
Super User
سلاح البحر الايراني: مستعدون لتزويد الدول الصديقة بقطع حربية
أكد مساعد شؤون العمليات لقيادة القوات البحرية بالجيش الايراني الادميرال سيد محمود موسوي، استعداد الجمهورية الإسلامية في ايران لتزويد الدول الصديقة بالقطع القتالية الحربية.
وأشار موسوي الى إزاحة الستار عن احدث انجازات الجيش الايراني خلال اليوم الوطني لسلاح البحر الايراني، واصفاً تلك الانجازات بأنها مجرد جزء صغير من جهود المتخصصين المحليين لرفع قدرات القوة البحرية في الجمهورية الاسلامية في ايران.
واشار المسؤول العسكري الايراني الى دخول غواصتين من طراز غدير الى الخدمة مؤخراً، معتبراً هذا الانجاز بانه خير دليل على بذل اهمية بالغة للرقي بقدرات القوة البحرية خاصة فيما يتعلق بالغواصات.
ولدى تطرقه الى تواجد مدمرة جماران في المياه الدولية الحرة وتدشين مدمرة سهند، أكد مساعد شؤون العمليات لقيادة القوات البحرية في الجيش الايراني أن هذا التواجد المقتدر للقوة البحرية الايرانية مؤشر على الاقتدار الذاتي في مجال تصميم وصناعة القطع البحرية القتالية والسطحية في البلاد.
وشدد موسوي على أن الجمهورية الاسلامية في ايران مستعدة لتزويد الدول الصديقة ودول المنطقة بعوامات قتالية في حال تلقيها طلبات من تلك الدول.
مرسي يدعو المصريين للتصويت على الدستور 15 ديسمبر الجاري
اعلن الرئيس المصري محمد مرسي مساء السبت عقب تسلم مشروع الدستور الجديد من الجمعية التاسيسية، ان مشروع الدستور هذا سيطرح على الشعب في استفتاء في 15 كانون الاول/ ديسمبر الجاري. في الوقت الذي تشهد فيه البلاد حالة استقطاب واسعة بين القوى المدنية واليبرالية المحتشدة في ميدان التحرير وبين انصاره من التيار الاسلامي الذين نظموا تظاهرة حاشدة امام جامعة القاهرة.
وقال مرسي في خطاب امام اعضاء الجمعية التاسيسية وعدد من الوزراء والشخصيات العامة "بعد تسلمي لمشروع الدستور منكم، من رئيس الجمعية، وحرصا مني على بناء مؤسسات الوطن دون تراجع او تباطوء اصدر قراري اليوم لدعوة جموع الشعب المصري الى الاستفتاء على مشروع الدستور هذا وذلك يوم السبت الموافق 15 ديستمر 2012".
واضاف مرسي "ادعو جميع المواطنين للنظر بدقة وتمعن وموضوعية في مشروع الدستور لنختار بضميرنا ما يصلح بلادنا ويحقق امالنا في الحرية والعدالة الاجتماعية الحقيقية والاستقرار" معتبرا انه "ايا كان موقف الشعب المصري من الاستفتاء قبولا او رفضا فهو لبنة جديدة في ممارستنا الديمقراطية".
من جانبه، قال ياسر علي المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أن حوار الرئاسة مع "جميع القوى السياسية واطياف المجتمع المصري متواصل ومستمر من أجل الوصول إلى صيغة مناسبة". و"الخروج من المشهد الراهن، وتحقيق الاستقرار الدستوري والتشريعي الذي يتمناه جميع ابناء الوطن" حسبما نقلت وكالة انباء الشرق الاوسط الرسمية.
واضاف علي "ان الرئاسة تحترم كافة الاراء، وأن حرية الرأي والتعبير مكفولة للجميع".
واستجابة لدعوة جماعة الاخوان المسلمين والاحزاب السلفية المتحالفة معها نظمت تظاهرات حاشدة بعد ظهر السبت امام جامعة القاهرة اطلقت عليها "مليونية الشرعية والشريعة".
وبعد اعلان موعد الاستفتاء ارتفعت انصار التيار الاسلامي بهتافات التاييد لمرسي والدستور كما اذيعت بصوت عالي اغنية النصر المصرية الشهيرة "الله اكبر.. بسم الله بسم الله" في منطقة التظاهرة امام جامعة القاهرة حيث اقيمت منصة كبيرة اعتلاها متحدثون اطقلوا بمكبرات صوت شعارات مؤيدة لمرسي ومناهضة لمعارضية خصوصا مؤسس حزب الدستور محمد البرادعي ومؤسس حركة التيار الشعبي حمدين صباحي.
ورفعت امام جامعة القاهرة لافتتان كبيرتان كتب عليهما "الشعب يريد تطبيق شرع الله" و"الشعب يؤيد قرارات الرئيس" وسط هتافات منها "الشعب قال قراره والشريعة اختياره" و"الشعب يريد تطهير الاعلام" و"يلا يا مرسي اضرب تاني .. لسه الزند ولسة تهاني" في اشارة الى رئيس نادي قضاة مصر احمد الزند والقاضية في المحكمة الدستورية العليا تهاني الجبالي اللذين يعتبرهما الاسلاميون خصمين رئيسيين لهم.
كما هتفوا "البرادعي وحمدين ..اعداء الثورة ليوم الدين".
واتخذت قوات الشرطة اجراءات امنية لتأمين التظاهرة ومنع اي اشتباكات محتملة بين المتظاهرين، وفق المصدر نفسه.
وشارك الالاف كذلك في تظاهرة تأييد لمرسي في الاسكندرية ورفعوا شعارات مماثلة، كما اعلن حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الاخوان خروج تظاهرة دعم للرئيس المصري في مدينة اسيوط بصعيد مصر.
وقال مصدر طبي ان متظاهرا قتل واصيب 24 اخرون جراء سقوط شجرة عليهم امام جامعة القاهرة.
من جهة اخرى يواصل مئات المعارضين الاعتصام في ميدان التحرير غداة تظاهرات كبيرة طالبت بالغاء الاعلان الدستوري الذي اصدره مرسي في 22 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري وحصن بموجبه قراراته من اي رقابة قضائية كما حصن الجمعية التأسيسية ومجلس الشوري من اي حكم قضائي محتمل بحلهما.
واصدرت جبهة الانقاذ الوطني التي شكلت بعد صدور الاعلان الدستوري وتضم معظم احزاب وحركات المعارضة بيانا قالت فيه "بطلان مشروع الدستور وتحميل رئيس الجمهورية المسؤولية الكاملة عن الأزمة الخطيرة التي تمر بها البلاد والتي تصاعدت مع انتهاء الجمعية التأسيسية من وضع الدستور".
واعتبر البيان ان طرح مشروع الدستور للاستفتاء الشعبي "يعرض البلاد لحالة من الشلل التام ويضرب شرعيته فى مقتل".
وهددت الجبهة بتنظيم مسيرات الى قصر الرئاسة للضغط من اجل تنفيذ مطالبيها.
واثار الاعلان الدستوري احتجاجات واسعة لكنه اثار كذلك ازمة كبيرة بين الرئيس المصري والقضاء بكل هيئاته الذي اعتبر الاعلان الدستوري "اعتداء غير مسبوق على السلطة القضائية".
جامع عقبة بن نافع – مدینه العقبه ؛ تونس
صورة أخرى لصحن المسجد
جامع عقبة بن نافع أو جامع القيروان الكبير هو مسجد بناه عقبة بن نافع في مدينة القيروان التي أسسها بعد فتح إفريقية (تونس حاليًا) على يد جيشه. كان الجامع حين إنشائه على أغلب الظن بسيطاً صغير المساحة تستند أسقفه على الأعمدة مباشرة، دون عقود تصل بين الأعمدة والسقف.
جانب من الصحن و واجهة بيت الصلاة
حرص الذين جددوا بناءه فيما بعد على هيئته العامة، وقبلته ومحرابه، وقد تمت زيادة مساحته كثيرا ولقي اهتمام الأمراء والخلفاء والعلماء في شتى مراحل التاريخ الإسلامي، حتى أصبح معلماً تاريخياً بارزاً ومهما. و بناء الجامع في شكله وحجمه وطرازه المعماري الذي نراه اليوم يعود أساسا إلى عهد الدولة الأغلبية في القرن الثالث هجري أي التاسع ميلادي وقد تواصلت الزيادات والتحسينات خصوصا في ظل الحكم الصنهاجي ثم في بداية العهد الحفصي.
و يعتبر المسجد الجامع بالقيروان من أضخم المساجد في الغرب الإسلامي وتبلغ مساحته الجملية ما يناهز 9700 متر مربع ومقياسه كالتالي ما يقارب 126 متر طولا و 77 متر عرضا وبيت الصلاة فيه واسع ومساحته كبيرة يستند إلى مآت الأعمدة الرخامية هذا إلى جانب صحن فسيح الأرجاء تحيط به الأروقة ومع ضخامة مساحته فجامع القيروان الكبير أو جامع عقبة بن نافع يعد أيضا تحفة معمارية وأحد أروع المعالم الإسلامية.
جامع القيروان يحتوي على كنوز قيمة فالمنبر يعتبر تحفة فنية رائعة وهو مصنوع من خشب الساج المنقوش ويعتبر أقدم منبر في العالم الإسلامي ما زال محتفظا به في مكانه الأصلي ويعود إلى القرن الثالث للهجرة أي التاسع ميلادي. كذلك مقصورة المسجد النفيسة التي تعود إلى القرن الخامس هجري أي الحادي عشر ميلادي وهي أيضا أقدم مقصورة ما زالت محتفظة بعناصرها الزخرفية الأصلية.
المسجد اليوم لا يزال يحتفظ بمقاييسه الأولى التي كان عليها أيام إبراهيم بن أحمد الاغلبي، يبلغ طوله 126 متراً وعرضه 77 مترا. وطول بيت الصلاة فيه 70 مترا وعرضه حوالي 38 مترا وصحنه المكشوف طوله 67 وعرضه 56 مترا. ولهذا الصحن مجنبات عرض كل منها نحو ستة أمتار وربع المتر.
الشكل الخارجي للجامع يوحي للناظر أنه حصن ضخم إذ أن جدران المسجد سميكة ومرتفعة وشدت بدعامات واضحة.
أول من جدد بناء الجامع بعد عقبة هو حسان بن النعمان الغساني الذي هدمه كله وأبقى المحراب وأعاد بناءه بعد أن وسعه وقوى بنيانه وكان ذلك في عام 80 هـ.
في عام 105 هـ قام الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بالطلب من واليه على القيروان بشر بن صفران أن يزيد في بناء المسجد ويوسعه، فقام بشر بشراء أرض شمالي المسجد وضمها إليه، وأضاف لصحن المسجد مكانا للوضوء وبنى مئذنة للمسجد في منتصف جداره الشمالي عند بئر تسمى بئر الجنان. وبعدها بخمسين عاما (155 هـ) قام يزيد بن حاتم والي أبي جعفر المنصور على أفريقية بإصلاح وترميم وزخرفة المسجد.
في عام 221 هـ قام ثاني أمراء الأغلبيين زيادة الله بن الأغلب بهدم أجزاء من الجامع لتوسعته كما قام برفع سقفه وبنى قبة مزخرفة بلوحات رخامية على اسطوانة المحراب. أراد زيادة الله أن يهدم المحراب إلا أن فقهاء القيروان عارضوه وقالوا له: «إن من تقدمك توقفوا عن ذلك لما كان واضعه عقبة بن نافع ومن كان معه». قال بعض المعماريين: «أنا أدخله بين حائطين فيبقى دون أن يظهر في الجامع أثر لغيرك»، فأخذ بهذا الرأي وأمر ببناء محراب جديد بالرخام الأبيض المخرم الذي يطل منه الناظر على محراب عقبة الأساسي.
في عام 248 هـ قام أحمد بن محمد الأغلبي بتزيين المنبر وجدار المحراب بلوحات رخامية وقرميد خزفي. وفي عام 261 هـ قام أحمد الأغلبي بتوسعة الجامع وبنى قبة باب البهو وأقام مجنبات تدور حول الصحن. في هذه المرحلة يعتقد أن الجامع قد وصل إلى أقصى درجات جماله.
في عام 441 هـ قام المعز بن باديس بترميم المسجد وتجديد بنائه وأقام له مقصورة خشبية لا تزال موجودة إلى يومنا هذا بجانب محراب المسجد. قام الحفصيون بتجديد المسجد مرة أخرى بعد الغزوة الهلالية.
تعتبر مئذنة جامع عقبة من أجمل المآذن التي بناها المسلمون في أفريقيا. وتعد جميع المآذن التي بنيت بعدها في بلاد المغرب العربي على شاكلتها ولا تختلف عنها إلا قليلا، ومن المآذن التي تشبهها مئذنة جامع صفاقس، ومآذن جوامع تلمسان وأغادير والرباط وجامع القرويين، هذا غير بعض مآذن مساجد الشرق كمئذنة مسجد الجيوشي في مصر.
