
Super User
النكبة… كارثة إنسانية فصولها ما زالت مستمرة
على الرغم من أن السياسيين اختاروا 15 مايو / أيار 1948 للميلاد لتأريخ بداية النكبة الفلسطينية، إلا أن المأساة الإنسانية بدأت قبل ذلك عندما هاجمت عصابات صهيونية إرهابية قرىً وبلدات فلسطينية بهدف إبادتها أو دب الذعر في سكان المناطق المجاورة بهدف تسهيل تهجير سكانها لاحقاً.
النكبة هي مصطلح فلسطيني يبحث في المأساة الإنسانية المتعلقة بتشريد عدد كبير من الشعب الفلسطيني خارج دياره، وهو الاسم الذي يطلقه الفلسطينيون على تهجيرهم وهدم معظم معالم مجتمعهم السياسية والاقتصادية والحضارية عام 1948 للميلاد، وهي السنة التي طرد فيها الشعب الفلسطيني من بيته وأرضه وخسر وطنه لصالح إقامة الدولة اليهودية ـ إسرائيل.
وعلى الرغم من أن السياسيين اختاروا 1948/5/15 لتأريخ بداية النكبة الفلسطينية، إلا أن المأساة الإنسانية بدأت قبل ذلك عندما هاجمت عصابات صهيونية إرهابية قرىً وبلدات فلسطينية بهدف إبادتها أو دب الذعر في سكان المناطق المجاورة بهدف تسهيل تهجير سكانها لاحقاً.
وتشمل أحداث النكبة، احتلال معظم أراضي فلسطين من قبل الحركة الصهيونية، كما تشمل الأحداث عشرات المجازر والفظائع وأعمال النهب ضد الفلسطينيين، وهدم أكثر من 500 قرية وتدمير المدن الفلسطينية الرئيسية وتحويلها إلى مدن يهودية. وطرد معظم القبائل البدوية التي كانت تعيش في النقب ومحاولة تدمير الهوية الفلسطينية ومحو الأسماء الجغرافية العربية وتبديلها بأسماء عبرية وتدمير طبيعة البلاد العربية الأصلية من خلال محاولة خلق مشهد طبيعي أوروبي.
وكانت القيادات الصهيونية قد شرعت في إعداد خطط عسكرية تفصيلية منذ مطلع عام 1945 توقعاً للمواجهة المقبلة، وفي مايو 1946م رسمت الهاجاناه خطة أسميت بخطة مايو 1946م فيما بعد، كانت السياسة العامة لهذه الخطة تقضي بما يسمى "الإجرائات المضادة"، والتي اشتملت على شقين: العمل التحذيري الذي ينحصر في منطقة عمليات العدو، والعمل العقابي الذي لا حدود على نطاقه الجغرافي.
انتهاء الانتداب وبدء الحرب:
وكان الانتداب البريطاني على فلسطين ينتهي بنهاية يوم 14 مايو 1948، وفي اليوم التالي أصبح إعلان قيام دولة إسرائيل ساري المفعول، ومباشرة بدأت الحرب بين الكيان الجديد والدول العربية المجاورة. وفي 3 مارس عام 1949م أعلن انتهاء الحرب بين الجيوش العربية والعصابات الصهيونية المسلحة في فلسطين بعد قبول مجلس الأمن الدولي إسرائيل عضواً كاملاً في الأمم المتحدة وقبول الدول العربية الهدنة الثانية، حيث كانت المعارك في فلسطين قد بدأت في مايو 1948م بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وإعلان العصابات الصهيونية قيام دولة إسرائيل على المساحات الخاضعة لسيطرتها في فلسطين، وتدفقت الجيوش العربية من مصر وسوريا والعراق وإمارة شرق الأردن على فلسطين ونجحت في تحقيق انتصارات كبيرة.
وفي السادس عشر من مايو 1948م اعترف رئيس الولايات الأمريكية المتحدة هاري ترومان دولة إسرائيل، ودخلت أول وحدة من القوات النظامية المصرية حدود فلسطين وهاجمت مستعمرتي كفار داروم ونيريم الصهيونيتين في النقب. كما عبرت ثلاثة ألوية تابعة للجيش الأردني نهر الأردن إلى فلسطين. واستعادت القوات النظامية اللبنانية قريتي المالكية وقَدَس على الحدود اللبنانية وحررتهما من عصابات الهاجاناه الصهيونية.
واستمرت المعارك على هذا النحو حتى تدخلت القوى الدولية وفرضت عليها هدنة تتضمن حظر تزويد أي من أطراف الصراع بالأسلحة ومحاولة التوصل إلى تسوية سلمية. ولكن العصابات الصهيونية انتهزت الهدنة من أجل إعادة تجميع صفوفها والحصول على السلاح من الخارج وبخاصة من الدول الكبرى مثل بريطانيا والولايات المتحدة التي فرضت الهدنة في البداية. وعندما استؤنفت المعارك من جديد كان للصهاينة اليد العليا واتخذت المعارك مسارا مختلفا وتعرضت القوات العربية لسلسلة من الهزائم واستطاعت العصابات الصهيونية المسلحة فرض سيطرتها على مساحات واسعة من أراضي فلسطين التاريخية. وانتهت المعارك بقبول العرب الهدنة الثانية التي كانت اعترافا بالهزيمة وتدخل حرب فلسطين التاريخ العربي تحت اسم (النكبة).
قرار التقسيم:
وهو الاسم الذي أطلق على قرار الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة رقم 181 والذي أُصدر بتاريخ 29 نوفمبر 1947 بعد التصويت (33 مع، 13 ضد، 10 ممتنع) ويتبنّى خطة تقسيم فلسطين القاضية بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم أراضيها إلى 3 كيانات جديدة، كالتالي:
1. دولة عربية: وتقع على الجليل الغربي، ومدينة عكا، والضفة الغربية، والساحل الجنوبي الممتد من شمال مدينة أسدود وجنوبا حتى رفح، مع جزء من الصحراء على طول الشريط الحدودي مع مصر.
2. دولة يهودية: على السهل الساحلي من حيفا وحتى جنوب تل أبيب، والجليل الشرقي بما في ذلك بحيرة طبريا وإصبع الجليل، والنقب بما في ذلك أم الرشراش أو ما يعرف بإيلات حاليا.
3. القدس وبيت لحم والاراضي المجاورة، تحت وصاية دولية.
تعاقبت الأحداث بعد توصية التقسيم 181، وتوسّعت إسرائيل على الأراضي التي استولت عليها في نزاعها مع جيرانها. وحتى العام 2004، تستولي إسرائيل على 50% من الأراضي العربية بمقتضى قرار التقسيم وتسيطر سيطرة تامّة على النصف الباقي. وفي المادة ال19 من الميثاق الوطني الفلسطيني الذي أقرته منظمة التحرير الفلسطينية في تموز/يوليو 1968 يقال:
"تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947 وقيام إسرائيل باطل من أساسه مهما طال عليه الزمن لمغايرته لإرادة الشعب الفلسطيني وحقه الطبيعي في وطنه ومناقضته للمبادئ التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة وفي مقدمتها حق تقرير المصير". أما في وثيقة إعلان الاستقلال التي أعلنتها منظمة التحرير الفلسطينية في نوفمبر 1988 فيوجد نوع من الاعتراف المتحفظ بشرعية قرار التقسيم من 1947. "ومع الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب العربي الفلسطيني بتشريده وبحرمانه من حق تقرير المصير، إثر قرار الجمعية العامة رقم 181 عام 1947م، الذي قسم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، فإن هذا القرار ما زال يوفر شروطاً للشرعية الدولية تضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في السيادة والاستقلال الوطني".
اللجوء:
كانت النتيجة الرئيسة لنكبة الشعب الفلسطيني، لجوء اكثر من مليون فلسطيني تقريباً، وبعبارة أخرى أجبروا على الخروج من منازلهم ومدنهم وقراهم، حيث سلبت أراضيهم وأملاكهم ومقتنياتهم وأصبحوا لاجئين بلا وطن ولا آية وسيلة من وسائل العيش. والقسم الأكبر منهم رحلوا "هجروا" إلى الأردن والى قطاع غزة، والضفة الغربية، والباقي إلى سوريا ولبنان.
أسباب اللجوء الكبير:
والمجتمع الدولي: فهو المسؤول عن أهم جوانب وأبعاد اللجوء الفلسطيني، وهو المسؤول ـ من قبل ـ عن التمهيد والتوطئة لخلقها من خلال إذكاء، وتشجيع ودعم الأطماع الصهيونية في فلسطين، بما صدر عن القوى الاستعمارية الكبرى وفي مقدمتها بريطانيا من دعوة متلاحقة بشأن إنشاء "وطن قومي" لليهود في فلسطين.
والذعر والهلع الذي سببه القتال، والهجوم على مجتمعاتهم، وبسبب الإشاعات صادقة أم كاذبة عن أعمال إرهابية من قتل وطرد.
والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، ففي أثناء حرب 1948 م، أقتلع الفلسطينيين بالآلاف على أيدي الميليشيات الصهيونية، وبعد تأسيس الدولة اليهودية اقتلع الآلاف على أيدي القوات الإسرائيلية وذلك من خلال مجموعة من السياسات التي تنتهك أبسط مبادئ القانون الدولي. وهذه السياسات تشمل هجمات عسكرية مباشرة على المدنيين (الأماكن المأهولة بالمدنيين)، ارتكاب المجازر، النهب والسلب، تدمير الممتلكات (تدمير قرى بأكملها) والتهجير القسري للسكان. وواصلت سياستها في التهجير والاقتلاع حتى بعد توقيع اتفاقية الهدنة في عام 1949، ويحدد المؤرخ هنري كتن الأسباب في ثلاثة منها:
طرد وتهجير اليهود للفلسطينيين بالإرهاب والعنف.
انعدام الأمن والأمان في البلاد.
فقدان وانهيار الجهاز الحكومي الذي يطبق القانون ويحافظ على النظام خلال الأحداث.
والاستعمار البريطاني ووعد بلفور المشئوم الصادر عام 1917م الداعي إلى إقامة وإنشاء "وطن قومي" لليهود في فلسطين، والذي بموجبه التزمت الحكومة البريطانية وأخذت على عاتقها المساعدة في تأمين كافة الشروط اللازمة لإحلال اليهود مكان السكان الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، وكان أخطر ما قامت به، فتح الأبواب على مصراعيها أمام الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وغض الطرف عن الجهود الحقيقية التي كانت تقوم بها المنظمات الصهيونية، لإنشاء جيش يهودي مدجج بالأسلحة هدفه العمل بكل وسيلة لطرد وتشريد الفلسطينيين عن أراضيهم وتمكين المستوطنين اليهود من السيطرة عليها، فما أن صدر صك الانتداب البريطاني عن عصبة الأمم في 24/7/1922م ووضع فلسطين تحت الانتداب حتى أصرت بريطانيا على أن تنّتدب على فلسطين، وفعلت لذلك الكثير لكي تفي بما قطعته على نفسها من التزامات للمنظمة الصهيونية العالمية علماً بأن صك الانتداب لم يأخذ بعين الاعتبار رغبة الشعب في اختيار الدولة المنتدبة عليه، وهذا منصوص عليه في ميثاق عصبة الأمم فيما يتعلق بقواعد الانتداب.
ـ الإرهاب اليهودي: من خلال طرد السكان الفلسطينيين من بيوتهم ووطنهم بالمذابح المحسوبة، وكسر الروح المعنوية للفلسطينيين ودفعهم إلى الفرار "اللجوء"، وليست مذبحة دير ياسين في 9/4/1948م إلا واحدة من سلسلة مذابح نظمتها العصابات الحاقدة، وقد بلغ عدد ضحاياها عدة مئات حوال254 من شيوخ ونساء وأطفال*، إلا أنها لم تكن المجزرة الوحيدة، أو أكبر المجازر التي ارتكبت فقد كانت مجزرتا الدوايمة قضاء الخليل، ومذبحة اللد أكبر وأبشع وقد نظمت العصابات الصهيونية العديد من المذابح والمجازر للشعب الفلسطيني الآمن في وطنه حوالي 25 مجزرة منها : مذبحة سعسع في 16/4، ومذبحة سلمة في 1/3، وبيار عدس في 6/3، ثم مذبحة القسطل في 4/4، ومذبحة طبريا بتاريخ 17/4، ومذبحة سريس في نفس التاريخ، وحيفا في 20/4، والقدس في 25/4، ويافا في 26/4، ومجزرة عكا في 27/4، ومذبحة صفد في 7/5، وبيسان في 9/5، ومذبحة ناصر الدين، ومذبحة قبية 1953م، وكفر قاسم، ونحالين والسموع ومذبحة الطنطورة..الخ. راح فيها آلاف المواطنين الأبرياء معظمهم من الشيوخ، والنساء والأطفال على أثر هذه المذابح الحاقدة الهمجية حيث غدا الفلسطيني أمام خيار مر: الموت أو الهرب واللجوء.
فقدان الجهاز الحكومي: كان لانهيار الأمن والأنظمة الإدارية أثناء انتهاء الانتداب دورها في اللجوء الفلسطيني، فبعد انتشار العنف والرعب بسبب الإرهاب والمجازر التالية لصدور قرار التقسيم، ظلت الحكومة البريطانية عاجزة عن صيانة القانون والنظام في فلسطين، ولم تكن مستعدة لتوريط قواتها في سبيل هذا الهدف، والدليل على انعدام أية سلطة للحكومة في تلك الأيام العصيبة، قد أثبته الواقع حينما حدثت المذابح العديدة، فلم تكن هناك سلطة تعترض أو تحاول منع المذابح أو تساعد في إسعاف الجرحى، أو حتى في إنقاذ أو دفن الضحايا.
الحرب النفسية: أساليب الحرب النفسية والدعايات الكاذبة التي اتبعها اليهود لإكراه العرب على ترك بلادهم، التحذيرات التي كانت توجهها الإذاعات اليهودية السرية إلى العرب الفلسطينيين من تفشي الأمراض الوبائية: الكوليرا، التيتنوس "الجدري” وان الأمراض الخطيرة قد انتشرت بينهم من جيش الانقاد. وحاولت كذلك تقويض ثقة السكان بأنفسهم وقياداتهم بغرض تحطم المعنويات واذكاء الفتنة، مثل الحديث عن حجم وعدد الخسائر في الأرواح بين العرب والخلافات السياسية بينهم وضعفهم وقلت كفائتهم، ولجاءوا أيضاً إلى استعمال مكبرات الصوت وراحوا يبثون تسجيلاً لأصوات صرخات، أنين ونحيب النسوة العرب ورنين أجراس عربات الإطفاء يقطعها صوت جنائزي مناشداً باللغة العربية: "أنقذوا أرواحكم أيها المؤمنون، أهربوا لتنجوا .. وإذاعة تسجيلات لانفجارات شديدة عبر مكبرات الصوت، كما عمدت القوات الصهيونية إلى تفجير تجمعات الأسواق التجارية والأزقة، واستخدمت القنابل، "البراميل” وهي عبارة عن براميل محشوة بخليط من المتفجرات وزيوت الوقود، وعند اصطدامها بالجدران كانت تحدث صواعق من اللهب ودوي انفجارات شديدة، كما ولجأوا إلى إذاعة إنذارات للعرب الفلسطينيين بضرورة الرحيل ومغادرة قراهم ومدنهم في فترات محدودة وإلا تعرضوا للقتل وقد جاء في أحد النداءات في مدينة القدس” "إذا لم تتركوا بيوتكم، فإن مصيركم سيكون مثل دير ياسين انج بنفسك” وفي طبريا وزعت منشورات تحذر العرب من التعاون مع المجاهدين ومعارضة مشروع التقسيم ففي أحد البيانات التي وزعتها عصابات الهاغاناه جاء: على الناس، الذين لا يريدون الحرب أن يرحلوا جميعاً، ومعهم نساؤهم وأطفالهم ليكونوا آمنين، أنها سوف تكون حرباً قاسية، ودون رحمة ولا ضرورة لتخاطروا بأنفسكم” . وقد تكرر ما حصل في حيفا، ويافا، والقدس وطبريا وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية فقد وزعت ملصقات على الجدران حملت معظمها، عبارة ارحل من أجل سلامتك.
ومن الأساليب أيضاً، أسلوب "الدعاية السوداء”، استخدام هذا الأسلوب "موشية ديان” الذي خلف ايغال آلون في قيادة القطاع الجنوبي، وخاصة عندما أراد الصهاينة إجلاء عرب المجدل ودفعهم باتجاه قطاع غزة، فاستخدام نفس الأساليب والوسائل الضاغطة التي استخدمت مراراً من قبل، هي الطرد البحت عبر بث الرعب في نفوس المواطنين.
بقلم الدكتور حنا عيسى باحث وخبير قانوني وأستاذ جامع
المساجد والأكل الحلال.. سر زيادة أعداد السياح المسلمين في اليابان
أعلنت اليابان عن رغبتها في استقطاب المزيد من السياح المسلمين بعدما تمكنت من جذب قرابة 24 مليون سائح في عام 2016.
