
Super User
الادميرال حبيب الله سياري استخدام التكتیكات الحدیثة من اهم میزات "الولاية 91"
اكد قائد القوات البحریة التابعة للجیش الایراني الامیرال حبیب الله سیاري ان استخدام التكتیكات الحدیثة المصممة على ايادي الشباب المتخصصین في القوات البحریة، كانت من اهم ميزات مناورات "الولایة 91".
وقال سياري الیوم الثلاثاء فی تصریح لوكالة "ارنا": "ان تحقیق كافة الاهداف التي حددت سلفا للمناورات البحریة (الولایة 91) تجاوز توقعاتنا".
واضاف: "ان الایمان والاخلاص والخبرة والالتزام والتمسك بالولایة لدی كوادر القوات البحریة للجیش الایراني، وكذلك السرعة في انتشار القوات علی سطح الماء وتحت سطح الماء وعلی السواحل قد فاق التصور" .
واشار سیاري الی كلمة قائد الثورة الاسلامیة بخصوص الاستفادة من المیاه الحرة، واكد انه یتعین الدفاع عن مصالح البلاد ومواردها في المیاه الحرة وشمال المحیط الهندي.
وصرح بان وحدات الساحل للقوات البحرية انتشرت من شرق میناء بندر عباس (جنوب غرب) الی بسابندر في محافظة سیستان وبلوتشستان (جنوب شرق)، مشيرا الى ان الحجم الواسع لاطلاق الصواریخ والمدفعیة ومرحلة رصد واصابة الاهداف المحددة، نفذت بدقة وبنجاح من قبل القوات المشاركة في المناورات.
وتابع سياري: "یوم امس اطلقت وبنجاح عدة صواریخ من تحت السطح وفوق السطح وصواریخ بحر - جو والذي یعد اجراء مهما، ویؤكد علی قوة القوات البحریة للجیش".
واكد ان قوة الشعب الایراني والقوات البحریة للجیش اكثر بكثیر مما عرض خلال الایام الماضیة في المناورات، مشيرا الى ان هذا جزء من قوة الشعب الایراني ویكشف بان هذا الشعب قادر علی المقاومة امام العدو ولا یخشی اي تهدید.
وشدد على ان الاسلحة المستخدمة في المناروات محلية الصنع ، قائلا "ان كافة الاسلحة المستخدمة في المناورات البحریة الولایة 91 جدیدة او تم صیانتها ما یكشف عن عدم الحاجة الی الاخرین في توفیر المعدات العسكریة".
وانتهت الیوم مرحلة تنفیذ العملیات التكتیكیة للمناورات البحریة "الولایة 91"، علی ان تبدأ غدا الاربعاء المرحلة الختامیة للمناورات بعودة القطع البحریة للقوات المشاركة بالمناورات الی مواقعها السابقة .
معالم الحجّ ونظامه في سيرة أهل البيت (ع)
السيّد منذر الحكيم
الحجّ ركن من أركان الإسلام
تحظى فريضة الحجّ باهتمام المسلمين جميعاً وتعتبر من الشعائر والعبادات التي يتفق على وجوب أدائها جميع المذاهب الإسلامية.
كما تعبّر هذه الفريضة عن وحدة الأُمّة الإسلامية واستقلال كيانها.
وهي بعد ذلك كلّه: رمز قوّتها وعظمة قدرتها واستمرار حيويّتها.
لم تستطع أيدي العابثين أن تعطّل هذه العبادة العظيمة بالرغم من سعيهم الحثيث لإفراغها من مضمونها ومحتواها الكبير ويعود ذلك لأسباب منها:
1 ـ الدور الفاعل لأهل بيت الوحي (ع) بما فيهم سيّد المرسلين وأئمة المسلمين من أبناء الرسول العظيم الّذين تابعوا الرسول الكريم’ في خطاه الحكيمة، واتّبعوا القرآن العظيم في توجيهاته السديدة.
فسلكوا سبيل الهدى بكلّ ما أُوتوا من حول وقوّة وحكمة حتى بيّنوا معالم وتفاصيل هذه العبادة المهمة بشعائرها المتنوعة، وأرسوا دعائمها التشريعيّة.
2 ـ وحثّوا على أدائها كلّ مَن يرتبط بهم من قريب أو بعيد.
3 وجسّدوا كلّ ما قالوه عن الحجّ في سلوكهم السويّ .
4 ـ ولم يكتفوا ببيان تاريخها العريق من لدن آدم (ع) إلى خاتم الأنبياء’وفضائلها وآثارها الدنيوية المادية وأجرها الأُخروي .
5 ـ وإنّما عكفوا على بيان فلسفتها شعيرة شعيرة، وعملاً عملاً، ونفذوا إلى أعماقها ليصوّروا عرفانها بالعمل قبل البيان وبالجَنان قبل اللّسان.
مميزات الحجّ في مدرسة أهل البيت(ع)
لقد تميّزت مدرسة أهل البيت في نظرتها إلى الحجّ وشعائره بمميّزات أعطت الحجّ مضموناً خاصاً، وشكلاً متميزاً يُشار من خلاله إلى أتباعها بالبنان، وهو يثير لدى المسلمين عامة أسئلة شتّى عن آفاق البعد المعنوي والسياسي المتميّز للحجّ عندهم، اقتداءً بأئمة أهل البيت المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
ويمكن تلخيص هذه المميّزات في عدّة نقاط:
الأُولى: شدّة الإهتمام.
الثانية: الإهتمام بالشكل والمضمون معاً.
الثالثة: التركيز على البُعد السياسي والجهادي والعبادي.
الرابعة: تعميق البُعد العبادي والعرفاني.
الخامسة: مقاصد الكتاب والسنّة السادسة: كثرة التفريع والتفصيل لأحكام الحجّ.
إنّ أهل بيت الرسول الأمين’ وعترته المعصومين الذين قرنهم الرسول’بمحكم التنزيل واعتبرهم عِدلاً للقرآن العظيم في حديث الثقلين( 1) الشهير وحديث السفينة(2) وحديث النجوم(3 ) وغيرها ممّا ورد في تفسير آيات الذكر الحكيم التي تشير إلى أنّهم أهل الذكر(4 )
وولاة الأمر( 5) والحافظون لحدود الله(6 ). هم الروّاد الصادقون(7) الأُمناء على شريعة جدّهم ورسالته حيث عصمهم الله من الزلل وآمنهم من الفتن والمطهّرون(8) الّذين يتسنى لهم تفسير الكتاب كما ينبغي(9) واقتفاء أثره اقتفاءاً يجعلهم الأُسوة الحسنة بعد رسول الله’والقدوة المثلى التي لا يطمع في إدراكها طامع(10).
ومن هنا كان من الطبيعي جدّاً أن يكون منهجهم في إرساء دعائم هذه الفريضة العظيمة، وتعظيم شعائر الله هو منهج القرآن المجيد، وخطاهم إلى تثبيت قواعدها تبعٌ لخطاه.
والقرآن المجيد قد كثّف الإضاءة على بيت الله الحرام، وشعائر الحجّ العظام، تاريخاً وتعظيماً وفلسفة وأحكاماً وعرفاناً، فجعله مركزاً للتوحيد وعتيقاً من براثن الشرك(11) وقياماً للناس(12) ومباركاً وهدىً للعالمين(13) وأمناً للناس ومثابة لهم ومطهّراً(14) ومحلاًّ خاصّاً للطائفين حول محور الوحدانية الحقيقية وللعاكفين والركّع السجود(15)... فهو التعبير الصادق عن إسلام الوجه لله تعالى والتسليم لإرادته العليا، وهو المختبر الكامل للإنسان الطائع باتجاه الكمال اللائق به، والبوتقة التي تصهر شوائب الروح وتمحو ما علق بها من أدران خلال مختلف مراحل الحياة.
لقد كانت لسيرتهم الزاخرة بالعطاء العلمي والعملي والعرفاني ولسعيهم الحثيث ـ لإرساء معالم الشريعة الإسلامية وقواعدها المحكمة ـ الدور الكبير والأثر البالغ في تألّق الإسلام والمسلمين بشكل عام وتجلية عظمة الشريعة الإسلامية بشكل خاص، وتركيز شعائر الحجّ بشكل أخصّ، حتى ورد عنهم (ع) : «أنّ الدين لا يزال قائماً ما قامت الكعبة»(16)، وأنّ ولاة الأمر مسؤولون عن رعاية هذه الشعائر في كلّ الظروف التي تمر بها الأُمّة الإسلامية، وينبغي أن لا يحول بينهم وبين إقامتها أيّ ضعف ماليّ، أو أيّ خلل اقتصادي ينتاب الناس، حيث يُخصص ما يمكن من ميزانية الدولة الإسلامية لإحياء هذه الشعائر على مرّ الدهور.
نعم، هذه هي مدرسة أهل البيت (ع) وهي صورة موجزة وملخّصة جدّاً من معالم نظريتهم وثقافتهم الربّانية عن الإسلام ككلّ، وعن هذا الركن الإسلامي العظيم بشكل خاص.
معالم الحجّ ونظامه في القرآن الكريم
تتّضح أهمية الحجّ وشعائره الإلهية ونظامه في القرآن الكريم من خلال:
1 ـ المساحة التي استوعبتها آيات الحجّ في القرآن الكريم.
2 ـ أُسلوب الطرح وأُسلوب الدعوة إلى إقامة شعائره.
3 ـ الإهتمام البالغ بفلسفة إقامة هذه الشعائر.
4 ـ تقنين هذه الشعائر وبيان أحكامها بالتفصيل.
5 ـ الإهتمام ببيان جذورها التاريخية العريقة.
وإذا لاحظنا منهج أهل البيت(ع) فيما يخص إحياء شعائر الحجّ وقارنّاه بالمنهج القرآني وجدناه يحذو حذوه ويتمثّل خُطاه حذو القذة بالقذة.
أمّا المساحة التي استوعبتها آيات الذكر الحكيم فيما يخص البيت الحرام وشعائر الحج ومناسكه فهي ملفتة للنظر وتتوزع على السور المكّية(17) والمدنية(18) معاً، ولا سيّما إذا لاحظنا كلّ ما يرتبط بالحجّ وتاريخه وشؤونه.
وأمّا أُسلوب العرض فهو أُسلوب الحثّ والتحضيض والتأكيد والتعميم فالخطاب فيه للنّاس كافة وليس للمؤمنين خاصة، قال تعالى:
1 ـ {إِنَّ أَوَّلَ بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}(19) .
2 ـ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ ا لْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}(20) .
3 ـ {وَإِذْ جَعَلْنَا ا لْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا}(21) .
4 ـ {جَعَلَ اللَّهُ ا لْكَعْبَةَ ا لْبَيْتَ ا لْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ}(22) .
5 ـ {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ...}(23) .
ويأتي بيان حرمة البيت وأمنه والبركة فيه واعتباره محطّة اشعاع وهداية للعالمين ـ بما فيه من الآيات البيّنات ـ عدّة عوامل إيجابية مهمّة للحثّ والتحضيض والتشويق لقصده وحجّه وإحياء شعائره.
فلسفة الحجّ في القرآن الكريم
قد تكررت في آيات الحجّ الإشارة إلى فلسفة الحجّ في الإسلام والحِكَم التي تحققها ممارسة شعائره ومناسكه، قال تعالى:
1 ـ {وَلِكُلِّ أُمَّة جَعَلْنَآ مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الاَْنْعَامِ}(24) .
2 ـ {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ}(25) .
3 ـ {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ}(26) .
4 ـ {كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}(27) .
5 ـ {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِر يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجّ عَمِيق* لِّيَشْهَدُواْ مَنَـفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ}(28).
6 ـ {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ}(29) .
7 ـ {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ* لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَل مُّسَمّىً}(30) .
8 ـ {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ... وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ ا لْتَّقْـوَى}(31) .
إنّ تكثيف الإضاءة على فلسفة الحجّ وحِكَم ممارسة الشعائر المرتبطة به هو أُسلوب متميّز في بناء الإنسان وتربيته وصياغة تصوراته صياغة تجمع بين طيّاتها روح التعبّد والتعقّل معاً من دون أن يسلب التعقّل روح التعبّد من الإنسان العاقل، وإنّما يتسامى بتقواه ليبلغ مرتبة أُولي الألباب، فيتكامل عقلاً ويتسامى روحاً وهو يمارس هذه الشعائر بوعي وجدّ واهتمام.
ويمكن تلخيص هذه الأهداف التي نصّ عليها الكتاب العزيز في ما يلي:
1 ـ ذكر الله وحده في كلّ حال ومجال وعلى كلّ شيء، واجتناب رجس الشرك على كلّ المستويات تصوراً واعتقاداً وتعلقاً وسلوكاً.
2 ـ تنمية روح التقوى التي بها فلاح الإنسان وفوزه على أُسس التوحيد الخالص.
3 ـ الانتفاع من موسم الحجّ وشعائره على شتى الأصعدة: اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، فضلاً عن التكامل الثقافي في مثل هذا الموسم الفريد، والتسامي الروحي والمعنوي في جميع لحظات هذا الموسم.
ويتفرّد القرآن الكريـم بأُسلوبه الخاصّ لبيان قوانينه وأحكامه بياناً يتناغم مع منطق العقل ومنطق العاطفة ويجمع بين متطلبات العقل ومتطلبات الروح معاً.
قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ ا لْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ ا لْعَالَمِينَ}(32) .
وقال أيضاً: {وَإِذْ جَعَلْنَا ا لْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَا هِيمَ مُصَلًّى}(33) .
فالله سبحانه ـ الّذي له المولوية المطلقة وله الحقّ على الخلق وله حقّ النعمة على جميع
الناس ـ يجعل أداء هذا الواجب أداءً لحقّه، ويعتبر الإعراض عنه كفراناً للنعم الإلهية وكفراً عملياً بالمنعم ولا يكون أداءه تلبية لهذا الحقّ لحاجة منه تعالى إلى أعمال عباده، بل يعود نفعه إلى الناس أنفسهم، ومثل هذا القانون الذي ينطلق تشريعه للناس من مصالح العباد أنفسهم ولا يكون للمشرّع فيه أي غرض أو مصلحة شخصية، لا يجد الإنسان الطائع في أدائه ثقلاً وحرجاً مهما كانت صعوبته.
معالم الحجّ في نصوص مدرسة أهل البيت(ع) وسيرتهم
إنّ هذه الفريضة العظيمة تحظى بإهتمام جميع المسلمين، وتعتبر من الشعائر والعبادات التي يتفق عليها جميع المذاهب الإسلامية، وتتوحد فيها كلمتهم التي تعبّر عن وحدة وجود الأُمّة وكيانها.
وتتميز مدرسة أهل البيت(ع) عن سائر المدارس الإسلامية فيما يخص فريضة الحجّ وشعائره العظيمة بجملة من المميزات والخصائص التي تكاد تنعدم عند غيرهم أو لم يتم التأكيد عليها في سائر المدارس كما نجد ذلك بوضوح في هذه المدرسة الرسالية المباركة.(34)
وإليك جملة من هذه المعالم والخصائص للحجّ في هذه المدرسة المباركة:
1 ـ سعة دائرة الإهتمام بالقول والعمل
الإهتمام الواسع بالحجّ على مستوى أهل البيت(ع) تناول جميع الشؤون والتفاصيل، سواء على مستوى التصور العام للحجّ وتاريخه وفضله وقيمته ودوره وأهدافه وكيفية الاستزادة منه والتفاعل مع أعماله واستكمال النفس به كما أكدته سيرتهم فضلاً عن نصوصهم، أو على مستوى الأحكام الفقهية لأعمال الحجّ وأقسامه، والفرضيات المختلفة التي يمكن أن يبتلى بها أبناء الأُمّة وكيفية معالجتها.
ويمكن معرفة ذلك بمقارنة بسيطة وسريعة بين ما ورد عن أهل البيت(ع) في هذا المجال، وما تحدثوا فيه عن رسول الله بشكل مباشر أو غير مباشر، وبين ما ورد عن طريق غيرهم، حيث تشكل المادة التي وردت عن أهل البيت من حيث الكم(35) والكيف نسبة مضاعفة عدة مرات بالقياس لما ورد عن طريق غيرهم.
ولعلّ في هذين النموذجين ما يشير إلى هذه الحقيقة بوضوح:
النموذج الأوّل: الرواية التي تذكرها كتب الحديث المعروفة لدى الجمهور عن الإمام الباقر (ع) عن جابر بن عبدالله الأنصاري، والتي تتحدث عن حج رسول الله’ في حجّة الوداع بتفاصيل لا نراها في أي رواية اُخرى في هذه الكتب، وتمثل بذلك أساساً فقهيّاً لجميع مدارس الفقه الإسلامية في موضوع الحجّ(36) .
النموذج الثاني: ما رواه الصدوق بسند معتبر عن زرارة بن أعين قال: «قلت لأبي عبدالله (ع) جعلني الله فداك، أسألك عن الحجّ منذ أربعين عاماً فتفتيني. فقال: يا زرارة، بيت حجّ إليه قبل آدم بألفي عام تريد أن تفنى مسائله في أربعين عاماً»(37) .
فإن هذا النصّ يعبّر بشكل رائق وواضح عن سعة دائرة الإهتمام العملي من الأنبياء واُممهم حيث يفسرها بهذا الجانب التاريخي لهذه العبادة الشريفة.
ونظرة سريعة إلى سيرتهم العملية(ع) ومدى اهتمامهم بأداء هذه الشعيرة وكيفية تطبيقهم لأحكامها وحدودها وآدابها تكشف عن مدى اهتمامهم بالقول والعمل معاً بها، وتكشف عن دور هذا الإهتمام في إرساء دعائمها في المجتمع الإسلامي.
2 ـ سعة المضمون العبادي
إلى جانب هذا الإهتمام الواسع بالحجّ نجد أنّ أهل البيت(ع) اهتموا بالمحتوى والمضمون العبادي لجميع أعمال الحجّ والمناسك حتى لا يكاد أن يؤدي الحاجّ أي عمل من أعمال الحجّ إلاّ ويكون إلى جانبه شيء من الصلاة والدعاء والذكر يسبقه أو يلحقه أو يقارنه، بل إنّ ذلك يصاحب الحاجّ ويبدأ معه منذ عزمه على السفر إلى الحجّ وحتى رجوعه منه. وهناك مئات النصوص التي تناولت هذا الموضوع(38) .
على أنّ الأدعية التي أُثرت عنهم في خصوص الحجّ وفي عرفه والعيد الأضحى تنفرد بها مدرستهم(39) .