تتكون المئذنة من ثلاث طبقات كلها مربعة الشكل، والطبقة الثانية أصغر من الأولى، والثالثة أصغر من الثانية، وفوق الطبقات الثلاث قبة مفصصة. يصل ارتفاع المئذنة الكلية إلى 31.5 متراً.
تقع المئذنة في الحائط المواجه لجدار القبلة في أقصى الصحن المكشوف، وضلع طبقتها الأولى المربعة من أسفل يزيد على 10.5 متر مع ارتفاع يضاهي 19 مترا، وتم بناء الأمتار الثلاثة والنصف الأولى منه بقطع حجرية مصقولة، بينما شيد بقية جسم المئذنة بقطع حجرية مستطيلة الشكل كقوالب الأجر.
الطابق الثاني من المئذنة مزين بطاقات ثلاث مغلقة ومعقودة في كل وجه من أوجه المنارة، في حين زين كل وجه من أوجه الطابق الثالث بنافذة حولها طاقتان مغلقتان، ويوجد في أعلى الجدار الأعلى من كل طابق شرفات على هيئة عقود متصلة ومفرغة وسطها.
يدور بداخل المئذنة درج ضيق يرتفع كلما ارتفع المبنى متناسبا مع حجمه حيث يضيق كلما ارتفعنا لأعلى. يعتقد أن هذه المنارة لم تبن دفعة واحدة، حتى إن الجزء الأول الأضخم منها بني في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك أيام واليه على القيروان بشر بن صفوان، ثم أكملت عملية البناء بعد مدة طويلة حيث بني الجزءان الثاني والثالث فوق تلك القاعدة الضخمة.
من أفضل زخارف الجامع زخارف المحراب والقبة التي فوقه. تكسو المحراب زخارف منقوشة على ألواح رخامية يوجد فيها فراغات تسمح بدخول الضوء وقد زين جدار المحراب بمربعات من الخزف ذو البريق المعدني المذهب. تغطي القبة زخارف نباتية على شكل ساق متوسطة أو فروع متموجة تتدلى منها عناقيد من العنب.
أما المنبر فهو محفور على الخشب وفيه زخارف هندسية ونباتية، ومصنوع من خشب الساج المستورد من الهند ويتكون من أكثر من 300 لوحة منقوشه تتميز بلونها الزخرفي الفريد وهذا المنبر من أبدع ما أنتجته المدرسة القيروانية في ظل الحكم الأغلبي ويعود عهده إلى عام 248 هـ.
وتعتبر المقصورة التي توجد على يمين المنبر من أقدم المقصورات في العالم الإسلامي ويعود عهدها إلى القرن الخامس هجري أي الحادي عشر ميلادي وقد أمر بصنعها الأمير المعز بن باديس من سلالة بنو زيري. و المقصورة تحفة فنية من خشب الأرز المحفور والمصقول بشكل بديع وقد زينت بنقيشة كتبت بالخط الكوفي المورق تعد من أروع النماذج الخطية في الفن الإسلامي.
القاديانية
ظهرت القاديانية على يد الميرزا غلام أحمد القادياني (1252-1316 هـ) في إقليم البنجاب وعاصمتها لاهور وفي مديرية غوردا سفور من هذا الإقليم وفي قرية صغيرة فيها تسمّى قاديان، ولد فيها مؤسس المسلك ميرزا غلام أحمد القادياني، وإليها كانت نسبته وفيها نبتت نحلته .
سيرته الذاتية:
ولد الميرزا غلام أحمد القادياني عام 1839 م الموافق 1252 هـ في قرية قاديان، وكان والده يحترف الطب القديم في عهده ويجيده، ولمّا بلغ الميرزا سن التعليم شرع في تلقي مبادئ العلوم وقراءة القرآن الكريم وتعلم اللغة العربية والفارسية إلى جانب معرفته بالأُردية، وتلقّى دروساً في المنطق والحكمة والعلوم الدينية والأدبية في مسقط رأسه «قاديان» والطب القديم على والده، وعرف بالعكوف على المطالعة والانقطاع إليها، وكان مهتماً بدراسة كتب التفسير والحديث والتدبّر في القرآن، وأُولع بمطالعة الأسفار القديمة من كتب الشيعة وأهل السنّة وكتب الأديان الأُخرى .
الظروف الّتي أحاطت بدعوته:
1-إنّ الهند بلاد مترامية الأطراف، نشأت بها منذ القدم أديان ومذاهب مختلفة، وشكّل هذا التنوّع الهائل في العقيدة قوام حياتها، وأساس نظمها وأكبر مؤثر في تاريخها قديماً وحديثاً، فإلى جانب الديانة الهندوسية، هناك الإسلام والبوذية والمسيحية وبجوار أُولئك مذاهب أُخرى لها من الأتباع القليل .
وفي بيئة كهذه حيث طغى عليها التنوّع والتسامح ظهرت القاديانية.
2-لقد تعرضت الهند إلى غزو الانجليز الذين لم يكتفوا بذلك، بل حرصوا على غزوها ثقافياً من خلال إرسال بعثات تبشيرية إليها.
وأثبت القساوسة والمبشرون في القرى والمدن ونشطوا في دعوتهم إلى المسيحية، مشنّعين على العقيدة الإسلامية، معلنين شامتين زوال دولة الإسلام وانقضاء عهده .
ولقد عمّقوا عن عمد الصراع الديني بين المسلمين وغيرهم من الطوائف كالهندوس، ممّا أدّى إلى إبطاء الزحف الإسلامي.
ولقد أثاروا شبهات وفتحوا جيوب مريبة، كلّ ذلك من أجل إضعاف المسلمين وتشتيت الفكر الإسلامي في عدة تيارات ينمّ كلّ منها عن هدف لهم مقصود .
ففي خضم هذه الأحداث، ظهرت دعوة الميرزا وكان النصر حليفها في نفس الإقليم، وذلك لأنّ طبيعة البيئة ساعدت إلى حد كبير إلى ظهور دعوته وانسياق الناس وراءها لاسيّما في ظروف كانت الشبهات الملحدة والدعوات التبشيرية تستهدف الإسلام والمسلمين.
نعم وراء ذينك العاملين، ثمة عامل ثالث وهو انّ دعوته تمت باسم الإسلام، وانّها دعوة إصلاحية يبغي وراءها نفض كثبان الجهل والخرافة عن وجه الدين، ففي ظل هذه العوامل الثلاثة ظهرت الدعوة القاديانية الّتي يعبر عنها أحياناً بالأحمدية، في القارة الهندية، ومنها انتشرت إلى سائر الأصقاع .
ومن الدلائل الواضحة على أنّه أخذ الإسلام غطاء وواجهة لنشر أفكاره ودعوته، هو انّه قام بترجمة القرآن الكريم في مرحلة من مراحل دعوته، وصار ذلك سبباً لانجذاب السذج من المسلمين إلى دعوته .
حقيقة دعوته :
إنّ دعوة الميرزا غلام أحمد القادياني مرت بمراحل ثلاثة يختلف بعضها عن بعض في المضمون والمحتوى، وربّما كانت المرحلة الأُولى من دعوته دعوة إصلاحية توافق الرأي العام الإسلامي، وقد أطلق على هذه المرحلة دعوى الإصلاح والتجديد، وقد بدأ دعوته في هذه المرحلة بتأليف كتاب «براهين أحمدية» عام 1879 م، ودار نشاطه فيها حول محور أبرزه وركز عليه هو انّ دعوته قائمة على إصلاح العالم والدعوة إلى الإسلام وتجديده .
وتناول في هذه المرحلة التعريف بالإسلام وإثبات فضله وبيان إعجاز القرآن وإثبات نبوة النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأسهب في الرد على الديانات والنحل السائدة في الهند آنذاك . وكانت تلك المرحلة بمثابة إعلان أخرجه من الخمول والعزلة الّتي كان يعيش فيها إلى إلفات الأنظار وتجمّع بعض القلوب عليه وذيوع خبره في بلاد الهند .
ومع أنّ هذه المرحلة لم تكن تخلو عن الشطحات والإلهامات والمنامات الاّ أنّها بصورة عامّة كانت دعوة مطلوبة لأكثر الناس .
وأمّا المرحلة الثانية فتتميز عن سابقتها بأنّها تتضمن الدعوة إلى أُمور، هي كالتالي:
1-المسيح (عليه السلام) توفي في كشمير ودفن هناك، وان القبر المشهور بقبر بوذاسف في «حارة خان يار» هو قبر المسيح.
2-بما ان المسيح (عليه السلام) توفّي، فالمسيح الّذي وعد المسلمون برجوعه عند قيام المهدي هو الميرزا ، وقد طرح تلك الفكرة عندما كانت فكرة المهدي والمسيح الموعود قد تغلغلت في المجتمع الإسلامي وتنتظر من يقوم بها ليجد أرضاً خصبة ونفوساً مستجيبة.
وقد أوّل نزول المسيح عند قيام المهدي بأن ليس المراد من النزول هو نزول المسيح، بل هو إعلام على طريق الاستعارة بقدوم مثيل المسيح، وانّ الميرزا مصداق هذا الخبر حسب الإلهام.
3-انّه قد أرسل لإصلاح الخلق ليقيم هذا الدين في القلوب من جديد وليدك عقيدة الصليب ويكسرها ويقتل الخنازير . وأمّا المرحلة الثالثة فقد أفصح عن نواياه عبر تكلّمه عن الإلهام والعلم الباطني والدعوة إلى النبوة في تلك المرحلة .
هذه عصارة المراحل الّتي طواها الميرزا في دعوته .
ولمّا كانت دعوته عبر هذه المراحل مختلفة في الاعتدال والتطرّف حيث تبتدئ من كونه رجل الإصلاح وتجديد الدين الإسلامي وتنتهي بالدعوة إلى النبوّة. اختلفت آراء العلماء في حقيقة الدعوة القاديانية، فمنهم من أنكر انّه ادّعى النبوة، ومنهم من أثبته وشنع عليه، وها نحن نذكر نماذج من أقوالهم :
فالأُستاذ العقاد يقول: لم يثبت انّه ادّعى النبوة، وانّما دعواه انّه مجدد القرن الرابع عشر للهجرة، وقد نقل عنه انّه قال: لا ادّعي النبوة وما أنا إلاّ محدّث. ( [1])
وعلى هذا الرأي محمد إسماعيل الندوي: من الواضح البيّن عندنا على ضوء قراءتنا لكتب القادياني انّه لم يدّع يوماً من الأيّام النبوة الحقيقية، ولم ينسب نفسه نبيّاً حقيقياً بعد الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ينسخ رسالته ويبطل كونه خاتم الأنبياء، بل كل ما قاله انّه هو المهدي الموعود أو المسيح الموعود أو النبي وفق عقيدة التجسد. ( [2])
وهناك شخصيات يدّعون ان ميرزا غلام أحمد القادياني ادّعى النبوة بالمعنى الحقيقى التام، وقد صرح ميرزا غلام في كتبه بدعواه الرسالة والنبوة، فكتب: دعوانا: أنا رسول ونبي . كما كتب: أنا نبي، وفقاً لأمر الله وأكون آثماً إن أنكرت ذلك، وإذا كان الله هو الّذي يسمّيني بالنبي فكيف لي أن أنكر ذلك؟ إنّني سأقوم بهذا الأمر حتّى أمضي عن هذه الدنيا. ( [3])
ويرى الأُستاذ أبو الحسن الندوي انّ الميرزا قد بذر بذور ادّعائه النبوة في كتبه، ورسم الخطة لها من أوّل يوم، وكانت النتيجة الطبيعية لمنطقه ومقدّماته فيما كتب هي ادّعاؤه النبوة والتصريح بها في يوم من الأيّام، وقد كانت دعواه العريضة بذلك، إذ يقول: إنّني صادق كموسى وعيسى وداود ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد أنزل الله لتصديقي آيات سماوية تربو على عشرة آلاف، وقد شهد لي القرآن وشهد لي الرسول، وقد عيّن الأنبياء زمان بعثتي، وذلك هو عصرنا هذا.( [4])
ويعتبر الأُستاذ إقبال اللاهوري انّ القاديانية ثورة على نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومؤامرة ضد الإسلام، وديانة مستقلة، وانّها محاولة منظمة لتأسيس طائفة جديدة على أساس نبوة منافسة لنبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وانّها تريد أن تنحت من أُمّة النبي العربي (صلى الله عليه وآله وسلم) أُمّة جديدة للنبي الهندي.( [5])
عقائد القاديانية:
إنّ القاديانية كغيرها من المذاهب الإسلامية تحترم كثيراً من العقائد الإسلامية، وها نحن نذكر موجزاً عن عقيدة مؤسسها:
1-عقيدته في الإلوهية:
يقول: وممّا يجب على جماعتي اتبّاعه أن يعرفوا عن يقين انّ لهم إلهاً قادراً وقيوماً وخالقاً للكون كلّه، أزلي الصفات وأبديّها، لا يخضع للتطور، ولا يلد ولم يولد .
