
Super User
أبعاد التصعيد في أوكرانيا
يقول الرئيس الأوكراني بترو بوروشينكو إن بلاده "لاعب نشط في العالم"، وإن لديها "حلفاء موثوقٌ بهم". قد يبدو التصريح بهذا عادياً من رئيس دولةٍ يحمل في نفسه طموحاً وآمالاً لأدوارٍ كبرى تُعطى له، في سياق العلاقة المُتوتّرة بين روسيا والغرب، خصوصاً في السنوات القليلة الماضية. لكنه من دون شك قول موصول بسياقٍ من الأنشطة والأداء السياسي الذي يحمل في طيّاته مخاطر كبيرة على أوكرانيا أولاً، وعلى السِلم في أوروبا تالياً. ويطرح فضلاً عن ذلك تساؤلاً جدّياً: ما هو الموقف الذي ينتظره بوروشينكو من "حلفائه الموثوقين" في علاقته بروسيا، وخصوصاً في أزمة مضيق كيرتش؟
وفي سياق الإجابة عن هذا التساؤل، تبرز مجموعة من المُعطيات ذات المعنى، أولها أن التوتّر في مضيق كيرتش -بعد تجاوز ثلاث سفنٍ أوكرانية المياه الإقليمية الروسية، واحتجازها لاحِقاً من قِبَل الروس- غير مُستجدٍ بين كييف وموسكو، لكنه يتضمّن تصعيداً واضحاً في الموقف، يبدو بدوره مقصوداً من قِبَل بوروشينكو. أما المُعطى الثاني، فهو تصاعُد الضغوط الغربية على موسكو في السنتين المُنصرمتين، وتصويب هذه الضغوط على علاقات روسيا مع بقيّة العالم، خصوصاً العلاقات مع أميركا وأوروبا الغربية. فضلاً عن محاولةِ عزلٍ لروسيا تبدو أكثر نشاطاً مع مرور الوقت.
هذه النقطة الأخيرة لا يفوّت الرئيس الأوكراني فرصةً للمُفاخرة بها، والتلذّذ بالقول إن بلاده "شكّلت إئتلافاً عالمياً داعِماً لها"، وإن روسيا اليوم تبدو معزولةً عن العالم، بفضل سياسته كما يعتقد. لكن بالمقابل، لا تبدو شهيّة الأوروبيين، وحتى الأميركيين، مفتوحةً لتصعيد الموقف مع روسيا. الموقف الأوروبي لم يكن على قدر توقّعات بوروشينكو، فتصريحات فيديريكا موغريني التي تحدّثت فيها عن ضرورة مواجهة الخطر الروسي كانت بارِدة ولا تخدم نوايا التصعيد بقدر ما تؤشّر إلى خطرٍ أكثر أهمية سوف نعود إليه. في حين أن موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب اقتصر على بالونٍ إعلامي بإلغائه اللقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الأرجنتين، من دون أن يُجاري كييف في حمايتها ضدّ موسكو، رابطاً تطلّعه للقاء مع بوتين بتطلّعٍ آخر مفاده "حلّ المسألة" بين الجارتين. وبالأخصّ بعد معرفته بأن أوكرانيا لم تُخطِر الجانب الروسي بنيّة سفنها عبور مضيق كيرتش قبل أن يعتقل بحارتها.
وبالقرب من هذا الموقف، كانت تقف المُستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي دعت أوكرانيا إلى التعقّل، ورأت ألا حل عسكرياً لهذه الأزمة. لكن وزير الخارجية الألماني السابق زيغمار غابرييل ذهب أبعد من ذلك ليُشير إلى نقطةٍ مباشرةٍ ذات أهمية حين قال: "أعتقد أنه في أية حال من الأحوال ينبغي ألا نسمح لأوكرانيا بأن تدفعنا إلى الحرب. لقد حاولت أوكرانيا القيام بذلك".
وفي حين يُصرّ بوروشينكو على التوغّل أكثر في التصعيد، يستعيد مراقبون تجربة الرئيس الجورجي السابق ميخائيل ساكاشفيلي الذي ارتكب خطأ قاتِلاً حين اعتمد على حليفه الموثوق يومها، الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش، فقام بخطوةٍ استفزازيةٍ ضد موسكو بإلغائه الوضع الخاص لإقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، الأمر الذي كلّفه اجتياحاً روسياً سريعاً وحاسِماً، اكتفى بوش يومها بالتفرّج عليه.
ومع اختلاف الحالتين والمُعطيات، لا يمكن إغفال المثل الجورجي في هذه اللحظة، خصوصاً وأن ساكاشفيلي حينها، وبوروشينكو اليوم، يختزنان عداءً لموسكو، قد يكون مُغرياً لتجاوز حسابات العقل نحو التهوّر والمُراهنة بمصير البلاد. وبالأخصّ أن خطوات بوروشينكو الأخيرة لا تبدو مدفوعةً بإرادةٍ أميركية في هذه المرحلة.
لكن اللافت هو استمرار الخطوات الأوكرانية التصعيدية، وآخرها تقديم بوروشينكو مشروع قانون إلى البرلمان (رادا) يهدف إلى إنهاء معاهدة الصداقة والتعاون والشراكة مع الاتحاد الروسي. فضلاً عن استدعاء كييف قوات الاحتياط. الأمر الذي ترى فيه موسكو محاولة هدم ما بُنيَ بين الشعبين على مدى سنواتٍ طويلة.
وبين هذا وذاك، يبقى أن الأخطر هو ما أشارت إليه موغريني في كلمة لها في كلية كينيدي للعلاقات الدولية في جامعة هارفارد، والذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، حين قالت: "اليوم، أخشى، أنه علينا الاعتراف بأن النظام العالمي الجديد لم يتجسّد بالفعل، والأسوأ من ذلك، اليوم هناك خطر حقيقي بأن شريعة الغاب ستحلّ محل سيادة القانون، اليوم يتم التشكيك حتى في تلك الاتفاقيات الدولية التي وضعت حداً للحرب البارِدة".
إذن، في مقابل السعي الروسي نحو تشكيل نظام عالميٍ جديد مُتعدّد الأقطاب، تتّجه الولايات المتحدة الأميركية إلى هدم المبنى القانوني للتفاهُمات السابقة مع روسيا ودولٍ أخرى كبرى عالمياً وإقليمياً، من خلال الانسحاب من مجموعةٍ من أهم المُعاهدات التي لطالما كبَحَت جَماح العنف، وأمّنت الحد الأدنى من الاستقرار العالمي، وأهمها الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، واتفاقية باريس للمناخ، معاهدة الأسلحة النووية، مع اتجاه إلى مزيدٍ من الانسحابات الاقتصادية والعسكرية يلوّح بها دونالد ترامب كل يوم.
فهل يقوّم بوروشينكو مخاطر اللعب بين هذه الانسحابات وتعثّر الوصول إلى نظامٍ جديدٍ آمنٍ؟
نورالدين إسكندر
موسكو: الدول التي تحوي قواعد للصواريخ الأميركية ستصبح هدفاً لصواريخنا
قال قائد هيئة الأركان العامة الروسية إن "نسف معاهدة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى لن يبقى دون رد من جانبنا".
وفي السياق نفسه، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده لا ترغب في نسف معاهدة اتفاقية الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، مشيراً إلى أن موسكو سترد بالشكل المناسب في حال انسحبت الولايات منها.
كلام بوتين جاء تعليقاً على تصريح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، بشأن عزم واشنطن الانسحاب من معاهدة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، إذ اعتبر أنّ"تصريحات السيد بومبيو جاءت متأخرة إلى حد ما، في البداية أعلن الجانب الأميركي أنه يعتزم الانسحاب من المعاهدة.. ومن ثم بدأ بالبحث عن ذرائع، لأن عليهم القيام بذلك".
الرئيس الروسي أوضح أن حجة واشنطن هي "قيامنا بانتهاك أمر ما، لكنهم كالعادة لم يقدموا أي أدلة".
ولفت إلى أنّ "القرار اتخذ منذ وقت، وتكتموا عليه، متوهمين أننا لن نلاحظ ذلك، إلا أن ميزانية البنتاغون تشمل تطوير هذه الصواريخ، ولم يعلنوا عن قرار انسحابهم إلا بعد ذلك".
يشار إلى أنّ الولايات المتحدة هددت بالانسحاب من معاهدة الصواريخ، متهمة روسيا بانتهاكها.
وكان وزير الخارجية الأميركي أعلن أمس الثلاثاء، أن الولايات المتحدة ستعلق التزاماتها بموجب معاهدة الصواريخ النووية متوسطة وقصيرة المدى في غضون 60 يوماً "إن لم تلتزم موسكو بمسؤولياتها".
ما هي تداعيات مشروع القرار الأمريكي الذي يدين "حماس"؟
من المقرر أن تصوّت الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم غد الخميس، على مشروع قرار قدّمته الولايات المتحدة الأمريكية، لإدانة حركة "حماس" وإطلاقها للصواريخ من قطاع غزة.
ويُطالب المشروع، الذي اطلعت وكالة الأناضول على نسخة منه، بإدانة حركة "حماس"، وإطلاق الصواريخ من غزة، ويطالبها بوقف "أعمالها الاستفزازية ونبذ العنف".
في حال تم التصويت لصالح القرار، فإن الإدانة، بحسب محللين سياسيين، ستمس كافة أطر وهياكل النضال الوطني الفلسطيني، بشكل يتنافى مع مبادئ القانون الدولي، الذي شرّع "المقاومة بكافة أنواعها ضد الاحتلال".
كما سيكون القرار الأول من نوعه الذي يدين "حماس" في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ووفق قانونيين ومحللين سياسيين، تحدثوا لوكالة الأناضول، فإن القرار في حال صدوره سيشكل انعكاسا للمزاج الدولي تجاه "المقاومة الفلسطينية"، ما قد يؤدي إلى انعكاسه بشكل سلبي على "الدول الداعمة لها".
**معارضة للقانون الدولي
محمد صيام، الباحث في الشأن القانوني، يقول إن مشروع القرار الأمريكي بإدانة "حماس" ينفي ويدحض أحد الحقوق التي كفلها القانون الدولي، وهي حق الدفاع عن النفس وتقرير المصير ومقاومة الاحتلال باستخدام الطرق المسلّحة والشعبية السلمية.
واعتبر صيام القرار، في حال التصويت عليه، مقدّمة "لدحض كافة حركات المقاومة القائمة في الأراضي الفلسطينية"، مشيراً إلى أن القرار " تهديد للحقوق الأساسية المكفولة في القانون الدولي من قبل الأمم المتحدة الراعية للقوانين الدولية".
وتابع قائلاً، لـ"الأناضول":" مشروع القرار الأمريكي محاولة لإفشال آخر جهد فلسطيني لانتزاع حقوقه عبر المقاومة"، فالأمر لن ينتهي بإدانة حماس، في حال تم التصويت لصالح القرار، إنما الانتقال لكافة الفصائل الموجودة في الأراضي الفلسطينية ".
وأكد صيام على أن المنظمة الأممية "كفلت لأبناء الدولة المحتلة، طرد الاحتلال وممارسة كافة أشكال التحرر بما يضمن تحقيق تقرير مصير الأفراد".
وأوضح أن مشروع القرار الأمريكي يمس "جزءا وركيزة أساسية من القانون الدولي؛ وهو حق المقاومة الشعبية بكافة الطرق التي كفلها القانون الدولي ومنها حق تقرير المصير".
كما لفت إلى أن القرار، في حال التصويت لصالحه، سيشكل بداية لمشروع "تسوية الحقوق الفلسطينية، والضغط على الفصائل لوقت أعمال المقاومة المكفولة بالقانون الدولي"، مقابل غض الطرف عن "الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في الأراضي الفلسطينية".
ويتوجب على الأمم المتحدة، وفق صيام، بدلاً من إقرار مشاريع قوانين لحقوق مكفولة من قبلها، "رفع الحصار عن قطاع غزة وتنفيذ القرارات التي صدرت بحق إسرائيل من تشكيل لجان حقائق، وتفعيل دور المحكمة الجنائية الدولية بحق الجنود الذين ارتكبوا جرائم خلال العدوان على غزة، ومراعاة حقوق الأسرى التي يتم انتهاكها يومياً من قبل الاحتلال الإسرائيل".
**إدانة للنضال الوطني الفلسطيني
ناجي الظاظا، الكاتب والمحلل السياسي، يرى في حديثه مع وكالة "الأناضول"، أن مشروع القرار الأمريكي "لا يمس حركة حماس وحدها، إنما يمس كل أشكال المقاومة الفلسطينية والتراث النضالي للشعب الفلسطيني سواء المسلح أو الشعبي السلمي".
واعتبر الظاظا، مشروع القرار "على أنه تعارض حقيقي مع التشريعات الدولية والقانون الدولي".
وأوضح أن "حركة حماس، عبّرت عن نفسها في الوثيقة التي أعلنت عنها في مايو/ ايار 2017 على أنها حركة تحرر وطني؛ بالتالي تستند لكل الميراث الإنساني والقانوني الذي يدعم حق الشعب الفلسطيني لمقاومة الاحتلال".
وباعتراف الأمم المتحدة فإن فلسطين لا زالت تحت الاحتلال الإسرائيلي، وهناك قرارات من مجلس الأمن تدعم حق الشعب بتقرير مصيره؛ وفق الظاظا.
واستكمل قائلاً:" كما أن بقاء منظمة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا، واستمرار حال اللاجئين وعدم عودتهم إلى أراضيهم التي هجروا منها عام 1948، كل ذلك يدعم حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال استنادا للقانون الدولي".
واستبعد الظاظا نجاح الولايات المتحدة الأمريكية في تمرير القرار "لوجود مؤشرات حقيقة ودبلوماسية تعمل ضد القرار".