نجحت رئاسة الحكومة اليابانية في تحقيق الأهداف المنشودة لقطاع السياحة في البلاد، حيث تجاوزت عدد الـ20 مليون سائح التي كانت تود بلوغه بحلول عام 2020.
وتحقق هذا الإنجاز بعد أربع سنوات من الخطة التي وضعتها البلاد لاستقطاب السياح المسلمين، وأثبتت على مر السنوات الماضية نمواً ثابثاً في عدد السياح المسلمين.
وكانت اليابان قد اعتمدت "السياحة الحلال" قبل سنوات قليلة، حيث تجهزت مراكز التسوق بقاعات للصلاة، وتقدم المطاعم اليابانية الأكل الحلال بشتى أنواعه.
ووفقاً لآخر الأرقام الرسمية، أفادت منظمة السياحة الوطنية في اليابان أن حوالي 271 ألف مواطن اندونيسي قدموا إلى اليابان في عام 2016 بينما لم يتجاوز هذا العدد 63 ألف زائر في عام 2009. كما أن اليابان شهدت زيارة 394 ألف مواطن ماليزي مقابل 89 ألف خلال السبع سنوات الأخيرة.
وتعزى هذه الزيادة المتواصلة في عدد السياح المسلمين إلى اليابان من جنوب شرق آسيا إلى تخفيف حكومة اليابان من اجراءات الحصول على التأشيرة، وتطوير رحلات شركات الطيران منخفضة التكلفة، إضافة إلى توفير الاحتياجات الخاصة بالسياح المسلمين.
حزب الله في القرآن الكريم
مدخل
سنتعرّض لشرح مفهوم حزب الله في القرآن، وأهمية النية والدافع الإلهي في الحركة نحو الله تعالى، وسنتعرض لشرح بعض المصطلحات القرآنية التي تُعنى بها الشخصية الجهادية الخاصة التي وردت في الكلام الإلهي (في سبيل الله - لله -) وكيف ترتبط هذه المفاهيم القرآنية بعقيدة المجاهدين بشكل خاص على مستوى النوايا والأهداف.
أبعاد الجهاد في المفاهيم القرآنية
1- الإصطلاح القرآني الأول: (في سبيل الله)
عبارة (في سبيل الله) اصطلاح خاص بالأدب والثقافة الإسلامية وهو يختزن معنىً لطيفاً جداّ.
وعلى الرغم من شيوع وشهرة هذا الاصطلاح بين المسلمين واستعماله في المصادر الإسلامية كثيراً، كما هو الحال في القرآن وروايات المعصومين عليهم السلام، لكن قليلاً ما يتم التوجّه بشكل عملي إلى حقيقة ومغزى هذه العبارة.
ومن أجل بيان أفضل وتعريف أوضح لهذا المصطلح القرآني، الذي استعمل في موارد جهادية خاصة، نقول:
إن أي فعل يقوم به الإنسان سواء أكان من الأفعال الخارجية وما يسمى إصطلاحاً (بالأفعال الجوارحية) التي تكون الأعضاء الظاهرية وسيلتها وأدواتها، أم كان من الأفعال الداخلية وما يسمى إصطلاحاً (بالأفعال الجوانحية) التي ترتبط بروح وعقل وعقيدة الإنسان، فتبقى مخفية عن الأنظار كمثل الخيالات والأفكار والأوهام.
وهذه الأفعال بكلا قسميها مصاديق للحركة، وكل حركة تسير نحو جهة ومقصد خاص بها, فإذا كانت وجهة مسير هذه الأفعال وهدف حركتها الأصلي كمال الإنسان، فمن الطبيعي حينها بل من المتيقن أنّها ستتّجه بالإنسان إلى الخير والصلاح والسعادة والفلاح، وبالنتيجة سوف توصله إلى الحق والحقيقة.
أما لو كانت وجهة هذه الأفعال وحركة سيرها تتحرّك بغير اتجاه الكمال الإنساني فإنها تتجه بالإنسان إلى الابتعاد عن كماله الحقيقي، ومن الطبيعي أن توصله إلى جهة الشر والباطل، والفساد والشقاوة.
ومن جهة أخرى ومن منظار العقيدة الإسلامية, فإنّ معيار الكمال الحقيقي لكل إنسان يكون فقط في مدى قربه ودنوّه من حضرة الحقّ تعالى، وهذا هو عنوان المسير الصحيح من أجل صلاح الإنسان، فكلُّ سيرٍ إلى الله تعالى هو سيرٌ نحو الحقّ وكل سير إلى غيره تعالى هو سير نحو الباطل.
وهنا سنسأل, أنه لماذا قيّد الإسلام وجهة سير الأعمال الصالحة والأفعال اللائقة بالإنسان بشرط أساسي وهو كونها تحت عنوان: (في سبيل الله)؟
نستطيع أن نقول في معرض الإجابة, إنّ الهدف الأصلي من خلق الإنسان هو في جعل سيره متجهاً نحو الله، ولذلك فإن أي عمل وأي حركة بدون نية (في سبيل الله) سوف تبتعدُ بالإنسان عن الهدف ولن توصله إلى الله تعالى.
لقد ورد مضمون كلمة (في سبيل الله) في موارد متعدِّدة من القرآن الكريم, وكمثال نذكر منها:
أ- في بعض الآيات وُصف تحمّل الإنسان للتعذيب وأذية الأعداء بأنه (في سبيل الله) وعُدّ ذلك سبباً لخيره وسعادته، نظير هذه الآية من سورة التوبة: ﴿لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾1.
ب- وفي آيات أخرى وصفت بعض الأحداث من قبيل الهجرة والجهاد والإيثار والشهادة بأنها (في سبيل الله): يقول الله تعالى ﴿...وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ...﴾2.
﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾3.
﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ﴾4.
ج- وفي آيات أخر ذُكر الإنفاق والجهاد المالي مقيداً بهذا الشرط (في سبيل الله): يقول الله تعالى: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾5.
د- وهناك آيات ذكرت الحصار والفقر والضيق المالي والمعيشي تحت وصف (في سبيل الله).
يقول الله تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ...﴾6.
2- الاصطلاح القرآني الثاني: (لله)
بعد أن تعرّفنا على مفهوم (في سبيل الله) بحسب الاصطلاح القرآني، نشير إلى اصطلاح قرآني آخر شبيه بالاصطلاح الأول وهو اصطلاح (لله)، مع الإشارة إلى الفارق بين الاصطلاحين.
إنّ أفعال الإنسان الاختيارية تكسب قيمتها فقط فيما لو كانت تمتاز بخصيصتين:
الخصيصة الأولى: الحسن الفعلي.
ومعناه: الفعل الصالح الذي يقوم به الإنسان ويكون بحد ذاته فعلاً حسناً ولائقاً، بغض النظر عن الدافع الحقيقي للفاعل.
الخصيصة الثانية: الحسن الفاعلي.
ومعناه: أن الإنسان عندما يقوم بعمل صالح، لا بد أن يكون الدافع لذلك العمل دافعاً صحيحاً وحسناً.
وبناءً عليه يلزم لاتصاف الفعل الأخلاقي بأنه (حسن) أن يكون نفس الفعل حسناً ومفيداً وأن تكون نية الفاعل حسنة ودافعه صحيحاً وخالياً من كل النوايا الباطلة مثل الغرور والرياء وطلب الشهرة.
إذاً, فتعبير(في سبيل الله) دالٌّ على الحسن الفعلي, أي أنّ هذا الفعل بنفسه هو فعلٌ صحيحٌ ومفيد، أما تعبير (لله) أو (قربة إلى الله) فهو دال على الحسن الفاعلي, أي أن الفاعل قد أتم هذا الفعل المفيد والصحيح بدافع صحيح ونية سليمة ألا وهي نية التقرب إلى الله والعمل لله.
والمهم في المقام هو الحسن الفاعلي، لأن صحة الدافع أوعدم صحته في الحقيقة هو الميزان والمعيار في الأعمال، فالدافع الصحيح والنية السليمة هي منشأ الارتفاع بأي عمل والارتقاء به إلى أعلى المراتب، وفي المقابل إنّ عدم صحة الدافع وعدم سلامة النية تنحدر بالعمل إلى أسفل الدركات.
ولا قيمة عند الله لأي عمل مهما بلغ من دون "الدافع الإلهي والنية السليمة"! وتميّز هذه الأفعال الصالحة إنما يكون بوجهة سيرها نحو الله تعالى، ومدى تأثيرها ودفعها في تقرب الإنسان من الله تعالى.
3- الاصطلاح القرآني الثالث: (حزب الله)
لقد مرّ ذكر عبارة حزب الله في القرآن، في موردين اثنين، وجاء مترافقاً مع لفظ الولاية.
الآية الأولى:
﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾7. هذه الآية الشريفة التي نزلت في شأن أمير المؤمنين عليه السلام في قصة تصدّقه بالخاتم في ركوع صلاته المباركة، وهي قصة مشهورة معروفة بين المسلمين جميعاً فقد اتفق المفسرون والمحدِّثون من الشيعة والسنة على أن مورد نزول هذه الآية كانت في شأن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بعد تصدّقه بالخاتم على ذلك السائل الذي دخل المسجد فلم يجبه أحد وكان الإمام علي عليه السلام راكعاً في صلاته فأشار عليه السلام للسائل إلى الخاتم الذي بيده أن خُذه، فأخذه السائل ورحل.
وعلى إثر هذا التصدّق من الإمام عليه السلام نزلت الآية في شأنه عليه السلام.
ثم بعد ذلك ساقت الآية ذكر أوصاف (حزب الله) وأنهم أهل الطاعة للولاية، ولذلك عدّ القرآن الكريم - في هذه الآية - عنوان (أهل الولاية) وعنوان (حزب الله) عنواناً واحداً. مع الإشارة إلى أن كلمة (الزكاة) الواردة في هذه الآية ليست خاصة بالزكاة الواجبة، بل هي أعم من الإنفاق الواجب والمستحب.
الآية الثانية:
التعبير الثاني في القرآن عن (حزب الله) ورد في سورة المجادلة: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾8.
في هذه الآية ذكر الله تعالى أوصاف (أهل الولاية) و(حزب الله) تحت عنوان واحد، فأوضح أنّ القوم الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر، ليس في قلوبهم أي ودّ أو محبة لأعداء الله وأعداء رسوله حتى ولو كانوا أخص أهلهم من الآباء أو الأبناء أو الإخوان أو الأقرباء...إلخ، فأهل الولاية الحقيقية لله وجنود حزب الله لا تربطهم مع أعداء الله ورسوله أي رابطة، لأن الإيمان بالله تعالى لا يجتمع مع محبة أعداء الله.
ثم يقول الله تعالى بأن ثواب هؤلاء الولائيين الحقيقيين هو:
أولاً: أن يثبت الله الإيمان في قلوبهم، يقول تعالى: ﴿كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ﴾.
ثانياً: حصول تأييد روح الله لهم. وكما هو معلوم بأن روح الله مَلَك من أقرب الملائكة إلى الحضرة الإلهية، يقول تعالى: ﴿وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ﴾. وكلا هذين الثوابين مرتبطين بعالم الدنيا.
أما الثواب المرتبط بعالم الآخرة لهم فهو:
أولاً: إدخالهم إلى الجنات، يقول الله تعالى: ﴿وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَ﴾.
وثانياً: الفوز بمقام (رضوان الله)، هو الثواب الأعظم والأهم, يقول الله تعالى: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾.
ومن وجهة النظر القرآنية, يعتبر الفوز بالرضوان الإلهي في الحقيقة أعظم وأكبر ثواب إلهي يمكن أن يعطى للعباد، يقول الله تعالى: ﴿وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾9.
وعلى كل حال إنّ الثواب الإلهي لأهل الولاية وحزب الله هو الرضوان الإلهي وهو رضوان من الطرفين: من الله تعالى ومن أهل الولاية، يقول الله تعالى: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾.
أهل البيت عليهم السلام المصداق الكامل لحزب الله
وبعد المطالعة الدقيقة في هاتين الآيتين السابقتين، نتوصّل إلى نتيجة أكيدة وهي: أن أهل البيت عليهم السلام هم المصداق التام والكامل لحزب الله في القرآن، لأنهم كانوا في الدنيا في أعلى مراتب الإيمان والاستقامة، وأصبحوا مورد التأييد الإلهي أيضاً، قال تعالى: ﴿وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ﴾10.
وليست جزافاً الدعوى, بأن التأييد بروح الله في الدنيا يُعد من أكبر النعم الإلهية، فصحيح أن هناك نعماً إلهية مشتركة بين المؤمن والكافر، كنعمة العقل والسلامة والأكل والمسكن واللباس..وغيرها، لكن بالمقابل هناك نعمٌ إلهية خاصة بأهل الإيمان والعقل الكامل، الذين يستفيدون من كل النعم الإلهية بصورة صحيحة.
وخلاصة الكلام, إن المجموعة اللائقة والمؤهّلة لتقبّل التسديدات الربّانية والتأييدات الإلهية هي فقط (حزب الله) لما تحمله من صفات الولاية والمحبة الإلهية.
شروط صيرورة الفرد حزب اللّهيّاً
إن ولاية الله تعالى وولاية الرسول والأئمة الأطهار صلوات الله عليهم لها مراتب ودرجات مختلفة, وإن أتباع وأنصار هذه الولاية ليسوا على درجة واحدة، ولأجل الوصول إلى أعلى مراتب هذه الولاية لا بد من امتلاك عاملين مهمين:
1- العامل الأول: تحصيل العلم والمعرفة.
2- العامل الثاني: امتلاك الإرادة القوية والالتزام العملي.
وفي التاريخ الإسلامي يمكن أن نرصد وجود ثلاث فرق, نستظهر من سيرتهم حقائق حول الولاية:
الفريق الأوّل: هم عدّة ممن عرفوا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وآمنوا به وبرسالته وبذلوا كل ما كانوا يملكون، وكل ما كان تحت أيديهم في تصرف وخدمة الإسلام وتقويته ولم يُقصّروا في أداء أي تكليف، لكن مشكلتهم كانت في معرفة الوصي والنائب في حال غيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
طبعاً، بالنسبة للبعض, لم يكن عدم المعرفة تقصيراً منهم، غاية الأمر أنهم لم يُوفّقوا لمعرفة هذا الولي والوصي القائم مقام النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، والحقيقة أن هؤلاء ما كانوا ليرفضوا إمامة وولاية لأهل البيت عليه السلام في حال عرفوا ذلك، أو توفّرت عندهم الظروف لثبوت تلك الولاية لهم عليه السلام، وعلى كل حال هؤلاء كانوا إما تحت ظرف الاستضعاف وإما تحت ظرف الجهل ونقص المعرفة.
الفريق الثاني: فريق آخر لم تكن مشكلته في معرفة الولي والوصي، بل كانت مشكلته تكمن في العامل الثاني وهو الالتزام العملي بالولاية، فهؤلاء قصّروا في أداء تكاليفهم ولم يُؤدّوا الوظيفة المطلوبة منهم, فتركوا الوصي لوحده.
الفريق الثالث: وهم الذين قاموا بتحصيل كل مراحل المعرفة بالله وبالنبي وعرفوا أوصياء النبي صلى الله عليه وآله وسلم جيداً، فلم يُقصّروا في تحصيل المعرفة بالولي والوصي، وفي الحقيقة لقد كان هؤلاء - على قلّتهم - أعرف الناس بأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هذا في جانب المعرفة.
أما في جانب الالتزام العملي فقد قاموا بأداء تكاليفهم على أحسن وجه، وخرجوا من الامتحانات فائزين، مرفوعي الرأس. هؤلاء كانوا مصداق (حزب الله) ومصداق (الفلاح المطلق) الذي ورد في الآية، حيث يقول الله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾11.
والنتيجة, لقد أصبح واضحاً لدينا أنه يلزم على الإنسان، ولأجل أن يدخل في زمرة (حزب الله) و(أهل الولاية)، أن يسعى لكسب هذين التوفيقين، ويطلب من الله تعالى أن يمنّ عليه بذلك:
الأول: توفيق كسب العلم والمعرفة بأهل البيت عليهم السلام.
الثاني: توفيق العمل والالتزام الحقيقي بالولاية، خصوصاً أن مقام العمل يتطلّب الخروج من امتحانات صعبة وشاقة تجبر الإنسان الولائي أحياناً، على التخلي عن كثير من ملذات الدنيا مقابل اعتقاده والتزامه بالولاية.
فهل يُقدّم الإنسان الولائي منفعته الشخصية وحبه للملذات على إيمانه وعقيدته؟
أم أنّه يصرف النظر عن بعض الملذات الدنيوية حفاظاً على التزامه وولايته؟
وهذا في الحقيقة يمثّل أصعب الامتحانات للولائي الملتزم.
* الربيون عطاء حتى الشهادة، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة التوبة، الآية 120.
2- سورة البقرة، الآية 218.
3- سورة البقرة، الآية 190.
4- سورة البقرة، الآية 154.
5- سورة البقرة، الآية 261.
6- سورة البقرة، الآية 273.
7- سورة المائدة، الآيتان 55 - 56.
8- سورة المجادلة، الآية 22.
9- سورة التوبة، الآية 72.
10- سورة المجادلة، الآية 22.
