعقائد الآسيوية القديمة: ويضيف البعض أن مذهب الشيعة كان مباءة ومستقراً للعقائد الآسيوية القديمة كالبوذية وغيرها. يقول الأستاذ أحمد أمين: وتحت التشيع ظهر القول بتناسخ الأرواح وتجسيم الله والحلول، ونحو ذلك من الأقوال التي كانت معروفة عند البراهمة والفلاسفة والمجوس قبل الإسلام. ويشير بعض المستشرقين إلى تسرب الكثير من العقائد غير الإسلامية إلى الشيعة ويقول إن تلك العقائد انتقلت إليها من المجوسية والمانوية والبوذية، وغيرها من الديانات التي كانت سائدة في آسيا قبل ظهور الإسلام). انتهى.

ونلاحظ أن دكتورنا صار هنا عصرياً علمانياً، فقد اعتمد في اتهامه الشيعة على أحمد أمين المصري العلماني وعلى المستشرقين الموضوعيين! لأنهم ضد الشيعة!! وقد قلد القفاري في ترديد مقولات العلمانيين والغربيين عن الشيعة وهابي آخر فكتب كتاباً باسم (عون المعبود في إثبات أن الشيعة كاليهود)!

وجوابنا لهما: أن أحاديث كعب الأحبار وجماعته ما زالت ضاربة أطنابها ومستوطنة في مصادركم، لا في مصادرنا! وما زالت تطبع بأحسن الطبعات وتدرس في المعاهد والجامعات!! وأن كعباً وجماعته كانوا يسكنون في دور الخلافة لا في بيوت أهل البيت (عليهم السلام)! وقد تقدم شئ من ذلك في هذا الكتاب كما وثقناه في (العقائد الإسلامية) المجلد الثاني في بحث الرؤية، وفي كتاب (تدوين القرآن).

أما عن تأثر الشيعة بالمجوسية والعقائد الآسيوية، فإن المجوس صاروا سنيين أولاً، وألفوا للسنيين أهم مصادرهم وصحاحهم وعقائدهم وفقههم، بل أسسوا لهم مذاهبهم ونظروا لها، وبعد قرون طويلة صار أبناؤهم شيعة وساهموا في تأليف مصادرنا!!

فإن كان المسلمين الفرس متأثرين بعقائدهم المجوسية والآسيوية فقد نقلوها معهم إلى التسنن الذي صاروا أئمة مذاهبه وأئمة مصادره الى يومنا هذا!

وعندما صار أبناؤهم شيعة فالذي يمكن أن ينقلوه معهم إلى التشيع هو تأثرهم بالتسنن لا بالمجوسية، إلا أن يكون ضمن هذا التسنن تأثراتهم السابقة بالمجوسية!

كأن هذا الدكتور لا يعرف أن التشيع لا يضاهيه مذهب بعروبته! وأن مؤسسي مذهبه الذي يناقشنا به، ومؤلفي مصادره التي يحاجنا بها عجم من

قرونهم إلى أقدامهم.. إن تسعين بالمئة من أئمته أصحاب المصادر السنية هم من الفرس، (والأئمة) الذين يحتج بهم الوهابيون من مجسمة الحنابلة وواصفي الله تعالى بصفات الأجسام هم من اليهود أو الفرس؟!

وكأن هذا الدكتور لا يعرف أن عدداً من الذين يسبهم من علماء الشيعة الفرس هم أولاد أئمته الذين يقدسهم.. فالعلامة المجلسي الشيعي صاحب موسوعة (بحار الأنوار) المتوفى سنة 1111 هجرية هو من أولاد الحافظ أبي نعيم الإصفهاني السني المتوفى سنة 435 هجرية!

وأن ابن جزي، وابن خزيمة، والجويني، ومسلماً، والنسائي، والترمذي، وابن ماجة، وأبا داود، والحاكم، وأبا حنيفة، وعشرات الفرس بل مئاتهم، إنما صار أبناؤهم شيعة بعد قرون طويلة، وصار منهم علماء من علماء الشيعة!

فمن أولى بتهمة التأثر بالعقائد المجوسية والآسيوية أيها الدكتور الباحث، الأجداد السنيون وثقافتهم، أم الأبناء الشيعيون؟!