وتابع في ذلك الصدد:" العدد المطلوب للتصويت لصالح القرار كبير جدا، وهناك بعض الدول مثل روسيا قالت إنها ستستخدم حق الفيتو في مجلس الأمن ضد القرار؛ حيث تعتبر أن القرار سيشكل انتكاسة لحالة الأمن في المنطقة، حيث أن حركة حماس وحركات المقاومة جزء أساسي من حالة الصراع والأمن في المنطقة".
**تداعياته
حسام الدجني، الكاتب والمحلل السياسي، يقول إن مشروع القرار الأمريكي في حال تم التصويت لصالحه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لن يكون ملزما، لكن سيكون له تداعيات مختلفة.
وقال الدجني، في حديثه للأناضول:" تداعيات مشروع القرار في حال تم اقراره على حماس والقضية الفلسطينية ستكون معنوية، إلا أنه سيعبّر عن حالة المزاج الدولي تجاه مقاومة شعبنا".
ويعتقد أن ذلك القرار قد ينعكس بشكل ما، وفي وقت لاحق "على الدول أو الأفراد الداعمين للمقاومة الفلسطينية".
كما يدعم ذلك القرار، وفق الدجني، توجهات إسرائيل "بأرهبة المقاومة وحركاتها في كل المحافل الدولية".
ويرى أن "الإدارة الأمريكية وحلفاءها يريدون كسر حالة الروتين التقليدي التي تمثلها الجمعية العامة للأمم المتحدة في دعمها للقضية الفلسطينية، عبر مواجهة ذلك بقرارات إدانة للشعب الفلسطيني من أجل تفريغ القرارات الداعمة لهم من مضمونها السياسي والقانوني".
ويوضح الدجني أن "حماس، لمواجهة مشروع القرار الأمريكي، مطالبة للتنسيق مع الدبلوماسية الفلسطينية لاستغلال علاقاتها الشعبية والدولية لا سيما مع روسيا والدول العربية والإسلامية وبعض دول أمريكيا اللاتينية، لإفشال القرار".
ما هي أسباب تهويل نتنياهو بحرب الأنفاق؟
الضجّة التي يفتعلها نتنياهو بذريعة حماية المنطقة الشمالية من أنفاق حزب الله، قد يكون سببها محاولة الأخير التهرّب من فضائح الفساد ومن أزمات حكومته المستفحلة بعد هزيمة العدوان على غزّة. لكن تخبّطه في افتعال الهروب إلى الأمام، يدلّ على أن "إسرائيل" تتعرّض لأزمة الكيان نتيجة انتفاء قدرتها على شنّ العدوان ضد سوريا ولبنان.
على وقع تصدّع حكومة نتنياهو إثر فشل العدوان على غزة، تعمّد أن يتهرّب من الملاحقة بتهم الفساد في الذهاب إلى بروكسيل للقاء وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو. فالإشارت التي ألمح إليها نتنياهو تعمّد بها إثارة الشكوك والغبار بشأن قرار جلَل سيعرضه على بامبيو، ربما يؤدي إلى عملية عسكرية ضد المقاومة في لبنان إذا وافق البيت الابيض على الدعم وحماية الحرب.
لكن التخبّط الذي يعاني منه نتنياهو، أشار إليه بعض العسكريين الاسرائيليين كما أوضح حايم فرنكل في صحيفة معاريف فيما أطلقوا عليه مخاطر الهجوم الوقائي في المنطقة الشمالية. وهذه المخاطر ستكون نتيجتها الاخفاق عند التنفيذ حيث يصطدم سلاح الجو بصعوبات ليست سهلة.
وعلى الرغم من الضجة الصاخبة بشأن انطلاق عملية "درع الشمال" بينما كان اللقاء مع بومبيو ساخناً، أوضح المتحدث باسم القوات الإسرائيلية جوناتان كونريكوس أنه سيتم سدّ الانفاق في الأراضي الإسرائيلية ولن تتقدم "إسرائيل" إلى الأراضي اللبنانية. وإذا كان نتنياهو قد استأذن بومبيو والإدارة الاميركية من أجل سدّ الانفاق من دون تحرّك عسكري ملفت للنظر، فهو أمر يدلّ على حجم الخشية الإسرائيلية من ردّ المقاومة على تحرّك اسرائيلي قد لايكون طابعه عسكرياُ هجومياً.
ما يسمى "مشروع الانفاق الهجومية" التي تزعم "إسرائيل" أن حزب الله أنشأها على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، هو المشروع الذي جنّدت له اسرائيل منذ العام 2014 عدة فرق عسكرية وهندسية ولوجستية تحت قيادة قائد المنطقة الشمالية يوئل ستريك " لمنع حزب الله من استخدام هذه الانفاق السرية في الهجوم على الجليل الأعلى".
ولم تكتشف "إسرائيل" هذه الانفاق التي تصل إلى مقربة من الجليل الأعلى في العمق الفلسطيني كما تقول. وفي ظل مجمل الشكوك التي تحيط بادعاءات "إسرائيل" في هذا الشأن، تزداد الشكوك عن إدعاء نتنياهو بما سمّاه "درع الشمال" من أجل سدّ الانفاق التي لم يتم اكتشافها ولا تعيينها.
قد تكون مجمل هذه السردية مفتعلَة لأسباب تتجاوز الألاعيب السياسية بين نتنياهو ووزرائه بعد فشل العدوان على غزة، وحتى الألاعيب القضائية للتهرّب من فضيحة الفساد. ولعل المأزق الداهم الذي يهدّد أسس الكيان في "إسرائيل" ومن ورائه الحكومات الإسرائيلية المتلاحقة هو نتيجة فقدان "إسرائيل" القدرة على العدوان التي كانت العمود الفقري في بناء شرعية الحكم والحكومة.
بعد إسقاط الطائرة الروسية فوق الأراضي السورية، خسرت "إسرائيل" ما كان يحفظ ماء الوجه وأدركت أنها فقدت الورقة التي كانت تراهن عليها لشن العدوان على سوريا وعلى المقاومة في الأراضي السورية بذريعة مواجهة إيران. ولم تنجح محاولات نتنياهو العودة إلى ما سبق في التفاهم مع الرئيس الروسي.
فالمحاولة الأخيرة في هذا السياق، قامت بها "إسرائيل" في العدوان في 29 من الشهر الماضي الذي استمر ساعة وربع بحسب ما رشح في الإعلام الإسرائيلي. فهذه المدّة تشير إلى أنها أطلقت الصورايخ عن بعد ولم تدخل الطائرات في المجال الجوي السوري الذي أعلنت موسكو عن حمايته، ولا يبدو أن "إسرائيل" حققت من وراء العدوان انجازاً يُذكر في العودة إلى ما سبق على الرغم من الإيحاء بأن العدوان تمّ بعد اجتماع أمني بين الروس والإسرائيليين.
ما تفقده "إسرائيل " من القدرة النسبية على شنّ العدوان في سوريا، تحاول تعويضه بحلم العودة إلى الزمن الغابر في لبنان. وفي هذا الإطار يهوّل نتنياهو بحرب افتراضية ضد حزب الله أو على الأصح "لسد أنفاق حزب الله" في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي هذا التوضيح على لسان المتحدث باسم القوات الإسرائيلية، تتراجع "إسرائيل" خطوات إلى الوراء عما رشح عن لقاء نتنياهو مع بومبيو بشأن "مسألة مصانع دقّة الصواريخ" للمقاومة في لبنان، وبشأن التحضير لحملة ضد إيران "وأتباعها" في سوريا ولبنان.
التراجع الإسرائيلي عن أحلام ليست بمتناول يد نتنياهو، ربما فرضه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في رسالة الإعلام الحربي الأخيرة " إذا تجرّأتم ستندمون".
قاسم عزالدين
سيكولوجيا التواصل الإجتماعي.. الأعراض والوقاية!
هل لجأتم إلى البحث عن أساليب تقنية لحجْب تواجدكم "أونلاين" على "واتسآب" و"مسنجر"؟ كم من مرة لجأتم إلى إلغاء حسابكم على فايسبوك أو تويتر بهدف الحصول على فترة نقاهة؟ هل تستفزّكم بسرعة تعليقات الآخرين على شبكات التواصل؟ هذا الملف يهدف إلى شرح سيكولوجيا شبكات التواصل الاجتماعي.
انطلقت الأبحاث حول التبعات النفسية والعقلية لاستخدام أدوات وشبكات التواصل الاجتماعي منذ بروز هذه الوسائل، باعتبارها تخترق الأنماط المعهودة للتواصل بين البشر وتؤثّر على سلوك المُستخدِم وتؤدّي بالحد الأدنى إلى تعزيز التوتّر والضغوطات النفسية بسبب طبيعتها الزمنية والمكانية ولارتباطها المباشر بتشكيل عاداتنا، بل وأنماط تفكيرنا.
لا بل أن الأبحاث النفسية المُختصّة بعلِم الحاسوب تعود إلى الأيام الأولى لظهور لغات البرمَجة مع ما تطلّبتها من استغراقٍ كاملٍ وتركيزٍ مضنٍ من قِبَل المُبرمجين، حتى باتت التقلّبات المزاجية سِمة عامة يجري تعميمها على هذه الشريحة من المهنيين.
لكن في العقد الأخير، بات المُختصّون يركّزون أكثر فأكثر على كل أداة ومنصّة بذاتها، نظراً للتطوّر السريع للخاصيات التي توفّرها هذه الأدوات والتنافُس الحاد في ما بينها لاكتساب العقول والقلوب.
ولم يعد خافياً أن كُبرى الشركات المالِكة لهذه الأدوات تخصّص مبالغ طائلة لأقسام الأبحاث المُختصّة بدراسة السلوك البشري وتطوير الذكاء الصناعي بما يتواءم وتفاعل البشر مع التكنولوجيا، فضلاً عن البيانات الضخمة التي يتم جمْعها كل لحظة جرّاء استخدام التطبيقات والمنصّات والمواقع والبرامج بهدف دراسة سلوك المُستخدمين.
ومع تحوّل معظم البشر إلى إقتناء الهاتف الجوّال واستخدامه بدلاً من الحاسوب في إنجاز مختلف الأعمال، بات هذا الإختراع، الذي يُطلَق عليه إسم "مُرسل الإشارات" في مختبرات غوغل، عاملاً مؤثراً في صحّتنا النفسية.
تشترك معظم منصّات التواصل الاجتماعي والأدوات المُرتبطة بها بخاصيّة "المُراسلة"، باعتبارها ثورة تقنية تختزل الزمان والمكان وتنقل "الرسالة" بشكلٍ آنيّ.
ويتركّز عمل معظم الشركات المالِكة لتطبيقات المُراسلة على إضفاء أكبر كمٍ ممكنٍ من التفاعُل الإفتراضي عليها، حتى باتت الرسومات التعبيرية جزءاً من ثقافتنا وحلّت لغة "الواتسآب" بديلاً عن اللغات المحلية.
فلماذا صارت هذه التطبيقات مادة جديدة للإدمان؟ وما هو السرّ الكامِن فيها؟
هكذا تسيطر علينا أدوات التواصل الاجتماعي
تحوَّل الهاتف من دور أداة للإتصال الصوتي إلى جهاز للتواصل بالنصّ والصورة بالدرجة الأولى، فضلاً عن أنه بات مختبراً لكافة أنواع التطبيقات المُرتبطة بسلوك واهتمامات و"هواجِس" البشر.
وعلى الرغم من أن تطبيقات كـ"الواتسآب" أو "مسنجر" قادرة على لعب الدور التقليدي للهاتف، إلا أن استخدامها الرئيس يكمُن في الوصول إلى الآخرين عبر نصوص سريعة ورسوم تعبيرية مُجرّدة من المشاعر الحقيقية في اللحظة التي يقرّر المُرسِل أنها مناسبة.
في الأصل، نحن كائنات اجتماعية تحب التواصل في ما بينها، ويثير فضولها الاستكشاف والتعبير عن أنفسها كما التعرّف على الآخر. للوهلة الأولى، يبدو أن تطبيقات التواصل تحقّق رغباتنا البدائية. ولكن الحقيقة النفسية تخفي ما هو أبعد من ذلك.
في جميع العادات التي نمارسها، هناك دائماً "نمط"Pattern مخفيّ يتكرّر دوماً ويجعل من هذه الممارسة عادة دائمة. هذا النمط عادة ما يكون محلّ اهتمام الشركات التي تصنع بضائع أو مُنتجات تستهدف عاداتنا الاستهلاكية، سواء كانت طعاماً أمْ ترفيهاً أو أيّ مجال يرتبط بسلوكنا اليومي وحاجاتنا الطبيعية.
تطبيقات الإتصال والمُراسلة تُحاكي تماماً النمَط الإستهلاكي؛ أي إنها تُجبرنا دوماً على العودة إليها كمُستخدمين.
هذه العملية تتألّف من "مثير" Trigger، حركة Action، مكافأة Reward واستثمار Investment.
الشرح المُختَصر لهذه العملية يفيد بأن "المثير" Trigger هو العامِل الذي يدفعنا لاتّخاذ إجراء معيّن. قد يكون هذا "المُثير" عاملاً خارجياً كما هي "الإشعارات" Notifications التي تصلنا لتنبيهنا بوجود رسالة جديدة، أم عامل داخلي اعتدنا عليه كلجوئنا إلى إرسال أمنيات الصباح لكل الأرقام المُسجّلة في هاتفنا.
مع الوقت، لا يعود هناك حاجة للعامل "المُثير" Trigger الخارجي، ويتقدّم العامل الداخلي بعد أن صار هذا الجزء من العملية تلقائياً ومألوفاً لدينا. وهكذا فنحن نُسارع إلى "واتسآب" أو "فايسبوك" أو "تويتر" حين نشعر بالوحدة. وحين نخشى فقدان اللحظة، نلتقط لها صورة وننشرها عبر "انستغرام".
