emamian

emamian

تظاهر آلاف المحتجين في ساحة "هبيما" وسط تل أبيب، اليوم السبت، للمطالبة باستقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حسبما أفادت وسائل إعلام محلية.

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن ما لا يقل عن 10 آلاف شخص دعوا نتنياهو إلى الاستقالة، هاتفين: "استقل يا نتنياهو، إسرائيل أكثر أهمية!" و"الديمقراطية القوية، إسرائيل القوية!".

وفي الأسبوع الماضي، تظاهر 1500 إسرائيلي من المعسكر الديمقراطي، في تل أبيب، مطالبين باستقالة نتنياهو، وذلك بعد يومين من توجيه المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية لائحة اتهام بحق رئيس الوزراء، بتهم الفساد والرشوة وخيانة الأمانة، كما جرت مظاهرة مماثلة في مدينة بيتاح تكفا (وسط البلاد(

وجاءت احتجاجات السبت بعد أيام من مظاهرة حاشدة نظمها أنصار نتنياهو أمام متحف تل أبيب، تعبيرا عن دعمهم لرئيس الوزراء، وذلك بعد توجيه المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، أفيخاي مندلبنت، لائحة اتهام في حقه.

ونظمت المظاهرة التي شارك فيها نحو خمسة آلاف شخص تلبية لنداء وجهه نتنياهو لأنصاره، وكان المحتجون يرفعون شعارات مناوئة للشرطة والنيابة العامة متهمين إياهما بـ"الابتزاز" و"البلطجة".

المصدر: وكالات

السؤال

ما المراد من الشعائر الاسلامیة؟ و ما هی کیفیتها فی القرآن الکریم؟

الجواب الإجمالي

الشعائر الاسلامیة و "شعائر الله" حسب التعبیر القرآنی، الاماکن و علامات العبادة التی جعلها الله شعائر الإسلام من الأذان، و الصلاة، و الصوم، و غیرها، و سمی ذلک شعارا، لأنه علامة علیه، التی تکشف عن کون الانسان مسلماً و التی یتخذها المسلمون محورا یدورون حولها لیصونهم من الانحراف و الضلال. و لا تنحصر بالمصادیق المذکورة (الصوم و الصلاة و..) فقط، بل تشمل کل مکان أو علامة للعبادة تذکر الانسان بالله تعالى فان کل ذلک یعد من الشعائر، نعم، حظیت بعضها باهتمام خاص لما تتوفر علیه من أهمیة کبرى، کالحج الذی یعد من اهم شعائر المسلمین.

الجواب التفصيلي

قبل الخوض فی الجواب لابد من تحدید مفهوم الشعائر لنتمکن من تحدید مصادیقها و تطبیقاتها.

الشعائر لغة جمع شعیرة و تعنی العلامة.[1]

و هی اصطلاحا تعنی: المعالم للأعمال و شعائر الله معالمه التی جعلها مواطن للعبادة و کل معلم لعبادة من دعاء أو صلاة أو غیرهما فهو مشعر لتلک العبادة و واحد الشعائر شعیرة فشعائر الله أعلام متعبداته من موقف أو مسعى أو منحر.[2]

و جاء فی القرآن الکریم أن الصفا و المروة من شعائر الله " إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّه".[3]

مفهوم الشعائر فی القرآن الکریم:

وردت عبارة "الشعائر" فی القرآن الکریم بصورة صریحة، و فی أکثر من آیة مبارکة بیّنت فیها بعض مصادیق الشریعة الاسلامیة و تلزم المسلمین بالالتزام بها، من قبیل قوله تعالى: «... وَ مَنْ یُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ»[4]؛ و «وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَکُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَکُمْ فیها خَیْرٌ فَاذْکُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَیْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَکُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ کَذلِکَ سَخَّرْناها لَکُمْ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُون».[5]

علما أنه – و کما ذکرنا- ان الشعائر الاسلامیة لا تنحصر بالمصادیق المذکورة فی القرآن الکریم فقط، بل تشمل کل مکان أو علامة للعبادة تذکر الانسان بالله تعالى فان کل ذلک یعد من الشعائر، نعم، حظیت بعضها باهتمام خاص لما تتوفر علیه من أهمیة کبرى، کالحج الذی یعد من اهم شعائر المسلمین[6]، و الذی صرح به الباری تعالى فی اکثر من مکان من القرآن:

الف: قوله تعالى: " إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَیْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَیْهِ أَنْ یَطَّوَّفَ بِهِما".[7]

ب: قوله تعالى: " وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَکُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَکُمْ فیها خَیْرٌ".[8]

اتضح أن الشعائر الاسلامیة و حسب التعبیر القرآنی "شعائر الله" الاماکن و علامات العبادة التی جعلها الله شعائر الإسلام من الأذان، و الصلاة، و الصوم، و غیرها، و سمی ذلک شعارا، لأنه علامة علیه،[9] التی تکشف عن کون الانسان مسلماً و التی یتخذها المسلمون محورا یدورون حولها لیصونهم من الانحراف و الضلال.[10]

 

الهوامش:

[1] القرشی، سید علی اکبر، قاموس القرآن، ج 4، ص 42، دار الکتب الاسلامیة، طهران، الطبعة السادسة، 1412ق؛ الصاحب بن عباد، کافی الکفاة، اسماعیل بن عباد‌، المحیط فی اللغة، ج 1، ص 281، نشر عالم الکتاب، بیروت، الطبعة الاولی، 1414ق؛ الجوهری، اسماعیل بن حماد، الصحاح – تاج اللغة و صحاح العربیة، ج 2، ص 698، دار العلم للملایین، بیروت، الطبعة الاولی، 1410ق.

[2]الطبرسی، الفضل بن الحسن، مجمع البیان فی تفسیر القرآن، ج‏1، ص: 438،  انتشارات ناصر خسرو، طهران، 1372 ش، الطبعة الثالثة.

[3]البقرة، 158. مجمع البیان فی تفسیر القرآن، مترجمان، ج 2، ص 131 الطباطبایی، سید محمد حسین، تفسیر المیزان، موسوى همدانی، سید محمد باقر، ج 1، ص 580، مکتب النشر الاسلامی التابع لجماعه المدرسی،   قم، الطبعة الخامسة، 1374ش.

[4] الحج، 32.

[5] الحج، 36.

[6] العاملی (الشهید الثانی)، زین الدین بن علی، الروضة البهیة فی شرح اللمعة الدمشقیة (المحشی – سلطان العلماء)، ج 1، ص 217، نشر مکتب التبلیغ الاسلامی حوزه علمیه قم، الطبعة الاولی، 1412ق.

[7]البقرة، 158.

[8]الحج،36.

[9] الروضة البهیة فی شرح اللمعة الدمشقیة، ج 1، ص 217.

السبت, 30 تشرين2/نوفمبر 2019 09:37

عقيدتنا في التقيّة

آيات قرآنية:    
1 ـ ﴿لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ﴾([1]).
قوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ تصريح بجواز التقية عند الخوف على النفس من الهلاك.

2 ـ ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾([2]).
نزلت في عمار بن ياسر «رضي الله عنه»، وهي تشمل كل من أكره وقلبه مطمئن.
 
روايات معتـبرة ســنداً:    
1 ـ روى عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن إسحاق بن سعد، عنْ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ «عَلَيْهِ السَّلَامُ» قَالَ:
«إِنَّ التَّقِيَّةَ تُرْسُ الْمُؤْمِنِ، وَلَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا تَقِيَّةَ لَهُ.
فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:‏ ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾‏.
قَالَ: وهَلِ التَّقِيَّةُ إِلَّا هَذَا؟!»([3]).

2 ـ روى الشيخ الكليني عن أبي عَلِيٍّ الأَشْعَرِيّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله «عليه السلام»: يَقُولُ: التَّقِيَّةُ تُرْسُ الْمُؤْمِنِ، والتَّقِيَّةُ حِرْزُ الْمُؤْمِنِ([4]).