2-عقيدته في الرسول وشريعته :
إنّه ادّعى النبوة والرسالة على النحو الّذي بينّاه، ومع ذلك ادّعى انّ رسالته مؤيدة للإسلام لا ناسخة لشريعته، يقول: أمّا ما يطلب الله منكم من ناحية العقائد، هو ان تعتقدوا ان الله واحد لا شريك له، وان محمداً عبده ورسوله وهو خاتم الأنبياء وأفضلهم أجمعين فلا نبي بعده إلاّ من خلع عليه رداء المحمدية على وجه التبعية لأنّ الخادم لا يغاير مخدومه، ولا الفرع بمنفصل عن أصله .
3-عقيدته في القرآن الكريم :
قال: ألاّ تضعوا القرآن كالمهجور، لأنّ لكم فيه حياة، إنّ الذين يعظّمون القرآن سيلقون العزة والكرامة في السماء، وانّ الذين يفضّلون القرآن على كل حديث ورأي سيفضّلون في السماء .
4-عقيدته في العبادات:
فأقيموا صلواتكم الخمس في تضرع وانتباه كأنّكم في حضرته وأتمّوا صيامكم لله في صدق، ومن استحقت عليه الزكاة فليؤدّ زكاته، ومن وجب عليه الحج فليحج إذا استطاع إلى ذلك سبيلا، قوموا بالعمل الصالح حذرين وانبذوا المنكر متبرّئين.
5-عقيدته في الجهاد:
لمّا ادّعى هو المسيح المنتظر فقد وضع الجهاد عن أتباعه، وقال: إنّ هذا الفتح المعذر للإسلام في آخر الزمان لا يتاح بالأسلحة المصنوعة بيد البشر، بل بالحرية السماوية الّتي تستعملها الملائكة.
أصدر عبد العزيز الدهلوي فتواه عام 1803 م ونادى فيها بوجوب الجهاد ضد الانجليز، وسانده العلماء في فتواهم، ثم كانت ثورة 1857 م وما انتهت إليه، وظل المستعمر في الهند آنذاك يخشى فكرة الجهاد والمجاهدين، لذا لجأ إلى بعض العلماء يصطنعهم لاستصدار فتاوى بشأن الجهاد في الهند، وهل يجوز أو لا ؟
وفي هذا الظرف الّذي قام فيه المسلمون ضد الانجليز أصدر فيه الميرزا فتواه بوضع الجهاد عن أتباعه وانّ الجهاد قد انتهى واستنفد أغراضه .
وهذا هو السبب لاتّهام الرجل بالتعاون مع المستعمرين وتعاطفه معهم ويشهد له بعض كلماته في حق المستعمر.
***
وبما انّ الدعوة القاديانية كانت بمقربة من الدعوة البابية والبهائية، وكلتا الدعوتين تهدفان إلى إنكار ختم الرسالة والنبوة وتأويل قوله سبحانه: ( وَ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) بزينة النبيّين، يبعث الاطمئنان على أنّ الديانتين أو المسلكين كانا مؤيدين من قبل الاستعمار، فالبابية وليدة الاستعمار الروسي والقاديانية وليدة حماية الاستعمار الانجليزي.
هذا بحث موجز عن القاديانية، اقتبسناها ممّا أُلّف حولها من الكتب.( [6])
[1] . انظر الإسلام في القرن العشرين: 144 .
[2] . القاديانية: 110 .
[3] . المسألة القاديانية: 28 و 29 .
[4] . القادياني والقاديانية: 67 و 68 .
[5] . القادياني والقاديانية: 9- 11 .
[6] . راجع: القاديانية نشأتها وتطورها للدكتور عيسى عبد الظاهر ; القاديانية بقلم أبي الحسن علي الحسني الندوي وأبو الأعلى المودودي ومحمد الخضر حسين ; القاديانية والاستعمار الانجليزي للدكتور عبد الله سلوم السامرائي.
نداء الإمام الخامنئي لحجاج بیت الله الحرام لعام 1433 هـ ق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و صلوات الله و سلامه على الرسول الأعظم الأمين، و على آله المطهّرين المنتجبين، و صحبه الميامين.
حلّ موسم الحج زاخراً بالرحمة و البرکة، و غمر بالفيض الإلهي مرةً أخرى السعداء الذين تشرّفوا بالحضور في ميعاد النور. الزمان و المکان هنا يدعوان کل واحد منکم يا حجّاج بیت الله الحرام للارتقاء المعنوي و المادي. الرجال و النساء المسلمون هنا يلبّون بقلوبهم و ألسنتهم دعوة الله العظيم للصلاح و الفلاح. هنا يجد الجميعُ الفرصة لتجريب الأخوّة و التجانس و الورع. هنا مخيّم للتربية و للتعليم، و معرض لوحدة الأمة الإسلامية و عظمتها و تنوّعها، مخيّم مکافحة الشيطان و الطاغوت. جعل الله الحکيم القدير هذا المکان ليشهد المؤمنون فيه منافع لهم. حين نفتح عيون العقل و العبرة يستغرق هذا الوعد السماوي کل مديات الحياة الفردية و الاجتماعية. تمتاز شعائر الحج بخصوصية امتزاج الدنيا و الآخرة، و تلاحم الفرد و المجتمع. الکعبة العظيمة البسيطة، و طواف الأجسام و القلوب حول محور ثابت أبدي، و السعي و الجهد المستمر المنظم بين مبدأ و منتهى، و الرحلة الجماعية إلى ساحات الحشر و النشور في عرفات و المشعر، و الأشواق و الانفعالات التي تزيد القلوب في هذا المحشر العظيم صفاء و طراوة، و الهجوم العام لمواجهة رمز الشيطان، ثمّ التواکب بين الجميع من کل مکان و لون و نوع في کل هذه المراسم الزاخرة بالرموز و الأسرار، و المفعمة بالمعاني و آيات الهداية.. هي الخصائص الفريدة لهذه الفريضة الطافحة بالمعاني و المضامين.
مثل هذه المراسم هي التي تربط القلوب بذکر الله، و تنير خلوة أفئدة البشر بنور التقوى و الإيمان، و تُخرج الفرد من أسوار الذات لتذيبه في المجموع المتنوّع للأمة الإسلامية، و تلبسه ثياب الورع التي تحمي روحه من سهام المعاصي المسمومة، و تثير فيه روح مهاجمة الشياطين و الطواغيت. هنا يشاهد الحاج بعينه نموذجاً من المديات الواسعة للأمة الإسلامية، و يکتشف إمکانياتها و قدراتها، و يعقد الآمال على المستقبل، و يشعر کذلك بالجاهزية لأداء دوره في ذلك المستقبل، و إذا حظي بتوفيق الله و عونه يبايع الرسول الأعظم (ص) ثانية، و يعقد ميثاقاً قوياً مع الإسلام العزيز، و يوجِد في داخله عزماً راسخاً لإصلاح ذاته و إصلاح الأمة و إعلاء کلمة الإسلام.
و هذان الإثنان، أي إصلاح الذات و إصلاح الأمة فريضتان لا تتعطلان. و سبلهما لن تكون بفضل التعمّق في الواجبات الدينية و الاستلهام من التعقّل و البصيرة صعبةً على أهل التدبّر و التأمّل.
إصلاح الذات يبدأ بمکافحة الأهواء الشيطانية و السعي لاجتناب الذنوب، و إصلاح الأمة ينتظم بمعرفة العدو و مخططاته، و المجاهدة لإحباط ضرباته و مخادعاته و عداواته، ثمّ بتعاضد القلوب و الأيدي و الألسنة بين کل المسلمين و الشعوب الإسلامية.
من أهم القضايا في العالم الإسلامي خلال هذه الفترة الزمنية، و هي قضية ارتبطت بمصير الأمة الإسلامية، الأحداث الثوريّة في شمال أفريقيا و المنطقة، و التي أفضت لحد الآن إلى إسقاط عدة أنظمة فاسدة مطيعة لأمريکا و متعاونة مع الصهيونية، و زلزلة أرکان عدة أنظمة أخرى من هذا القبيل. إذا فوّت المسلمون هذه الفرصة العظيمة، و لم ينتفعوا منها في سبيل إصلاح الأمة الإسلامية، فقد خسروا خسراناً کبيراً. لقد بدأت الآن کل مساعي الاستکبار المعتدي المتدخّل الرامیة إلى حرف هذه التحرکات الإسلامية العظيمة.
في هذه الثورات الکبرى انتفض الرجال و النساء المسلمون ضد استبداد الحکام و سيطرة أمريکا التي أدت إلى امتهان الشعوب و إذلالها و التحالف مع الکيان الصهيوني الإجرامي. و اعتبرت الجماهيرُ الإسلامَ و تعاليمه و شعاراته المنقذة العامل المخلص لها في هذا الکفاح المصيري، و أعلنت عن ذلك بصوت عال. و جعلت الدفاع عن الشعب الفلسطيني المظلوم و مکافحة الکيان الغاصب على رأس مطاليبها، و مدّت يد الصداقة للشعوب المسلمة و طالبت باتحاد الأمة الإسلامية.
هذه هي أسس الثورات الشعبية في البلدان التي رفعت خلال العامين الأخيرين راية الحرية و الإصلاح، و تواجدت بأجسامها و أرواحها في سوح الثورة، و هذا ما يمکنه ترسيخ الدعائم الأساسية لإصلاح الأمة الإسلامية الکبيرة. الثبات على هذه الأصول الأساسية شرط لازم لانتصار الثورات الجماهيرية في هذه البلدان انتصاراً نهائياً.
يسعى العدو لزعزعة هذه الأرکان الأساسية. و تستغل الأيدي الفاسدة لأمريکا و الناتو و الصهيونية بعض حالات الغفلة و التسطيح لحرف المسيرة العارمة للشباب المسلم و إشعال اشتباکات بينهم باسم الإسلام، و تبديل الجهاد المناهض للاستعمار و الصهيونية إلى إرهاب أعمى في أزقة العالم الإسلامي و شوارعه، حتى تراق دماء المسلمين على أيدي بعضهم، و يتخلص أعداء الإسلام من الطريق المسدود، و يشتهر الإسلام و المجاهدون في سبيله بسوء الصيت و الوجه المشوّه.
و بعد يأسهم من إلغاء الإسلام و الشعارات الإسلامية، عمدوا الآن لإثارة الفتن بين الفرق الإسلامية، و راحوا يضعون العقبات و العراقيل في طريق اتحاد الأمة الإسلامية بمؤامرات التخويف من الشيعة و التخويف من السنّة.
إنهم يخلقون الأزمات في سورية بمساعدة عملائهم في المنطقة ليصرفوا أذهان الشعوب عن قضايا بلدانها المهمة و الأخطار التي تحدّق بهم، إلى الأحداث الدامية التي ساهموا إسهاماً أساسياً في خلقها. الحرب الداخلية في سورية و مقتل الشباب المسلمين على أيدي بعضهم جريمة بدأت و تمّ تأجيجها من قبل أمريکا و الصهيونية و الحکومات المطيعة لهما. من يمکنه أن يصدّق أن الحکومات التي دعمت الدکتاتوريات السوداء في مصر و تونس و ليبيا تحمي الآن مطالبة الشعب السوري بالديمقراطية؟ قضية سورية قضية الانتقام من حکومة وقفت لوحدها طوال ثلاثة عقود أمام الصهاينة الغاصبين، و دافعت عن جماعات المقاومة في فلسطين و لبنان.
إننا نناصر الشعب السوري و نعارض أي تحريض و تدخّل خارجي في سورية. أي إصلاح في هذا البلد يجب أن يتمّ على يد الشعب و بأساليب وطنية تماماً. أن يختلق طلاب الهيمنة الدوليون بمساعدة حکومات المنطقة المطيعة لهم أزمةً في بلد بذريعة من الذرائع، ثمّ يتذرّعوا بوجود تلك الأزمة للسماح لأنفسهم بارتکاب أية جريمة في ذلك البلد، فهذا خطر کبیر إذا لم تعالجه حکومات المنطقة فعليها أن تنتظر دورها في هذه الخدعة الاستکبارية.
أيها الإخوة و الأخوات.. موسم الحج فرصة للتأمّل و التعمّق في قضايا العالم الإسلامي المهمة. و من هذه القضايا مصير ثورات المنطقة و المساعي التي تبذلها القوى المتضرّرة من هذه الثورات لتحريفها. المخططات الخيانية لبث الخلافات و الفرقة بين المسلمين، و إشاعة سوء الظن و عدم الثقة بين البلدان الثائرة و الجمهورية الإسلامية الإيرانية، و قضية فلسطين و المساعي الرامية لعزل المناضلين و إطفاء جذوة الجهاد الفلسطيني، و الأداء الإعلامي للحکومات الغربية المعادي للإسلام، و دعمهم لمن أهانوا المنزلة المقدسة للرسول الأعظم (صلى الله عليه و آله)، و التمهيد لحروب داخلية و تجزئة بعض البلدان المسلمة، و إخافة الحکومات و الشعوب الثائرة من معارضة طلاب الهيمنة الغربيين، و الترويج لوهم أن مستقبلهم رهن بالاستسلام أمام المعتدين.. و غير ذلك من مثل هذه القضايا المهمة و الحيوية، هي في عداد القضايا المهمة التي يجب أن يجري التأمّل و التعمّق فيها خلال فرصة الحج، و في ظل التعاطف و التقارب بينکم أيها الحجاج.