11- سورة المجادلة، الآية 22.
السبيل إلى محبّة أولياء الله
محبّة أهل البيت عليهم السلام هي السبيل إلى الله
إذا تأمّلنا في حياة الأنبياء عليهم السلام وسيرتهم مع أقوامهم نجدهم يعرضون أثمن ما عندهم وهو الهداية إلى الله بدون طلب الأجر والمقابل، لأنّ أجرهم كان على الله تعالى دوماً. فكلّ واحدٍ منهم كان إذا سُئل يقول: يا قومي لا أسألكم على ما أقوم به من أجرٍ إن أجري إلَّا على الله ﴿قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهيدٌ﴾1.
لكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امتاز عن جميع الأنبياء والرسل بطلبه الأجر على الرسالة والدعوة الكبرى التي ضحّى في سبيلها بكلّ غالٍ ونفيس، وحصر هذا الأجر في أمرٍ واحدٍ هو المودّة والمحبّة لأهل بيته عليهم السلام أجمعين، ﴿قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى﴾2 ولكي لا يتصوّر أنّ هذا الأجر يعود بالنفع على رسول الله شخصيّاً، عاد النبيّ مجدّداً ليُبيّن لقومه أنّ ما سيُقدّمونه سيعود على أنفسهم بالفائدة: ﴿قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهيدٌ﴾3، ولبيان النفع يقول ﴿قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبيل﴾4.
إذاً، تُصرّح الآية بما لا لبس فيه ولا شكّ أنّ السبيل إلى الله وطريق الوصول إليه، إنّما يمرّ من خلال مودّة أهل البيت ومحبّتهم، فهي السبيل للوصول إلى الغاية النهائيّة للإنسان. فالصلاة والصيام والجهاد والحج والزكاة وجميع الفرائض الإلهية لن تكتسب روحها التي بها يحصل القرب، وبها تصبغ بالقبول إلَّا بهذه المودّة. فلا عجب إذاً أن يكون الأجر على الرسالة الخاتمة محبّة أهل البيت عليهم السلام لأنّ هذه المحبّة ستكون سبباً لحفظ الرسالة وبقائها حيّة بين الناس.
آثار محبّة أهل البيت عليهم السلام
قال الله عزّ وجل في محكم كتابه: ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾5. وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها"6. إنّ الدخول إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو دخول في الإسلام الأصيل لا يحصل واقعاً بدون الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وأهل البيت عليهم السلام، لأنّ حبّ أهل البيت عليهم السلام له وجهان في الإسلام:
الوجه الأوّل: يطلّ على العقيدة فيُصحّحها. وهو ما يظهر في مثل هذا الحديث الشريف المرويّ عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "يا عليّ لولاك أنت لم يُعرف المؤمنون من بعدي"7، والحديث المعروف بشأن عليّ عليه السلام: "حبّك إيمان، وبغضك نفاق وكفر"8.
الوجه الثاني: يطلّ على الأعمال، فيأخذها إلى وجهتها المطلوبة وموقعها الصحيح. وإلى هذا المعنى أشار حديث الإمام الصادق عليه السلام عن محمد بن الفضيل قال: "سألتُه عن أفضل ما يتقرّب به العبد إلى الله (عزّ وجلّ) فقال: طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر، ثمّ قال: حبّنا إيمان، وبغضنا كفر"9.
فالإيمان بالله تعالى أمرٌ قد يدّعيه أيّ إنسان. ولكنّ الإيمان الواقعي هو الذي يتجلّى في الدنيا بصورة حبّ الإنسان الكامل، لأنّه مظهر الارتباط الواقعي بالله تعالى. والعمل الصالح وأداء الفرائض أمر قد يقوم به أيّ إنسان. ولكن الصلاح الحقيقي والعبادة الواقعيّة تتجلّى في الدنيا بصورة ولاية الإنسان الكامل. وأهل البيت عليهم السلام هم مظهر الإنسان الكامل على الأرض.
فعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ألا ومن أحبّ عليّاً، فقد أحبّني. ومن أحبّني فقد رضي الله عنه. ومن رضي الله عنه كافاه الجنّة. ألا ومن أحبّ عليّاً لا يخرج من الدنيا حتّى يشرب من الكوثر، ويأكل من طوبى، ويرى مكانه في الجنّة. ألا ومن أحبّ عليّاً فُتِحت له أبواب الجنّة الثمانية، يدخلها من أيّ بابٍ شاء بغير حساب. ألا ومن أحبّ عليّاً أعطاه الله كتابه بيمينه وحاسبه حساب الأنبياء. ألا ومن أحبّ عليّاً هوّن الله عليه سكرات الموت وجعل قبره روضة من رياض الجنّة.ألا ومن أحبّ عليّاً أعطاه الله بكلّعِرقٍ في بدنه حوراء، وشُفّع في ثمانين من أهله. ألا ومن مات على حبّ آل محمّدٍ فأنا كفيله بالجنّة مع الأنبياء.ألا ومن مات على بغض آل محمدٍ لم يشمّ رائحة الجنّة"10.
ومن الآثار المترتّبة على محبّة أهل البيت عليهم السلام أيضاً:
1- استكمال الدين: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: "حبّ أهل بيتي وذرّيتي استكمال الدين"11.
2- التمسّك بالعروة الوثقى: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم مخاطباً أمير المؤمنين علي عليه السلام: "يا علي، من أحبّكم وتمسّك بكم، فقد تمسّك بالعروة الوثقى"12.
3- اطمئنان القلب وطهارته: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم لمّا نزلت هذه الآية ﴿ألا بِذكرِ الله تَطمَئنُّ القُلوبُ﴾13 قال: ذاك من أحبّ اللّه ورسوله، وأحبّ أهل بيتي صادقاً غير كاذب، وأحبّ المؤمنين شاهداً وغائباً، ألا بذكر اللّه يتحابون"14.
وعن الإمام الباقر عليه السلام: "لا يُحبّنا عبد ويتولّانا حتى يُطهّر اللّه قلبه، ولا يُطهّر اللّه قلب عبدٍ حتى يُسلّم لنا ويكون سلماً لنا، فإذا كان سلماً لنا سلّمه اللّه من شديد الحساب، وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر"15.
4- الاغتباط عند الموت: قال أمير المؤمنين عليه السلام للحارث الأعور: "لينفعنّك حبّنا عند ثلاث: عند نزول ملك الموت، وعند مساءلتك في قبرك، وعند موقفك بين يدي اللّه"16.
5- الشفاعة يوم القيامة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الزموا مودّتنا أهل البيت ، فإنّه من لقي اللّه يوم القيامة وهو يودّنا دخل الجنّة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينتفع عبد بعمله إلّا بمعرفة حقّنا"17.
6- التوبة والمغفرة وقبول الأعمال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: "من مات على حبّ آل محمد مات شهيداً، ألا ومن مات على حبّ آل محمد مات مغفوراً له، ألا ومن مات على حبّ آل محمد مات تائباً، ألا ومن مات على حبّ آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان..."18. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "حبّنا أهل البيت يُكفّر الذنوب ويُضاعف الحسنات"19.
7- الحشر مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: "يرد عليَّ الحوض أهل بيتي ومن أحبّهم من أُمّتي كهاتين"20، يعني السبّابتين.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيد الحسن والحسين، فقال: من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأُمهما، كان معي في درجتي يوم القيامة"21.
وغيرها من الروايات الشريفة التي ذكرت ثمار محبّتهم والتمسّك بهم عليهم أفضل الصلاة والسلام.فإنّ قضيّة حبّ أهل البيت عليهم السلام ودوره في إيصال الإنسان إلى لقاء الله والجنّة وغفران الذنوب، لم ترد في بضعة أحاديث متناثرة مقطوعة أو مجهولة السند. فإنّ ما روي عن الفريقين يصل إلى حدّ التواتر. وقد يتساءل البعض متعجّبين عن سرّ هذا الأمر، إذ كيف يكون مجرّد حبّ شخصٍ أو مجموعة أشخاص سبباً لهذه الكرامات والكمالات العظيمة؟! ولكن من أدرك دور المحبّة وتأثيرها على حياة الإنسان وعلى توجّهاته في الحياة الدنيا، اطّلع على حقيقة الأمر وانكشف له السر.
كيفية تحصيل محبّة أهل البيت عليهم السلام
إنّ طريق تحصيل محبّة أهل البيت عليهم السلام ذو شقّين: علميّ وعمليّ.
أما الأوّل: فيكون من خلال معرفتهم ودراسة علومهم وتتبّع آثارهم. ولا شكّ بأنّنا منذ البداية معترفون بالعجز عن الإحاطة بمقامهم. فهم معدن الفضل، وكنوز الرحمن، وأصول الكرم، وباب الله الذي منه يؤتى. وأفضل النصوص الشريفة التي تحدّثت عن صفاتهم "الزيارة الجامعة"22، وإنّ المواظبة على قراءتها والتأمّل في معانيها يفي بالغرض إلى حدٍّ كبير، لما تضمّنته هذه الزيارة من الحقائق والأسرار ما لم تذكره المطوّلات من الكتب والمخطوطات.
أمّا الثاني: فهو العمل من خلال اتّباعهم واتّباع أوامرهم والتحرّك وفق خطّتهم العامّة للبشريّة، والتأسّي بهم. قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾23 فالحبّ الحقيقي لا يُحفظ إلَّا من خلال التقوى والطاعة. فالحبّ يدعو إلى الطاعة والطاعة تزيده قوّةً في القلب. وإذا لم يستجب البدن لدعوة الحبّ، سيرتحل من القلب عمّا قريب. من هنا فإنّ الدعوة إلى التقوى والورع لأمرين أساسين: الأوّل: للحفاظ على الحبّ الموجود. الثاني: لتهيئة الأرضية لتحصيل هذا الحبّ إنْ لم يكن موجوداً:
تعصي الإله وأنت تظهر حبّه***هذا لعمري فـي الفعال بديع
لو كان حبّك صادقاً لأطـعتَه***إنّ المحبّ لمن يُحبّ مطيع24
عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "لن تنالوا ولايتنا إلَّا بالورع، ولن تنالوا ما عند الله تعالى إلَّا بالعمل، وإنّ أشدّ الناس حسرةً يوم القيامة لمن وصف عدلاً وخالفه إلى غيرهِ"25.
وعنه عليه السلام أيضاً أنّه قال: "يا جابر: لا تذهب بك المذاهب، حسب الرجل أن يقول أُحبّ علياً وأتولّاه ثمّ لا يكون مع ذلك فعّالاً! فلو قال إنّي أحبّ رسول الله، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيرٌ من عليّ عليه السلام ثمّ لا يتّبع سيرته، ولا يعمل بسنّته، ما نفعه حبّه إيّاه شيئاً"26.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم في حديثٍ آخر يقول: "يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت؟ فوالله ما شيعتنا إلَّا من اتّقى الله وأطاعه.. إلى أن قال: فاتّقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله ولا بين أحدٍ قرابة، أحبّ العباد إلى الله تعالى وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته. يا جابر: والله ما نتقرَّب إلى الله تعالى إلَّا بالطاعة، ما معنا براءة من النّار، ولا على الله لأحدٍ من حجّة، من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، وما تنال ولايتنا إلاَّ بالعمل والورع"27.
كما وإنّ أشرف الأعمال وأقواها تأثيراً في النفس على صعيد الحبّ أيضاً طاعة وليّهم عليه السلام واتّباعه. كما في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لبعض أصحابه ذات يوم: "يا عبد الله: أحبب في الله وأبغض في الله، ووال في الله وعاد في الله. فإنَّه لا تُنال ولاية الله إلَّا بذلك. ولا يجد رجلٌ طعم الإيمان، وإن كثُرت صلاته وصيامه، حتى يكون كذلك. وقد صارت مؤاخاة الناس في يومكم هذا أكثرها في الدنيا، عليها يتوادّون، وعليها يتباغضون، وذلك لا يُغني عنهم من الله شيئاً. فقال له: وكيف لي أن أعلم أنّي قد واليتُ وعاديتُ في الله عزّ وجل؟ ومن وليّ الله عزّ وجلّ حتى أُواليه؟ ومن عدوّه حتى أُعاديه؟ فأشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمإلى علي عليه السلام وقال: أترى هذا؟ قال: بلى.. قال عليه السلام: "وليّ هذا وليّ الله فواله، وعدوّ هذا عدوّ الله فعاده.. وال وليّ هذا ولو أنّه قاتل أبيك وولدك. وعاد عدوّ هذا ولو أنّه أبوك أو ولدك"28.
وفي حديثٍ آخر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال: "يا حبيش، من سرّه أن يعلم أمحبٌّ لنا أم مبغض، فليمتحن قلبه، فإنْ كان يُحبّ وليّاً لنا فليس بمبغض لنا. وإنْ كان يُبغض وليّاً لنا فليس بمحبّ لنا، إنّ الله تعالى أخذ الميثاق لمحبّينا بمودّتنا، وكتب في الذكر اسم مبغضنا.. نحن النجباء وأفراطنا أفراط الأنبياء"29. فأهل البيت عليهم السلام وإنْ غابوا، فإنّ أولياءهم موجودون بيننا، وقد قامت حجّتهم. فهذا الإمام القائد الخامنئي حجّة الله على المسلمين حامل راية الولاية. وهذا هو السيّد حسن في لبنان رافع لواء الجهاد والمقاومة. وهؤلاء هم المجاهدون المضحّون الذين سلكوا طريق الشهادة.
ومن الأعمال الصالحة والشريفة أيضاً، الدعاء بالفرج لقائمهم عجل الله تعالى فرجه الشريف والمواظبة على زيارتهم والتوسّل بهم، فممّا لا شكّ فيه أنّ له أثراً بالغاً في تأجيج المحبّة في القلب.
الحذر من الوقوع في الغلو
في الختام نُشير إلى مسألة مهمّة ينبغي التوقّف عندها وهي مسألة الغلو في محبّة أهل البيت عليهم السلام. فالبعض يذهب إلى حدّ المبالغة والإفراط في محبّتهم إلى حدّ الوقوع في الشرك، وإلحاق البدع بتعاليم هذا الدِّين الحنيف وشرعه المنير، فحلّلوا حرامه وحرّموا حلاله باسم محبّة الأطهار عليهم السلام. وفي المقابل كانت روايات وتعاليم أهل بيت العصمة والطهارة في المرصاد لتضع الأمور في مواضعها الصحيحة فلا إفراط ولا تفريط في محبّتهم عليهم السلام. فقد روي عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: "لا تتجاوزوا بنا العبوديَّةَ ثمّ قولوا ما شئتم ولا تَغُلُّوا وإِيّاكم والْغُلُوَّ كَغُلُوِّ النَّصَارَى فَإِنِّي بَرِيءٌ مِنَ الْغَالِين"30.
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "لعن اللّه من قال فينا ما لا نقوله في أنفسنا، لعن اللّه من أزالنا عن العبودية للّه الذي خلقنا، وإليه مآبنا ومعادنا ، وبيده نواصينا"31.
هذه الأحاديث وغيرها تُعتبر ميزاناً دقيقاً لكلّ الآراء والأفكار والتوجّهات حول أهل البيت عليهم السلام. فمن اتبع كلامهم بصدق وإحسان، وسلك درب الطاعة والعبودية لهم، وعرف بدقّة الحدّ بين العبد والرب، أي بين المخلوق والخالق لم يقع في الحيرة والضلالة والبدع أبداً.
* طلائع القلوب، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة سبأ، الآية 47.
2- سورة الشورى، الآية 23.
3- سورة سبأ، الآية 47.
4- سورة الفرقان، الآية 57.
5- سورة البقرة، الآية 189.
6- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج27، ص34.
7- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج37، ص272.
8- م. ن، ج39، ص42.
9- الشيخ الكليني، الكافي، ج1،ص187.
10- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج7، ص221.
11- الصدوق، الأمالي، ج1، ص 161.
12- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج36، ص302.
13- سورة الرعد، الآية 28.
14- المتقي الهندي، كنز العمال، ج2، ص442.
15- الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص194.
16- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج27، ص164.
17- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج27، ص91.
18- م. ن، ج23، ص233.
19- م. ن، ج65، ص100.
20- م. ن، ج44، ص60.
21- م. ن، ج23، ص116.
22- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 7، ص 221.
23- سورة آل عمران، الآية 31.
24- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 47، ص 42.
25- م. ن، ج68،ص187.
26- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص74.
27- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص234.
28- م.ن، ج16، ص178.
29- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج27، ص53.
30- م.ن، ج4، ص303.
إفشاء السرّ
قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيل﴾1.
تنتقد هذه الآية أناساً كانوا يفشون ويذيعون ما يسمعونه من أخبار السلم والحرب من دون الرجوع إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البصائر والدراية ممن يعتمد عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك للأثر السلبي الذي ينتج عن إفشاء هذه المعلومات والضرر اللاحق بالمسلمين من خلال ذلك.
من هذه الآية أنطلق للحديث عن آفَّة من الآفات التي لها انعكاسات خطرة على الناس أو ما عُبِّر عنه في بعض الأحاديث بــ "الإذاعة".