3 ـ تعظيم النبيّ’ الأعظم والأئمة(ع) الطاهرين والمساجد المباركة
إنّ إكمال الحجّ إنّما يتمّ بزيارة النبيّ’ والمسجد النّبوي الشريف، وهذا ما يصنعه جميع المسلمين بشكل عام(40)، ولكنّ أهل البيت سلام الله عليهم اعطوا لهذا الموضوع أهمية خاصة في الكم والكيف.
أمّا على مستوى الكم فهم يحثّون على زيارة أئمة الهدى من آل الرسول’ الّذين دفنوا في البقيع، وهم: الإمام السبط الحسن بن عليّ بن أبي طالب والإمام عليّ بن الحسين زين العابدين وولده الإمام محمّد بن عليّ بن الحسين الباقر وولده الإمام جعفر الصادق (ع).
وكذلك أُمّهم الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء بنت رسول الله المدفونة في بيتها‘ (41) في جوار المسجد النبوي، وزوجات النبيّ’ وفاطمة بنت أسد أُمّ الإمام أميرالمؤمنين وبقية الصحابة الصالحين، وشهداء معركة أُحد وفي مقدمتهم سيّد الشهداء حمزة بن عبدالمطّلب عمّ رسول الله’ .
مضافاً إلى ذلك كلّه نجد الإهتمام البالغ بزيارة مساجد رسول الله ومواضع صلواته ودعائه ومواقفه، وكذلك مواضع الحوادث التاريخية والكرامات الإلهية له.
وفي مقدمة هذه المواضع مسجد قبا ومسجد الفتح ومسجد القبلتين، ومسجد أُحد ومسجد عليّ (ع) ومسجد سلمان الفارسي ومسجد فاطمة الزهراء ومسجد الغمامة ومشربة اُمّ إبراهيم وغيرها.
وكذلك زيارة (الأبطح) في مكة الذي فيه قبر خديجة أُمّ المؤمنين وقبر ناصر الرسول وكافله عمّه أبي طالب وغيرهما من الصالحين، وشعب أبي طالب، وغار حراء، ودار الأرقم، ودار الندوة وغيرها من الأماكن التاريخية الإسلامية المهمة، التي تذكّر المسلمين بعزهم وشرفهم وتضحياتهم والصعوبات التي واجهتها الرسالة، وتشدهم إلى هذا التاريخ العظيم وتبعث في نفوسهم الهمم والنهضة، وتعيدهم إلى أسباب النصر والاستقلال والكرامة(42) .
وأما على مستوى الكيف فهم يعتبرون زيارة النبيّ’ والأئمة من أهل البيت من إكمال الحجّ وإتمامه، كما وردت في ذلك النصوص:
عن الإمام أبي الحسن الرضا (ع) قال: «إنّ لكلّ إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاؤهم يوم القيامة»(43) .
وعن إسماعيل بن مهران، عن الإمام جعفر بن محمّد‘قال: «إذا حجّ أحدكم فليختم بزيارتنا؛ لأنّ ذلك من تمام الحجّ»(44) .
وكذلك عن الإمام عليّ (ع) في حديث الأربعمائة قال: «اتمّوا برسول الله’ إذا خرجتم إلى بيت الله الحرام؛ فإنّ تركه جفاء، وبذلك أُمرتم بالقبور التي ألزمكم الله حقّها وزيارتها واطلبوا الرزق عندها»(45) .
وقد روى الكليني في الكافي عن الإمام أبي جعفر (ع) قال: «تمام الحجّ لقاء الإمام»(46) .
4 ـ تشخيص الموقف السياسي العام
إنّ أهل البيت(ع) أرادوا أن يكون الحجّ اجتماعاً سنوياً، يعقده المسلمون ليعرفوا فيه موقفهم السياسي العام والمواقف الهامة التي تهم المسلمين جميعاً. وقد أخذوا ذلك عن رسول الله’ والقرآن الكريم.
ففي السنة الأُولى التي حجّ فيها المسلمون بعد الفتح نزلت سورة براءة، ليعلن فيها القرآن الكريم والنبيّ’ الموقف السياسي الهام وهو البراءة العامة من المشركين.
وفي حجّة الوداع نجد أنّ خطبة النبيّ’ في منى تتضمن هذه المفاهيم السياسية والاجتماعية.
كما أنّه أعلن في نهاية الحجّ الولاية لعليّ (ع) على المسلمين في موقع غدير خمّ، وهذا ممّا رواه جميع المسلمين، حيث قال: «مَن كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل مَن خذله»(47) .
كما أنّ النصوص السابقة التي ثبّتناها حول الأهداف تشير إلى هذا الموقف والخط العملي في عبادة الحجّ.
وهذا مما تفرضه طبيعة هذه العبادة الشريفة، وهذا الاجتماع العظيم السنوي الذي يأتي فيه النُخَب من أبناء الأُمّة الإسلامية وذوو القدرة والاستطاعة فيها.
5 ـ تجديد البيعة مع القيادة الإسلامية العُليا في كل عصر
إنّ الإهتمام بلقاء الإمام في الحجّ وزيارته في حياته إنّما هو لأجل التزوّد بنصائحه وإرشاداته، ومعرفة المواقف التفصيلية تجاه مختلف القضايا منه، وعرض الأعمال والنشاطات التي يقوم بها المؤمنون عليه وطرح مشاكلهم وقضاياهم الخاصّة والعامّة، وغير ذلك من الأُمور التي تقتضيها هذه العلاقة المباشرة المهمة في المجتمع الإسلامي وفي بناء الجماعة الصالحة، وهي علاقة الإمام بالمأموم مباشرة.
فقد روى الكليني والصدوق بسند معتبر عن الإمام أبي جعفرالباقر (ع) قال: «إنّما أُمر النّاس أن يأتوا هذه الأحجار ليطوفوا فيها، ثمّ يأتونا فيخبرونا بولايتهم ويعرضوا علينا نصرهم»(48) .
وقد جاءت الإشارة إلى هذا الموضوع في عدة روايات أُخرى، الأمر الذي يؤكد أهمية هذا الخط والتوجه التنظيمي في الجماعة الصالحة من خلال هذا الموسم الشريف، واعتبار ذلك من العبادات التي يمكن أن يقوم بها الإنسان المؤمن.
وهذا التوجه التنظيمي هو مبدأ إسلامي جسّده أهل البيت(ع) في نظام الجماعة الصالحة، حيث إنّ إرتباط الأُمّة بالقيادة الإسلامية والالتزام بالمواثيق والعهود تجاهها، سواء على مستوى توجيهاتها وأوامرها، أو على مستوى النصرة لها في مواقفها، يمثل أصلاً من أُصول الإسلام دعى إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنـَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}(49) .
6 ـ إحياء روح الجهاد من خلال إحياء الحجّ في كل عام
لقد ورد في بعض النصوص عن النبيّ’ أنّ الحجّ جهاد، وقد قال ذلك بشأن النساء اللاتي أسقط الإسلام عنهنّ فرض الجهاد الابتدائي. فقد روى البخاري عن عائشة أنها قالت: «يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: لا، ولكنّ أفضل الجهاد حجّ مبرور»(50)، وفي لفظ النسائي: «ولكنّ أحسن الجهاد وأجمله حجّ البيت» .
ونجد أنّ النسائي يعمّم هذا الحكم لكبار السن والصغار والضعفاء والنساء(51).
ونجد أنّ أهل البيت(ع) يعطون للحجّ في هذا الجانب بُعداً أوسع، بحيث يشمل كلّ أبناء الجماعة الصالحة التي تواجه ظروفاً استثنائية تمنعها من الجهاد لأسباب شرعية وأخلاقية، كلّ ذلك حفاظاً من أئمة أهل البيت(ع) على فكرة الجهاد وروح العبادة فيه وضرورة الممارسة لها في كلّ الأحوال، استلهاماً من موقف رسول الله’ ومن فهمه لمضمون هذه العبادة.
لقد واجه شيعة أهل البيت(ع) وأبناء الجماعة الصالحة الظروف السياسية الاستثنائية، التي كان يشن فيها الحكّام الظالمون الجائرون الحرب عليهم دون مبررات، ودون أهداف إسلامية، أو شرعية، وإنّما لمجرد التسلّط والحصول على المزيد من المكاسب والضرائب المالية، حتى وصل الحال ببعض هؤلاء الحكّام الأُمويين أن يمتنع عن قبول إسلام أبناء النصارى; لأنّ إسلامهم يعني سقوط الجزية عنهم، فكان يلزمهم الجزية ويرفض إسلامهم ويبقيهم على نصرانيتهم(52) .
وكان الموقف الشرعي لأئمة أهل البيت(ع) هو عدم الإذن لأبناء الجماعة الصالحة في المشاركة في مثل هذه الحروب. ولكنّ هذا الموقف كان له تأثير روحي سلبي على الجماعة، حيث تحرر عملياً من الآثار المعنوية لعبادة الجهاد في سبيل الله.
وقد دعا أهل البيت(ع) أبناء الجماعة الصالحة إلى عبادة الحجّ والاستزادة منها باعتبارها تعويضاً روحياً وتربوياً وأخلاقياً عن عبادة الجهاد التي فرضت ظروفهم حرمانهم من ممارستها، استلهاماً لذلك من سنة رسول الله’ .
وقد ورد في الرواية المعتبرة عن الصادق (ع) عن رسول الله’قوله: «هو أحد الجهادين. هو جهاد الضعفاء ونحن الضعفاء»(53).
وفي نصّ آخر: «نحن وشيعتنا الضعفاء» ولعلّ في هذين النصّين ما يلقي الضوء على هذا الموقف وهذا الفهم من أهل البيت سلام الله عليهم.
ويتّضح هذا المفهوم من ملاحظة النصوص التالية التي تربط بين الموقف من الجهاد والموقف من الحجّ:
1 ـ روى جعفر بن محمّد بن قولويه عن أبي جعفر الباقر (ع) في حديث قال: «الجهاد أفضل الأشياء بعد الفرائض في وقت الجهاد، ولا جهاد إلاّ مع الإمام...»(54) .
2 ـ روى الكليني وغيره بسند معتبر عن أبي عبدالله الصادق (ع) قال: «لقي عبّاد البصري عليّ بن الحسين (ع) في طريق مكة فقال له: يا عليّ بن الحسين، تركت الجهاد وصعوبته، وأقبلت على الحجّ ولينه؟ إنّ الله عزّ وجلّ يقول: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ...}الآية، فقال عليّ بن الحسين (ع): أتمّ الآية، فقال: {التَّـائِبُونَ الْعَابِدُونَ...} الآية، فقال عليّ بن الحسين (ع): إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد أفضل من الحجّ»(55).
وفي رواية اُخرى قال له: «إذا ظهر هؤلاء لم نؤثر على الجهاد شيئاً»(56) .
وقد وردت الرواية المعتبرة عن أبي عبدالله، عن آبائه(ع) أنّه قال: قال أميرالمؤمنين (ع): «لا يخرج المسلم في الجهاد من لا يؤمن على الحكم، ولا ينفذ في الفيء أمر الله عزّ وجل; فإنّه إن مات في ذلك المكان كان معيناً لعدوّنا في حبس حقّنا والإشاطة بدمائنا، وميتته ميتة الجاهلية»(57) .
نظام الحجّ في نصوص أهل البيت(ع)
من يرجع الى نصوص أهل البيت(ع) حول الحجّ يجد نصوصاً تبلغ كثرتها عدة مجلّدات فقد خصص صاحب وسائل الشيعة ثلاث مجلدات من عشرين مجلداً من موسوعته الفقهية بكتاب الحجّ. هذا سوى ما استدركه عليه غيره من المؤلفين كصاحب مستدرك وسائل الشيعة. وهذا خير دليل على مدى اهتمام أهل البيت(ع) بهذه الفريضة وبأحكامها. ونختار من هذه الموسوعة الحديثية نماذج لإيضاح موقف أهل البيت(ع) من الحج في نصوصهم المباركة، وذلك ضمن نقاط عشرة:
أوّلاً: أهمية الحجّ وفضيلته
1 ـ قال الإمام عليّ (ع) ـ فيما أوصى عند رحيله ـ «الله الله في بيت ربّكم لا تخلّوه ما بقيتم، فإنه إن تُرك لم تُناظروا»(58) .
2 ـ وقال (ع): «الحجّ جهاد الضعيف»(59) .
3 ـ وقال: «نفقة درهم في الحجّ تعدل ألف درهم»(60) .
4 ـ وقال: «الحاجّ والمعتمر وفد الله، ويحبوه بالمغفرة»(61) .
ثانياً: فلسفة الحجّ وعلل تشريعه
1 ـ قال الإمام عليّ (ع) : «وفرض عليكم حجّ بيته الحرام الّذي جعله قبلة للأنام، يردونه ورود الأنعام، ويألهون إليه وُلوه الحمام، وجعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته وإذعانهم لعزّته»(62) .
2 ـ خطب الإمام عليّ (ع) قائلاً: «ألا ترون أنّ الله سبحانه اختبر الأوّلين من لدن آدم ـ صلوات الله عليه ـ إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضرّ ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، فجعلها بيته الحرام الّذي جعله للناس قياماً، ثمّ وضعه بأوعر بقاع الأرض حجراً، وأقلّ نتائق الدنيا مدراً، وأضيق بطون الأودية قطراً، بين جبال خشنة، ورمال دمثة، وعيون وشلة، وقرى منقطعة، لا يزكو بها خفّ ولا حافر ولا ظلف.
ثمّ أمر سبحانه آدم وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم، وغاية لملقى رحالهم، تهوي إليه ثمار الأفئدة من مفاوز قفار سحيقة، ومهاوي فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة، حتى يهزّوا مناكبهم ذللاً، يُهلّلون لله حوله، ويرملون على أقدامهم، شعثاً غبراً له، قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم، وشوّهوا بإعفاء الشعور محاسن خلقهم، إبتلاءً عظيماً، وامتحاناً شديداً، واختباراً مبيناً، وتمحيصاً بليغاً، جعله الله سبباً لرحمته، ووصلة إلى جنّته.
ولو أراد سبحانه أن يضع بيته الحرام ومشاعره العظام، بين جنات وأنهار، وسهل وقرار جمّ الأشجار، داني الثمار، ملتف البُنى، متّصل القرى، بين برّة سمراء، وروضة خضراء، وأرياف محدقة، وعراص مغدقة، وزروع ناضرة، وطرق عامرة، لكان قد صغر قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء.
ولو كان الأساس المحمول عليها والأحجار المرفوع بها، بين زمرّدة خضراء، وياقوتة حمراء، ونور وضياء، لخفف ذلك مصارعة الشك في الصدور، ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب، ولنفى معتلج الريب من الناس، ولكنّ الله يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبّدهم بألوان المجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجاً للتكبر من قلوبهم، وإسكاناً للتذلل في نفوسهم، وليجعل ذلك أبواباً فُتحاً إلى فضله، وأسباباً ذُللاً لعفوه»(63) .
3 ـ قال الإمام زين العابدين (ع) : «حجّوا واعتمروا، تصحّ أجسادكم، وتتّسع أرزاقكم، ويصلح إيمانكم، وتكفوا مؤونة الناس ومؤونة عيالاتكم»(64) .
4 ـ قال الإمام الباقر (ع): «الحجّ تسكين القلوب»(65) .
5 ـ قال الإمام الصادق (ع): «عليكم بحجّ هذا البيت فأدمنوه، فإنّ في إدمانكم الحجّ دفع مكاره الدنيا عنكم، وأهوال يوم القيامة»(66) .
6 ـ وقال الإمام الصادق (ع): «ما من بقعة أحبّ إلى الله تعالى من المسعى لأنه يُذلّ فيه كلّ جبار».
7 ـ أتى ابن أبي العوجاء الى الإمام الصادق (ع)، فجلس إليه في جماعة من نظرائه، ثمّ قال له: يا أبا عبدالله إنّ المجالس أمانات، ولا بدّ بكلّ من كان به سعال أن يسعل، فتأذن لي في الكلام؟ فقال الصادق (ع) تكلّم بما شئت.
فقال ابن أبي العوجاء: إلى كم تدوسون هذا البيدر، وتلوذون بهذا الحجر، وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر، وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر؟ مَن فكّر في هذا أو قدّر علم أنّ هذا فعل أسّسه غير حكيم ولا ذي نظر، فقل فإنّك رأس هذا الأمر وسنامه وأبوك أُسّه ونظامه.
فقال الصادق (ع) : «إنّ من أضلّه الله وأعمى قلبه استوخم الحقّ فلم يستعذبه، وصار الشيطان وليّه يورده مناهل الهلكة ثمّ لا يصدره.
وهذا بيتٌ استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثّهم على تعظيمه وزيارته، وقد جعله محلّ الأنبياء وقبلة للمصلّين له، وهو شعبة من رضوانه، وطريق يؤدّي إلى غفرانه، منصوب على استواء الكمال، ومجتمع العظمة»(67) .
8 ـ قال الإمام الصادق (ع): وقد سأله هشام بن الحكم عن علّة الحجّ والطواف بالبيت؟ «إنّ الله خلق الخلق... وأمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين، ومصلحتهم من أمر دنياهم، فجعل فيه الاجتماع من المشرق والمغرب ليتعارفوا، وليتربّح كلّ قوم من التجارات من بلد إلى بلد، ولينتفع بذلك المكاري والجمّال، ولتعرف آثار رسول الله’ وتعرف أخباره ويذكر ولا ينسى. ولو كان كلّ قوم ]إنّما[ يتّكلون على بلادهم وما فيها هلكوا، وخربت البلاد، وسقطت الجلب والأرباح، وعمّيت الأخبار، ولم يقفوا على ذلك، فذلك علّة الحجّ»(68) .
9 ـ وجاء عن الإمام الرضا (ع): «علّة الحجّ الوفادة إلى الله تعالى، وطلب الزيادة، والخروج من كلّ ما اقترف، وليكون تائباً ممّا مضى مستأنفاً لما يستقبل، وما فيه من استخراج الأموال، وتعب الأبدان، وحظرها عن الشهوات واللّذات...، ومنفعة في شرق الأرض وغربها، ومن في البرّ والبحر، ممّن يحجّ وممّن لا يحجّ، من تاجر وجالب وبايع ومشتر وكاتب ومسكين، وقضاء حوائج أهل الأطراف والمواضع الممكن لهم الاجتماع فيها كذلك ليشهدوا منافع لهم»(69) .
10 ـ قال الإمام الرضا (ع) : «فإن قال: فلمَ أمر بالحجّ؟ قيل: لعلّة الوفادة وطلب الزيادة... مع ما فيه من التفقّه ونقل أخبار الأئمة(ع) إلى كلّ صقع وناحية، كما قال الله عزّ وجلّ: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَة مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ... وَلِيَشهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}»(70) .
