Super User

Super User

نصّ الوصيّة
من جملة ما أوصى به مولانا الإمام أبو عبد الله جعفر بن مُحمد الصادق عليهما السلام صاحبه النجيب زيد الشحّام1: "اقرأ من ترى أنّه يُطيعني منكم ويأخذ بقولي السلام، وأوصيكم بتقوى الله عزّ وجلّ والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وطول السجود، وحُسن الجوار، فبهذا جاء محمّد صلى الله عليه وآله وسلم2. أدّوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها برَّاً أو فاجراً، فإنّ رسول الله كان يأمر بأداء الخيط والمخيط، صِلوا عشائرهم، واشهدوا جنائزهم، وعُودوا مرضاهم، وأدّوا حُقوقهم، فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدقَ الحديث وأدَّى الأمانة وحسُنَ خُلقه مع الناس قيل: هذا جعفريّ، ويَسُرّني ذلك، ويدخل عليّ منه السرور، وقيل: هذا أدب جعفر، وإِذا كان غير ذلك دخل عليَّ بلاؤه وعارُه وقيل: هذا أدب جعفر، فوالله لحدّثني أبي أنّ الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي عليه السلام فيكون زينها، أدَّاهم للأمانة، وأقضاهم للحقوق، وأصدقهم للحديث، إليه وصاياهم وودائعهم، تُسأل العشيرة عنه، ويقولون : من مثل فلان؟ إِنّه أدّانا للأمانة، وأصدقنا للحديث"3.

مقدّمة
إنّ نظرية أئمة أهل البيت عليهم السلام في إمامة المسلمين تقوم على أساس أنّ الإمامة منصب إلهي، حيث يتمّ تعيين الإمام بالنصّ عليه من قِبَل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو من قِبَل الإمام الذي قبله، وقد جعل الله طاعة الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام نظاماً للملّة الإسلامية كما بَيّنت سيّدة نساء العالمين فاطمة عليها السلام. وعلى الرغم من أنّ أئمة أهل البيت قد تركوا هذا المنصب الإلهي بسبب الظروف السياسية التي عاشها المسلمون بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنّ ولاية أهل البيت - التي هي بالأصل ولاية الله تعالى ورسوله -، والممارسة الواقعية لأئمّة أهل البيت عليهم السلام كانت تؤكّد هذا الدور للأمّة تأكيداً واضحاً.

ثم إلى من يفزع خلف هذه الأمة، وقد درست أعلام هذه الملّة، ودانت الأمة بالفرقة والاختلاف؟ ومن الموثوق به على إبلاغ الحجّة وتأويل الحكم إلا أشقاء القرآن وأبناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى الذين احتجّ الله بهم على عباده، ولم يدع الخلق سدىً من غير حجّة، فكانوا فروع الشجرة المباركة وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً وبرّأهم من الآفّات وافترض مودّتهم في الكتاب؟

وانطلاقاً من هنا لم يكن لأئمة آل البيت عليهم السلام همّة إلا تهذيب المسلمين وتربيتهم تربية صالحة كما يريدها الله تعالى منهم، فكانوا مع كلّ من يواليهم، ويأتمنونه على سرّهم يبذلون قصارى جهدهم في تعليمه الأحكام الشرعية، وتلقينه المعارف المحمّدية، ويُعرّفونه ما له وما عليه، ولا يعتبرون الرجل تابعاً وشيعة لهم إلا إذا كان مطيعاً لأمر الله مجانباً لهواه آخذاً بتعاليمهم وإرشاداتهم، ولا يعتبرون حبّهم وحده كافياً للنجاة كما قد يُمنّي نفسه بعض من يسكن إلى الدعة والشهوات، ويلتمس عذراً في التمرّد على طاعة الله سبحانه. إنّهم لا يعتبرون حبّهم وولاءهم منجاة إلا إذا اقترن بالأعمال الصالحة، وتحلّى الموالي لهم بالصدق والأمانة والورع والتقوى"4.

دور الوصيّة في المحافظة على وحدة الأمّة
تَكتسِب أيّ وصيّةٍ أهميتّها الخاصّة - غالباً - من سببَيْن: الشَّخص المُوصي، ومضمون الوصيّة، وقد يُسهِم سببٌ ثالث في هذه الأهميَّة، هو الشخص المُوصَى إليه. المُوصي، فهو أمين الله في أرضه الإمام جعفر بن مُحمد الصادق ع، وقد كانت مضامين وصاياه لشيعته ومواليه ومريديه أن يتّقوا الله تعالى، ويكونوا القدوة الصالحة والأسوة في السلوك بين المسلمين، من أجل المحافظة على الإسلام المحمّدي الأصيل وبالتّالي المحافظة على كيان الأمّة. هذا من ناحية، وهداية الناس إلى طريق الحقّ من ناحية أخرى، وقد التزم أتباع أهل البيت عليهم السلام هذه التوصيات التي تُعدّ من غُرر مكارم الأخلاق، وطبّقوها من موقع القوّة والقدرة، كما التزموا بها في مواضع الضعف والمطاردة، ولذلك لم يُعرف عن شيعة أهل البيت عليهم السلام أنّهم مارسوا عمليّات القمع والاستئصال ضدّ أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى حتى في الحالات التي كانوا يُمسكون فيها بأزمّة الأمور، وإنّما كانوا دائماً يتمسّكون بنهج الدفاع عن النفس عندما يتعرّضون للعدوان في أشدّ الحالات، وقد يتمسّكون بالصبر والسكوت، وتحمّل ألوان الأذى والهضم لحقوقهم الطبيعية تأثّراً بالنهج الذي تبلّغوه عن أئمّتهم المعصومين عليه السلام. وقد أسهم ذلك التزاماً عالياً بسلوكهم الفرديّ والاجتماعيّ بين الناس، فكانوا قدوة لبقية الناس، وأصحاب دور فاعل وتأثير بارز عليهم في الهداية إلى الإسلام الأصيل. والأمثلة في ذلك كثيرة يعرفها المنصفون من المطّلعين على التراجم والطبقات، وعلم الرجال.

محاور الوصيّة
إنّ طاعة الأئمة من آل مُحمد صلى الله عليه وآله وسلم، والوصيّة بتقوى الله تعالى، والورع في الدين، والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وطول السجود، وحسن الجوار، بهذا جاء مُحمد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم التركيز مرة ثانية وثالثة ورابعة على الأمانة وأدائها، ومضرب المثل في ذلك، وصلة الأرحام، وشهود جنائز عامة المسلمين، وعيادة مرضاهم، وأداء حقوقهم، وحسن الخلق معهم، وبيان أنّ تلك هي صفات شيعة أهل البيت عليهم السلام التي تُدخل السرور على قلوب أئمّتهم سلام الله عليهم.ونحن بدورنا حين نستقرىء هذه الوصيّة الهامّة يتّضح لنا أنّها جملة من مكارم الأخلاق التي لا بدّ لكلّ مؤمن من التخلّق بها، ففكّر أيّها القارئ الكريم في هذه النصائح القدسيّة، وأعد النظر في فقراتها، وانظر ماذا سيبلغه البشر من نهاية السعادة لو طبّقوها، واعلم أنّ من أراد الكمال كلّ الكمال في الفضائل الإنسانية، فعليه بالتدبّر في كلمات أهل بيت العصمة عليهم السلام، ودراية رواياتهم، ومواعظهم ووصاياهم، فإنّها معدن العلم والحكمة.

سلام الإمام عليه السلام
من الملاحظ في هذه الوصيّة أنّ الإمام الصادق عليه السلام ابتدأها بقوله لصاحبه زيد الشحّام: "أقرِأ من ترى أنه يُطيعني منكم، ويأخذ بقولي، السلام"أي: بلِّغ السلام عنّي أصحاب الطاعة في سلوكهم التابعين لنا بالقول والفعل، وبذلك يؤكّد الإمام عليه السلام أنّ التشيّع لهم وموالاتهم ليس مجرّد محبّة تُدَّعى بل هو طاعة لهم فيما يأمرون، لأنّ طاعتهم طاعة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وطاعة رسول الله طاعة لله عزّ وجلّ5، فمن التزم ذلك، فهو لهم وليّ، ويستحقّ أن يُبلَّغ السلام من الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام، وأمّا من كان لله عاصياً ومخالفاً، فهو لهم عدوّ، حتى لو ادّعى مشايعتهم، وحاول أن يُصوّر للناس أنّ مجرّد محبّتهم وممارسة بعض الأعمال البسيطة، كفيل بغفران ذنوبهم، وكان من نتاج دعواه الباطلة أن شجَّع الكثير من الموالين على التساهل في أمور الدّين، وغرّر بهم وأوقعهم في متاهات لا نهاية لها، وأبعدهم كلّ البعد عن أهداف الأئمة المعصومين عليهم السلام.

أجمع الوصايا
إنّ المسلم في حاجة دوماً إلى التذكير والإرشاد، وإنّ أجمع الوصايا وأنفعها، الوصيّة بتقوى الله تعالى، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا الله6. وروى أبو بصير، فقال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ7، فقال: "يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر"8. وشدّة التقوى تُسمّى بالورع، ويحصل من خلال شدّة الاحتياط وترك الإنسان لكلّ ما يريبه. روي عن الإمام أبي مُحمد الحسن بن علي عليهما السلام قال سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "دع ما يُريبك إلى ما لا يُريبك، فإنّ الصدق طمأنينة، والكذِب ريبة"9.

وهذه قاعدة مهمّة في الورع، فكلّ شيء اشتبهتَ فيه اتركه إلى شيء لا تشتبه فيه، ومن مزايا المسلم: شدّة الورع والاحتياط، فإنّه يرى الذنب اليسير القليل عظيماً، لأنّه كما قيل: لا تنظر إلى صغر الذنب، ولكن انظر من عصيت، وهذا الأمر من أهمّ القضايا وأعظمها، ولذلك ما كان المؤمنون الصادقون يستصغرون الذنوب ولو كانت صغيرة هيّنة، وإنّ الذي نفهمه جميعاً ويفهمه كثير من الناس في معنى الورع أن تترك أمراً من الأمور تورّعاً لاحتمال أن يكون محرّماً، أو لاحتمال أن يكون مكروهاً، فقد رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام أنهُ قال: "الوَرَعُ يَحجُز عنِ ارتكاب المحارم"10.

الاجتهاد لله
هذا مطالبة وتوجيه من الإمام الصادق عليه السلام لكلّ مسلم أن يكون مجتهداً لله تعالى في كلّ أقواله وأعماله، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ11.

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "وإذا رأيتَ مجتهداً أبلغ منك في الاجتهاد، فوبِّخ نفسك ولُمها وعيِّرها تحثيثاً على الازدياد عليه، واجعل لها زماماً من الأمر وعناناً من النهي، وسُقها كالرائض للفاره التي لا يذهب عليه خطوة من خطواتها إلا وقدصحّح أوّلها وآخرها، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُصلّي حتى تتورّم قدماه، وقال: أفلا أكون عبداً شكوراً. أراد صلى الله عليه وآله وسلم أن تعتبر به أمّته، فلا يغفلوا عن الاجتهاد والتعب والرياضة بحالٍ، ألا وإنّك لو وجدت حلاوة عبادة الله، ورأيتَ بركاتها، واستضأت بنورها لمتصبر عنها ساعة واحدة، ولو قُطّعت إرباً إرباً"12.

صدق الحديث
إنّه عزّ الإنسان وأقوى دعائم الإيمان، وأخو العدل وزينة الحديث، وأمانة اللسان وحلية أهل الإيمان. وتُحدّثنا سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّ السمة الأبرز التي اشتُهر بها قبل النبوّة، والتي كانت إحدى أكبر ركائز الجذب في شخصيّته هي صدق الحديث. وهذا الأمر إنّما يدلّ على استبطان هذه الفضيلة للكثير من مكارم الأخلاق التي يتمتّع بها الأمين الصادق صلى الله عليه وآله وسلم وذلك ممّا دفع أمّ المؤمنين خديجة الكبرى عليها السلام للاقتران بالنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّ أكثر ما كان يبلغها عنه صدق الحديث، وأداء الأمانة، وكرم الأخلاق.ويكفي في بيان مقام الصدق أنّ الله أشار إلى هذه الصفة في ذاته سبحانه، وأكّد على اتصاف أنبيائه ورسله وأوليائه بها، فقال عزّت آلاءه: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلً13، والآيات الكريمة الواردة في ذلك، ومنظومة الأحاديث الشريفة كثيرة وكبيرة جدّاً.

أداء الأمانة
يقول الله عزّ وجلّ في كتابه الكريم: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولً14 ويقول سبحانه: ﴿إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَ15. لكنّ على الرغم من هذا الأمر الإلهيّ يوجد من يخون الأمانة، فعوضاً عن أدائها إلى أصحابها، فهو يُنكرها أو يُنقص منها أو يُقصّر في حفظها وصيانتها، وهذا من مصاديق الخيانة، فأكثر الأمثلة شيوعاً للخيانة هي خيانة الأمانة، لأنّ القيمة التي تقوم الحياة الاجتماعيّة عليها هي أداء الأمانة.

يقول الإمام زين العابدين علي بن الحُسين عليهما السلام: "لو أنّ قاتل أبي الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام ائتمنني على السيف الذي قتله به لأدّيته إليه"16.

وما أكثر الروايات الشريفة التي وردتنا عن أهل بيت النبوّة بشأن الأمانة وأدائها، إلّا أنّنا سننتقي بعض الروايات الّتي تُدلّل على عظمة الأمانة، ووجوب أدائها:

روى مولانا الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس منّا من أخلف بالأمانة"17.

وكذلك روى مولانا الإمام محمد بن علي الجواد عليهما السلام عن أبيه عن آبائه الكرام، عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: "لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم، وكثرة الحج والمعروف، وطنطنتهم بالليل، انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة"18.