على أن الباحث العاقل المتزن لا يرسل أحكامه جزافاً، لأنه لا بد له أن يفحص الأفكار والعقائد واحدة واحدة، ويرى ما تملكه من دليل من كتاب الله تعالى وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، ودلالة العقل القطعية، فإن تم دليلها فلا يهمه أن يكون لها شبيه عند هؤلاء القوم أو أولئك، وفي هذا الدين أو ذاك، ولا يهمه أن يقبلها كل الناس أو يرفضوها ويهرجوا على من يتبناها... ورحم الله شاعرنا القائل:

نحن أتباع الدليل أينما مال نميل

والمسألة الثانية مع الدكتور القفاري: في معنى المصادر المعتمدة عندنا:

فالظاهر أن إخواننا الجامعيين ومنهم القفاري لم يعرفوا أن مفهومنا عن المصادر المعتمدة هو من مفاخر المذهب الشيعي في تبني حرية البحث العلمي.

قال القفاري في ج 1 ص 368:

(قال جعفر النجفي (ت 1227 هـ) شيخ الشيعة الإمامية ورئيس المذهب في زمنه، قال في كتابه كشف الغطاء عن مؤلفي الكتب الأربعة: والمحمدون الثلاثة كيف يعول في تحصيل العلم عليهم، وبعضهم يكذب رواية بعض.. ورواياتهم بعضها يضاد بعضها.. ثم إن كتبهم قد اشتملت على أخبار يقطع بكذبها كأخبار التجسيم والتشبيه وقدم العالم، وثبوت المكان والزمان.

ولكن أصحاب الكتب الأربعة نصوا في مقدماتهم بأنهم لا يذكرون إلا الصحيح، فيجيب صاحب كشف الغطاء عن ذلك بقوله: فلا بد من تخصيص ما ذكر في المقدمات أو تأويله على ضرب من المجازات أو الحمل على العدول عما فات حيث ذكروا في تضاعيف كتبهم خلاف ما ذكروه في أوائلها، أي أنهم عدلوا عن شرط الصحة الذي ذكروه في مقدمات كتبهم!

ثم يأتي الاعتراض الأكثر صعوبة وهو أن هذه الكتب الأربعة مأخوذة كما يقولون من أصول معروضة على الأئمة، وأصول الكافي كتب في عصر الغيبة الصغرى، وكان بالإمكان الوصول إلى حكم الإمام على أحاديثه، بل قالوا بأنه عرض على مهديهم فقال بأنه كاف لشيعتنا، كما أن صاحب من لا يحضره الفقيه أدرك من الغيبة الصغرى نيفا وعشرين سنة). انتهى.

ينبغي أن يعرف هؤلاء الأخوة أن معنى المصادر المعتمدة عندنا يختلف عن معناه عند إخواننا السنة، فروايات مصادرنا المعتمدة وفتاواها جميعاً عندنا قابلة للبحث العلمي والإجتهاد.

وأن المصدر (ما عدا كتاب الله تعالى) ليس قطعة واحدة إما أن نقبله كله أو نتركه كله، بل كل رواية فيه أو رأي أو فتوى، لها شخصيتها العلمية المستقلة.

أما السنيون فيرون أن مصادرهم المعتمدة فوق البحث العلمي، فصحيح البخاري برأيهم كتاب معصوم من الجلد إلى الجلد، بل هو عندهم أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، ورواياته قطعة واحدة، فإما أن تأخذها وتؤمن بها كلها، أو تتركها كلها! فبمجرد أن تحكم بضعف رواية واحدة من البخاري فإنك ضعفته كله... وصرت مخالفاً للبخاري ولأهل السنة والجماعة!

وينتج عن ذلك أن الباحث الشيعي يمكن أن يبحث جدياً في رواية من كتاب الكافي وغيره من المصادر المعتبرة عند الشيعة، ويتوصل إلى التوقف في سندها أو تضعيفه، فلا يفتي بها، ولا يضر ذلك بإيمانه وتشيعه.

بينما السني محرم عليه ذلك، وإن فعل فقد تصدر فيه فتاوى الخروج عن المذاهب السنية، وقد يتهم بالرفض ومعاداة الصحابة!