لا مراء أن الهداية و الإرشاد الإلهيين سوف يدلّان المؤمنين على سبل الأمن و السلامة.. «و الذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا..».
و السلام عليکم و رحمة الله و برکاته.
السيد علي الخامنئي
30 مهر 1391 هـ ش الموافق للخامس من ذي الحجة 1433 هـ ق
الهلع العربي اكبر من الاسرائيلي
صواريخ غزة وضعت الجميع، في المنطقة وخارجها، في مأزق كبير لم يتصوره أحد، فحتى باراك اوباما الذي ادار ظهره للعرب وقضاياهم، الجديد منها والمزمن، وجد نفسه في عين العاصفة، يجلس بالقرب من الهاتف، متصلا ومتوسلا لوقف اطلاق النار، فتارة يهاتف رجب طيب اردوغان رئيس وزراء تركيا، وتارة اخرى يهاتف الرئيس المصري محمد مرسي، وثالثة بنيامين نتنياهو.
نحن الآن امام سباق متسارع على مسارين متوازيين، الاول للتوصل الى هدنة توقف الغارات الدموية الاسرائيلية، مقابل عودة الصواريخ الى مخائبها، والثاني الغزو الاسرائيلي الأرضي لقطاع غزة المتوقع في اي لحظة.
نتنياهو بات الخاسر الاكبر، ايا كانت نتيجة التصعيد الحالي، لانه اخطأ الحساب تماما مثلما فعل سلفه ايهود اولمرت عندما ارسل دباباته الى جنوب لبنان عام 2006 ،وبعد ذلك الى غزة شتاء عام 2008، وهو الآن مثل المقامر الذي يحاول تعويض خسائره بزيادة حجم الأموال على مائدة القمار، فيخسر كل شيء، ولذلك من غير المستبعد ان يوسع نطاق الحرب من خلال اللجوء الى الحرب البرية، وربما احتلال القطاع.
حالة الهلع الحالية لم تعد مقصورة على المستوطنين الاسرائيليين في شمالي قطاع غزة وتل ابيب، وانما تسود حاليا قلوب جميع الحكام العرب دون استثناء، خاصة في الدول التي تعتقد انها محصنة من الثورات والاحتجاجات، سواء بسبب علاقاتها الوثيقة مع الغرب، او امتلاء خزائنها بالمليارات.
من تابع اجتماعات وزراء الخارجية العرب تحت قبة الجامعة في القاهرة يوم السبت، لا يصدق اذنيه، فقد كانوا يتحدثون لغة ثورية لم ينطق بها اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في اقصى اليمين، ولا جورج حبش زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في اقصى اليسار.
فجأة تذكروا الوحشية الاسرائيلية، وسفك الدماء في غزة، وطالبوا بالعقاب، وكأنها المرة الاولى التي تقصف فيها الطائرات الاسرائيلية هذا القطاع المحاصر، وتقتل العشرات من الاطفال والنساء والمدنيين.
ولعل افضل تجسيد لهذا الهلع ذهاب وفد من الوزراء برئاسة الدكتور نبيل العربي الى القطاع في مظاهرة تضامنية غدا الثلاثاء، هذا اذا لم نفق من النوم على وقع قرقعة جنازير الدبابات الاسرائيلية وهي تقتحم القطاع الجريح، مما يؤدي الى وأد هذه المبادرة الاستعراضية المكشوفة.
' ' '
اسرائيل ترتعد خوفا، لأن القرار بقصفها بالصواريخ الفلسطينية والايرانية والروسية الصنع ليس قرارا عربيا، بمعنى انه غير موعز به من اي من الدول العربية، وانما هو قرار فلسطيني مقاوم متحرر من الوصاية الرسمية العربية، ولهذا قلب كل المعادلات واربك الجميع في العواصم العربية والغربية على حد سواء.
الوسطاء العرب الذين يستمتعون بحالة الاهتمام الامريكي المفاجئة بهم، يجب ان ينحازوا الى المصلحة العربية العليا، وليس الى المصلحتين الامريكية والاسرائيلية، بمعنى ان لا يحاولوا تحقيق مكاسب مالية او سياسية على حساب ارواح الشهداء في قطاع غزة، واذا حاولوا، فإن على فصائل المقاومة ان تتعاطى معهم بالطريقة التي يستحقونها من ازدراء واهمال، ويعفّ اللسان عن ذكر كلمات اقوى من ذلك.
اي وقف لاطلاق النار يجب ان يكون مشروطا برفع الحصار فورا عن القطاع، ووقف كل اعمال الاستيطان في الاراضي المحتلة، والافراج عن آلاف الاسرى كخطوة اولى، فنتنياهو في موقف ضعيف، وكذلك حكومته، والضغط يجب ان يمارس عليه، وليس على حركات المقاومة الفلسطينية.
لا يضيرنا ان نكشف سرا عندما نقول ان قياديا كبيرا في حركة الجهاد الاسلامي كشف لنا ان دولا عربية كبرى طالبت حركته بعدم اطلاق صواريخ الى تل ابيب، واقتصارها فقط على عسقلان واسدود وسيدروت وغيرها من المستوطنات الاسرائيلية، لتجنب احراج نتنياهو وحكومته، وتسهيل جهود التفاوض للتوصل الى اتفاق وقف اطلاق النار بالتالي.
أمر معيب ان يضغط حكام عرب على المقاومة وليس على اسرائيل وامريكا، وأمر معيب اكثر ان لا نسمع كلمة واحدة من هؤلاء الذين اجتمعوا في القاهرة، وبعضهم انفق عشرات، بل مئات المليارات من الدولارات لشراء صفقات اسلحة امريكية متطورة لمحاربة ايران، لم نسمع كلمة واحدة منهم عن تسليح حركات المقاومة الفلسطينية لان الهدف سيكون الاسرائيليين.
الرئيس المصري محمد مرسي، اول رئيس منتخب في تاريخ مصر، القديم منه والحديث، يجب ان يوجه انذارا شديد اللهجة لاسرائيل، وفي اسرع وقت ممكن، بعزمه على الغاء اتفاقات كامب ديفيد اذا لم يتوقف القصف لقطاع غزة، او اذا تطور الى غزو بري واحتلال بالتالي، او في الحالين معا.
الشيء نفسه نوجهه الى العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني، ونستغرب ان حكومته لم تطرد السفير الاسرائيلي وتغلق سفارته حتى الآن، ويكفي تذكيره والرئيس مرسي في الوقت نفسه، بأن والده الملك حسين هدد اسرائيل بإلغاء معاهدة وادي عربة اذا لم تحضر الترياق الذي يبطل مفعول السمّ الذي حُقن به السيد خالد مشعل اثناء محاولة خلية من الموساد اغتياله في قلب العاصمة الاردنية، وبأوامر مباشرة من نتنياهو الذي كان رئيسا للوزراء في حينها.
' ' '
استشهاد سبعين فلسطينيا، واصابة سبعمئة آخرين في العدوان الاسرائيلي حتى الآن، اكثر خطورة من اغتيال السيد مشعل، مع احترامنا له ولمكانته وتاريخه، ودماء هؤلاء الزكية الطاهرة تستحق الغاء معاهدات العار هذه التي فرضت من موقع القوة والغطرسة والإذلال على البلدين، ولا ننسى ايضا اتفاقات اوسلو، ولكننا لا نثق بأن رئيس السلطة محمود عباس سيلغيها، ولهذا لم نطالبه بفعل ذلك، ليأسنا منه، ومعرفتنا بقدراته ونواياه.
الرئيس اوباما الذي يؤكد على حق اسرائيل في الدفاع عن النفس يستحق ردا على هذه الاهانة للعرب والمسلمين من الزعماء الذين يطلب توسطهم لضبط النفس ووقف اطلاق الصواريخ، فأي دفاع عن النفس هذا الذي يتحدث عنه وهو يعلم جيدا ان الشعب الفلسطيني الاعزل، الذي يتعرض للقتل والشهادة بصواريخ طائراته الامريكية الصنع، هو الذي يجب ان يتمتع بهذا الحق وليس اصدقاءه الاسرائيليين الذين يحاصرونه ويجوّعونه حتى الموت.
وليم هيغ وزير الخارجية البريطاني الذي يمثل الدولة الاستعمارية التي قدمت فلسطين على طبق من ذهب لليهود، استخدم التعبير نفسه، اي حق اسرائيل في الدفاع عن النفس، ولكنه عندما ادرك مخاطر المجازر الاسرائيلية على الغرب ومصالحه، بل واستقرار العالم بأسره، بدأ يتراجع ويحذر من خطورة اي غزو بري لمخاطره على اسرائيل نفسها.
مرة اخرى نقول انها صواريخ الإيمان، المعمّدة بالكرامة والعزّة والشهادة، التي غيّرت وتغيّر معادلات القوة، وتنهي مسلسل الإذلال والهوان الذي الحقته اسرائيل وامريكا بالعرب والمسلمين طوال العقود الستة الماضية.
نعم.. نحن امام فجر جديد، بفضل الصمود الاسطوري للمرابطين على ارض فلسطين، وعلى كل المتخاذلين ان يتحسسوا رؤوسهم وبسرعة وقبل فوات الأوان.
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ
أهل الحديث والحشوية
إنّ للحديث النبوي من علو الشأن، وجلالة القدر ما لا يختلف فيه اثنان، ولا يحتاج في إثباته إلى برهان، إذ هو الدعامة الثانية ـ بعد الذكر الحكيم ـ للدين والشريعة والحكم والأخلاق.
وهذه المنزلة الرفيعة تقتضي المزيد من الاهتمام بالمنقول عنه ، ودراسته وتمحيصه بأفضل نحو حتّى يتميز الصحيح عن السقيم، والمعقول عن غيره، وموافق الكتاب عن مخالفه .
وذلك لِما دق رسول الله جرس الإنذار وقال: «من كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار». وذلك يعرب عن أنّ الرسول كان يعلم بإذن الله أنّ أعداء دين الإسلام وسماسرة الحديث سيكذبون عليه، ويضعون الحديث على لسانه.
وقد صدق الخُبر الخبرَ حيث وضع الوضّاعون أحاديث على لسانه، وبثّوها بين صفوف المسلمين بأساليب مختلفة، فصار تمييز الصحيح عن غيره أمراً بعيد المنال .
وقد كان لمنع كتابة الحديث وتحديثه ما يزيد على قرن، مضاعفات جمّة أهمها انتهاز الوضّاعين لوضع الحديث وجعله ونشره بين المسلمين، فلمّا وقف المحدّثون على مدى الخسارة الّتي مني بها الحديث أخذوا بتقييد وضبط كل ما دبّ وهبّ بحرص شديد، سواء وافق العقل أو خالفه، أو وافق الكتاب أو خالفه إلى حد تجاوزت منزلة الحديث، الكتاب العزيز، ويعلم ذلك من الأُصول الّتي اتّخذها أهل الحديث مقياساً لأخذ الحديث وجمعه، فقالوا:
1.ان السنّة لا تنسخ بالقرآن، ولكن السنّة تنسخ القرآن وتقضي عليه، والقرآن لا ينسخ السنّة ولا يقضي عليها. ( [1 ])
2.ان القرآن أحوج إلى السنّة من السنّة إلى القرآن. ( [2 ])
3.ان القول بعرض الأحاديث على الكتاب قول وضعه الزنادقة. ( [3])
والّذي يعرب عن كثرة الموضوعات اختيار أئمة الحديث اخبار تآليفهم الصحاح والمسانيد من أحاديث كثيرة هائلة، والصفح عن ذلك الهوش الهائش. قد أتى أبو داود في سننه بأربعة آلاف وثمانمائة حديث، وقال: انتخبته من خمسمائة ألف حديث.
ويحتوي صحيح البخاري من الخالص بلا تكرار ألفي حديث وسبعمائة وواحداً وستين حديثاً اختارها من زهاء ستمائة ألف حديث .
وفي صحيح مسلم أربعة الآف حديث أُصول، دون المكررات صنّفها من ثلاثمائة ألف. وذكر أحمد بن حنبل في مسنده ثلاثين ألف حديث، وقد انتخبها من أكثر من سبعمائة وخمسين ألف حديث، وكان يحفظ ألف ألف حديث، وكتب أحمد بن الفرات (المتوفّى 258 هـ) ألف ألف وخمسمائة ألف حديث، فأخذ من ذلك ثلاثمائة ألف في التفسير والأحكام والفوائد وغيرها.( [4])
ثم إنّ الإمام أحمد بن حنبل (164-241 هـ) قد كتب رسالة بيّن فيها عقائد أهل الحديث تحت بنود خاصة.