وروي عنه عليه السلام أنه قال: "ثلاث هنّ زين المؤمن: تقوى الله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة"19.

وقال مولانا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "أُقسم لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لي قبل وفاته بساعة مراراً ثلاثا: "يا أبا الحسن أدِّ الأمانة إلى البرّ والفاجر فيما جلّ أو قلّ حتى في الخيط والمخيط"20.

وقال أبي كهمس: قلتُ لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: عبد الله بن أبي يعفور يُقرؤك السلام، قال: "وعليك وعليه السلام، إذا أتيتَ عبد الله، فأقرأه السلام، وقل له: إنّ جعفر بن محمد يقول لك: انظر ما بلغ به علي عليه السلام عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فالزمه، فإنّ عليّاً عليه السلام إنّما بلغ ما بلغ به عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصدق الحديث وأداء الأمانة"21.

وديني رعْيُ العهد والود والصفا     فما لي ومُختار الخيانة والغدْر

طول السجود
أُمرنا به لما فيه من فضل وكرامة، ومكانة في الانقياد الصادق والكامل للمعبود سبحانه وتعالى، وهو بحدّ ذاته منتهى العبادة، وقد روى ناقل هذه الوصيّة زيد الشحّام عن الإمام أبي عبدالله الصادق عليه السلام فقال: سمعتُه يقول: "أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ الصلاة، وهي آخر وصايا الأنبياء عليهم السلام، فما أحسن الرجل يغتسل أو يتوضّأ، فيُسبغ الوضوء، ثم يتنحّى حيث لا يراه أنيس، فيشرف عليه وهو راكع أو ساجد. إنّ العبد إذا سجد، فأطال السجود نادى إبليس: يا ويلاه أطاع وعصيت، وسجد وأبيت"22.

إنّ المصلّي عزيز عند الله تعالـى لأنّه يضع أشرف وأكرم أعضاء بدنه على التراب عبوديةً لله تعالـى، ويُنكّس جوارحه خاضعاً متذلِّلاً له سبحانه، وقد جاء السجود في كتاب الله تعالى مقترناً بالقرب من الله عزّ وجلّ لذلك قال تعالى: ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ23، فالمصلّي يلقى من الله الكرامة ظاهراً وباطناً عاجلاً وآجلاً فـي الدنيا والآخرة.

حُسن الجوار
قال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام: "أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً وسلمان، وأبا ذر والمقداد أن يُنادوا في المسجد بأعلى أصواتهم بأنّه: لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه، فنادوا بها ثلاثاً، ثم أومأ بيده إلى كلّ أربعين داراً من بين يديه، ومن خلفه وعن يمينه وعنشماله يكون ساكنها جاراً له"24.

وقال الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: "ليس منّا من لم يأمن جاره بوائقه"25، ولأنّ حسن الجوار شعبة من شعب الإيمان بالله واليوم الآخر قال مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فَلْيُحْسِنْ إِلى جَارِهِ"26.

وروى الإمام علي الرضا عليه السلام عن آبائه الكرام عليهم السلام عن أمير المؤمنين علي عليه السلام عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنّه سيُورِّثه"27.

من حقوق الجار احتمال أذاه: وذلك بأن يُغضيَ عن هفواته، ويتلقّى بالصفح كثيراً من زلّاته، ولا سيّما إساءةً صدرت من غير قصد، أو إساءةً ندم عليها، وجاء معتذراً منها، فاحتمالُ أذى الجارِ ومقابلةُ إساءتِه بالإحسان من أرفع الأخلاق، وأعلى الشيم.ومن وجوه الإحسان إلى الجار: تعزيته عند المصيبة، وتهنئته عند الفرح، وعيادته عند المرض، وبداءته بالسلام، وطلاقة الوجه عند لقائه، ومواصلته بالمستطاع من ضروب الإحسان.

ماذا يريد أئمّة الهدى منّا؟
إنّ هذه الوصيّة العظيمة التي وجّهها الإمام الصادق عليه السلام إلينا يحتاج شرحها لمجلد كامل إذا لم نقل عدّة مجلّدات، وبسبب تعذّر إكمال شرح هذه الوصيّة الجامعة نكتفي بإيراد شطر من توصيات أئمة الهدى عليهم السلام التي وجّهوها إلى شيعتهم ومواليهم، والتي تُبيّن بعضاً ممّا يريده الأئمة المهديّين عليهم السلام منّا:

قال مولانا الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام: "لم تكن بيعتكم إيّاي فلتة، وليس أمري وأمركم واحداً. إنّي أُريدكم لله، وأنتم تُريدونني لأنفسكم. أيّها الناس أعينوني على أنفسكم،.."28.

وروي عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال لفضيل: "بلّغ موالينا عنّا السلام، وقل لهم إنّي لا أُغني عنكم من الله‏ شيئاً إلاّ بورع، فاحفظوا ألسنتكم وكفّوا أيديكم، وعليكم بالصبر والصلاة إنّ الله‏ مع الصابرين"29.

وقال مولانا الإمام الباقر عليه السلام لصاحبه خيثمة: "أبلِغ شيعتنا أنّه لا يُنال ما عند الله إلا بالعمل، وأبلغ شيعتنا أنّ أعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره، وأبلِغ شيعتنا أنّهم إذا قاموا بما أُمروا أنّهم هم الفائزون يوم القيامة"30.

وقال عليه السلام لجابر الجعفي: "أيكتفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت، فو الله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يُعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشّع والأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم والصلاة، والبر بالوالدين، والتعاهد للجيران منالفقراء وأهل المسكنة، والغارمين والأيتام، وصدق الحديث وتلاوة القرآن، وكَفّ الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء..."31.

اللهمّ إنّا نُقسم عليك بحقّ محمّد وآل محمّد عليهم السلام أن تمنّ علينا بحقيقة الولاية، وأن توفّقنا للسير على نهج أهل بيت نبيّك عليهم السلام بالقول والعمل.

* طلائع القلوب، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

1- أبو أسامة زيد الشحّام بن يونس الكوفي، من أصحاب الإمامين أبي عبد الله الصادق، وأبي الحسن الكاظم عليهما السلام وقد روى عنهما جملة من الآثار الشريفة، وأورد له الكشّي رواية نقلها عن الإمام أبي جعفر مُحمد بن علي عليه السلام بلا واسطة، وفي ذلك دليل على أنّه ممّن رأى وسمع الإمام الباقر عليه السلام، وقد نقل عنه الكثير من الثقات من أصحاب الأئمة عليهم السلام، وهو ثقة عين له كتاب يرويه عنه جماعة، وقد بَشّره الإمام الصادق عليه السلام بأنّه "معهم" أهل البيت، وقد نقلنا هذه الترجمة بتصرّف، يراجع رجال الكشي، محمد بن عمر، ج1، ص13، وج2، ص627-628، طبعة: مؤسسة آل البيت عليهم السلام، تحقيق السيد مهدي الرجائي، قم، والشيخ عباس القمي، الكنى والألقاب، ج1، ص6، باب الأول، تقديم محمد هادي الأميني.
2- كذلك هي ممّا أوصى به الإمام أبو محمد علي بن موسى الرضا والإمام أبو محمد الحسن بن علي الزكي العسكري عليهم السلام، يراجع فقه الرضا، ص356، طبعة:1، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، والعلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج75، ص372.
3- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص636،باب ما يجب من المعاشرة.
4- الشيخ محمد رضا المظفر رحمه الله، عقائد الإمامية، ص134-135، طبعة:2، مركز الأبحاث العقائدية.
5- قال مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أطاعـني، فقد أطاع الله، ومن عصاني، فقد عصى الله، ومن أطاع عـليّاً، فقد أطاعني، ومن عصى عـليّاً، فقد عصاني"، يراجع الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، ج3، ص130، حديث 4617، وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وعلق الذهبي في تلخيصه للمستدرك: صحيح، والروايات من طريق العترة الطاهرة متواترة متظافرة في وجوب طاعة الأئمة من آل مُحمد صلى الله عليه وآله وسلم.
6- سورة النساء، الآية، 131.
7- سورة آل عمران، الآية 102.
8- الشيخ المُحدث الحسين بن سعيد الكوفي الأهوازي، الزهد، ص17، حديث رقم 37، طبعة:2، المطبعة العلمية، قم.
9- محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، المستدرك، ج4، ص110، حديث 7046، طبعة 1: دار الكتب العلمية، بيروت،والحسين بن محمد بن حسن بن نصر الحلواني، نزهة الناظر وتنبيه الخواطر، ص28، طبعة:1، مدرسة الإمام المهدي عليه السلام، قم، وأبو الفتح محمد بن علي الكراجكي الطرابلسي، كنز الفوائد، ج1، ص351، طبعة:1، دار الذخائر، قم.
10- عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد التميمي الآمدي، غرر الحكم ودرر الكِلم، ص77، طبعة: دار الكتاب الإسلامي، قم.
11- سورة العنكبوت، الآية 69.
12- منسوب للإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، مصباح الشريعة، ص170، باب الثمانون، طبعة: 1، مؤسسة الأعلمي.
13- سورة النساء، الآية 122.
14- سورة الأحزاب، الآية 72.
15- سورة النساء، الآية 58.
16- الشيخ الصدوق، الأمالي، ص246، طبعة:1، تحقيق ونشر مؤسسة البعثة، قم.
17- الشيخُ مُحمّدْ بن الحسن الحُر العاملي، وسائل الشيعة، ج 19، ص 57 ـ 78.
18- الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه، الأمالي، ص302-303، المجلس الخمسون، طبعة6، كتابجي، طهران.
19- الآمدي التميمي، غرر الحِكم ودرر الكلم، الفصل السابع في المؤمن صفاته وعلائمه، الحكمة 1558.
20- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 74، ص 273.
21- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص104، باب الصدق وأداء الأمانة.
22- م.ن، ج3، ص264، باب فضل الصلاة .
23- سورة العلق، الآية 19.
24- الشيخ المُحدث الحسين بن سعيد الكوفي الأهوازي، الزهد، ص42، باب حق الجوار، حديث رقم 113.
25- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 68، ص 260.
26- أبو القاسم الطبراني، مكارم الأخلاق، ج1، ص388، حديث 211، طبعة:1، دار الكتب العلمية، بيروت.
27- الشيخ أبو جعفر مُحمد بن الحسن الطوسي، الأمالي، ص520، المجلس الثامن عشر، طبعة:1، دار الثقافة، قم.
28- أبن أبي الحديد المدائني، شرح نهج البلاغة، ج9، ص31.
29- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج79، ص232.
30- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 1، ص 93.
31- الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 74.

فوز المرشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية إيمانويل ماكرون بنسبة تجاوزت 65% بينما حصلت منافسته مارين لوبان على 35% من أصوات المقترعين.

فاز المرشح إيمانويل ماكرون بالانتخابات الرئاسية الفرنسية بنسبة تجاوزت 65.5% من مجمل أصوات الناخبين، فيما حصلت منافسته مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان على 34.5%.

وذكرت وسائل إعلام فرنسية أن نسبة المشاركة في التصويت بلغت 74%، فيما وصل عدد الأوراق اللاغية والممتنعة عن التصويت 4.2 مليون ورقة.

وفي أول خطاب له بعد بعد انتخابه رئيساً لفرنسا توجه إيمانويل ماكرون بالشكر إلى كل الفرنسيين، الذين وعدهم بأن يعمل كي يكون أهلاً لثقتهم.

كما وجه ماكرون التحية لمنافسته مارين لوبن، وقال "سأعمل على تعزيز التضامن بين الفرنسيين وسأدافع عن أوروبا ووحدة المصير".

وأكد ماكرون التزام فرنسا بأن تكون في الخط الأمامي لمواجهة الإرهاب وأولاً على أرضها.

ونقلت وكالة فرانس برس عن ماكرون قوله فور إعلان نتائج الانتخابات إن "صفحة جديدة تفتح في فرنسا هي صفحة الأمل والثقة المستعادة".

وعلى الفور هنّئ الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الرئيس المنتخب، كما رحبت برلين بانتخاب ماكرون، وأكدت أنّ فرنسا تبقى "في قلب أوروبا".

من جهته غرّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب على موقع "تويتر" مهنئاً ماكرون، وقال "تهانينا لماكرون على فوزه الكبير كرئيس مقبل لفرنسا، وأتطلع كثيراً إلى العمل معه".

كما هنأت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي ماكرون على انتخابه رئيساً، وكذا فعل رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، الذي قال إن الفرنسيين اختاروا "مستقبلاً أوروبياً".

لوبان: سنكون قوة المعارضة الرئيسية لماكرون

من جهتها ظهرت مارين لوبان أمام مناصريها في مقر حملتها الانتخابية وقالت إنها اتصلت بماكرون وهنأته بالفوز، وأوضحت أن "الفرنسيين صوّتوا للاستمرارية"، وأضافت "الفرنسيون أمام رهانات جديدة في الانتخابات التشريعية المقبلة".

لوبان أشارت إلى أنّ الجبهة الوطنية التي تقودها ستكون قوة المعارضة الرئيسية لماكرون.

بعد الهزائم المتكررة التي مني بها تنظيم "داعش" الإرهابي على يد القوات العراقية لاسيّما في مدينة الموصل شمال غربي البلاد، وظهور بوادر كثيرة لإمكانية اضمحلال هذا التنظيم كوجود عسكري في العراق، أخذت الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة "دونالد ترامب" تخطط لما بعد "داعش" الذي يعتقد معظم المراقبين بأنه سيبقى يمارس أعماله الإجرامية بحق المدنيين للتعويض عن خسائره وهزائمه في العراق وسوريا.