ثالثاً: آثار الحجّ وبركاته
1 ـ قال رسول الله’: «الحجّ ينفي الفقر»(71) .
2 ـ قال الإمام عليّ (ع) : «وحجّ البيت والعمرة، فإنّهما ينفيان الفقر، ويكفّران الذنب، ويوجبان الجنّة»(72) .
3 ـ قال الإمام الصادق (ع) : «ما رأيت شيئاً أسرع غنىً ولا أنفى للفقر من إدمان حجّ البيت»(73) .
رابعاً: الحجّ التّام
1 ـ قال الإمام الباقر (ع) : «تمام الحجّ لقاء الإمام»(74) .
2 ـ وقال الإمام الصادق (ع) في قوله تعالى: {لِيَقضُوا تَفَثَهُم}«لقاء الإمام»(75) .
خامساً: مضاعفات ترك الحجّ
1 ـ قال الإمام الصادق (ع) : «مَن مات ولم يحجّ حجّة الإسلام، ولم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق الحجّ من أجله، أو سلطان يمنعه، فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً»(76) .
2 ـ قال الإمام الكاظم (ع) في قوله تعالى: «{وَمَن كَانَ فِي هذِهِ أعمى فَهوَ فِي الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً}: ذاك الذي يسوّف الحجّ ـ يعني: حجّة الإسلام ـ يقول: العام أحجّ العام أحجّ حتى يجيئه الموت»(77) .
3 ـ قال الإمام الصادق (ع) ـ لمّا قال له عبدالرحمن: إنّ ناساً من هؤلاء القصّاص يقولون إذا حجّ رجل حجّة ثمّ تصدّق ووصل كان خيراً له ـ : «كذبوا، لو فعل هذا النّاس لعطّل هذا البيت، إنّ الله عزّ وجلّ جعل هذا البيت قياماً للناس»(78) .
4 ـ وقال (ع) : «لو عطّل النّاس الحجّ لوجب على الإمام أن يجبرهم على الحجّ إن شاءوا وإن أبو لأنّ هذا البيت إنّما وضع للحجّ»(79) .
سادساً: قلّة الحجيج وكثرة الضجيج
قال عبدالرحمن بن كثير: حججت مع أبي عبدالله (ع)، فلمّا صرنا في بعض الطريق صعد على جبل فأشرف فنظر إلى الناس فقال: «ما أكثر الضجيج وأقلّ الحجيج؟!»(80) .
سابعاً: أدب الحاجّ وعرفان الحجّ
1 ـ قال الإمام الباقر (ع) : «ما يُعبأ بمَن يؤمّ هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه، وحسن الصحابة لمَن صحبه»(81) .
2 ـ وقال الإمام الصادق (ع) : «إذا أحرمت فعليك بتقوى الله وذكر الله كثيراً، وقلّة الكلام إلاّ بخير; فإنّ من تمام الحجّ والعمرة أن يحفظ المرء لسانه إلاّ من خير، كما قال الله تعالى، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: {فَمَن فَرَضَ فِيهنّ الحجّ فَلا رفث ولا فُسوق ولا جدال في الحجّ}»(82) .
3 ـ وقال (ع) : «إذا أردت الحجّ فجرّد قلبك لله تعالى من قبل عزمك من كلّ شاغل، وحجاب كلّ حاجب، وفوّض أُمورك كلّها إلى خالقك، وتوكّل عليه في جميع ما يظهر من حركتك وسكناتك، وسلّم لقضائه وحكمه وقدره، وودّع الدنيا والراحة والخلق، واخرج من حقوق تلزمك من جهة المخلوقين، ولا تعتمد على زادك وراحلتك وأصحابك وقوّتك وشبابك ومالك، مخافة أن يصير ذلك عدواً ووبالاً، فإنّ من ادّعى رضا الله واعتمد على شيء صيّره عليه عدوّاً ووبالاً، ليعلم أنّه ليس له قوّة ولا حيلة ولا لأحد إلاّ بعصمة الله وتوفيقه.
واستعدّ استعداد من لا يرجوا الرجوع، وأحسن الصحبة، وراع أوقات فرائض الله وسنن نبيّه’، وما يجب عليك من الأدب والاحتمال والصبر والشكر والشفقة والسخاء وإيثار الزاد على دوام الأوقات.
ثمّ اغتسل بماء التوبة الخالصة ذنوبك، والبس كسوة الصدق والصفاء والخضوع والخشوع.
وأحرم من كلّ شيء يمنعك من ذكر الله ويحجبك عن طاعته.
ولبّ بمعنى إجابة صافية زاكية لله عزّ وجلّ في دعوتك له متمسّكاً بالعروة الوثقى.
وطُف بقلبك مع الملائكة حول العرش كطوافك مع المسلمين بنفسك حول البيت.
وهرول هرولة من هواك، وتبرّياً من جميع حولك وقوّتك.
واخرج من غفلتك وزلاّتك بخروجك إلى منى، ولا تتمنّ ما لا يحلّ لك ولا تستحقّه.
واعترف بالخطايا بعرفات، وجدّد عهدك عند الله بوحدانيّته.
وتقرّب إلى الله واتّقه بمزدلفة(83) .
واصعد بروحك إلى الملأ الأعلى بصعودك إلى الجبل.
واذبح حنجرتي الهوى والطمع عند الذبيحة.
وارم الشهوات والخساسة والدناءة والأفعال الذميمة عند رمي الجمرات.
واحلق العيوب الظاهرة والباطنة بحلق رأسك.
وادخل في أمان الله وكنفه وستره وكلاءته من متابعة مرادك بدخولك الحرم.
وَزُر البيت محقّقاً لتعظيم صاحبه ومعرفة جلاله وسلطانه.
واستلم الحجر رضاً بقسمته وخضوعاً لعزّته.
وودّع ما سواه بطواف الوداع.
وصفّ روحك وسرّك للقاء الله يوم تلقاه بوقوفك على الصفاء.
وكن ذا مروّة من الله تقيّاً أوصافك عند المروة.
واستقم على شرط حجّك هذا ووفاء عهدك الذي عاهدت به مع ربّك وأوجبته إلى يوم القيامة»(84) .
4 ـ قال مالك بن أنس: حججت مع الصادق (ع) سنةً، فلمّا استوت به راحلته عند الإحرام كان كلّما همّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه، وكاد أن يخرّ من راحلته، فقلت: قل يابن رسول الله! ولابدّ لك من أن تقول، فقال (ع) : «يابن أبي عامر! كيف أجسر أن أقول: لبّيك اللهمّ لبّيك، وأخشى أن يقول عزّ وجلّ لي: لا لبّيك ولا سعديك»(85) .
5 ـ قال الإمام الصادق (ع) : «إذا اكتسب الرجل مالاً من غير حلّه ثمّ حجّ فلبّى، نودي: لا لبّيك ولا سعديك، وإن كان من حلّه فلبّى نودي: لبّيك وسعديك»(86) .
6 ـ قال رسول الله’ : «مَن حجّ بمال حرام فقال: لبّيك اللهمّ لبّيك، قال الله له: لا لبّيك ولا سعديك حجّك مردود عليك»(87) .
7 ـ وقال الإمام الرضا (ع) : «إنّما أُمروا بالإحرام ليخضعوا قبل دخولهم حرم الله وأمنه، ولئلاّ يلهوا ويشتغلوا بشيء من أُمور الدنيا وزينتها ولذّاتها، ويكونوا جادّين فيما هم فيه، قاصدين نحوه، مقبلين عليه بكلّيتهم»(88) .
ثامناً: الاخلاص في الحج (الحجّ لله والحجّ لغير الله )
1 ـ قال الإمام الصادق (ع) : «الحجّ حجّان: حجّ لله وحجّ للناس، فمَن حجّ لله كان ثوابه على الله الجنّة، ومن حجّ للناس كان ثوابه على الناس يوم القيامة»(89) .
2 ـ وقال (ع) : «مَن حجّ يريد الله عزّ وجلّ لا يريد به رياءً ولا سمعة، غفر الله له البتّة»(90) .
3 ـ وقال الإمام الصادق (ع) : «مَن مات في طريق مكة ذاهباً أو جائياً، أمن من الفزع الأكبر يوم القيامة»(91) .
4 ـ وقال (ع) : «مَن مات محرماً بعثه الله ملبيّاً»(92) .
5 ـ وقال (ع) : «مَن مات في أحد الحرمين بعثه الله من الآمنين، ومَن مات بين الحرمين لم ينشر له ديوان»(93) .
تاسعاً: حرمة الحرم وحريم البيت الحرام
1 ـ قال الإمام الصادق (ع) في قول الله تعالى : «{ومَن دخله كان آمناً}: مَن دخل الحرم من الناس مستجيراً به فهو آمن من سخط الله، ومَن دخله من الوحش والطير كان آمناً من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم»(94) .
2 ـ عنه (ع) أيضاً: «إن سرق سارق بغير مكة، أو جنى جناية على نفسه ففرّ إلى مكّة، لم يؤخذ مادام في الحرم حتى يخرج منه، ولكن يمنع من السوق، فلا يبايع ولا يجالس حتى يخرج منه فيؤخذ، وإن أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ فيه»(95) .
عاشراً: حضور الإمام المهدي في الموسم
قال الإمام الصادق (ع) : «يفقد الناس إمامهم فيشهد الموسم فيراهم ولا يرونه»(96) .
وتصرح الأحاديث الشريفة بأن من سيرته (ع) في غيبته حضور موسم الحج في كل عام، وواضح مافي حضور هذا الموسم السنوي المهم من فرصة مناسبة للالتقاء بالمؤمنين من أنحاء أقطار العالم وإيصال التوجيهات إليهم ولو من دون التعريف بنفسه بصراحة والتعرف على أحوالهم عن قرب دون الحاجة الى أساليب إعجازية.
إنّ الأحاديث الشريفة التي تذكر حضوره (ع) هذا الاجتماع الإسلامي السنوي العام، ذكرت أنه (ع): «يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه»(97)، ويبدو أن المقصود هو الرؤية مع تحديد هويته (ع)، بمعنى أن يعرفوه أنه هو المهدي، إذْ توجد عدة روايات اُخرى تصرح برؤيته في هذا الموسم وبعضها يصرح بعدم معرفة المشاهدين لهويته على نحو التحديد واقتصار معرفتهم بأنّه من ذرية رسول الله’ (98).
الحجّ في سيرة خاتم الأنبياء’
1 ـ روى معاوية بن عمّار عن الإمام الصادق (ع): «إنّ رسول الله’أقام بالمدينة عشر سنين لم يحجّ، ثمّ أنزل الله عليه: {وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِر يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجّ عَمِيق}(99) فأمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى أصواتهم: إنّ رسول الله يحجّ من عامه هذا، فعلم به من حضر المدينة، وأهل العوالي والأعراب، فاجتمعوا فحجّ رسول الله’، وإنّما كانوا تابعين ينتظرون ما يؤمرون به فيصنعونه، أو يصنع شيئاً فيصنعونه، فخرج رسول الله’ في أربع بقين من ذي القعدة، فلما انتهى إلى ذي الحليفة فزالت الشمس ثمّ اغتسل، ثمّ خرج حتى أتى المسجد الذي عند الشجرة فصلّى فيه الظهر، وعزم بالحجّ مفرداً، وخرج حتّى إنتهى إلى البيداء عند الميل الأوّل، فصف الناس له سماطين، فلبّى بالحجّ مفرداً، وساق الهدي ستّاً وستّين أو أربعاً وستّين، حتى انتهى إلى مكة في سلخ أربع من ذي الحجّة، فطاف بالبيت سبعة أشواط، وصلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم (ع)، ثمّ عاد إلى الحجر فاستلمه، وقد كان استلمه في أوّل طوافه.
ثمّ قال: إنّ الصفا والمروة من شعائر الله، فابدءوا بما بدأ الله به.
وأن المسلمين كانوا يظنّون أنّ السعي بين الصفا والمروة شيء صنعه المشركون فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَا لْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ ا لْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا}(100) . ثمّ أتى إلى الصفا، فصعد عليه فاستقبل الركن اليماني، فحمد اللهوأثنى عليه، ودعا مقدار ما يقرأ سورة البقرة مترسلاً، ثمّ انحدر إلى المروة، فوقف عليها كما وقف على الصفا، حتى فرغ من سعيه.
ثمّ أتاه جبرئيل (ع) وهو على المروة فأمره أن يأمر الناس أن يحلّوا إلاّ سائق الهدي، فقال رجل: أنحُلّ ولم نفرغ من مناسكنا؟ فقال: نعم.
قال (ع) : فلما وقف رسول الله’ بالمروة بعد فراغه من السعي أقبل على الناس بوجهه فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: إنّ هذا جبرئيل ـ وأومى بيده إلى خلفه ـ يأمرني أن آمر مَن لم يسق هدياً أن يحلّ، ولو استقبلت مَن أمرني مثل ما استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم، ولكنّي سقت الهدي، ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه.
قال (ع): قال له رجل من القوم: لنخرجنّ حجّاجاً وشعورنا تقطر! فقال له رسول الله’: أما إنّك لن تؤمن بعدها أبداً. فقال له سراقة بن مالك بن جعشم الكناني: يا رسول الله، علّمنا ديننا كأنّما خلقنا اليوم، فهذا الّذي أمرتنا به لعامنا هذا أم لما يستقبل؟ فقال رسول الله’: بل هو للأبد إلى يوم القيامة، ثمّ شبّك أصابعه بعضها إلى بعض وقال: «دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة».
وقدم عليّ (ع) من اليمن على رسول الله’ وهو بمكة، فدخل على فاطمة÷ وهي قد أحلّت، فوجد ريحاً طيّبة، ووجد عليها ثياباً مصبوغة، فقال: ما هذا يا فاطمة؟ فقالت: أمرنا بهذا رسول الله’. فخرج عليّ (ع) إلى رسول الله’ مستفتياً محرشاً على فاطمة÷فقال: يا رسول الله، إنّي رأيت فاطمة قد أحلّت وعليها ثياب مصبوغة! فقال رسول الله’ : أنا أمرت الناس بذلك، وأنت يا عليّ بم أهللت؟ قال: قلت يا رسول الله، إهلالاً كإهلال النبيّ’، فقال له رسول الله’: كن على إحرامك مثلي، وأنت شريكي في هدْيي.
قال (ع): ونزل رسول الله’ بمكة بالبطحاء هو وأصحابه، ولم ينزل الدُّور، فلمّا كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا ويُهلوا بالحجّ، وهو قول الله الذي أنزله على نبيّه’: {فاتّبعوا ملّة إبراهيم حنيفاً}(101) فخرج النبيّ’ وأصحابه مهلّين بالحجّ حتى أتوا منى، فصلّى الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر، ثمّ غدا الناس معه، وكانت قريش تفيض من المزدلفة ـ وهي جُمَع ـ ويمنعون الناس أن يفيضوا منها، فأقبل رسول الله’ وقريش ترجو أن تكون إفاضته من حيث كانوا يفيضون، فأنزل الله على نبيّه’ {ثمّ أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله}(102)، يعني: إبراهيم وإسماعيل وإسحاق(ع) في إفاضتهم منها ومن كان بعدهم. فلمّا رأت قريش أنّ قبّة رسول الله’ قد مضت، كأنّه دخل في أنفسهم للذي كانوا يرجون من الإفاضة من مكانتهم، حتى انتهى إلى نمرة ـ وهي بطن عرنة بحيال الاراك ـ فضرب قبته، وضرب الناس أخبيتهم عندها. فلمّا زالت الشمس خرج رسول الله’ ومعه فرسه، وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد، فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم، ثمّ صلّى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين، ثمّ مضى إلى الموقف فوقف به فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته يقفون إلى جنبها فنحّاها، ففعلوا مثل ذلك، فقال: أيّها الناس، إنّه ليس موضع أخفاف ناقتي الموقف، ولكن هذا كلّه موقف ـ وأومى بيده إلى الموقف ـ فتفرّق الناس. وفعل مثل ذلك بمزدلفة، فوقف حتى وقع القرص ـ قرص الشمس ـ ثمّ أفاض. وأمر الناس بالدّعة حتى انتهى إلى المزدلفة ـ وهي المشعر الحرام ـ فصلّى المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين، ثمّ أقام حتى صلّى فيها الفجر، وعجّل ضعفاء بني هاشم بالليل، وأمرهم أن لا يرموا الجمرة ـ جمرة العقبة ـ حتى تطلع الشمس، فلمّا أضاء له النهار أفاض حتى انتهى إلى منى، فرمى جمرة العقبة. وكان الهَدْي الذي جاء به رسول الله’ أربعاً وستّين، أو ستّاً وستّين(103)، وجاء عليّ (ع) بأربع وثلاثين، أو ست وثلاثين فنحر رسول الله’ ستاً وستين ونحر عليّ (ع) أربعاً وثلاثين وبدنة، وأمر رسول الله’ أن يؤخذ من كلّ بدنة منها جذوة من لحم، ثمّ تطرح في بُرمة(104) ثمّ تطبخ، فأكل رسول الله’ منها وعليّ (ع) وحسيا من مرقها، ولم يُعطِ الجزّارين جلودها ولا جلالها ولا قلائدهاوتصدّق به. وحلق وزار البيت ورجع إلى منى، فأقام بها حتى كان اليوم الثالث من آخر أيام التشريق، ثمّ رمى الجمار، ونفر حتى انتهى إلى الأبطح، فقالت له عائشة: يا رسول الله، ترجع نساؤك بحجّة وعمرة معاً، وأرجع بحجّة؟! فأقام بالأبطح وبعث معها عبدالرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم(105) فأهلّت بعمرة، ثمّ جاءت فطافت بالبيت، وصلّت ركعتين عند مقام إبراهيم (ع)، وسعت بين الصفا والمروة، ثمّ أتت النبيّ’، فارتحل من يومه، ولم يدخل المسجد، ولم يطف بالبيت، ودخل من أعلى مكّة من عقبة المدنيّين وخرج من أسفل مكّة من ذي طوى(106) .