3 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ قَالَ:
«قِيلَ لأَبِي عَبْدِ الله «عليه السلام»: إِنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ أَنَّ عَلِيّاً «عليه السلام» قَالَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ سَتُدْعَوْنَ إِلَى سَبِّي فَسُبُّونِي، ثُمَّ تُدْعَوْنَ إِلَى الْبَرَاءَةِ مِنِّي فَلَا تَبَرَّءُوا مِنِّي.
فَقَالَ «عليه السلام»: مَا أَكْثَرَ مَا يَكْذِبُ النَّاسُ عَلَى عَلِيٍّ «عليه السلام»، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا قَالَ: إِنَّكُمْ سَتُدْعَوْنَ إِلَى سَبِّي فَسُبُّونِي، ثُمَّ سَتُدْعَوْنَ إِلَى الْبَرَاءَةِ مِنِّي، وإِنِّي لَعَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ، ولَمْ يَقُلْ: لَا تَبَرَّءُوا مِنِّي.
فَقَالَ لَه السَّائِلُ: أرَأَيْتَ إِنِ اخْتَارَ الْقَتْلَ دُونَ الْبَرَاءَةِ.
فَقَالَ «عليه السلام»: والله مَا ذَلِكَ عَلَيْه، ومَا لَه إِلَّا مَا مَضَى عَلَيْه عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، حَيْثُ أَكْرَهَه أَهْلُ مَكَّةَ وقَلْبُه مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ، فَأَنْزَلَ الله عَزَّ وجَلَّ فِيه: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾‏، فَقَالَ لَه النَّبِيُّ «صلى الله عليه وآله» عِنْدَهَا: يَا عَمَّارُ، إِنْ عَادُوا فَعُدْ، فَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ عُذْرَكَ، وأَمَرَكَ أَنْ تَعُودَ إِنْ عَادُوا»([5]).

4 ـ البرقي عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله «عليه السلام» قَالَ:
«كُلَّمَا تَقَارَبَ هَذَا الأَمْر (أي خروج القائم) كَانَ أَشَدَّ لِلتَّقِيَّةِ»([6]).

5 ـ روى الشيخ الكليني عن أبي عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ شُعَيْبٍ الْحَدَّادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَر «عليه السلام» قَالَ:
إِنَّمَا جُعِلَتِ التَّقِيَّةُ لِيُحْقَنَ بِهَا الدَّمُ، فَإِذَا بَلَغَ الدَّمَ فَلَيْسَ تَقِيَّةٌ([7]).

6 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيِّ وَمَعْمَرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَامٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَزُرَارَةَ، قَالُوا:
«سَمِعْنَا أَبَا جَعْفَرٍ «عليه السلام» يَقُولُ‏: التَّقِيَّةُ فِي كُلِّ شَيْ‏ءٍ يُضْطَرُّ إِلَيْهِ ابْنُ آدَمَ، فَقَدْ أَحَلَّهُ اللهُ لَهُ»([8]).

7 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ «عليه السلام» قَالَ:
«التَّقِيَّةُ فِي كُلِّ ضَرُورَةٍ، وصَاحِبُهَا أَعْلَمُ بِهَا حِينَ تَنْزِلُ بِه»([9]).

8 ـ روى الشيخ الكليني عن عَلِي بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وغَيْرِه، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله «عليه السلام» فِي قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: ﴿أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُو﴾.
قَالَ: بِمَا صَبَرُوا عَلَى التَّقِيَّةِ.
﴿ويَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾([10]).
قَالَ: الْحَسَنَةُ التَّقِيَّةُ والسَّيِّئَةُ الإِذَاعَةُ»([11]).
 
هذه عقيدتنا في التقـية:   
التقيّة كتمان الحق مع اطمئنان القلب له، وموافقة الغير بفعل أو قول، دفعاً لضرر بليغ، كالخطر على النفس، أو المال، أو العرض، ما لم تكن المفسدة الناشئة عن ذلك أعظم وأشد..

فالتقية لرفع مفسدة لا يرضى الله بوقوع المكلّفِ فيها، كالقتل، بخلاف ما لو كان العمل بالتقية يستلزم أن يقتُلَ النّفس المحترمة، فإنما جُعِلَت التقيّةٌ ليُحْقَنَ بها الدّم، فإذا بلغ الدّم، فليس تقيّة.

والتقيّة موافقة لمقتضى العقل، الذي يدعو إليها في موطن الخطر والضرر.

ولا تكون تقيّة حيث لا يكون ذلك الخوف من الضرر، ولا تقيّة في موارد التشريع المحرّم والبدعة في الدين، ولا تقيّة حيث يكون أصلُ الإسلام في خطر، فالحسين «عليه السلام» لما رأى الإسلام في خطر، أقدم على الشهادة نصرة للدين، ولم يعمل بالتقية..
 
سماحة الشيّخ نبيل قاووق

([1]) الآية 28 من سورة آل عمران.
([2]) الآية 106 من سورة النحل.
([3]) قرب الإسناد، ص35 ح114، وبحار الأنوار، ج72 ص394.
([4]) الكافي، ج2 ص221، وبحار الأنوار، ج72 ص 437.
([5]) الكافي، ج2 ص219. ووسائل الشيعة، ج 16 ص225و226.
([6]) المحاسن للبرقي، ج1 ص259، وراجع الكافي، ج2 ص220.
([7]) الكافي، ج2 ص220 ح16، وراجع: المحاسن للبرقي، ج1 ص259، وبحار الأنوار، ج72 ص399.
([8]) الكافي، ج2 ص220، ومرآة العقول، ج9 ص183، وسائل الشيعة، ج16 ص214.
([9]) الكافي، ج2 ص219، ومرآة العقول، ج9 ص184.
([10]) الآية 54 من سورة القصص.
([11]) الكافي، ج2 ص217، ومرآة العقول، ج72 ص422، والمحاسن، ج1 ص257.

حسني محلي

باحث علاقات دولية ومختصص بالشأن التركي

التحالف التركي-القَطري وحسابات إردوغان العقائدية

 

يرى إردوغان في نفسه زعيماً للإسلام السياسي بنسخته الإخوانية باعتباره تربّى على هذا الفكر على يد زعيمه نجم الدين أربكان، قبل أن يتمرَّد عليه ويقوم بتأسيس حزب "العدالة والتنمية" عام 2001.

  • التحالف التركي-القَطري وحسابات إردوغان العقائدية (أ ف ب).

 

خلال زيارته إلى القاعدة العسكرية التركية قرب الدوحة يوم أمس (الإثنين) قال الرئيس إردوغان "إن أمن قطر جزء لا يتجزَّأ من أمن تركيا". والقاعدة التي أسماها إردوغان بقاعدة خالد بن الوليد، وللتسمية معناها في قلب الشاعر، تم إنشاؤها هناك بعد التوتّر بين قطر وكل من السعودية والإمارات والبحرين، الدول التي أيَّدت في تموز/ يوليو 2013 انقلاب عبدالفتاح السيسي في مصر وأعلنت بعدها بعام حركة الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً، فأغضبت بذلك تركيا وقطر الدولتين اللتين كانتا حليفتيّ الرئيس السوري بشّار الأسد عندما كانت الدول الثلاث المذكورة عدواً له.

إلا أن هذه التناقُضات لم تمنع هذه الدول مُجتمعة من التحالف بعد 2011 "لتتهاوَش على الطريدة" أي الرئيس الأسد، والقول لحمد بن جاسم بتاريخ 27 تشرين الأول/أكتوبر 2017. 