ووفقاً للمعطيات الميدانية والسياسية التي أفرزتها التطورات الأخيرة يبدو أن واشنطن مقبلة على تنفيذ عدد من السيناريوهات في العراق لتثبيت وجودها في هذا البلد. ويمكن تلخيص هذه السيناريوهات بما يلي:

- تعزيز التواجد العسكري الأمريكي خصوصاً في محافظة الأنبار غرب العراق وتحديداً في قاعدة "عين الأسد"، وكذلك في أطراف مدينة الموصل وتحديداً في القاعدة الجوية في قضاء القيّارة "جنوب الموصل".

- التحرك باتجاه تقسيم العراق في إطار المشروع الأمريكي المسمى بـ "الشرق الأوسط الكبير أو الجديد" خصوصاً مع وجود مساعي للانفصال من قبل بعض المكونات العراقية لاسيّما المكون الكردي الذي يطمح الكثير من قادته إلى إعلان الانفصال عن العراق رغم التحديات التي تواجههم في هذا المجال وفي مقدمتها رفض الحكومة المركزية في بغداد والمكونات الأخرى لهذا المشروع لاسيّما من قبل الشيعة في الجنوب والوسط باعتباره يمثل مقدمة لتقسيم العراق.

وما يعزز الاعتقاد بوجود هذا السيناريو هو المؤتمرات التي رعتها الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا والتي عقدتها بعض الأطراف السياسية العراقية التي تعيش خارج البلاد، كالتي حصلت مؤخراً في تركيا والتي تهدف إلى تكريس فكرة التقسيم من خلال الدعوة إلى إقامة إقليم "سنّي" في المناطق الغربية من العراق وتحديداً في الموصل والأنبار.

ويعتقد المحللون بأن هذا الإقليم في حال حصوله سيحظى بدعم تركيا في الموصل والمناطق التابعة لها ودعم السعودية في الأنبار والمناطق المحيطة بها وذلك من خلال التنسيق مع الإدارة الأمريكية التي يهمها ترتيب أوراقها في المرحلة الراهنة بما يضمن لها السيطرة على مقدرات المنطقة في إطار مشروعها الأوسع المعروف بـ "الشرق الأوسط الكبير أو الجديد".

ومما يساعد على افتراض مثل هذه السيناريوهات هو رغبة الإدارة الأمريكية بإبقاء العراق تحت هيمنتها بحجة محاربة الإرهاب، في حين أثبت العراقيون وقواهم الشعبية والمسلحة قدرتهم الفائقة على دحر الإرهاب دون الحاجة للاستعانة بالقوات الأمريكية التي تسعى للعب دور أكبر في العراق في إطار ما يسمى بـ "التحالف الدولي" الذي تقوده واشنطن لضمان بقائها مدة أطول في هذا البلد.

وما يدعو إلى الاستغراب هو انضمام بعض الأطراف السياسية خصوصاً المحسوبة على المكونين السنّي والكردي لدعم هذا السيناريو، في وقت يفترض فيه أن تقف جميع الأطياف العراقية صفاً واحداً لرفض التقسيم والدفاع عن وحدة البلد وسيادته تمهيداً لإعادة بنائه وتعزيز الأمن والاستقرار في ربوعه بعيداً عن أي تدخل أجنبي.

والأمر الآخر الذي ينبغي الإشارة إليه في هذا المضمار هو محاولة أمريكا لتوظيف العناصر الإرهابية من بقايا "داعش" وغيره من التنظيمات المرتبطة به لزعزعة الاستقرار في مناطق مختلفة من العراق، خصوصاً القريبة من الحدود الإيرانية كديالى ضمن خطتها الرامية إلى إشغال المنطقة عن قضاياها الرئيسية وفي مقدمتها التصدي للكيان الإسرائيلي ومشروعه "من النيل إلى الفرات" الرامي إلى التمدد على حساب دول المنطقة وتقويض استقرارها والعبث بأمنها ومقدراتها.

ويرجح البعض أن تلجأ أمريكا مرة أخرى إلى إثارة النعرات الطائفية بين العراقيين كما فعلت في الآونة الأخيرة خلال عمليات تحرير الموصل لمنع الحشد الشعبي من المشاركة في هذه العمليات، وكما فعلت في السابق وتحديداً خلال عامي 2006 و 2007 والتي أودت بحياة الكثير من المدنيين في مختلف مناطق البلاد.

وتجدر الإشارة كذلك إلى أن الكثير من المتابعين للشأن العراقي يعتقدون بأن الإدارة الأمريكية ستسعى أيضاً لتوظيف فترة إعادة إعمار العراق لتكريس وجودها بحجة المشاركة في هذا المجال، في حين يعتقد الكثيرون بأن أمريكا هي التي ساهمت في تدمير الكثير من البنى التحتية في العراق بحجة ضرب مقرات ومواقع الجماعات الإرهابية كما حصل في الموصل مؤخراً ومن بينها ضرب الجسور التي تربط بين شقي المدينة وباقي المؤسسات الحيوية كجامعة الموصل.

أخيراً ينبغي التأكيد على أن العراقيين وبما عرف عنهم من وعي وذكاء وحرص على بلادهم سيفشلون أي مخطط يرمي إلى تقسيم العراق مهما كانت التحديات التي تواجههم في هذا المجال، وما يؤكد هذا الاعتقاد هو الوقفة والثبات البطولي الذي أبداه العراقيون في محاربة الإرهاب خلال السنوات الماضية.

کلمة الإمام الخامنئي في لقاء جمع من قادة وضباط وجنود الجيش بمناسبة يوم جيش الجمهورية الإسلامية في إيران (1) ــ 19-4-2017

أميركا لا تستطيع إرتكاب حماقة ضد نظام يحظى بدعم شعبه

المحاور الرئيسية
• جيشنا اليوم جيش عقائدي يتمتع بدوافع معنوية نبيلة
• جهوزيّة الجيش واقتداره ضمانُ أمن البلاد
• الوضع الإقتصادي مستهدف فلنعمل على تحصينه
• الإقتصاد المقاوم سبيل منعة البلاد وعزتها
• الخوف من تهديد الأعداء يفتح بابا لتسلطهم وهيمنتهم

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين وعلى آله الطيّبين الطّاهرين المعصومين لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.

زوجاتكم وأولادكم رفاق سلاح لكم
أعيادكم مباركة؛ مبارك لكم يوم الجيش، مبارك العام الجديد، مبارك عيد المبعث في السابع والعشرين من رجب وعيد مولد المولى في الثالث عشر منه. أعياد مباركة عليكم وعلى عائلاتكم المحترمة. مبارك لأولادكم وزوجاتكم. والحقيقة أنّ عائلاتكم وزوجاتكم وأبناءكم هم رفاق سلاح وشركاء لكم في الكفاح في حياتكم كمقاتلين، بكل ما تحمله كلمة حياة المقاتل من صعوبات ومشقات وضغوط وجهاد وما شابه. إنّ زوجاتكم وأولادكم الذين يواسونكم ويدعمونكم في هذه الظروف، هم حقًّا رفاق سلاح لكم وشركاء قتال معكم.

"عيد الجيش" إعلان بإحتضان الإمام له بهويته وتشكيلاته
إن تحديد يوم كعيد للجيش، كان من أفضل وأذكى الأعمال الكبرى لإمامنا العزيز؛ فإنّ هذا العمل قد عزز ثبات قواعد الجيش وعمّق جذوره في هذه البلاد وأدخل اليأس إلى قلوب الكثير من المتآمرين والمتوهّمين الذين كانوا قد خطّطوا وحضّروا لأمور أخرى مغايرة.

كان تحديد الإمام ليوم الجيش يعني أنّ الثورة ونظام الجمهورية قد قبلا بالجيش،: بهويته هذه وبتشكيلاته وارتضيا به، وأن الجيش مؤيَّد من قبل الثورة والنظام. حسنًا، تلك الهوية من حيث تركيبها البشري وهيكليّاتها وتشكيلاتها كانت موضع تأمّل وتردّد. جسم مؤلف من مجموعة عناصر مؤمنة مثل بقية أفراد الشعب ولكن رأس ذلك الجسم غير جدير بالثقة، مع وجود بعض الخلل والآفات داخل تلك المنظمة. هكذا كان. لكن الإمام قام، ولكي يبطل مفعول أي مؤامرة ضد القوات المسلحة وجيش الجمهورية الإسلامية، حدّد يومًا للجيش. أي إنّني أقبل وأرتضي بهذا الجيش وبهذه الخصوصيات والمواصفات وإنّ النظام يؤمن بهذا الجيش. وبالطبع أنا العبد كنت قد تحدثت مع الإمام (رضوان الله عليه) عشرات المرات، وفي عشرات الاجتماعات -إما بشكل ثنائي أو بحضور بعض الأشخاص الآخرين– وأعرف حق المعرفة، أنّ فكر الإمام وإرادته القلبية ونظره العميق "أنه يجب دعم الجيش والمحافظة عليه، يجب تقوية الجيش". الحق والإنصاف أنّ رأي الإمام كان رأيًا صائبًا وصحيحًا.

أ ــ الجيش أوّل من تصدّى لمؤامرة تغيير هويته
ولقد تألق هذا الجيش في الأحداث التي تلت انتصار الثورة. إذا أراد المرء بيان بعض القضايا بالتفصيل، فسيكون الأمر صعبًا. على سبيل المثال، بالنسبة للمؤامرة التي حيكت داخل الجيش، فقد واجهها الجيش قبل الجميع. هذا أمر بالغ الأهمية. كان هناك الكثير من الأشخاص –وهم الآن موجودون أيضًا- داخل المؤسسات التابعة لنظام الجمهورية الإسلامية، يريدون إيجاد اختلال من الداخل. في ذلك الزمان كانوا أكثر من الآن وقد كانت الدوافع أكثر والجهود أكبر كذلك. كانوا يريدون خلق مشكلة للجيش من داخله. أي أن يصيغوا للجيش هوية غير منسجمة مع النظام الإسلامي. أول من قام وتصدى لهذه الدوافع وهذا الإخلال، كان الجيش نفسه. لم يكن باستطاعة أي قوة خارج الجيش -سواء الأجهزة الأمنية والمخابرات أو القوات العسكرية– أن تواجه مثل هذه المؤامرة على القوات المسلحة. أما الجيش فكان قادرًا على المواجهة. وقف وتصدّى بقوة. يوجد العديد من هذه الأمثلة والنماذج الشبيهة.

ب ــ نماذج من أفراد الجيش يتمتعون بمراتب معنوية عالية
الحق والإنصاف، فإنّ تجربة الجيش في أيام الدفاع المقدس هي تجربة مليئة بالفخر والعنفوان. وهذا ما شاهدته، أنا العبد، عن قرب وها أنا أنقله لكم. الكثير منكم شباب ولم تعايشوا ذلك الزمان –لم تكونوا في الجيش وحتى أنّ بعضكم لم يكن قد ولد حينها– نحن كنا نرى هذه الأمور عن كثب. لقد أدّى الجيش أدوارًا طيبة وقدّم لوحات رائعة. وفضلًا عن دوره في المسائل العسكرية والحرب والقتال، فقد أظهر مشاهد جميلة مدهشة. على سبيل المثال لا الحصر، إن أردت أن أذكر بعضها، لقد أظهر أفراد من الجيش أنهم يتمتعون بمراتب معنوية وأخلاقية عالية؛ أثبتوا هذا عمليًا. حسنًا، في مقام الكلام، كلّنا يمكن أن نتحدث أو ننطق بهذا. أنا العبد أيضًا، أتكلم بكل هذا عن الله والقيامة والجنة والنار، يجب اختبار هذا أثناء الحوادث وفي التجارب، ليظهر حقًا كم أخشى الله، كم أراعي الأصول، كم أخاف من جهنم. هذه هي المسألة؛ يجب مشاهدة هذه الأمور عمليًا.

لقد كان عندنا ـ ولدينا الآن ـ أفراد في الجيش أثبتوا عمليًا أنهم على مستوى معنوي رفيع. أحدهم هو هذا الـ"صياد شيرازي"، وآخر هو هذا الـ"بابايي". ما لدينا من هذه النماذج ليس بالعدد القليل. من ذكرتهم هما من الأشخاص المعروفين. هناك الكثير من أمثالهما. أنا شاهدت هذه النماذج عن قرب، عندما كنت لفترة في الأهواز. ولقد ذكرت هذا مرارًا، كنت أتفقد في منتصف الليل قوات لواء من الجيش في الأهواز -عتادهم وإمكاناتهم أقل من كتيبة – فشاهدت قائد طاقم دبابة، قد وقف يصلي صلاة الليل قرب دبابته في تلك الصحراء وسط الرياح الباردة؛ منتصف الليل في صقيع الشتاء، وقف يصلي صلاة الليل. أصلًا في تلك الأيام، لم تكن قد راجت بعد ثقافة البكاء والتضرع وأحوال شباب التعبئة وما شابه. لقد رأينا هذا عن قرب. أو ذلك الرائد أو المقدّم كما أعتقد، الذي جاءني متأثّرًا وتكاد دموعه تنهمر، فظننت في البداية أنه يريد أن أساعده ليأخذ مأذونية، يشعر مثلًا بالقلق والتوتر ويريد الانتقال من الأهواز، جاءني وكان طلبه الوحيد:" ساعدوني كي أتمكّن من الالتحاق بهؤلاء الشباب المتطوعين الذين أتوا مع الدكتور مصطفى شمران ويذهبون معه "لصيد الدبابات" -كما كانوا يسمّونها. بالله عليكم ألا يمكنكم عمل شيء لأذهب معهم؟" ضابط في الجيش –لا أذكر الآن رتبته بالضبط، افترضوا أنّه مقدّم – يأتي إلي ويريد التطوع مع شباب التعبئة، الذين أتوا من طهران ويريدون التسلل في ظلام الليل لتوجيه ضربات مركّزة لقوات العدو. هكذا كان الوضع في بدايات الحرب؛ يريد الالتحاق والتعاون معهم.