2 ـ حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة وإسحق بن إبراهيم، جميعاً عن حاتم، قال: أبوبكر: حدّثنا حاتم بن إسماعيل المدنيّ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه قال: دخلنا على جابر بن عبدالله فسأل عن القوم حتى انتهى إليَّ، فقلت: أنا محمّد بن عليّ بن حسين، فأهوى بيده إلى رأسي فنزع زرّي الأعلى، ثم نزع زرّي الأسفل، ثم وضع كفّه بين ثدييّ وأنا يومئذ غلام شاب، فقال: مرحباً بك، يا ابن أخي! سل عمّا شئت، فسألته، وهو أعمى وحَضَرَ وقت الصلاة، فقام في نساجة ملتحفاً بها، كُلّما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغرها، ورداؤه إلى جنبه، على المشجب، فصلّى بنا، فقلت: أخبرني عن حجّة رسول الله’، فقال بيده، فعقد تسعاً، فقال: إنّ رسول الله’ مكث تسع سنين لم يحجّ، ثم أذّن في النّاس في العاشرة: أنّ رسول الله’ حاجّ، فقَدِمَ المدينة بشرٌ كثيرٌ، كلّهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله’، ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه، حتّى أتينا ذا الحُليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمّد بن أبي بكر، فأرسلت إلى رسول الله’: كيف أصنع؟ قال: «اغتسلي، واستثفري بثوب وأحرمي» فصلّى رسول الله’ في المسجد، ثم ركب القصواء، حتى إذا استوت به ناقته على البيداء، نظرت إلى مدّ بصري بين يديه، من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله’ بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عَمِلْنا به، فأهلّ بالتوحيد: «لبيك اللهمّ! لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك، والملك لا شَرِيكَ لكَ»، وأهلّ الناس بهذا الذي يُهلّون به، فلم يردّ رسول الله’ عليهم شيئاً منه، ولَزِمَ رسول الله’تلبيته، قال جابر: لسنا ننوي إلاّ الحجّ، لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن فرَمَلَ ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم (ع)، فقرأ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلَّى}(107) فجعل المقام بينه وبين البيت، فكان أبي يقول ـ ولا أعلمه ذكره إلاّ عن النبيّ’ : ـ كان يقرأ في الركعتين: {قُلْ هو الله أحد}، و{قل يا أيها الكافرون}، ثم رجع الى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب الى الصّفا، فلمّا دنا من الصّفا قرأ: {إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِر الله}(108) «أبْدأُ بِما بَدَأَ الله بِهِ» فبدأ بالصّفاء، فَرقى عليه، حتى رأى البيت فاستقبل القبلة، فوحّد والله، وكبّره، وقال: «لا إله إلاّ الله وحدهُ لا شريكَ له، له المُلك ولهُ الحمد وهو على كلّ شيء قدير، لا إله إلاّ الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده». ثم دعا بين ذلك، فقال مثل هذا ثلاث مرّات، ثم نزل الى المروة، حتى ]إذا[ انصبّت قدماه في بطن الوادي سعى، حتّى إذا صعدتا مشى، حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصّفا، حتّى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال: «لو أنّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهَدْيَ، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هَدْيٌ فليحلّ، وليجعلها عمرةً».
فقام سراقة بن مالك بن جُشعم فقال: يا رسول الله! ألِعَامِنا هذا أم لأبد؟ فشبّك رسول الله’ أصابعه واحدة في الأُخرى، وقال: «دخلت العُمرة في الحجّ» مرتين «لا بل لأبد أبد».
وقدم عليّ من اليمن ببُدْنِ النبيّ’، فوجد فاطمة (س) ممّن حلّ، ولبست ثياباً صبيغاً، واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: إنّ أبي أمرني بهذا، قال: فكان عليّ يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله’ محرّشاً على فاطمة، للّذي صنعت، مستفتياً لرسول الله’ فيما ذكرت عنه، فأخبرته أنّي أنكرت ذلك عليها، فقال: «صَدَقتْ صَدَقَتْ، ماذا قُلتَ حين فرضت الحجّ؟» قال: قلتُ: اللهمّ! إنّي أُهلُّ بما أهلَّ به رسولك، قال: «فإنّ معي الهَدْيَ فلا تحلّ». قال: فكان جماعة الهدي الّذي قَدِم به عليّ من اليمن والذي أتى به النبيّ’ مائة، قال: فحلّ الناس كلّهم وقصّروا، إلاّ النبيّ’ ومن كان معه هَدْيٌ فلمّا كان يوم التروية توجّهوا إلى مِنى، فأهلّوا بالحجّ، وركب رسول الله’ فصلّى بها الظُّهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتّى طلعت الشمس، وأمر بقبّة من شعر تضرب له بنمرةَ، فسار رسول الله’ ولا تشكّ قريش إلاّ أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله’ حتّى أتى عَرَفَة، فوجد القُبّة قد ضُربت له بنمرة، فنزل بها، حتّى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء، فرُحِلَتْ له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس وقال: «إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كلّ شيء من أمر الجاهلية تحت قدميّ موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإنّ أوّل دم أضَعُ من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مُسترضعاً في بني سعد فقتله هُذيل، ورِبا الجاهلية موضوع، وأوّل رباً أضعُ رِبانا، رِبا العبّاس بن عبدالمطلب، فإنّه موضوع كلّه، فاتقوا الله في النّساء، فإنّكم أخذتموهنّ بأمان الله، واستحلَلْتُم فروجهنّ بكلمة الله، ولكم عليهنّ أن لا يُوطئن فُرُشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضرباً غير مُبرِّح، ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتُهُنّ بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلُّوا بعده إن اعتصمتُمْ به، كتاب الله(109) وأنتم تُسألون عنّي، فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وأدّيت ونصحت، فقال بإصبعه السّبّابة، يرفعها إلى السماء وينكُتُها إلى الناس: «اللهمّ! اشهدْ اللهمّ! اشهدْ» ثلاث مرّات، ثم أذّن، ثمّ أقام فصلّى الظهر، ثم أقام فصلّى العصر، ولم يُصلِّ بينهما شيئاً، ثمّ ركب رسول الله’، حتّى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء الى الصّخرات، وجعل حبل المُشاة بين يديهِ، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، وذهبت الصُّفرة قليلاً حتى غاب القُرص، وأردف أُسامة خلفه، ودفع رسول الله’وقد شَنَقَ للقصواء الزّمام، حتى إنّ رأسها ليُصيب مورك رَحْلِهِ، ويقول بيده اليمنى: «أيّها الناس! السّكينة السّكينة» كلّما أتى حَبْلاً من الحِبال أرخى لها قليلاً، حتّى تصعد، حتى أتى المزدلفة، فصلّى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يُسبّح بينهما شيئاً، ثم اضطجع رسول الله’ حتى طلع الفجر، وصلّى الفجر، حين تبيّن له الصّبح، بأذان وإقامة، ثمّ رَكِبَ القصواء، حتى أتى المَشْعَر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعاه وكبّره وهلّله ووحّده، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جدّاً، فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عبّاس، وكان رجلاً حسن الشعر أبيض وسيماً، فلمّا دفع رسول الله’ مرّت به ظُعُنٌ يَجْرينَ، فطفق الفضل ينظر إليهنّ، فوضع رسول الله’ يده على وجه الفضل، فحوّل الفضل وجهه الى الشّقّ الآخر ينظر، فحوّل رسول الله’ يده من الشّقّ الآخر على وجه الفضل، يصرف وجهه من الشّقّ الآخر ينظر، حتى أتى بطن مُحَسِّر، فحرّك قليلاً، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حَصَيَات، يُكبّر مع كلّ حصاة منها، حصى، رمى من بطن الوادي، ثمّ انصرف الى المنحر، فنحر ثلاثاً وستين بيده، ثمّ أعطى عليّاً، فنحرَ ما غَبَرَ، وأشركه في هَدْيِه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجُعلت في قدر، فطُبخت، فأكلا من لحمها وشَرِبَا من مرقها، ثمّ ركب رسول الله’ فأفاض الى البيت، فصّلى بمكّة الظهر، فأتى بني عبدالمطّلب يسقون على زمزم، فقال: «انْزِعُوا، بني عبدالمطّلب، فلولا أن يغلبكم النّاس على سقايتكم لنزعت معكم» فناولوه دلْواً فشرب منه(110).
هوامش:
(1) ورد حديث الثقلين في مسند أحمد: 3/17 و26، كنز العمّال: 1/165 ح945، الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي: ص148 ط المحمّدية، وللمزيد راجع كتب الأحاديث للفريقين، وحديث الثقلين من الأحاديث المتواترة عند الفريقين واليك واحداً من نصوصه:.
(2) المعجم الصغير للطبراني: 1/139، مسند أحمد: 5/95، حديث السفينة من الأحاديث المتواترة عن المسلمين راجع إحقاق الحقّ للتستري: 9/270 ونصّ الحديث:
(3) مستدرك الحاكم: 2/448 و3/457، الصواعق المحرقة: 150، 185، 233 ط المحمّدية بمصر، مجمع الزوائد: 9/174 ونصّ الحديث:
(4) أهل الذكر قوله تعالى: (فَسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لاَتَعْلَمُونَ) النحل: 43، راجع شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: 1/334، حديث 459، 460، 463، تفسير القرطبي: 11/272، تفسير الطبري: 17/5 ط. بولاق ونصّ الحديث المفسّر للآية.
(5) أولو الأمر قوله تعالى: {أَطِيعُواْ اللَّهَ وأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الاَْمْرِ مِنكُمْ} (المائدة: 59) راجع تفسير الرازي: 3/357 ط الدار العامرة، شواهد التنزيل: 1/148، فرائد السمطين: 1/314 ح250 ونصّ الحديث المفسّر الآية .
(6) انظر ذلك من تفسير القمي: 1/306 .
(7) تذكرة الخواص: ص20 ط النجف قال: كونوا مع عليّ وأهل بيته، كفاية الخصام ابن شهرآشوب: ص347 وفيه: كونوا مع الصادقين أي محمّد وأهل بيته.
(8) المستدرك للحاكم: 3/149، بحار الأنوار: 23/123 وللمزيد من التفصل راجع إحقاق الحق: والحديث «... وأهل بيتي أمان من الضلال...» وقد جاء هذا الحديث بألفاظ مختلفة، وعصمهم الله وطهّرهم وآمنهم من الزلل والفتن بآية التطهير، وهي الآية 33 من سورة الأحزاب.
(9) قال تعالى: {لا يمسّه إلاّ المطهّرون} الواقعة:..... وعين المطهّرين في قوله تعالى:{إنّما يُريدُ الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا}.
(10) الأحاديث التي تعتبرهم أُسوة بعد رسول الله’ كثيرة، انظر:
1 ـ قال رسول الله’ : «يا أيها الناس إن الفضل والشرف والمنزلة والولاية لرسول الله وذريّته، فلا تذهبن بكم الأباطيل» الصواعق المحرقة: 174، ط المحمدية، ينابيع المودّة: ص169 و306 ط إسلامبول.
2 ـ وعنه’ : «في كل خلف من أُمتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين، وتأويل الجاهلين، ألا وإن أئمتكم وفدكم الى الله، فانظروا من توفدون» الصواعق المحرقة: 148، ذخائر العقبى: 17.
3 ـ وذيل حديث الثقلين عنه’ : «فلا تقدّموهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا...» مجمع الزوائد: 9/163، الدر المنثور: 2/60 .
وعنه أيضاً: «اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس، ولا يهتدي الرأس إلاّ بالعينين» الشرف المؤبد للشيخ يوسف النبهاني: 31 ، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار: 110 ط السعيدية بمصر، الفصول المهمة، ابن الصباغ: 8 ط الحيدرية، مجمع الزوائد: 9/172 .
(11) الآية 24 من سورة الحجّ.
(12) الآية 97 من سورة المائدة.
(13) الآية 96 من سورة آل عمران.
(14) الآية 125 من سورة البقرة.
(15) الكافي: 4/271، باب لو ترك الناس الحجّ، ح4 .
(16) الكافي: 4/271 ح4، من لا يحضره الفقيه للصدوق: 243 ح2307.
(17)الفيل، التين، قريش، البلد، النمل، إبراهيم.
(18)البقرة، الأنفال، آل عمران، الحج، التوبة، المائدة..
(19) آل عمران: 96.
(20) آل عمران: 97.
(21) البقرة: 125.
(22) المائدة: 97.
(23) الحجّ: 27.
(24) الحجّ: 34.
(25) الحجّ: 36.
(26) الحجّ: 37.
(27) الحجّ: 37.
(28) الحجّ: 27 ـ 28.
(29) الحجّ: 30.
(30) الحجّ: 32 ـ 33.
(31) البقرة: 197.
(32) آل عمران: 97.
(33) البقرة: 125.
(34) اعتمدنا في هذا البحث بشكل خاص على ما كتبه العلاّمة آية الله السيد محمّد باقر الحكيم+ لأهميته وثرائه الفكري وقد نشره المجمع العالمي لأهل البيت(ع) في مجلة رسالة الثقلين العدد 27.
(35) فقد ذكر صاحب جامع أحاديث الشيعة ـ على سبيل المثال ـ في خصوص الروايات التي تتحدث عن تاريخ الحجّ وفضله وشؤونه العامة ثمانمائة وواحداً وثلاثين حديثاً.
(36) التاج الجامع للاُصول 2: 153 عن صحيح مسلم وسنن أبي داود.
(37) وسائل الشيعة: 8/7، ح12، عن من لا يحضره الفقيه.
(38) راجع وسائل الشيعة: 8/ 238 ـ 248، أبواب آداب السفر إلى الحجّ وهي ثمانية وستون باباً.
(39) راجع دعاء الإمام الحسين وابنه عليّ بن الحسين‘في يوم عرفة بالخصوص لتجد عظمة هذا الجانب وروعته في مدرستهم(ع) .
(40) باستثناء ما يذهب إليه الوهابيون من تحريم شدّ الرحال لزيارة النبيّ’، وإنّما يجوّزونها لمَن حضر (المدينة). نعم يجوز شدّ الرحال ـ في نظرهم ـ إلى مسجد النبيّ’ في المدينة وتكون الزيارة للنبيّ’ في هامش زيارة المسجد الشريف.
(41) هناك احتمالات متعددة في موضع دفنها أظهرها أنّه في بيتها، واحتمال آخر أنّه في البقيع واحتمال ثالث في الروضة والسبب في ذلك هو أنّ الصدّيقة (سلام الله عليها) ـ لظروف سياسية ـ أوصت عليّاً (ع) أن يخفي محل دفنها، وطلبت منه عدم السماح بمشاركة الشيخين في تشييعها; لأنّها ماتت وهي غاضبة عليهما ومعترضة على فعلهما وإبعادهما للإمام عليّ بن أبي طالب عن ما عيّنه الرسول’ ونصّبه فيه، كما نصّت على ذلك النصوص الصحيحة التي رواها جميع المسلمين، والظلم والإيذاء الذي لحقها منهما قد أدّى إلى استشهادها سلام الله عليها.
(42) إنّ من الملاحظ ـ مع الأسف ـ أنّ هناك محاولة لمحو هذه الآثار وإلقاء الستار عليها، بحيث لا يتم الإهتمام بها، بل هناك عمل منظّم لإبعاد الحجّاج عنها قدر المستطاع كما يلاحظ ذلك من يزور البقيع وأُحد وغار حراء.
(43) وسائل الشيعة: 10/253 ح5.
(44) وسائل الشيعة: 10/254، ح4.
(45) المصدر السابق: ح10.
(46) وسائل الشيعة: 10/255، ح12.
(47) انظر موسوعة الغدير في الكتاب والسنّة والأدب للعلاّمة الأميني.
(48) وسائل الشيعة: 10/252، ح1.
(49) الأنفال: 24.
(50) التاج الجامع للأُصول: 2/106 ـ 107.
(51) المصدر السابق.
(52) هذا الموضوع من القضايا التاريخية التي ينبغي تناولها في مجال آخر.
(53) وسائل الشيعة: 8/77، ح2.
(54) وسائل الشيعة: 8/83، ح17.
(55) وسائل الشيعة 11/32، ح3.
(56) المصدر السابق: 11 / 34، ح6.
(57) المصدر السابق: 11 / 34، ح8.
(58) نهج البلاغة: الكتاب 47.
(59) الخصال: 2/620 / 10، وص 628/10، وص635 / 10.
(60) المصدر السابق.
(61) المصدر السابق.
(62) نهج البلاغة: الخطبة 1.
(63) نهج البلاغة: الخطبة 192. نتائق: جمع نتيقة وهي البقاع المرتفعة، ومكة مرتفعة بالنسبة لما انحطّ عنها من البلدان، الدمثة: اللينة ويصعب عليها السير والاستثبات منها، وتقول: دمث المكان إذا سهل ولان، ومنه دمث الأخلاق لمن سهل خلقه، الوشلة: ـ كفرحة ـ قليلة الماء، الخفّ: للجمال، والحافر: للخيل والحمار، والظلف: للبقر والغنم، وهو تعبير عن الحيوان الذي لا يزكو في تلك الأرض، ثنى عطفه إليه: مال وتوجه إليه. المنتجع: محل الفائدة، الرمل بالتحريك: ضربٌ من السير فوق المشيء ودون الجري وهو الهرولة، السرابيل: الثياب، وأحدها سربال بكسر السين المهملة فسكون الراء، ملتف البنى: كثير العمران، البرّة: الحنطة والسمراء أجودها، الاعتلاج: الالتطام ومنه اعتلجت الأمواج إذا التطمت، والمراد: زال تلاطم الريب والشك من صدور الناس، فُتُحاً وذللاً بضمتين، والأُولى بمعنى: مفتوحة واسعة، والثانية مذلّلة ميسّرة، كما عن هامش البحار: 99/45/35.
(64) ثواب الأعمال: 70/3.
(65) أمالي الطوسي: 668/1398 و296/582 .
(66) أمالي الطوسي: 668/1398 و296/582.
(67) أمالي الصدوق: 493/4، التوحيد 253/4.
(68) علل الشرائع: 405/6.
(69) عيون أخبار الرضا (ع) : 2/90 / 1.
(70) عيون أخبار الرضا (ع): 2/119/1.
(71) تحف العقول: 7 .
(72) تحف العقول: 149.
(73) أمالي الطوسي: 694/1478 .
(74) عيون أخبار الرضا× : 2/262/29.
(75) نور الثقلين: 3/492/97.
(76) ثواب الأعمال: 281/1 و282/2.
(77) تفسير العياشي: 2/305.
(78) علل الشرائع: 452/1 و396.
(79) علل الشرائع: 452/1 و396.
(80) بحار الأنوار: 27/181 / 30.
(81) الخصال: 148/180.
(82) الكافي: 4/338/3.
(83) بحار الأنوار: 96/125.
(84) مصباح الشريعة: 142.
(85) الخصال: 167/219، علل الشرائع: 235/4.
(86) وسائل الشيعة: 12/60/3.
(87) الدّر المنثور: 2/63.
(88) وسائل الشيعة: 9/3/4.