لكل موقف نعيشه هناك تطبيق أو أداة جاهزة لتُحاكي مشاعرنا وانفعالاتنا وحاجاتنا. ولأن العملية باتت مألوفة وتسير بشكلٍ سريعٍ للغاية، فنحن لا نمتلك الوقت للتفكير ولو لحظة ما إذا كان اللجوء إلى هذه الأدوات للتعبير عن مشاعرنا أمر ضروري فعلاً، أو ما إذا كان الفعل الذي نلجأ إليه عند استخدام هذه الأدوات والمنصّات يروي فعلاً مشاعرنا وحاجاتنا وانفعالاتنا.
وهكذا تنشأ حال من "الإرتباط" مع هذه المُنتجات والتطبيقات!
في المرحلة الثانية من عملية "الإدمان" الإفتراضية هذه، نحن نتّخذ الخطوات دوماً للإستجابة للعامل "المؤثّر" Trigger الذي تحدّثنا عنه. يكفي فقط أن ننشر تعليقاً أو صورة أو نرسل أيّ محتوى عبر أدوات "التواصل" لنشعر بـ"المُكافأة" Reward؛ ذلك الشعور الخادِع بالسرور والسعادة لتعبيرنا عن أنفسنا.
اشتقت لشخصٍ آخر؟ أرسل له رسالة فورية وانتظر المُكافأة! مكافأة ردّه.
إن مُجرَّد اللجوء إلى استخدام أية أداة عبر النَقر عليها هو "الفعل" Action اللازِم في سياق تشكيل "النمط" الإستهلاكي لدينا. والعجيب فعلاً أن هذا "الفعل"، الذي يحوّلنا إلى "فئران تجارب" من دون أن ندري بفعل البيانات الضخمة التي تجمعها الشركات الكبرى العابرة للحدود عن سلوكنا في أدقّ تفاصيله، هذا "الفعل" هو نفسه يولّد لدينا إحساساً بـ"المُكافأة". يكفي أن نحصل على ردّ أو تعليق على ما أرسلنا لنشعر في داخلنا أن الهدف تحقّق. وهكذا كلما زادت أنواع المُكافآت وحجمها، زادت مرات "الفعل" لدينا.
يمكنكم الركون إلى "المؤثّرين" Influencers على "يوتيوب" أو "أنستغرام" أو المدوّنين المشهورين على "فايسبوك" أو "تويتر" لتلحظوا تماماً أن نشاطهم المُكثّف هو "أفعال" مرتبطة بشعورهم بـ"المُكافأة"، سواء كانت مالية أمْ عدداً أكبر من المُتابعين.
ومع إضافة "خدع" نفسية بسيطة، يمكن تحفيز "الفعل" لدينا واستثارة شعور "المُكافأة" أكثر. هلّا فكرتم بسبب انتشار "سناب شات" بين المراهقين في كل أنحاء العالم؟ الجواب بسيط: إن قدرة المُستخدِم على إرسال محتوى (صورة، فيديو أو نصّ) يختفي بعد وقت قصير "تدغدغ" الفضول والحشرية لدينا.
وللعِلم، فإن جميع المنصّات من "فايسبوك"، إلى "أنستغرام" و "يوتيوب" قريباً، تطوِّر بإستمرار خاصية "سناب شات" الرئيسية تحت مُسمّى "القصص" Stories. وهذه "القصص" هي إحدى الصيحات الجديدة في الوقت الراهن بين جميع المُستخدِمين.
ويتعدّى تأثير "القصص" وإنتشارها شبكات وأدوات التواصل الاجتماعي، بل هي باتت "نظرية" إعلامية لكبرى وسائل الإعلام عبر العالم على الرغم من سطحيّتها وضحالتها المعرفية وافتقارها إلى أحد أهم أهداف الرسالة الإعلامية؛ أعني "المعرفة".
وبعد مرورنا بمرحلة "المثير" فـ"الفعل" ثم "المُكافأة"، نقرّر أن نصرف المزيد من الوقت في تكرار "النمط"؛ أي إننا "نستثمر" المزيد من وقتنا وجهدنا ومالنا في الإستجابة للعوامل "المُثيرة" لـ"أفعالنا" كي نشعر مجدّداً بـ"المُكافأة".
ويتنوّع "الإستثمار" بحسب طبيعة الأداة أو المنصّة. فقد يكون على شكل "إضافة صديق"، أو الردّ على الردّ حتى ولو كانت الرسالة غير ضرورية، أو نشر المزيد من المحتوى بغضّ النظر عن قيمته الفعليه ما دام قد لقي تجاوباً من الأخرين وسبَّب لنا شعور "المُكافأة". وهكذا يجرّ المحتوى "المُبتذل" إلى المزيد من الإبتذال، وتزيد التعليقات الساخِرة من المحتوى الساخِر حتى يصبح نمطاً فكرياً يتحكّم بسلوكنا وردّات فعلنا ومشاعرنا.
الخطوات جميعها أعلاه تبني سلوكنا وأذواقنا وعاداتنا.
ويوماً بعد آخر، تتعمّق أقسام الأبحاث في المنصّات الاجتماعية على إبتكار أدوات وميزات تخاطب سِمات نفسية لدينا.
ما هي التبعات النفسية لاستخدام التواصل الاجتماعي؟
تُحَدِّث رابطة عُلماء النفس الأميركيين باستمرار تعريفات الأمراض والإضطرابات النفسية بما يتلاءم مع التطوّر البشري على مختلف الصُعد.
بعد إدمان الإنترنت، صار إدمان "الهواتف الذكيّة" اضطراباً مألوفاً تُخصَّص له مراكز تأهيل وعلاجات مُحدَّدة.
تختلف أعراض الاستخدام "الزائِد" للهواتف الذكية من اضطرابات السلوك، إلى أعراض جسدية، فاختلالات عقلية (كفُقدان التركيز والنسيان المَرَضي).
وضمن هذه الأعراض، تختلف درجة "الإصابة" والتأثّر لدى كل مُستخدِم تبعاً لعوامل عديدة، فتتراوح شدّتها من العدوانية الملحوظة وتقلّبات المزاج الحادّة إلى حدود الأمراض العقلية الخطيرة.
وقبل هذا كله، فإن لحظة استخدامنا لأدوات "التواصل" هي في الحقيقة لحظة إنسلاخ عن الواقع. وهذا بحد ذاته واحد من أكثر العوامل خطورة التي ينتج منها فقدان السيطرة على الذات، اتّكالية على الآخرين، مَلَل سريع واهتزاز الثقة بالنفس.
في حال "واتسآب"، تتحدّث بعض الدراسات النفسية عن "اضطراب الشخصية الحدّية" كنتيجة للاستخدام المُفرط لهذه الأداة.
وتشير أبحاث مؤسّسة "مايو كلينك" الشهيرة العامِلة في المجال الطبي إلى أن هذا النوع من الإضطراب يؤدّي إلى عدم استقرار في العلاقات، وتشوّه في الصورة الذاتية واندفاعاً في العواطف. كما أن المُصاب بهذا الإضطراب قد يعاني صعوبات في تحمّل الوحدة وحالات حادّة من العدوانية تجاه الآخرين، على الرغم من حاجاته إلى الشعور بالحب والعطف من الآخرين لمواجهة شعور الوحدة.
وغالباً ما يُطور المصابون بـ"إضطراب الشخصية الحدّية" خوفاً من النبذ، فيلجأ المُصاب إلى اتخاذ إجراءات "متطرّفة" بهدف تجنّب هذا الخوف، كما أنه يُبدّل أهدافه بسرعة ويولّد في ذاته شعوراً بالإضطهاد كما السلوك المُندفِع وردّات الفعل المُتهوّرة، وصولاً إلى السلوك "الإنتحاري".
ومن اللافت أن عوارض الوحدة والتقييم المُنخفض للذات تكاد تكون مشتركة في جميع الدراسات النفسية التي تناولت مُستخدمي الإنترنت عموماً.
"اضطراب الشخصية الحدّية" واحد من اضطرابات كثيرة تجري دراستها وملاحظتها لدى العلماء والباحثين في عِلم النفس، لكن الخوض في ذِكرها وشرح أعراضها لا يسعه مقال صحفي. ومن الأفضل دوماً توخّي الحَذَر عند تناول أيّ موضوع يرتبط بعِلم النفس في الإعلام كون مصطلحاته من الدقّة بمكان يصعب معها على عامة الناس إدراكها بالشكل الصحيح، بعيداً عن المفاهيم الشعبية.
والمشكلة أن الكثير من الناس لا يُميّزون أصلاً بين الحاجة إلى مُعالِج نفسي مُختصّ أو طبيب نفسي، فمعرفة الفارِق بين الإثنين هامة في المُعالجة الناجِعة. وتزداد الأمور سوءاً في المجتمعات النامية، حيث لا رقابة على الأطباء أو المُعالجين النفسيين، وحيث يسهل الحصول على الأدوية الخطرة لحالات يمكن علاجها أحياناً بعلاجٍ سلوكي معرفي لا بالعقاقير. كما أن بعض الحالات لا يمكن علاجها إلا بتدخّل كيميائي عبر الأدوية والعقاقير بعد أن انتقلت الحال إلى مرض عقلي بامتياز لن تنفع معها أية محاولات إقناع أو حديث أو ردع نفسي أو ديني أو قانوني.
الوقاية خير من قنطار علاج
مع تحوّل شبكات التواصل الاجتماعي إلى جزء رئيس في حياتنا، كما الإنترنت عموماً، فنحن مُعرّضون بشكلٍ أكبر للمُعاناة من اضطراباتٍ نفسيةٍ عديدة.
على أن الوقاية الأفضل لجميع الاضطرابات في حالتها الأوليّة تكمن في الرجوع إلى الواقع، وتعزيز التواصل الاجتماعي الحقيقي لا الإفتراضي، وممارسة رقابة ذاتية بالدرجة الأولى، مع إيلاء الأمور البسيطة في حياتنا الاهتمام اللازِم بدل البحث عن مشاعر خادِعة عبر أدوات إفتراضية.
ويمكن إيجاز بعض النصائح الهامة في مجال التعامل مع شبكات التواصل كالتالي:
- خصِّص وقتاً مُحدَّداً لتصفّح شبكات التواصل، بشكلٍ لا يؤثّر على اتّزانك الشخصي.
- أغلق كل "الإشعارات" وتجنّب وسائل التشتيت أثناء العمل أو عند ممارسة حياتك الطبيعية.
- إياك والإنجرار إلى موجات التعليق على القضايا التي تنتشر بسرعة في شبكات التواصل. يمكنك بسهولة ملاحظة كمية "الكراهية" أو التفاهة التي تحويها حملات المُغرّدين على تويتر حول وَسم مُعيّن. فكّر دوماً بالمضمون الذي ستقدّمه للآخرين ولنفسك عند المشاركة.
- من المفيد أن تعتاد في حياتك اليومية على تصنيف كل نشاطاتك وأفعالك إلى "مهم، ضروري، عاجِل، وعادي". في الواقع، إذا ما سألت دوماً نفسك السؤال: "هل ما سأقوم به ضروري، أم عاجل أم هام أم عادي؟" قبل صرف وقتك على أيّ فعل، ستجد بعد فترة أن معظم ما تفعله طوال اليوم ليس "عاجلاً ولا ضرورياً"، وأن التوتّر الذي نعيشه هو نِتاج "وهْمي" لنمط السرعة في عصرنا لا نتيجة حتمية يجب أن نخضع لها. تنطبق هذه القاعدة على استخدامنا لشبكات التواصل: هل من الضروري التعليق أو نشر الصورة؟ هل يجب الردّ فوراً على كل رسالة تصلنا؟
- تجنّب التعليق قدر الإمكان وفتح سجالات أو نقاشات على شبكات التواصل، سواء على حساباتك أمْ حسابات الآخرين. لا يمكنك إقناع أحد برأيك عبر هذا الأسلوب، كما أنك لا تمتلك الإحاطة اللازمة بظروف وموقف ووضع الطرف الآخر في اللحظة التي يستقبل فيها رسالتك أو تعليقك.
- كن مُختصراً وموجزاً ومباشراً. ابتعد عن الإطالة في نقل انطباعاتك الشخصية ومشاعرك عبر شبكات التواصل. ركّز على الحقائق لا المشاعر والانفعالات.
- مهما كان ما تفعله على شبكات التواصل، فهو ليس بأهم مما يجب أن تفعله في يومك.
- حاول تحديد أوجه استفادة عملية من شبكات التواصل؛ كالاطّلاع على محتوى جيّد، نشر قِيَم أخلاقية، أو نقل معرفة في تخصّص مُعيّن.
- لا تستخدم هاتفك ليلاً. ابتعد عن هاتفك عند إنتهاء عملك. بات من المؤكّد ارتباط استخدام الهاتف الذكي والأجهزة اللوحية بالأرَق واضطرابات النوم، مع ما تحمله هذه الأمور من اضطرابات نفسية وعقلية أشدّ خطورةً.
- تذكّر دوماً أن كل حركة منك، سواء كانت نقرة أو "إعجاب" أو قراءة أو فتح صفحة او إغلاق أخرى، هي "بيانات" يجري جمعها من دون أن تدري لصالح شركات عملاقة تدرس سلوكك في استخدام شبكات التواصل والأنترنت، بهدف "اصطيادك" عبر منتجات جديدة وإعلانات تُحاكي ضعفك! حافظ على خصوصيّتك قدر الإمكان ولا تجعل من نفسك صفحة مفتوحة أمام العالم.
علي شهاب
بعد احتجاجات عنيفة مع الشرطة.. الحكومة الفرنسية تتراجع عن موقفها بشأن ضريبة الثروة
قالت الحكومة الفرنسية اليوم الأربعاء إنها قد تعدل ضريبة على الثروة يرى منتقدون لها إنها تتساهل مع الأغنياء، وذلك بعد يوم من رضوخ إدارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في وجه احتجاجات عمت البلاد وإعلانها تعليق زيادة مزمعة على ضرائب الوقود.
وقال بنجامين جريفو المتحدث باسم الحكومة الفرنسية إنه "ينبغي إعادة تقييم كل السياسات المتعلقة بفرض الضرائب من وقت لآخر، ويتعين تغييرها إذا تبين أنها لا تجدي نفعاً".