جيشنا اليوم جيش عقائدي يتمتع بدوافع معنوية نبيلة
حسنًا، لقد أظهر الجيش هويته. أريد ان أقول لكم: إنّ جيشنا اليوم هو جيش عقائدي، إنه جيش معنوي ويتمتع بدوافع طاهرة ومقدسة. هذا أمر ذو قيمة عالية. إذا تأملتم بالقوات المسلحة للكثير من البلدان، سترون التوحش والهمجية وروحية القتل وكأنها قد أصبحت جزءًا من ذواتهم. القوات المسلحة التي يتوقع منها أجواء كهذه، إذا بها تعد وتخرّج من بين أقسام الجيش المختلفة، أفرادًا أخلاقيين وطاهرين وذوي مقامات عالية، شبابًا مؤمنين، لديهم دوافع طاهرة. هذا أمر قيّم جدًا وهو ما نشاهده نحن اليوم. وبرأيي، فإنّ هذا الأمر هو من أهم نتائج العمل الذي قام به إمامنا العظيم في تحديده ليوم الجيش.

حسنًا، إنّ رسالتي لكل أفراد الجيش هي أن يعرفوا قدر وقيمة هذه الموقعية، وقدر خدمة كهذه. أنتم تؤدون الخدمة العسكرية ولديكم مشاركة فعالة في مؤسسة عسكرية، وهذا ما يحسبه الله حسنة وثوابًا لكم. هذا أمر عظيم القيمة، اعرفوا قدر هذا. حافظوا على هذه الحالة. ضاعفوا، يومًا بعد يوم، الاستعداد المعنوي والروحي وحالة الاندفاع لديكم ولدى الأفراد الذين هم تحت مسؤوليتكم.

جهوزيّة الجيش واقتداره ضمانُ أمن البلاد
يحظى الأمن والأمان بأهمية كبرى في أي بلد. قد ينقطع الخبز في بلدٍ ما، يحدث قحط أو مجاعة، يكون هناك مشاكل وأزمات وفقدان للأمن أيضًا. إذا قيل للناس: هل تريدون الخبز أو الأمن؟ لا شك أنّهم سيفضلون الأمن. أي هذا الأمر الذي يضعف حاليًا بسبب تدخل القوى الكبرى في منطقتنا والكثير من مناطق العالم. افترضوا أن حافلة تتحرك من مكان لآخر وكل ركابها لا يشعرون بالأمان ولا يوجد ضمان أن لا يهاجمهم العدو في أي لحظة، الشوارع هكذا أيضًا، وداخل المنازل أيضًا، كيف سيكون الوضع؟ الأمن أمر بالغ الأهمية. دور القوات المسلحة مهم جدًا في ضمان الأمن. من الممكن أن لا يتحرك الجيش أو لا يكون لديه مظاهر مسلّحة يلاحظها الناس، لكنّكم، كلّما كنتم أكثر قوة واقتدارًا، فإن هذا سيرسّخ الأمن والأمان في البلاد. القوات المسلّحة ومن خلال طاقاتها واقتدارها وجهوزية دوافعها، توجد الأمن وتضمنه في البلاد. هذا من جملة المسائل الهامة.

رسالتي لكل أفراد الجيش هي أن يضاعفوا هذه القوة والاقتدار بكل ما يستطيعون. حتى الحارس البسيط الذي يتولى حراسة نقطة ما، بوسعه أن يكون مؤثرًا في تقوية الجيش. فهو حين يحرس جيدًا، فلا يتكاسل، بل يحدّ النظر جيدًا حيث يجب أن ينظر ويحرس، فإنه يساعد وبهذه النسبة في تقوية المؤسسة العسكرية؛ سواء في الجيش أو الحرس أو أي مؤسسة أخرى، وصولًا للقادة وقطاع التصنيع الحربي والمخططين وأمناء المستودعات وصنّاع القرار والاستراتيجيين وغيرهم. يمكن لهؤلاء جميعًا أن يؤثروا في تقوية المؤسسة العسكرية. ولهذا قدّروا هذا واعلموا أن أي حركة يقوم بها أي واحد منكم، إنما هي عمل موجب للرضى الإلهي وتكتب في سجل حسناتكم.

لمضاعفة الأشخاص " القدوة" بين صفوفكم
ضاعفوا عدد الأشخاص البارزين، الذين يمكنهم أن يكونوا قدوة بينكم. فليعمل الجميع على ترويج النموذج. إن الشهيد "بابايي" هو أسوة ونموذج حقًا؛ نموذج أخلاقي وليس نموذجًا عسكريًا فقط. إنه إنسان مقدس. وهكذا هو الشهيد "صياد" والكثير الكثير غيرهم ممن قد لا يذكر الإنسان اسمهم الآن أو أنّ بعضهم لا نعرفه أصلًا. عددهم كبير جدًا، كانوا في الجيش وكان لهم حضورهم وتأثيرهم. ضاعفوا هذه النماذج يومًا بعد يوم، وروّجوها داخل هذه المؤسسة العظيمة والمحترمة ذات الهيبة المادية والمعنوية.

لتكن جميع مؤسسات البلاد ـ متحدة ـ حصونا للرعية
حسنًا، لقد قيل إنّ "الجنود حُصونُ الرعيّة". من المهم جدًا أن نعرف أنّ حصون الرعية لا تنحصر فقط بالقوات المسلحة، فهي من جملة أهم حصون الرعية وضمان أمنها. وهذا أيضًا "بإذن الله ". "فالجنود بإذن الله حُصون الرَعيّة"(2). إنّ كل الأجهزة والقطاعات المختلفة بوسعها أيضًا أن تنسجم وتتكامل مع الجيش؛ القطاعات الاقتصادية، القطاعات الثقافية، القطاعات التعليمية، القطاعات البحثية والتحقيقات، مجموع مؤسسات وقطاعات البلاد. ما ننتظره من القطاعات المختلفة هو هذا. على الجميع أن يسعوا ليقوموا بدور الحصن والسور والحاجب في مواجهة هجمات العدو على بلادهم وشعبهم، فليعملوا وليقوموا بالأنشطة والمشاريع؛ سواء في المنظومة الاقتصادية أو الثقافية أو العلمية والبحثية أو العسكرية. فليكن هذا هدف الجميع.

الأعمال متنوعة ولكن الهدف واحد. بناءً على هذا، إن كان الهدف هو الحراسة والمحافظة على الأمن القومي، على العزة الوطنية، على تنمية البلاد وتقدمها، حفظ البلاد من شر الأعداء، فستعمد كل المؤسسات العسكرية والجامعية والبحثية والثقافية والاقتصادية كلها، وبواسطة الموارد الإنسانية العظيمة العاملة فيها، إلى التكامل وستعمل معًا وتساعد بعضها بعضًا ولن تنظر لبعضها بعضًا نظرة المنافسة ولا الحسد. عند ذلك يتحقق في البلاد انسجام كهذا. وهو الأمر الذي نعتمد عليه.

الوضع الإقتصادي مستهدف فلنعمل على تحصينه
أنا العبد، قد سلّطت الضوء وركزت على الشعارات الاقتصادية في السنوات الثلاثة الماضية، لأني شعرت أن العدو يريد توجيه ضربة إلى هذه المنظومة الوطنية من الناحية الاقتصادية. إن كنا نعاني من مشكلة اقتصادية، فإنّ الأقسام المختلفة لن تتمكّن من القيام بالأعمال الجيدة المطلوبة منها. لذلك، يجب علينا أن نرى اليوم، ما هي تلك النقاط الحساسة والمفتاحية بين مجموعة الواجبات والمسؤوليات الملقاة على عاتق مسؤولي البلاد، على الحكومة، على السلطات الثلاث والمؤسسات المختلفة في هذه المنظومة. فمن الممكن أن تكون هناك نقطة أساسية ومفتاحية اليوم، ويوجد غدًا نقطة غيرها. إن تقوية الاقتصاد هي اليوم نقطة مفتاحية ولها الأولوية. ولهذا فأنا العبد أركز عليها، أؤكد على معيشة الناس، معيشة العاملين في القطاعات المختلفة، معيشة أفراد القوات المسلحة. يجب متابعة هذه الأمور، يجب العمل عليها بمنتهى الجدية. وهذا يقع على عاتق المسؤولين. إذا نظر المسؤولون إلى دوافع العدو، فإنهم سيتصدّون لهذه الأعمال بدافع أقوى. نحن حين نطالع كلام الأعداء أو نستمع إلى تصريحاتهم، نجد أنهم يركزون في الواقع على هذه النقطة بالذات، علّهم يتمكنون من استغلال نقاط الضعف الاقتصادية والنواقص الاقتصادية للتخريب والإخلال بأوضاع البلاد. حسنًا، عندما يفهم الإنسان هذا الأمر، فإنّ دافعه سيزيد ويقوى لأخذ المسألة على محمل الجد أكثر فأكثر.

لتنمية الإنتج المحلي وزيادة فرص العمل
إنّ الاقتصاد المقاوم الذي طرحناه –والذي هو مجموعة أعمال، مجموعة حركات وإجراءات- يحتوي عدة نقاط مفتاحية لليوم ولغدنا القريب. وهي مسائل إيجاد فرص العمل والإنتاج. وأنا العبد قد بيّنت هذا للمسؤولين عن قرب وفي لقاءات خاصة وبشكل تفصيلي. هذه ليست أفكاري وكلماتي؛ فأنا لست خبيرًا اقتصاديًا، هذا كلام المتخصصين وخبراء الاقتصاد، هذه أفكار العلماء النخبة والبارزين الذين يعملون في هذا المجال ويقدمون لنا المشورة. وأنا العبد أنظر على مستوى البلاد ككل، فأجد أنّ هذه هي الأولوية.

لقد وجد العدو سبل طمعه. ونحن يجب علينا أن ننظر لنرى ما هو دافع العدو، أين هي نقطة الضعف التي يمكن للعدو أن يضربنا من خلالها، ويجب أن نقوّي هذه النقطة ونسد تلك الثغرة، أن نقفل ذلك المنفذ. هذا هو توقعي من المسؤولين المختلفين في الأقسام المتعددة. ومن هذه الناحية، فإنّ قضية الاقتصاد هي من مسائل الدرجة الأولى في الأولوية.
وبالطبع، فإنّ لدينا كثيرًا من نقاط القوة. إن نقاط قوة نظام الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني، من الناحية النوعية والكمية، هي أضعاف مضاعفة عن نقاط الضعف والمشاكل. عندنا العديد من نقاط القوة العجيبة والوافرة وهذا ما جعل البلد بنظامه الإسلامي يتمكن، على الرغم من العداوات العجيبة والغريبة، سابقًا وحاليًا ولاحقًا، من النهوض بعزة وصمود واستقامة ورفض للاستسلام والخضوع للعدو.

الخوف من تهديد الأعداء مطيتهم للتسلط والهيمنة
أنظروا جيدًا: إن حيلة القوى الكبرى والدول العدوانية العظمى هي إظهار الغضب ونظرة التهديد. هذا ما كررناه مرارًا.

القوى المتسلطة، والتي تريد التطاول والنهب والتدخل في كل مكان والتواجد في كل البلدان وتحديد منافع خاصة لها على حساب شعوب هذه البلدان، تقول: الحكومة الفلانية أو البلد الفلاني أو النظام الفلاني يعارض مصالحنا. أي إنّهم بدون منطق وبدون أي استدلال صحيح وبدون حق قد حددوا لأنفسهم مصالح في كل منطقة وكل بلد. هكذا هي القوى الكبرى. ولكي تستطيع تأمين هذه المصالح وإجبار حكومات المنطقة على الطاعة والرضوخ، فإن هذه القوى تضخّم حجمها وتبالغ في إظهار قوتها وتنظر بغضب وتقطب حاجبيها. أنتم تذكرون عبوس ونظرات تهديد بعض الحكومات الأمريكية السابقة، والآن يقومون بها بشكل آخر.

إن أسوأ وضع لبلد ما، هو أن يخاف مسؤولو هذا البلد من غضب وعبوس العدو. إذا خافوا، فإنهم يكونون في الواقع، قد فتحوا للعدو باب الدخول والتسلط والاعتداء. يجب القيام بالعمل بعقل ومنطق وحكمة، لا شك في هذا، ولكن يجب القيام به بشجاعة أيضًا. حالة الخوف والهلع والتأثر من نظرات التهديد وقلة الأخلاق والعبوس وتقطيب الحاجبين من قبل أصحاب السلطة في العالم والتأثر بهم، هي أولى مراحل الشقاء والتعاسة.

عداوات أميركا وسواها مستمرة وشعبنا صامد
حسنًا، من يريد أن يخاف، فليخف هو ولكن لا يخاف بالنيابة عن الشعب. لا يخاف على حساب الشعب. الشعب صامد منذ عام 1357 ه.ش (1979) وحتى اليوم وبعد مرور حوالي أربعين عامًا، جرت أنواع وأشكال من المؤامرات علينا وأنفقت الأموال الطائلة وأُنتجت الأسلحة وكل أنواع التهديد والسياسات العدوانية وغيرها. لو كان من المقرّر أن تهتم الجمهورية الإسلامية وتخاف من هذه الأمور فتتراجع وتخضع، لو لم يكن الشعب صامدًا بقوة، ينبغي أن لا يكون الآن قد بقي أي أثر من إيران والإيرانيين.

أميركا لا تستطيع إرتكاب حماقة ضد نظام يدعمه شعبه
لا يستطيع العدو –لا أمريكا ولا من هو أكبر من أمريكا- أن يرتكب أي حماقة ضد النظام المتصل بشعبه، النظام الذي يحب شعبه وناسه وشعبه يحبه كذلك، لا يمكنه أن يخطئ مع مثل هذا النظام ومثل هذا الشعب المقاوم للأعداء.