(89) ثواب الأعمال: 74/16.
(90) ثواب الأعمال: 74/17.
(91) الكافي: 4/263/45.
(92) بحار الأنوار: 7/302/56.
(93) بحار الأنوار: 7/302/57.
(94) الكافي: 4/226/2 وص227 / 3، وسائل الشيعة: 9/336 باب 14.
(95) المصدر السابق.
(96) كمال الدين: 346 /33.
(97) الكافي 1: 337/6، غيبة النعماني: 175، كمال الدين: 351 ح48، تقريب المعارف، الحلبي: 422.
(98) راجع مثلاً الرواية التي ينقلها الشيخ الصدوق في كمال الدين: 444/18، الخرائج 2: 961.
(99) الحجّ: 27.
(100) البقرة: 158.
(101) آل عمران: 95.
(102) البقرة: 199.
(103) الترديد من الراوي.
(104) البرمة: القدر مطلقاً، وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز واليمن (النهاية: 1/121).
(105) التنعيم: وهو أدنى موضع في الحلّ قريب من مكة، راجع (معجم البلدان: 2/49).
(106) التهذيب: 5/454/1588، الكافي: 4/245 / 4 .
(107) البقرة: 125.
(108) البقرة: 158.
(109) سنن أبي داود: 1/425 ح1905، سنن ابن ماجة: 2/1025، باب حجّ رسول الله ح3074.
(110) صحيح مسلم: 4/39 ـ 43، وراجع للتفصيل صحيح مسلم بشرح النووي: 8 / 402 ـ 421 ح2941 (147) الطبعة التاسعة: (1423 هـ / 2003م) در المعرفة للطباعة والنشر ـ بيروت.
سيرة جناب "أم سلمة"
هي السيدة هند بنت أمية بن المغيرة بن عبدالله بن مخزوم. ويتطرق الى حياتها الكاتب عمر رضا كحالة في كتابه القيّم "اعلأم النساء" ويقول: اختلف المؤرخون في اسم والدها، فراح البعض يقول ان اسمه كان سهل بن المغيرة بن عبدالله بن مخزوم او حذيفة، فيما يقول بن سعد في كتابه الطبقات الكبرى ان والدها كان يدعى "سهيل زاد الرّكب" بن المغيرة. وان تسميته بـ "زاد الركب" لأنه كان كريما معطاء، وكلما كان ينوي السفر، كان يضيّف من يسافر معه، ومن كان يسافر معه لم يكن يحتاج لاي زاد لسفره. كما اختلف المؤرخون في اسم أم سلمة نفسها، فمنهم من يعتقد بان اسمها كان "رملة". فيما كان ابن عبدالبر يعتقد ان اسمها كان "هند" ويؤكد ان بعض العلماء كانوا يؤكدون ذلك(اعلأم النساء ج5، ص221و222). وان والدة أم سلمة كانت تدعى عاتكة بنت عأمر بن ربيعة بن مالك. حتى ان بعض المؤرخين قال ان عاتكه هذه هي عمة النبي (ص)(ابن الاثير في الكأمل في التاريخ، ج1، ص 594 طبعة بيروت، عأم 1407هـ.ق.).
ويتفق المؤرخون على ان السيدة أم سلمة كانت سيدة جليلة، عالمة، مفكرة، وترعرعت في عائلة شريفة ذات جلال وكمال وعقل ومكنة، ويقال انها لبت نداء ربها عأم 63 للهجرة النبوية الشريفة، في سن الرابعة والثمانين، فيما يقول البعض انها توفيت في التسعين من العمر وفي العأم 61 للهجرة النبوية الشريفة. على اية حال فإن هذه السيدة الجليلة قد ولدت عشرين عأما ونيف قبل الهجرة النبوية الشريفة، وقد تزوجت في ريعان شبابها من ابو سلمة عبدالله بن عبد الاسد المخزومي. ومع بدء نشر اعلان الدعوة الاسلأمية بشكل رسمي من قبل النبي الاكرم(ص) اصطحبت هذه السيدة الجليلة زوجها الى النبي، ليعلنا اسلأمهما في وقت كانت الوثنية مازالت تعصف بالجزيرة العربية، شقیقها عبدالله بن ابي أمية کان أحد أشدّ معارضیها للتشرف بالدین الحنيف، حتى لقي حتفه على يد المسلمين في غزوة أحد. ومان ان زاد تعرض المشركين والقرشيين لانصار النبي بمن فيهم هذين الشابين العريسين واقرباءهم واقرانهم حتى قررا في السنة الخأمسة للبعثة النبوية الشريفة ان يخرجا من مكة ليهاجرا الى الحبشة. وما ان بلغهم ان ايذاء مشركي قريش للمسلمين تضاءل وان العديد من سكان مكة اقبلوا على اعتناق الدين الاسلأمي الحنيف، حتى قررا العودة الى مكة ثانية. وفي فترة مكوثهما في الحبشة رُزقا بأول مولود لهما وأسمياه "سلمة". وعندما عادوا الی مکة ادرکا ان القصة کان کذباً وبعد عودتهما من مكة ثانية الى الحبشة مكثا لفترة فيها ثم عادا ثانية الى مكة وسكنا فيها حتى العأم الثالث عشر للبعثة النبوية الشريفة، حيث قررا الهجرة الى مدينة يثرب(المدينة المنورة) ليتخلصا من ايذاءات مشركي قريش. لكن بني المخزوم منعوا السيدة أم سلمة وطفلها(وعلى قول اطفالها) من الهجرة، واكدوا انها يجب ان تبقى بحمايتهم، ما اضطر ابو سلمة للهجرة وحده لينجو بنفسه. وبعد فترة ظلت السيدة الجليلة أم سلمة تلح على عشيرتها ليمنحوها الإذن في الالتحاق بزوجها مع ابنها، في بدایة الامر وافق بنو مخزوم علی هجرتها بمفردها ،لانهم کانوا یعتقدون أن إبنها من بني مخزوم و غیر مسموح له بالهجرة ، بعدها ساعدها شفاعة بعض وجهاء بني المخزوم على ذلك ، ما حمل بني المخزوم على تلبية طلبها. فطلبت ناقة لتحملها وابنها الى المدينة، فوفروا لها القوم ذلك وانطلقت نحو المدينة، وفي طريقها صادفت عثمان بن طلحة، من بني عبدالدار الذي كان بدوره يقصد مدينة يثرب. عندها وافقت السيدة أم سلمة ان تماشي ركب عثمان بن طلحة، ليقود عثمان الركب باتجاه يثرب. وتقول السيدة أم سلمة عن تلك الرحلة ان عثمان بن طلحة كان كلما نزل في منزل اخذ عقال الناقة لتتوقف، ومن ثم تبرك لتجلس على الارض ويتركها ويبتعد عنهم قليلا لتنزل هي وابنها من المحمل. ويعيد الكرة ثانية عندما كنا نريد الركوب واستئناف الحركة. ویقال ان أم سلمة هي اول أمرأة دخلت المدينة وهي راكبة على محمل الناقة.
أما ابو سلمة فقد اثخن بالجراح في غزوة احد وظل يعاني من تلك الجروح حتى لبى نداء ربه في الثأمن من جمادى الاخرة من السنة الرابعة للهجرة. كما ذكر بعض المؤرخين ان ابوسلمة جرح في معركة بدر في السنة الثانية للهجرة ما ادى الى استشهاده في السنة الثانية للهجرة بعيد غزوة بدر، لكن اذا ما اخذنا الروايات التي تؤكد ان أم سلمة دخلت المدينة مع ابنها الوحيد، وبعد ذلك انجبت ثلاثة اولاد هم عمر(او عمرو) وزينب ودرة، عندها يجب قبول القول الاول في استشهاد ابو سلمة رضوان الله تعالى عليه.
كما تروي الكتب التاريخية ان السيدة أم سلمة ذات يوم طلبت من ابي سلمة "ان ايا من احد الزوجين مات قبل الآخر، فالمتبقي عليه ان لايتزوج حتى يلتقي قرينه في الجنة". لكن ابا سلمة في المقابل دعا لها فيما اذا توفي هو قبلها، دعا لها ان يرزقها الله سبحانه وتعالى زوجا يكون معها رؤوفا وعادلاً. وما ان استشهد الصحابي ابو سلمة حتى تقدم ابو بكر لخطبتها، وتلاه عمر بن الخطاب، لكنها رفضتهما دون ترديد. وبعد رفض أم سلمة خطبة هذين الشيخين لها، تقدم النبي محمد(ص) يطلب يدها، في البداية واصلت رفضها حتى للنبي الاكرم، الا ان الرسول الاكرم عاود الكرة في خطبتها ثانية ما حملها على قبول خطبته، ليتم عقد قرانها به في نفس السنة (الرابعة او الثانية للهجرة).
ويقال ان أم سلمة طلبت من ابنها عمر ان يعقد قرانها مع رسول الله (ص)، لكن صغر سنه حال دون ذلك، ما حمل الباحثين على الاعتقاد بغير ذلك، وان آخرين أمثال الشيخ عمر بن الخطاب (الخليفة الثاني) هو الذي قأم بقراءة خطبة العقد. ويقال ان أم سلمة هي من مواليد مكة او الحبشة وهذا يقلل من احتمال صحة انها قد هاجرت مع ابنها الوحيد الى يثرب. خاصة وان السيدة أم سلمة كانت أمرأة متكاملة ولها كمالها ومكانتها العلمية والإجتماعية، ماحمل باقي ازواج النبي(ص) ليتحرَين اخبارها على الدوأم. ففي رواية عن فاطمة الخزاعية انها قالت سمعت ذات يوم ان أم المؤمنين عائشة كانت تقول: دخل علي رسول الله(ص) ذات يوم، فسألته أين كنت حتى الآن؟ فأجابها قائلا: يا حميراء كنت عند أم سلمة. فقلت له: أما تكفيك زياراتك لأم سلمة؟(رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ج8، ص64عن الزهري).
ويقال ان نزول الآية الحادية عشرة من سورة الحجرات كان بسبب ان حفصة وعائشة، زوجتا النبي الاكرم (ص)كانتا تسخران من الملابس القصيرة التي كانت أم سلمة تخيطها لنفسها حسب طولها. كما اضحت أم سلمة محورا لهذه الآية وآيات اخريات ايضا، بما فيها الآية 195من سورة آل عمران حيث كانت أم سلمة محورا لنزول هذه الآية ايضا. ويقال ان شأن نزول هذه الآية هو: ان أم سلمة(رض) ذات يوم سألت الرسوم الاعظم قائلة: يا رسول الله لماذا ذكرت اسماء الرجال دون النساء في القرآن اثناء الهجرة ولم تتم الاشارة الى النساء؟ فما كانت الا سويعات وانزل الله هذه الآية على النبي الاكرم(ص).
على صعيد آخر يقال إن أم سلمة كانت حاضرة في معركة فتح خيبر وكانت تقول لبعض النسوة، يا حبذا لوكان الله يفرض علينا الجهاد كما فرضه على الرجال لننال ما ينالوه من أجر، وما ان اكملت تمنياتها حتى نزلت الآية32 من سورة النساء. كما ان آية التطهير نزلت على النبي الاكرم(ص) عندما كان في حجرة أم سلمة(رض).
ومما تجدر الاشارة اليه ان النبي الاعظم(ص)كان يتفقد ازواجه بعد صلاة العصر من كل يوم ويبدأهن بالسيدة أم سلمة حيث كانت اكبرهن سنا، وينتهي بزيارة أم المؤمنين عائشة التي كانت اصغرهن سنا. كما تعتبر أم المؤمنين أم سلمة من رواة الاحاديث، حيث روت عن النبي الاكرم (ص)وعن ابنته فاطمة الزهراء(س) وزوجها الصحابي ابو سلمة، حتى روى عنها عدد كبير من الصحابة والتابعين، الكثير من الاحاديث. وقد بلغت الاحاديث التي روتها هذه السيدة الجليلة 378حديثا ذكر منها صاحب صحيح البخاري في كتابه تسعة وعشرون حديثا، كما نقل الطبراني عنها 518 حديثا عبر رواة آخرين، اكدوا ان مصدرها أم المؤمنين أم سلمة.
ونظرا لأن السيدة أم سلمة عاشت فترة طويلة وكانت لها مكانة مرموقة في المجتمع كان من المتوقع ان يتم نقل احاديث اكثر عنها لكن صراحة لهجتها، ومعارضتها الواضحة لمعاوية و وقوفها الی جانب الأمأم علي(ع) وتذكيرها الصحابة ببيعتهم يوم الغدي رللأمأم علي (ع) أمأم الرسول الاكرم (ص)، حمل القوم ورجال السلطة على مقاطعة احاديثها لتبقى طي الكتمان.
وقد شاركت السيدة أم سلمة، المسلمين في عدة غزوات لدعم المقاتلين واسنادهم، أمثال غزوة الحديبية وخيبر وفتح مكة وهوازن وثقيف والطائف.كما شهدت حجة الوداع مع النبي الاعظم(ص). وكما قلنا انها كانت عالمة فاضلة وكان النبي(ص) يجلها كثيرا، وبعد صلح الحديبية بالرغم من ان الرسول الاكرم كان يؤكد ضرورة الحلق وتقديم الاضاحي إلا أن الصحابة كانوا يترددون في قبول رأيه، فاستشار السيدة أم سلمة، وطلب منها ان تشير عليه برأيها، فقالت(رض) للنبي: يا رسول الله ان حلقت وقدّمت القربان، فانهم سيفعلون ذلك بعدك دون شك، فما ان طبق النبي الاكرم اقتراحها
حتى اقبل المسلمون على الحلق وتقديم الاضاحي الواحد تلو الآخر. وبناء على ما ذكرناه آنفا من ان السيدة أم سلمة كانت من اصحاب الفكر والرأي والعلم مع الاحتفاظ بصراحة لهجتها على مدى خلافة الخلفاء الثلاثة، التي استمرت لخمسة وعشرين عأما، كانت لاتألو جهدا في تقديم النصح لهم كلما اقتضت الأمور. كما عرف عنها تقديم مذكرات احتجاج للخليفة الثالث ازاء مواقفه تجاه الصحابي الجليل عمار بن ياسر(اعلأم النساء ص 224). كما انها رضوان الله تعالى عليها ارسلت رسالة الى عائشة تذكرها بحديث النبي(ص)، الذي نهاها عبره من الذهاب الى البصرة. وكانت عائشة اقرت بصحته، لكنها سرعان ما عدلت عنه وغيرت رأيها، وعملت خلافا لحديث الرسول الاكرم (ص(.
على صعيد آخر دافعت أم المؤمنين أم سلمة عن مواقف الأمأم علي(ع) أمأم معاوية بن ابي سفيان وكتبت له: ان الله ورسوله يحبون الأمأم علي(ع) وان لعنك له بمثابة لعن رسول الله(ص) وايذاء للرسول(اعلأم النساء ص225).
ويروى عن أم سلمة(رض) انها قالت سمعت من رسول الله انه قال: من احب عليا فقد احبني، ومن احبني فقد احب الله، ومن ابغض عليا، فقد أبغضني ومن ابغضني فقد ابغض الله(مجمع الزوائدج9ص1320). كما ينقل عن تلك السيدة الجليلة بأنها روت عن رسول الله (ص) حيث قال: من سب عليا فقد سبني، وقد ذكرت كل هذه الاحاديث في رسالتها الى معاوية بن ابي سفيان ايضا. وقد وردت روايات عن أم سلمة حول تنبؤات الرسول الاعظم(ص)، تشير بعضها،الى انها كانت تقول ان رسول الله(ص) قال ذات يوم: ان الأمين جبرائيل، أخبره ان سبطه الحسين(ع) يقتل في ارض العراق، فقال الرسول(ص) للأمين جبرائيل: أرني التربة التي يقتل بها الحسين، فمد الأمين جبرائيل يده وجاء بحفنة تربة محمرّة وناولها للرسول(ص) وقال: هذه التربة التي سيقتل فيها الحسين(البداية والنهاية، ج8 ص196، ح200، و كنز العمال للذهبي ج12ص126ح34313). وفي رواية اخرى عن أم سلمة(رض) انها كانت تقول: ذات يوم رأيت عيون النبي(ص) قد اغرورقت بالدموع، فقلت يا رسول الله ماذا حدث في هذا اليوم حتى بدأت تذرف دموعك بهذه الحالة؟
فقال لها:لقد اخبرني جبرائيل الآن، بأن أمتي ستقتل سبطي الحسين في ارض يقال لها كربلاء. (المعجم الكبير للطبراني ج3 ص109 ح2819).
وهناك رواية اخرى عن الإخبار بمقتل الأمأم الحسين، حيث تروي أم سلمة، ان رسول الله(ص) قال ذات يوم: ان الحسين بن علي يستشهد في نهايات عأم 60 للهجرة(مجمع الزوائد ج9 ص190). وضمن الحديث الذي اخبر به النبي(ص) عن استشهاد الحسين بن علي(ع)، تقول أم سلمة ان رسول الله (ص)قال لها: "يا أم سلمة إذا تبدلت هذه التربة الى قطعة من الدم فأعلمي ان سبطي الحسين قد قتل". فأخذت السيدة أم سلمة تلك التربة ووضعتها في محفظة زجاجية وكانت تتردد عليها كل يوم وتقول "ان اليوم الذي ستتحولين فيه الى دماء، سيكون يوما عظيما جدا!!!"(الخصائص الكبرى ج2 ص125، المعجم الكبير للطبراني ج3 ص108).
وفي سنن الترمذي، ابواب المناقب، يروي الترمذي قصة رؤيا أم سلمة التي شاهدت فيها الرسول (ص) بعد ظهر يوم العاشر من محرم الحرأم عأم 61هـ. حيث تقول كنت نائمة حتى شاهدت الرسول الاكرم(ص) في الرؤيا قد أقبل وهو يذرف الدموع على وجنتيه الشريفتين، اضافة الى ان الغبار قد علا رأسه وشيبته الشريفة! فقلت يارسول الله لماذا انت على هذه الهيئة؟ وماذا حدث لك؟ فقال وهو ينتحب باكيا: يا أم سلمة، الآن عدت من مقتل الحسين بكربلاء، وقد شهدت مصرعه، وها أنا اعود من تلك اللحظات الرهيبة.