قال في مقدّمته: هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر، وأهل السنّة المتمسّكين بعروتها، المعروفين بها، المقتدى بهم فيها من لدن أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يومنا هذا، وأدركت من أدركت من علماء الحجاز والشام عليها; فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب أو طغى فيها أو عاب قائلها، فهو مخالف مبتدع وخارج عن الجماعة وزائل عن مذهب السنّة وسبيل الحق .
ثم شرع في بيان الأُصول. ( [5])
كما كتب أبو الحسين محمد بن عبد الرحمن الملطي الشافعي (المتوفّى 377 هـ) عقائد أهل الحديث في كتابه المعروف بـ «التنبيه والرد». ( [6])
وقد سرد الإمام الأشعري عقيدة أهل الحديث في كتابيه: الإبانة ومقالات الإسلامييّن، ولعلّ ما كتبه أحسن تناولاً ممّا كتب قبلَه، ونحن نستعرض جملة من أقواله المبيّنة لعقائد أهل الحديث حيث يقول: وجملة قولنا:
1.أنا نقرّ بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وما جاء من عند الله، وما رواه الثقات عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا نرد من ذلك شيئاً.
2.وأنّ الله عزّوجلّ إله واحد لاإله إلاّ هو، فرد صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولداً.
3.وأنّ محمّداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحقّ.
4.وأنّ الجنّة والنار حقّ.
5.وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور.
6.وأنّ الله استوى على عرشه كما قال: ( الرَّحمنُ عَلى العرشِ اسْتَوى ) .( [7])
7.وأنّ له وجهاً بلا كيف كما قال: ( وَيَبْقى وَجْهُ رَبّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكْرام ) .( [8])
8.وأنّ له يدين بلا كيف كما قال: ( خَلَقْتُ بيدي ) ( [9])، وكما قال: ( بَلْ يَداهُ مَبْسُوطتان ) . ( [10])
9.وأنّ له عيناً بلا كيف كما قال: ( تَجْري بِأَعْيُننا ) .( [11])
10.وأنّ من زعم أنّ أسماء الله غيره كان ضالاً. 11.وأنّ لله علماً كما قال: ( أَنْزَلَهُ بعِلْمِهِ ) ( [12])، وكما قال: ( وَماتَحْمِل مِنْ أُنْثى وَلاتَضَعُ إِلاّ بِعِلْمِهِ ) . ( [13 ])
12.ونثبت لله السمع والبصر ولا ننفي ذلك، كما نفته المعتزلة والجهمية والخوارج.
13.وثبت أنّ لله قوّة كما قال: ( أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ الله الَّذي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشدُّ مِنْهُمْ قُوّة ) .( [14])
14.ونقول: إنّ كلام الله غير مخلوق، وإنّه لم يخلق شيئاً إلاّ وقد قال له: كن فيكون،كما قال: ( إِنّماقَوْلُنا لِشَيء إذا أََرْدناهُ أَنْ نَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) .( [15])
15.وإنّه لا يكون في الأرض شيء من خير وشر إلاّ ما شاء الله، وإنّ الأشياء تكون بمشيئة الله عزّوجلّ.
وإنّ أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً قبل أن يفعله الله.
16.ولا نستغني عن الله، ولا نقدر على الخروج من علم الله عزّوجلّ.
17.وإنّه لا خالق إلاّ الله، وإنّ أعمال العبد مخلوقة لله مقدورة، كما قال: ( وَالله خَلَقكُمْ وَما تَعْمَلُون ) .( [16])
وإنّ العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئاً وهم يخلقون، كما قال: ( هَلْ مِنْ خالِق غَيرُ الله ) ( [17]) ، وكما قال: ( لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وهُمْ يُخْلَقُون ) ( [18]) ، وكما قال: ( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُق ) ( [19])، وكما قال: ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غير شَيء أم هُمُ الخالِقُونَ ) ( [20]) ، وهذا في كتاب الله كثير.
18.وإنّ الله وفق المؤمنين لطاعته، ولطف بهم، ونظر إليهم، وأصلحهم وهداهم، وأضل الكافرين ولم يهدهم، ولم يلطف بهم بالإيمان، كما زعم أهل الزيغ والطغيان، ولو لطف بهم وأصلحهم لكانوا صالحين. ولو هداهم لكانوا مهتدين، كما قال تبارك و تعالى: ( مَنْ يَهْد الله فَهُوَ المُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الخاسِرُون ) .( [21])
وإنّ الله يقدر أن يصلح الكافرين، ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين، ولكنّه أراد أن يكونوا كافرين كما علم، وإنّه خذلهم وطبع على قلوبهم.
19.وإنّ الخير والشر بقضاء الله وقدره. وإنّا نؤمن بقضاء الله وقدره، خيره وشرّه، حلوه ومرّه، ونعلم أنّ ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، وأنّ ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وأنّ العباد لا يملكون لأنفسهم ضرّاً ولا نفعاً إلاّ ما شاء الله كما قال عزّوجلّ: ( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاّ ما شاءَ الله ) ( [22]) وإنّا نلجأ في أُمورنا إلى الله، ونثبت الحاجة والفقر في كلّ وقت إليه.
20.ونقول: إنّ القرآن كلام الله غير مخلوق، وإنّ من قال بخلق القرآن فهو كافر.
21.وندين بأنّ الله تعالى يُرى في الآخرة بالأبصار كما يُرى القمر ليلة البدر يراه المؤمنون كما جاءت الروايات عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) . ونقول: إنّ الكافرين محجوبون عنه إذا رآه المؤمنون في الجنة، كما قال الله عزّ وجلّ: ( كَلاّ إِنّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمئِذ لَمَحْجُوبُون ) ( [23]) وإنّ موسى (عليه السلام) سأل الله عزّوجلّ الرؤية في الدنيا، وإنّ الله تعالى تجلّى للجبل، فجعله دكّاً، فاعلم بذلك موسى أنّه لا يراه في الدنيا.
22.وندين بأن لا نكفّر أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه كالزنى والسرقة وشرب الخمر، كما دانت بذلك الخوارج وزعمت أنّهم كافرون.
ونقول: إنّ من عمل كبيرة من هذه الكبائر مثل الزنا والسرقة وما أشبههما مستحلاً لها غير معتقد لتحريمها كان كافراً.
23.ونقول: إنّ الإسلام أوسع من الإيمان، وليس كلّ إسلام إيماناً.
24.وندين بأنّ الله تعالى يقلّب القلوب «وأنّ القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن»( [24])، وأنّه سبحانه «يضع السماوات على أصبع والأرضين على أصبع»( [25]) كما جاءت الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من غير تكييف. 25.وندين بأن لا ننزل أحداً من أهل التوحيد والمتمسكين بالإيمان جنة ولا ناراً إلاّ من شهد له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالجنة، ونرجو الجنة للمذنبين ونخاف عليهم أن يكونوا بالنار معذبين.
ونقول: إنّ الله عزّوجلّ يخرج قوماً من النار بعد أن امتحشوا بشفاعة محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تصديقاً لما جاءت به الروايات عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .( [26])
26.ونؤمن بعذاب القبر وبالحوض، وأنّ الميزان حقّ، والصراط حقّ، والبعث بعد الموت حقّ، وأنّ الله عزّ وجلّ يوقف العباد في الموقف ويحاسب المؤمنين.
27.وأنّ الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، ونسلم الروايات الصحيحة في ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي رواها الثقاة عدل عن عدل حتى تنتهي الرواية إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
28.وندين بحب السلف، الذين اختارهم الله عزّوجلّ لصحبة نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ونثني عليهم بما أثنى الله به عليهم، ونتولاهم أجمعين.
29.ونقول: إنّ الإمام الفاضل بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبو بكر الصديق رضوان الله عليه، وإنّ الله أعزّ به الدين وأظهره على المرتدين، وقدمه المسلمون للإمامة، كما قدمه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للصلاة، وسمّوه بأجمعهم خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) . ثمّ عمر بن الخطاب ، ثمّ عثمان بن عفان ، وإنّ الذين قتلوه، قتلوه ظلماً وعدواناً، ثمّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فهؤلاء الأئمّة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخلافتهم خلافة النبوة.
ونشهد بالجنة للعشرة الذين شهد لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بها، ونتولّى سائر أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و نكف عمّا شجر بينهم، وندين الله بأنّ الأئمّة الأربعة خلفاء راشدون مهديون فضلاء لا يوازيهم في الفضل غيرهم.
30.ونصدق بجميع الروايات التي يثبتها أهل النقل من النزول إلى السماء الدنيا، وأنّ الربّ عزّ وجلّ يقول: «هل من سائل، هل من مستغفر»( [27]) وسائر ما نقلوه وأثبتوه خلافاً لما قاله أهل الزيغ والتضليل.
31.ونعول فيما اختلفنا فيه على كتاب ربّنا تبارك وتعالى وسنّة نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وإجماع المسلمين، وما كان في معناه، ولا نبتدع في دين الله بدعة لم يأذن الله بها، ولا نقول على الله مالا نعلم.
32.ونقول: إنّ الله عزّوجلّ يجيء يوم القيامة كما قال: ( وَجاءَ ربّكَ وَالمَلَكُ صَفّاً صَفّاً ) ( [28])، وإنّ الله عزّ وجلّ يقرب من عباده كيف شاء، كما قال: ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِليهِ مِنْ حَبْلِ الْوَريد ) ( [29])، وكما قال: ( ثُمَّ دَنا فَتَدَلّى* فَكانَ قابَ قَوسين أَوْ أَدنى ) . ( [30])
33.ومن ديننا أن نصلي الجمعة والأعياد وسائر الصلوات والجماعات خلف كلّ برّ وفاجر، كما روي عن عبد الله بن عمر أنّه كان يصلّي خلف الحجّاج.
34.وأنّ المسح على الخفين سنّة في الحضر والسفر خلافاً لقول من أنكر ذلك.
35.ونرى الدعاء لأئمّة المسلمين بالصلاح والإقرار بإمامتهم، وتضليل من رأى الخروج عليهم، إذا ظهر منهم ترك الاستقامة، وندين بإنكار الخروج عليهم بالسيف، وترك القتال في الفتنة.
36.ونقرّ بخروج الدجّال، كما جاءت به الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .( [31])
37.ونؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير ومساءلتهما المدفونين في قبورهم.
38.ونصدّق بحديث المعراج.( [32])
39.ونصحّح كثيراً من الرؤيا في المنام ونقرّ أنّ لذلك تفسيراً.
40.ونرى الصدقة عن موتى المسلمين، والدعاء لهم ونؤمن بأنّ الله ينفعهم بذلك.
41.ونصدّق بأنّ في الدنيا سحراً وسحرة، وأنّ السحر كائن موجود في الدنيا.
42.وندين بالصلاة على من مات من أهل القبلة برّهم وفاجرهم وتوارثهم.
43.ونقرّ أنّ الجنة والنّار مخلوقتان.
44.وأنّ من مات أو قتل فبأجله مات أو قتل.
45.وأنّ الأرزاق من قبل الله عزّوجلّ يرزقها عباده حلالاً وحراماً.
46.وأنّ الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويتخبطه خلافاً لقول المعتزلة والجهمية، كما قال الله عزّوجلّ: ( الّذينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ المَس ) ( [33])، وكما قال: ( مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الخَنّاس* الَّذي يُوَسْوِسُ في صُدُورِ النّاس* مِنَ الجِنَّةِ وَالنّاس ) .( [34])
47.ونقول: إنّ الصالحين يجوز أن يخصّهم الله عزّوجلّ بآيات يظهرها عليهم.
48.وقولنا في أطفال المشركين: إنّ الله يؤجّج لهم في الآخرة ناراً، ثمّ يقول لهم اقتحموها، كما جاءت بذلك الروايات.( [35])
49.وندين الله عزّوجلّ بأنّه يعلم ما العباد عاملون، وإلى ما هم صائرون، وما كان وما يكون، وما لا يكون إن لو كان كيف كان يكون.
50.وبطاعة الأئمّة ونصيحة المسلمين.
51.ونرى مفارقة كلّ داعية إلى بدعة ومجانبة أهل الأهواء، وسنحتج لما ذكرناه من قولنا وما بقي منه ممّا لم نذكره باباً باباً وشيئاً شيئاً، إن شاء الله تعالى.( [36])
***
نظرنا في بعض هذه الأُصول :
1.ما ذكره في الأُصول الثلاثة: السابع والثامن والتاسع من أنّ لله وجهاً ويدين وعيناً بلا كيف، حاول بذلك الجمع بين أمرين مهمين :
أ ـ إثبات هذه الصفات لله سبحانه بمعانيها اللغوية حذراً من تأويل المعتزلة.
ب ـ الاحتراز من وصمة الجسمانية وذلك بإضافة قيد «بلا كيف» وبذلك جمع بين الإثبات بالمعنى اللغوي والتنزّه عن صفات الجسمانية.