بالتأكيد، لا يوجد أي شك وتردد في عداوة هؤلاء، وفي أنهم يخطّطون ويدبّرون ويفكّرون ويعادون ويستخدمون كل أجهزتهم المتنوعة. طوال كل هذه المدة التي قاربت الأربعين سنة، هذه العداوات كانت موجودة. كل الحكومات التي تعاقبت على السلطة مارست هذه الأحقاد والعداوات. ليس صحيحًا أن نقول إنّهم يؤيّدون فلانًا أو يراعون فلانًا أو يعارضون فلانًا، كلا. لقد كانت هذه العداوات نفسها موجودة في زمان الإمام (رضوان الله عليه) وبعد رحيل الإمام حين توليت أنا العبد المسؤولية، استمرت هذه العداوات وهي موجودة حاليًا. وجاءت عندنا حكومات متعدّدة بتوجهات وأفكار مختلفة، تصدّت ثم رحلت. وفي جميع هذه الحالات كانت هذه العداوات موجودة ومستمرة. الشيء الذي استطاع أن يواجه ويقف في وجه هذه العداوات، هو اقتدار الشعب الإيراني وقوته وصموده وعدم تأثّره بغضب وعبوس القوى الكبرى مثل أمريكا وغير أمريكا وبعض الدول الأوروبية وغيرها. وهذا النهج يجب أن يستمر. وإن تقرّرت متابعته –بحيث يجب أن تستمر هذه الحالة وهذه الروحية وهذا الاقتدار- فإنّ قسمًا مهمًّا من هذا النهج والمسار يرتبط بكم أنتم في جيش الجمهورية الإسلامية، وقسم أساسي يرتبط بالاقتصاديّين وقسم أساسي آخر يرتبط بالثقافة والتربية والتعليم وما شابه. قسم مهم جدًا يرتبط بالمتصدّين للأعمال البحثية والعلمية والتحقيقات والعلم والتقدم العلمي وما شابه في البلاد. يجب على الجميع العمل معًا ويدًا بيد، والله تعالى سيعين ويساعد كما أعان سابقًا وحتى يومنا الحالي.

رحمة الله على شهدائنا الأعزاء. اليوم، عوائل بعض شهدائنا الأعزاء في الجيش حاضرة هنا. لن تغيب عنا ذكرى هؤلاء الشهداء، لن تغيب ذكرى الشهداء عن ذاكرة الشعب الإيراني، فالشعب الإيراني العزيز، سيتابع مسيره وحركته بروحية المودة والاحترام للشهداء والاقتداء بهم.

الإنتخابات واحدة من مفاخر الشعب الإيراني
حسنًا، الحمد لله إنّ عجلة الانتخابات قد دارت نوعًا ما. وإن كنا لم نصل بعد إلى المرحلة الأساسية ولكن مقدمات الانتخابات قد بدأت. إنّ الانتخابات هي واحدة من افتخارات الشعب الإيراني. هذه الانتخابات هي مدعاة عزة وعنفوان وكرامة الشعب الإيراني بين شعوب العالم في كل الدنيا. كل ذوي النوايا السيئة والأشرار وأعداء الإسلام، كانوا يسعون دومًا لإظهار الدين والإسلام والمعنويات كأمور مخالفة ومعاكسة للسيادة الشعبية. لقد أثبتت الجمهورية الإسلامية بطلان ادّعاءاتهم هذه. إنّ لدينا مفهومًا باسم "السيادة الشعبية الإسلامية"؛ سيادة شعبية ولكنّها إسلامية في الوقت نفسه ولا يمكن تفكيك إسلاميتها عن سيادة شعبها. هذه الانتخابات هي الدليل على أنّ السيادة الشعبية الإسلامية هي مدعاة للفخر والكرامة والعزة والقوة. يشعر الناس أيضًا في الانتخابات أنّ مفتاح أعمال البلاد بيدهم. يشعرون أنّهم هم أنفسهم من يحدّد العناصر الأساسية للبلاد. هذا أمر بالغ الأهمية.

ليعرف الجميع قدر الإنتخابات وأهميتها
بالطبع، لا يزال هناك متّسع من الوقت حتى يوم الانتخابات. وإن بقينا أحياءً فإن لدي كلامًا سأطرحه خلال مناسبات قادمة. لكني أقول اليوم ما يلي : يجب على الجميع أن يعرفوا قدر الانتخابات. على المسؤولين الرسميّين والحكوميّين أن يقدّروا الانتخابات وكذلك على المرشحين وعلى الناس وعلى العاملين في إجراء العملية الانتخابية أنفسهم، الكل يجب أن يعرف قدر الانتخابات.

تحية واحترام للانتخابات. يجب إجراء انتخابات سليمة وصحيحة في أجواء أمن وأمان وبمشاركة واسعة. وإن شاء الله هذا ما سيحصل بتوفيق الله على الرغم من الأعداء الذين يوسوسون دومًا ويتهامسون. من يتابع الإذاعات ووسائل الإعلام ـ واليوم أصبحت الإذاعات شيئًا صغيرًا أمام كل هذا التوسع الإعلامي المتنوع ـ يرى كيف يوسوس الأعداء ويسعون لتخريب هذه الانتخابات وتشويهها بأشكال مختلف. وإن شاء الله، فإنّ الشعب الإيراني، بهذه الصحوة وهذا الوعي الذي طالما أظهره في مواجهة هذه الحركة العدائية، سيتابع مسيره ويتقدم وستحصل عملية انتخابية واسعة وسليمة، بكل نشاط وحيوية وشوق وحماس ومترافقة مع أجواء آمنة إن شاء الله، وسيكون هذا رصيدًا للبلاد وذخيرة ستشكل ضمانة وصيانة كبيرة للبلاد، وأملنا أنّ هذا ما سيحصل إن شاء الله.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

الإثنين, 08 أيار 2017 11:13

الغناء

تمهيد
في معركة جهاد النفس في ميدانها الظاهريّ تكون الأقاليم السبعة: العين والأذن واللسان والبطن والفرج واليد والرجل بين معسكري جنود الرحمن وجنود الشيطان، كلٌّ يحاول أن يجذبها إليه1.

ومن أدوات الجذب إلى معسكر الشيطان أداة لها دور أساس في إضعاف إرادة الإنسان ألا وهي الغناء الذي يجذب الأذن لتستمع إليه، واللسان ليتحرَّك به.

إنّه مسلك من مسالك الشيطان حرّي بنا أن نقف عنده في ضوء الشريعة المباركة.

معنى الغناء
الغناء، بالمعنى العام، مفهومٌ عند الناس، ولعلّه لأجل ذلك لم ترد نصوص واضحة في تحديد معناه الدقيق، وهو ما دعا بعض العلماء أن يكتفوا في تحديد الغناء بالمفهوم منه عُرفاً، فما أطلق عليه العرف الغناء، فهو حرام عندهم2.

إلا أنّ ثلة من الفقهاء اعتبروا أنّ مفهوم الغناء لا بدّ أن يخضع لأدوات الفقاهة الشرعيّة، فقاموا بدراسة مفهومه الشرعيّ وحدّدوه في ضوء ذلك، ومثال على ذلك التحديد ما ذكره الإمام الخامنئيّ دام ظله في كون الغناء المحرّم يتحقّق بوجود عناصر هي:

١- ترجيع الصوت، قال في أجوبة الإستفتاءات في تعريفه للغناء المحرَّم: "الصوت مع ترجيع..."3، أي ترديده في الحلق4، وهو ما يطلق عليه الترنّم5.

٢- كون الصوت مطربًا، والطرب هو "نشوة تصاحبها خفة لشدّة السرور"6. ألا يُلاحظ أنّ الناس الذين يستمعون الغناء يشعرون بخفّة في أجسادهم، وهو ما يدفعهم نحو الرقص والقفز وما شاكل.

٣- الكيفيّة المتناسبة مع مجالس اللهو والمعصيّة7. وهذه الكيفيّة تختلف من عصر إلى عصر، ومن مكان إلى مكان، وهناك العديد من الأمور التي تساهم في صناعة بيئة المعصية اللهويّة هذه، وقد تكون من بين هذه الأمور:
١- هوية المغنِّي كأن يكون من المطربين المعروفين.
٢- إيقاع اللحن.
٣- مضمون الكلام المصحوب بالألحان.
٤- طبيعة المكان الذي يقام فيه حفل الغناء.
٥- شكل اللباس الذي يرتديه المغني أو هو وفرقته على المسرح...الخ.


ومن خلال ما تقدّم يتّضح حكم الموسيقى التي حدّد الإمام الخامنئي دام ظله المحرّم منها بأنّها: "المطربة المتناسبة مع مجالس اللهو والمعصية"8.

حرمة الغناء في الأحاديث الشريفة
لم ترد كلمة الغناء نصًّا في القرآن الكريم، إلاّ أنّ الأحاديث الشريفة فسّرت العديد من الآيات به، وقد تمحورت عناوين تلك الآيات التي فُسِّرت بالغناء بالآتي:
١- لهو الحديث.
٢- اللغو.
٣- قول الزور.


- أمّا تفسير لهو الحديث بالغناء، فقد ورد فيه عن محمد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام: سمعته يقول: "الغناء ممّا وعد الله عليه النار"، وتلا هذه الآية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ9.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "الغناء مجلس لا ينظر الله إلى أهله، وهو مما قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ10.

- أمّا تفسير اللغو بالغناء، فقد ورد فيه أنّ الإمام الرضا عليه السلام أجاب من سأله عن حكم استماع الغناء: "أما سمعت الله عزّ وجلّ يقول: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامً11.

- أمّا تفسير قول الزور بالغناء فقد ورد فيه أن عبد الأعلى سأل الإمام الصادق عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ، قال: "... قول الزور الغناء"12.

إضافة إلى تفسير تلك العناوين بالغناء ورد عدد من الأحاديث الشريفة الذامّة للغناء، الناهية عنه، منها:

1- عن الإمام الصادق عليه السلام: "شرُّ الأصوات الغناء"13.

2- عن الإمام علي عليه السلام: "وألذّ المسموعات الغناء والترنّم وهو إثم"14.

3- ورد أنّ رجلاً قال للإمام الصادق عليه السلام: "إنّ لي جيرانًا، ولهم جوارٍ يتغنين ويضربن بالعود، فربّما دخلت المخرج، فأطيل الجلوس استماعًا منّي لهنّ، فقال له الإمام عليه السلام: لا تفعل، فقال الرجل للإمام عليه السلام: والله ما هو شيء آتيه برجلي، إنّما هو سماع أسمعه بأذني، فقال عليه السلام: يا الله! أنت! أما سمعت الله عزّ وجلّ يقول: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُول؟ فقال الرجل: كأنّي لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله عزّ وجلّ من عربيّ ولا عجمي، لا جرم أنّي قد تركتها، وإنّي أستغفر الله تعالى"15.

4- عن عبد الله بن أبي بكر، قال. قمت إلى متوضَّأ لي، فسمعت جارية لجارٍ لي تغنّي وتضرب، فبقيتُ ساعةً أسمع، قال: ثمّ خرجت، فلمّا أن كان الليل دخلتُ على أبي عبد الله عليه السلام، فحين استقبلني قال عليه السلام: "الغناء اجتنبوا، الغناء اجتنبوا، الغناء اجتنبوا، اجتنبوا قول الزور. قال: فما زال يقول: الغناء اجتنبوا، الغناء اجتنبوا، قال: فضاق بي المجلس، وعلمت أنّه يعنيني، فلمّا خرجت قلت لمولاه معتب: والله ما عنى غيري"16.

آثار الغناء

١- إضعاف الإرادة
للغناء ارتباط قويّ بإرادة الإنسان التي هي أساس في حقيقة الإنسانيّة، قال الإمام الخمينيّ قدس سره: "أيُّها العزيز... اجتهد لتصبح ذا عزم وإرادة، فإنّك إذا رحلت من هذه الدنيا دون أن يتحقّق فيك العزم (على ترك المحرّمات) فأنت إنسان صوري بلا لبّ، ولن تحشر في ذلك العالم (عالم الآخرة) على هيئة إنسان، لأنّ ذلك العالم هو محلّ كشف الباطن وظهور السريرة، وإنّ التجرّؤ على المعاصي يفقد الإنسان تدريجًا العزم، ويختطف منه هذا الجوهر الشريف"17.

بعد كلامه هذا يحدِّد الإمام الخمينيّ قدس سره سببًا أساسيًا يعتبر على رأس قائمة الأسباب التي تضعف إرادة الإنسان ألا وهو الغناء، ناقلاً ذلك عن أستاذه الشاه آبادي قدس سره.

قال قدس سره: "يقول الأستاذ المعظَّم دام ظله: (إنّ أكثر ما يسبّب على فقد الإنسان العزم والإرادة هو الاستماع للغناء)"18.

ولعلّ هذا العالم الكبير قد استفاد هذا من بعض الروايات التي ربطت بين الغناء والنفاق.

فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "الغناء يُنبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل"19.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "الغناء عشُّ النفاق"20.

ومن الواضح أنّ النفاق له مراتب تبدأ بالعقيدة، وتستمرّ بالعمل، ومن موارد ذلك حينما يقوم الإنسان ببعض الأعمال مع عدم وجود إرادة داخلية قويَّة تدفعه نحو تلك الأعمال بنفسها، بغضّ النَّظر عن الناس ونظرتهم، فيقوم بها ملاحِظًا نظرة الناس أكثر ممّا هو مريد لها بإرادة مستقلّة جادّة، فيدخل لهذا السبب في مرتبة من النفاق.