ويواصل الترمذي حديثه، ويقول فما كان من أم سلمة الا ان تنتفض من نومها مرعوبة وتذهب الى الزجاجة التي احتفظت بتربة كربلاء فيها، والتي اخذتها من رسول الله(ص)، لتجدها كما وعد رسول الله(ص) قد تغيرت وان التراب اصبح مخضّبا بالدماء. (عن كتاب الذبح العظيم ص105 و106). وكانت أم سلمة آخر ازواج النبي (ص) ويقال ان وفاتها كانت بين عأم 59 و63 للهجرة النبوية الشريفة، إلا أن روايات الفريقين تؤكد انها كانت على قيد الحياة في عاشوراء عأم 61 للهجرة النبوية الشريفة وقد نصبت المآتم والعزاء حزنا على استشهاد الأمأم الحسين بن علي (ع). حتى قضت نحبها صابرة محتسبة أمرها الى الله. وتم دفنها في مقبرة "جنة البقيع الغرقد" بالمدينة المنورة.
إعداد السيد عبدالحسين رئيس السادات
تعريب: عبدالهادي ضيغمي
مخطط استبدال "اسرائيل" بإيران
منذ اللحظة الاولى لانتصار الثورة الاسلامية في ايران عام 1979، عكفت دوائر الغرب بجناحيه الاميركي والاوروبي مستعينة بدول عربية وخليجية بشكل خاص على وضع مخططات لاستهداف النهج الايراني الجديد ، خاصة مع رفع الثورة الاسلامية بقيادة الامام الخميني (قده) شعار دعم حركات المقاومة في لبنان وفلسطين لاستعادة الحقوق العربية والاسلامية ، وهو ما أربك المشاريع الاميركية المعدة للمنطقة خاصة مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد واخراج مصر السادات من معادلة الصراع مع العدو الصهيوني ، ومنذ تلك اللحظة بدأت الغرف السوداء بإعداد العدة لضرب الثورة معتمدين على وسائل شتى من الحرب العسكرية والاستخباراتية وصولاً الى التحريض القومي والمذهبي.
بداية مخطط ضرب ايران تحت ستار "منع تصدير الثورة الاسلامية"!!!! لم تكد تمضي اشهر بل ايام قليلة على انتصار الثورة الاسلامية (عام 1979) حتى بدأت موجة اغتيالات استهدفت شخصيات بارزة في الثورة (الشهيد بهشتي ، الشهيد مطهري وغيرهم) وذلك عبر سلسلة عمليات هدفت الى زرع الفوضى في البلاد مستعينة بعناصر داخلية جُندت من قبل اجهزة مخابرات أجنبية. ولم تكد تنتهي الثورة من اجتياز حاجز الاغتيالات والفوضى حتى أعلن صدام حسين الحرب على ايران في ظل دعم غربي ومالي وفرته دول خليجية متخفية تحت عباءة "حماية العالم العربي" من بوابته الشرقية، ورغم الخسائر الكبيرة في الارواح والاموال استطاعت الجمهورية الاسلامية افشال تلك الحرب ، فلجأت واشنطن وحلفاؤها الى المعارك السياسية لعزل طهران ، بعد مد القيادة الايرانية جسور تواصل مع حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية.وتمثلت هذه المعارك بمحاولة اختزال القضية الفلسطينية والاحتلال الاسرائيلي لأراضٍ عربية عبر توقيع اتفاقيات "سلام" (اوسلو، وادي عربة) ، وترافق ذلك مع لجوء الكيان الصهيوني الى الزج بترسانته العسكرية للقضاء على المقاومة في فلسطين وتصعيد الاغتيالات بحق قادة المقاومة واجتياح المدن الفلسطينية ، كذلك عمد العدو الى شن حربين على لبنان صيف (1993) وربيع (1996) .
وبعد الفشل في تحقيق اهدافهم عمد الصهاينة الى الانسحاب من جنوب لبنان (2000) وبعده قطاع غزة وهو ما دفع "اسرائيل" وامريكا ومعهم حلف ما يسمى "الاعتدال العربي" الى التصويب على ايران بصفتها رأس "محور الممانعة" ، فبدأ التبشير بخطورة ما أسموه "الهلال الشيعي" وانتشر في الفضائيات والصحف المدعومة من قبل دول خليجية العزف على الوتر المذهبي في محاولة لتأليب الرأي العام العربي والاسلامي ضد ايران بهدف عزلها على الساحة الاسلامية والعربية وابعادها عن قضايا العرب الاساسية وفي مقدمتها احتلال فلسطين.
غزو العراق ومرحلة جديدة من التحريض المذهبي أمام نجاح ايران في استيعاب الحملات ضدها وصمود المقاومتين الفلسطينية واللبنانية بدعم وغطاء سوري بوجه الاحتلال الصهيوني ، سعت الادارة الاميركية الى التدخل عسكرياً في المنطقة متذرعة بالحرب على "الارهاب" بعد احداث ايلول / سبمتبر فإحتلت افغانستان والعراق. وبعد فشلها في هذين البلدين انطلقت حملة تحريض مذهبية ضد ايران ساعدت فيها اطراف عربية واقليمية عملت على تغذية الشعور المذهبي خاصة في العراق الذي دخل بدوامة عنف حصدت مئات الالالف من الابرياء.ورغم ذلك استطاع العراقيون تحقيق نجاح جزئي في منع انتشار الفتنة في بلدهم ودفعوا الاميركيين الى الخروج منه وهو ما وصف بضربة قوية لمحور "الاعتدال العربي" (لخوفه من غياب الخاضنة الاميركية) ، وبدلاً من الانفتاح على ايران وانشاء تعاون معها رفع محور "الاعتدال العربي" من سقف تمويله لحملات التحريض ضد ايران وبدأوا بتصويرها على انها عدو العالم العربي الجديد. انقلاب الموازين . ايران بدل "اسرائيل" عدوا للعرب!!
حملة التحريض ضد ايران وصلت الى مستوى غير مسبوق في السنتين الاخيرتين خاصة مع سقوط ابرز حلفاء واشنطن في المنطقة حسني مبارك في مصر وزين العابدين بن علي في تونس ، وشعر معه الغرب ودول "الاعتدال" العربي بانهم اصيبوا بضربة قوية ، فوجدوا في الازمة السورية التي اندلعت لاحقاً فرصة للنيل من ايران لقربها من سورية ولما تمثل هذه الاخيرة من اهمية بالنسبة الى دعم المقاومة في لبنان وفلسطين. هنا وجدت امريكا وحلفاؤها العرب في الازمة السورية فرصة ذهبية لتسعير الفتنة والتحريض ضد ايران وايقاع الشرخ في صفوف حركات المقاومة ، وتحميل ايران مسؤولية نزيف الدم السوري عبر القول ان الحرب في سورية هي بين اقلية علوية تحتكر السلطة ضد اغلبية سنية ، فسُخرت وسائل الاعلام على اختلاف انواعها لتحقيق هذا الهدف وزُج بالفتاوى الدينية واستقدم الاف المقاتلين من شتى البلدان الى سورية تحت عناوين "الجهاد" ، وسط هذا كله بدأت محاولات للايحاء بان "اسرائيل" هي كيان طبيعي يمكن التعايش معه وان ايران هي دخيلة على المنطقة وتسعى الى بسط نفوذها.
اما القيادة الايرانية فكانت اول من رحب بالثورات في تونس ومصر ووصفتها بالصحوة الاسلامية ونادت بضرورة الاصلاح في سورية واعتماد الانتخابات والخيار الشعبي للوصول الى عملية تحول ديمقراطي في هذا البلد داعية الى ابعاد عناصر التدخل الاجنبي وحصر الحل بالسوريين لتسوية خلافاتهم ، ورغم ذلك اصرت اطراف سورية بتحريض اميركي على رفض اية حلول رافعين شعار اسقاط النظام ولو بالقوة المسلحة. وفي هذا الاطار يرى الكاتب والمحلل السياسي مخائيل عوض ان محاولات ضرب ايران وتشويه صورتها (خاصة مع اندلاع الاحداث السورية) اتت بعد سلسلة الانتصارات التي حققها المقاومون في لبنان وفلسطين والذين وضعوا حداً لتفوق الكيان الصهيوني وهو ما لم يحتمله داعمو هذا الكيان على رأسهم الادارة الاميركية ، التي جندت حلفاءها من العرب والمنطقة وسعت جاهدة لعزل طهران ومحاصرتها وفي تفكيرهم ان ضرب الرأس يتداعى بعده الجسد.
كيفية التصدي لمخطط استهداف ايران؟ وبحسب عوض فإن مشروع استهداف ايران سيظل قائما طالما بقيت القضية الفلسطينية حية مؤكدا ان افضل وسيلة لمنع اصحاب مشاريع الفتنة في بلاد الغرب والعرب هو الاستمرار في احياء هذه القضية ومواصلة نهج المقاومة في لبنان وفلسطين والعمل على شد الاهتمام العربي والاسلامي اليها (فلسطين) وجعلها بوصلة الصراع لتمييز العدو من الصديق، ولعل صواريخ المقاومة الفلسطينية الاخيرة التي وصلت للمرة الاولى الى تل ابيب تُثبت بالدليل القاطع ان الجمهورية الاسلامية هي خير داعم للقضية الفلسطينية وليس من رفع شعار "السلام" كخيار لاسترجاع الحقوق المسلوبة.
"أنصار الدين" و "القاعدة" يهدمون آخر الاضرحة في تمبكتو
عمد اسلاميون مسلحون يحتلون تمبكتو (شمال شرق مالي) الاحد الى هدم آخر الاضرحة في هذه المدينة التاريخية، كما اعلن لفرانس برس زعيم اسلامي في المدينة، في معلومات اكدها ايضا شهود عيان. وقال ابو دردار المسؤول في حركة انصار الدين الاسلامية المسلحة التي تحتل تمبكتو مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي 'لن يبقى اي ضريح في تمبكتو، الله لا يريد ذلك. نقوم بهدم كل الاضرحة المخبأة في الاحياء'. من جهته برر محمد الفول الذي يقدم نفسه على انه عضو في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي اعمال الهدم بالقول ان كل ما لا يمت بصلة بالاسلام 'سيء لان على الانسان ان يجل الله فقط'. واكد سكان في المدينة لفرانس برس هدم الاسلاميين للاضرحة في تمبكتو التي يطلق عليها اسم 'مدينة ال333 وليا'، في اشارة الى الاولياء الصالحين الذين يرقدون في اراضيها. وقال احدهم 'حاليا يهدم الاسلاميون كل الاضرحة في الاحياء بالمعاول'. وقال شاهد آخر 'رأيت الاسلاميين يترجلون من سيارة قرب المسجد الكبير في تمبكتو. وراء منزل هدموا ضريحا هاتفين الله اكبر'. وفي تموز/يوليو وتشرين الاول/اكتوبر اثار الاسلاميون في انصار الدين وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي سخطا بهدمهم الاضرحة داخل حرم المسجد الكبير في المدينة المصنف على لائحة التراث العالمي المهدد. وكان الاسلاميون هدموا اضرحة اخرى في تشرين الاول/اكتوبر عشية اجتماع دولي في باماكو حول ارسال قوة مسلحة الى مالي لطردهم من شمال البلاد التي يحتلونها منذ ستة اشهر مع حركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا. وهذه المرة وقعت اعمال الهدم بعد ثلاثة ايام من تبني مجلس الامن الدولي لقرار يجيز على مراحل وبشروط نشر قوة دولية لاستعادة شمال مالي اعتبارا من ايلول/سبتمبر 2013 على اقرب تقدير. والجمعة قام الاسلاميون في حركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا الذين يحتلون غاو (شمال شرق) ببتر ايدي شخصين اتهما بالسرقة.
"هامبورغ" الألمانية تعترف بأعياد المسلمين وتمنحهم إجازة رسمية
أصبحت مدينة "هامبورغ" أول مدينة ألمانية تعترف بالأعياد الإسلامية، حيث سمحت للعاملين والطلاب المسلمين بحق الحصول على الإجازات في أعيادهم وعدم الحضور إلى المدارس أو أعمالهم للاحتفال مع أُسرهم. واصبحت مدينة هامبورغ أول مدينة ألمانية تعترف بالأعياد الإسلامية، حيث سمحت للعاملين والطلاب المسلمين بحق الحصول على الإجازات في أعيادهم وعدم الحضور إلى المدارس أو أعمالهم للاحتفال مع أُسرهم. ويأتي هذا القرار كجزء من اتفاقية بين المسؤولين في المدينة الألمانية والمسلمين المقيمين في هذه المدينة، كما سيكون هناك اتفاقيات مماثلة مع المسيحيين واليهود أيضا. وقال رئيس بلدية هامبورغ إن هذه الاتفاقية ستكون بمثابة القدوة لغيرها من المدن الألمانية، حيث إن من حق الجميع أن يمارسوا حياتهم وحريتهم ومعتقداتهم، مشيراً إلى أن أكثر من 150 ألف مسلم يقيمون في مدينة هامبورغ التي يزيد عدد سكانها على 2 مليون شخص.
موافقة على إنشاء مساجد جديدة في العاصمة الروسية
وافقت سلطات موسكو على تخصيص قطع أراض في المدينة من أجل إنشاء مساجد جديدة فيها تلبية لطلبات المسلمين في العاصمة البالغ عددهم نحو المليونين. وأعلن الشيخ راوي عين الدين رئيس مجلس المفتين الروسي ومصدر في بلدية موسكو أمس الاثنين 17 ديسمبر/كانون الاول ان سلطات العاصمة الروسية وافقت على تخصيص قطع أراض في المدينة من أجل إنشاء مساجد جديدة فيها تلبية لطلبات المسلمين في العاصمة البالغ عددهم حوالي المليونين. علما بأنه توجد حاليا في موسكو اربعة مساجد صغيرة فقط لا تتسع للراغبين الكثيرين في ارتيادها، لاسيما في ايام الجمعة والاعياد لإداء الصلاة، ولهذا يرغمون على الصلاة في الشوارع المحيطة بالمساجد مما يخلق مشاكل كثيرة لهم وللسكان المحليين وحركة النقل في الشوارع. وقد ازداد عدد المسلمين في العاصمة الروسية بعد ان تدفق عليها في السنوات الاخيرة مئات الآف الراغبين في العمل من جمهوريات آسيا الوسطى. ونقلت الصحيفة عن راوي عين الدين قوله ان "المساجد ستكون في بوتوفو، وفي ليوبلينو حيث توجد جامعة موسكو الاسلامية، وفي شارع انتوزياستوف، حيث نخطط ايضا لبناء مركز ثقافي اسلامي". وأكد مصدر في بلدية موسكو انه تقرر تخصيص قطع الاراضي في تلك المناطق. ولكن هذا القرار لا يعتبر نهائيا اذ تجب معرفة موقف الاهالي في تلك المناطق. وأشار المصدر أيضا الى انه تمت تلبية عدد فقط من طلبات بناء المساجد في المدينة والتي تقدمت بها الهيئات الاسلامية. وسيتم النظر في الطلبات الأخرى لاحقا. وكان مجلس المفتين في روسيا قد اقترح في وقت سابق ان يبنى مسجد واحد في كل منطقة ادارية في موسكو. ولكن عارض بناء المساجد اهالي منطقتي ميتينو وتكستيلشيكي من غير المسلمين الذين خرجوا الى الشارع واعلنوا رفضهم لذلك. ويعتقد حجي أحمد صفر علييف رئيس شئون القوميات في مجلس الدوما (النواب) عضو المجلس الرئاسي للعلاقات بين القوميات ان بناء المساجد الجديدة يموسكو يمكن ان يحل مشكلة الاختناقات المرورية التي تحدث في مناطق وجود المساجد الحالية في أيام الاعياد الاسلامية. أما فلاديمير بلاتونوف رئيس مجلس دوما مدينة موسكو فيرى "ان من الواجب مواصلة مناقشة هذه القضايا مع ممثلي الطوائف الاخرى ومراعاة رأي الاهالي في المناطق".
حاخام يهودي بحركة شاس المتشددة يتحول الى داعية اسلامي
إعتنق الحاخام يوسف كوهين الإسلام وتحول من داعية في الأوساط اليهودية داخل الكيان الصهيوني إلى داعية إسلامي. كوهين أميركي الأصل انتقل إلى "إسرائيل" مؤخراً، وكان عضواً بحركة شاس اليهودية المتشددة .كوهين تعرف على الإسلام عن طريق اتصاله بأحد رجال الدين الإسلامي كويتي الجنسية، عبر الإنترنت، ودام التعارف بينهما ما يقارب السنتين شرح له خلالها أمور الإسلام، بعدها أرشده إلى أحد رجال الدين الإسلامي في القدس، وعكف على قراءة القرآن الكريم باللغة الإنجليزية، بعدها قرر اجتياز كل الحدود، وأعلن إسلامه ولم يكن هو فقط بل هو وجميع أسرته.يوسف كوهين سابقاً أصبح اسمه الآن يوسف محمد خطاب، وهو يبلغ من العمر 36 عاما، قد واجه متاعب كثيرة من وزارة الداخلية التي ضيقت عليه الخناق، ورفضت الاعتراف به كمسلم، حتى حصل مؤخراً على حقوقه من مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية.أثار خطاب باعتناقه الإسلام زوبعة في المحافل الدينية اليهودية خاصة في أوساط حركة «شاس» التي كان ينتمي إليها، واعتبر أحد الإسرائيليين من نفس الحركة، أن ما قام به يوسف ضرب من الجنون ويجب معالجته، وذلك بوضع هذا الشخص في مستشفى الأمراض العقلية.خطاب قوبل إسلامه من قبل الإسرائيليين بالرفض والتساؤل والشتم والتعجب والسخرية والخوف من اعتناق إسرائيليين آخرين للدين الإسلامي، ولم يقف الأمر إلى هذا الحد بل إن والديه الذين لم يدخلا الإسلام كان لهما الأثر الأكبر في اثارة المتاعب حوله هو وأسرته من كثرة التحريضات التي تعرض لها بسببهما، إلا أن ذلك لم يثنه عن طريقه رغم الصعوبات التي واجهها هو وأسرته، وهو الآن يعمل بجمعية خيرية إسلامية في القدس.
طبع المصحف الشريف للمكفوفين في السعودية
أعلن الأمين العام لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة "محمد سالم بن شديد العوفي"، أنه ستتم طباعة المصحف للمكفوفين بطريقة "برايل" في المجمع في غضون العام الحالي 1434هـ. وأفادت وكالة الأنباء القرآنية الدولية(ايكنا) انه أعلن الأمين العام لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة "محمد سالم بن شديد العوفي"، أنه ستتم طباعة المصحف للمكفوفين بطريقة "برايل" في المجمع في غضون العام الحالي 1434هـ. وأشار العوفي إلى موافقة وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودي المشرف العام على مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف الشيخ "صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ"، على أن يتضمن التنظيم الإداري للمجمع قسما جديدا يتولى مختلف مراحل إنتاج مصحف المدينة النبوية بطريقة "برايل".