ودافع جريفو عن القرار الذي اتخذه ماكرون عند توليه السلطة العام الماضي بتعديل ضريبة الثروة، لتقتصر على صفقات الأصول العقارية التي تزيد قيمتها على 1.3مليون يورو بدلاً من أن تشمل مختلف الأصول من المجوهرات إلى اليخوت والاستثمارات.
وأوضح جريفو "لم نلغ ضريبة الثروة بل غيرناها، وأبقينا على ضريبة العقارات"، مشيراً إلى أن إلغاء الضريبة كان "لتشجيع الاستثمارات في الاقتصاد الحقيقي ولم يكن هدية للأغنياء".
ويواجه ماكرون ضغوطاً هائلة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية في وجه احتجاجات على زيادة في ضريبة الوقود كان من المقرر أن تبدأ في كانون الثاني/ يناير 2019، إذ رأى منتقدون أنها ترضي أصحاب الثروة، ويصفون ماكرون بأنه "رئيس الأغنياء".
وأدت حركة ما يعرف باسم (السترات الصفراء) إلى اشتباكات عنيفة مع الشرطة في باريس مطلع الأسبوع، ودفعت الحكومة أمس الثلاثاء لتغيير موقفها.
وتصدّرت احتجاجات باريس العناوين العريضة للصحف الأوروبية، وقد ركزت على أن غضب المتظاهرين تخطى الاحتجاج على أسعار الوقود ليطال ماكرون نفسه.
وسخر الرئيس الأميركي دونالد ترامب من ماكرون مجدداً، فيما يبدو بسبب تراجعه الذي سيزيد من الصعوبات أمام فرنسا لتحقيق هدف خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وكتب ترامب في تغريدة في وقت متأخر أمس الثلاثاء "أنا سعيد لأن صديقي إيمانويل ماكرون والمحتجين في باريس توصلوا للنتيجة التي توصلت إليها منذ عامين".
وأضاف أن "اتفاقية باريس معيبة بشكل أساسي لأنها ترفع الأسعار".
الحكومة الفرنسية تعلن إلغاء الضرائب على الوقود للعام المقبل
أعلنت الحكومة الفرنسية، الأربعاء، إلغاء الضرائب على الوقود لعام 2019، وذلك على خلفية احتجاجات "السترات الصفراء".
وبحسب معلومات تناولها الإعلام الفرنسي نقلا عن "الإليزيه"، فإنه تم إلغاء الضرائب على الوقود بالنسبة إلى العام المقبل، بعد يوم من إعلان الحكومة الفرنسية تعليقها لمدة 6 أشهر.
وفي كلمة له بالبرلمان الوطني في وقت سابق الأربعاء، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فليب، أنه بإمكانهم إلغاء قرار فرض ضرائب جديدة على الوقود، الذي تم تعليقه لمدة 6 أشهر، الثلاثاء، في حال لم يتم إيجاد حل جيد بخصوص القدرة الشرائية.
والثلاثاء، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي تعليق فرض الضرائب الجديدة على الوقود 6 أشهر، استجابة لمطالب المحتجين.
جاء ذلك في كلمة ألقاها فيليب بمقر الحكومة بباريس، وأعلن خلالها أيضا أن الحكومة قررت عدم زيادة أسعار الكهرباء والغاز، الشتاء المقبل.
وتعد احتجاجات "السترات الصفراء" التي عمت مدنا مختلفة في البلاد، وسجلت أعمال تخريب ونهب، أكبر أزمة محلية تواجه الرئيس إيمانويل ماكرون منذ توليه رئاسة البلاد.
وتشهد فرنسا احتجاجات ينظمها أصحاب "السترات الصفراء" منذ 17 نوفمبر / تشرين الثاني الماضي، ضد رفع أسعار الوقود وارتفاع تكاليف المعيشة، تخللتها أعمال عنف، حيث استخدمت الشرطة القوة ضد المحتجين.
يشار أن ماكرون اعتبر المشاركين في احتجاجات باريس السبت الماضي "مجموعة غوغاء لا علاقة لهم بالتعبير السلمي عن مطلب مشروع".
وقتل في التظاهرات المتواصلة منذ 17 نوفمبر / تشرين الثاني 3 أشخاص، وأصيب ألف و43 شخصا بجروح، بينهم 222 من رجال الأمن، وأوقف 424 شخصا.
التوحيد
أولاً: معرفة وجود الله: وهذا اللون من المعرفة واجب على كل مكلف، ومن أدلة الوجوب:
أ ـ العقل: ومن طريقين([1]):
الأول: شكر المنعم: كل واحد منا يشعر بمختلف النعم من حوله سواء في نفسه من العقل والجوارح أم في هذا الكون بسمائه وأرضه، بمائه وهوائه وغذائه وضيائه، وهنا يكون من المنطقي أن نتساءل: ألا يجب أن نعرف هذا المنعم العظيم حتى نشكره بما يتناسب معه؟ ترى لو أنك رجعت إلى بيتك فوجدت هدية قد جاء بها أحد، ألا تسأل أهلك عن هذا الشخص وعندما تُسأل لماذا تتحرى عن هذا الشخص فإنك تجيب بدون شك أريد أن أعرفه حتى أرد على إحسانه؟
الثاني: دفع الضرر ولو كان إحتمالاً: إن أحدنا لو سمع قبل قيامه بسفرة بأن هناك كميناً لمجموعة من قطاع الطرق تتصدى للمسافرين على هذا الطريق فإنه لا يرفع قدماً عن قدم حتى يتأكد من خلو الطريق منهم.
ونحن نعلم في تاريخ البشرية من وجود أشخاص عرفوا بالصدق والإستقامة وعرفوا أنفسهم بأنهم أنبياء الله ودعوا الناس للإعتقاد بذلك والعمل بكل ما يترتب عليه، وقد آمن كثير من الناس بهم، فهل من الصحيح أن نتغاضى عن أقوال وأفعال المتدينين الحقيقيين في العالم، فإذا كان الأمر كما أخبروا فما هو جوابنا في محكمة العدل الإلهي؟ ومن هنا وجب السعي لمعرفة أصول الدين والتفكير فيها برؤية وعمق حتى نكون في أمن ونجاة وحتى ندفع إحتمال الخوف المتوقع؟!
ب ـ النصوص الشرعية: وقد جاءت مؤكدة لما توصل إليه العقل ومنبهة على ذلك، من هذه النصوص:
قوله تعالى: (قل سيروا في الأرض فإنظروا كيف بدأ الخلق). العنكبوت / 21، وقوله: (فاعلم أنه لا إله إلاّ الله). العنكبوت / 9
يقول الإمام علي (عليه السلام): أول الدين معرفته([2]).
وبعد إثبات وجوب المعرفة، يجدر بنا أن نتحدث عن الإدلة على وجود الله، وهذه الأدلة عديدة ومتنوعة وتختلف بإختلاف الناس ومستوياتهم وفيما يلي نماذج منها:
أ ـ دليل النظام: ونعني بالنظام هو الإئتلاف والإنسجام بين الأشياء بإتساق وترتيب بحيث يؤدي مهمة معينة، وعندما يكون النظام يستكشف من ورائه المنظم والمخطط، ولدى دراسة مفردات هذا العالم نجد أن النظام يسودها جميعاً وحينئذ لابد من ربط هذا العالم المنتظم بالمنظم الذي هو خالقه وموجده، وليس هو إلاّ الله، ومن مصاديق النظام وعدم الفوضى في العالم نذكر بعض ما جاء به علماء الطبيعة، يقول أحدهم:
هذه الأرض لو إبتعدت عن الشمس ضعف ما هي عليه الآن لنقصت كمية الحرارة التي نتلقاها من الشمس إلى ربع كميتها الحالية، ولقطعت الأرض دورتها حول الشمس في وقت أطول، ولتضاعف تبعاً لذلك طول فصل الشتاء، ولتجمدت الكائنات الحية على سطح الأرض، ولو نقصت المسافة بين الأرض والشمس إلى نصف ما هي عليه الآن لبلغت الحرارة التي تتلقاها الأرض أربعة أمثالها اليوم، ولتضاعفت سرعتها المدارية حول الشمس، ولصارت الحياة على سطح الأرض غير ممكنة([3]).
ب ـ دليل إحتياج الموجودات الممكنة إلى علة واجبة الوجود([4]):
قبل شرح هذا الدليل ينبغي توضيح عدّة مصطلحات يتوقف عليها فهم الدليل:
ممكن الوجود: كل شيء ينطوي على إمكان الوجود وإمكان العدم، وهو كل ما عدا الله تعالى.
واجب الوجود: ضروري الوجود وممتنع العدم ولا يطلق إلاّ على الله تعالى فقط.
سبب إحتياج الموجود إلى علة: وذلك لأن العلة هي التي أوجدته من العدم، فوجوده متعلق ومرتبط بها وبهذا فليس الوجود الخارجي بصورة عامة محكوماً بمبدأ العلية، بل إنما يحكم مبدأ العلية على الوجودات التعلقية الممكنة التي تعبر في حقيقتها عن الإرتباط والتعلق.
قانون النهاية: وهو القانون القائل إن العلل المتصاعدة في الحساب الفلفسي التي ينبثق بعضها عن بعض، يجب أن يكون لها بداية، فلولم توجد لسلسلة العلل بداية لكانت الحلقات جميعاً معلولة، وإذا كانت معلولة فهي مرتبطة بغيرها، ويتوجه السؤال حينئذ عن الشيء الذي ترتبط به هذه الحلقات جميعاً.
شرح الدليل: إن سلسلة الأسباب في عالم الطبيعة إذا كان يوجد فيها سبب غير خاضع لمبدأ العلية ولا يحتاج إلى علة فهذا هو السبب الأول واجب الوجود أي الله تعالى الذي يضع للسلسلة بدايتها، مادام غير منبثق عن سبب اخر يسبقه، وإذا كان كل موجود في السلسلة محتاجاً إلى علة ـ طبقاً لمبدأ العلية ـ دون إستثناء، فالموجودات جميعاً تصبح بحاجة إلى علة، ويبقى سؤال لماذا منصباً على الوجود بصورة عامة، ولا يمكن أن نتخلص من هذا السؤال إلاّ بإفتراض سبب أول متحرر من مبدأ العلية، فإننا حينئذ ننتهي في تعليل الأشياء إليه، ولا نواجه فيه سؤال لماذا وجد؟ لأن هذا السؤال إنما نواجهه في الأشياء الخاضعة لمبدأ العلية خاصة.
ج ـ دليل الأنبياء: والأنبياء يدلون على الله تعالى وذلك من خلال:
المعجزة: وتعني الإتيان بأمر غير مألوف يعجز البشر عن الإتيان بمثله ولا يمكن نسبته إلى الصدفة أو إلى أية قوة من قوى الطبيعة، من ذلك ما جاء به موسى (عليه السلام) من العصا، وما جاء به عيسى (عليه السلام) من إحياء الموتى، وما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) وهو القرآن المعجزة في بلاغته وتشريعه، وقد نسب هؤلاء الأنبياء ماجاؤا به لله تعالى ودعوا إليه.
السيرة العملية للأنبياء: حيث أنهم مثلوا الكمال والصلاح على سطح الأرض بشكل لا يتسنى للإنسان العادي لولا الرعاية الإلهية له.
إتفاق كلمتهم جميعاً: على أنهم سفراء وممثلون عن الله تعالى وأنهم دعاة إليه.
ثانياً: معرفة حقيقة الله تعالى: وهي غير ممكنة لكل المخلوقات: يا من لا يعلم كيف هو إلاّ هو([5])، وإستدل على عدم إمكانها:
أ ـ عقلاً: من ناحيتين:
الأولى: أن الإنسان عاجز عن معرفة حقائق المخلوقات فكيف يمكنه أن يدرك حقيقة الخالق، فمن يستطيع أن يدرك ما هي حقيقة الروح أو الكهرباء أو نفس المادة؟!
الثانية: أن الله يمثل اللامحدود في هذا الوجود والإنسان يمثل المحدود في قابلياته وأنى للمحدود أن يحيط بغير المحدود، وقد ثبت في الرياضيات أن نسبة المحدود إلى غير المحدود تساوي صفراً.
ب ـ شرعاً: وجاءت النصوص الشرعية تؤكد ما توصل إليه العقل من إستحالة إدراك الذات الإلهية.
قال تعالى: (ليس كمثله شيء). الشورى / 11
ويقول الإمام علي (عليه السلام): الذي لا يدركه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن([6]).
عن أبي جعفر (عليه السلام): تكلموا في خلق الله ولا تتكلموا في الله، فإن الكلام في الله لا يزيد صاحبه إلاّ تحيراً([7]).
حقيقة الإيمان بالله تعالى([8]):
إن حقيقة الإيمان إنما تتحقق بالعناصر الآتية:
1 ـ العلم: إذا لم يعلم الإنسان بوجود شيء، فلا يمكنه الإيمان به، لذا خاطب القرآن النبي (صلى الله عليه وآله) بقوله: (فاعلم أنه لا إله إلاّ الله). محمد / 19
2 ـ الإعتقاد القلبي: وهو حالة التصديق بما علمه، قال تعالى: (وقالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم). الحجرات / 14
3 ـ الإلتزام العملي: بما علمه ومالت إليه نفسه، قال تعالى: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فاؤلئك يدخلون الجنّة). النساء / 24
وعن الرسول (صلى الله عليه وآله): الإيمان قول مقول، وعمل معمول، وعرفان العقول([9]).
وبما تقدم يظهر فساد ما نُسب إلى الكرامية أنهم فسروا الإيمان بالإقرار باللسان فقط، ومن هنا يظهر بطلان عقيدة المرجئة التي كانت تزعم أن العمل لا قيمة له في الحياة الدينية، وتكتفي بالإيمان فقط، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): ملعون ملعون من قال: الإيمان قول بلا عمل([10]).