ولا بد أن يعرف الدكتور القفاري وأمثاله أن شهادة مؤلف الكتاب الحديثي بصحة كتابه، إنما هي اجتهاده الشخصي وهي حجة عليه وعلى مقلديه فقط.

ويبقى من حق المجتهد الآخر أن يبحث ويصحح ما صححه مؤلف أو يضعفه.

وقد يتأثر بالمؤلف وتصحيحاته أو تضعيفاته وقد لا يتأثر، والحجة الشرعية في النهاية بينه وبين الله تعالى هي اجتهاده، وليس اجتهاد صاحب الصحيح.

وليت القفاري التفت إلى الكلام العلمي الذي نقله عن المرحوم الشيخ جعفر الجناحي (كاشف الغطاء) عندما قال (والمحمدون الثلاثة كيف يعول في تحصيل العلم عليهم، وبعضهم يكذب رواية بعض.. ورواياتهم بعضها يضاد بعضها..).

فالشيخ الجناحي يقول لا يمكن للمجتهد أن يقلدهم ويقول حصل لي العلم بصحة الحديث من شهادة الكليني أو الصدوق أو الطوسي، لأن كلا منهم اجتهد فصحح أو ضعف، وبقي على المجتهد أن يجتهد في علم الفقه وفي الحديث والجرح والتعديل، ويصحح أو يضعف..

ونفس هذا الكلام يجب أن يقوله إخواننا السنة في صحاحهم ومصادر حديثهم، فقد اجتهد أصحابها وشهدوا بصحتها، والباحث فيها لا يحصل له العلم بصدور الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) من شهادة البخاري مثلاً، لأن فيه أحاديث متعارضة متضادة لا يمكن الجمع بينها لأن بعضها يكذب بعضاً، فلا بد للمجتهد أن يبحث بنفسه ويصحح أو يضعف.. والعوام في كل عصر يقلدون في تصحيح الأحاديث وتضعيفها علماء ذلك العصر من المجتهدين أهل الخبرة.. هذا هو الوضع الطبيعي لأتباع كل دين، وهذا هو المنهج العلمي السليم الذي يقره العقل والمنطق.. أما القول بأنه يجب على الأمة أن تقفل على نفسها باب الإجتهاد في تصحيح أحاديث نبيها إلى يوم القيامة، وتقلد مؤلفي ستة كتب أو خمسين كتاباً، فهو بدعة عباسية ومرسوم من مراسيمهم، لكن إخواننا ما زالوا يتمسكون به خوفاً على تجسيمهم وإسرائيلياتهم من فتح باب البحث العلمي والإجتهاد!

وإذا فتحوه أوجبوا تقلد الشيخ ناصر الألباني وحده لأنه وهابي!

إنهم أحرار إذا أرادوا الجمود على هذه الكتب أو تلك، ولكن نرجوهم أن لا يتصورا أصحاب الرأي الآخر بدوا لا يفهمون، ولا يتخيلوا أن الحرية العلمية التي يتبناها علماء الشيعة منقصة ومسبة، ودليل على بطلان مصادرهم وأحاديثهم، كما فعل هذا القفاري لعدم تأمله في معنى كلمات المجتهدين المتخصصين!!

أما اعتراضه الذي سماه (الإعتراض الأكثر صعوبة) لماذا دونت الكتب الأربعة عند الشيعة عن أصول رويت عن الأئمة ولم تدون عن الأئمة مباشرة؟ فهو يدل على قلة خبرته بتاريخ الحديث وتدوينه، فإن هذا الإشكال يتوجه إلى تدوين الصحاح الستة وغيرها من مصادر إخواننا، لأن أئمتهم منعوا تدوين الحديث أكثر من قرن من الزمان، ثم دونوا كتبهم من محفوظات الرواة المرضيين عند الدولة!

أما نحن فإن أئمتنا من أهل البيت (عليهم السلام) كانوا حاضرين بيننا إلى سنة 260 هجرية حيث غاب الإمام المهدي (عليه السلام)، فكانوا هم حجج الله على المسلمين بنص النبي (صلى الله عليه وآله) وكان الشيعة يرجعون إليهم في تصحيح الأحاديث وتلقي معالم دينهم، وكان الرواة والعلماء يكتبون عنهم من زمن علي (عليه السلام) إلى القرن الثالث، وبعد هذا التاريخ قام عدد من العلماء بجمع الأصول المكتوبة عنهم في موسوعات..