الحج من منظار الإمام الخامنئي
المعرفة هدية الحج:
أولا: مع أن خيرات الحج تستغرق جميع جوانب الحياة البشرية، وهذه الأمطار الرحيمة السخية تسبغ الخصب والحيوية و توثّب الحياة على خلوات الإنسان و أفكاره و كذلك على مساحات السياسية و المجتمع والقوة الوطنية للمسلمين و التعاون بين الشعوب المسلمة. لكن ربما أمكن القول إن «المعرفة« هي مفتاح جميع ذلك، و إن المعرفة هي الهدية الأولى التي يقدمها الحج للشخص الذي يرغب في فتح عينيه على الحقائق و الانتفاع من قدرة «فهم الظواهر« التي يمنّ الله بها على البشر. إنها المعرفة التي عادة ما لا تمنح لحشود المسلمين الهائلة إلا في الحج. و ما من ظاهرة دينية أخرى بوسعها تزويد الأمة الإسلامية دفعة واحدة بمجموعة المعارف التي يمكن اكتسابها في مراسم الحج.
ثانيا: الحج رمز الأمة الإسلامية تتزامن أيام الحج من كل عام بشوق وحنين في القلوب العاشقة و الأرواح التائقة من كل أنحاء العالم الإسلامي لكي تسجد على أعتاب الحب و التقديس بجوار بيت المعبود و ديار المحبوب، و تمرّغ جباه العبودية و التقرب في تراب ذلك المقام السامي. يقضون أياماً معلومات في ظل الذكر و المناجاة، و يسكنون في ملاذ الرحمة و المغفرة، و يلتقون إخوانهم الأبعدين من أقصى أنحاء العالم، و يستشعرون عظمة الأمة الإسلامية في نموذج حي و متجسّد. الحج رمز الأمة الإسلامية و معلِّمُ نوع السلوك الذي يجب أن تنتهجه هذه الأمة الكبيرة لتأمين سعادتها. يمكن تلخيص الحج بأنه حركة هادفة و واعية و متنوعة و جماعية باتجاه واحد. نسيج هذه الحركة هو ذكر الله و تعاطف عباد الله، و هدفها إيجاد مركز معنوي مكين لحياة إنسانية سعيدة: «جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس و الشهر الحرام و الهدي و القلائد«..
ثالثا: الخصوصية البارزة مع أن أسرار الحج و رموزه أكثر من أن يمكن ذكرها في كلمة واحدة، و لكن أية عين بصيرة بالأسرار يمكنها مشاهدة خصوصيته البارزة منذ النظرة الأولى: أولاً الحج هو الفريضة الوحيدة التي يدعو الله لأدائها جميع المسلمين - من استطاع منهم - إلى مكان واحد من كافة أنحاء العالم و من خلوات بيوتهم و معابدهم، و يربطهم في أيام معدودات بمختلف مساعيهم و حركاتهم و سكناتهم و قيامهم و قعودهم: «ثمّ أفيضوا من حيث أفاض الناس و استغفروا الله إن الله غفور رحيم«.
رابعا: التقارب الوطني و الدولي حينما يتوجّه قسم من الشعب باتجاه معين و في سفر واحد نحو هدف واحد و يعودون، فسوف يزداد تقاربهم بالتأكيد و يرتفع مستواهم المعنوي و الأخلاقي الوطني و الدولي أيضاً. فالشعوب إلى جانب قواسمها المشتركة لها فوارقها و تبايناتها التي تفصل بينها و قد تخلق دوافع عدوانية بينها. و من شأن الحج أن يؤدي إلى تقليل هذه الفوارق، و تكريس نقاط الاشتراك و الاتحاد بين مختلف الشعوب. لذلك ليس لدينا أية فريضة بهذه الأبعاد الواسعة و العظيمة.
خامسا: معالجة مشكلات المجتمعات الإسلامية نحمد الله الحكيم العزيز و نثني عليه أن مَنَّ على عباده و دعاهم للاجتماع في بيته، و أمر رسوله الكبير بالأذان للحج من على مآذن التاريخ، و جعل مساحة بيته أمناً و أماناً و طهّرها من أوثان الجاهلية و جعلها مطافاً للمؤمنين و ميعاداً للأبعدين و مظهراً للجماعة و تجلياً لشوكة الأمة و اجتماعها. بيت الله الذي جعله سدنة الكعبة و خدام المطاف و المسعى في عهد الجاهلية الأولى سوقاً لتجارتهم و دكاناً لرئاستهم و سيادتهم، جعله الله للناس مصدراً لانتفاعهم، و قرّر للقادمين إليه حقاً مساوياً لحقوق المساكين فيه على الرغم من إرادة الاحتكاريين و الحصريين، و جعل الحج رمزاً لوحدة المسلمين و عظمتهم و التناغم و التلاحم فيما بينهم و مبطلاً لسحر الكثير من الابتلاءات التي راح المسلمون أفراداً و مجتمعات يعانون منها نتيجة تخلفهم عن أصولهم و جذورهم، نظير: الميل للأجانب، و نسيان الذات، و الخضوع للحيل و الألاعيب، و الغفلة عن الله، و الوقوع في أسر أهل الدنيا، و سوء الظن بالإخوة، و الإصغاء لكلام الأعداء فيهم، و عدم الاهتمام لمصير الأمة الإسلامية، بل و عدم معرفة كلٍّ اسمه الأمة الإسلامية، و عدم الاطلاع على أحداث سائر البلاد الإسلامية، و عدم اليقظة إزاء مخططات أعداء الإسلام و المسلمين، و الكثير من الأمراض المهلكة الأخرى التي هدّدت المسلمين دوماً و على امتداد التاريخ الإسلامي نتيجة تسلّط غير المؤهلين و غير المتدينين على الحياة السياسية للمسلمين و مصيرهم، و اكتسبت في القرن الأخير شكلاً متأزماً و هداماً بفعل تواجد القوى الاستعمارية الأجنبية في المنطقة أو عملائهم الفاسدين اللاهثين وراء الدنيا.
سادسا: التواجد ذو المعنى العميق الواقع أن تواجد المسلمين في الحج يجب أن يكون تواجداً له معناه، و إلا لو كان القصد مجرد الجانب المعنوي و ذكر الله لكان بوسع الإنسان أن يقعد في بيته و يذكر الله. لذلك قيل لهم اجتمعوا في مكان واحد. اجتماعهم من أجل المنافع التي يجب أن يشهدها المسلمون في أيام الحج. بمقدور الحج أن يوجد تحولاً داخلياً في كل واحد من المسلمين و يخلق لديهم روح التوحيد و الارتباط بالله و الثقة به، و بوسعه أيضاً أن يصنع من الأعضاء المبضّعة للأمة الإسلامية جسداً واحداً كفوءاً قوياً. بوسعه أن يعرِّفهم على بعضهم و يطلعهم على كلام بعضهم و آلام بعضهم و تقدم بعضهم، و حاجات بعضهم، و يدفعهم إلى تبادل تجاربهم. يمكن القول بكل ثقة إن هذا الواجب الإسلامي إذا استثمر بشكل صحيح فسوف يبلغ بالأمة الإسلامية عزتها و قدرتها الجديرة بها بعد مدة ليست بالطويلة. للحج في جوهره و ذاته عنصران أصليان: التقرّب إلى الله في الفكر و العمل، و اجتناب الطاغوت و الشيطان بالجسم و الروح. كل أعمال الحج و تروكه إنما هي من أجل هذين الشيئين و في سبيلهما و لتأمين أدواتهما و مقدماتهما. و هذه في الحقيقة خلاصة للإسلام و لجميع الدعوات الإلهية.
الأبعاد المعنوية للحج
أولا: آداب الحج ما أغفلهم أولئك الذين يقللون من أهمية مراسم الحج و أيامه و مناسكه بانصرافهم نحو الشؤون الدنيوية. ينبغي أداء الحج بتوجّه و حضور قلب و مراعاة آدابه. ما عدا مناسك الحج و الأعمال التي تشكل الصورة الظاهرية للحج، هناك للحج آداب هي روح الحج. البعض يؤدون هذه الصورة لكنهم غافلون عن روح الحج و حقيقته. أدب الحج هو الخضوع و الذكر و التوجّه. أدب الحج هو الشعور بالوقوف أمام الله في كل اللحظات. أدب الحج هو اللجوء إلى ساحة الأمن الإلهي التي أعدها الله للمؤمنين و المتمسكين بأذيال التوسل بالذات الإلهية المقدسة. ينبغي معرفة هذه الجنة و الدخول فيها. يجب فهم الحج بهذه الطريقة. أدب الحج هو المسالمة و المداراة. العنف مع المؤمنين و الشجار مع الإخوة و الفسوق و الجدال حالات ممنوعة في الحج. أدب الحج هو الغور في حقيقة معنى الحج و الانتهال و التزود منه لكل فترات الحياة. أدب الحج هو الإخوة و تكريس المحبة و الوحدة. فرصة خلق الوحدة بين الشعوب المسلمة غير متاحة إلا في الحج. كل هؤلاء البشر جاءوا من أقصى أنحاء العالم إلى هناك حباً للكعبة، و حباً لمرقد الرسول، و حباً لذكر الله، و حباً للطواف و السعي. هذه فرصة مغتنمة للأخوة.
ثانيا: تجربة معنوية بالنسبة للإنسان كفرد فإن فرصة الحج فرصة دخول إنسان في القضاء المعنوي اللامتناهي. إنه ينتشل نفسه من ثنايا حياته العادية بكل أدرانها و إشكالاتها، و يتوجه نحو فضاءات الصفاء و المعنوية و التقرب إلى الله و الرياضة الاختيارية. منذ بداية دخولكم هذه المراسم تحرِّمون على أنفسكم الأشياء المباحة لكم في أيام حياتكم العادية. الحرام معناه تحريم الأشياء المباحة و الشائعة في الحياة الدارجة. و البعض منها من أسباب الغفلة و بعضها من عوامل الانحطاط. التطهّر من الأدران المادية و مشاهدة الله دوماً و في كل مكان و في جميع الأعمال تعد زاداً كبيراً للإنسان حتى لو استمرت مدة أيام معدودات. جميع آداب الحج و مناسكه هي من أجل أن يتوفر الحاج على هذه التجربة المعنوية و يشعر بهذه اللذة في روحه. معنوية الحج هي ذكر الله المودع كالروح في كل واحد من أعمال الحج. هذا النبع المبارك يجب أن يبقى دفاقاً حتى بعد أيام الحج، و لا بد لهذا المكسب أن يستمر.
ثالثا: التحرر من مظاهر التفاخر تنتزع منا جميع وسائل التفاخر الظاهري و المادي، و أولها الثياب. تزاح المراتب و المناصب و الرتب و الثياب و أزياء التفاخر و كل شيء و تودع كلها في ثوب واحد. لا تنظروا في المرآة لأن ذلك من تجليات الأنانية و الانبهار بالذات. لا تستخدموا العطور لأنها من أدوات التظاهر. لا تتهربوا من أشعة الشمس و هطول الأمطار و لا تنحرفوا إلى تحت السقوف – أثناء المسير – لأن ذلك من مظاهر طلب الراحة و الدعة. و كذلك باقي أعمال الإحرام، إنها تحريم للأشياء المسببة للراحة و الشهوات النفسية، فالشهوة الجنسية محرمة في هذه المدة، و أسباب التفاخر و التمييز كذلك. هذه كلها ممارسات تترك و تزول في أيام الحج.
رابعا: فرصة لبناء الذات الخطوة الأولى للحجاج هي بناء الذات. الإحرام، و الطواف، و الصلاة و المشعر، و عرفات، و منى، و التضحية، و الرمي، و الحلق، هذه كلها مظاهر خشوع الإنسان و تواضعه أمام الله و مواضع ذكره و تضرعه و تقربه إليه. ينبغي عدم المرور بهذه المناسك ذات المعاني العميقة مرور الغافلين. مسافر ديار الحج عليه أن يرى نفسه في كل هذه المراسم في حضرة الله تعالى، و يعتبر نفسه وحيداً مع المحبوب رغم أنه وسط الحشود الهائلة، فيناجيه، و يطلب منه، و يعشقه، و يطرد عن فؤاده الشيطان و الهوى، و يمحو عن نفسه صدأ الحرص و الحسد و الجبن و الشهوة. و يحمد الله على هدايته و نعمه، و يروّض القلب على الجهاد في سبيل الله، و ينمي في فؤاده العطف على المؤمنين و البراءة من المعاندين و أعداء الحق، و يكرس عزيمته على إصلاح نفسه و إصلاح الحياة من حوله، و يعاهد ربه على عمارة دنياه و آخرته. الحج فرصة كبيرة تضع هذه الحقائق و حقائق كثيرة أخرى من هذا القبيل – توفرت لشعبنا المسلم في إيران بفضل المعرفة و الهداية الإسلامية – في متناول أيدي الرأي العام العالمي و توقظه. الكثير من القلوب في العالم الإسلامي يقظة، و يجب أن تشعر أن لأفكارها أنصار في شتی أرجاء العالم الإسلامي حتى تكتسب الجرأة و الشهامة و الشجاعة اللازمة. كل هذا يحصل في ظل معنوية الحج. لا تغفلوا عن معنوية الحج و الاغتراف من المفاهيم السامية للأدعية و الزيارات و الآيات القرآنية الكريمة.
خامسا: عبادات لدفع الغفلة الحج فرصة استثنائية. جميع العبادات فرصة لاستعادة الإنسان لذاته. الإنسان يغفل عن نفسه و عن قلبه و عن حقيقته بسبب الغفلة عن الله تعالى و هو روح الوجود و حقيقته. «نسوا الله فأنساهم أنفسهم«. هذا هو داء البشرية الكبير اليوم. الإنسان يغفل عن نفسه بغفلته عن الله تعالى. حاجيات الإنسان و حقيقته و الهدف من خلقته تُنسى تماماً تحت عجلات الأجهزة المادية. ما ينبّه الإنسان لنفسه و لحقيقته و لحاجاته و لقلبه في ظل التنبه إلى الله هو الدعاء و العبادة و التضرع. و الحج من هذه الناحية هو خير العبادات، إذ من حيث الزمان، و من حيث المكان، و من حيث توالي الحركات التي يقوم بها الحاج و الناسك أثناء الحج، تعد هذه الفريضة عبادة استثنائية. من هنا كانت مدينة مكّة و مراسم الحج وسيلة لأمن الإنسان. الإنسان بخضوعه، و توجهه، و تضرعه، و غرقه في ذكر الله أثناء تلك المراسم العجيبة العظيمة يشعر قلبه بالأمن. هذه أكبر حاجة من حاجيات الإنسان. الجحيم الذي خلقته القوى المادية و المحفزات المادية حول الإنسان، يستطيع الإنسان بلجوئه إلى الحج تحويله إلى برد و سلام جنائني في ذلك المكان و الزمان . نعم، الحج عبادة و ذكر و دعاء و استغفار، لكنها عبادة و ذكر و استغفار باتجاه إيجاد الحياة الطيبة للأمة الإسلامية و إنقاذها من أغلال الاستعباد و الاستبداد و آلهة المال و العسف، و بث لروح العزة و العظمة في الأمة الإسلامية، و إزاحة للكسل و الملل عنها. هذا هو الحج الذي يعد من أركان الدين، و الذي يعتبره الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في نهج البلاغة علم الإسلام و جهاد كل عاجز عن الجهاد و مزيل الفقر و الفاقة و مبعث اقتراب أهل الدين من بعضهم.
سادسا: الحج الإبراهيمي الحج الإبراهيمي هو الذي يسير فيه المسلمون من التفرق إلى الاجتماع. فهم يطوفون حول الكعبة التي تعد صرحاً لذكرى التوحيد و رمزاً للبراءة و النفور من الشرك و عبادة الأوثان عارفين معناها الرمزي و منتقلين من ظاهر المناسك إلى باطنها و روحها... و التزود فيها لحياتهم و حياة الأمة الإسلامية. الحج الإبراهيمي هو الحج المحمدي الذي تعد فيه الحركة نحو التوحيد و الاتحاد روح جميع المراسم و الشعائر و عنوانها. حج يبعث على البركة و الهداية و يقوم مقام العمود الرئيسي في حياة الأمة الواحدة و قيامها.. حج زاخر بالمنافع و ذكر الله.. حج تلمس فيه الشعوب المسلمة وجود الأمة المحمدية الشاملة و تواجدها في هذه الأمة، و تتحرر بفضل شعورها بالإخوة و التقارب بين الشعوب من شعورها بالضعف و العجز و انهزام الذات. الحج الإبراهيمي هو ذلك الذي يسير فيه المسلمون من التفرقة إلى الاجتماع.
سابعا: سفر بالجسم و الروح ليس الحج سفرة ترفيهية إنما هو سفرة معنوية. إنه سفر إلى الله بالجسم و الروح كلاهما. السفر إلى الله ليس سفراً جسمانياً بالنسبة لأهل السلوك، إنه سفر قلبي و روحي. إنه سفر إلى الله بالجسم و الروح كلاهما بالنسبة لنا نحن الناس. فهل يصح أن نأخذ الجسم إلى هناك و لا نأخذ القلب. أو قد يتحول الحج و نتيجة تكرر هذه النعمة – حيث يوفق البعض لأداء هذه الفريضة و زيارة و رؤية بيت الله بشكل متكرر – يتحول تدريجياً لا سمح الله إلى شيء قليل الأهمية و غير مؤثر، و لا يعودون قادرين على إشعال تلك الثورة في داخلهم .. هذا شيء سلبي. للحج في جوهره و ذاته عنصران رئيسيان: التقرب إلى الله في الفكر و العمل، و اجتناب الطاغوت و الشيطان بالجسم و الروح. جميع أعمال الحج و تروكه إنما هي لأجل هذين العنصرين و باتجاههما و لتأمين الوسائل و المقدمات اللازمة لهما. و هذه في الحقيقة خلاصة للإسلام و لجميع الدعوات الإلهية.