وهذه المحاولة وإن كانت مقبولة في بدء النظر ولكنه عند الإمعان ينقض أحدهما الآخر، فإنّ إثبات اليد لله سبحانه بمعانيها اللغوية يلازم الكيفية، إذ واقع اليد هو كيفيتها المشتركة بين الإنسان والدواب. هذا من جانب.
ونفي الكيفية من جانب آخر نفي إثبات هذه الصفات بمعانيها اللغوية، وهذا ظاهر لمن دقّق النظر، وأمّا ما هو الصحيح في إثبات الصفات الخبرية فسيوافيك في الفصول الآتية.
2.ما ذكره في الأصل السابع عشر من أنّ أعمال العباد مخلوقة لله مقدورة كما قال: ( وَالله خَلَقكُمْ وَما تَعْمَلُون ) ( [37]) انّ الاستدلال بالآية غفلة عن سياقها، إذ ليس المراد من «ما» الموصولة أعمال الإنسان بل الأصنام الّتي كان يعمل فيها العباد بالنحت والتسوية، يقول سبحانه: ( قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَ اللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) .( [38]) 3.ما ذكره في الأصل الحادي والعشرين: بأنّا ندين بأنّ الله يرى في الآخرة بالأبصار وهذا تعبير آخر عن كونه سبحانه متحيّزاً يرى في جهة، وذلك لأنّ المرئي يوم القيامة أمّا كلّه سبحانه أو قسم منه، فعلى الأوّل يكون متحيزاً وعلى الثاني يكون مركباً، فالقول بالرؤية من العقائد اليهودية المستوردة، وقد حيكت الروايات على منوال تلك العقيدة ونسبت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
4.ما ذكره في الأصل الخمسين: «وبطاعة الأئمة ونصيحة المسلمين» كلام لا يقبل على إطلاقه وقد ذهب أبو الحسين الملطي الى لزوم الصبر تحت لواء السلطان على ما كان منهم من عدل وجور وانّه لا يخرج على الأمراء بالسيف وإن جاروا.( [39])
وقد قال أحمد بن حنبل في إحدى رسائله :
السمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر، ومن ولي الخلافة فأجمع الناس ورضوا به، ومن غلبهم بالسيف وسمّي أمير المؤمنين، والغزو ماض مع الأُمراء إلى يوم القيامة، البر والفاجر، وإقامة الحدود إلى الأئمة وليس لأحد أن يطعن عليهم وينازعهم، ودفع الصدقات إليهم جائز، من دفعها إليهم أجزأت عنه، براً كان أو فاجراً، وصلاة الجمعة خلفه وخلف كل من ولي، جائزة إقامته، ومن أعادها فهو مبتدع تارك للآثار مخالف للسنّة.
ومن خرج على أمام من أئمة المسلمين وكان الناس قد اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه من الوجوه، أكان بالرضا أو بالغلبة، فقد شق الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن مات الخارج عليه، مات ميتة جاهلية. ( [40])
وأين هذه العقيدة ممّا نقله السبط الشهيد أبو الشهداء الحسين بن علي عن جده (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما خطب أصحابه وأصحاب الحرّ قائد جيش عبيد الله بن زياد آنذاك فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
«أُيّها الناس انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يُغيِّر عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله وأنا أحق من غيّر». ( [40])
إكمال:
كان أصحاب الحديث قبل تصدر أحمد بن حنبل لمنصَّة الإمامة في مجال العقائد على فرق وشيع، والأُصول الّتي كتبها الإمام ووحدهم على تلك الأُصول لم تكن مورد قبول القدامى منهم، وقد أخذت هذه الأُصول بالانتشار والشيوع عندما انقلب الوضع في أيام المتوكل لصالح الإمام أحمد.
والشاهد على ذلك انّ جلال الدين السيوطي فى كتابه «تدريب الراوي» يذكر الفرق المختلفة لأصحاب الحديث الذين لم يكونوا على وتيرة واحدة كما صاروا كذلك بعد الإمام أحمد، بل كان أصحاب الحديث بين :
مرجئي يرى أنّ العمل ليس جزءاً من الإيمان وأنّه لا تضر معه معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة. ونقدم إليك بعض أسمائهم من الذين عاشوا قبل إمامة أحمد أو عاصروه، نظراء :
1-إبراهيم بن طهمان 2-أيوب بن عائذ الطائي 3 ـ ذر بن عبد الله المرهبي 4-شبابة بن سوار 5-عبد الحميد بن عبد الرحمن 6-أبو يحيى الحماني 7-عبد المجيد بن عبد العزيز 8-ابن أبي رواد 9-عثمان بن غياث البصري 10-عمر بن ذر 11-عمر بن مرة 12-محمد بن حازم 13-أبو معاوية الضرير 14-ورقاء بن عمر اليشكري 15-يحيى بن صالح الوحاظي 16-يونس بن بكير.
إلى ناصبي لعلي وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) ، نظراء:
1-إسحاق بن سويد العدوي 2-بهز بن أسد 3 ـ حريز بن عثمان 4 ـ حصين بن نمير الواسطي 5-خالد بن سلمة الفأفاء 6 ـ عبد الله بن سالم الأشعري 7-قيس بن أبي حازم.
إلى متشيع يحب علياً وأولاده ويرى الولاء فريضة نزل بها الكتاب ويرى الفضيلة لعلي في الإمامة والخلافة، نظراء :
1-إسماعيل بن أبان 2-إسماعيل بن زكريا الخلقاني 3-جرير بن عبد الحميد 4-أبان بن تغلب الكوفي 5-خالد بن محمد القطواني 6-سعيد بن فيروز 7-أبو البختري 8-سعيد بن أشوع 9-سعيد بن عفير 10 ـ عباد بن العوام 11-عباد بن يعقوب 12-عبد الله بن عيسى 13-ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى 14-عبد الرزاق بن همام 15-عبد الملك بن أعين 16-عبيد الله بن موسى العبسي 17-عدي بن ثابت الأنصاري 18-علي بن الجعد 19-علي بن هاشم بن البريد 20 ـ الفضل بن دكين 21-فضيل بن مرزوق الكوفي 22-فطر بن خليفة 23-محمد بن جحادة الكوفي 24-محمد بن فضيل بن غزوان 25-مالك بن إسماعيل أبو غسان 26-يحيى بن الخراز .
إلى قدري ينسب محاسن العباد ومساويهم ومعاصيهم إلى أنفسهم ولا يسند فعلهم إلى الله سبحانه، نظراء :
1-ثور بن زيد المدني 2-ثور بن يزيد الحمصي 3 ـ حسان بن عطية المحاربي 4-الحسن بن ذكوان 5-داود بن الحصين 6-زكريا بن إسحاق 7-سالم بن عجلان 8-سلام بن مسكين 9-سيف بن سلمان المكي 10-شبل بن عباد 11-شريك بن أبي نمر 12-صالح بن كيسان 13-عبد الله بن عمرو 14-أبو معمر عبد الله بن أبي لبيد 15-عبد الله بن أبي نجيح 16-عبد الأعلى بن عبد الأعلى 17-عبد الرحمن بن إسحاق المدني 18-عبد الوارث بن سعيد الثوري 19-عطاء بن أبي ميمونة 20-العلاء بن الحارث 21-عمرو بن زائدة 22-عمران بن مسلم القصير 23-عمير بن هاني 24-عوف الأعرابي 25-كهمس بن المنهال 26-محمد بن سواء البصري 27-هارون بن موسى الأعور النحوي 28-هشام الدستوائي 29-وهب بن منبه 30-يحيى بن حمزة الحضرمي .
إلى جهمي ينفي كل صفة لله سبحانه ويعتقد بخلق القرآن وحدوثه، نظير: بشر بن السري.
إلى خارجي ينكر على أمير المؤمنين مسألة التحكيم ويتبرأ منه ومن عثمان ومن طلحة والزبير وأُم المؤمنين عائشة ومعاوية وغيرهم، نظراء : 1-عكرمة مولى ابن عباس 2-الوليد بن كثير.
إلى واقفي لا يقول في التحكيم أو في القرآن بشيء من الحدوث والقدم وإنّه مخلوق أو غير مخلوق، نظير علي بن هشام.
إلى متقاعد يرى لزوم الخروج على أئمة الجور ولا يباشره بنفسه نظير: عمران بن حطان ( [42]).
إلى غير ذلك من ذوي الأهواء والآراء الذين قضى عليهم الدهر وعلى آرائهم ومذاهبهم بعد ما وصل أحمد بن حنبل إلى قمة الإمامة في العقائد. فصار أهل الحديث مجتمعين تحت الأُصول الّتي استخرجها أحمد وجعل الكل كتلة واحدة، بعدما كانوا على سبل شتى .
هذه ملحمة أهل الحديث وسلفهم وعقيدتهم، والأسف أن المفكّرين من أهل السنّة يتخيلون أن هذه الأُصول الّتي يدينون بها هي نفس الأُصول الّتي كان عليها المسلمون الأُول إلى زمن الإمام أحمد.
وهذا التاريخ الواضح يفرض على المفكّرين المتعطشين لمعرفة الحق دراسة هذه الأُصول من رأس حتّى لا يعبأوا بما جاء في هذه الكتب ممّا عليه ماركة «عقيده السلف» أو «عقيدة الصحابة والتابعين» أو تابعي التابعين.
والّذي يوضح ذلك هو أن كل واحد من هذه الأُصول رد لمذهب نجم في القرون الأُولى، فلأجل التبرّي منه صار خلافه شعاراً لمذهب أهل الحديث. وعقائد أهل الحديث كأنّها مركّبة من عدة ردود للفرق وأصحاب المقالات .
[1] . مقالات الإسلاميين: 2 / 251 .
[2] . جامع بيان العلم: 2 / 234 .
[3] . عون المعبود في شرح سنن أبي داود: 4 / 429 .
[4] . خلاصة التهذيب: 9 ; الغدير: 5 / 292- 293 .
[5] . السنّة لأحمد بن حنبل: 44- 50 .
[6] . التنبيه والرد: 14- 15 .
[7] . طه: 5.
[8] . الرحمن: 27.
[9] . ص: 75.
[10] . المائدة: 64.
[11] . القمر: 14.
[12] . النساء: 166.
[13] . فاطر: 11.
[14] . فصلت: 15.
[15] . النحل: 40.
[16] . الصافات: 96.
[17] . فاطر: 3.
[18] . النحل: 20.
[19] . النحل: 17.
[20] . الطور: 35.
[21] . الأعراف: 178.
[22] . الأعراف: 188.
[23] . المطففين: 15.
[24] . رواه مسلم رقم (2654) في القدر: باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء. وأحمد: 2 / 168 و 173 من حديث عبد الله بن عمرو. وابن ماجة برقم (3834) في الدعاء: باب دعاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) . والترمذي رقم (2141) في القدر: باب ما جاء أنّ القلوب بين أصبعي الرحمن من حديث أنس بن مالك. وأحمد: 6 / 302 و 315. والترمذي رقم (3517) في الدعوات باب 89 من حديث أُمّ سلمة. وأحمد: 6 / 251 من حديث عائشة 302، 315.
[25] . أخرجه البخاري: 13 / 335 ، 336 ، 369 و 397 في التوحيد: باب قوله تعالى: ( لما خلقت بيدي ) وباب قوله تعالى: ( إنّ الله يمسك السموات والأرض ) وباب كلام الرب تعالى يوم القيامة مع الأنبياء. و 8 / 423 وفي التفسير: باب قوله تعالى: ( والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة ) . ومسلم رقم (2786) (21) في المنافقين: باب صفة القيامة والجنة والنار. والترمذي رقم (3236) و (3238) في التفسير: باب: « و من سورة الزمر » كلّهم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
[26] . خروجهم من النار بعد أن امتحشوا وحديث الشفاعة، رواه البخاري: 13 / 395- 397 في التوحيد: باب كلام الرب تعالى يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم. و 13 / 332 باب قوله تعالى ( لما خلقت بيدي ) . و 13 / 398 باب قوله تعالى: ( وكلّم الله موسى تكليماً ) و 8 / 122 في تفسير سورة البقرة: باب ( علّم آدم الأسماء كلّها ) ومسلم رقم (193) من حديث أنس بن مالك والبخاري: 6 / 264 و 265 ومسلم (194) في الإيمان: باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها من حديث أبي هريرة والبخاري: 11 / 367 و371 من حديث جابر.
[27] . رواه مسلم (758) (170) (172) في صلاة المسافرين: باب الترغيب والدعاء والذكر في آخر الليل. وللحديث صيغ أُخرى رواها البخاري في التهجد: باب الدعاء والصلاة من آخر الليل وفي الدعوات: باب الدعاء نصف الليل وفي التوحيد: باب قوله تعالى: ( يريدون أن يبدلوا كلام الله ) ومسلم (758) (168) (169) وأبو داود رقم (4733) في السنّة. والترمذي رقم (3493) في الدعوات وأحمد: 2 / 258 و 267 و 282 و 419 و 487 و 504 و 521 من حديث أبي هريرة.