فكتبنا الأربعة وغيرها مأخوذة باليد عن أصحاب الأئمة(عليهم السلام)، وسند أئمتنا إلى جدهم صلى الله عليه وعليهم هو المسمى بسلسلة الذهب،

المقدسة عند جميع المسلمين، والتي قال عنها الإمام أحمد بن حنبل: (لو قرئ هذا الإسناد على مجنون لأفاق من جنونه). قال في هامش مسند زيد بن علي ص 440:

(أورد صاحب كتاب تاريخ نيسابور أن علياًّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق لما دخل نيسابور كان في قبة مستورة على بغلة شهباء وقد شق بها السوق، فعرض له الإمامان الحافظان أبو زرعة وأبو مسلم الطوسي ومعهما من أهل العلم والحديث ما لا يحصى فقالا: يا أيها السيد الجليل ابن السادة الأئمة، بحق آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين إلا ما أريتنا وجهك الميمون ورويت لنا حديثاً عن آبائك عن جدك أن نذكرك به.

فاستوقف غلمانه وأمر بكشف المظلة وأقر عيون الخلايق برؤية طلعته، وإذا له ذؤابتان معلقتان على عاتقه والناس قيام على طبقاتهم ينظرون ما بين باك وصارخ، ومتمرغ في التراب، ومقبل حافر بغلته وعلا الضجيج، فصاحت الأئمة الأعلام: معاشر الناس، أنصتوا واسمعوا ما ينفعكم ولا تؤذونا بصراخكم، وكان المستملي أبا زرعة ومحمد بن أسلم الطوسي، فقال علي الرضا رضي الله عنه: حدثني أبي موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه زين العابدين عن أبيه شهيد كربلا عن أبيه علي المرتضى قال حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال حدثني جبريل (عليه السلام) قال حدثني رب العزة سبحانه وتعالى قال: لا إله إلا الله حصني، فمن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي.

ثم أرخى الستر على المظلة وسار، قال فعد أهل المحابر وأهل الدواوين الذين كانوا يكتبون فأنافوا على عشرين ألفاً.

قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: لو قرئ هذا الإسناد على مجنون لأفاق من جنونه).!

 

مأخذ: الوهابیة و التوحید، الشیخ علی الکورانی العاملی.

الأربعاء, 24 تموز/يوليو 2013 06:41

حَقّ أَبِيكَ

22. وَ أَمّا حَقّ أَبِيكَ فَتَعْلَمُ أَنّهُ أَصْلُكَ وَ أَنّكَ فَرْعُهُ وَ أَنّكَ لَوْلَاهُ لَمْ تَكُنْ فَمَهْمَا رَأَيْتَ فِي نَفْسِكَ مِمّا يُعْجِبُكَ فَاعْلَمْ أَنّ أَبَاكَ أَصْلُ النّعْمَةِ عَلَيْكَ فِيهِ وَ احْمَدِ اللّهَ وَ اشْكُرْهُ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ وَ لا قُوّةَ إِلّا بِاللّهِ

الأربعاء, 24 تموز/يوليو 2013 06:37

ماذا لو أدار «حزب الله» ظهره للأوروبيين؟

ماذا لو أدار «حزب الله» ظهره للأوروبيين؟

حوار بين وزيرة خارجية ايطاليا ايما بونينو ونظيرها البلجيكي ديدييه ريندرز على هامش اجتماع وزراء الخارجية الاوروبيين في بروكسل

حدد الأميركيون والإسرائيليون الوجهة، فكان قرار الاتحاد الأوروبي بإدراج ما يسمى «الجناح العسكري» في «حزب الله» على «لائحة المنظمات الإرهابية».

جاء القرار مركبا، بمعنى أنه يحمل الشيء ونقيضه. من جهة، أسبغ الأوروبيون صفة الإرهاب على «حزب الله» العسكري (...)، ومن جهة ثانية، ابقوا قنوات الحوار مفتوحة مع «حزب الله» السياسي (...)، في إطار توليفة تدعو إلى «مواصلة الحوار» مع كل الأحزاب السياسية اللبنانية وبينها «حزب الله» ربطا بـ«دوره الأساسي» لبنانيا!