الأهداف العامة للحج
أولا: دراسة القضايا المهمة في العالم الإسلامي الموضوع المهم الذي يتعين على حجاج بيت الله الخوض فيه كجزء من أهداف الحج هو القضايا الجارية و المهمة للعالم الإسلامي. إذا كان الحج مؤتمراً سنوياً عظيماً للمسلمين من كل أصقاع الأرض، فلا شك أن المهمة الأكثر فورية لهذا المؤتمر هي قضايا الساعة التي يعيشها المسلمون في أية نقطة من العالم. تطرح هذه القضايا في الدعاية الاستكبارية بحيث لا تعود منها على مسلمي العالم أية دروس أو تجارب أو أمل، و إذا كان للنوايا السيئة و الأعمال السيئة للاستكبار تأثير في تلك الحادثة، فإن دعايتهم لن تفضح مجرماً و لن تكشف حقيقة، أو أن القضية لا تطرح على العموم. الحج مناسبة يجب أن تطرح فيها هذه الخيانة الدعائية و تفضح، و ينبغي للحقيقة أن تتجلى هناك، و تتوفر الأرضية لتوعية عموم المسلمين. أية روح ضامئة تغترف هذه الجرعات من فيوض الكوثر المحمدي و تدفق الزمزم الحسيني و تنقی مع ذلك في شك و غموض من المضمون السياسي للحج؟ الحج من دون البراءة و من دون الوحدة و من دون التحرك و القيام و الحج الذي لا ينبعث منه تهديد للكفر والشرك ليس بحج، و يفتقر لروح الحج و معناه.
ثانيا: وحدة المسلمين و خوف الاستكبار من أكبر أهداف الحج إلى بيت الله هو تقريب المسلمين من بعضهم. حين يقول الله عزّ و جلّ: «و أذِّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً و على كلِّ ضامِرٍ يأتين من كل فجّ عميق«. و يجمع كل مسلمي العالم في أيام معلومات و في أماكن محددة مثل عرفات و المشعر و منى و المسجد الحرام، فلماذا يخاف أولئك من تعارف المسلمين إلى هذه الدرجة؟! القضية هي أن الوحدة الإسلامية و وحدة النظرة و وحدة كلمة المسلمين أمر خطير على الاستكبار و على رأسه أمريكا الغدارة و أذنابها في مؤسسات الهيمنة في العالم. هذه حقيقة ذكرها الإمام الخميني (رض) مراراً.
ثالثا: رسالة التوحيد و الوحدة الحج من أجل التقريب بين المسلمين في العالم و إيصال أصواتهم إلى بعضهم. الرابطة التي تربط كل هذه القلوب ببعضها هي الرسالة التي ارتفع هتافها لأول مرة من هذه الأرض و جابت طول العالم و التاريخ و عرضهما.. رسالة التوحيد و الوحدة. توحيد الله و وحدة الأمة. التوحيد هو رفض ألوهية الطواغيت و المستكبرين و أرباب المال و القوة. و الوحدة مظهر عزة المسلمين و اقتدارهم. الحج يعيد صياغة هذه الرسالة الخالدة كل عام في اجتماعه الهائل و بأفضل من أية كتابة أو أقوال، و يبعثها إلى العالم بأسره. أي مسلم في أي صقع من العالم الإسلامي عليه أن يعيد معرفة هذه الحقيقة في موسم الحج و هي أن الازدهار و الشموخ و الظفر الشامل للبلدان الإسلامية إنما يتحقق في ظل هذين الأمرين: التوحيد بكل أبعاده الفردية و الاجتماعية و السياسية، و الوحدة بمفهومها الصحيح الممكن التحقيق في عالم اليوم.
أهداف الحج الشاملة :
من الذكر و الحضور المعنوي و استعادة الإنسان المسلم لذاته في اختلائه بالخالق و تطهير فؤاده من أدران الذنوب و المعصية و إلى شعور الفرد بوجوده في الجماعة و شعوره بالتحامه مع كل الأمة الإسلامية و شعوره بالاقتدار الناجم عن عظمة جماعة المسلمين، و جهود كل فرد للشفاء من الجراح و الأمراض المعنوية أي المعاصي، و إلى التحري و السعي لمعرفة و معالجة الأوجاع و الجراح العميقة في جسد الأمة و التعاطف مع الشعوب المسلمة، أي سائر أعضاء هذا الجسد العظيم، كلها كنوز مودعة في الحج و في إطار أعماله ومناسكه المتنوعة.
أولا : البعد عن الهدف ينبغي الاعتراف بمرارة أن الشكل الحالي لأداء هذه الفريضة الإلهية يختلف اختلافاً كبيراً عن شكلها المنشود. لقد بذل الإمام الخميني جهوداً مؤثرة بهذا الاتجاه، و وضع أمام أعين الأمة الإسلامية صورةً ساطعةً للحج الإبراهيمي الباعث على العظمة و العزة و البناء و التحول، و قد أثمرت تلك الجهود لحد الآن خيرات جمة للعالم الإسلامي. و لكن مع كل هذا الاتساع، تحتاج هذه الأفكار و هذا المنهج لانتشاره بين كل الشعوب المسلمة إلى جهاد مخلص من قبل علماء الدين، و بصيرة و مساعدة الحكام في كل البلدان الإسلامية عسى أن يتنبهوا لهذه الوظيفة الأساسية و يعملوا بها.
ثانياً: الحج عامل وحدة - عظمة الشعور بالوحدة الحج مظهر وحدة المسلمين و اتحادهم. أن يدعو الله تعالى جميع المسلمين و كل من استطاع منهم للقدوم إلى منطقة معينة و في زمن معين، و يجمعهم طوال أيام و ليالٍ إلى جانب بعضهم في أعمال و حركات ترمز للتعايش و النظام و الانسجام، فإن أول الآثار الجلية لذلك هو بثّ الشعور بالوحدة و الجماعة في كل واحد منهم و تعريفهم بعظمة اجتماع المسلمين و شوكته، و إرواء ذهن كل واحد منهم من الشعور بالعظمة. بمثل هذا الشعور بالعظمة لو عاش المسلم وحيداً في صدع جبل لم يشعر بالوحدة. بفضل الشعور بهذه الحقيقة يكتسب المسلمون في كل البلدان الإسلامية شجاعة مواجهة معسكر معاداة الإسلام أي الهيمنة السياسية و الاقتصادية للعالم الرأسمالي و عملائه و أذنابه و أحابيلهم و فتنهم، و لن ينفع معهم سحر الإذلال و هو السلاح الأول الذي يستخدمه المستعمرون الغربيون ضد الشعوب التي يهاجمونها. بفضل هذا الشعور بالعظمة تعتمد الحكومات المسلمة على شعوبها و تشعر نفسها غنية عن الاعتماد على القوى الأجنبية، و لا تظهر هذه الفواصل الكارثية بين الشعوب المسلمة و أجهزتها الحاكمة. بفعل هذا الشعور بالوحدة و الجماعة سوف تعجز حيل الاستعمار بالأمس و اليوم – أقصد إحياء المشاعر الوطنية المتطرفة – عن خلق هذه الفواصل الواسعة العميقة بين الشعوب المسلمة، و سوف تتحول القوميات العربية و الفارسية و التركية و الأفريقية و الآسيوية و بدل أن تكون منافسةً و معارضة لهويتها الإسلامية الواحدة، إلى جزء من هذه الهوية و دليلاً على سعة هذه الهوية و عظمتها. و بدل أن تتحول كل قومية إلى وسيلة و ذريعة لإلغاء القوميات الأخرى و إذلالها ستكون أداةً لنقل السمات التاريخية و العرقية و الجغرافية الإيجابية لديها إلى القوميات الإسلامية الأخرى.
ثالثاً: معنى هذا التجمع العظيم رغم وجود عبادات اجتماعية في الإسلام مثل صلاة الجماعة و صلاة الجمعة و صلاة العيد، إلا أن هذا الاجتماع العظيم [الحج] و هذه المركزية التي تُضفى على ذكر الله و توحيده، و دعوة كل المسلمين من آفاق العالم الإسلامي إلى منطقة واحدة له معان كثيرة. أن تكون الأمة الإسلامية كلها رغم اختلاف لهجاتها و أعراقها و عاداتها و تراثها و تقاليدها و أذوقها و مذاهبها مكلفةً بالاجتماع في مكان واحد و أداء أعمال خاصة لا تخرج عن إطار العبادة و التضرع و الذكر و التوجه إلى الله فلهذا معناه الكبير. يتجلى من ذلك أنه طبقاً لنظر الإسلام و بحسب الرؤية الإسلامية أن اتحاد القلوب و الأرواح ليس في ميدان السياسة و الجهاد فقط، بل حتى التوجه إلى باب بيت الله و تجاور القلوب و الأجسام و الأرواح أمور لها أهميتها. لذلك يقول عزّ و جلّ في القرآن الكريم: «و اعتصموا بحبل الله جميعاً«. الاعتصام المتفرق بحبل الله لا فائدة من ورائه. «جميعاً« هي المهمة. اعتصموا بحبل الله سويةً و تمسكوا سويةً بالتعاليم و التربية و الهداية الإلهية. الاجتماع هو المهم. القلوب سويةً و الأرواح معاً و الأفكار إلى جانب بعضها و الأجسام بجوار بعضها.. الطواف الذي تؤدونه – هذه الحركة الدائرية حول نقطة معينة – رمز لحركة المسلمين حول محور التوحيد. جميع أعمالنا و خطواتنا و هممنا يجب أن تدور حول محور توحيد الله و التوجه للذات الربوبية المقدسة. إنه درس للحياة كلها.
رابعاً: استغلال أداة الوحدة يا له من جفاء أن يستخدم شخص أداة الوحدة هذه لبث الخلاف و الصدع. هذا خطاب للجميع، و ليس فقط لذلك التفكيري السلفي المتعصب الذي يقف في المدينة و يسبُّ مقدسات الشيعة، بل هو خطاب للجميع. على مسؤولي الحج – مسؤولي قوافل الحجاج و رجال الدين فيها – أن يحذروا من أن يصنعوا من أداة الوحدة هذه وسيلة للتفرقة، و يملأوا القلوب بالبغضاء و الحقد ضد بعضها. ما الشيء الذي يملأ قلب الشيعي بالضغينة ضد أخيه المسلم غير الشيعي، و يملأ قلب السني بالبغض لأخيه المسلم الشيعي.. انظروا ما هي هذه الأشياء.. ينبغي معرفتها و نبذها، و يجب عدم تصيير الحج وسيلة لخلق البغضاء و الفواصل و هو وسيلة للوئام و الوحدة و توحيد القلوب و النوايا و العزائم في العالم الإسلامي. معرفة هذه القضية و مصاديقها أمر يتطلب درجة عالية من الدقة و الوعي.
خامساً : عرقلة مسيرة الوحدة الذين يعملون أثناء مراسم الحج على بث الخلافات و إشعال الفتن، و إشاعة أفكارهم الوهمية الخرافية المتحجرة، هم أصابع الاستكبار – علموا بذلك أم لم يعلموا – التي تنسف هذا الرصيد و تقضي عليه. الذين لا يسمحون لشوكة هذه الوحدة و عزتها و عظمتها بالتجلّي و الظهور في أعين الأمة الإسلامية الكبرى هم من جملة من ينسفون هذا الرصيد و يهددونه. الذين لا يسمحون لوحدة و عظمة الأمة الإسلامية بالظهور و الانعكاس في العالم الإسلامي، و ذلك طبعاً في سبيل الله – و ليس من باب التفاخر، و العظمة هنا ليست عظمة الاستعمار و إذلال الآخرين، و ليست بمعنى إشعال الحروب ضد ضعفاء العالم، بل العظمة باتجاه القيم الإلهية و في سبيل التوحيد – إنما يظلمون الإنسانية. العالم الإسلامي اليوم يتلقّى الضربات نتيجة تجاهل هذا الرصيد الإلهي العظيم.
سادساً: التفرقة الاستعمارية من الأهداف الأساسية للاستكبار و أمريكا في العالم الإسلامي زرع الخلافات و تأجيجها بين المسلمين. و أفضل طريق لذلك هو بث النـزاعات بين الشيعة و السنة. تلاحظون ما الذي يقوله تلامذة الاستعمار في العالم بمناسبة قضايا العراق.. أية سموم يرشونها و ينشرونها و أية بذور نفاق ينثرونها حسب ظنهم. منذ سنوات طويلة و أيدي الاستعمار و أيدي القوى الغربية الجشعة تمارس هذا الدور. ثمة في الحج فرصة مواتية لهم لإغضاب الشيعي من السني و السني من الشيعي؛ يحضّون هذا على إهانة مقدسات ذاك، و يدفعون ذاك لإهانة مقدسات هذا. ينبغي التحلي باليقظة، و هذه حالة لا تختص بالحج. يجب التحلي باليقظة طوال الوقت و في جميع الميادين و الأصعدة. الحرب بين الشيعة و السنة هي الأمل الحقيقي لأمريكا. بعد مضي قرون طويلة يجلس الشيعة و السنة في وجه بعضهم – كالذين يتجابهون في الحرب – و يتحدثون ضد بعضهم بقلوب ملؤها الضغينة .. هذا يسبّ ذاك، و ذاك يسبّ هذا. ليس مستبعداً أبداً خصوصاً في هذا الظرف الحساس جداً أن يستأجروا في مراسم الحج أشخاصاً من أجل العمل على خلق هذه الخلافات.. على الناس الحذر و اليقظة، و على رجال الدين المحترمين في قوافل الحج الشعور بتمام المسؤولية حيال هذه القضية و أن يتفطنوا و يعلموا ما الذي يريده الأعداء. إنها لغفلة كبيرة أن يتصور الإنسان أنه يدافع عن الحقيقة و الحال أنه يدافع عن خطط الأعداء و يعمل لصالحهم. البعض يتقاضون المال و يصبحون مرتزقة و يفعلون ذلك. و قد يستفزون بعض العوام السطحيين المتعصبين أيضاً ضد معتقدات و مقدسات غيرهم من المسلمين. و إذا واجه هؤلاء ممارسات مماثلة من الطرف المقابل يكون الأعداء قد بلغوا أهدافهم دون شك. هذا ما يريده الأعداء.. يريدون لنا أن نشتبك لتطمئن قلوبهم و ترتاح خواطرهم.
سابعاً : البراءة من المشركين - الركن الأساسي في الحج في هذا الميدان العظيم [الحج]، كما أن ذكر الله:«فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً« و أعلان البراءة من المشركين: «و أذان من الله و رسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله برئ من المشركين و رسوله« يعدان ركنين للحج، كذلك لا بد أن يرتفع التحسس من أية حركة تفصل بين الإخوة – أي مكوِّنات هذه الأمة الواحدة – و تفشي العداوة بينهم إلى أعلى الدرجات. حتى أن القيل و القال بين الأخوين المسلمين و الذي لا يبدو شيئاً مهماً في الحياة العادية، يُمنع في الحج و يُحرَّم. «فلا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج«. نعم، الساحة التي تلزم فيها البراءة من المشركين – أي الأعداء الأساسيين للأمة التوحيدية الواحدة – يُحرّم فيها الجدال مع الإخوة المسلمين – أي المكوِّنات الأساسية للأمة التوحيدية الواحدة – و هكذا تكتسب رسالة الوحدة و الجماعة صراحة أكبر في الحج. الواقع أن الحج من أفضل التدابير التي يتخذها الإسلام لإزالة الغفلة. عالمية هذه المراسم تبعث رسالة فحواها أن الأمة الإسلامية في هويتها الجماعية أيضاً مكلّفة بمحو الغفلة عن نفسها.
ثامناً : فرصة التنوير ينبغي عدم تفويت فرصة الحج للتنوير في هذه المجالات و إعلان البراءة من الاستكبار و من أمريكا. على العالم الإسلامي أن يعلم ما هي القضايا التي يواجهها. يجب أن تتحول هذه إلى وسيلة نشاط و حركية في العالم الإسلامي. يشيعون في إعلامهم أنه لم يعد هناك، فائدة فقد تسلّط الاستكبار و لا يمكن فعل شيء. ليس هذا هو واقع القضية. واقع القضية هو أن الأمة الإسلامية كائن حي قدير. إذا أراد و صمّم و بادر فلن تستطيع القوة الأمريكية و لا أقوى من القوة الأمريكية أن تفعل أي شيء. لتُظهر الشعوب بأي شكل من الأشكال استطاعت انشدادها إلى مصالح العالم الإسلامي، و عليها التشديد على الوحدة فيما بينها و إعلان البراءة من أعداء العالم الإسلامي. هذا هو أقل ما يمكن فعله و توقعه في الحج الذي يريده الإسلام.
تاسعاً: الروح السائدة على الحج إننا لم نأت بالبراءة من الخارج لندخلها في الحج. إنها جزء من الحج و روح الحج و المعنى الحقيقي لاجتماع الحج العظيم. البعض يحبون أن يقولوا دوماً في الصحافة و في تصريحاتهم و في همزهم و لمزهم في أطراف العالم: «لقد سيّستم الحج«.. ما معنى هذا؟ إذا كان القصد أننا أدخلنا مفهوماً سياسياً إلى الحج فيجب القول لهم إن الحج لم يكن أبداً خلواً من المفهوم السياسي. البراءة من المشركين و إبداء النفور من الأصنام و صنّاع الأصنام هو الروح السائدة على حج المؤمنين. كل موضع من الحج دليل على التوق إلى الله و السعي و الجد في سبيله و البراءة من الشيطان و رميه و طرده و الاصطفاف بوجهه و ضده. و كل موطن من مواطن الحج مظهر للاتحاد و الانسجام بين أهل القبلة و انهيار التباينات الطبيعية و الاعتبارية، و تجلي الوحدة و الإخوة الحقيقية و الإيمانية بينهم. الحج إنما هو إعادة قراءة لهذه الدروس الكبرى و إتقانها.
عاشرا : إلغاء البراءة ليس من المقبول بالنسبة لي أن تحول الدولة الملتزمة بخدمة زوار بيت الله دون إقامة مراسم هي مبعث اتحاد بين المسلمين و مبعث عزة للشعوب الإسلامية وعلامة نفور من المستكبرين و أعداء العالم الإسلامي. لصالح أي طرف في الاصطفافات الحالية في العالم هذا الشيء؟ هل دعم الشعوب المسلمة المظلومة جريمة؟ و هل فضح المخططات الأمريكية و مخططات سائر المستكبرين ضد الإسلام و المسلمين شيء بخلاف الواجب؟ أليست دعوة المسلمين للاتحاد و إبداء النفور من عوامل التفرقة أمراً قرآنياً صريحاً؟ الذي يستفيد من تعطيل مثل هذه الواجبات المهمة هو أمريكا والصهيونية. هتاف البراءة الذي يرفعه المسلمون في الحج اليوم هو هتاف البراءة من الاستكبار وعملائه الذين يتنفذون في البلدان الإسلامية باقتدار للأسف، و يفرضون على المجتمعات الإسلامية ثقافة و سياسة و نظام حياة طابعه الشرك، و يهدمون أركان التوحيد العملي في حياة المسلمين، و يدفعونهم إلى عبادة ما سوى الله، و توحيدهم هو مجرد لقلقة لسان و أسم للتوحيد فقط حيث لم يبق أي أثر لمعنى التوحيد في حياتهم.