[28] . الفجر: 22.
[29] . ق: 16.
[30] . النجم: 8- 9.
[31] . صحيح البخاري: 13 / 87 في الفتن: باب ذكر الدجال، وفي الأنبياء: باب ما ذكر عن بني إسرائيل، و 13 / 89- 91، وفي فضائل المدينة: باب لا يدخل الدجال المدينة. ومسلم (2933) في الفتن: باب ذكر الدجال وصفته ومن معه ولغاية (2947)، و الترمذي (2235) لغاية (2246) في الفتن، وأبو داود (4315) في الملاحم ولغاية (4328) وأحمد في « المسند » : 1 / 4، 7; 2 / 33، 37، 67، 104، 108، 124، 131، 237، 349، 429، 457، 530; 3 / 42; 5 / 32، 38، 43، 47. وابن ماجة من (4071) ولغاية (4081) في الفتن باب فتنة الدجال.
[32] . رواه البخاري: 13 / 399- 406 في التوحيد: باب ما جاء في قوله عزّ وجلّ: ( وكلّم الله موسى تكليماً ) ، وفي الأنبياء: باب صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومسلم رقم (162) في الإيمان: باب الإسراء برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى السماوات، والنسائي: 1 / 221 في الصلاة: باب فرض الصلاة، والترمذي رقم (3130) في التفسير: باب و من سورة بني إسرائيل.
[33] . البقرة: 275.
[34] . الناس: 4- 6.
[35] . اختلف العلماء قديماً وحديثاً في أولاد المشركين على أقوال، منها القول الذي ذكره الأشعري أنّهم يمتحنون في الآخرة بأن ترفع لهم نار، فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً، و من أبى عذّب. رواه البزار من حديث أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، ورواه الطبراني من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.
قال الحافظ في « الفتح » : 3 / 195 وقد صحّت مسألة الامتحان في حقّ المجنون و من مات في الفترة من طرق صحيحة. ومن الأقوال أنّهم في الجنة. قال النووي: وهو المذهب الصحيح الذي صار إليه المحقّقون لقوله تعالى: ( وَماكُنّا معذّبين حتّى نبعث رَسولاً ) . وانظر « الفتح » : 3 / 195 ـ 196.
[36] . الإبانة: 8- 12، باب في إبانة قول أهل الحق والسنّة; مقالات الإسلاميين: 320- 325 .
[37] . فاطر: 3 .
[38] . الصافات: 95- 96 .
[39] . لاحظ التنبيه والرد: 14- 15 .
[40] . تاريخ المذاهب الإسلامية لأبي زهرة: 2 / 322 .
[41] . تاريخ الطبري: 4 / 304، حوادث سنة 61 .
[42] . تدريب الراوي : 1 / 328 .
المرجئة
وهو مأخوذ من الإرجاء بمعنى التأخير، وقد قيل في تسمية هؤلاء بالمرجئة انّهم يقدّمون الإيمان ويؤخّرون العمل، فالإيمان عندهم عبارة عن مجرّد الإقرار بالقول وإن لم يكن مصاحباً للعمل، فأخذوا منه جانب القول وطردوا جانب العمل، فاشتهروا بالمرجئة أي المؤخرة، وشعارهم: «لا تضرّ مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة»، وهؤلاء والخوارج في هذه المسألة على جانبي نقيض، فالمرجئة لا تشترط العمل في حقيقة الإيمان وترى العاصي مؤمناً وإن ترك الصلاة والصوم، ولكن الخوارج يضيّقون الأمر فيرون مرتكب الكبيرة كافراً مخلداً في النار.
ويقابلهما المعتزلة فانّ مرتكب الكبيرة عندهم لا مؤمن ولا فاسق بل في منزلة بين الأمرين، فزعمت انّها أخذت بالقول الوسط بين المرجئة والخوارج.
والمعروف بين المسلمين انّ مرتكب الكبيرة مؤمن فاسق. وبتقييد الإيمان بالفسق خالفت المرجئة، وبوصفه بالإيمان خالفوا الخوارج والمعتزلة.
والحاصل: انّ تحديد الإيمان بالإقرار دون العمل، أو تحديده بالمعرفة القلبية دون القيام بالأركان، يعدّ ركناً ركيناً لهذه الطائفة، بحيث كلّما أُطلقت المرجئة لا يتبادر منها إلاّ من تبنّى هذا المعنى .
ثم إنّهم رتّبوا على تلك العقيدة أُموراً :
1-انّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص، لأنّ أمر التصديق دائر بين الوجود والعدم، ومثله تفسير الإيمان بالإقرار باللسان فهو أيضاً كذلك، وليس العمل داخلاً في حقيقته حتّى يقال انّ العمل يكثر ويقل .
2-انّ مرتكب الكبيرة مؤمن حقيقة، لكفاية التصديق القلبي أو الإقرار باللسان في الاتّصاف بالإيمان، وهؤلاء في هذه العقيدة يخالفون الخوارج والمعتزلة.
أمّا الأُولى: فلأنّهم يعدّون العمل عنصراً مؤثراً في الإيمان بحيث يكون تارك العمل كافراً، وقد اشتهر عنهم بأنّ مرتكب الكبائر كافر، وليس المؤمن إلاّ من تحرّز من الكبائر .
وأمّا الثانية: فلأنّهم يعتقدون انّ مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمن ولا كافر. والمعتزلة أخف وطأة من الخوارج، وإن كانت الطائفتان مشتركتين في إدخال العمل في حقيقة الإيمان.
3-ان مرتكب الكبيرة لا يخلد في النار وإن لم يتب ولا يحكم عليه بالوعيد والعذاب قطعاً لاحتمال شمول عفوه سبحانه له، خلافاً للمعتزلة الذين يرون أنّ صاحب الكبيرة يستحقّ العقوبة إذا لم يتب، وانّ من مات بلا توبة يدخل النار، وقد كتبه الله على نفسه فلا يعفو. ( [1])
مؤسّس المرجئة :
إنّ التاريخ لم يسجّل مبدأ تكوّن فكرة الإرجاء، والمؤّرخون ينسبونه إلى الحسن بن محمد بن الحنفية (المتوفّى عام 99 هـ)، ولكنّه بعد غيرثابت، وعلى فرض ثبوته فالإرجاء الّذي قال به غير الإرجاء المعروف، فقد نقلوا عنه أنّه تكلّم في علي وعثمان وطلحة والزبير في محضره فأكثروا وهو ساكت، ثم تكلَّم فقال: قد سمعت مقالكم، أرى أن يرجأ علي وعثمان وطلحة والزبير فلا يتولّى ولا يتبرى منهم. ( [2])
غير أنّ الإرجاء الّذي تكلّم فيه الحسن بن محمد غير الإرجاء المعروف عند أهل السنّة المتعلّق بالإيمان، فإنّ الإرجاء عند أهل السنّة هو تقديم الإيمان وتأخير العمل، ولعل الحافز لابن الحنفية إلى ترويج الإرجاء بالمعنى المذكور هو إيقاف الهجمة على جده أمير المؤمنين، والله أعلم .
ولعلّ الإرجاء بالمعنى الأوّل الّذي صدر عن ابن الحنفية عن غاية صحيحة، صار أساساً للمعنى الثاني، أمّا تقديم الإيمان وتأخير العمل فقد استعمله الأُمويّون لتبرئتهم حيث كانوا غارقين في العصيان والفساد.
وبذلك يعلم أنّ أصل الإرجاء هو التوقف وترك الكلام في حق بعض الصحابة، لكن نسي الإرجاء بهذا المعنى وأخذ أصل آخر مكانه، وهو تحديد الإيمان بالإقرار دون العمل، أو المعرفة القلبية دون القيام بالأركان. ولمّا كان كلا الأصلين لصالح الأُمويّين حيث يلزم التوقّف في حق عثمان وأعماله، كما أنّه يبرر ما اقترفه الأُمويّون من الجرائم أخذوا يروّجونه بحماس .
خطر المرجئة على أخلاق المجتمع:
إنّ تجريد الإيمان من العمل فكرة خاطئة تسير بالمجتمع ـ وخصوصاً الشباب ـ إلى الخلاعة والانحلال الأخلاقي وترك القيم، بحجّة انّه يكفي في اتّصاف الإنسان بالإيمان وانخراطه في مسلك المؤمنين الإقرار باللسان أو الإذعان بالقلب، ولا نحتاج وراء ذلك إلى شيء من الصوم والصلاة، ولا يضره شرب الخمر وفعل الميسر، ويجتمع مع حفظ العفاف وتركه.
ولو قدر لهذه الفكرة أن تسود في المجتمع لم يبق من الإسلام إلاّ رسمه ومن الدين إلاّ اسمه، ويكون المتديّن بهذه الفكرة كافراً واقعياً، اتّخذها واجهة لما يكنّ في ضميره .
ولقد شعر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بخطورة الموقف وعلموا بأنّ إشاعة هذه الفكرة بين المسلمين عامّة والشيعة بوجه خاص سترجعهم إلى الجاهلية، فقاموا بتحذير الشيعة وأولادهم من خطر المرجئة فقالوا:
«بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة».( [3])
وفكرة الإرجاء فكرة خاطئة تضر بالمجتمع عامّة، وانّما خصّ الإمام منهم الشباب لكونهم سريعي التقبّل لهذه الفكرة، لما فيها من إعطاء الضوء الأخضر للشباب باقتراف الذنوب، والانحلال الأخلاقي، والانكباب وراء الشهوات مع كونهم مؤمنين.
ولو صحّ ان ما ادّعته المرجئة في الإيمان والمعرفة القلبية، والمحبّة لإله العالم، لوجب ان تكون لتلك المحبة القلبية مظاهر في الحياة، فانّها رائدة الإنسان وراسمة حياته، والإنسان أسير الحب وسجين العشق، فلو كان عارفاً بالله محباً له، لاتبع أوامره ونواهيه، وتجنّب ما يسخطه وتبع ما يرضيه، فما معنى هذه المحبّة للخالق وليس لها أثر في حياة المحب؟! ولقد وردت الإشارة إلى التأثير الّذي يتركه الحب والود في نفس المحب في كلام الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال:
«ما أحب الله عزّوجل من عصاه» ثم أنشد الإمام (عليه السلام) قائلاً:
تعصي الإله وأنت تظهر حبّه *** هذا محال في الفعال بديع
لو كان حبك صادق لأطعته *** ان المحب لمن يحب مطيع( [4])
[1] . لاحظ مقالات الإسلاميين: 126- 147 .
[2] . تاريخ ابن عساكر: 4 / 246، ط دمشق، 1332 هـ .
[3] . الكافي: 6 / 47، الحديث 5 .
[4] . سفينة البحار: 1 / 199، مادة حبب .
الشيخية
الشيخية هم طائفة من الشيعة الإمامية الاثني عشرية، ولقّبوا بهذا الاسم نسبة إلى شيخهم ومعلمهم الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي، وهم لا يختلفون في أُصول الدين وأُمهات المسائل الشرعية عن سائر الشيعة الإمامية، وليسوا أخباريّين كما ربما يتوهّم، نعم لهم بعض الآراء والمعتقدات الخاصّة كما نشير إليها.
وهم اليوم موجودون في إيران والعراق والكويت والأحساء، وينقسمون إلى فرقتين: «الركنية» و «الكشفية»، ولكلّ فرقة آراؤها الخاصّة.
ومبدأ نشوء هذه الطائفة هو بعد بروز الشيخ أحمد الأحسائي في مطلع القرن الثالث عشر الهجري كعالم أوحد متميز له بعض النظريات والأفكار الجديدة في علم الفلسفة والعقائد الإسلامية، وحيث كان الشيخ ذا عبقرية فذة وعرف منه الزهد والإغراق في العبادة ـ هذا بالإضافة إلى مقامه العلمي الشامخ ـ لذا كان ذا جاذبية قوية ومؤثرة أدّت إلى وجود تيار جارف من الموالين والأنصار له، ومعظم أنصاره كان من إيران، وبعضهم من العراق ودول الخليج، وهؤلاء هم كانوا النواة والقاعدة الّتي تحوّلت فيما بعد إلى طائفة مستقلة تسمّى بـ «الشيخية».
لذا وقبل كل شيء لابد أن نعرج على سيرة وحياة الشيخ أحمد الأحسائي.
سيرة الشيخ أحمد الأحسائي : ( [1])
أحمد بن زين الدين بن إبراهيم بن صقر بن إبراهيم الأحسائي المطيرفي.
كان فقيهاً، إمامياً، حكيماً، مشاركاً في فنون شتى، له شهرة وأتباع أسّسوا ما يُعرف بفرقة الكشفية، ويقال لها أيضاً الشيخية.
ولد في المُطيرف (من قرى الأحساء) سنة ست وستين ومائة وألف .