والروايات تفيد أن من الأسباب التي تولِّد هذا النفاق، بالشرح السابق، تضعف إرادة الإنسان، هو الغناء، فهو، بحسب الرواية الأولى، "يُنبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل"، وهذا يشير إلى الإنماء البطيء الذي قد لا يشعر به الإنسان كما أنّ الرواية الثانية: "الغناء عشّ النفاق" تشير إلى أنّ الغناء يمثّل البيئة المساهمة في النفاق وضعف إرادة الإنسان، كما يساهم العشّ في نموّ الطير داخل البيضة.

٢- تقسية القلب
ورد في الحديث عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "ثلاثة يقسِّين القلب: استماع اللهو، وطلب الصيد، وإتيان باب السلطان"21.

المراد من إتيان باب السلطان إتيانه بخضوع له، والمراد من طلب الصيد هو اللهوي لا بقصد الانتفاع من ما اصطاده، والمراد من استماع اللهو الغناء.

وقسوة القلب سبب للابتعاد عن الله تعالى والتوجّه إليه، وبالتالي تعريض الإنسان نفسه للحرمان من الرحمة الإلهيّة. فالمغني والمستمع للغناء يستخدم نعمة الله تعالى في عكس مسار تكامله، فبدل أن يستثمر صوته في تلاوة القرآن أو الدعاء، أو في مجالس العزاء، أو الأناشيد الهادفة، فإنّه يتسافل بصوته نحو الانحدار المعنويّ، في حين أن الكون يسير نحو التكامل.

من جميل ما ورد في وعظ المغنِّي الحديث الوارد عن أبي عبد الله عليه السلام: "ألا يستحي أحدكم أن يغني على دابّته وهي تسبِّح"22.

وهكذا الحال مع المستمع، فبدل أن يستفيد من أذنه في استماع آيات الله وما يفيده، فإنّ البعض يتسافل باستماع الغناء لينحدر بذلك إلى وادي العصيان.

٣- التوريط في الزنا
ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "الغناء رقية23 الزنا"24، وهو يدلّ على أنّ بيئة الغناء التي تضعف إرادة الإنسان قد تورّطه في خرق حدود الله في العلاقة بين الجنسين، وهذا أمر معروف لدى الناس في مجالس الغناء الصاخبة التي يختلط فيها الجنسان.

٤- جلب الفقر
وروى الإمام الصادق عليه السلام: "الغناء يورث النفاق، ويعقِّب الفقر"25.

وتعقيب الغناء للفقر قد يكون من خلال الشعور النفسي بالحاجة وعدم الغنى، وهو ما يسبّب الاكتئاب لدى الإنسان.
 

* لا تقربوا، سماحة الشيخ أكرم بركات، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

1- راجع في معرفة تفصيل ذلك كتابنا: برنامج السير والسلوك.
2- أنظر: الجبعي، علي، مسالك الأفهام، تحقيق ونشر مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، ١٤١٣هـ، ج١٤، ص ١٨٠/ الأردبيلي، أحمد، زبدة البيان، تحقيق محمد باقر البهبودي، لا،ط-، طهران، المكتبة المرتضوية، لا،ت-، ص ٤١٣.
3- الخامنئيّ،علي، أجوبة الاستفتاءات، ج٢، ص ٢٧.
4- الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، ط٢، لا،م-، مرتضوي، ١٣٦٢هـ.ش، ج٤، ص ٣٣٤.
5- المصدر السابق، ج٦، ص ٧٦.
6- مركز المعجم الفقهيّ، المصطلحات، لا،ط-، لا،م-، لا،ن-، لا،ت-، ص ١٦٣٤.
7- الخامنئي، علي، أجوبة الاستفتاءات، ج٢، ص ٢٧.
8- الخامنئي، علي، أجوبة الاستفتاءات، ج٢، ص ٢٢.
9- الجبعي، علي، مسالك الأفهام، ج١٤، ص ١٨٠
10- الكليني، محمد، الكافي، ج٦، ص ٤٣٣.
11- الصدوق، محمد، عيون أخبار الرضا، ج٢، ص ١٣٥.
12- الحر العاملي، محمد حسن، هداية الأمة إلى أحكام الأئمة، ج٦، ص ٣٤.
13- الصدوق، محمد، المقنع، تحقيق ونشر مؤسسة الإمام الهادي عليه السلام، لا،ط-، لا،م-، ١٤١٥هـ، ص ٤٥٦.
14- القمي، محمد، العقد النضيد والدر الفريد، تحقيق علي أوسط الناطقي، ط١، قم، دار الحديث، ١٤٢٣هـ، ص ٤٥.
15- الطوسي، محمد، تهذيب الأحكام، تحقيق حسن الموسوي الخرسان، ط٣، طهران، دار الكتب الإسلامية، ١٣٦٤هـ. ش، ج١، ص ١١٦.
16- الطوسي، محمد، الأمالي، ص ٧٢٠-٧٢١.
17- الخمينيّ، روح الله، الأربعون حديثاً، ص ٣٥.
18- المرجع السابق نفسه.
19- البروجردي، حسين، جامع أحاديث الشيعة، ج١٧.
20- الكليني، محمد، الكافي، ج٦، ص ٤٣١.
21- الصدوق، محمد، الخصال، ص ١٢٦.
22- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج٦١، ص ٢٠٥.
23- أي موصل إلى الزنا.
24- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج١٦، ص ٢٩٧.
25- البروجردي، حسين، جامع أحاديث الشيعة، ج١٧، ص ١٨٨.

 

الإثنين, 08 أيار 2017 08:51

أنتم الأحرار ونحن السجناء

اليوم نعيش تجربة جديدة تتطلّب من العرب عزيمة وإيماناً لا سابق لهما، حيث يواجه الفلسطينيون منذ 70 عاماً المحتلّ الإسرائيلي بأجسادهم النحيلة، التي لا يملكون سواها للمقاومة، وقد انتُزعت منهم كلّ أدوات المقاومة إلا عزيمتهم الصلبة.

حدّثتني المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد في لقائي معها عام 2008؛ إذ قالت لي: حين حكم عليّ الاستعمار الفرنسي بالإعدام، وكنت في الثامنة عشرة من عمري، أتت والدتي لتزورني، وكان من المفترض أن تكون تلك الزيارة الأخيرة، وأن يكون ذلك لقاءها الأخير مع ابنتها التي سوف ينفّذ فيها حكم الإعدام قريباً.

قالت لي والدتي لا تخافي يا بنتي ولا تحزني، ستكون مكانتك كبيرةً في الجزائر، والجزائر تستحقّ أرواحنا جميعاً، ولم تضعف والدتي، ولم تبكِ، بل حيّتني تحية المجاهدة الواثقة من النصر وانصرفت.

بعد أن انصرفت، وجدتُ السّجانة الفرنسية، التي كانت تراقب لقاءنا وتسمع كلّ كلمة، وجدتها تبكي، واعتقدتُ أنها ربما تبكي عليّ لأنني سوف أُعدم، فقلت لها لماذا تبكين؛ إذا كانت والدتي لم تبكِ، وأنا لم أبكِ، فلماذا أنتِ تبكين؟ قالت: أبكي على فرنسا؛ لأننا حتماً سنغادر الجزائر إذا كان الجزائريون والجزائريات بهذه العزيمة وهذا الإيمان!

والعزيمة والإيمان هما أساس انتصارات كلّ شعوب العالم على المستعمرين والطغاة والمرتزقة، وهما أساس حركات التحرر الوطنية التي انتشرت في بلدان آسيا وإفريقيا للتخلّص من الاستعمار الغربي الدموي، الذي كان ولا يزال يطمع بثروات الشعوب لبناء مجده وتحقيق ازدهاره.

اليوم نعيش تجربة جديدة تتطلّب من العرب عزيمة وإيماناً لا سابق لهما، حيث يواجه الفلسطينيون منذ 70 عاماً المحتلّ الإسرائيلي بأجسادهم النحيلة، التي لا يملكون سواها للمقاومة، وقد انتُزعت منهم كلّ أدوات المقاومة إلا عزيمتهم الصلبة، وإيمانهم العميق بفلسطين، وأنّ فلسطين تستحقّ منهم التضحية، وأنّ فلسطين باقية، ولا تزيدها معاناة المقاومين ودماء الشهداء إلا ألقاً وكبرياء ورسوخاً في ضمائر البشر، ولكنّ السؤال هو: لماذا افترض العرب والمسلمون أن فلسطين هي مسؤولية هؤلاء الأسرى فقط، على حين ينشغل المعنيون بالشأن الفلسطيني والعربي والإسلامي بتسويات وتنازلات لن تسمن ولن تغني من جوع، معتقدين أن قراراتهم وكلماتهم سوف تغيّر من مجرى المخططات الصهيونية التي لن تتوقف عند قضية فلسطين وحدها، بل هي تطمع بثروات عرب العراق وسورية والخليج، وهم في أضعف حالة من التمزق يساعدها الإرهاب الوهابي العميل؟ أما الاعترافات والتنازلات فهي بوالين فارغة وكلمات مسطحة لا يقيم لها المحتلّ وزناً، فهو ليس خائفاً، وليس قلقاً من صفوف متشرذمة وإرادات مبعثرة ورؤى لا يجمع بينها جامع، ولكنه قلق فقط من أمثال هؤلاء الأسرى المؤمنين بقضيتهم والمستعدّين لبذل آخر يوم من حياتهم في سبيل أن تحيا فلسطين، وأن تستمرّ الشعلة مضيئة في أيدي الأبناء والأحفاد، وكي لا تعتقد الأجيال القادمة أن أحداً لم يقاوم ولم يستبسل في سبيل القضية المقدسة.

لا شكّ أن السجانين الإسرائيليين، وهم يراقبون هؤلاء الأسرى، يشعرون بإحباط وقلق شديدين لأن قضية تمتلك روحاً وإرادةً مثل أرواح وإرادة هؤلاء المدافعين المؤمنين بها لا يمكن أن تموت أو أن تسقط في التقادم.

السؤال الآخر هو أن مليار مسلم ونيّفاً يعيشون اليوم في رحاب شهر شعبان، يستعدّون لاستقبال شهر رمضان المبارك، ومع ذلك لم يحوّلوا صيام الأسرى المقدس إلى صيام تسمع به البشرية في أصقاع الأرض الأربعة، ولم يحوّلوا هذا الاستبسال إلى حركة عالمية من أجل فلسطين ونصرة أسراها، والخاسر هنا ليس الأسرى مطلقاً، ولكنّ الخاسر الأكبر هم هؤلاء المتخاذلون أنفسهم من عرب ومسلمين؛ إذ إنهم يقوّضون مكانتهم في أعين العالم ويتسببون في إلغاء أيّ قيمة لهم في أنظار الآخرين، فأيّ مكانة ستكون للعرب والمسلمين الذين لم ينتصروا لإخوانهم ولقضيتهم، ومنذا الذي سوف يحسب حساباً لهم في أي مسألة أخرى؟

إنّ تجاهل معظم العرب والمسلمين لأهمية هذه المعركة الدائرة التي يخوضها هؤلاء الأبطال العزّل، يشير فقط إلى انفصال هؤلاء العرب والمسلمين عن دورة الحياة الحقيقية، وعن موازين القوى، وعن جوهر التفكير الإستراتيجي الذي يبقي الأمم ذات مكانة ورفعة في أعين الآخرين.

إن إخفاق هؤلاء أن يتجاوبوا بشكل لائق مع التضحيات العظيمة التي يقدّمها هؤلاء الأسرى لفلسطين والعرب جميعاً ولأمة المسلمين، هو أحد أبرز الأوجه للانقراض؛ إذ إن الأمم تنحدر وتنقرض حين تفقد البوصلة الجامعة بين أبنائها، وحين تتفكك الروابط بين أبنائها، ويصبح من شبه المستحيل أن تجتمع على كلمة سواء.

أي إن القصور الذي شهدناه من معظم العرب والمسلمين في التضامن مع الأسرى وحمل قضيتهم إلى رحاب المنطقة والعالم ليس قصوراً فلسطينياً يرتبط بالقرار الفلسطيني المستقلّ الذي أوصل دعاته الفلسطينيين إلى العزلة الحالية، وهو أيضاً قصور ذو دلالات خطيرة على المقصرين أنفسهم، وعلى احتمالات توجّهاتهم وحركاتهم المستقبلية، والمستوى الذي يمكن توقعه لهم: «لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين».

لا شكّ أن المعركة التي يخوضها هؤلاء الأسرى بأجسادهم السجينة وأرواحهم الأبيّة الشامخة هي معركة مشرّفة ومعركة رابحة بكلّ المقاييس، تنتصر بها الروح على الجسد، والعزيمة والإيمان على السلاسل وجدران السجون وقسوة السّجان، ولكنها معركة تدعو للتوقف والتفكير بمستقبل ومصير أمة في غياب أحزابها القومية، وفي ظلّ أحزاب إسلامية طائفية مزّقت الأمة وسلّمتها لقمةً سائغةً للعدوّ الغربي المتربّص بها لنهب واغتصاب الأرض والحقوق العربية.

إنها معركة تدعو للتأمل والتساؤل من السجناء؟ هل هؤلاء الذين يتحدّون أقسى الإجراءات بأجسادهم وإرادتهم؟ أم إنهم أولئك الذين يعيشون في أوهام التسويات والأكاذيب والانتصارات الشخصية الوهمية التي لا تتجاوز حدود تفكيرهم المحدود أصلاً؟ إنها معركة تظهر للعيان أن هؤلاء الأسرى هم الأحرار الحقيقيون، وأنّ من لا يمتلك إرادة وأدوات الانتصار هو السجين جسداً وروحاً وعقلاً وإرادةً وعزيمة.