وشهدت العلاقات التركية- القَطرية قبل "التهاوش" ومن بعده تطوّرات مُثيرة لتشكّل الدولتان محوراً إقليمياً يتبنَّى الإخوان المسلمين برضا ومباركة واشنطن التي تُدير كل عمليّاتها العسكرية في المنطقة، بما في ذلك شرق الفرات وقواعدها في تركيا، من قاعدتيّ العديد والسيلية، أكبر القواعد الأميركية خارج الولايات المتحدة، والتي تتفاوض مع طالبان في الدوحة. تتمتَّع قطر (600 ألف نسمة) بعلاقاتٍ مُميزةٍ على الصعيدين الرسمي والشخصي مع تركيا (82 مليون نسمة). سبق أن أهدى الأمير تميم إردوغان طائرته الخاصة وهي بقيمة 450 مليون دولار، فردّ الأخير على هذه الهدية بمنح قطر حق تشغيل واستثمار مصنع الدبابات التركي مقابل 50 مليون دولار لمدة 22 عاماً، والقول هنا لزعيم المعارضة التركية كمال كليجدار أوغلو. 

وقطر ليست الدولة الوحيدة التي عدّ إردوغان أمنها جزءاً من أمن تركيا، إذ سبق أن قال في 7 آب/أغسطس 2011 "إننا لا نرى في موضوع سوريا قضية خارجية لأن القضية السورية بالنسبة إلينا شأن داخلي، لذا لا يمكن لنا أن نقف موقف المُتفرِّج حيال الوضع هناك". 

وكان "الشأن الداخلي" هذا سبباً كافياً للتدخّل التركي الشامِل والكامِل في سوريا التي كان إردوغان وما زال يرى فيها عنصراً أساسياً لكل مُعادلاته الإقليمية الخاصة بالمنطقة العربية، وهو يقول ومعه إعلامه الموالي "إنها كانت تحت الحُكم العثماني لأكثر من 400 عام".

هذا الأمر يُفسِّر أيضاً الاهتمام التركي بليبيا من مُنطلقاتٍ عقائديةٍ إخوانيةٍ كما هي حال النظرة إلى سوريا والعلاقة مع قطر. فقد تبنَّت أنقرة ومعها الدوحة جميع الفصائل والحركات والقوى الإسلامية الليبية التي تُقاتِل ضدّ الجنرال خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي المدعوم من مصر والسعودية والإمارات.

الغريب في القصة أن هذه الدول ومن بينها تركيا وقطر إضافة إلى الفصائل التي تدعمها هي جميعها على المذهب السنّي ولا يوجد في ليبيا شخص واحد من الشرائح  الطائفية أو العِرقية أو الدينية الموجودة في سوريا والعراق، من دون أن نتجاهل أن قطر والسعودية تنتميان إلى ذات المذهب الوهّابي.

أما الصومال فهو البلد العربي الرابع الذي يحظى باهتمام إردوغان بعد أن خسر حليفه العقائدي الرئيس عمر البشير. وكان إردوغان يُخطِّط لأن تكون السودان قاعدته العسكرية الاستراتيجية شرق إفريقيا بعد أن منحه البشير في 27 كانون الأول/ديسمبر 2017  حق إنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة سواكن على البحر الأحمر، الأمر الذي ألغاه الحُكم العسكري في الخرطوم المدعوم من القاهرة والرياض وأبو ظبي. 

ويسعى هذا التحالف الثلاثي إلى عرقلة التواجد العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي التركي الواسع والفعَّال في الصومال التي توغَّل فيها الأتراك بشكلٍ كبيرٍ من خلال العلاقة مع كل الأطراف الصومالية التي تقدِّم لها أنقرة كافة المساعدات في جميع المجالات، بما في ذلك تدريب كل الكوادر العسكرية والأمنية الصومالية، حيث تستضيف تركيا الآلاف من الشباب الصومالي في جامعاتها ومؤسّساتها المُختلفة. كما تستضيف الآلاف من قيادات وكوادر وأعضاء حركات الإخوان المسلمين من مختلف الدول العربية، ويُقدِّر البعض عددهم بعشرة آلاف، من بينهم حوالى ألف من الإعلاميين العاملين في الإذاعات والتلفزيونات والمواقع الإخبارية وشبكات التواصُل الاجتماعي التابعة للحركات والتنظيمات الإخوانية العربية وغير العربية التي تحظى بدعمٍ مالي كبيرٍ من أنقرة. 

ويبقى العراق بشقّه "الإخواني" ضمن اهتمامات تركيا والرئيس إردوغان لما لهذا البلد الجار من أهمية بالغة بالنسبة إلى أنقرة، ليس فقط عقائدياً أي طائفياً، بل أيضاً أمنياً وعسكرياً. فالعراق يجاور شرقي الفرات، ويستقبل قواعد أميركية تدعم كرد سوريا، وهو جار إيران المُنافِس التقليدي لتركيا منذ العهد العثماني والبلد الذي تتّهمه "إسرائيل" وأميركا بالتدخّل في المنطقة العربية! 

هذه المُعطيات بتفاصيلها العلنية والسرّية كانت وما زالت السبب الرئيس في اهتمام إردوغان بالدول المذكورة، وهو كان يعتقد أنها ستؤول إليه بعد ما يُسمَّى بـ"الربيع العربي".

أراد إردوغان لهذا الربيع أن يساعده على إحياء ذكريات الخلافة والسلطنة العثمانية وكانت معظم ذكرياتها سيِّئة في هذه المنطقة بما في ذلك قطر التي تحالف أميرها جاسم آل ثاني مع بريطانيا بعد معركة الوجبة التي هُزِم فيها الجيش العثماني عام 1893.            

هذه الهزيمة التاريخية لم تمنع إردوغان، وريث الفكر العثماني، من التحالف مع مَن تمرَّد على أجداده، كما سبق له أن تحالف مع آل سعود في الحجاز وآل نهيان في الإمارات وآل هاشم في الأردن ضد الرئيس الأسد، فانقلبوا عليه جميعاً ومعهم السيسي الذي يرى فيه إردوغان عبدالناصر بنسخة جديدة كونه يُحارب الإخوان المسلمين في مصر وفي العالم، إذ سبق للسيسي أن طلب من ترامب أن يُعلِن الإخوان تنظيماً إرهابياً فلم يفعل طالما أن واشنطن بحاجة للإسلام السياسي.

ويرى إردوغان في نفسه زعيماً لهذا الإسلام باعتباره تربّى على هذا الفكر على يد زعيمه نجم الدين أربكان، قبل أن يتمرَّد عليه ويقوم بتأسيس حزب "العدالة والتنمية" عام 2001. وكان ردّ أربكان عنيفاً جداً آنذاك فاعتبر هذا  الحزب "في خدمة الصهيونية والإمبريالية العالمية التي خطَّطت لتدمير المنطقة بعد احتلال العراق ولاحقاً سوريا". 

وقد يُفسّر كل ذلك ما نعاني منه الآن من مشاكل عويصة ومُعقَّدة ومُرتبطة بعضها ببعض منذ ما يُسمَّى بـ"الربيع العربي". هذا الربيع الذي أراد الغرب من خلاله أن يسوِّق تجربة "العدالة والتنمية" التركي إلى الدول العربية، التي ستبقى في وضع لا تُحسَد عليه، والجميع يعرف مَن هم السبب.

المصدر : الميادين نت

رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، يقول إنه سيرفع كتاباً رسمياً لمجلس النواب بطلب الاستقالة من منصبه، ويدعو المجلس الى إعادة النظر في خياراته، والمرجع الديني السيد علي السيستاني يدعو المتظاهرين العراقيين السلميين إلى تمييز صفوفهم وطرد المخربين، مؤكداً حرمة الاعتداء على المتظاهرين السلميين. 

  • عبد المهدي: سأرفع كتاباً رسمياً لمجلس النواب بطلب الإستقالة من رئاسة الوزراء

قال رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، اليوم الجمعة، إنه سيرفع كتاباً رسمياً لمجلس النواب بطلب الاستقالة من منصبه.