مراتب الإيمان بالله تعالى:
1 ـ مرتبة الإسلام: وهو التصديق بالله تعالى وتوحيده، ونبوة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) فعن الإمام الصادق (عليه السلام): الإسلام شهادة ألاّ إله إلاّ الله والتصديق برسول الله (صلى الله عليه وآله) به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعليه ظاهر جماعة الناس([11]).
2 ـ مرتبة الإيمان: ويعني التصديق بما جاء به الدين الإسلامي في القلب واللسان وتجسيد ذلك بالجوارح وبعبارة أخرى الإلتزام بخطي الواجبات وترك المحرمات، فقد جاء عن الرسول (صلى الله عليه وآله): ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن الإيمان ما خلص في القلب وصدقه الأعمال([12]).
3 ـ مرتبة التقوى: وهي المرحلة التي يكون فيها المؤمن متوقياً لكل ما يحتمل إبعاده عن الله تعالى، فيجتنب الشبهات ويفعل المستحبات كا يترك المكروهات، سئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن تفسير التقوى فقال: أن لا يفقدك الله حيث أمرك ولا يراك حيث نهاك([13]).
4 ـ مرتبة اليقين: وهي مرحلة الإحساس وإنكشاف الغطاء وتحول الغيب إلى الشهادة، فليس هناك وسوسة أو فراغ وإنما تواجد مستمر للقضية في الإحساس والشعور، يقول الإمام علي (عليه السلام): لو كشف الغطاء ما إزددت يقيناً([14]).
وقد وردت جملة من الأحاديث مشيرة إلى هذه المراحل من الإيمان، من ذلك ما ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام): الإيمان فوق الإسلام بدرجة والتقوى فوق الإيمان بدرجة واليقين فوق التقوى بدرجة، ولم يقسم بين العباد شيء أقل من اليقين([15]).
كيف نقوي الإيمان بالله تعالى([16])؟
لا شك بأن الإيمان بالله قابل للزيادة والنقصان، وهو خاضع لجملة من العوامل تؤثر عليه قوة وضعفاً، وفيما يلي عرض جملة من الأساليب من شأنها تقوية الإيمان بالله وتعميقه، نذكر منها:
أ ـ الثقافة الإيمانية: المعرفة الواعية بالأفكار والمعلومات الإيمانية عن كل ما يربط الإنسان بالله تعالى في مجال العقيدة والتشريع بالإعتماد على المصادر الصحيحة المتمثلة بالقرآن والسنة المطهرة وما قام به العلماء والفقهاء من شروح وإستنباطات ملتزمة بهديهما، قال تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء). فاطر / 28
ب ـ ممارسة الشعائر الإسلامية: فإنها بمثابة الغذاء للمؤمن الذي ينمي لديه قوة الإيمان بالله تعالى ويصعد بوجوده نحو الكمال الإلهي، ومن مصاديق الشعائر الإسلامية: الصلاة، الصوم، الصدقة،... إلخ، قال تعالى: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب). الحج / 32
ج ـ ذكر الله على كل حال: ونعني به عدم الغفلة عن معايشة الرقابة الإلهية والإلتفات إلى أن العبد هو دائماً في المحضر الإلهي، لذا يجب عليه أن يرعى حقوقه من حيث المبادرة نحو كل طاعة والإبتعاد عن كل معصية وأن يكون لسانه بذكره لهجاً من خلال تلاوة القرآن أو قراءة الدعاء أو أنواع الذكر الأخرى من التهليل والتسبيح والتحميد و... إلخ بما يناسب المقام، قال تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب). الرعد / 28
د ـ تذكر الموت وحساب القبر: والمراحل التي سوف يواجهها الإنسان في الحياة الآخرة، وما أعد الله للمطيعين من نعيم وما أوعد به العاصين من عذاب أليم، فقد جاء في الحديث: اذكروا هادم اللذات([17])، والمراد بهادم اللذات هو الموت الذي يحول بين الإنسان وكل ما تحفل به حياته من لذات الأهل والمال والمنصب.
صفات الله تعالى([18]):
والبحث عنها يتم من خلال النقاط الآتية:
الأولى: معنى صفات الله: صفات الله تعني المعاني والمضامين التي يشار بها إلى الذات الإلهية إثباتاً أو نفياً.
الثانية: في تقسيم صفات الله: وهي على قسمين:
1 ـ الصفات الثبوتية الجمالية: وهي الصفات التي تشير إلى وجود كمال وواقعية في الذات الإلهية.
2 ـ الصفات السلبية الجلالية: وهي الصفات الهادفة إلى نفي نقص وحاجة عنه.
الثالثة: إستعراض جملة من الصفات:
أ ـ الصفات الثبوتية: وهي بدورها تنقسم إلى قسمين:
الأول: الصفات الثبوتية الذاتية: وهي الصفات التي لا يصح الإتصاف بإضدادها ولا الخلو منها وإليك الحديث عن بعضها:
العلم: والحديث عنه يتم من خلال:
معناه: هو عبارة عن حضور المعلوم لدى العالم، والمراد بالحضور هو الإنكشاف، وإنكشاف المعلوم لدى العالم قد يكون حصولياً وبالواسطة وقد يكون حضورياً ومن غير واسطة، وعلم الله تعالى هو من النوع الحضوري وذلك لأن الأشياء في إنكشافها له على مرتبة واحدة.
سعته: وليس لعلم الله تعالى من حدود لأنه يمثل الكمال المطلق، كما ويشمل هذا العلم علمه بنفسه وبغيره من الموجودات سواء قبل إيجادها أو بعده وسواء على مستوى الكليات أو الجزئيات.
الأدلة على علمه: ومن الإدلة على علمه نذكر:
أ ـ كونه قد أفاض العلم على غيره من المخلوقات فلا يكون فاقداً له.
ب ـ الإحكام والإتقان في المخلوقات دليل آخر على علمه، فالعالمَ بما أنه مخلوق لله سبحانه يدل ما فيه من بديع الخلق ودقيق التركيب على أن خالقه عالم بما خلق عظيم بما صنع.
ج ـ النصوص الشرعية الكاشفة أو المرشدة إلى علمه، من ذلك قوله تعالى: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاّ هو ويعلم ما في البر والبحر * وما تسقط من ورقة إلاّ يعلمها ولا حبة في ظلمات الإرض ولا رطب ولا يابس إلاّ في كتاب مبين). الأنعام / 59
وقال تعالى: (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم). لقمان / 22
قال الإمام علي (عليه السلام): قد علم السرائر، وخبر الضمائر له الإحاطة بكل شيء([19]).
القدرة: والحديث عنها يتم من خلال:
معناها: وتعني صحة الفعل والترك بمعنى تجرده عن التقيد بالفعل أو الترك.
شمولها: وتشمل كل شيء ممكن، بمعنى أنه قادر على خلق كل ما يكون ممكناً لذاته غير ممتنع، وذلك لأن المقتضي موجود والمانع مفقود، أمّا الأول فلأن المقتضي بكونه تعالى قادراً هو ذاته ونسبتها إلى الجميع متساوية لكونها متنزهة عن الزمان والمكان والجهة فليس شيء أقرب إليه من شيء حتى تتعلق به القدرة دون الآخر وأمّا الثاني فلأن المقتضي لكون الشيء مقدوراً هو إمكانه، وهو المطلوب.
الأدلة على قدرته: من هذه الأدلة:
أ ـ الفطرة: فالإنسان الغارق بالشدائد الآيس من كل سبب مادي يجد في أعماق نفسه أن هناك موجوداً عالماً بمشاكله قادراً على دفعها عنه، فالفطرة كما تدعو إلى وجود الله تدعو إلى صفاته من العلم والقدرة.
ب ـ النظام الكوني: والنظام الكوني بما فيه من دقيق وجليل وما فيه من جمال وبهاء ودقة وروعة يحكي عن قدرة مبدع الأشياء وتمكنه من خلق أدقها وأروعها.
ج ـ النصوص الشرعية: من ذلك قوله تعالى (وكان الله على كل شيء مقتدراً). الكهف / 45، ويقول الإمام علي (عليه السلام): فطر الخلائق بقدرته ونشر الرياح برحمته ووتد بالصخور ميدان أرضه([20]).
الحياة: والحديث عنها يتم من خلال:
معناها: والحياة بالنسبة لله تعالى بمعنى أنه فاعل ومدرك لا كفعالية الممكنات ودراكيتها.
الأدلة على حياته:
أ ـ بما أنه عالم وقادر فهو حي، لإمتناع كون من يمكن أن يوصف بأنه قادر عالم غير حي.
ب ـ لأنه منح الحياة لغيره من الممكنات فلا يكون فاقداً لها وفي أعلى مراتبها.
ج ـ النصوص الشرعية، من ذلك قوله تعالى: (الله لا إله إلاّ هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم). البقرة / 255
ويقول الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): إن الله لا إله إلاّ هو كان حياً بلا كيف، كان عزوجل إلهاً حياً بلا حياة حادثة، بل هو حي لنفسه([21]).
الإرادة: والحديث عنها يتم من خلال:
معناها: إن كانت بمعنى الإختيار الذي يقابل الإضطرار فهي من الصفات الذاتية، وإن كانت بمعنى الفعل والإيجاد فهي من الصفات الفعلية.
الأدلة عليها: من هذه الأدلة:
أ ـ كون الله تعالى هو الكمال المطلق الذي لا ينازعه منازع.
ب ـ الإتقان والإحكام في هذا الخلق.
ج ـ النصوص الشرعية، من ذلك قوله تعالى: (والله غالب على أمره). يوسف / 21
عن أبي عبدالله (عليه السلام): لم يزل الله عالماً قادراً ثم أراد([22]).
الأزلية والأبدية السرمدية: والحديث عنها يتم من خلال:
معناها: الأزلية بمعنى القدم والأبدية بمعنى البقاء، فتوصيفه بالقديم الأزلي بالنسبة إلى الماضي، وبالباقي الأبدي بالنسبة إلى المستقبل.
الأدلة عليها: من هذه الأدلة:
أ ـ كون الله تعالى واجب الوجود.
ب ـ ما ورد في النصوص الشرعية، كقوله تعالى: (هو الأول والآخر). الحديد / 57
وفي الدعاء: الحمد لله الأول قبل الإنشاء والإحياء والآخر بعد فناء الأشياء([23]).
الثاني: الصفات الثبوتية الفعلية: وهي الصفات التي يصح الإتصاف بأضدادها كالرزق حيث ينسب لله تعالى ويسلب عنه فيقال: رزق الله هذا ولم يرزق ذاك، وسوف نتحدث عن بعض هذه الصفات كالآتي([24]):
التكلم: والحديث عنه يتم من خلال:
معناه: يطلق على:
أ ـ إيجاد الحروف والأصوات في الأشياء.
ب ـ فعله على وجه الإطلاق ليس من قبيل الأصوات والألفاظ بل عبارة عن الأعيان الخارجية والجواهر والإعراض، كما عبر عنه في العديد من الآيات، كقوله تعالى: (إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه). النساء / 171
وقوله: (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله). لقمان / 31
الدليل عليه: ما ورد في النصوص الشرعية، كقوله تعالى: (وكلم الله موسى تكليماً). النساء / 164
ويقول الإمام علي (عليه السلام): يقول لمن أراد كونه كن فيكون لا بصوت يقرع ولا بنداء يسمع وإنما كلامه سبحانه وتعالى فعل منه أنشأه ومثله، لم يكن من قبل ذلك كائناً، ولو كان قديماً لكان إلهاً ثانياً([25]).
وهنا سؤال هل كلام القرآن قديم أم حديث؟ وبما أن كلام الله من الصفات الفعلية فهو حادث ويشهد لذلك القرآن نفسه، قال تعالى: (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلاً). الإسراء / 86
فهل يصح توصيف القديم بالإذهاب والإعدام؟
الصدق: والبحث عنه يتم من خلال:
معناه: والمراد من صدقه كون كلامه منزهاً عن شوب الكذب.
الإستدلال عليه:
أ ـ ويمكن الإستدلال على صدقه بأن الكذب قبيح عقلاً، وهو سبحانه منزه عما يعده العقل من القبائح.
ب ـ النصوص الشرعية، منها قوله تعالى: (ومن أصدق من الله حديثاً). النساء / 87
الحكمة: والبحث عنها يتم من خلال:
معناها: وتطلق على:
أ ـ الفاعل الذي يعمل بإتقان ويدبر بإتزان.
ب ـ الفاعل الذى ينزه فعله عن العبث ما لا ينبغي فعله.
الإستدلال على ذلك:
أمّا المعنى الأول فيستدل عليه بما في الكون من إتقان ونظم دقيق، كما يستدل عليه بالنصوص الشرعية من ذلك قوله تعالى: (الذي أحسن كل شيء خلقه). السجدة / 7
وأمّا المعنى الثاني فيستدل عليه بأدلة منها: بما أن فعل العبث قبيح والله متنزه عنه فلا يصدر منه ومنها ما أشارت إليه النصوص الشرعية كقوله تعالى: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً). ص / 37
ومنه: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً). المؤمنون / 115
صفات أخرى: وما ذكرناه من صفات لله تعالى هو فيض من غيض وإلاّ فصفاته كذاته المقدسة لا حدود لها، وقد ورد ذكر العديد منها في القرآن والسنة والدعاء، نذكر جملة أخرى منها([26]):
الرحمن الرحيم: فالرحمن تعني إفاضته للخير على كل مخلوقاته من المؤمنين والكافرين، والرحيم إشارة إلى رحمته الخاصة بعباده الصالحين.
الواحد الأحد: الواحد الذي لا ثاني له، والأحد الذي لا جزء له.
الظاهر الباطن: الظاهر في وجوده من خلال مخلوقاته، والباطن بمعنى المخفية حقيقته على العقول فلا تستطيع الإحاطة به.
الإله: المعبود الذي يستحق العبادة والطاعة.