واللافت للانتباه، ليس طرح السؤال عما يريده الأوروبيون من «قرارهم»، بل عما يريده الإسرائيلي الذي اعتبر القرار، برغم ترحيبه الأولي به، غير كاف، إذ إنه كان يطمح إلى إدراج الحزب كله على القائمة الأوروبية السوداء.

كذلك ينبغي السؤال عما يريده الأميركيون من وراء الدفع سياسيا وديبلوماسيا في الأيام الأخيرة، باتجاه اتخاذ قرار من هذا النوع، بدليل مسارعة الإدارة الأميركية إلى الترحيب به من جهة، وتحذير مصادر ديبلوماسية عربية في نيويورك من جهة ثانية، من تداعيات لاحقة للقرار الأوروبي.

وإذا كان القرار قد استند إلى واقعة بورغاس قبل نحو سنة، حيث استهدفت حافلة سياح إسرائيليين على أرض مطار بلغاري، يعتبر من بين أهم المعابر الجوية الأوروبية، للأميركيين والإسرائيليين، عسكريا وأمنيا، فان مرجعا رسميا لبنانيا واسع الاطلاع كشف أن التحقيق القضائي البلغاري «لم يتوصل إلى أي معطى أو دليل دامغ جديد يمكن أن يؤدي إلى قلب المشهد الأوروبي رأسا على عقب، وكل ما حصل أننا أمام قرار سياسي معنوي لا مفاعيل مادية أو عملية له راهنا أو مستقبلا».

ويضيف المرجع أن تداعيات معركة القصير حاضرة في صلب القرار الأميركي ــ الإسرائيلي ــ الأوروبي (وبدفع سعودي)، خاصة أن لكل طرف من هذه الأطراف اعتباراته، فضلا عن وجود بيئة عربية ولبنانية حاضنة لا بل محرضة على كل ما من شأنه أن يؤدي إلى تشويه سمعة «حزب الله» وصورته عربيا ودوليا.

واللافت للانتباه أيضا، بحسب المرجع نفسه، أن القرار الأوروبي لم يصدر رسميا حتى الآن، لأن وزير خارجية السويد اشترط موافقة حكومته مسبقا قبل نشر القرار، وأضاف أن القرار سيصدر وهو خاضع للمراجعة كل ستة أشهر، وهذا يستوجب استنفارا رسميا وديبلوماسيا لبنانيا منذ الآن، خاصة أن هناك آليات موجودة ضمن الاتحاد الأوروبي للطعن بالقرارات، وقد حصلت مراجعات سابقة من دول أخرى وتم تجميد مفعول قرارات مماثلة.

وأوضح المرجع أن الحكومة اللبنانية تبلغت أن القرار لن تكون له أي مفاعيل على كل التحويلات المالية القانونية إلى لبنان عبر المصارف الأوروبية. وأشار إلى أن سفيرة الاتحاد الأوروبي أنجلينا ايخهورست قطعت إجازتها الصيفية وعادت إلى بيروت، أمس، والتقت رئيس الجمهورية ميشال سليمان، ومن المقرر أن تلتقي اليوم وزير الخارجية عدنان منصور لإبلاغه أن القرار رسالة سياسية ولا مفاعيل عملية له، مشددة على طابعه المعنوي البحت وعدم تأثيره على المساعدات والتقديمات الأوروبية للحكومة اللبنانية!

غير أن التطمينات الأوروبية، لا تحجب أسئلة من نوع آخر:

أولا، ثمة قناعة راسخة بأن التوجه الأوروبي موجود منذ فترة طويلة، وقد حال دون تحوله إلى قرار، في المرحلة السابقة، موقف عدد من الدول الأوروبية، غير أنه اتخذ منحى مختلفا من لحظة انخراط «حزب الله» في معركة القصير، فماذا لو أعلن الحزب انسحابه من المعركة وماذا لو لم ينسحب، وهل يمكن أن تقود مشاركة الحزب أو عدمها إلى معطيات جديدة؟