وأضاف عبد المهدي في بيان له، أن قراره "هو من أجل السماح للبرلمان بإعادة النظر في خياراته وتسريع إنجاز ذلك"، مشيراً إلى أنه "استمع بحرص كبير الى خطبة المرجعية الدينية العليا اليوم الجمعة".

واستجابة لهذه الدعوة وتسهيلاً وتسريعاً لانجازها باسرع وقت،

حزب "المؤتمر الوطنيّ" يدين قرار السلطة الانتقالية في السودان حلّ الحزب ومصادرة أمواله، والسلطات تقول إن القرار غايته تفكيك نظام الرئيس المعزول عمر البشير واستعادة الثروات المنهوبة.

  • إلغاء "قانون النظام العام" الذي أنهك حقوق المرأة وأذلها

 

دان حزب "المؤتمر الوطنيّ" الذي كان يتزعّمه الرئيس المعزول عمر البشير القانون الذي أصدرته السلطات الانتقالية السودانية أمس الخميس، وينصّ على حلّ حزب "المؤتمر" ومصادرة أمواله، واصفاً ما جرى بأنه "قرار طائش".

وقال على صفحته في "فيسبوك" الجمعة إنّ القانون "يعني مصادرة أملاك الحزب ووضعها في خزينة الحكومة"، معتبراً هذه الخطوة دليل "فشل تام تعاني منه الحكومة غير الشرعية. نحن لا نعترف بالسلطة الحالية ولا يعنينا أي قانون أو أي قرار يصدر منها".

وحذر "المؤتمر الوطني" من أنّ "قوى الحرية والتغيير" تسعى إلى "جرّ البلاد للاحتراب والفوضى وعدم الاستقرار" وتعمل على تحويل الفترة الانتقالية إلى "فترة انتقامية تغيب عنها دولة القانون والعدالة والمساواة".

وكان رئيس الوزراء الانتقاليّ عبد الله حمدوك قال في تغريدة له على "تويتر" إنّ "قانون تفكيك النظام البائد وإزالة التمكين ليس قانوناً للانتقام بل هو من أجل حفظ كرامة هذا الشعب بعد أن أنهكته ضربات المستبدّين وعبثت بثرواته ومقدّراته أيادي بعض عديمي الذمّة"، مضيفاً أنّ هذا القانون يرمي إلى "استرداد الثروات المنهوبة من خيرات الشعب".

من المنتظر أن تعلن شركة أرامكو السعودية في إطار الطرح الأولي للاكتتاب العام IPO عن سعر طرح أسهمها للتداول في 5 ديسمبر المقبل. فهل يتم هذا الطرح؟ وهل ينجح؟

في عام 2018 صرح الاقتصادي الأمريكي الشهير، نورييل روبيني، بأن الإفلاس ينتظر المملكة العربية السعودية، بعد أن شاهد مشروع الموازنة العامة السعودية لعام 2019، الذي توقع العجز في الموازنة أن يصل إلى 4.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي، على افتراض أن سعر برميل النفط سيظل عند مستوى 80 دولارا أمريكيا للبرميل الواحد.

لكن سعر البرميل في 2019 وصل لمستوى أدنى من ذلك بكثير، عند 64 دولارا للبرميل، في الوقت الذي وصل فيه عجز الموازنة في المملكة في ديسمبر عام 2018 إلى 9.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ولا يبدو أنه سوف ينخفض عن ذلك. على العكس، تتوقع الرياض أن يرتفع عجز الموازنة عام 2020 إلى 187 مليار ريال سعودي (49.86 مليار دولار)، من 131 مليار ريال متوقعة (34.93 مليار دولار) عام 2019.

باختصار، فإن الوضع الاقتصادي في المملكة العربية السعودية يتجه من سيء إلى أسوأ، بالنظر إلى ارتفاع حدة الكساد العالمي، الذي ينبئ بخفض حتمي لأسعار المواد الخام، بما فيها النفط.

إن السعودية دولة غنية، لكن المشكلة في أن جزءا كبيرا من ثرواتها مجمّد عمليا، فالرياض لا تستطيع استخدام جزء ضخم من احتياطياتها، ومن غير المعلوم ما إذا كانت ستتمكن من ذلك يوما.

إقرأ المزيد

 

 

"أرامكو".. اكتتاب الأفراد فاق المعروض

ذلك أن الرياض لم تتعاف بالكامل من تبعات قضية خاشقجي على علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية، كما أن الاتهامات بالتأثير على السياسيين الأمريكيين لا زالت قيد المساءلة. وإذا كان ملف القضية الأوكرانية لا يحقق مآرب الحزب الديمقراطي في إطار محاولاته لعزل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فمن الممكن أن يتوجه الديمقراطيون فيما بعد إلى ملف السعودية. وعلى هذه الخلفية يمكن أن تكلف أي خطوة غير ودية للسعودية، بما في ذلك بيعها للسندات الأمريكية، ثمنا باهظا بالنسبة للمملكة.

بذلك فإن السعودية لا تعجز فحسب عن استخدام احتياطياتها، بل يتعين عليها أيضا رفع مساهمتها في الدين العام الأمريكي تعبيرا عن الولاء لواشنطن. وقد ارتفعت الاستثمارات السعودية في سندات الخزانة الأمريكية في الفترة من سبتمبر 2018 وحتى سبتمبر 2019 من 176.1 مليار دولار إلى 181.5 مليار دولار.

كما يجب أيضا ألا نغفل المشتريات "السياسية" للأسلحة من الولايات المتحدة الأمريكية بمبالغ ضخمة، وتكاليف الحرب في اليمن ودعم الحلفاء.

لقد وضعت هذه الظروف الرياض في خانة اليك، وأصبح عليها أن تبيع أسهمها، لكن حتى هنا تواجهها مصاعب، فالطرح الأولي للاكتتاب العام لأسهم الشركة السعودية الأكبر أرامكو، يطارده الفشل.

لقد قدّرت المملكة العربية السعودية سعر الشركة بتريليوني دولار، وهو ما لم تتفق معه البنوك الأوروبية، التي خفضت من تقدير سعر الشركة إلى أقل من 1.5 تريليون دولار.

وحينما واجهت الرياض هذا الموقف الفاتر من الغرب، أوقفت حملات الدعاية في الغرب وآسيا، وأعلنت أنها ستعرض أسهمها فقط في الخليج وداخل المملكة العربية السعودية. لكن الإمكانيات المالية في الخليج من الصعب أن تكفي للوصول إلى 25 مليار دولار التي تعول عليها الرياض.

وعليه تحولت الاستثمارات في أرامكو السعودية من عملية تجارية إلى قضية سياسية بحتة، تتطلب الحل على مستوى رؤساء الدول.

على الجانب الآخر تتمتع دولة الإمارات العربية المتحدة بوضع اقتصادي أفضل كثيرا من السعودية. كما تمتلك أيضا حرية أكبر في الحركة، وتمارس استقلالا أوسع عن الولايات المتحدة الأمريكية. حيث خفضت الإمارات استثماراتها في سندات الخزانة الأمريكية تدريجيا، ليصل من 60 مليار دولار في سبتمبر 2018 إلى 37.3 مليار دولار، أي أنها خفضت استثماراتها بنسبة 38٪ تقريبا!

إقرأ المزيد

 

 

الحوثيون للتحالف العربي: الحرب الحقيقية لم تبدأ بعد

ويساعد الوضع الراهن، حيث المؤشرات الاقتصادية الرائعة للإمارات، وعلى العكس منها تزايد مصاعب المملكة العربية السعودية، في تحويل موازين القوى في شبه الجزيرة، وهو ما يزداد وضوحا في الملفات السياسية، بما فيها تزايد الدور المستقل والواضح للإمارات في اليمن.

في الوقت نفسه، فإن خفض أسعار النفط، مع الكساد العالمي لا يمكن ألا يطال حتى أغنى الدول في منطقة الخليج، فالنقود الفائضة حاليا لا توجد سوى في البنوك المركزية للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي واليابان، وهم يطبعونها بلا حساب.