الرب: المدير والمدبر للمخلوقات من الناحيتين التكوينية والتشريعية.
الخالق: المفيض للوجود لكل الموجودات الممكنة.
القدوس: الطاهر والمنزه عن كل ما لا يليق به.
المولى: الناصر والأولى بخلقه.
الملك: المالك للدنيا والآخرة.
الغني: المستغني عن غيره.
المؤمن: المصدق لما وعد به.
السلام: الأمان.
العزيز: القوي الذي لا يقهر.
الصفات السلبية:
وهي الصفات التي لا يصح نسبتها لله تعالى، وأبرزها([27]):
نفي الشريك والشبيه: فالله سبحانه ليس له شبيه من مخلوقاته كما وصف نفسه: (ليس كمثله شيء). الشورى / 13
وبهذا فما ينطبق على مخلوقاته لا ينطبق عليه، فهو ليس بجسم، ولا في جهة ولا محل وليس حالاً في شيء، ولا متحداً مع غيره، وليس مركباً لا تركيباً خارجياً ولا عقلياً، وليس محلاً للحدوث، ولا تقوم اللذة والألم بذاته.
إمتناع رؤيته: فلا تراه الأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة، لأن الرؤية مختصة بالممكنات كالأجسام التي من شأنها التميز والإشارة إليها والمحدودية، وقد نفى سبحانه في كتابه العزيز الرؤية عنه في عدّة موارد، منها في قوله تعالى: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير). الأنعام / 103
ومنها: (قال ربِّ أرني أنظر إليك قال لن تراني). الأعراف / 143
وقد ذهب فريق من المسلمين الأشاعرة إلى إمكان رؤيته مستدلين بالأدلة الآتية:
أ ـ قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة * ووجوه يومئذ باسرة * تظن أن يفعل بها فاقرة). القيامة / 22 ـ 25
ويرد عليهم أنه حتى ولو كان النظر بمعنى الرؤية ولكن ليست كل رؤية معادلة للرؤية بالأبصار، بل ربما تكون الرؤية كناية عن التوقع والإنتظار، وهذا ما درج عليه الناس في محاوراتهم العرفية يقال: فلان ينظر إلى الله، ثم إليك، فالنظر وإن كان هنا بمعنى الرؤية لا الإنتظار ولكنه كناية عن توقع رحمته سبحانه أولاً، وكرم الشخص المأمول ثانياً.
ب ـ قوله تعالى: (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال ربِّ أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن إنظر إلى الجبل فإن إستقر مكانه فسوف تراني * فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً * فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين). الأعراف / 143
وقد إحتجت الأشاعرة بهذه الآية بوجهين:
الوجه الأول: إن موسى (عليه السلام) سأل الرؤية، ولو كانت ممتنعة لما سألها، لأنه أمّا أن يعلم إمتناع الرؤية أو يجهله فإن علم فالعقل لا يطلب المحال، وان جهله فهو لا يجوز في حق موسى (عليه السلام) ومثل هذا الشخص لا يستحق أن يكون نبياً.
ويرد عليهم بأن موسى (عليه السلام) كان من أعلم الناس بالله وصفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز ولكن ما كان طلب الرؤية إلاّ لتبكيت هؤلاء الذين دعاهم سفهاء وتبرأ من فعلهم، فيما أنهم لجوا وتمادوا وقالوا بأنهم لا يؤمنون له حتى يروا الله جهرة، جاء النص من عند الله بإستحالة ذلك وهو قوله: (لن تراني)، فطلب موسى (عليه السلام) الرؤية ليتيقنوا ويزول ما دخلهم من الشبهة.
الوجه الثاني: إن الله تعالى علق الرؤية على إستقرار الجبل، وهو أمر ممكن في نفسه، والمعلق على الممكن ممكن.
ويرد عليهم أن المعلق عليه في قوله: (فإن إستقر مكانه)، ليس هو إمكان الإستقرار بل وجود الإستقرار وتحققه بعد تجليه، والمفروض أنه لم يتحقق بعد التجلي، وإذا كان إمكان الرؤية معلقاً على تحقق الإستقرار بعد التجلي فينتج أن الرؤية ليس أمراً ممكناً بفقدان المعلق عليه.
ليست حقيقته معلومة لغيره: وقد أوضحنا ذلك في حديثنا عن أنواع المعرفة.
دروس من صفات الله تعالى:
علينا أن نجعل دراستنا لصفات الله تعالى قائمة على أساس من الإدراك والوعي وعمق النظر لمعرفة قيمة المعاني التوحيدية وأثرها في حياتنا وسلوكنا، فمعرفتنا بالأسماء والصفات الحسنى يجب أن نجعلها منهج حياة ونجسد فهمنا لها وإيماننا بها حياة وسلوكاً فنجعل حياتنا حركة لهذه الأسماء والصفات، وقد أكد الرسول (صلى الله عليه وآله) على ذلك فقال: تخلقوا بأخلاق الله.
فمن الدروس التي ينبغي أن نستفيد منها:
1 ـ التعريف بالله الذي نؤمن بوجوده ونعبده في كل تصرفاتنا.
2 ـ معرفة الإنسان المنتسب لله حقيقة وتمييزه عن غيره.
3 ـ التأسي والإقتداء بالله في العديد من صفاته منها:
الرحمن الرحيم: حيث يجدر بنا أن نستشعر الرحمة ونمنحها للآخرين.
الرب: فنقوم بدور التربية والتقويم للآخرين.
الحكيم: فلا نصدر إلاّ عن معرفة وهدف.
العالم: فنحث النفس على طلب العلم وتعليمه.
الصادق: فلا نكذب في أقوالنا وأفعالنا.
الكريم: فلا نبخل مع القدرة على الإنفاق والحاجة إليه.
العادل: فلا نظلم الآخرين كما لا نظلم أنفسنا.
4 ـ الشعور بالمسؤولية في القيام بالأعمال لأن الله سميع بصير، فهو معنا يراقب عملنا.
5 ـ الشعور بالقوة والإطمئنان لأن الله هو الواحد الأحد الكبير المتعال الذي بيده القوة والملك والعزة والنصر.
بين صفات الله وأسمائه([28]):
الفرق بين الصفة والإسم عبارة عن أن الصفة لا تحمل على الموضوع فلا يقال: الله علم، بخلاف الإسم فيحمل عليه ويقال: الله عالم، فالعلم والقدرة والحياة صفات والعالم والقادر والحي أسماء له تعالى.
لله الأسماء الحسنى([29]):
قال تعالى: (ولله الأسماء الحسنى). الأعراف / 180، بمعنى أن لله سبحانه حقيقة كل إسم أحسن لا يشاركه غيره إلاّ بما ملكهم منه كيفما أراد وشاء، وظاهر الآيات بل نص بعضها يؤيد هذا المعنى كقوله: (إن القوة لله جميعاً). البقرة / 165، وقوله: (ولا يحيطون بشيء من علمه إلاّ بما شاء). البقرة / 255
حقيقة الإسم الأعظم([30]):
وردت روايات مختلفة في شأن الإسم الأعظم لله تعالى، ويستفاد منها أن من يعرف الإسم الأعظم لا يكون مستجاب الدعاء فحسب، بل تكون القدرة على أن يتصرف في عالم الطبيعة وأن يقوم بأعمال مهمة وخطيرة والمعروف أن الأنبياء والأئمة الكرام (عليهم السلام) كانوا يعرفون الإسم الأعظم ويبدو أن الإسم الأعظم ليس هو أن يردد الإنسان إسماً معيناً لله تعالى، وإنما المراد بالإسم الأعظم هو التخلق بصفات الله تعالى والإتصاف بها، بحيث يتكامل علمه وتقواه إلى درجة يكون فيها مظهراً من مظاهر الإسم الأعظم، وهذا التكامل الروحي يوجد في الإنسان مثل هذه القدرة الخارقة للعادة كما حصلت لوصي سليمان (عليه السلام) وهو آصف بن برخيا حين قال في مسألة الاتيان بعرش بلقيس: (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك). النحل / 40
وكان لديه حرف واحد من حروف الإسم الأعظم، وقد ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) أن حروف الإسم الأعظم (73) حرفاً، أعطي أهل البيت منها (72) حرفاً وإختص الله الحرف الباقي.
توحيد الله تعالى:
أ ـ تعريفه: وتوحيد الله تعالى هو إنفراده من جميع الجهات.
ب ـ مراتب التوحيد: للتوحيد مراتب ودرجات وإذا لم يطو الإنسان كل مراحل التوحيد فهو ليس موحداً واقعياً، والمراتب هي([31]):
الأولى: توحيد الذات: وهو يعني معرفة ذات الحق بالوحدة والتفرد، إن الله لا نظير له، كما أن ذاته لا جزء لها، قال تعالى: (ولم يكن له كفواً أحد). التوحيد / 4، وقال: (قل هو الله أحد). التوحيد / 1
الثانية: توحيد الصفات: ويعني عينية ذات الحق مع صفاته ونفي الكثرة والتركيب في ذات الحق، يقول الإمام علي (عليه السلام): وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل موصوف أنه غير الصفة وشهادة كل صفة أنها غير الموصوف فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه فقد جهله([32]).
وفي موضع آخر يقول الإمام علي (عليه السلام): الذي ليس لصفته حد محدود ولا نعت موجود([33]).
وبهذا يعرف أن الصفة التي يتصف بها الله إنما هي الصفة أللا محدودة لأن الذات غير محدودة والصفة عين الذات، وأمّا الصفة التي تنزه عنها فهي الصفة المحدودة والتي هي غير الذات وغير الصفات الأخرى.
الثالثة: توحيد الأفعال: ويعني معرفة أن العالم بكل أنظمته وسننه وعلله ومعلولاته وكل الأفعال والأعمال ناشئة من إرادة الله تعالى، فكما أن موجودات العالم ليست مستقلة بذاتها بل كلها قائمة به ومتوقفة عليه فهي أيضاً ليست مستقلة في مجال التأثير والعلية، فكل فاعل وسبب قد إكتسب وجوده وحقيقته وتأثيره وفاعليته من الله، قال تعالى: (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً). الإسراء / 111
الرابعة: توحيد العبادة: يعني طاعة الله وحده والإتجاه إليه في حركاتنا وإتخاذه قبلة ومثلاً لأرواحنا، والإعراض عن كل مطاع آخر وعن أي جهة أخرى وقبلة أخرى ومثال آخر، هذا يعني أن يكون كل إنعطاف لله وكل إستقامة لله وكل خدمة لله فنحن من أجل الله نحيا ومن أجله نموت، قال تعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين). الأنعام / 162
ج ـ الأدلة على وحدانية الله وحدانية الذات:
1 ـ الدليل الأفتراضي([34]): لو كان مع الله ـ نستغفره تعالى ـ شريك فهناك عدّة إحتمالات:
1 ـ أن يكون أحدهما أقوى من الآخر، فإما أن يكون الشريك أقوى قدرة وسلطاناً من الله تعالى، فيكون أحق بالألوهية منه، وإمّا أن يكون الشريك أضعف قدرة منه فيكون غير لائق بالألوهية.
2 ـ أن يكونا متساويين في الألوهية فإمّا أن يتفقا على تصميم الكون وتدبيره وأمّا أن يختلفا في التصميم والتدبير فإن إتفقا على سبيل التعاون لم يصلحا للألوهية، لعجز كل منهما، وإحتياجه للآخر، لأن الحاجة دليل الضعف، وإن إختلفا فأراد أحدهما أمراً، وأراد الآخر عدمه لزم إجتماع الضدين، ولو نفذت مشيئة أحدهما دون الآخر كان نافذ المشيئة هو الإله، وكان الآخر عاجزاً غير لائق للألوهية.
إذن لابد أن يكون واجب الوجود الله تعالى واحداً وإلاّ إستلزم ذلك النقص وهو تعالى منزه عنه لأنه الكمال المطلق.
2 ـ دليل النظام الكوني: فإن النظام الموجود في هذا الكون والإنسجام بين موجوداته وعدم وجود الفوضى والإضطراب في مسيرته لدليل على وحدة الخالق، إذ لو تعدد الخالقون لدب الفساد في هذا العالم ولظهرت الفوضى فى كل زوايا العالم.
3 ـ إجماع الأنبياء: والتاريخ يحدثنا بأن الأنبياء جميعاً لم يخبروا إلاّ عن إله واحد، فلو كان إله غيره لبعث الممثلين عنه.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) سبحاني، الإلهيات: 1 / 24 ـ 26.
([2]) الصالح، صبحي، نهج البلاغة: 39.
([3]) محمد أسد، الإسلام يتحدى: 62 ـ 63.
([4]) فلسفتنا: 274 ـ 277، 282 ـ 283.
([5]) القمي، مفاتيح الجنان: 265.
([6]) الصالح، صبحي، نهج البلاغة: 39.
([7]) الكليني، الكافي: 1 / 92.
([8]) دروس في العقيدة الإسلامية: 3 / 110، محاضرات في الإلهيات: 673، 675.
([9]) أمالي المفيد: 275.
([10]) البحار: 66 / 19.
([11]) القمي، عباس، سفينة البحار: 4 / 232.
([12]) الري شهري، ميزان الحكمة: 1 / 191.
([13]) المجلسي، البحار: 70 / 285.
([14]) غرر الحكم: 7569.
([15]) الكليني، الكافي: 2 / 52.
([16]) حسين معن، نظرات حول الإعداد الروحي: 288 ـ 322، بتصرف.
([17]) الري شهري، ميزان الحكمة: 4 / 2965.
([18]) سبحاني، جعفر، الإلهيات: 1 / 107 ـ 182.
([19]) نهج البلاغة، خطبة: 198.
([20]) نهج البلاغة، الخطبة الأولى.
([21]) الصدوق، التوحيد: 141.
([22]) الكليني، الكافي: 1 / 109.
([23]) القمي، مفاتيح الجنان: 27.
([24]) سبحاني، الإلهيات: 187 ـ 233.