العالم يرحّب بفوز إيمانويل ماكرون رئيساً جديداً لفرنسا. روسيا واليابان وحدهما يعبّران عن خيبتهما بنتائج الانتخابات ففي حين قال رئيس لجنة الإعلام في مجلس الاتحاد الروسي ألكسي بوشكوف إن خيبة الأمل ستظهر بسرعة لدى ناخبي ماكرون الذي يرث بلداً منقسماً، كما عبّر النائب اليميني الهولندي المتطرف خيرت فيلدرز حليف مارين لوبن عن تعاطفه معها، وكتب على "تويتر" "لقد حققت نجاحاً رغم ما حصل، وقال "ستفوزون في المرة المقبلة وأنا أيضاً!".

تقدّم زعماء من العالم وعدد من القادة العرب بتهنئة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على فوزه بالانتخابات الرئاسية الأحد.
وقد هنأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب على صفحته على "تويتر" الرئيس الفرنسي المنتخب وقال "إنّي أتطلع إلى العمل معه".

كذلك حيّا البيت الأبيض رسمياً في بيان للناطق باسمه "الرئيس ماكرون والشعب الفرنسي على الانتخابات الرئاسية الباهرة"، وقال "ننتظر بفارغ الصبر العمل مع الرئيس الجديد ومواصلة تعاوننا الوثيق مع الحكومة الفرنسية".

أما المرشحة الديموقراطية للرئاسة التي هُزمت في الانتخابات الأخيرة هيلاري كلينتون فتحدثت على "تويتر" عن انتصار ماكرون وفرنسا والاتحاد الأوروبي والعالم.
الرئيس الصيني شي جين بينغ بعث رسالة تهنئة إلى ماكرون. وقال شي في الرسالة التي نشرتها وزارة الخارجية الصينية إن "الصين مستعدة للعمل مع فرنسا بهدف دفع الشراكة الإستراتيجية الفرنسية الصينية إلى مستوى أعلى"، مضيفاً أن "الصين وفرنسا بصفتهما تشغلان مقعدين دائمين في مجلس الأمن الدولي تتقاسمان مسؤولية خاصة ومهمة حيال السلام والتنمية في العالم".

 ألمانيا رحّبت بدورها بفوز ماكرون، واعتبر شتيفن سايفرت المتحدث باسم المستشارة الألمانية انغيلا ميركل أن انتخاب إيمانويل ماكرون رئيساً لفرنسا هو "انتصار لأوروبا قوية وموحدة".

أما وزير الخارجية الألماني سيغمار غابرييل فرأى أن فوز ماكرون على مرشحة اليمين المتطرف يدل على أن "فرنسا كانت وستبقى في وسط وقلب أوروبا".

المتحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي هنّأ بحرارة ماكرون بفوزه، وقال إن "فرنسا هي أحد حلفائنا المقربين ونحن نرحب بالعمل مع الرئيس الجديد حول مجموعة واسعة من الأولويات المشتركة"، مضيفاً أن "ماي كررت أن المملكة المتحدة تريد شراكة قوية مع اتحاد أوروبي آمن ومزدهر عندما نغادره".

من جهته، أعرب وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون عن السعادة لمواصلة الشراكة الكبيرة بين بريطانيا وفرنسا.

رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر قال إن الفرنسيين اختاروا مستقبلًا أوروبياً". ورحب رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك بقرار الفرنسيين المؤيد لمبادىء "الحرية والمساواة والأخوة".

وكتب رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني في تغريدة له على "تويتر" "نعتمد على فرنسا في قلب أوروبا لكي نغير معاً الاتحاد ونقرب بين مواطنيه".

رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي رحّب بفوز ماكرون "الرمزي على الحركات الحمائية والانطواء على الذات"، معتبراً أنه "تصويت على الثقة في الاتحاد الأوروبي".
رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو قال إنه "ينتظر بفارغ الصبر العمل مع الرئيس ماكرون في السنوات المقبلة لوضع جدول أعمال تقدمي من اجل تعزيز الامن الدولي والتعاون في العلوم والتكنولوجيا لايجاد وظائف جيدة للطبقة الوسطى على ضفتي الأطلسي".

ما الرئيس الأوكراني بترو بوروشنكو، فعبّر في رسالة له على "تويتر" بالفرنسية عن سعادته بفوز ماكرون معتبراً ذلك "دليلاً على ثقة الفرنسيين بأوروبا موحدة". وقال إنه يعوّل على "تعاون فرنسا الواعد وتكثيف العمل بصيغة النورماندي" التي تضم باريس وبرلين وكييف وموسكو بهدف تسوية النزاع الأوكراني.

رئيس الوزراء اليونان ألكسيس تسيبراس رأى أن فوز ماكرون "مصدر وحي لفرنسا وأوروبا"، مشيراً إلى أن ماكرون يؤيد "إعادة هيكلة الدين اليوناني".

وكتب رئيس الحكومة الإيطالية باولو جنتيلوني على "تويتر" "فليعش ماكرون رئيساً، أمل جديد في أوروبا".

رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي قال "فلنتعاون في فرنسا واسبانيا من أجل أوروبا مستقرة ومزدهرة ومندمجة أكثر".

بدوره، رأى رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشال أن "انتخاب ماكرون يشكل رفضاً واضحاً لمشروع الانكفاء الخطير لأوروبا التي انتصرت اليوم".

وفي رسالة نادرة، وجه القصر الملكي البلجيكي تهانيه إلى ماكرون وكتب على "تويتر" أن "غالبية الفرنسيين أبدت تأييدها لفرنسا ضمن أوروبا".

رئيس الوزراء الدنماركي لارس لوكي راسموسن وجه تهانيه إلى ماكرون وقال "يمكننا تحقيق نتائج معاً أكثر مما حين نكون لوحدنا".
بدوره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو فرحب بفوز ماكرون، وأكد أن "الإرهاب الإسلامي هو واحد من أخطر التهديدات للعالم أجمع، يضرب في باريس، والقدس أو في مدن أخرى من العالم"، مضيفاً أن "فرنسا وإسرائيل حليفتان منذ فترة طويلة وأنه واثق من أن العلاقات بينهما ستتعزز".

رئيس البرازيل ميشال تامر هنأ على "تويتر" ماكرون بفوزه في الانتخابات الرئاسية الفرنسية.

أما الرئيس الغيني ألفا كوندي فعبّر في بيان عن قناعته بأن علاقات التعاون بين البلدين غينيا وفرنسا ستتعزز في ظل رئاسة ماكرون.

رئيس لجنة الإعلام في مجلس الاتحاد الروسي ألكسي بوشكوف قال إن "خيبة الأمل ستظهر بسرعة لدى ناخبي ماكرون الذي يرث بلداً منقسماً".

النائب اليميني الهولندي المتطرف خيرت فيلدرز حليف مارين لوبن عبّر عن تعاطفه معها. وكتب على "تويتر" "لقد حققت نجاحاً مع ذلك رسمياً"، مضيفاً "لقد صوّت ملايين الوطنيين لكم! ستفوزون في المرة المقبلة وأنا أيضاً!".
من جهتها رحّبت إيران بفوز ماكرون وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي إن طهران ترحب بنتائج الانتخابات الفرنسية وتبارك ذلك لفرنسا حكومة وشعباً".

وأمل قاسمي "توسيع العلاقات الإيرانية الفرنسية في هذه المرحلة الجديدة بناء على الأرضية التي تمّ تأسيسها خلال السنوات الأخيرة، وبما يتناسب مع إمكانيات البلدين ويصب في صالح الشعبين"

اعتبر الامام السيد علي الخامنئي العدوان العسكري الاميركي الاخير على سوريا بانه خطأ استراتيجي وان الاميركيين باتوا يكررون اخطاء اسلافهم.
واشار سماحته، لدى استقباله الاحد حشدا من كوادر القوات المسلحة، الى العدوان الاميركي على سوريا وبعض التحليلات الرامية الى الايحاء بامكانية تكرار هذا الاجراء في نقاط اخرى من العالم وقال ان الجرائم والعدوان والتطاول والاعتداء هي ممارسات تصدر من الاميركيين تماما وقد ارتكبوا مثلها في نقاط اخرى من العالم لكن القضية هي اين سيجرأون على تكرار مثل هذا الفعل ؟
واكد سماحته ان الجمهورية الاسلامية الايرانية برهنت ان مثل هذه التصريحات غير الموزونة والممارسات الخاطئة لن تثنيها عن اهدافها وان الشعب والمسؤولين المؤمنين بالثورة وفي ظل التوكل على الله لن يتراجعوا امام التهديدات لانه لو كانت هناك نية للتراجع لكانت البلاد اليوم تعاني من التخلف والفشل النفسي والحضاري.
وقال الامام الخامنئي ان ساسة اميركا السابقين هم من اوجدوا “داعش” او دعموه فيما يعمل الساسة الحاليون على تقوية داعش ونظائره.
واكد الامام الخامنئي ان خطر هذه الجماعات في المستقبل سيحدق بالاميركين انفسهم وقال ان الاوروبيين اليوم وبسبب الخطا الذي ارتكبوه في تقوية التكفيريين اصبحوا يعانون وان مواطنيهم يفتقرون للامن في البيوت والطرقات وان اميركا ايضا تقوم بتكرار نفس الخطا.
وفي جانب اخر من حديثه قال ان العدو يسعى من خلال اعتماد تكتيكات الحرب النفسية زعزعة ثقة المسؤولين في البلاد وبث الشعور بالضعف والتردد في اوساطهم .
واشار سماحته الى برنامج ومخططات العدو لزعزعة معنويات الشعب والمسؤولين والقوات المسلحة وبث روح التردد في اوساطهم وقال انه على القوات المسلحة للجمهورية الاسلامية الايرانية ومن خلال التوكل على الله والثقة بالنفس رفع قدراتها وطاقاتها يوما بعد يوم واتخاذ زمام المبادرة والهمة العالية لسد الثغرات والنواقص.
وتمنى سماحته خلال اللقاء عاما مباركا ومليئا بالتوفيق لكل الشعب لاسيما القوات المسلحة المضحية واسرهم وقال ان افضل دعاء واسمى توفيق للانسان هو معرفة وتحديد الصراط المستقيم والاستقامة على هذا الطريق .
واعتبر سماحته القوات المسلحة الايرانية بانها قوات تتميز بالفكر والعقيدة وقال ان الخدمة المقرونة بالمعرفة والاخلاص للجماهير هي من اكبر العبادات وينبغي ان نعرف قدر هذه الفرصة وكما استثمر المجاهدون والشهداء ابان مرحلة الدفاع المقدس الفرصة المتاحة فينبغي ان تكون امنية جميع السائرين في سبيل الله اليوم نيل الشهادة.
واكد ضرورة مواصلة العمل على رفع القدرات العملانية والتنظيمية للقوات المسلحة وقال لا ينبغي ان يشكل نقص التمويل عقبة امام التقدم وكما شهدنا ابان الدفاع المقدس فان النواقص الكثيرة لم تحل دون تحقيق الانتصار الحاسم في نهاية حرب طويلة من دون ان نتزحزح حتى مترا واحد عن حدود البلاد فاننا قادرون اليوم ايضا على تسلم زمام المبادرة والهمة العالمية للتغلب على النواقص .
واشار الى الدعم الشامل الذي قدمته الدول الغربية لصدام في حربه المفروضة على ايران وقال ان الدول الاوروبية المنافقة التي تدعي في قضية سوريا اليوم استخدام السلاح الكيمياوي زودت صدام ابان الحرب المفروضة بشحنات كبيرة من الاسلحة الكيمياوية ليستخدمها في هجماته على الجبهات وعلى مناطق سردشت وحلبجة.
واعتبر التقدم العسكري الراهن في البلاد بانه لا يمكن مقارنته بمرحلة الحرب المفروضة  وقال اننا قادرون اليوم ايضا من خلال التوكل على الله والثقة بالنفس والانضباط والمتابعة الادارية تجاوز العقبات الموجودة.
واوضح سماحته ان تعزيز معنويات القوات المسلحة هو من مهام كبار القادة واشار الى مخططات الاعداء لزعزعة معنويات المسؤولين والشعب والقوات المسلحة وقال ان العدو يسعى لاستغلال تكتيكات الحرب النفسية لزعزعة معنويات المسؤولين وبث الشعور بالضعف والتردد في اوساطهم .
واشار الى مساعي الاعداء للحؤول دون تعزيز القوات المسلحة وقال ان العدو يسعى لضرب كل قطاعات القوات المسلحة نظير الجيش والحرس الثوري وقوى الامن والتعبئة الشعبية وافراغها من الداخل في حين ينبغي للقوات المسلحة تعزيز قدراتها من الناحية التنظيمية يوما بعد يوم .

لم تناقض نتائج الانتخابات التشريعية في الجزائر تكهنات المتابعين للشأن الجزائري، وكما كان متوقعا فاز حزب جبهة التحرير الوطني، وهو حزب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بأغلبية المقاعد رغم تراجعه مقارنة بالانتخابات السابقة. وحل غريمه التجمع الوطني الديمقراطي ثانيا، ورفع من عدد مقاعده لتصل إلى 97 مقعدا، فيما جاء تحالف حركة مجتمع السلم وجبهة التغيير في المرتبة الثالثة، وهو نفس ترتيب الانتخابات السابقة.

نتائج الانتخابات التشريعية الجزائرية كانت متوقعة، مثلما كان متوقعا عزوف الناخب الجزائري، إذ لم تتعد نسبة المشاركة 38 بالمائة، أي أضعف من انتخابات عام 2012.

نتائج الانتخابات كشفت أيضا عن إستراتيجية النظام القائمة على الحفاظ على الوضع كما هو عليه، والحفاظ على السلطة ومواصلة نفس النهج تحضيرا لمرحلة مابعد بوتفليقة التي بات واضحا أنها لن تنتهي إلا برحيله، وأن الحديث عن مرحلة انتقالية أصبح من الماضي، وأن الوضع السياسي الحالي هو تحضير لولاية جديدة بعد سنتين عندما يحين موعد الانتخابات الرئاسية، وأن الطامعين والطامحين لحكم الجزائر عليهم أن يتريثوا ويتحلوا بالصبر.