وكما ظهر في البيانات الصحفية، فإن أبوظبي على استعداد لضخ 1.5 مليار دولار في أرامكو السعودية، لكن من الواضح أن هذه القيمة ليست كافية لإنجاح الطرح الأولي للاكتتاب العام، كما أن التكلفة السياسية لرفع مساهمة الإمارات قد تكون كبيرة.

من الصعب أن نتخيل ألا تكون قضية الاكتتاب العام لأرامكو السعودية قد طرحت على طاولة الحوار أثناء الزيارة الأخيرة لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى الإمارات. لكن التصريحات الصحفية لم تشر إلى كلمة واحدة بهذا الصدد. وهو ما يشي غالبا بغياب أي نتائج إيجابية لهذا الحوار بالنسبة للسعودية.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة

إنّ الحديث حول أزمة أخلاقيّات العلم في الغرب قد بدأ يتعاظم وبشكل أكثر جدّيّة أبّان الثورة البيولوجيّة في تسعينيّات القرن الماضي حيث انتقلت عقول وطاقات وإمكانيّات من كلّ العالم  لدراسة الكون والعالم الخارجيّ إلى دراسة عالم آخر منطوٍ في داخل الإنسان وسائر الكائنات الحيّة، يعجّ بالمعجزات والعجائب، وحيث يعتبر المتابعون أنّ سلوك بعض العلماء في بحوثهم في فرعٍ ما من هذه العلوم هو المعيار الذي على أساسه نقيم أحكامنا الخلقيّة على العلم نفسه، مكتفين بما يقدّمون من دون ربط هذه الأخلاقيّات بالأبعاد الإنسانيّة والروحيّة التي أرادها الله تعالى من خلال دعوات أنبيائه (عليهم السلام).

فقد اصطدمت الغوغائيّة السياسيّة وسباق التسلّح والمنفعة الشخصيّة بالقواعد والأبعاد الإلهيّة، وحصل الاصطدام داخل بلدان الغرب الليبراليّ ودون استثناء، وتبيّن أنّ قيم المنطق العلميّ الجافّة لم تجد آذانًا صاغية لدور الفطرة البشريّة في الحكم على الأشياء وتجاوزت البُعد الإنسانيّ في عملها وانطلقت لتجد نفسها أمام سؤال خطير: إلى أين نمضي في أبحاث تهدّد الإنسانيّة بالانقراض كالسلاح النوويّ واكتشاف جينات لا مصلحة للبشريّة فيها لا بل هي في الواقع تهديد للوجود الإنسانيّ على مستوى الكرة الأرضيّة وكلّ الكون.

لذلك شكّلت أخلاقيّات العلم عقبة معنويّة أمام انطلاق مؤسّسات البحث العلميّ في الغرب من أن تتفلّت دون قيود أو ضوابط، وسرعان ما تجاوز الغرب الحرج والإرباك أمام مبادئ الأخلاقيّات اللازمة لبحث علميّ نظيف ووضع بها جانبًا في كلّ مرة كانت تصطدم بمشروعه، وبرّر أبحاثه الجائرة في كثير من الأحيان بعنوان المصلحة العليا للدولة والمصالح الاقتصاديّة والسياسيّة وحتّى التوسعيّة في بلدان العالم وأسواقه.

ففي الوقت الذي اعتبر فيه أنّ الكرامة الإنسانيّة وحريّة المرء يجب أن تعلو فوق أيّ قيمة بحثيّة، ودعا إلى توجيه الأبحاث في مجالات علوم الأحياء والوراثة والطبّ إلى رفع معاناة الإنسان وتحسين صحّة الجنس البشريّ، إلّا أنّه أكّد على حريّة البحث العلميّ من دون توضيح أو وضع للحدود باعتباره جزءًا من حريّة التفكير التي تكفّلتها القوانين الدوليّة([1])، لا بل لم تضع (منظمة اليونسكو عام 1997) أي ضوابط صارمة لممارسة الأبحاث المرتبطة بالجينوم البشريّ باستثناء ما أصدرته المجموعة الأوروبيّة لأخلاقيّات العلم والتكنولوجيا الحديثة عام 1998 بوجوب التقييم الأخلاقيّ للأبحاث وفي أجواء الشفافيّة التامّة، مكرّرة الشروط المعتادة لأيّ بحث علميّ.

وقد أخفت صحافة الغرب، على سبيل المثال، الإضاءة عن مشاريع سريّة قامت بها الولايات المتّحدة على الكائنات البشريّة أثناء الحرب الباردة، وتستّرت على دراسات حول الأساس الوراثيّ للذكاء وكان النموذج الأمريكيّ الأشدّ فظاعة للعسكرة والسباق إلى التسلّح، البرنامج الهائل الذي أطلقته الولايات المتّحدة عام 1978 والذي رصدت له الحكومة الأمريكيّة 1555 مليار دولار، بمعدّل صرف يوميّ يتجاوز المليار دولار وبشكل وصفه المتابعون آنذاك بالجنون النوويّ التامّ، ولا زالت حتّى اليوم شركات الأدوية تجري التجارب الكيميائيّة على البشر في أفريقيا لدراسة فعّاليّة الأدوية، ورفض عدد كبير من العلماء الحديث عن مشكلة الأخلاق في العلم معتبرين أنّ الانحراف لا يحدث كثيرًا وعندما يحدث لا يؤثّر على البيئة البحثيّة التي انطلق منها، فيما ذهب آخرون لنفي أصل المشكلة الأخلاقيّة في عالم البحث العلميّ طالما أنّهم ينظرون إلى العلم بوصفه موضوعيًّا، حيث يدرّس الوقائع ويستخدم مناهج معروفة، واعتبر علماء في مجال آخر أنّ بحثهم العلميّ هو مهنة عليهم النشر حولها حتّى يستمرّوا في تقدّمهم المهنيّ وتزداد الموازنة المخصّصة لهم وإلّا نفتهم الجامعة خارجها، ولذا كان بعضهم مفتونًا بانتهاك المبادئ الأخلاقيّة وذلك من أجل التقدّم في مسارهم المهنيّ.

وبناءً على ما تقدّم، نجد في الغرب ثمّة مَن يقسّم أهداف العلم إلى إطارين: أهداف معرفيّة وأهداف عمليّة ([2]). الأهداف المعرفية أنشطة تتقدّم على ضوئها المعارف البشريّة وتتضمّن وصفًا دقيقًا للطبيعة ونظريّات وفروض تفسيريّة متنامية يتمّ تناقلها وتطويرها من جيلٍ إلى جيل. أمّا الأهداف العمليّة فهي في الواقع حلّ لمشاكل معيّنة في الطبّ والهندسة والاقتصاد والزراعة باتّجاه تحسين صحّة البشر وزيادة القوّة التكنولوجيّة والسيطرة على الطبيعة، ويذهب هؤلاء إلى تحديد مبادئ أخلاقيّات العلم بالعناصر التالية: الأمانة، الحذر واليقظة، الانفتاح والتشارك في البحث عن المعرفة، الحريّة كمفتاح للإبداع بعيدًا عن ضغوط المموّلين والحكومات، ثمّ التقدير والتكريم، نقل المعرفة دون قيود، المسؤوليّة تجاه المجتمع بعدم استجلاب الضرر له، الالتزام بالأطر الموضوعيّة والاحترام المتبادل واحترام الذات، ونتيجة لذلك غاب التفاعل المطلوب بين وجهتي العلم: المعرفيّة والعمليّة وتضرّرت كلّ منهما، فابتعد العلم التجريبيّ عن الضوابط المنظّمة لحركته ولآفاق عمله المستقبليّة، وتضرّرت العلوم الإنسانيّة بخسارة حقائق ووجهات عمل لديها كانت لتغنيها ولا شكّ في حركتها المستقبليّة نحو فهم أعمق لحقائق الكون والإنسان، وكان المبرّر الحقيقيّ لهذا الانفصال المتعمّد خشية بعض الدول عن فقد أولويّتها في السباق المحموم في ساحة العلم، انطلاقًا من قناعتها أنّ التقدّم العلميّ سيكون أداة الاقتدار والتسيّد في الساحة الدوليّة، فضلًا عن كونه أداة غنى ورفاهيّة وردع لمواجهة طغيان الدول الأخرى..