معنى إفشاء السرّ
إنّ الإفشاء والإذاعة يأتيان بالمعنى المقابل للكتمان، ويدوران حول السرّ الذي لا يرضى صاحبه بكشفه وإظهاره، سواء كان قولاً أو فعلاً أو حالةً.
الإفشاء بين السلب والإيجاب
دعا الإسلام في خطوطه العريضة إلى إفشاء الخير والصلاح والسلام، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "أفشوا السلام، وأطيبوا الكلام، وصلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنّة بسلام"2.
كما نهى في خطوطه العريضة عن إفشاء أسرار الناس وإذاعتها، فعن الإمام الحسن العسكري عليه السلام: "إيّاك والإذاعة وطلب الرئاسة، فإنّهما يدعوان إلى الهلكة"3.
أسباب إذاعة السرّ
إنّ دوافع الإنسان لإذاعة أسرار الآخرين عديدة، فقد تكون للانتقام منه لما يُسبِّبه إفشاء سرّه من تعريضه للإهانة له والتنكيل به وما شابه، وقد تكون بسبب عقدة نقص لدى المذيع، فيريد من إذاعة الأسرار إعلام الآخرين بأنّ لديه معلومات ومعرفة وإطلاع أكثر من غيره، وقد يكون بسبب جهله وعدم إدراكه بالمفاسد المترتِّبة على ذلك الإفشاء، وقد يكون بدواعٍ أخرى تنطلق من عدم كمال العقل أو نقصان في الإيمان، ولعلّه لذلك أكّدت الأحاديث على أنّ الكتمان من صفات أهل العقل والإيمان.
الكتمان صفة العاقل المؤمن
أشارت الأحاديث الشريفة إلى إنّ من المواصفات الأساسية للإنسان العاقل فضلاً عن المؤمن هو أن يكون حافظاً للسرّ، فعن الإمام علي عليه السلام: "صدر العاقل صندوق سرِّه"4.
لذا ورد أنّه قيل لأحد العقلاء: كيف حِفْظُك للسرِّ؟ فأجاب: أنا قبره. ومن لطيف ما قيل: صدور الأبرار قبور الأسرار5.
وقد أشار الإمام علي عليه السلام إلى ارتباط صفة الكتمان بسعادة الإنسان، فعنه عليه السلام: "الكتمان طرف من السعادة"6.
وفي نفس الإطار أشار في حديث آخر إلى علاقة الكتمان بنجاح الإنسان في حياته، فعنه عليه السلام: "أنجح الأمور ما أحاط به الكتمان"7.
وفي السياق ذاته ورد أنّه عليه السلام قال: "جمع خير الدنيا والآخرة في كتمان السرّ ومصادقة الأخيار، وجمع الشرّ في الإذاعة ومؤاخاة الأشرار"8.
ولأهميّة صفة كتمان السرّ ربط الإمام الرضا عليه السلام بينها وبين الإيمان، فعنه عليه السلام: "لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون فيه ثلاث خصال: سنّة من ربّه، وسنّة من نبيّه، وسنّة من وليّه، فالسُّنّة من ربّه كتمان سرِّه..."9.
أنواع الكتمان المطلوب
1- كتمان سرّ نفسه
دعت الأحاديث الشريفة الإنسانَ أن يكون حافظاً لسرِّه في موردين:
الأول: حينما يتعلّق نجاح عمله بالكتمان، وهذا له مصاديق كثيرة في أعمال الإنسان التي قد لا تحقّق أهدافه بسبب تدخّلات الناس الذين يعلمون بالأمر، لذا ورد عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: "أنجح الأمور ما أحاط به الكتمان"10.
وسبب ذلك أنَّ علم الآخرين بسرِّ عمله يُكثر من المؤثّرين به، وبالتالي لا يعود مسلَّطًا على تحقيق النجاح، وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: "من كتم سرّه كانت الخيرة بيده"11.
الثاني: حينما يكون إفشاؤه لسرِّ نفسه يؤثِّر سلبيًّا على كرامته وسمعته ونظرة الآخرين إليه، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله عزّ وجلّ فوّض للمؤمن أموره كلّها، ولم يفوِّض إليه أن يذلّ نفسه..."12.
من هنا ينبغي على المؤمنين عدم التحدُّث عن ماضيهم السيِّء، حتى ولو أرادوا أن يبيّنوا بذلك أنّهم قد اهتدوا إلى الإيمان بعد الضلال.
إضافةً إلى أنّ حفظ الإنسان لسرِّ نفسه يعزِّز فيه منقبة كتمان السرِّ بالنسبة للآخرين ففي الحديث: "من ضعف عن سرِّه لم يقوَ لسرِّ غيره"13.
قال الشاعر:
إذا المرء أفشى سرّه بلسانه***ولامه عليه غيره فهو أحمقُ
إذا ضاق صدر المرء عن سرِّ نفسه***فصدر الذي استودعه السرّ أضيق
2- كتمان الأسرار العائلية
كثيراً من الأحيان يصدر من الإنسان في محيط عائلته الخاصّ تصرّفات وأقوال لا يفعلها خارج العائلة، ولا يرضى بمعرفة الآخرين عنها، كما أنه قد يُدلي ويُفضي بأمور خاصّة تعدّ من الأسرار العائليّة، وهذا ما يجب الالتفات إليه من جميع أفراد الأسرة.
وقد حذَّرت الأحاديث الشريفة من هذا الأمر، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ من شرّ الناس منزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي، إليه ثم ينشر أحدهما سرَّ صاحبه"14.
ولا بدّ من التأكيد عن هذا الأمر حين حصول خصومة بين الزوج والزوجة، أو طلاق، فمن القبيح والمعيب على الإنسان حينما يخرج من حالة الوئام مع الآخر، وتحصل خصومة بينهما أو طلاق أن يتناوله بفضح عيوبه وأسراره. قال الشاعر:
وترى الكريم إذا تصرَّم وصله*** يُخفي القبيح ويظهر الإحسانا
وترى اللئيم إذا تقضّى وصله*** يخفي الجميل ويظهر البهتانا15
3- كتمان أسرار الآخرين
عن الإمام الصادق عليه السلام: "المجالس بالأمانة، وليس لأحدٍ أن يحدِّث بحديث يكتمه صاحبه إلاّ بإذنه، إلا أن يكون ثقة أو ذكرًا له بخير"16.
فعلى الطبيب أن لا يفشي سرَّ مرض من يُعانيه، وعلى العامل في المختبر أن لا يُعلم الآخرين عن نتائج فحوصات من خضع لها، وعلى الموظّف في المصرف (البنك) أن لا يعلن كم يملك المودِع من مال، وعلى المحقِّق والقاضي أن يحتفظ بأسرار من يحقِّق معه أو يقاضيه، وعلى العالِم أن يكتم ما أسرَّ إليه المؤمنون الواثقون به، وهكذا.
4- كتمان الأسرار الخطيرة
من أهمّ الموارد التي تشدَّدت فيها الشريعة في ضرورة الكتمان وحرمة الإفشاء هي الأمور ذات الطابع الخطير كالأسرار الأمنيّة والعكسريّة، والتي قد تؤدّي معرفة العدوّ بها إلى الإضرار بالمؤمنين والتنكيل بهم وإضعاف شوكتهم، وفي هذا الإطار ورد عن الإمام الصادق عليه السلام تفسيرٌ لقوله تعالى: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾17، هو: "والله ما قتلوهم بأيديهم ولا ضربوهم بأسيافهم، ولكنّهم سمعوا أحاديثهم فأذاعوها، فأُخذوا عليها فقتلوا، فصار قتلاً واعتداءً ومعصيةً"18.
وحول خطورة الإفشاء عن المعلومات الأمنيّة التي تسبِّب خطراً على مسيرة أهل الإيمان وردت أحاديث عديدة عن الإمام الصادق عليه السلام الذي كانت السلطات في عصره تبحث عن معلومات أمنيّة عن الإمام عليه السلام وأنصاره، ليكون لها ذريعة في التنكيل بهم، ومن هذه الأحاديث:
- "كتمان سرّنا جهاد في سبيل الله"19.
- "من أذاع علينا حديثنا، فهو بمنزلة من جحدنا حقّنا"20.
- "من استفتح نهاره بإذاعة سرّنا سلّط الله عليه حرّ الحديد، وضيق المحابس"21.
- "والله، إنّ أحبّ أصحابي إليّ أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا"22.
فمن الواضح أنّ المراد من إذاعة حديثهم هو إذاعة المعلومات الأمنيّة التي تضرّ بهم وشيعتهم، ولا يُراد منها الأسرار المعرفيّة الباطنيّة كما قد يُتوهَّم، فهم عليهم السلام لم يكونوا باطنيين، ولم تكن أحاديثهم باطنيّة، بل معارفهم واضحة منشورة وضوح الشمس في رابعة النهار.
وأخيرًا
إنّ خطورة إفشاء السرّ تزداد في عصرنا في ظلّ تطوّر وسائل التواصل الاجتماعيّ، ممّا يدعو للتنبّه والحذر الشديدين تجنّبًا لعواقب قد لا تكون محسوبة، ولتبقَ وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاضرة قبل اي قول أو خطوة: "إذا أنت هممت بأمرٍ فتدبَّر عاقبته"23.
* لا تقربوا، سماحة الشيخ أكرم بركات، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة النساء، الآية ٨٣.
2- الكلينيّ، محمّد، الكافي، ج٢، ص ٦٤٥.
3- المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج٥٠، ص ٢٩٧.
4- ابن أبي طالب، الإمام علي، نهج البلاغة، ج٤، ص ٤.
5- الطهراني، علي، مقتنيات الدرر، (لا،ط)، طهران، محمد الآخوندي، ١٣٣٧هـ.ش، ج٣، ص ١٤٤.
6- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج٧٥، ص ٦٣.
7- الواسطي، علي، عيون الحكم والمواعظ، ص ١٢٣.
8- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج ٧١، ص ١٧٨.
9- الصدوق، محمد، الخصال، ص ٨٢.
10- الواسطي، علي، عيون الحكم والمواعظ، ص ١٢٣.
11- الصدوق، محمد، الأمالي، ص ٣٨٠.
12- الكليني، محمد، الكافي، ج٥، ص ٦٣.
13- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج٢، ص ١٢٨٢.
14- الشعراني، عبد الوهاب، العهود المحمدية، ط٢، مصر، مصطفى البابي، ١٣٩٣هـ، ص ٧٦١. العجلوني، اسماعيل، كشف الخفاء، ط٣، بيروت، دار الكتب العلمية، ١٤٠٨هـ، ج٢، ص ١٩٨.
15- الفيض الكاشاني، محمد، المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء، ط٢، قم، مهر، (لا،ت)، ج٣، ص ٣٢٩.
16- الكليني، محمد، الكافي، ج٢، ص ٦٦٠.
17- سورة آل عمران، الآية ٢١.
18- الكليني، محمد، الكافي، ج٢، ص ٣٧١.
19- المجلسيّ، محمد باقر، بحار الأنوار، ج٧٢، ص ٧٠.
20- الكليني، محمد، الكافي، ج٢، ص ٣٧٠.
21- المصدر السابق، ص ٣٧٢.
22- المصدر السابق، ص ٢٢٣.
23- الكليني، محمد، الكافي، ج٨، ص ١٥٠.
13 ميدالية من نصيب الايرانيين في معرض ماليزيا للاختراعات
حصد المخترعون الإيرانيون في الدورة الثامنة والعشرين من المعرض الدولي للتكنولوجيا والاختراع 13 ميدالية ذهبية وفضية وبرونزیة.
وبدأت اعمال المعرض الدولي الثامن والعشرين للاختراعات والابتكارات والتقنية (إيتيكس) الذي أقيم في ماليزيا خلال الفترة من 10 إلى 12 مايو الجاري، بمشاركة مجموعة من المخترعين والمبتكرين الشباب الإيرانيین.
وكان فريق التحكيم الدولي في المعرض يتكون من 90 أستاذ متخصص من مختلف الجامعات في ماليزيا حيث حصل فريق من 15 عضوا من المراهقين والشباب المخترعين والمبتكرين من إيران في البطولة الدولية الماليزية على خمس ميداليات ذهبية و 6 فضية و 2 برونزية.
ومنحت الميداليات الذهبية في بطولة ماليزيا للفائزين مساء الجمعة خلال حفل أقيم في مركز كوالالمبور للمؤتمرات ومنحت الميداليات الفضية والبرونزية للفائزين صباح اليوم السبت.
وحصل المتسابقون على الميداليات الذهبية لاختراعاتهم المختلفة في عدة مجالات منهم آرمان یوسفیان والدکتور شهریار طاووسی تفرشی و مسعود شفقی لاختراع نانو المرشحات لتصفية المياه ، وامیر رضا بیری لاختراعه شاحن للهواتف المحمولة يستخدم لمرة واحدة ومحمد احمدی سیاه بوش ویاسین جمایی نجاد و حسام الدین تهیدست لاختراعهما مقعد المرحاض الذكي مع زاوية قابلة للتعديل ومرتضی اسکندری لاختراعه دراجة متطورة باستخدام التقنيات الحديثة وملیکا محمد صالحی لاختراعها النظارات الذكية.
وقد حصل المتسابقون ايضا على الميداليات الفضية لاختراعاتهم المختلقة مثل امیر عرب لاختراعه نظام جديد لإعادة تدوير البطاريات البلاستيكية ویاسین جمایی نجاد وحسام الدین تهیدست و محمد احمدی سیاه بوش لاختراعهم نظام دفع الضرائب الذكي للسيارات وایلیا شاه محمدی لاختراعه خلاط ذكي لطهي الطعام وکتایون بیشغاهی لاختراعها اسمنت قابل للتنطيف الذاتي للشركات المولدة للتلوث والهه حبیب نیا لاختراعها نظام تصفية ذكي لامتصاص الملوثات وغزاله میرزایی ومهتا امیر بیغي لاختراعهما النافذة الذكية.
وقد حصل على الميدالية البرونزية في هذه البطولة كل من مليكا دل افروز لاختراعها محفظة ذكية ومحمد مبين كشاورز لاختراعه نظام جديد للتهوية الذكية.
السيد نصرالله: الصهاينة سيبنون الكثير من الجدران
أكد الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد نصر الله ان بناء الجدار على الحدود اللبنانية الفلسطينية هو اعتراف بهزيمة "اسرائيل" ومشاريعها واطماعها في المنطقة، مشددا على ان الصهاينة سيبنون الكثير من الجدران.
ولفت السيد نصر الله في كلمة له في الاحتفال الذي يقيمه حزب الله في الذكرى السنوية الاولى لاستشهاد القائد الجهادي السيد مصطفى بدر الدين(السيد ذوالفقار)، ان الشهيد الحبيب كان مضحيا في الشدائد، وقائدا في تحرير الارض واسترجاع الاسرى بكرامة وقائدا في تفكيك شبكات العملاء والتكفيريين وفي الدفاع عن محور المقاومة.
السيد نصرالله: سنكمل طريق السيد ذو الفقار ونبلغ غايته ان شاء الله
وأشار سماحته الى أن الشهيد ذو الفقار كان قائداً في تحرير الارض واسترجاع الاسرى بكرامة وتفكيك شبكات العملاء والتكفيريين والدفاع عن الوجود والكرامة ومحور المقاومة. وأضاف "كان عام 1996 قائد معركتنا في مواجهة عناقيد الغضب الصهيونية والتي هزمت بها "اسرائيل" واتفق فيها على تفاهم نيسان الذي اسس للتحرير عام 2000". وتابع القول "السيد ذو الفقار كان قائد مجاهدينا في سوريا وانتصارات مقاومتنا الى جانب الجيش السوري وكل الحلفاء أكثر من خمسة أعوام وألحق الهزيمة بجماعات التكفير".
وأكد السيد نصر الله أن "السيد ذور الفقار يبقى قائداً ملهمًا أجل شأناً وأبهى صورة من أن يصل اليه غبار من ضوضاء "اسرائيل" وإعلام السعودية"، وشدد على أنه "سنكمل طريقه ونبلغ غايته ان شاء الله".
السيد نصرالله: عندما تختبئ "اسرائيل" وجيشها خلف الجدران العالية أصبحت ضعيفة
وفيما لفت سماحته الى أن "بناء العدو جدار قرب الحدود اعتراف بانتصار لبنان الساحق وهزيمة "اسرائيل" ومشاريعها وأطماعها"، أكد ان "إجراءات العدو "الإسرائيلي" الهشة هي التي سرعت ببناء الجدار قرب الحدود الجنوبية للبنان"، وأشار الى أن "بناء الجدار قرب الحدود دليل على هزيمة "إسرائيل" الساحق وسقوط مشروع "إسرائيل" الكبرى".
واعتبر سماحته أنه "عندما تختبئ "اسرائيل" وجيشها خلف الجدران العالية أصبحت ضعيفة وهي تكشف عن الحقيقة التي قيلت في مثل هذه الأيام عام 2000 انها اوهن من بيت العنكبوت"، وأضاف "بناء الجدران قرب الحدود يؤكد ان العدو "الاسرائيلي" خائف وقلق من أي مواجهة مقبلة".