نتائج التشريعيات كشفت أيضا عن فشل ذريع للمعارضة التي لم تحصد سوى نتائج إستراتيجيتها التي قامت على مبدأ المشاركة في الحكم رغم اختلافها مع السلطة وطعنها في شرعيتها ومطالبتها برحيل الرئيس وإعلان حالة الشغور أثناء رحلة علاج بوتفليقة، معارضة لم تتمكن من تحقيق إجماع حول برنامجها وفقدت كل مصداقية لدى الناخب الجزائري الذي يضعها في نفس السلة مع النظام الحاكم، ويعتبر أن من يمثلون هذه المعارضة هم في الواقع من النظام ولا يختلفون عن أحزاب الموالاة، ولهم نفس الأهداف بما فيها البحث عن الانتفاع واقتسام الريع.

من بين ماكشفت عنه نتائج هذه الانتخابات أيضا الصراع الذي بات مكشوفا بين سلال وأويحيى، صراع من أجل خلافة بوتفليقة أو على الأقل التموقع في انتظار اللحظة المناسبة، لكن هل فعلا ينحصر الصراع بين هذين الشخصين أم أن من يدير فعلا دفة الحكم له تصور آخر لجزائر مابعد بوتفليقة؟ سؤال يطرح لأن تاريخ الجزائر المستقلة شهد ذلك من قبل، فلا أحد كان يعرف الشاذلي بن جديد قبل أن يحكم الجزائر ويستمر في الحكم 12 عاما، كما أن اليامين زروال كان جنرالا مغمورا قبل أن يصبح رئيسا للجزائر، لذلك فإن مايجري يمكن أن يكون تمويها أو إشارة خاطئة قدمت لأويحيى وسلال لإلهائهما وإلهاء من يسير في فلكهما.

حزب الحركة الشعبية الجزائرية برئاسة عمارة بن يونس ضاعف عدد مقاعده، وهو حزب محسوب على الموالاة كون عمارة بن يونس مقرب من شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة، ويتوقع أن يلعب دورا في المرحلة المقبلة، مثله مثل حزب "تاج" (تجمع أمل الجزائر) بقيادة الوزير السابق وعضو مجلس الأمة عن الثلث الرئاسي عمار غول الذي حصد 19 مقعدا ويتوقع أيضا أن يكون له دور خلال السنوات القادمة، وهذان الحزبان مثل أحزاب صغيرة أخرى تدور في فلك السلطة، ومقاعدها ستكون في خدمة الأغلبية الحاكمة.

حزبا الإرسيدي (التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية) والأفافاس (جبهة القوى الاشتراكية) دفعا ثمن مشاركتهما في الانتخابات بسبب العزوف الكبير الذي عرفته منطقة القبائل التي تعد الخزان الانتخابي لهذين الحزبين، وربما كان الخاسر الأكبر في هذا الاستحقاق هو حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي أسسه الزعيم التاريخي الراحل حسين آيت أحمد والذي دفع ثمن انشقاق صفوفه، وإستراتيجية الحزب القائمة على المشاركة والتي خدمت أهداف السلطة التي دائما ما تراهن على هذه التشكيلة لإضفاء بعض المصداقية على العملية الانتخابية.

بالنسبة للأحزاب الإسلامية، وإن ظفرت بعد تحالفاتها على مقاعد إضافية إلا أنها تبقى خارج دائرة التأثير، وما حذر منه البعض أن السلطة بصدد استعمال هذه الأحزاب في العملية الانتخابية بات أمرا واقعا، فنتائج هذه الانتخابات تعد نكسة لأحزاب تريد أن تلعب دورا سياسيا في البلاد، بل ستساهم في إضعاف أسهمها أكثر على الساحة السياسية، وتضرب مصداقية خطابها الذي لم يعد له الصدى الذي كان قبل سنوات بسبب الانقسامات السياسية، وبسبب المحيط الإقليمي والدولي الذي شهد تراجعا للطرح الإسلامي.

مايمكن استنتاجه من هذه النتائج هو تمكن السلطة الحاكمة من إبقاء الوضع كما هو، ومواصلة محاولات ضمان البقاء في السلطة، فبالإضافة إلى التحدي الاقتصادي بسبب انهيار أسعار النفط فإن السلطة لا تريد أن تفتح على نفسها جبهة أخرى على المستوى السياسي، ولم يكن أمامها من خيار سوى العمل على بقاء الحال على ماهو عليه، فالبرلمان الذي تمخض عن هذه الانتخابات سيكون صورة طبق الأصل لسابقه، مع فارق بسيط هو عودة الحديث عن المال الفاسد وتوغله إلى قبة البرلمان.

برغم حفاظ "حماس" نظرياً على ثوابتها، إلا أنها عملياً تتبنّى الحل المرحلي الذي تبنّته منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1974، والذي مهّد لتنازلات تدريجية أوصلت المنظمة وزعيمها ياسر عرفات إلى توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993 وما بعدها من اتفاقات.

عباس ومشعل يتّفقان على أن ترامب يستطيع تحقيق اختراق في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

قلّما اتفق الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في الفترة الأخيرة. لكنهما اليوم يتّفقان على أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لديه الإرادة والجرأة لتحقيق اختراق ما في موضوع الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. فأبو مازن عبّر عن ذلك من البيت الأبيض إثر لقائه ترامب قائلاً له: "لديكم الإرادة والرغبة لتحقيق هذا النجاح، وسنكون شركاء حقيقيين لكم لتحقيق معاهدة سلام تاريخية".

في المقابل، دعا مشعل ترامب إلى "التقاط الفرصة" لإعطاء دفع جديد لعملية التسوية والتوصّل إلى "حل مُنصف" للفلسطينيين. وقال، في مقابلة مع شبكة "سي أن أن" من العاصمة القطرية الدوحة، إن ترامب يملك "جرأة التغيير" ولديه جرأة تفوق الإدارات الأميركية السابقة.

ورأى مشعل أن ما ورد في وثيقة حماس الجديدة التي أعلنت أمس، "يكفي لأي منصف في العالم وخاصة في العواصم الدولية لأن يلتقط الفرصة ويتعامل بجدّية مع حماس والفلسطينيين والعرب".

وتؤكّد الوثيقة قبول حماس بدولة فلسطينية مستقلّة ضمن حدود 1967.

إعلان "حماس" في الوثيقة قبولها بدولة فلسطينية على جزء من أراضي فلسطين المحتلة، بدا كخطوة تنازلية. لكنها لم تصل إلى حد القبول بالاعتراف بإسرائيل أو التخلّي عن فكرة تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، نظرياً على الأقل.

لكن مشعل عندما سُئِل في مقابلة "سي أن أن" عن مسألة الاعتراف بإسرائيل، قال "إن إسرائيل لا تعترف بالحقوق الفلسطينية، وحين يملك الفلسطينيون سيادتهم في دولة حرّة يمكنهم الاختيار من دون ضغط خارجي".

إجابة مشعل تتضمّن الهروب من السؤال، لكنه هروب إلى الأمام فاتحاً الطريق نحو احتمال اعتراف مستقبلي في حال حصل الفلسطينيون على حقوقهم المتمثّلة في دولة حرة.

لكن عباس، الذي أكّد تمسّكه بحل الدولتين، قال مخاطباً الرئيس الأميركي "سنكون شركاء حقيقيين لكم لتحقيق معاهدة سلام تاريخية.. نحن الشعب الوحيد الذي بقي في هذا العالم تحت الاحتلال، ويجب أن تعترف إسرائيل بدولة فلسطين كما نحن نعترف بدولة اسرائيل".

من جهته، بدا ترامب متفائلاً وأعرب عن ثقته بإمكان التوصّل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وقال إثر اجتماعه بعباس في المكتب البيضوي "نريد إرساء السلام بين إسرائيل والفلسطينيين وسنحقّق ذلك". ورأى أن الفشل المُتكرّر في الماضي في عملية التسوية لا يعني بالضرورة أن المهمة مستحيلة. وقال: "في حياتي، سمعت دائماً أن الاتفاق الأصعب الذي يمكن التوصّل إليه هو على الأرجح بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لنرَ اذا كنا قادرين على تكذيب هذا التأكيد".

لكن ترامب تبنّى المقولة الإسرائيلية لقوله إنه "لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم إذا لم يُجمع القادة الفلسطينيون على إدانة الدعوات إلى العنف والكره"، في إشارة إلى فصائل المقاومة الفلسطينية ونضالات الشعب الأعزل في مواجهة جيش الاحتلال ومستوطنيه في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزّة.

الرئيس الفلسطيني أوضح في المقابل أن الحلّ القائم على أساس الدولتين "سيساعد على مُحاربة الإرهاب"، مُضيفاً أن الخيار الاستراتيجي للفلسطينيين هو "تحقيق سلام يقوم على حل الدولتين على أساس حدود 1967"، وأن جميع قضايا الوضع النهائي "قابلة للحلّ بما يشمل اللاجئين والأسرى وفق الاتفاقيات الدولية".

توحي تصريحات ترامب وعباس ومشعل، وقبلها تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني عبدالله الثاني بعد لقائيهما بالرئيس الأميركي، بأن ثمة مبادرة أميركية جدّية لإنجاز اتفاق تسوية فلسطيني – إسرائيلي جديد تقوم على أساس حل الدولتين، من دون توضيح الرؤية الأميركية للحل النهائي، وبخاصة مسائل اللاجئين الفلسطينيين ومصير القدس الشرقية ومصير المستوطنات في الضفة الغربية والجدار العازل، وغور الأردن، وحدود الدولة الفلسطينية وطبيعة سيادتها وعلاقتها بدولة الاحتلال الإسرائيلي.

ولا شكّ أن حركة حماس، قد استبقت لقاء ترامب – عباس، لإعلان وثيقتها الجديدة لتقول لسيّد البيت الأبيض بأنها مستعدّة لتقديم تنازلات والقبول بحل سياسي ما، في مقابل دولة فلسطينية مستقلة في حدود العام 1967، أي الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزّة.

فقد جاء في الوثيقة: "لا تنازلَ عن أيّ جزء من أرض فلسطين، مهما كانت الأسباب والظروف والضغوط، ومهما طال الاحتلال، وترفض حماس أي بديلٍ عن تحرير فلسطين تحريراً كاملاً، من نهرها إلى بحرها". وأضاف البند 20 من الوثيقة "ومع ذلك - وبما لا يعني إطلاقاً الاعتراف بالكيان الصهيوني، ولا التنازل عن أيٍّ من الحقوق الفلسطينية - فإنّ حماس تعتبر أنّ إقامة دولة فلسطينية مستقلّة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أُخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة". كما أشارت الوثيقة إلى أنّ "المقاومة المسلّحة (...) تُعدُّ الخيارَ الاستراتيجي لحماية الثوابت واسترداد حقوق الشعب الفلسطيني".

وبرغم حفاظ "حماس" نظرياً على ثوابتها، إلا أنها عملياً تتبنّى الحل المرحلي الذي تبنّته منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1974، والذي مهّد لتنازلات تدريجية أوصلت المنظمة وزعيمها ياسر عرفات إلى توقيع اتفاقات أوسلو عام 1993 وما بعدها من اتفاقات، قضت على الانتفاضة الفلسطينية ومزّقت أوصال الضفة الغربية، وقسّمتها بجدار عازل، وعزلت الضفة عن قطاع غزّة، وأسفرت عن انقسام الشعب الفلسطيني بين حكومتين، فضلاً عن تغوّل الاستيطان في القدس الشرقية وبقية الضفة.

وبعيداً عن خطاب التخوين والتشكيك بنوايا حماس وخلفيّات إعلان الوثيقة، يمكن تلمّس محاولة من حركة المقاومة الإسلامية، للخروج من عزلتها العربية والدولية، عبر إعلان فك ارتباطها بحركة الإخوان المسلمين لطمأنة الجارة الكبرى مصر ودول العربية من جهة، وعبر إعلان قبولها بدولة ضمن حدود الـ1967 وفق القرارات الدولية ونتيجة للاتفاقات التي وقّعتها منظمة التحرير. وتعرف قيادة "حماس" أن إسرائيل ومن خلفها أميركا لن تقبلا بتنازلات "حماس" الشكلية وسوف تطالبان بتنازلات أعمق وأشدّ إيلاماً، تتمحور حول الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، والتخلّي عن نهج مقاومة الاحتلال عسكرياً، الذي تعرّفه إسرائيل وحلفاؤها الغربيون بالإرهاب.

وقد رأينا كيف سارع مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو لوصف وثيقة حماس بأنها "كاذبة"، فيما قال المتحدّث باسم نتانياهو ديفيد كيس في بيان، "إنّهم(أي حماس) يحفرون الأنفاق للقيام بأعمال إرهابية ويطلقون آلاف وآلاف الصواريخ على المدنيين الإسرائييين".

ولن يمضي وقت طويل حتى يكتشف ترامب وإدارته عُقَد القضية الفلسطينية واستحالة تسويتها من دون إجبار إسرائيل على تقديم تنازلات حقيقية، تتمثّل بالقبول بدولة فلسطينية مستقلّة وذات سيادة في حدود الـ67 عاصمتها القدس مع حل قضية اللاجئين والنازحين. وهي تنازلات لن يقبل بها اليمين الإسرائيلي المتطرّف إطلاقاً، وكان رفضها اليسار الذي كان يُعدّ "معتدلاً" حينها، بزعامة إسحق رابين وشمعون بيريس وإيهود باراك قبل أكثر من عقدين من الزمن.