ثانيا، لعل السؤال الحقيقي كيف سيتصرف «حزب الله» إزاء ما أسماه «القرار الأميركي ــ الصهيوني العدواني الظالم»؟ هل سيعيد الحزب النظر في آلية تعامله مع دول الاتحاد الأوروبي؟ ماذا لو طلب أي مسؤول أوروبي موعدا من مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا (القناة الأمنية الحزبية الرسمية)، على غرار ما فعل بالأمس ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي؟ وهل يمكن للحزب أن يدير ظهره للمواعيد الأمنية التي درج الأوروبيون على طلبها، بعيدا عن الإعلام؟

ثالثا، ماذا لو أبلغ «حزب الله» الأوروبيين رسميا بالمعادلة الآتية: «نحن حزب جهادي (عسكري) من رأسه وحتى أخمص قدميه، من لحظة الولادة وحتى يومنا هذا، ونمارس العمل السياسي في خدمة العمل الجهادي، وليس عندنا جناح عسكري وجناح سياسي، وما تقرره قيادة الحزب (من الأمين العام وشورى القرار والمجالس التنفيذية والجهادية والسياسية) يسري على كل حزبي، ولا يستثنى أي عضو في الحزب من معادلة العمل الجهادي، وبالتالي ما يسري على الجناح العسكري يسري على الحزب كله»؟ فهل يقرر الأوروبيون وقف التعامل والحوار مع الحزب كله أم يضعون قرارهم في سلة المهملات؟

رابعا، ماذا لو اتصل ضابط أوروبي ضمن «اليونيفيل» بمسؤول عسكري أو أمني في «حزب الله» سعيا لحل إشكال أو لتنسيق أمر محلي ما، كما يجري يوميا، في عشرات القرى في جنوب الليطاني، هل يتجاوب الحزب وهل يمكن أن يعاقب الضابط الأوروبي في بلده، أم أن الضرورات تبيح المحظورات للطرفين؟

خامسا، ماذا لو قرر «حزب الله» سياسيا أن يدير ظهره للأوروبيين وألا يعطيهم الضمانات التي كانوا قد طلبوها، حتى من قبل انطلاقهم من دولهم إلى الجنوب اللبناني، للمشاركة في تنفيذ القرار 1701 في العام 2006، وماذا لو تمكن «طرف ثالث» من التسلل إلى هذه المعادلة من أجل النيل من أمن «اليونيفيل» وعلاقتها بالجنوبيين والمقاومة، فهل يكون لزاما على «حزب الله» أن يقطع الطريق على هكذا محاولات بالوقوف دائما على «خاطر» الوحدات الأوروبية في «اليونيفيل»؟

في كل الأحوال، هذه الأسئلة وغيرها، طرحها الايطاليون أمام جهاز العمل الخارجي في الاتحاد الأوروبي، قبل أن يحال الملف لوزراء الاتحاد، حيث طغى في اجتماع بروكسل بالأمس، البعد السياسي على ما عداه، فسقطت اعتبارات بعض الدول، تحت طائلة معاقبتها من قبل بعض الدول الكبرى نتيجة الأزمات المالية والاقتصادية التي تعصف بها حاليا، ناهيك عن محاولة تقديم جائزة ترضية للإسرائيليين على خلفية القرار الأوروبي بعدم شرعية الوجود الإسرائيلي خارج حدود العام 1967 (رفض الاستيطان عمليا).

لقد سبق للأميركيين والكنديين والاستراليين أن اتخذوا قرارات بوضع «حزب الله» كله من دون فصل بين جناح عسكري وسياسي، على لائحة الإرهاب، وثمة جاليات لبنانية، خاصة في كندا واستراليا، تجاهر بعناوين لبنانية مختلفة بانتمائها إلى خيار المقاومة، خاصة في المناسبات الوطنية وأبرزها التحرير، وحتى الآن لم تتجرأ أي من هذه الدول على المس بأوضاع الجاليات اللبنانية، فهل يمكن للأوروبيين أن يذهبوا بقرارهم الخجول أبعد من غيرهم، خاصة أن لـ«حزب الله» مريدين ومناصرين ووجودا في كل أنحاء أوروبا؟