السيد نصرالله: في أي مواجهة داخل الارض الفلسطينية المحتلة لن يكون هناك مكان بمنأى لا عن صواريخ المقاومة ولا عن أقدام المقاومين
وعن التهويل "الاسرائيلي" بشن حرب على لبنان، قال السيد نصر الله ""اسرائيل" تهول بشن عدوان على لبنان منذ عشر سنوات ولا تنفذ كلامها"، وأضاف "في أي مواجهة داخل الارض الفلسطينية المحتلة لن يكون هناك مكان بمنأى لا عن صواريخ المقاومة ولا عن أقدام المقاومين".
واذ دعا سماحته اللبنانيين الى أن يعيشوا حياتهم بشكل طبيعي، قال "ثقوا بقوتكم وأنفسكم وجيشكم ومقاومتكم وبمعادلتكم الذهبية".
السيد نصرالله: هل سيكون للأسرى الفلسطينيين مكان في القمة العربية والإسلامية مع ترامب في السعودية؟
وحول معركة الحرية والكرامة للاسرى الفلسطينيين، قال سماحته "ننحني باحترام وتعظيم أمام إضراب الأسرى الفلسطينيين عن الطعام في السجون "الإسرائيلية"، وسأل "هل سيكون للأسرى الفلسطينيين مكان في القمة العربية والإسلامية مع ترامب في السعودية؟".
السيد نصرالله: الحدود الشرقية مع سوريا أصبحت آمنة بدرجة كبيرة
وفيما أعلن السيد نصر الله أن "الحدود الشرقية مع سوريا أصبحت آمنة بدرجة كبيرة"، قال "لم يعد من داع لوجودنا على الحدود الشرقية للبنان بعد أن باتت آمنة وفككنا قواعدنا هناك". وأضاف "المهمة المتعلقة بالحدود الشرقية انجزت والآن المسؤولية مسؤولية الدولة".
ورأى سماحته أن "الدولة يجب أن تبادر وتعرف ان هناك قرية اسمها الطفيل كانت في دائرة الخطر اصبحت الآن آمنة مستقرة وهادئة مطمئنة"، وأشار الى أن وجود حزب الله العسكري في القرى المحاذية للحدود السورية لا يتنافى مع دور الدولة في تقديم المساعدة لسكانها".
السيد نصرالله ردًا على اتهام حزب الله بالسعي للتغيير الديموغرافي: كل المنطقة الحدودية السورية لا يزال اهلها فيها
وعن اتهام حزب الله بالسعي للتغيير الديموغرافي، ردّ سماحته بالقول "أنتم من يتهمنا بالتغيير الديموغرافي نحن نستعجل عودة أهل الطفيل الى بلدتهم"، وأضاف "كل المنطقة الحدودية السورية لا يزال اهلها فيها"، وشدد على أن "الجماعات المسلحة التي تمارس التطهير العرقي هي الجماعات الموالية لتركيا والسعودية وقطر وأمريكا".
السيد نصرالله للمسلحين الموجودين في جرود القلمون: لا أفق لمعركتكم
وبخصوص المسلحين في جرود القلمون، أكد سماحته أن لا أفق لمعركة المسلحين الموجودين في جرود القلمون، وأضاف "نحن جاهزون لأن نضمن تسوية تخرجون بموجبها"، معلناً عن جهوزية حزب الله للتفاوض على الاماكن التي سيذهب اليها المسلحون وعائلاتهم لاقفال هذا الملف.
السيد نصرالله عن قانون الانتخاب: هناك أمل حقيقي في الوصول الى قانون جديد
أما فيما يتعلق بقانون الانتخاب، اعتبر السيد نصر الله أن "هناك أملاً حقيقياً في الوصول الى قانون انتخاب جديد والامور اقتربت كثيراً من بعضها البعض"، ودعا لمواصلة الحوار وتهدئة الخطاب السياسي في البلد واستنفاد كل الفرصة الزمنية للوصول الى قانون انتخاب جديد".
السيد نصرالله: حلفاء سوريا في سوريا هم أكثر انسجاماً وتفاهمًا في هذه المرحلة من أي وقت مضى
ورحّب سماحته بأي وقف اطلاق نار في سوريا توافق عليه القيادة السورية، واعتبر أن "أي فرصة لحقن الدماء في سوريا هي إيجابية ويجب اغتنامها"، ولفت الى أنه "في كل ما يجري في سوريا لسناً طرفا لا في التفاوض الامني ولا السياسي"، وشدد على أن "حلفاء سوريا في سوريا هم أكثر انسجاماً وتفاهمًا في هذه المرحلة من أي وقت مضى"، وأكد أنه "دخلنا الى مرحلة جديدة وحساسة في سوريا والجماعات المسلحة بالعموم باتت في أسوأ حال".
السيد نصرالله لولي ولي العهد السعودي: خروج الامام المهدي (عج) أمر قطعي وسيخرج من مكة المكرمة وعندما يخرج لن يبقى ملك ظالم ولا طاغية
وعلّق السيد نصرالله على كلام ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وقال "موضوع الامام المهدي (ع) يجمع عليه المسلمون"، وأضاف "الامام المهدي (ع) الذي ينتظره المسلمون جميعًا سيخرج من مكة لا من طهران ولا من دمشق ولا من بيروت".
وتابع سماحته القول "انت (لولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان) تقول ان مشكلتك ليست سياسية تخوض حرباً دينية وتحول النزاع السياسي الى نزاع طائفي ومذهبي"، وأضاف "خروج الامام المهدي (عج) أمر قطعي وسيخرج من مكة المكرمة وسيواليه أهل شبه الحزيرة العربية وعندما يخرج لن يبقى ملك ظالم ولا طاغية وسيملأ الارض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلأت ظلماً وجوراً وهذا اليوم آت ولن تستطيع أنت ولا أولادك ولا أحفادك أن تغيّر شيئاً من هذا القدر الالهي".
الامام المهدي(عليه السلام) في روايات اهل السنة
المدخل
الإيمان بحتمية ظهور المصلح العالمي ودولته العادلة لا يختصّ بالأديان السماوية، بل يشمل المدارس الفكرية والفلسفية غير الدينية، فالمادية الجدلية التي فسّرت التاريخ على أساس التناقضات، تؤمن بأن هناك يوماً موعوداً تتلاشى فيه التناقضات ويسوده الوئام والسلام [1] .
كما نجد عدداً من المفكّرين غير الدينيين يذهبون إلى هذه الحتمية، فمثلاً يقول المفكّر البريطاني الشهير برتراندراسل : (إن العالم في انتظار مصلح يوحّده تحت لواء واحد وشعار واحد) [2] .
وبنفس هذا المعنى يقول العالم الفيزياوي المعروف آلبرت أنشتاين: (إن اليوم الذي يسود العالم كلّه فيه السلام والصفاء ويكون الناس متحابّين متآخين ليس ببعيد) [3] .
أما المفكّر الايرلندي برناردشو فقد صرّح بأكثر من هذين التصريحين وأدقّ منهما، فقال في وصفه للمصلح ولزوم أن يكون عمره طويلاً قبل ظهوره: (إنه إنسان حيّ ذو بنية جسدية صحيحة وطاقة عقلية خارقة، إنسان أعلى يترقى إليه هذا الإنسان الأدنى بعد جهد طويل، وأنه يطول عمره حتى ينيف على ثلاثمائة سنة، ويستطيع أن ينتفع بما استجمعه من أطوار حياته الطويلة) [4] .
أما الديانات السماوية فقد أشارت إلى حتمية ظهور المصلح العالمي، والمتتبع للبشارات السماوية في الكتب المقدّسة سيجدها تهدي إلى أن هذا المصلح هو المهدي الذي يقول به مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ، كما أثبتته دراسات متعددة في نصوص تلك البشارات [5] .
فقد تناول القاضي الساباطي إحدى البشارات الواردة في كتاب أشعيا من العهد القديم من الكتاب المقدّس بشأن المصلح العالمي، وقال: هذا نص صريح في المهدي(عليه السلام) ، إلى أن قال:
وقال الإماميون: بل هو محمد بن الحسن العسكري الذي ولد سنة خمس وخمسين ومائتين، من جارية للحسن العسكري اسمها نرجس، في (سُر من رأى) في عصر المعتمد ثم غاب سنة [6] ثم ظهر ثم غاب وهي الغيبة الكبرى ، ولا يرجع بعدها إلاّ حين يريد الله تعالى.
ولما كان قولهم أقرب لما يتناوله هذا النص وإن هدفي الدفاع عن اُمّة محمد(صلى الله عليه وآله)، مع قطع النظر عن التعصّب لمذهب، لذلك ذكرت لك أن ما يدّعيه الإمامية يتطابق مع هذا النص [7] .
كما توصّل العلاّمة محمد رضا فخر الإسلام، الذي كان نصرانيّاً واعتنق الإسلام وانتمى إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ، إلى نفس النتيجة التي توصل إليها الساباطي ، وقد أ لّف كتاباً موسوعيّاً (أنيس الإسلام) في الردّ على اليهود والنصارى وتناول في دراسته البشارات; وانتهى بأنها تنطبق على المهدي بن الحسن العسكري(عليه السلام) [8] .
فالذي يمعن النظر في نصوص تلك البشارات; يجد أنها تقدّم مواصفات للمصلح العالمي لا تنطبق على غير المهدي المنتظر، طبقاً لعقيدة مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)، لذلك فإن مَن لم يتعرّف على هذه العقيدة لا يستطيع التوصّل إلى المصداق الذي تتحدث عنه تلك البشارات ، كما نلاحظ ذلك مثلاً في أقوال مفسّري الإنجيل بشأن الفقرات من (1 ـ 17) من سفر الرؤيا، الفصل الثاني عشر (مكاشفات يوحنا اللاهوتي)، فهم يصرّحون بأن الشخص الذي تتحدث عنه البشارات الواردة في هذه الفقرات لم يُولد بعد، لذا فإن تفسيرها الواضح ومعناها البيِّن موكول إلى المستقبل والزمان المجهول الذي سيظهر فيه [9] .
وهناك عدد من علماء أهل السنّة يذهبون إلى نفس تلك الدراسات ونتائجها ، فقد اهتدى مثلاً الاُستاذ سعيد أيوب بأن المصداق الذي تتحدث عنه الفقرات السابقة من سفر الرؤيا، هو المصداق الذي تعتقده مدرسة أهل البيت، إذ يقول: (مكتوب في أسفار الأنبياء، المهدي ما في عمله عيب) ، ثم علّق على هذا النصّ بالقول: (وأشهد أني وجدته كذلك في كتب أهل الكتاب لقد تتبع أهل الكتاب أخبار المهدي كما تتبعوا أخبار جدّه(صلى الله عليه وآله) ، فدلّت أخبار سفر الرؤيا إلى امرأة، يخرج من صلبها إثنا عشر رجلاً)، ثم أشار إلى امرأة اُخرى، أي التي تلد الرجل الأخير الذي هو من صلب جدّته، وقال السِفر: إن هذه المرأة ستحيط بها المخاطر، ورمز للمخاطر باسم «التنين» وقال: (والتنين وقف أمام المرأة العتيدة حتى تلد، يبتلع ولدها متى ولدت) [10] .
أي أن السلطة كانت تريد قتل هذا الغلام، ولكن بعد ولادة الطفل; يقول باركلي في تفسيره: (عندما هجمت عليها المخاطر اختطف الله ولدها وحفظه) . والنص : (واختطف الله ولدها) [11] أي : «إن الله غيّبَ هذا الطفل»، كما في قول باركلي:
وذكر السِفر: (أن غيبة الغلام ستكون ألفاً ومائتين وستين يوماً [12] ، وهي مدّة لها رموزها عند أهل الكتاب، ثم قال باركلي عن نسل المرأة ] الاُولى [ عموماً: إن التنين سيعمل حرباً شرسة مع نسل المرأة، كما قال في السفر:
فغضب التنين على المرأة، وذهب ليضع حرباً مع باقي نسلها، الذين يحفظون وصايا الله) [13] .
وعقب الاستاذ سعيد أيوب على ما تقدم بالقول: هذه هي أوصاف المهدي، وهي نفس أوصافه عند الشيعة الإمامية الإثني عشرية [14] .
ودعم قوله بتعليقات أوردها في الهامش بشأن انطباق الأوصاف على مهدي آل البيت [15] .
لذا فقد أكدت كثير من الدراسات بأن البشارات تومئ إلى شخص المهدي المنتظر بعينه على طبق ما تذهب إليه مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) ، فلنتّجه الآن نحو روايات أهل السنّة التي صدرت في شخص الإمام وهويته، لنلاحظ هل أنها تعدّت التصريح بالعنوان فتحدثت عن شخصه بعد أن حصل التواتر في ظهوره، أم توقفت عند العنوان فقط؟
والجواب: من المعلوم أن الذي يعتقد بالظهور ويقطع بحدوثه، لكن لم يتعيّن له من هو المهدي الموعود آخر الزمان، على طبق الواقع فهذا لا يُعدّ معتقداً بالمهدي، كما تريده الرسالة الإسلامية، لأنه آمن واعتقد بالمهدي كعنوان ، لكنه لا يعتقد بالمضمون، وعملية التجزئة بين الاعتقاد بشخص الإمام وبين الاعتقاد بالظهور تفسد الاعتقاد بالمهدي كالذي يعتقد بوجوب الصلاة ، ولكنه يجهل أركانها.
ولأجل التوصّل إلى معرفة الإمام المهدي بشخصه وعلى طبق الواقع من خلال روايات أهل السنّة، سيتوزع البحث على عدّة اُمور:
الأمر الأول
اعتراف علماء أهل السنّة بولادة الإمام المهدي(عليه السلام)
هناك اعترافات ضافية سجّلها الكثير من أهل السنّة بأقلامهم بولادة الإمام المهدي(عليه السلام)، وقد قام البعض باستقراء هذه الاعترافات في بحوث خاصة، فكانت متصلة الأزمان، بحيث لا تتعذر معاصرة صاحب الاعتراف اللاحق لصاحب الاعتراف السابق بولادة المهدي(عليه السلام)، وذلك ابتداءً من عصر الغيبة الصغرى للإمام المهدي(عليه السلام) (260 هـ ـ 329 هـ ) وإلى الوقت الحاضر.
وسوف نقتصر على ذكر بعضهم ـ ومن أراد التوسعة فعليه مراجعة الاستقراءات السابقة لتلك الاعترافات [16] ـ وهم:
1 ـ ابن الأثير الجزري عز الدين (ت / 630 هـ ) قال في كتابه (الكامل في التاريخ) في حوادث سنة (260 هـ ): «وفيها توفي أبو محمد العلوي العسكري، وهو أحد الأئمة الإثني عشر على مذهب الإمامية، وهو والد محمد الذي يعتقدونه المنتظر» [17] .
2 ـ ابن خلكان المتوفى سنة (681 هـ ) قال في وفيات الأعيان: «أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد المذكور قبله، ثاني عشر الأئمة الإثني عشر على اعتقاد الإمامية المعروف بالحجة... كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين» ثم نقل عن المؤرخ الرحّالة ابن الأزرق الفارقي المتوفى سنة (577 هـ ) أنه قال في تاريخ مَيَّافارقين : «إنّ الحجة المذكور ولد تاسع شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين ومائتين، وقيل في ثامن شعبان سنة ست وخمسين، وهو الأصح» [18] .
أقول: الصحيح في ولادته(عليه السلام) هو ما ذكره ابن خلّكان أولاً، وهو يوم الجمعة منتصف شهر شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وعلى ذلك اتفق جمهور الشيعة، وقد أخرجوا في ذلك روايات صحيحة في ذلك مع شهادة أعلامهم المتقدمين ، وقد أطلق هذا التاريخ الشيخ الكليني المعاصر للغيبة الصغرى بكاملها تقريباً، إطلاق المسلمات وقدّمه على الروايات الواردة بخلافه، فقال في باب مولده(عليه السلام) : «ولد(عليه السلام) للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين» [19] .
وقد روى الصدوق المتوفى سنة (381 هـ ) عن شيخه محمد بن محمد بن عصام الكليني، عن محمد بن يعقوب الكليني، عن علي ابن محمد بن بندار قال: «ولد الصاحب(عليه السلام) للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين» [20] .
والكليني لم ينسب قوله إلى علي بن محمد لشهرته وحصول الاتفاق عليه.
3 ـ الذهبي المتوفى سنة (748 هـ ) اعترف بولادة المهدي(عليه السلام)في ثلاثة من كتبه، ولم نتتبع كتبه الاُخرى.
قال في كتابه العبر: «وفيها ]أي في سنة 256 هـ [ ولد محمد بن الحسن بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني، أبو القاسم الذي تلقّبه الرافضة الخلف الحجة، وتلقّبه بالمهدي، والمنتظر، وتلقّبه بصاحب الزمان، وهو خاتمة الإثني عشر» [21] .