أمّا على مستوى النشر، فتتحدّد أخلاقيّات العلم بالعمل الموضوعيّ في النشر وفي الدور المفصليّ للجان التحكيم التي تطلق أحكامها على الموضوع سلبًا أم إيجابًا وضرورة إيلاء التقدير لمستحقّه مع ضرورة ضبط كلّ أشكال الانتحال، مع احترام الملكيّة الفكريّة وتقدير المستحقّ وتكريمه.

وتطرح بقوّة مشكلة العلاقة بين الناس ونتائج البحث العلميّ والتي قد تتحوّل أحيانًا إلى سوء تفاهم سببه: افتقار العامّة من الناس إلى المعطيات الأوّليّة عن العلم وإلى فهم النظريّات المعقذدة والمعلومات الإحصائيّة وتفضيلهم العلوم المسطّحة والبالية مع رفضهم العمل العبقريّ، وتساهم وسائل الإعلام في إساءة فهم العلم عن طريق التقديم الخاطئ أو التبسيط الزائد للفكرة أو الاعتماد على مصادر غير موثوقة لجهة توافر الجدّيّة والدقّة والحذر والأمانة العلميّة في إدارة البحث واستخلاص النتائج أو تطبيقها، وعلى الرغم من قرارات الحظر التي أصدرها الكونغرس الأمريكيّ بحظر الأموال الفدراليّة لتمويل الأبحاث المستخدمة للأجنّة إلّا أنّه وفي العام 1999 عاد عن قراراته ورفع الحظر عن هذه الأبحاث وكذلك فعلت المجموعة الأوروبيّة لأخلاقيّات العلم والتكنولوجيا، ولا زال العلماء يضغطون لرفع القيود عن الأبحاث مستندين إلى ورقة رابحة مفادها أنّ سرعة التقدّم في البحوث العلميّة تتجاوز القوانين القائمة وتتجاوز المفاهيم القائمة في المجتمع والتي تريد استيعاب تلك المتغيّرات.

وقد وقف العلم أمام تحدّيات أخلاقيّة كبيرة كان منها على سبيل الذكر في مجالات الطب: أولويّة المحافظة على الحياة البشريّة وقضيّة القتل الرحيم والترويج السائب للأدوية وشاعت نماذج الإساءة إلى إنسانيّة الإنسان بمعالجة هذه المعضلات وأزهقت أرواح بشريّة كثيرة مرّة جديدة في الصراع بين الممارسة الخاطئة والمنفعة البشريّة المباشرة وكان النصر حينها للمادّة والمصلحة وفازت شركات التأمين ومصانع الأدوية في المعركة ككلّ مرّة وبانت جوانب مظلمة من النتيجة: استفحال الفقر والجوع وانتشار الأوبئة في جهات العالم الأربعة وتبيّن أنّ المرتكزات الحاكمة لأخلاقيّات العلم في الغرب وعلى الرغم من أدبيّاتها الكثيرة وظهور المقالات والكتب والمؤتمرات والتوصيات، كانت أقلّ من مستوى المواجهة وأنّ لجشع الغرب ولوحشيّته الكلمة المسموعة في نهاية المطاف.
وحول التجارب على البشر، انطلق البحث العلميّ لضبط الانفلات في هتك أخلاقيّات العلم وسعى جدّيًّا بهذا الاتّجاه حماية لنفسه ولبني جلدته وأطلق ما عُرف بمدوّنة نورمبرغ (1949) والتي نصّت على موافقة المريض على التجربة وعلمه بالعواقب وعلى أن تكون التجربة ذات أثر على المجتمع ككلّ وغير مؤذية وعلى أن يجريها علماء مؤهّلون يحافظون على السرّيّة والخصوصيّة للمريض عند الضرورة وكل ّذلك انطلاقًا من أنّ البشر يملكون قيمة متأصذلة بهم.

إنّ أفراد المجتمع هم محتاجون إلى الدراية الكافية بأمور وحقائق البحوث المخبريّة وذلك لتمكينهم من الحماية من مخاطر العلم العبثيّ، والعالِم في المختبر يكون أسير صراع بين شخصيّتين له: شخصيّة العالم المحترف ذي السلطة العلميّة المكافح من أجل الموضوعيّة والأمانة، وشخصيّة المواطن الذي يمتلك الحقّ في التعبير عن آرائه الذاتيّة والحريّة في التفكير واستثمار المعلومات لتطوير مشاريع سياسيّة واجتماعيّة كما أنّ شهادة الخبرة التي يؤدّيها العالم الباحث في المحكمة قد تكون مفصليّة لاتّهام أو لتبرئة متّهم أو لإثبات مسؤوليّة قانونيّة لشركة أو مؤسّسة ما، فهي قناة إلى صراع المصلحة بين وضعه الفرديّ والتزامه كباحث موضوعيّ.
 
أخلاقيّات العلم عند الإمام الخامنئي، د. عبد الله زيعور

[1] د. محمّد عفيفي، أخلاقيّات العلم، كتاب الهلال عدد 597، (2006).
[2] دايفيد رزنيك، أخلاقيّات العلم، سلسلة عالم المعرفة 316 (الكويت: 2005).

الأربعاء, 27 تشرين2/نوفمبر 2019 08:53

مؤتمر "المنامة" الأمني.. الأبعاد والنتائج

اختتم المؤتمر الأمني الخامس عشر المعروف بـ "حوار المنامة" أعماله في البحرين والذي بدأ يوم السبت واستمر لمدة ثلاثة أيام، حيث أبدى خلال هذا المؤتمر مسؤولو 35 دولة ضموا 20 وزيراً ومعاون وزير ومستشار أمن قومي وقادة جيش وأجهزة أمنية، وجهات نظرهم حول قضايا مثل الأمن البحري، والصراع في الشرق الأوسط، والدبلوماسية الدفاعية، والاستقرار الإقليمي، والسياسة الأمريكية، وعلاقات التحالفات في الشرق الأوسط، والمنافسة والتعاون الإقليمي. إذ يمكن تحليل وتصنيف أبعاد ونتائج القمة في عدة محاور.

ظل تنافس القوى يخيّم على مؤتمر البحرين

عُقد مؤتمر المنامة في ظل ظروف تنصبّ فيها مخاوف دول الخليج الفارسي، هذه الأيام، على قضية توفير الأمن لمنطقة الخليج الفارسي والنظام الأمني في المنطقة في المستقبل نظراً إلى الرؤى والمؤشرات المتوافرة عن تراجع أهمية هذه المنطقة في السياسة الخارجية لأمريكا خاصة في عهد دونالد ترامب.

إن تركيز أمريكا على منع توسع نفوذ الصين في شرق آسيا، وكذلك تقليل اعتماد واشنطن على نفط الشرق الأوسط، أدى بالدول العربية في المنطقة إلى إعادة التفكير في شراكاتها الأمنية، إذ إن هذا الموضوع كان أكثر القضايا جدية في المؤتمر حيث انتقدت وزيرة الدفاع الفرنسية "فلورنس بارلي" في كلمتها خلال المؤتمر بشدة ردة فعل أمريكا و "تراجعها التدريجي" في الشرق الأوسط، وقالت "إننا نشهد انسحاباً أمريكياً تدريجياً ومتعمّداً من القضايا المتعلقة بالمنطقة".