([25]) نهج البلاغة، الخطبة: 186.
([26]) الصدوق، التوحيد: 185 ـ 223.
([27]) سبحاني، الإلهيات: 1 / 355 ـ 488.
([28]) سبحاني، الإلهيات: 1 / 133، بتصرف.
([29]) الميزان: 8 / 343 ـ 344.
([30]) الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: 5 / 282 ـ 283.
([31]) سبحاني، معالم التوحيد في القرآن: 22 ـ 28.
([32]) نهج البلاغة، الخطبة الأولى.
([33]) نهج البلاغة، الخطبة الأولى.
([34]) المظفر، عقائد الإمامية: 49 ـ 50.
النبوة
تعريف النبوة والنبي:
النبوة في اللغة: مأخوذة من النبأ، وهو خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن، وحق الخبر الذي يقال فيه نبأ أن يتعرى عن الكذب([1]).
والنبوة شرعاً: سفارة بين الله وبين ذوي العقول من عباده لإزاحة علتهم في أمر معادهم ومعاشهم([2]).
أمّا النبي شرعاً هو الإنسان المخبر عن الله تعالى بغير واسطة أحد من البشر([3]).
بين النبي والرسول([4]):
إن النبي والرسول كلاهما مرسلان إلى الناس غير أن النبي بعث لينبىء الناس بما عنده من نبأ الغيب لكونه خبيراً بما عند الله والرسول هو المرسل برسالة خاصة زائدة على أصل نبأ النبوة كما يشعر به أمثال قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً). الإسراء / 15
وعلى هذا فالنبي هو الذي يبين للناس صلاح معاشهم ومعادهم من أصول الدين وفروعه على ما إقتضته عناية الله من هداية الناس إلى سعادتهم، والرسول هو الحامل لرسالة خاصة مشتملة على إتمام حجة يستتبع مخالفته هلاكاً أو عذاباً، قال تعالى: (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل). النساء / 165
أولو العزم من الرسل([5]):
إن العزم إمّا بمعنى القصد الجازم أو الصبر أو الثبات ويؤيده ما رواه القمي في تفسير الآية: (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلاّ ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلاّ القوم الفاسقون). الأحقاف / 35
حيث قال: وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم (عليهم السلام) ومحمد (صلى الله عليه وآله)، ومعنى أولو العزم أنهم سبقوا الأنبياء إلى الإقرار بالله وأقروا بكل نبي قبلهم وبعدهم وعزموا على الصبر مع التكذيب والأذى، وهذا أقرب الأقوال، ويؤيده أن الآية بسبب تحريض النبي محمد (صلى الله عليه وآله) على تحمل المشاق في طريق دعوته ورسالته.
وظائف الأنبياء:
الأنبياء والرسل قادة أقوياء متعلمين من الله ومرسلين من جانبه لقيادة الناس وهدايتهم لما خلقهم الله تعالى من أجله لذا كانت عليهم مهام أو وظائف كبيرة نذكر منها:
1 ـ الدعوة إلى الله تعالى: قال تعالى: (قال موسى يا فرعون إنّي رسول رب العالمين). آل عمران / 58
ويقول الإمام علي (عليه السلام): فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته ويحتجوا عليهم بالتبليغ([6]).
2 ـ تربية الناس وتعليهم: قال تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين). الجمعة / 2
والمراد بالتربية هو تطهير النفوس من الرذائل وتحليتها بالفضائل، والمراد بالتعليم هو تعريفهم الأحكام الإلهية من الواجبات والمحرمات والمستحبات والمكروهات.
3 ـ الرد على الشبهات: والتهم الموجهة لهم ولرسالتهم ولأتباعهم وذلك بإتباع أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة كما ورد في بعض الحوارات القرآنية: (ألم ترَ إلى الذي حاجَّ إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربّي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فإت بها من المغرب فبهت الذي كفر). البقرة / 258
4 ـ تخليص الناس من عبودية الطاغوت: قال تعالى مخاطباً النبي موسى (عليه السلام): (إذهب إلى فرعون إنه طغى). طه / 24
وذلك بالتوسل بمختلف الأساليب أولها النصح والإرشاد وإلقاء الحجة وآخرها الثورة المسلحة لتقويض وجود الطاغوت.
5 ـ إقامة حكومة العدل الإلهي: قال تعالى: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق). ص / 26
6 ـ مبشرين ومنذرين: إنهم يبشرون الناس بسعادة الدنيا والآخرة في حالة إلتزامهم بالأحكام الإلهية كما يحذرونهم من الآثار المدمرة لحياتهم الدنيا ومستقبلهم الأخروي في حالة تمردهم على الأحكام الإلهية وتحكيمهم لغير ما أنزل الله تعالى، قال تعالى: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً). الأحزاب / 45
صفات النبي([7]):
لما كان النبي أو الرسول ممثلاً عن الله تعالى أمام خلقه وهادياً لهم، لذا كان من الضروري أن يكون الأكمل والأفضل في كل الصفات، والتي تشمل:
1 ـ طهارة المولد: من حيث عدم دناءة الآباء وعهر الأمهات.
2 ـ الخلو من العيوب الجسمية المنفرة: كالبرص والجذام وما شابه ذلك.
3 ـ سلامة العقل: وكماله وقوة الذكاء والفطنة.
4 ـ الخلق العظيم: كالشجاعة والكرم والعفة والإيثار والغيرة وغيرهما.
5 ـ العلم: بأن يكون أعلم الناس فيما يحتاجون إليه في مختلف مجالات حياتهم.
ويستدل على ضرورة توفر تلكم الصفات في شخص النبي والرسول:
أ ـ العقل والوجدان: لأن العقل يستقبح تقديم الناقص على الكامل، والنفوس لا تميل لمن كانت فيه بعض المنفرات.
ب ـ النصوص الشرعية: قال تعالى: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمّن لا يهدّي إلاّ أن يهدى فما لكم كيف تحكمون). يونس / 34، وقوله مخاطباً النبي محمداً (صلى الله عليه وآله): (ولو كنت فظاً غليظ القلب لإنفضوا من حولك). آل عمران / 159، وقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام) في وصف الأنبياء: إستودعهم في أفضل مستودع وأقرهم في خير مستقر تناسلتهم كرائم الأصلاب إلى مطهرات الأرحام([8]).
6 ـ العصمة:
والحديث عنها من خلال([9]):
تعريف العصمة: العصمة هي التنزه والإبتعاد عن المعاصي صغيرها وكبيرها، وعن الخطأ والنسيان وعن كل ما ينافى الإستقامة سواء أكان على مستوى الفكر أم العاطفة أم السلوك مع الوعي والإختيار.
هل العصمة موهبة إلهية أم أمر إكتسابي؟
إن الله سبحانه وقف على ضمائر الأنبياء ونياتهم ومستقبل أمرهم ومصير حالهم وعلم أنهم ذوات مقدسة لو أفيضت إليهم تلك الموهبة لإستعانوا بها في طريق الطاعة وترك المعصية بحرية وإختيار، وبهذا فالعصمة لها طرفان:
الأول: إرادة العبد في سعيه والتزامه.
الثاني: إرادة الله بتسديده ورعايته، قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا). العنكبوت / 69
هل العصمة تسلب الإختيار؟
إن النبي المعصوم قادر على إقتراف المعاصي وإرتكاب الخطايا، حسب ما أُعطي من القدرة والحرية غير أنه لأجل حصوله على الدرجة العليا من المعرفة والتقوى يتجنب عن إقترافها وإكتسابها ولا يكون فاعلاً لها مع قدرته وإقتداره عليها.
الحاجة إلى العصمة:
إن الغاية المتوخاة من بعثة الأنبياء هي هداية الناس إلى الكمال والسعادة، ولا تحصل هذه الغاية إلاّ بكسب إعتمادهم وثقتهم المطلقة بصحة ما يقوله الأنبياء ويحكونه عن الله تعالى، وإلاّ بإستقامة سلوكهم، ولو شاهد الناس أن نبيهم يفعل المنكرات أو يسهو في تطبيق الشريعة التي أمرهم بها أو يغلط في أموره الفردية والإجتماعية فلا شك أن ثقتهم وإعتمادهم عليه سوف يتزلزل وسوف تنفقد هذه الثقة وبالتالي تنتفي الغاية المطلوبة من بعثة النبي.
الأدلة على عصمة الأنبياء والرسل:
أ ـ الدليل العقلي: إنه لو جاز أن يفعل النبي أو الرسول المعصية أو يخطأ وينسى وصدر منه شيء من هذا القبيل، فأمّا أن يجب اتباعه في فعله الصادر منه عصياناً أو خطأ أو لا يجب، فإن وجب إتباعه فقد جوزنا فعل المعاصي برخصة من الله تعالى بل أوجبنا ذلك، وهذا باطل بضرورة الدين والعقل، وإن لم يجب إتباعه فذلك ينافي النبوة التي لابد أن تقترن بوجوب الطاعة أبداً، على أن كل شيء يقع منه من فعل أو قول فنحن نحتمل فيه المعصية أو الخطأ فلا يجب إتباعه في شيء من الأشياء فتذهب فائدة البعثة، بل يصبح النبي كسائر الناس ليس لكلامهم ولا لعملهم تلك القيمة العالية التي يعتمد عليها دائماً، كما لا تبقى طاعة حتمية لأوامره ولا ثقة مطلقة بأقواله وأفعاله.
ب ـ النصوص الشرعية:
1 ـ قال تعالى: (ومن يطع الرسول فقد أطاع الله). النساء / 80، وقوله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلاّ ليطاع بإذن الله). النساء / 63، وقوله: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا). الحشر / 7
فالحكم بإتباع النبي أو الرسول على وجة الإطلاق، يكشف عن أن دعواته وأوامره قولاً وفعلاً حليفة الواقع، وقرينه الحقيقة ولا تختلف عنه قدر شعرة.
2 ـ قوله تعالى حكاية عن الشيطان: (فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلاّ عبادك منهم المخلصين). ص / 83
إن الغي تارة يستعمل في خلاف الرشد وأخرى في فساد الشيء، وعلى ذلك فسواء فسرت الآية بالمعنى الأول كما هو أقرب أو بالمعنى الثاني فالعباد المخلصون منزهون عن أن تغشاهم الغبرة والظلمة في حياتهم أو أن يرتكبوا أمراً فاسداً، ونفي كلا الأمرين يستلزم العصمة.
وأمّا عصمة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) فبالإضافة إلى الأدلة العامة فهناك العديد من النصوص على عصمته منها: قوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى). النجم / 3، ومنها قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً). الأحزاب / 33
ويقول الإمام علي (عليه السلام) في الخطبة القاصعة: ولقد قرن الله به من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره([10]).
توجيه ما ينافي العصمة([11]):
كيف نوفق بين القول بعصمة الأنبياء والرسل وبين النصوص التي تنسب إليهم ما ينافي العصمة؟
هناك جملة من النصوص نخص بالذكر منها ما ورد في القرآن ظاهرها نسبة المعصية أو الذنب أو الظلم أو الخطأ أو النسيان أو التوبة لبعض الأنبياء والرسل، وإذا صح مضمون هذه النصوص فإنه يتنافى مع العصمة التي نذهب إليها؟
والحقيقة لدى التدبر في هذه النصوص والوقوف عند معانيها البعيدة نجد أنها تنفي المعاني الظاهرية التي تتنافى مع العصمة، وفيما يأتي عرض لجملة من هذه النصوص:
1 ـ قوله تعالى في آدم (عليه السلام): (وعصى آدم ربه فغوى). طه / 121
إن المراد من المعصية هنا في ترك آدم (عليه السلام) للأمر الإرشادي وهو المعبر عنه بترك الأولى والأفضل، كما أن المراد بالغواية هي خسران آدم (عليه السلام)وحرمانه من العيش الرغيد الذي كان مجرداً عن الظمأ والعرى بل من المنغصات والمشقات، فإن العيش في الجنّة لا يقاس بالعيش في عالم المادة الذي هو دار الفساد والإنحلال.
2 ـ وقوله تعالى: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننن من الخاسرين). الأعراف / 23
إن الظلم ليس إلاّ بمعنى وضع الشيء في غير موضعه، فهو لا يلزم أن يكون كل ظلم ذنباً بل يشمل غيره فمن لم يسمع قول الناصح المشفق وعمل لخلاف قوله قد وضع عمله في غير موضعه، والظلم هنا من هذا الباب أي هو مخالفة للأمر الإرشادي، والمغفرة بمعنى ستر العيب والرحمة أي بإخراجه من الخسران الذي عرض له.
3 ـ وقوله تعالى: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم). البقرة / 37
إن التوبة بمعنى الرجوع، فيكون معنى الآية أن الله رجع على آدم بالرحمة فلا دلالة على وقوع الذنب وصدوره من آدم (عليه السلام)، وقد قلنا بأن الذنب أو المعصية التي صدرت من آدم (عليه السلام) لم تكن مخالفة للأمر المولوي وإنما هي ترك للأمر الإرشادي.
4 ـ وقوله في نوح (عليه السلام): (ونادى نوح ربه فقال إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين * قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين). هود / 45 ـ 46
فإن ظاهر قوله تعالى: (إنه ليس من أهلك) تكذيب لقول نوح (عليه السلام): (إن ابني من أهلي) وهو خلاف العصمة، وقوله: (فلا تسألني ما ليس لك به علم إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين) فإن ظاهره صدور سؤال منه غير لائق بساحة الأنبياء.
والجواب هو أنه لما وعد الله نوحاً (عليه السلام) بنجاة الأهل بقوله: (إلاّ من سبق عليه القول)، ولم يكن نوح (عليه السلام) مطلعاً على باطن إبنه بل كان معتقداً بظاهر الحال أنه مؤمن، بقى متمسكاً بصيغة العموم الإلهية ولم يعارضه يقين ولا شك بالنسبة إلى إيمان إبنه فلذلك نادى ربه.