وقال في تاريخ دول الإسلام في ترجمة الإمام الحسن العسكري:
«الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر الصادق، أبو محمد الهاشمي الحسيني، أحد أئمة الشيعة الذي تدّعي الشيعة عصمتهم، ويقال له: الحسن العسكري، لكونه سكن سامراء، فإنها يقال لها: العسكر، وهو والد منتظر الرافضة، توفي إلى رضوان الله بسامراء في ثامن ربيع الأول سنة ستين ومائتين وله تسع وعشرون سنة، ودفن إلى جانب والده.
وأما ابنه محمد بن الحسن الذي يدعوه الرافضة القائم الخلف الحجة فولد سنة ثمان وخمسين، وقيل: سنة ستّ وخمسين» [22] .
وقال في سير أعلام النبلاء: «المنتظر الشريف أبو القاسم محمد ابن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر ابن زيد العابدين بن علي بن الحسين الشهيد ابن الإمام علي بن أبي طالب، العلوي، الحسيني خاتمة الإثني عشر سيّداً» [23] .
أقول: ما يعنينا من رأي الذهبي في ولادة الإمام المهدي قد بيّناه، وأما عن اعتقاده بالمهدي فهو كما في جميع أقواله الاُخرى كان ينتظر ـ كغيره ـ سراباً كما أوضحناه في مَن يعتقد بكون المهدي (محمد بن عبدالله).
4 ـ ابن الوردي المتوفى سنة (749 هـ ) في ذيل تتمة المختصر المعروف بتاريخ ابن الوردي: «ولد محمد بن الحسن الخالص سنة خمس وخمسين ومائتين» [24] .
5 ـ أحمد بن حجر الهيثمي الشافعي المتوفى سنة (974 هـ ) قال في كتابه (الصواعق المحرقة) في آخر الفصل الثالث من الباب الحادي عشر ما هذا نصّه: «أبو محمد الحسن الخالص، وجعل ابن خلّكان هذا هو العسكري، ولد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين... مات بسُرَّ من رأى، ودفن عند أبيه وعمّه، وعمره ثمان وعشرون سنة، ويقال: إنّه سُمّ أيضاً، ولم يخلّف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لكن أتاه الله فيها الحكمة، ويسمى القائم المنتظر، قيل: لأ نّه سُتِرَ بالمدينة وغاب فلم يعرف أين ذهب» [25] .
6 ـ الشبراوي الشافعي المتوفى سنة (1171 هـ ) صرّح في كتابه (الاتحاف): بولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري(عليه السلام)في ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين من الهجرة [26] .
7 ـ مؤمن بن حسن الشبلنجي المتوفى سنة (1308 هـ ) اعترف في كتابه (نور الأبصار) باسم الإمام المهدي، ونسبه الشريف الطاهر، وكنيته، وألقابه في كلام طويل إلى أن قال: «وهو آخر الأئمة الإثني عشر على ما ذهب إليه الإمامية» [27] .
8 ـ خير الدين الزركلي المتوفى سنة (1396 هـ ) قال في كتابه (الأعلام) في ترجمة الإمام المهدي المنتظر: «محمد بن الحسن العسكري الخالص بن علي الهادي أبو القاسم، آخر الأئمة الإثني عشر عند الإمامية... ولد في سامراء ومات أبوه وله من العمر خمس سنين.. وقيل في تاريخ مولده: ليلة نصف شعبان سنة 255، وفي تاريخ غيبته، سنة 265 هـ » [28] .
أقول: ابتداءً تاريخ الغيبة الصغرى هو 260 هـ ، باتفاق الشيعة أجمع وسائر من أرّخ لتاريخ الغيبة في ما اطّلعنا عليه. ولعلّ ما ورد في الأعلام من غلط المطبعة، لأنّ الزركلي لم يكتب سنة الغيبة كتابةً بل رقماً، واحتمال الغلط في طباعة الأرقام ممكن جداً. إلى غير ذلك من الاعترافات الكثيرة الاُخرى التي لا يسعها البحث [29] .
الأمر الثاني
مـاهـو اسـم الإمـام ونسبه ؟
المتتبع للأحاديث الصحيحة الواردة في اسم ونسب المهدي في كتب أهل السنّة; سيجدها على كثرتها أ نّها تؤكّد حقيقة واحدة هي: أن نسب المهدي يرجع إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ،وأنه من أهل البيت ومن الأئمة الإثني عشر المعصومين، وهو آخرهم ( وهو محمد بن الحسن العسكري(عليه السلام)ابن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي السجاد بن الحسين الشهيد بكربلاء بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام)).
وهو الملقّب بالمهدي المنتظر، المنسجم مع ما تعتقد به الشيعة الإمامية، وإليك الروايات التي تحدّثت عن اسمه ونسبه:
المهدي: كناني، قرشي، هاشمي
عن قتادة، قال قلت لسعيد بن المسيب: المهدي حقّ؟
قال: حقّ.
قلت: ممّن هو؟ قال : من كنانة.
قلت: ثم ممّن؟ قال: من قريش.
قلت: ثم ممّن؟ قال: من بني هاشم [30] .
فالمهدي حسب هذه الرواية إنه كناني، قرشي، هاشمي، ولا فرق بين هذه الألقاب ، لأن كل هاشمي هو من قريش وكل قرشي هو من كنانة، لأن قريشاً هو النضر بن كنانة باتفاق أهل الأنساب.
المهدي من أولاد عبدالمطلب
روى ابن ماجة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «نحن ولد عبدالمطلب سادة أهل الجنة، أنا، وحمزة، وعلي، وجعفر، والحسن، والحسين، والمهدي» [31] .
وبهذه الرواية يكون الإمام المهدي من أولاد عبدالمطلب.
المهدي من ولد أبي طالب
عن سيف بن عُمَير قال: كنت عند أبي جعفر المنصور فقال لي ابتداء: يا سيف بن عميرة! لابدّ من مناد ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب.
فقلت: جعلت فداك يا أمير المؤمنين تروي هذا؟
قال: إي والذي نفسي بيده; لسماع اُذُني له.
فقلت: يا أمير المؤمنين! إن هذا الحديث ما سمعته قبل وقتي هذا.
فقال: يا سيف! إنه لحقّ، وإذا كان فنحن أول من يجيبه، أما إنّ النداء إلى رجل من بني عمّنا.
فقلت: رجل من ولد فاطمة؟ فقال: نعم يا سيف، لولا أنني سمعت من أبي جعفر محمد بن علي يحدّثني به، وحدّثني به أهل الأرض كلهم ما قبلته منهم، ولكنه محمد بن علي [32] .
وهذا الحديث يؤكّد أن الإمام المهدي من ولد أبي طالب.
المهدي من أهل البيت(عليهم السلام) :
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) :
«لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً»، قال: «ثم يخرج رجلٌ من عترتي أو من أهل بيتي يَمْلؤُها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً» [33] .
ومثله عن عبدالله عن النبي(صلى الله عليه وآله) :
«لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» [34] .
عن علي عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «المهديّ منّا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة» [35] .
المهدي من ولد رسول الله(صلى الله عليه وآله) :
عن ابن عمر قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) :
«يخرج في آخر الزمان رجلٌ من ولدي، اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي، يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً فذلك هو المهدي» [36] .
المهدي من ولد فاطمة(عليها السلام) :
1 ـ عن اُمّ سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) عن النبي(صلى الله عليه وآله) : «المهدي حقٌّ وهو من ولد فاطمة» [37] .
2 ـ وعن اُمّ سلمة قالت: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة» [38] .
المهدي من ولد الحسين (عليه السلام) :
عن حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) قال: خطبنا رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فذكّرنا رسول الله بما هو كائن، ثم قال: «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوّل الله عزّ وجلّ ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاًمن وُلدي اسمه اسمي» فقال سلمان الفارسي(رضي الله عنه) : يا رسول الله من أيّ ولدك؟ قال: «من ولدي هذا» وضرب بيده على الحسين(عليه السلام) [39] .
عن أبي سعيد الخدري قال: إن رسول الله(صلى الله عليه وآله) مرض مرضة نقه منها، فدخلت عليه فاطمة(عليها السلام) تعوده وأنا جالس عن يمين رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فلما رأت ما برسول الله(صلى الله عليه وآله) من الضعف خنقتها العبرة حتى بدت دموعها على خدّها، فقال لها رسول الله(صلى الله عليه وآله): «ما يبكيكَ يا فاطمة؟ أما علمت أنّ الله تعالى اطّلع إلى الأرض اطلاعةً فاختار منها أباك فبعثه نبيّاً، ثم اطلع ثانيةً فاختار بعلك، فأوحى اليّ فأنكحته واتخذته وصيّاً، أما علمت أنكِ بكرامة الله تعالى بأنّ أباكِ زوّجك أعلمهم علماً وأكثرهم حلماً وأقدمهم سلماً». فضحكت واستبشرت، فأراد رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن يزيدها مزيد الخير كلّه الذي قَسَمه الله لمحمد وآل محمد، فقال لها: يا فاطمة! ولعلي ثمانية أضراس ـ يعني مناقبـ : إيمان بالله ورسوله، وحكمته، وزوجته، وسبطاه الحسن والحسين، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
«يا فاطمة! إنّا أهل بيت اُعطينا ست خصال لم يعطها أحدٌ من الأولين، ولا يدركها أحدٌ من الآخرين غيرنا أهل البيت: نبيّنا خير الأنبياء وهو أبوكِ، ووصيّنا خير الأوصياء وهو بعلكِ، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عمّ أبيكِ، ومنّا سبطا هذه الاُ مّة وهما ابناكِ، ومنا مهدي الاُ مّة الذي يُصلّي عيسى خلفه، ثم ضرب على منكب الحسين(عليه السلام) فقال: من هذا مهدي الاُمّة» [40] .
اسم والدة الإمام المهدي(عليه السلام) والمهدي من ولد الصادق(عليه السلام)
عن المفسّر اللغوي المعروف بابن الخشاب، قال: حدثني أبو القاسم الطاهر بن هارون بن موسى الكاظم عن أبيه عن جدّه، قال: قال سيدي جعفر بن محمد: «الخلف الصالح من ولدي وهو المهدي اسمه محمد وكنيته أبو القاسم، يخرج في آخر الزمان، يقال لاُ مّه نرجس وعلى رأسه غمامة تظلّه عن الشمس، تدور معه حيثما دار تنادي بصوت فصيح هذا المهدي فاتبعوه» [41] .
المهدي من ولد الرضا (عليه السلام) :
عن الحسن بن خالد، قال : قال علي بن موسى الرضا (عليه السلام): «لا دين لمن لا ورع له، وان أكرمكم عند الله أتقاكم ـ أي أعلمكم بالتقوى ـ ، ثم قال: إن الرابع من ولدي ابن سيدة الإماء يطهّر الله به الأرض من كل جور وظلم...» [42] الحديث
اسم والد الإمام المهدي (عليه السلام)
وأخرج الروياني والطبراني وغيرهما المهدي من ولدي وجهه كالكوكب الدرّيّ ، اللون لون عربي ، والجسم جسم إسرائيلي ـ أي طويل ـ يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، يرضى لخلافته أهل السماء وأهل الأرض . وورد أيضاً في حليته: أنه شاب أكحل العينين أزج الحاجبين أقنى الأنف كثّ اللحية على خدّه الأيمن خال.
وقال الشيخ القطب الغوثي سيدي محيي الدين ابن العربي في الفتوحات : اعلموا أنّه لا بد من خروج المهدي، لكن لا يخرج حتى تملأ الأرض جوراً وظلماً فيملأها قسطاً وعدلاً وهو من عترة رسول الله(صلى الله عليه وآله) من ولد فاطمة رضي الله تعالى عنها، جدّه الحسين بن علي بن أبي طالب ووالده الإمام الحسن العسكري ابن الإمام علي النقي ـ بالنون ـ ابن الإمام محمد التقي ـ بالتاء ـ ابن الإمام علي الرضا ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام زين العابدين علي ابن الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، يواطئ اسمه اسم رسول الله(صلى الله عليه وآله) يبايعه المسلمون بين الركن والمقام ، يشبه رسول الله(صلى الله عليه وآله) في الخَلق ـ بفتح الخاء ـ وقريباً منه في الخُلق ، أسعد الناس به أهل الكوفة ، يقسم المال بالسوية ، ويعدل به في الرعية يمشي الخضر بين يديه [43] .
الأمر الثالث
صفـات الإمـام المهـدي
بعد أن اتضح اسم الإمام المهدي ونسبه، نتناول في هذا الأمر الروايات الواردة في كتب أهل السنّة، حول صفات الإمام(عليه السلام)الجسمية، من حيث صفة الوجه ولونه والشعر وما شابه ذلك، ضمن عدّة روايات.
1 ـ عن أبي سعيد الخدري عن رسول لله(صلى الله عليه وآله) قال: «المهدي منّي أجلى الجبهة أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما مُلئت جوراً وظلماً...» [44] .
2 ـ عن حذيفة قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) :
«المهدي رجلٌ من ولدي وجهه كالقمر الدرّي، اللون لون عربي والجسم جسم اسرائيلي، يملأ الأرض عدلاً، كماملئت جوراً، يرضى بخلافته أهل السماء وأهل الأرض والطير في الهواء...» [45] .
3 ـ عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) :
«المهدي منّا أهل البيت، أشمّ الأنف أقنى، أجلى، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يعيش هكذا ـ وبسط يساره واصبعين من يمينه ـ المسبّحة والإبهام وعقد ثلاث» [46] .
4 ـ عن قتادة عن عبدالله بن الحرث قال: «يخرج المهدي وهو ابن أربعين سنة كأنّه رجل من بني اسرائيل» [47] .
5 ـ عن محمد بن جبير قال: «المهدي أزج، أبلج، أعين، يجيء من الحجاز حتى يستوي على منبر دمشق، وهو ابن ثمان عشرة سنة» [48] .
6 ـ عن عبدالله بن بشير عن كعب قال: «المهدي خاشع لله كخشوع النسر جناحيه» [49] .
7 ـ عن ابن عباس قال: «المهدي شابٌ منّا أهل البيت» [50] .
8 ـ عن عبدالرحمن بن عوف، عن أبيه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «ليبعثنّ الله تعالى من عترتي رجلاً، أفرق الثنايا، أجلى الجبهة، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ويفيض المالَ فيضاً» [51] .
9 ـ عن محمد بن جعفر عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «إن ابني هذا سيّد كما سمّاه رسول الله(صلى الله عليه وآله) سيّداً وسيخرج الله من صلبه رجلاً باسم نبيّكم، يشبهه من الخَلق والخُلق ، يخرج على حين غفلة من الناس، وإماتة للحق وإظهار للجور، والله لو لم يخرج لضربت عُنقه، يفرح بخروجه أهل السماوات وسكّانها، وهو رجلٌ أجلى الجبين، أقنى الأنف، ضخم البطن، أزيل الفخذين، بفخذه اليمنى شامة ، أفلج الثنايا، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً» [52] .
10 ـ عن سليمان بن حبيب قال: سمعت أبا اُمامة الباهلي يقول: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله):
«بينكم وبين الروم أربع هدن في يوم، الرابعة يفتح على يدي رجل من آل هرقل يدوم سبع سنين، فقال له رجل من عبد القيس يقال له المستورد بن غيلان: يا رسول الله! مَن إمام الناس يومئذ؟ قال: المهدي من ولدي ابن أربعين سنة، كأن وجهه كوكب دريّ في خدّه الأيمن خال أسود...» [53] .
11 ـ عن الهيثم بن عبدالرحمن، عن علي بن أبي طالب(عليه السلام)قال: «المهدي مولده بالمدينة، من أهل بيت النبي(صلى الله عليه وآله) واسمه اسم النبي(صلى الله عليه وآله)ومهاجره بيت المقدس، كثّ اللحية أكحل العينين، برّاق الثنايا، في وجهه خال، أقنى أجلى، في كتفه علامة النبي(صلى الله عليه وآله)، رايته من مرط مخملة سوداء مربعة فيها جمم لم تنتشر منذ توفي النبي(صلى الله عليه وآله) ولا تنشر حتى يخرج المهدي(عليه السلام)، يمدّه الله بثلاثة آلاف من الملائكة يضربون وجوه من خالفهم وأدبارهم» [54] .
الأمر الرابع
مقام الإمام المهدي(عليه السلام) عند الله تعالى
بعد أن عرفنا اسم الإمام المهدي وصفاته، نتحدث في هذه الفقرة عن القيمة الإلهية التي يكتسبها الإمام المهدي(عليه السلام)، والموقع الإلهي الذي ينطلق منه لأداء مهمّته، وكونه الخليفة الحق الموعود، الذي تجب طاعته بأمر منه سبحانه، ضمن عدّة روايات.
1 ـ عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: «نحن ولد عبدالمطلب سادة أهل الجنة، أنا، وحمزة، وعلي، وجعفر، والحسن، والحسين، والمهدي» [55] .
2 ـ عن ابن عباس عن النبي(صلى الله عليه وآله): «المهدي طاووس أهل الجنة» [56] .
3 ـ عن أبي هريرة عن النبي(صلى الله عليه وآله)، قال: «يكون في هذه الاُمّة خليفة، لا يَفْضُلُ عليه أبو بكر ولا عمر» [57] .