يمكن اعتبار هذا النقد الذي وجّهته وزيرة الدفاع الفرنسية بأنه يتماشى مع استراتيجية باريس لإيجاد موطئ قدم لها في الخليج الفارسي وإظهار شخصية أكثر ثقة من واشنطن لتلبية الاحتياجات الأمنية للمشيخات العربية. وفي هذا الصدد، تطرقت وزيرة الدفاع الفرنسية الى القضايا التي تهم السعوديين والاماراتيين وانتقدت عدم الرد على تفجير ناقلات النفط (في اشارة الى الهجوم على ناقلات النفط في الخليج الفارسي) والهجوم على المنشآت النفطية (أرامكو). في وقت تم فيه يوم أمس الإعلان عن استقرار قيادة التحالف البحري الأوروبي في الخليج الفارسي في أبو ظبي بحضور وزيرة الدفاع الفرنسية.

ومع هذا يبقى السؤال المطروح بالنسبة لدول الخليج الفارسي هو أنه هل تتمتع أوروبا بالإمكانيات الكافية لتلبية احتياجاتهم الأمنية أم لا؟ حيث إن البحرين تستضيف الاسطول الأمريكي الخامس، والسعودية والإمارات وقطر هم من كبار مشتري الأسلحة الأميركية، وعادة ما لاقت هذه البلدان نهجاً أكثر تماسكاً من واشنطن في بعض الازمات مثل انتفاضات 2011 في البحرين وكذلك حرب اليمن، بينما انتقدت دول أوروبا هذه البلدان حتى أنها فرضت عليها بعض العقوبات. ولهذا السبب، يمكن اعتبار تصريحات عادل الجبير ومديح وفاء واشنطن بالحفاظ على الوحدة مع حلفائها في الخليج الفارسي علامة على ذلك.

جذور عدم الاستقرار في الخليج الفارسي

كما هو الحال في الاجتماعات بين السعودية والإمارات والبحرين مع الحكومات الغربية تم فيها مرة أخرى أثناء الحديث عن الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار والتهديدات الأمنية الرئيسة في المنطقة، جعل إيران في مركز هجماتهم، كما تحدث مستشار الملك السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير عن نهجين الأول تنموي والثاني مثير للتفرقة في أسلوب الحكم في المنطقة ووضعهما في مواجهة بعضهما البعض إذ وضع إيران في مركز النهج الثاني!.

هذا في وقت يظهر فيه دور السعودية والإمارات جلياً في افتعال أزمات المنطقة كقتل الشعب اليمني، وحصار قطر، ودعم أعمال الشغب في لبنان والعراق، ودعم سياسات الكيان الصهيوني غير المشروعة ضد الفلسطينيين، والقمع المباشر في البحرين، ودعم الجماعات الإرهابية في سوريا وغيرها فقط في العقد الماضي.

ومن جهة أخرى، إن مزاعم التظاهر في دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان من قبل أنظمة يقطّع الصحفيون في سفاراتها ولم تجر بعد أي انتخابات حرة في هذه البلدان حتى الآن ونحن في القرن الحادي والعشرين، هي بمثابة مفارقة سخيفة تُظهر انخفاض المصداقية وهزلية مثل هذه الاجتماعات.

من الطبيعي والضروري عند الحديث والبحث عن جذور عدم الاستقرار في المنطقة إن تشارك جميع الدول في ذلك وأن تتوافر إرادة كافية لمواجهة جذور عدم الاستقرار، الإرادة التي قد أظهرتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية من خلال مقترحها لتشكيل مجمع حوار إقليمي المعروف بـ"هرمز للسلام"، وبعض الدول مثل أمريكا ودول أوروبا ولأنها تستغل وجود خلافات في المنطقة تضع العراقيل في هذا المسار وتصبّ الزيت على نار سياسة "الإيرانوفوبيا".

تشتهر عبارة "الشيطان الأکبر" في الأدبيات السياسية والإعلامية في عالم اليوم، للإشارة إلى النزعة التوسعية لأمريكا وعدائها لإيران، الذي اتضح للشعب الإيراني منذ الحرب العالمية الثانية في الحد الأدنی.

لكن مجلة "فورن افرز" وهي من المجلات الأمريكية المعروفة في السياسة الخارجية، قد استخدمت هذه العبارة في عددها الجديد(نوفمبر-ديسمبر2019) بمعنى معكوس.

ففي تقرير أفردته هذه المجلة لإيران تحت عنوان "شيطان أمريكا الأكبر: حساسية حيال إيران لأربعين عاماً"، تطرقت إلى بعض أخطاء أمريكا تجاه إيران، معتبرةً إدارة ترامب بأنها ذروة النظرة الأمريكية الخاطئة تجاه طهران.

كاتبا التقرير هما "دانيل بنجامين" المنسق السابق لشؤون مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية و"استيفن سايمون" عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي في إدارتي کلينتون وأوباما.

حساسية أمريكية تجاه إيران لأربعين عاماً

يبدأ تقرير "فورن افرز" بوصف مستقبل محتمل كما يلي:

من خلال دراسة استراتيجيات الأمن القومي للإدارات المتعاقبة، هنالك بلد واحد فقط صُوِّر بأنه عدو دائم وحاقد، أي إيران. بحيث إنه منذ انتصار الثورة الإسلامية في عام 1979، صوَّرت واشنطن إيران بأنها لاعب مخاصم وخطير بالكامل.

وتشير المجلة الأمريكية إلى خروج ترامب من الاتفاقية النووية مع إيران وممارسة سياسة الضغط القصوى، وتقول: لم تشهد أمريكا حتى الآن رئيساً مزاجياً مثل ترامب، وهناك احتمال أن يميل هذا الرئيس إلى خيار المرونة أمام إيران، بعد اختباره لخيار تشديد الضغوط.

وتتابع فورن افرز بالقول: لم يأت النهج العدائي لترامب خلال ثلاث سنوات من رئاسته من فراغ، بل كان استمراراً لخصومة عميقة تجاه إيران اتسمت بها السياسة الأمريكية خلال 40 سنة الماضية. حالياً مع تصاعد الدوافع السياسية وتكثيف اللوبيات الإسرائيلية والسعودية، وصلت هذه الخصومة إلى أبعاد خطيرة قد تؤدي إلى خطأ جاد في الحسابات. فإيران لا تشكل تهديداً وجودياً لأمريكا، ولكن اشتباكاً خطيراً مع هذا البلد سيكون مكلفاً جداً وسيؤدي إلى نتائج معكوسة.

ثم يضيف الكاتبان: لقد آن الأوان لكي تعيد أمريكا النظر في بعض الفرضيات التي أدت إلى الطريق المسدود الحالي. حان الوقت لنسيان الظل الإيراني الذي يخيم على التفكير الأمريكي الاستراتيجي.

الموقع الجيوستراتيجي والبرنامج النووي.. الذريعة الأمريكية لمعاداة إيران

استناداً إلى بعض الإحصاءات حول عدد السكان، حجم الاقتصاد والميزانية العسكرية الضخمة البالغة 750 مليار دولار لأمريكا وحلفائها مثل السعودية والكيان الإسرائيلي، يقول بنجامين وسايمون: من ناحية ميزان القوى، فلا معنى لحساسية أمريكا تجاه إيران. فعلى الرغم من الفارق الواضح بين القدرة العسكرية للبلدين، فإن صنّاع القرار في أمريكا ينظرون إلى إيران نظرة العداء والتهديد لسببين: الجغرافيا والبرنامج النووي.

تتمتع إيران بخط ساحلي طويل في الخليج الفارسي، الذي ينتقل منه خمس نفط العالم. نظرياً تستطيع إيران عرقلة انتقال النفط عبر إغلاق مضيق هرمز، الأمر الذي ستكون له تداعيات مأساوية على اقتصاد العالم، رغم أن هذا التهديد مستبعد عملياً.