كل المعطيات تشير إلى أن لبنان الرسمي ومن لحظة استقالة الحكومة الميقاتية، ومن بعد مجاهرة «حزب الله» بانخراطه في المعركة السورية، كان على علم باستعداد الأوروبيين، لإصدار القرار، وبرغم ذلك، لم يقم بالجهد المطلوب منه، تاركا الأمر للأيام والساعات الأخيرة، حيث كانت كل تقارير البعثة اللبنانية في بروكسل تشي بأن القرار قد اتخذ ولا عودة عنه، والسؤال المطروح كيف سيتصرف لبنان الرسمي مع هذا القرار، هل سيستسلم له ويكتفي بالتمنيات أو بالتغني باحترام قرارات الشرعية الدولية، وهل صارت أوروبا والقرارات التي تحرضها إسرائيل عليها، بلا رغبتها وبالتناقض مع احتياجاتها، هي الشرعية الدولية، أم انه سيواجه القرار ويطعن به، وماذا لو قررت بعض الدول الأوروبية ابتزاز لبنان من خلال ملفات أخرى سياسية أو أمنية أو اقتصادية؟

البرلمان الايراني يستنكر القرار الاوروبي ضد حزب الله

استنكر مجلس الشورى الاسلامي الايراني قرار الاتحاد الاوروبي بوضع الجناح العسكري لحزب الله لبنان على قائمة المنظمات الارهابية ، مؤكدا دعمه لحزب الله وامينه العام.

ووصف البيان حزب الله بانه احد مفاخر الامة الاسلامية في التصدي للكيان الصهيوني حيث استطاع لاول مرة من تحرير اراضي جنوب لبنان المحتلة في عام 2000 ، والحق باقتدار الهزيمة بالكيان الصهيوني وانهى حقبة من اخفاقات الدول الاسلامية في مواجهتها للكيان الغاصب للقدس.

واشار بيان مجلس الشورى الاسلامي الى ان الجناح العسكري لحزب الله استطاع في الحرب العدوانية التي شنها الكيان الصهيوني بدعم من اميركا في عام 2006 من دحر جيش الاحتلال الصهيوني الذي يعد رابع اكبر جيش في العالم , وتغيير معادلة القوى في منطقة الشرق الاوسط الحساسة.

ووصف البيان حزب الله بانها انموذج للمقاومة وشوكة في عيون اعداء الاسلام , مشيرا الى انه من خلال هذه الثقافة الجديدة للمقاومة والنضال تحققت انتصارات جديدة على الصهاينة من قبل حركتي الجهاد الاسلامي وحماس في حربي 22 يوما و8 ايام في قطاع غزة.

وادان اعضاء مجلس الشورى الاسلامي بشدة قرار الاتحاد الاوروبي ووصفوه بانه معاد للاسلام والانسانية , معلنين دعمهم لحزب الله وقائده المقتدر والشجاع السيد حسن نصرالله, كما ابدوا استعدادهم لدعم القضية الفلسطينية ومقارعة الكيان الصهيوني في اطار الاهداف الالهية للامام الخميني (رض) وقائد الثورة الاسلامية آية الله سيد علي الخامنئي.

واختتم البيان قائلا : ان الامة الاسلامية وخاصة الشعب الايراني العظيم سيرد على الاتحاد الاوروبي وحماتهم الضيقي الافق في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك في يوم القدس العالمي من خلال مشاركة عشرات الملايين في مسيرات هذا اليوم العظيم.

اللقاء الرمضاني لسماحة الإمام الخامنئي برئيس الجمهورية و أعضاء مجلس الوزراء

في اليوم الخامس من شهر رمضان المبارك و المصادف يوم الأحد 14/07/2013 م التقى سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية، كما في كل عام، برئيس الجمهورية و أعضاء مجلس الوزراء، و اعتبر العمل و السعي الدؤوب و الضخم جداً، و التشديد على شعارات الثورة في الميادين الداخلية و الخارجية من المميزات المثيرة للإعجاب لدى هذه الحكومة، و شكر من الصميم الجهود و المساعي التي بذلها السيد أحمدي نجاد و زملاؤه.

و عدّ سماحته التقارير التي رفعها أعضاء هيئة الحكومة في هذا اللقاء صورة للأعمال و الجهود و الخدمات المبذولة مردفاً: من الضروري أن يطلع الشعب على هذه التقارير و المعلومات.