4 ـ عن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «يخرج المهدي على رأسه غَمامَةٌ، فيها مناد ينادي: هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه» [58] .
5 ـ عن عبدالله بن عمرو عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: «يخرج المهدي وعلى رأسه ملكٌ ينادي: إنّ هذا المهدي فاتبعوه» [59] .
الأمر الخامس
المهدي(عليه السلام) خليفة الله وخاتم الأئمة
إذا كان الإمام المهدي الموعود هو محمد بن الحسن العسكري(عليه السلام) ، ومقامه عند الله هو الخليفة الحق الذي تجب طاعته.
عندئذ نتساءل: هل هناك إمام يأتي بعده، أم هو آخر الخلفاء من أئمّة أهل البيت(عليهم السلام)وخاتمهم، طبقاً لما تعتقده الشيعة الإمامية وتنتظره؟
الروايات الآتية الواردة في كتب أهل السنّة، تتحدث عن كون المهدي الموعود هو خاتم الأئمّة والخلفاء(عليهم السلام).
1 ـ عن ثوبان قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلّهم ابن خليفة، ثم لا تصير إلى واحدة منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونهم قتلاً لم يقتله قوم، ـ ثم ذكر شيئاً لا أحفظه ـ قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي» [60] .
2 ـ عن علي بن أبي طالب(عليه السلام)، قال: قلت يا رسول الله(صلى الله عليه وآله): المهدي منا أئمّة الهدى أم من غيرنا؟ قال: «بل منّا، بنا يختم الدين، كمابنا فَتَح،وبنا يُستنقذون من ضلالة الفتنة، كما استُنقِذوا من ضلالة الشرك،وبنا يؤلّف الله بين قلوبهم في الدين بعد عداوة الفتنة، كما أ لّف الله بين قلوبهم ودينه بعد عداوة الشرك» [61] .
3 ـ وقال ابن حجر الهيثمي ـ المتوفّى سنة 974 هـ ـ : «قال أبو الحسين الآبري: قد تواترت الأخبار، واستفاضت بكثرة رواتها، عن المصطفى(صلى الله عليه وآله)بخروجه ـ أي المهديّ ـ وأنّه من أهل بيته، وأنّه يملأ الأرض عدلاً ، وأنّه يخرج مع عيسى على نبيّنا وعليه أفضل الصلاة والسلام، فيساعده على قتل الدجّال بباب لد بأرض فلسطين، وأنّه يؤمّ هذه الاُمّة ، ويصلّي عيسى خلفه» [62] .
4 ـ وقال الشيخ الصبّان ـ المتوفى سنة 1206 هـ : «وقد تواترت الأخبار عن النبي(صلى الله عليه وآله)بخروجه ـ أي المهديّ ـ وأنّه من أهل بيته، وأنّه يملأ الأرض عدلاً، وأنّه يساعد عيسى على قتل الدجّال بباب لد بأرض فلسطين ، وأنّه يؤمّ هذه الاُمّة ، ويصلّي عيسى خلفه» [63] .
5 ـ حديث أبي سعيد : «تملأ الأرض جوراً وظلماً ، فيخرج رجل من عترتي...» [64] .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] بحث حول المهدي، السيد الشهيد محمد باقر الصدر : 87 .
[2] المهدي الموعود ودفع الشبهات عنه، للسيد عبدالرضا الشهرستاني: 6.
[3] المصدر السابق.
[4] برناردشو: عباس محمود العقاد: 124 ـ 125.
[5] راجع كتاب بشارات عهدين للشيخ الصادقي وترجم للعربية بعنوان (البشارات والمقارنات).
[6] الثابت إن غيبة الإمام المهدي بعد وفاة أبيه استمرت 69 سنة.
[7] البراهين الساباطية: نقلاً عن كشف الأستار للميرزا النوري: 84.
[8] بشارات عهدين لمحمد الصادقي : 232.
[9] بشارات عهدين لمحمد الصادقي : 264.
[10] سفر الرؤيا: 12 / 3.
[11] سفر الرؤيا: 12 / 5 .
[12] المدة رمزية وقد وردت في الأصل العبري بتعبير : «وسيغيب عن التنين زماناً وزمانين ونصف زمان». راجع بشارات العهدين: 263.
[13] سفر الرؤيا: 12/ 13.
[14] المسيح الدجال/ سعيد أيوب: 379 ـ 380 نقلاً عن (المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي)/ اصدار مركز الرسالة: 13 ـ 14 .
[15] راجع الإمام المهدي ضمن سلسلة أعلام الهداية / المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام) : 9 ـ 24.
[16] راجع كتاب الإيمان الصحيح للسيد القزويني، وكتاب الإمام المهدي في نهج البلاغة للشيخ مهدي فقيه ايماني، وكتاب من هو الإمام المهدي للتبريزي، وكتاب إلزام الناصب للشيخ علي اليزدي الحائري، وكتاب الإمام المهدي للاُستاذ علي محمد دخيل، وكتاب دفاع عن الكافي للسيد ثامر العميدي. وقد ذكر في هذا الأخير مائة وثمانية وعشرين شخصاً من أهل السنّة من الذين اعترفوا بولادة الإمام المهدي(عليه السلام) مع ترتيبهم بحسب القرون، فكان أولهم (أبو بكر محمد بن هارون الروياني (ت / 307 هـ ) في كتابه المسند (مخطوط) وآخرهم الاُستاذ المعاصر يونس أحمد السامرائي في كتابه: سامراء في أدب القرن الثالث الهجري، ساعدت جامعة بغداد على طبعه سنة 1968 م . انظر دفاع عن الكافي: 1 /568 ـ 592 تحت عنوان: الدليل السادس: اعترافات أهل السنّة.
[17] الكامل في التاريخ: 7 / 274 في آخر حوادث سنة 260 هـ .
[18] وفيات الأعيان : 4 / 176 ، 562.
[19] اُصول الكافي : 1 / 514 باب 125.
[20] كمال الدين : 2/430، 4 باب 42.
[21] العبر في خبر من غبر : 3 / 31.
[22] تاريخ الإسلام / الجزء 19 في حوادث ووفيات (251 ـ 260 هـ ) : 113 .
[23] سير أعلام النبلاء : 13 / 119 ، الترجمة رقم 60.
[24] نور الأبصار : 186.
[25] الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيثمي ، الطبعة الاولى : 207، والطبعة الثانية : 124، والطبعة الثالثة: 313 ـ 314.
[26] الإتحاف بحب الأشراف: 68.
[27] نور الأبصار : 186.
[28] الأعلام : 6 / 80.
[29] راجع المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي، اصدار مركز الرسالة: 123 ـ 127.
[30] عقد الدرر: 42 ـ 44 الباب الأول، ومستدرك الحاكم: 4/ 553، ومجمع الزوائد: 7/ 115.
[31] سنن ابن ماجة 2: 1368 ، ح 4087، باب خروج المهدي، ومستدرك الحاكم: 3/ 211، وجمع الجوامع للسيوطي: 1/ 851 .
[32] عقد الدرر للمقدسي الشافعي: 149 ـ 150 الباب الرابع.
[33] مسند أحمد: 3/424، ح 10920 ومسند أبي يعلى: 2/274 ح 987، والمستدرك: 4/577، وعقد الدرر: 36 باب 1 وموارد الظمآن: 464 ح 1879 و 1880 ومقدمة ابن خلدون: 250 فصل 53 وجمع الجوامع: 1/902 وكنز العمال: 14/271 ح 38691 وينابيع المودّة: 433 باب 73.
[34] مسند البزاز: 1/281، ومسندأحمد: 3761 وسنن الترمذي: 4/505 باب 52 ح2230 والمعجم الكبير: 10/135 ح10221 مع اختلاف يسير وتاريخ بغداد: 4/388 وعقد الدرر: 38 باب 3 ومطالب السؤول: 2/81 والبيان في أخبار صاحب الزمان : 91 لمحمّد النوفلي القريشي الكنجي الشافعي، وفرائد السمطين: 2/327 ح 576 والدر المنثور: 6/58، وجمع الجوامع: 1/903 وكنز العمال: 14/271 ح 38692 وبرهان المتقي: 90 باب 2 ح 4.
[35] ابن أبي شيبة : 8/678 ح 190 وفتن ابن حماد: ومسند أحمد: 1/84 وتاريخ البخاري: 1/371 ح 994 وسنن ابن ماجة: 2/1367 باب 34 ح 4085 ومسند ابو يعلى: 1/359 ح 465 وحلية الأولياء: 3/177 والكامل لابن عدي: 7/2643 والفردوس: 4/222 ح 6619 والبيان في اخبار صاحب الزمان: 100 للكنجي الشافعي وعقد الدرر: 183 باب 6 والعلل المتناهية: 2/2856 ح 1432 وفرائد السمطين: 2 / 331 ح 583 وميزان الاعتدال: 4/359 ح 9444 ومقدمة ابن خلدون : 1/396 باب 53 و تهذيب التهذيب: 11/152 ح 294 وعرف السيوطي الحاوي: 2/213 والدر المنثور: 6/58 وجمع الجوامع: 1/449 والجامع الصغير: 2/672، ح 9243 وصواعق ابن حجر: 163 باب 511 فصل 1 وكنز العمال: 14/264، ح 38664 وبرهان المتقي: 87 باب 1، ح 43 ومن ص: 89، باب 2، ح 1، ومرقاة المفاتيح: 9/349 مع اختلاف يسير وفيض القدير: 6/278، ح 9243.
[36] تذكرة الخواص: 363، وعقد الدرر: 43 باب 1 ومنهاج السنّة، ابن تيمية: 4/ 86 ـ 87.
[37] تاريخ البخاري: 3/364، المعجم الكبير: 23/267 ح 566، ومستدرك الحاكم: 4/557.
[38] سنن أبي داود: 4/104 ح 4284 و سنن ابن ماجة: 2/1368 باب 34 ح 4086 والفردوس: 4/497 ح 6943 ومصابيح البغوي: 3/492 باب 3 ح 4211 وجامع الاُصول: 5 / 343 ومطالب السؤول: 8 وعقد الدرر: 36 باب 1 وميزان الاعتدال: 2/87 ومشكاة المصابيح: 3/24 فصل 2 ح 5453 وتحفة الأشراف: 13/7 ح 18153 والجامع الصغير: 2/672 ح 9241 والدر المنثور: 6/58 وجمع الجوامع: 1/449 وصواعق ابن حجر: 141 باب 11 فصل 1 وكنز العمال: 14/264 ح 38662 ومرقاة المفاتيح: 9 / 350 واسعاف الراغبين: 145 وفيض القدير: 6/277 ح 9241 والتاج الجامع للاُصول: 5/343.
[39] المنار المنيف لابن القيم: 148 ، 329 فصل 50، عن الطبراني في الأوسط، عقد الدرر: 45 من الباب الأوّل وفيه: (أخرجه الحافظ أبو نعيم في صفة المهدي) ، ذخائر العقبى، المحب الطبري : 136، وفيه : (فيحمل ما ورد مطلقاً فيما تقدم على هذا المقيّد)، فرائد السمطين: 2/325، 575 باب 61، القول المختصر لابن حجر: 7/37 باب 1، فرائد فوائد الفكر: 2 باب 1، السيرة الحلبية: 1/193، ينابيع المودّة: 3/63 باب 94، وهناك أحاديث اُخرى بهذا الخصوص في مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)للخوارزمي الحنفي : 1/196، وفرائد السمطين: 2/310 ـ 315 الأحاديث 561 ـ 569 ، وينابيع المودّة: 3/170 / 212 باب 93 وباب 94.
[40] البيان : 120 باب 9 والفصول المهمة: 286 ط دار الأضواء فصل 12، ينابيع المودّة: 490 و 493 باب 94 مع اختلاف.
[41] ينابيع المودّة: 491 عن أربعين الحافظ أبي نعيم الاصبهاني.
[42] ينابيع المودّة: 448 و 489 عن كتاب فرائد السمطين.
[43] مشارق الأنوار في فوز أهل الاعتبار، للشيخ حسن العدوي الحمزاوي المصري: 476 ـ 477، فصل في المهدي(عج) ، يواقيت الجواهر: ج562، باب في بيان أن جميع أشراط الساعة، نقلاً عن الفتوحات المكيّة ، باب ست وستين وثلاثمائة.
[44] سنن أبي داود: 4/107 ح 428 ومستدرك الحاكم مع اختلاف يسير : 4/557 ومعالم السنن: 4/344 ومصابيح البغوي: 3/492 ح 4212 والعلل المتناهية: 2/859 ح 1443 وجامع الاُصول: 5 / 343 باب 7. ومطالب السؤول: 2/80 باب 12 والبيان: 117 وعقد الدرر: 59 باب 3 ومشكاة المصابيح: 3/171 باب 2 فصل 2 ح 5454، والجامع الصغير: 2/672 ح 9244 وجمع الجوامع: 1/449 وكنز العمال: 14/264 ح 38665 ومرقاة المفاتيح: 9 / 351 ح 5454 وفيض القدير: 6/278 ح 9244 والتاج الجامع للاُصول: 5/343 باب 7.
[45] الفردوس: 4/496 ح 6940 والعلل المتناهية: 2/858 ح 1439 والبيان : 118 باب 8 وذخائر العقبى: 136 وعقد الدرر: 60 باب 3 وفيه «كالكوكب الدرّي» وميزان الاعتدال: 3/449 ولسان الميزان: 5/24 والفصول المهمة: 284 والجامع الصغير: 2/672 ح 9245 وصواعق ابن حجر: 164 باب 11 فصل 1 وكنز العمال: 14/264 ح 38666 ومرقاة المفاتيح: 9 / 350 ولوائح السفاويني: 2/4 واسعاف الراغبين: 146 ونور الأبصار: 187 وفيض القدير: 6/279 ح 9245.
[46] مستدرك الحاكم: 4/557 وعقد الدرر: 60، باب 3 (مع اختلاف يسير) وفرائد السمطين: 2/330 ح 580 وبرهان المتقي: 98 باب 2 ح 28 و 99 باب 3 ح 3 وينابيع المودّة: 488 باب 94.
[47] فتن ابن حماد: 258 ح 1008 وعرف السيوطي، الحاوي: 2/232 وبرهان المتقي: 99 باب 3، ح 2 وكنز العمال: 14/586 ح 39660.
[48] برهان المتقي: 100 باب 3 ح 5 وعقد الدرر: 63 ـ 64، باب 3 وعرف السيوطي، الحاوي: 2/232 وفرائد فوائد الفكر: 4 باب 2.
[49] ابن حماد: 258، وعقد الدرر: 65 باب 3 وعرف السيوطي، الحاوي: 2/232 والقول المختصر: 98، باب 3 ح 29 وبرهان المتقي: 101، باب 3 ح 10.
[50] ابن حماد: 102 وعرف السيوطي، الحاوي: 2/232 وبرهان المتقي: 98، باب 2 ح 26 و 27 وكنز العمال: 14/585 ح 39658 مع اختلاف يسير، وفرائد فوائد الفكر: 2 باب 1.
[51] البيان: 139 باب 19 وعقد الدرر: 37، باب 1 وفرائد السمطين: 2/331 ح 582 مع اختلاف يسير وعرف السيوطي، الحاوي: 2/220 وصواعق ابن حجر: 164 باب 11 فصل 1 والقول المختصر: 43، باب 1 ح 33 وبرهان المتقي: 84 باب 1 ح 32 واسعاف الراغبين: 146 وينابيع المودّة: 433 و 436 باب 73 فصل 2 وفرائد فوائد الفكر: 4 باب 2.
[52] سنن أبي داود: 4/108 ح 4290 مع اختلاف وجامع الاُصول: 5/343 ومختصر أبي داود: 6/162 ح 4121 وعقد الدرر: 45 باب 1 وفتن ابن كثير: 1 / 38 ومقدمة ابن خلدون: 391 فصل 53 وعرف السيوطي الحاوي: 2/214 والدر المنثور: 6/39 ذيل الآية 18 وجمع الجوامع: 2/35 وكنز العمال: 13/647، ح 37636 ومرقاة المفاتيح: 9/363 ح 5462 وينابيع المودّة: 432 باب 72 والتاج الجامع للاُصول: 5/343 ح 10.
[53] البيان: 137 ـ 138 باب 18 عن المعجم الكبير ومناقب المهدي لأبي نعيم.
[54] البيان: 140 عن المعجم للطبراني ومناقب المهدي لأبي نعيم.
[55] سنن ابن ماجة: 2/1368 باب 34 ح 4087 ومستدرك الحاكم: 3/211 وتاريخ بغداد: 9/434 ح 5050 ومطالب السؤول: 2/81 باب 12 والبيان: 101 باب 3 وذخائر العقبى: 15 و 89، والرياض النضرة: 3/4 و 182 فصل 8 وعقد الدرر: 194، باب 7 وفرائد السمطين: 2/32، باب 7 ح 370 ومقدمة ابن خلدون: 398 باب 53 والفصول المهمة: 284 ط دار الأضواء فصل 12 وجمع الجوامع: 1/851 وصواعق ابن حجر: 160 باب 11 فصل 1 وفي ص 187 باب 11 فصل 2، ح 19 وبرهان المتقي: 89 باب 2 ح 3 واسعاف الراغبين: 124 وعرف السيوطي ، الحاوي: 2/214.