النظرة السلبية المفرطة وازدواجية المعايير لدى واشنطن

وإذ تنتقد مجلة فورين افرز أمريكا لأنها تحافظ على علاقاتها مع شركائها في منطقة الخليج الذين يدعمون الإرهاب من جهة، وتتعامل مع إيران كبلد منبوذ من جهة أخرى، توضح أن هناك كواليس تفوق المصالح الاستراتيجية.

ثم يشير الكاتبان إلى مسألة مهمة ألا وهي دعم إيران لحزب الله اللبناني، الذي تحول الآن إلى حزب سياسي في لبنان. إن دوافع طهران لدعم حزب الله إضافةً إلى كونها إيديولوجيةً، فهي جيوسياسية بالدرجة نفسها أيضاً. فهذه الصواريخ تشكل العامل الأساس لردع إيران الاستراتيجي أمام "إسرائيل"، وهذا الردع الذي بدأ منذ عام 2006 ظل مستمراً حتى الآن ويحقق نجاحاً.

ويذکِّر بنجامين وسايمون بنقطة مهمة، وهي أن طبيعة العديد من إجراءات إيران لتوسيع نفوذها في أنحاء الشرق الأوسط، تأتي رداً على الأخطاء الاستراتيجية لأمريكا وحلفائها. فرغم أن الصقور في واشنطن يحذّرون دائماً من نفوذ إيران في العراق، ولكن الحقيقة هي أن هذا النفوذ "ناتج في الأساس عن احتلال أمريكا للعراق عام 2003، كما أن دعم إيران لحكومة بشار الأسد في سوريا ما هو إلا جهود طهران للحفاظ على الوضع الموجود والدفاع عن حليفها الموثوق به، بعد أن حاولت الدول العربية السنية الإطاحة بالرئيس الأسد من خلال تسليح وتمويل المتمردين السوريين.

ويلفت التقرير اهتمام الساسة الأمريكيين إلى أن: المشكلة هي أن هذا الإطار الفكري(إذا كان عدوكم متأثراً بالأيديولوجية أكثر من أي شيء آخر، فمن غير المرجح أن يقبل بالتسوية أو التراجع)، قد أعمى العديد من المحللين الأمريكيين، ولذلك، فهم لا يرون الدافع الحقيقي لإيران، والذي هو عبارة عن خلق الحد الأقصى من المصالح الأمنية في الأجواء العدائية العميقة.

من السبب في العداء بين إيران وأمريكا؟

تعترف المجلة أن "الذنب الأول" في العلاقات بين واشنطن وطهران، هو مشاركة أمريكا في المؤامرة البريطانية للإطاحة بـ"محمد مصدق" رئيس الوزراء الإيراني المنتخب في عام 1953، ولكن لم ينته الأمر عند هذا الحد، بل زاد الدعم الأمريكي لمحمد رضا شاه بعد الانقلاب غضب الشعب الإيراني. وبعد خروج ترامب من الاتفاق النووي، أضيف الشعور بالحقد والانتقام إلى هذا الغضب.

أسباب وتداعيات العداء الأمريكي لإيران

ثم يتساءل بنجامين وسايمون بالقول: «كيف يمكن إيضاح هذا العداء؟"، ويذكر أن إجابتين له، هما "انطباق إيران على التعريف التقليدي للأمريكيين عن التهديد الخطير" و"التأثير المدمر للوبي الإسرائيلي".

يزعم الكاتبان أن إيران، مثل الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة، لها نفس الخصائص التي يتصورها الأمريكيون لأكبر أعداء بلدهم، أي "الأيديولوجية الثورية والنهج التوسعي للمتحالفين في كل أنحاء العالم".

أما السبب الثاني للعداء الأمريكي لإيران بحسب الكاتبين، فهو تزايد تأثير اللوبي الصهيوني في واشنطن، ونتيجة هذا اللوبي هي "تكثيف نفوذ المسيحيين الانجيليين في الحزب الجمهوري ونمو الدعم العام لإسرائيل في أمريكا".

ويرى الكاتبان أن "الجميع يعلم شكل حروب أمريكا الكبيرة في الشرق الأوسط، ومن الواضح أن أفضل خيار حيال هذه الحروب هو الحيلولة دون وقوعها". والتكلفة الأخرى هي تفاقم الخلافات بين أمريكا والاتحاد الأوروبي والذي تجلى في عهد ترامب بوضوح. وحتى إذا كانت الحكومة الحالية في طهران غير مرغوب بها لواشنطن، فإن تداعيات إسقاطها مثل أزمة اللاجئين المحتمل والضغوط الشديدة على الجيران، أكثر مأساويةً.

عداء ترامب الخاص تجاه إيران

لقد خصصت فورين افرز قسماً من تقريرها لدراسة علاقات الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع طهران، وقالت: لقد كانت الخصومة حاضرةً بين واشنطن وطهران إلا نادراً، ولكن عداء ترامب الخاص تجاه طهران يختلف عن المسار الطبيعي لرؤساء أمريكا السابقين. فلم تتخذ أي إدارة قبل إدارة ترامب هذا الموقف بشكل ثابت دون تغيير، بأن إقامة علاقات فاعلة مع حكومة رجال الدين في إيران غير منطقي وغير مقبول.

ويضيف التقرير: من المؤكد أن هناك إشارات ضعيفة بأن ترامب هو الآخر سيسلك طريق من سبقوه تجاه إيران، بمعنی أنه سيحاول التشدد في السلوك الظاهري، ولكن في الوقت نفسه سيتوصل إلى صفقة مع إيران خلف الکواليس.

من التعامل العسكري إلى إعادة فتح السفارة.. أهداف وآليات أمريكا تجاه إيران

في القسم الأخير من التقرير، ترى فورين افرز أن أمريکا يجب أن تتعامل مع إيران في نهاية المطاف. الهدف الأهم لواشطن يجب أن يکون منع إيران من الوصول إلی السلاح النووي. والطريق الأنجع لذلك هو الدبلوماسية المتعددة الأطراف في إطار الاتفاق النووي. وهذا الطريق لا يوفر إمکانية التفتيش وجمع المعلومات من المنشآت النووية الإيرانية من قبل الغرب فحسب، بل سيخلق لدی إيران دوافع للتعاون في هذا المجال أيضاً.

والهدف الثاني لأمريکا يجب أن يکون الحصول علی أدوات للضغط في مجال السياسة الخارجية الإيرانية، لکي تتضاءل إمکانية الصراع بين واشنطن وطهران. والحصول علی نفوذ هادف في السياسة الإيرانية يستلزم في الحد الأدنی فتح قناة اتصال بين جيشي البلدين، بهدف منع الاشتباکات غير المقصودة. ثم يمکن أن يسير هذا الاتصال نحو مفاوضات سرية متعددة الأطراف حول القضايا التقنية، ويتعزز عن طريق إثارة مواضيع سياسية في مستويات أعلی في مجالات التعاون المحتملة، ويصل إلی ذروته في النهاية من خلال تطبيع العلاقات الدبلوماسية.

ثم تختم فورين افرز تقريرها بالقول: ثمة ضرورة لإعادة فتح السفارة الأمريکية في طهران، لتأثير واشنطن علی المستويات العلیا لصنع القرار في إيران، ولا يتأتی هذا التأثير إلا من خلال إعادة فتح السفارة وإقامة التعاملات المنتظمة والمحترفة بين الطرفين. حالياً، حيث وضعت الحرب في سوريا أوزارها، واستمر الردع في حدود "إسرائيل" مع جنوب لبنان، وأظهرت إسرائيل عزمها علی منع تقدم إيران بالقرب من مرتفعات الجولان، وابتعدت الإمارات عن الحرب السعودية علی اليمن، توفَّرت فرصةٌ للتحرك بحذر. ومن المستبعد أن ينتهز ترامب هذه الفرصة، لأن التکاليف السياسية لهذا التغيير باهظة جداً. ولکن رغم ذلك، علی الإدارة اللاحقة أن تجرِّب التعامل مع طهران في المدی البعيد

المصدر.الوقت