و أشار سماحته إلى مساعي بعض المخالفين و وسائل الإعلام الخارجية و بعض العناصر في الداخل، الرامية إلى تجاهل جهود الحكومة مردفاً: البعض ينكرون حتى الأعمال الملموسة للحكومة، لكن المهم هو أن تذكر و تسجّل هذه الجهود و المساعي المبذولة على مستوى الأجواء العامة للبلاد.

و نوّه سماحة آية الله العظمى السيد الخامنئي بالأعمال الجيدة و الجهود المتظافرة للحكومة ملفتاً: في الأعوام الثمانية الأخيرة شعر الجميع و أدركوا بأن رئيس الجمهورية المحترم و زملاؤه تحمّلوا الصعاب و الشدائد، و قاموا بأعمال كبيرة و سريعة بالقياس إلى كل الحكومات و الدورات الأخرى، و هذه الحقيقة نقطة بارزة و جديرة بالتقدير.

و أشار قائد الثورة الإسلامية إلى تجنّب الحكومة الاستفادة من امتيازات المسؤولين في سائر البلدان، مؤكداً: عدم الاكتراث للامتيازات، و العمل الدؤوب اللامنقطع، و اجتناب الراحة و السكون، ميزة كبيرة لهذه الحكومة، و كل الذين يريدون إصدار أحكام و تقييمات يجب عليهم التنبّه لهذه النقاط القيمة.

و أوضح قائد الثورة الإسلامية أن رفع و تقوية شعارات الثورة عملية ضرورية، مضيفاً: كثيراً ما حاولت الجبهة المناهضة للثورة تبهيت هذه الشعارات و محوها، و تحويلها تدريجياً إلى قيم سلبية، لكنها لم تنجح، و يعود السبب الرئيسي في إخفاقهم إلى يقظة الإمام الخميني الجليل في رفع هذه الشعارات و تكريسها.

و اعتبر سماحته وصية الإمام الخميني لباب القيم التي كان هذا الراحل الكبير يرنو إليها، و أوصى المسؤولين بالرجوع المستمر لهذه الوصية، مؤكداً: تصريحات الإمام الخميني و كتاباته هي بيّنات الثورة و محكماتها، و ليست أموراً متشابهة يمكن تحريفها أو تغييرها.

و أثنى قائد الثورة الإسلامية على أعمال الحكومة في تكريس شعارات الثورة في الداخل و الخارج مردفاً: عدم الشعور بالخجل من عرض الأهداف و المحفزات و الأساليب الثورية في المجامع العالمية من جملة الأعمال الكبيرة للحكومة.

و أوصى آية الله العظمى السيد علي الخامنئي أعضاء هيئة الحكومة بانتهاج المنحى الثوري في كل أنشطتهم المستقبلية مردفاً: المدراء الكفوئين و أصحاب الجدارة من أمثالكم يجب عليهم السعي لحفظ المنحى الثوري في أنشطتهم.

و قرأ سماحة الإمام الخامنئي في جانب آخر من حديثه مقاطع من وصية الإمام علي بن أبي طالب (ع) لابنه الإمام الحسن المجتبى (ع) في نهج البلاغة، قائلاً: في هذه المقاطع أوصى الإمام علي بن أبي طالب (ع) بتوصيتين قيّمتين لاجتياز السبل الصعبة و الطويلة و المتلاطمة في الدنيا وصولاً إلى يوم القيامة، و هما: أولاً التدقيق فيما نحتاجه لهذا المسير و التزوّد بالزاد اللازم له. 2 - تخفيف أحمالنا و أعبائنا في هذا المسير.

و اعتبر سماحته أداء الواجبات و ترك المحرمات الحد الأدنى من الزاد اللازم لاجتياز المسيرة الدنيوية نحو القيامة بسلام، مردفاً: طبعاً هذا الحد الأدنى سيوفّر الأرضية لأجتذاب الأنوار الإلهية أكثر فأكثر.

في ختام هذه اللقاء الذي كان الأخير بين قائد الثورة الإسلامية و رئيس الجمهورية السيد أحمدي نجاد و وزرائه و هم على أعتاب نهاية دورتهم، أهدى سماحته كل واحد من أعضاء هيئة الوزراء مصحفاً شريفاً.

في بداية اللقاء قدّم رئيس الجمهورية و 13 من أعضاء هيئة الوزراء تقاريرهم حول إنجازات الحكومة طوال الأعوام الأخيرة.