وتلقّى مبادئ العلوم عن محمد بن محسن الأحسائي، وغيره .
وارتحل إلى العراق في سنة (1186 هـ)، فحضر في كربلاء على: محمد باقر بن محمد أكمل البهبهاني، والسيد محمد مهدي بن أبو القاسم الشهرستاني، والسيد علي بن محمد علي الطباطبائي، وفي النجف على جعفر كاشف الغطاء.
وأجاز له أساتذته الشهرستاني والطباطبائي وكاشف الغطاء، وآخرون مثل: السيد محمد مهدي بحر العلوم، وأحمد بن حسن الدمستاني، وحسين بن محمد العصفوري البحراني.
وقد أقام في البحرين مدّة أربع سنين، ثمّ سكن البصرة بعد أن زار العتبات المقدسة سنة (1212 هـ). وسافر إلى إيران، فلبث في يزد مدة ثمّ انتقل إلى كرمانشاه بطلب من محمد علي ميرزا بن السلطان فتح علي شاه القاجاري، وزار عدة مدن في إيران.
ثمّ ارتحل إلى العراق، فاستقرّ في كربلاء.
وكان مواظباً على المطالعة والبحث والتدريس، وعلى بثّ أفكاره ونشر طريقته بالخطابة والكتابة والتأليف والرحلات .
تتلمذ عليه وروى عنه جمع، منهم: ابناه محمد تقي، وعلي نقي، والسيد كاظم بن قاسم الرشتي وهو أشهر تلامذته وعميد طريقته، ومحمد باقر بن حسن النجفي صاحب الجواهر، وأسد الله بن إسماعيل التستري صاحب المقابس، ومحمد إبراهيم بن محمد حسن الكلباسي، والميرزا علي محمد الشيرازي الملقب بالباب، وحسين بن مؤمن اليزدي الكرماني، وغيرهم.
وصنف كتباً ورسائل جمّة، منها: الرسالة الحيدرية في الفروع الفقهية، الرسالة الصومية، شرح «تبصرة المتعلمين في أحكام الدين» للعلاّمة الحلّي لم يتم، أحكام الكفّار بأقسامهم قبل الإسلام وبعده وأحكام فرق الإسلام، شرح مبحث حكم ذي الرأسين من «كشف الغطاء»، ذكر فيه أحكامه من أوّل الطهارة إلى الديات، المسائل القطيفية، تحقيق القول بالاجتهاد والتقليد وبعض مسائل الفقه، جواز تقليد غير الأعلم وبعض مسائل الفقه، مباحث الألفاظ في الأُصول، أسرار الصلاة، تفسير سورة التوحيد وآية النور، شرح الزيارة الجامعة (مطبوع)، جوامع الكلم (مطبوع)، شرح «الحكمة العرشية» لصدر الدين محمد بن إبراهيم الشيرازي المعروف بملا صدرا، كيفية السير والسلوك الموصلين إلى درجات القرب والزلفى، معرفة النفس، معنى الكفر والإيمان، بيان أحوال أهل العرفان والصوفية وطرائقهم وطرق الرياضات، رسالة في التجويد، رسالة في علم النجوم، شرح علم الصناعة، والفلسفة وأحوالها، وديوان شعر، وغير ذلك كثير.
توفّي حاجّاً بقرب المدينة في شهر ذي القعدة سنة إحدى وأربعين ومائتين وألف، وحمل إليها، فدفن في البقيع.
اختلاف العلماء فيه :
وقد اختلف علماؤنا في صاحب الترجمة اختلافاً عظيماً، فمنهم من بالغ في مدحه والثناء عليه وتبيان علمه، ومنهم من أفرط في قدحه والتشنيع عليه وطعن في علمه ودينه وعقيدته، ونكتفي هنا بنقل نماذج من كلمات المادحين له والقادحين فيه :
قال المحدث النيسابوري: أحمد بن زين الدين الأحسائي القاري، فقيه محدّث عارف، وحيد في معرفة الأُصول الدينية، له رسائل وثيقة، اجتمعنا معه في مشهد الحسين (عليه السلام) ، لا شك في ثقته وجلالته.
أوّل من قدح في علمه ورد عليه معاصره الشيخ محمد إسماعيل بن السميع الاصفهاني المعروف بواحد العين، حيث قال في مقدّمة «شرح العرشية»: وقد تصدى لشرحها المولى الجليل... الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي... فشرحها شرحاً كان كلّه جرحاً، لعدم فهمه ما هو المراد من الألفاظ والعبارات، لعدم اطّلاعه على الاصطلاحات، وإلاّ فهو عظيم الشأن .
وقال السيد أبو تراب الخوانساري: إن الشيخ أحمد الأحسائي كان فقيهاً فدخل في علم الحكمة وأخذ يطالع كتبها حتّى مهر فيها وألّف فيها كتباً، وحيث لم يحضر فيها على أُستاذ ماهر زلّت أقدامه فضلّ وأضل.
ولعلّ أهم ما نسب إلى الشيخ من مؤاخذات هو الأُمور التالية:
1-إنكاره المعاد الجسماني ودعوى انّ هذا الجسم المادي لا يمكن أن يعود بكلّ ما فيه من كثافة وكدورة.
2-إنكاره المعراج الجسماني، أي انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعرج إلى السماء بجسمه المادّي بكل ما فيه .
3-إنكاره شق القمر المرئي الحقيقي معجزة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المتّفق عليها بين المسلمين، ودعوى انّ الّذي انشق انّما هو صورة القمر المنتزعة منه .
4-الغلو في شأن أهل البيت (عليهم السلام) وإعطاؤهم بعض المقامات الّتي لا تصحّ إلاّ لله تعالى، مثل القول بأنّ الله تعالى فوض كلّ ما في الكون إليهم من الخلق والرزق والحياة والممات وما إلى ذلك، والقول بأنّ علمهم حضوري وليس حصولي يعني انّهم يعلمون بكلّ ما كان وجميع ما يأتي على نحو يكون ذلك كلّه حاضراً في ذهنهم وذاكرتهم في كلّ حين كما يرون العين .
حقيقة الشيخية:
ولم يكن في بادئ الأمر شيء باسم الشيخية، ولا كان في نيّة الشيخ تأسيس فرقة جديدة أو الدعوة إلى مذهب جديد، ولكن المواجهة الحادة والجدال الّذي بلغ أوجه بين الشيخ ومعارضيه، واستمر بعد وفاته بين أنصاره ومخالفيهم أدى إلى تحيّز جمع من العلماء وطائفة من الناس إلى جانب الشيخ وتحمسّهم في الدفاع عنه والدعوة إليه، ثم تحول هؤلاء بشكل تدريجي إلى جماعة مستقلة منسوبة إلى الشيخ تتبنّى أفكاره وتنشر كتبه وتدعو إلى خطه، وعرفوا حينها باسم الشيخية.
وقد اتّسعت رقعة الشيخية بعد وفاة الشيخ وازداد أتباعها ومؤيّدوها، وكان الزعيم الأكبر لهم بعد الشيخ خليفته السيد كاظم بن السيد قاسم الحسيني الرشتي الّذي كان يتخذ من كربلاء مقراً لزعامته حتّى توفّي فيها سنة 1259 هـ .
وكانت الشيخية في حياة السيد متفقة على زعامته ومرجعيته ولكن بعد وفاته انقسمت إلى فرقتين، فرقة تبعت الحاج محمد كريم خان الكرماني المتوفّى سنة 1288 هـ وعرفوا فيما بعد بالركنية، وفرقة تبعت الميرزا حسن گوهر الحائري ثم آل الاسكوئي من بعده فعرفوا بالكشفية.
الطائفة الركنية:
أمّا الركنية فتتلخص عقيدتهم في التالي: يعتقدون انّ الدين قائم على أربعة أركان: 1-معرفة الله 2-معرفة الرسول 3-معرفة الإمام 4-معرفة الفقيه الجامع للشرائط الذي يقوم مقام الإمام في زمن الغيبة .
وتجسد الركن الرابع في الشيخ أحمد الأحسائي، ثم في السيد كاظم الرشتي، ثم في الحاج كريم خان نفسه ولهذا سميت هذه الطائفة بالركنية.
قال صاحب الذريعة: ولمّا شدّد عليهم الأصحاب النكير بعدم ما يسمّى الركن الرابع في الإسلام، ألّف محمد كريم خان الكرماني رسالة عام 1279 هـ، أثبت فيها انّ الركن الرابع هم رواة الأئمة والعلماء جميعاً ولا تختص الركنية بشخص معين .
ومن الناحية العملية أصبح الركن الرابع منصب تتوارثه سلالة الكرماني حتّى اليوم، باعتبارهم المصداق الحقيقي لهذا الركن.
وكان مقر زعامتهم مدينة كرمان بإيران، حيث يتواجد أحفاد الكرماني والأكثرية من أتباعه، ولما قتل مرشدهم عام 1400 هـ ، انتقل مقر الزعامة إلى مدينة البصرة بالعراق أهم معقل لهم بعد كرمان، ولا زال زعيمهم الحالي في مدينة البصرة حتّى اليوم، والركنية أكثر أتباعاً من منافسيهم الكشفية، ويتمركز وجودهم في مدينة كرمان بإيران، ثم مدينة البصرة، ويوجد قليل منهم في الكويت وبعض مناطق إيران الأُخرى .
ويمكن التعرف على أفكارهم من خلال كتبهم، مثل «رجوم الشياطين» و «كشف المراد في علم المعاد» و «هداية الأطفال» و «هداية الصبيان» و «إرشاد العوام» و «الفطرة السليمة» و «الفلسفية» للشيخ أبو القاسم الكرماني.
الطائفة الكشفية :
أمّا الطائفة الكشفية فيعتقدون انّ الشيعة ينقسمون إلى قسمين: كاملي العقيدة، وناقصي العقيدة. والمعني بكاملي العقيدة هم الكشفية أنفسهم ومن يعتقد بعقيدتهم في أهل البيت (عليهم السلام) ; وأمّا ناقصي العقيدة فهم معظم الشيعة الإمامية. وتتلخص عقيدتهم في أهل البيت (عليهم السلام) بأمرين :
الأوّل: الاعتقاد انّ علم الإمام حضوري وليس حصولي، يعني أن يعلم بما كان وما سيكون إلى يوم القيامة بإرادة الله تعالى، بحيث تكون جميع هذه المعلومات حاضرة في ذهنه دائماً كمن يشاهد بالعيان .
الثاني: الاعتقاد بأنّ دم الإمام وجميع فضلاته طاهرة.
وعلى أساس هذا التقسيم للشيعة أصدر علماء الكشفية أحكاماً فقهية خاصّة منها:
انّه لا يجوز لمن كان كامل العقيدة أنّ يقلّد مرجعاً ناقص العقيدة أو يصلّي خلف إمام ناقص العقيدة، أي من كان يعتقد بطهارة دم الإمام وانّ علمه حضوري لا يجوز له أن يقلّد أو يصلّي خلف من لا يرى ذلك، فكمال العقيدة بهذا المعنى شرط في مرجع التقليد وإمام الجماعة.
ويعتقد أنّ تسميتهم بالكشفية لادّعاء علمائهم أنّ خفايا بعض الأُمور تُكشف إليهم ببركات الأئمة المعصومين (عليهم السلام) .
ويتواجد الكشفية اليوم بشكل رئيسي في الكويت وهناك مقر زعامتهم، كما يتواجد بعضهم في مدينة الهُفوف وبعض القرى بالأحساء ولهم أيضاً بعض الأتباع في تبريز بإيران وبعض المدن الجنوبية بالعراق .
بقي أن نشير إلى أنّ كلاًّ من الركنية والكشفية يعتقد بانحراف الطائفة الأُخرى وضلالتها. ونكتفي بهذا التعريف الموجز للطائفة الشيخية. ( [2])
وقد ألّف حول الشيخية والطائفتين المنشقتين منها رسائل ومقالات، غير انّ ما كتبه الأُستاذ هاشم محمد الشخص من أوجز وأوثق ما كتب، في الموضوع وقد اقتبسنا في بيان ما يرجع إلى هذه الطائفة وفروعها من كتابه «أعلام هجر من الماضين والمعاصرين
[1] . روضات الجنات: 1 / 88 برقم 22; مستدرك الوسائل (الخاتمة): 2 / 121; قصص العلماء: 47 ; هدية العارفين: 1 / 185 ; إيضاح المكنون: 1 / 205 ; أنوار البدرين: 406 برقم 8 ; أعيان الشيعة: 2 / 589 ; ريحانة الأدب: 1 / 78 ; الذريعة: 7 / 124 برقم 667 ; الكرام البررة: 1 / 88 برقم 180 ; الأعلام: 1 / 129 ; معجم رجال الفكر والأدب في النجف: 1 / 89 ; معجم المفسرين: 1 / 38 ; معجم المؤلفين: 1 / 228 ; فرهنگ بزرگان: 36 .
[2] . نقل من كتاب « أعلام هجر » بتلخيص وتصرّف، تأليف هاشم محمد الشخص .