وأمّا قوله: (فلا تسألني ما ليس لك به علم) بتفريع النهي على ما تقدم مخبراً نوحاً (عليه السلام) بأن إبنك ليس من أهلك لكونه عملاً غير صالح فلا سبيل لك إلى العلم به فإياك أن تبادر إلى سؤال تجاهه لأنه سؤال ما ليس لك به علم، والنهي عن السؤال بغير علم لا يستلزم تحقق السؤال منه، والنهي عن الشىء لا يستلزم الإرتكاب قبلاً وإنما يتوقف على أن يكون الفعل إختيارياً ومورداً لإبتلاء المكلف فإن من العصمة والتسديد أن يراقبهم الله سبحانه في أعمالهم وكلما إقتربوا مما من شأنه أن يزل فيه الإنسان نبههم الله لوجه الصواب ودعاهم إلى السداد وإلتزام طريق العبودية.
5 ـ قوله تعالى في إبراهيم (عليه السلام): (فنظر نظرة إلى النجوم فقال إنّي سقيم). الصافات / 37 ـ 38
حيث إستدل بقوله: (إنّي سقيم) بأنه لم يكن سقيماً وإنما ذكر عذراً لترك مصاحبتهم في الخروج عند البلد، أضف إلى ذلك قوله: (فنظر في النجوم)يشبه ما يفعله المنجمون حيث يستكشفون من الأوضاع الفلكية الأحداث الأرضية.
والجواب أمّا قوله: (فنظر نظرة في النجوم) فإنه يريد يوهم قومه أنه يبحث عن رب العالمين، وأمّا قوله: (فقال إنّي سقيم) إنه في شك وحيرة من أجل قومه وهدايتهم.
6 ـ قوله تعالى في يوسف (عليه السلام): (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه). يوسف / 24
في البداية ينبغي أن نتذكر معاني بعض كلمات الآية، منها الهم ومعناه: العزم والإرادة، ومنها برهان ربه: وهو العلم المكشوف واليقين بنتائج المآثم وعواقب المخالفة علماً لا يغلب وإنكشافاً لا يقهر.
واللام في قوله: (ولقد همت به) للقَسم والمعنى: والله لقد همت إمرأة العزيز به ووالله لولا أن رأى يوسف برهان ربه لهمّ بها، ولكنه لأجل رؤية البرهان وإعتصامه صرف عنه سبحانه السوء والفحشاء فإذا به (عليه السلام) لم يهم بشيء ولم يفعل شيئاً لأجل تلك الرؤية.
7 ـ وقوله في أيوب (عليه السلام): (واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أنّي مسني الشيطان بنصب وعذاب). ص / 41
فقد تصور البعض أن مس الشيطان يستلزم صدور الذنب، كما ظنوا أن العذاب عبارة عن العقوبة الإلهية.
وقد جاء في شرح هذه الآية المباركة أن المراد من مس الشيطان بالنصب والعذاب، هو وسوسة الشيطان إلى الناس عندما إشتد مرض أيوب (عليه السلام) حيث حثهم على أن يجتنبوه ويهجروه فكان التعيير من الناس والتكلم منهم بوسوسة من الشيطان، ونفس هذا التعيير كان نصباً وعذاباً على أيوب (عليه السلام)، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): إن أيوب (عليه السلام) مع جميع ما إبتلى به لم تنتن له رائحة ولا قبحت له صورة ولا خرجت منه مدة من دم ولا قيح ولا إستقذره أحد رآه ولا إستوحش منه أحد شاهده ولا تدود شيء من جسده.
8 ـ قوله تعالى في يونس (عليه السلام): (وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلاّ أنتَ سبحانك إنّي كنت من الظالمين * فإستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين). الأنبياء / 87 ـ 88
فقد زعم البعض نفي العصمة عن النبي يونس (عليه السلام) بدعوى أنه خرج مغاضباً لربه من حيث أنه لم ينزل العذاب وأن النبي كان من الظالمين ويرد عليهم بأن النبي كان غضبه على قومه لمقامهم على تكذيبه وإصرارهم على الكفر ويأسه من توبتهم فخرج من بينهم، وقد كانت مفارقته قومه بلا إذن منه سبحانه تمثل حالة من يظن أن لا يضيق مولاه عليه، إبتلاه الله بالحوت الذي لقمه، وقد أدرك النبي أنه ترك ما هو الأولى فعلاً، فندم على عمله، وليس الظلم إلاّ وضع الشيء في غير محله، إذ كان الأليق بالنبي أن يصبر على قومه وأن لا يتعجل بعذابهم.
9 ـ قوله تعالى مخاطباً النبي محمداً (صلى الله عليه وآله)(إنا فتحنا لك فتحاً * مبيناً ليغفر
الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً * وينصرك الله نصراً عزيزاً). الفتح / 1 ـ 3
فقد ذهب البعض إلى نفي العصمة عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله) بهذه الآية التي تنسب الذنب إلى النبي (صلى الله عليه وآله) متوهماً بأن المراد بالذنب هو إرتكاب ما نهى عنه الله تعالى، ولكن للذنب إستعمالات أخرى تجمعها المخالفة، فقد تكون هذه المخالفة لواجب شرعي أو مستحب شرعي أو مخالفة لعرف إجتماعي، ويبدو أن مخالفة النبي (صلى الله عليه وآله) هنا لم تكن لأمر شرعي وإنما هي مخالفة لما كانت عليه قريش من عبادة الأصنام، وهذا ما ورد في جواب الإمام الرضا (عليه السلام) عن مفاد هذه الآية عندما سأله المأمون حيث أجابه: لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنباً من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنماً، فلما جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم، قال تعالى: (وقالوا أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب). ص / 5.
فلما فتح الله تعالى على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) مكة قال له: (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر)، عند مشركي أهل مكة، بدعائك إلى توحيد الله عزوجل فيما تقدم وما تأخر، لأن مشركي مكة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكة، ومن بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه، فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفوراً بظهوره عليهم.
10 ـ ما ورد في النصوص الشرعية وخاصة الأدعية على لسان النبي (صلى الله عليه وآله)والأئمة (عليهم السلام) من ألفاظ تعبر عن الذنب والمعصية أو طلب العفو والتوبة فإنها تحمل أماّ أنها من باب التعليم للناس: إياك أعني وإسمعي يا جارة، وأمّا على قاعدة: حسنات الأبرار سيئات المقربين، وتوضيحها: أن الأنبياء والأئمة تكون أوقاتهم مشغولة بالله تعالى وقلوبهم مملوءة وخواطرهم متعلقة بالمبدأ، فهم أبداً متوجهون إليه ومقبلون بكلهم عليه، فمتى إنحطوا عن تلك المرتبة العالية والمزلة الرفيعة إلى الإشتغال بالأكل والشرب وغيرهما من المباحات عدوه ذنباً وإعتقدوه خطيئة وإستغفروا منه.
الطريق لمعرفة النبي أو الرسول([12]):
هناك عدّة طرق للإستدلال على نبوة النبي أو رسالة الرسول، وهي:
1 ـ إتيانه بالمعجزة.
2 ـ نص النبي أو الرسول المتقدم على نبوته أو رسالته كما حصل بالنسبة للنبي محمد (صلى الله عليه وآله) بشهادة القرآن وعلى لسان النبي عيسى (عليه السلام): (ومبشراً برسول يأتي من بعدي إسمه أحمد). الصف / 6
3 ـ السيرة المميزة لهم عن سائر الناس، كالصدق والأمانة والإجتناب عن الخبائث.
ولنتحدث عن المعجزة من حيث:
أ ـ تعريف المعجزة: هي عبارة عن الأمر الخارق للعادة، يأتي بها مدعي النبوة بإرادة الله تعالى، وتكون دليلاً على صدق دعواه.
ب ـ الحاجة إلى المعجزة: كونها ضرورة للدلالة على صدق النبوة، وبالمعجزة يقطع دابر المتنبئين إذ أن الناس تطالبهم بمجرد إدعائهم النبوة فيسقط في أيديهم ويظهر زيف إدعائهم وكذب مزاعمهم.
ج ـ أنواع المعجزة: للمعجزة نوعان:
الأول: المعجزة الوقتية: وهي المختصة بمن شاهدها كناقة صالح (عليه السلام)وعصا موسى (عليه السلام) ومائدة عيسى (عليه السلام).
الثاني: المعجزة الخالدة الدائمة: وهي المستمرة الوجود ما دامت السماوات والأرض كالقرآن الكريم.
د ـ طبيعة المعجزة: وهي أن تناسب ما يشتهر في عصر النبي من العلوم والفنون ولأجل هذا وجدنا أن معجزة موسى (عليه السلام) هي العصا التي تلقف السحر إذ كان السحر في عصره فناً شائعاً، فلما جاءت العصا بطل ما كانوا يعملون وعلموا أنها فوق مقدورهم وأعلى من فنهم وإنها مما يعجز من مثلها البشر ويتضاءل عندها الفن والعلم، وكذلك معجزة عيسى (عليه السلام) وهي إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى إذ جاءت في وقت كان فن الطب هو السائد بين الناس وفيه علماء وأطباء لهم المكانة العليا فعجزوا عن مجاراة ما جاء به عيسى (عليه السلام).
ومعجزة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) الخالدة هي القرآن الكريم المعجز ببلاغته في وقت كان فن البلاغة معروفاً وكلن البلغاء هم المتقدمين عند الناس بحسن بيانهم وسمو فصاحتهم، فجاء القرآن كالصاعقة اذهلهم وادهشهم وافهمهم انهم لا قبل لهم به، ولا يزال القرآن معجزة تتحدى كل الناس وفي جوانب متعددة من الإعجاز.
-----------------------------------------------------------------
([1]) الراغب الأصفهاني، معجم مفردات ألفاظ القرآن: 500.
([2]) الراغب الأصفهاني، معجم مفردات ألفاظ القرآن: 501.
([3]) شرح الباب الحادي عشر: 58.
([4]) الطباطبائي، الميزان: 2 / 139 ـ 140.
([5]) سبحاني، معالم النبوة في القرآن: 113.
([6]) صبحي الصالح، نهج البلاغة: 43.
([7]) شرح الباب الحادي عشر: 64 ـ 65.
([8]) نهج البلاغة، الخطبة: 94.
([9]) سبحاني، الإلهيات: 1 / 144 ـ 188.
المظفر، عقائد الأمامية: 75 ـ 76.
([10]) نهج البلاغة، الخطبة: 187.
([11]) سبحاني، مفاهيم النبوة في القرآن: ج 5.
الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن: ج 2.
مغنية، التفسير المبين.
السيد مرتضى: تنزيه الأنبياء.
([12]) سبحاني، الإلهيات: 2 / 62 ـ 109.
المظفر، عقائد الإمامية: 73 ـ 75.
اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية: 2 / 76.
العطار، موجز علوم القرآن: 150 ـ 51.
إيران: نرفض أي تفسير تعسفي لقرار مجلس الأمن 2231
أعلنت إيران، الثلاثاء، رفضها أي "تفسير تعسفي" لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، على خلفية إجرائها تجربة صاروخية بالستية قبل أيام.
واعتمد المجلس هذا القرار في يوليو / تموز 2015 بخصوص البرنامج النووي الإيراني، ويطالب طهران بعدم إجراء أي تجارب لصواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية.
وعقد المجلس، اليوم، جلسة مشاورات مغلقة حول إيران، لكنه لم يتوصل إلى أي إجماع بشأن التجربة الإيرانية، بحسب ما أعلنته البعثة الكويتية لدى الأمم المتحدة.
وقالت البعثة الإيرانية في بيان وزعته على الصحفيين، إن "برنامج الصواريخ الإيراني بمثابة أداة دفاعية ووقائية فعالة ضد التهديدات الأجنبية".
وأضافت أن "اقتناء وصنع القذائف التسيارية لحمل رؤوس حربية تقليدية (ليست نووية)، هو حق أصيل لأي دولة بموجب القانون الدولي، وإيران ليست استثناء".
وشددت على أن "جميع أنشطة إيران المتعلقة بالقذائف تتطابق تماما مع الأحكام ذات الصلة بالقرار 2231، والولايات المتحدة هي التي تنتهك هذا القرار".
وأضافت أن "تصوير برنامج الصواريخ البالستية الإيراني باعتباره غير متسق مع القرار 2231، أو تهديدا إقليميا، هي سياسة أمريكية خادعة وعدائية".
وفي وقت سابق، وصفت واشنطن التجربة الإيرانية بـ "الخطيرة"، واعتبرت أنها تمثل تهديدا للقرار 2231، ودعت إلى إدانتها.
واتهمت طهران واشنطن بـ "إساءة استخدام مجلس الأمن لتعزيز سياساتها المؤذية ضد إيران".
وقالت البعثة الإيرانية: "رغم تصوير الولايات المتحدة نفسها بأنها ملتزمة بالقانون وحامية لسيادة القانون على المستوى الدولي، إلا أنها اختارت مبدأ الانسحاب من الصكوك والمؤسسات الدولية، وانسحابها غير المشروع من خطة العمل الشاملة المشتركة، التي أيدها القرار 2231، ليس سوى مثال واحد".
وانسحبت واشنطن في مايو / أيار الماضي من الاتفاق النووي المتعدد الأطراف مع إيران، وهو يضم أيضا كلا من بريطانيا، وفرنسا، والصين وروسيا، إضافة إلى ألمانيا.
وفرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حزمتين من العقوبات الاقتصادية على إيران، بدعوى أن "الاتفاق سيئ ويحوي عيوبا عديدة"، وعلى أمل دفع طهران إلى التفاوض من جديد بشأن برنامجيها النووي والصاروخي.
وشددت البعثة الإيرانية على أن طهران "ترفض بشدة أي تفسير تعسفي لأحكام القرار 2231، الذي يقضي بأن إيران مدعوة إلى عدم القيام بأي نشاط يتعلق بالقذائف التسيارية".