[56] الفردوس: 4/222 ح 6668 والبيان: 118 باب 8 وعقد الدرر: 199 باب 7 والفصول المهمة: 284 فصل 12 وبرهان المتقي: 171 باب 12، ح 2 وكنوز الدقائق: 152 ونور الأبصار: 187 وينابيع المودّة: 181 باب 56 .
[57] ابن أبي شيبة: 15/198 ح 19496 والكامل، ابن عدي: 6/2433 وعقد الدرر: 199 باب 7 وبرهان المتقي: 172، باب 12 ح 6.
[58] البيان : 132 باب 15 وعقد الدرر: 183 باب 6 وفرائد السمطين: 2/316 باب 61 ح 566 ـ 569 والفصول المهمة: 298 فصل 12 وعرف السيوطي، الحاوي: 2/217 وتاريخ الخميس: 2/288 ونور الأبصار: 188 ـ 189.
[59] تخليص المتشابه: 1/417 والبيان: 133 باب 16 وفرائد السمطين: 2/316 باب 61 ح 569 وعرف السيوطي، الحاوي: 2/217، والقول المختصر: 39 باب 1 ح 24 وبرهان المتقي: 72 باب 1 ح 2 وينابيع المودّة: 447 باب 78 .
[60] البيان: 104، باب 3 وسنن ابن ماجة: 2/1367 ح 4084 والمستدرك: 4/463 وتخليص المستدرك: 4/463 و464 ومسند أحمد بن حنبل: 5/277 (مع اختلاف يسير).
[61] المعجم الأوسط: 1/136 ح 157 والبيان : 125 باب 11 وعقد الدرر: 192 باب 7 ومجمع الزوائد: 7/316 ـ 317 ومقدمة ابن خلدون: 396 و 397 باب 53 والفصول المهمّة: 288 مع اختلاف يسير فصل 12 وعرف السيوطي، الحاوي: 2/217 وجمع الجوامع: 2/67 وصواعق ابن حجر: 163، باب 11 فصل 1، كنز العمال: 14/598 ح 39682 وبرهان المتقي: 91 باب 2 ح 7 و 8 وفرائد فوائد الفكر: 3، باب 1 ونور الأبصار: 188.
[62] الصواعق المحرقة ، ابن حجر: 165 طبع مصر .
[63] اسعاف الراغبين، الصبّان: 140.
[64] مستدرك الحاكم : 4/558.
قائد الثورة: هدف العدو هو اثارة الفوضى والفتنة في ايران
أكد قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي الخامنئي بان هدف العدو على الامد القصير هو زعزعة الامن والاستقرار واثارة الفوضى والفتنة في ايران.
وخلال رعايته صباح اليوم الاربعاء لحفل تخريج دفعة جديدة من الضباط في جامعة "الامام الحسين (ع)"، قال سماحته حول الانتخابات الرئاسية المرتقبة، ان الانتخابات يمكنها ان تكون مصدر الرفعة والسمو ويمكنها كذلك ان تؤدي الى الضعف والمشاكل.
واكد بانه لو تحرك الشعب وفق النظام ومبادئ الاخلاق والتزم الحدود الاسلامية والقانون فان ذلك سيكون مبعث عزة للجمهورية الاسلامية.
واكد قائد الثورة الاسلامية الاهمية القصوى لقضية الامن واضاف، انه على المرشحين للرئاسة الحذر كي لا يعملوا على اكمال مخطط العدو عبر الخطأ في التشخيص.
واشار سماحته الى عوامل اقتدار البلاد والشعب الايراني والسبب في معارضة المناوئين لعوامل الاقتدار هذه، وشرح اهداف الاعداء القصيرة والمتوسطة وبعيدة الامد واكد بانه في ظروف الفوضى التي تعم المنطقة الان فان الامن والاستقرار السائدين في البلاد يعدان من مفاخر الجمهورية الاسلامية الايرانية المستهدفة من قبل قوى الاستكبار.
واوصى المرشحين لرئاسة الجمهورية بعدة قضايا مهمة منها "الاعلان الصريح والحازم بان القضايا الاقتصادية ومعيشة المواطنين تعد اولوية لهم" وقال، ان الامن القومي واستقرار البلاد مهمان جدا وينبغي على المرشحين المحترمين الحذر كي لا يعملوا بسبب خطأ في التشخيص على اثارة التفرقة العقائدية والجغرافية واللغوية والقومية وان لا يصبحوا في مسار مخطط العدو غير المكتمل، لان من يريد العمل خلافا لامن البلاد سيتلقى صفعة قوية بالتاكيد.
واكد قائد الثورة الاسلامية بان العدو يحمل الحقد والضغينة دوما تجاه عوامل قوة البلاد واضاف، ان حرس الثورة الاسلامية يعد احد عوامل قوة البلاد وان المؤشر لغضبهم واستيائهم واضح تماما في الاعلام الدولي وتصريحات سياسيي الاستكبار.
واكد سماحته بان "الاقتصاد القوي والمستقل" يعد من عوامل القوة وقال، ان هذا هو السبب وراء فرض الحظر على ايران واتخاذ الاجراءات المختلفة لضرب اقتصاد البلاد، وحبذا لو شرح الاقتصايون الملتزمون للشعب في البلاد مختلف تدابير المناوئين الرامية لضرب الاقتصاد.
واعتبر قائد الثورة "القوة العسكرية" احد العوامل الاخرى لاقتدار البلاد واضاف، ان الضجيج الواسع المفتعل حول قدرات البلاد الصاروخية يعود للحقد والغضب اللذين يحملهما الاعداء في نفوسهم تجاه عوامل القوة هذه.
واكد القائد العام للقوات المسلحة، اننا نمتلك صواريخ دقيقة جدا حيث بامكانها استهداف الاهداف المطلوبة من مسافة آلاف الكيلومترات بدقة عالية وسنصون هذه القوة ونعمل على تعزيزها ايضا.
واعتبر آية الله الخامنئي "العسكريين المضحين" كالشهيد صياد شيرازي والشهيد شوشتري من عوامل القوة الاخرى واضاف، ان "ايمان وحياء واخلاق الشباب" وكذلك "روح الجهاد والمقاومة لدى الشعب" تعد من عوامل القوة الاخرى ولهذا السبب فانهم يتهمون روح المقاومة والجهاد بتهمة "العنف والتطرف" وللاسف ان البعض يكرر هذه الادبيات الاستعمارية في الداخل.
واكد سماحته بان "المؤسسات الحافظة للامن" من ضمنها "القوات المسلحة" من عوامل القوة الاخرى وقال، ان ارضية الامن اكثر ضرورة واهمية من اي امر اخر، لانه من دون الامن لن يتحقق التقدم العلمي والاقتصادي.
وبعد تبيينه لعوامل اقتدار البلاد، شرح القائد موضوع "حكومة المقاومة" وقال، ان الجمهورية الاسلامية الايرانية هي "حكومة مقاومة" وهي تعني عدم الرضوخ للغطرسة والثبات من موقف القوة والاقتدار.
واكد بان حكومة المقاومة في الجمهورية الاسلامية الايرانية لا تقاس باي عنصر او مؤسسة مقاومة في البلد الفلاني واضاف، ان حكومة المقاومة ذات سياسة واقتصاد وقوات مسلحة وتحرك دولي ومنطقة نفوذ واسعة.
واكد سماحته بان حكومة المقاومة مستهدفة دوما من قبل قوى الهيمنة واذنابها واضاف، ان حكومة المقاومة، لا هي ساعية للهيمنة والسيطرة على الدول الاخرى ولا هي تعتمد موقف الدفاع والانفعال.
واضاف آية الله الخامنئي، ان البعض يتصور انه علينا التقوقع في الموقف الدفاعي لنبعد عن انفسنا تهمة الهيمنة والسيطرة الاقليمية والدولية، في حين ان مثل هذا التصور خاطئ.
واشار الى آيات من القرآن الكريم، مؤكدا بان موقف حكومة المقاومة هي "القوة الرادعة" و"اقتدار الردع" وان الجمهورية الاسلامية الايرانية كما في الماضي ستواصل طريق "القوة الرادعة" باعتمادها على عزمها وجهودها وابداعاتها.
واعتبر قائد الثورة الاسلامية الهدف من سياسة "قوة النظام الاسلامي الرادعة" بانها للحيلولة دون التفكير بالتعرض لايران من جانب قوى الغطرسة الدولية واكد بان على الاعداء ان يعرفوا بانه لو فكروا بالتعرض لايران سيتلقون ردا قاسيا لانه مثلما قيل سابقا فقد ولى زمن "اضرب واهرب" ومن الممكن ان يكونوا هم البادئين الا ان نهاية العمل لن تكون بايديهم.
واشار آية الله الخامنئي كذلك الى اهداف العدو في مواجهة الجمهورية الاسلامية الايرانية واضاف، ان العدو قد جعل في جدول اعماله ثلاثة اهداف وهي قصيرة ومتوسطة وطويلة الامد وان هدفهم على الامد القصير هو "زعزعة امن البلاد وخلق الفوضى والفتنة فيها".
واكد سماحة القائد بان من مفاخر الجمهورية الاسلامية الايرانية ايجاد اجواء آمنة في هذه المنطقة التي تعمها الاضطرابات والعالم المليء بالتوتر وقال، ان هذا الامن اوجده الشعب والمسؤولون المتفانون في ظل الوعي واليقظة والمواكبة المستمرة للامور.
واعتبر قائد الثورة الاسلامية موضوع "الاقتصاد ومعيشة الشعب" بانه يمثل الهدف متوسط الامد للاعداء واضاف، انه في مخطط المناوئين، لا ينبغي ان يتحرك اقتصاد البلاد وان تكون معيشة الناس عرجاء ولا يزدهر العمل والانتاج وان تعم البطالة كالوباء كي ييأس الناس من الجمهورية الاسلامية الايرانية تاليا.
واكد بان الطريق الوحيد للتصدي لهدف الاعداء هذا هو "تنفيذ شعار العام" و"العمل بسياسات الاقتصاد المقاوم" و"ازدهار الانتاج الوطني وتوفير فرص العمل" واضاف، انه لو تمت متابعة هذا المسار فمن المؤكد ان العدو لن يصل الى هدفه.
واعتبر هدف الاعداء طويل الامد بانه يتمثل في "القضاء على اساس النظام" واشار الى ان هذا الموضوع اصبح لا يطرح الان صراحة خلافا لما كان عليه الامر في الاعوام الاولى للثورة واضاف، ان مواجهة "اساس النظام" مدرج الان في جدول اعمالهم عن طريق "تغيير السلوك" وهذا يعني الابتعاد تدريجيا من طريق الاسلام والثورة ونهج الامام الراحل (رض) ومن ثم التحرك في النهاية في المسار المقابل للثورة.
واشار قائد الثورة الى موضوع الانتخابات الرئاسية المقررة اجراؤها في 19 ايار / مايو الجاري وقال، ان الانتخابات تعد احدى الارضيات التي يمكنها ان تفضي الى سمو وشموخ البلاد ويمكنها ايضا ان تؤدي الى الضعف والانحلال وايجاد المشاكل.
واكد آية الله الخامنئي بانه لو شارك الشعب في الانتخابات وترافقت هذه المشاركة مع "النظام والاخلاق والتزام الحدود الاسلامية والقانون" فمن المؤكد ان هذه الانتخابات ستكون مبعث رفعة وعزة لنظام الجمهورية الاسلامية الايرانية ولكن لو تم في الانتخابات خرق القانون وجرت ممارسات سيئة وزرعنا بكلامنا الامل في نفوس العدو فان الانتخابات ستعود بالضرر علينا.
واكد سماحته بان النظام الاسلامي ليس حديث العهد باجراء الانتخابات وقد اجرى العديد من العمليات الانتخابية على مدى الاعوام الـ 38 الماضية وهي تعرف الاجواء الفكرية والوساوس جيدا وقال، ان لي بعض التوصيات للسادة المرشحين المحترمين؛ الاولى ان يقولوا بحزم في برامجهم وتصريحاتهم بان "القضايا الاقتصادية والمعيشية للمواطنين تاتي في اولوية اهتماماتم وانهم سيبذلون الجهود لحل المشاكل الاقتصادية".
واضاف، ان التوصية الثانية هي ان موضوع "الاستقلال الوطني وعظمة ورفعة الشعب الايراني" يجب ان يبرز في تصريحات وبرامج المرشحين.
واكد آية الله الخامنئي بان الشعب الايراني شعب ثوري وشامخ ولا ينبغي اجبار هذا الشعب على الرضوخ امام القوى الكبرى وإضعافه واذلاله لانه شعب حي باقتداره ولو لم يكن هذا الاقتدار لهيمن العدو على البلاد مثلما هيمن على بعض الدول العميلة في المنطقة.
واضاف، انه على السادة المرشحين ان يعلنوا صراحة بانهم سيقفون امام اطماع اميركا وخبث الصهاينة.
وكانت التوصية الثالثة لقائد الثورة لمرشحي الانتخابات الرئاسية هي "صون الامن القومي واستقرار البلاد" واكد انه على المرشحين عدم اثارة التباينات "العقائدية والجغرافية واللغوية والقومية" في البلاد، واضاف، ان العدو كان اعواما طويلة وراء هذا الهدف الا ان المواطنين المؤمنين الكرد واهالي اذربيجان الغيارى واهالي خوزستان العرب واهالي بلوجستان والتركمان، بصفتهم اصحاب الثورة قد صفعوا العدو وتصدوا له بقوة واقتدار.
واكد الاهمية الفائقة لقضية الامن واضاف، انه على المرشحين الحذر كي لا يكملوا مخطط العدو غير المكتمل بتشخيصهم الخاطئ.
ودعا قائد الثورة الاسلامية مسؤولي الامن والاستقرار في البلاد خاصة السلطة القضائية وقوى الامن الداخلي ووزارة الداخلية للحذر وصون الامن الكامل في البلاد وقال، انه لو اراد احد القيام في الانتخابات خلافا لامن البلاد فمن المؤكد انه سيتلقى صفعة قاسية.
واكد آية الله الخامنئي بان الاعداء ارتكبوا حماقة في العام 2009 حينما تصوروا ايران بانها كبعض الدول التي خلقوا فيها الاضطرابات والفوضى الامنية بعدة عشرات الملايين من الدولارات واضاف، ان نتيجة تلك الحماقة هي اصطدامهم بالجدار المنيع لارادة الشعب الايراني وعزمه الوطني.
واكد سماحته بان الامن مهم جدا للشعب والبلاد ويجب حفظ الامن تماما في الانتخابات.
صحيفة البصر
نصّ الوصيّة
من جملة ما أوصى به مولانا الإمام أبو عبد الله جعفر بن مُحمد الصادق عليهما السلام صاحبه النجيب عبد الله بن جندب الكوفي أن حكى له وصيّة السيّد المسيح عليه السلام لأصحابه عندما حذّرهم قائلاً: "وإيّاكم والنظرة فإنّها تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة، طوبى لمن جعل بصره في قلبه، ولم يجعل بصره في عينه، لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب، وانظروا في عيوبهم كهيئة العبيد، إنّما الناس مبتلى ومعافى، فارحموا المبتلى، واحمدوا الله على العافية"1.
مقدّمة
صاحب الموعظة والوصيّة التي سنتشرّف بخدمتها هو روح الله وكلمته التي ألقاها إلى البتول العذراء مريم ابنة عمران عليهما السلام، ورابع أولي العزم من الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم سيّدنا المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام الذي جاء داعياً إلى الله تعالى من لحظة إطلالته على الوجود حين نادى2 أمّه المصطفاة الطاهرة: ﴿مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّ﴾3، وكان عليه السلام يسير في سبيل الدعوة إلى الله سيراً حثيثاً "يتوسّد الحجر ويلبس الخشن ويأكل الجشِبَ، وكان إدامُهُ الجوع، وسِراجُهُ بالليل القَمَر، وظِلالُهُ في الشتاء مشارِقُ الأرضِ ومغارِبُها، وفاكهتُهُ وريْحانُهُ بالليل ما تُنْبِتُ الأرضُ للبهائم، ولم تكن له زوجة ٌ تَفْتِنُهُ، ولا وَلَدٌ يُحْزِنُهُ، ولا مالٌ يَلْفِتُهُ، ولا طَمَعٌ يُذِلُّهُ، دابَّتُهُ رجْلاه، وخادمهُ يداه"4.
وأمّا وصيّته المباركة، فكانت للحواريّين الذين قال لهم: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ﴾5، أوصاهم بها كي يأخذوا العبرة من مضامينها، ومن ثم ينقلوها إلى سائر الأمم، فيُخاطبوا بها ذوي القلوب الواعية، والنفوس المتطلّعة إلى ما عند الله، في أن يبذلوا جهودهم من أجل تحرير عقولهم، وتطهير نفوسهم، وقد وصلت إلينا هذه الوصيّة المباركة عبر الرجل النجيب عبد الله بن جندب، وهو قد نقلها لنا عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق، وهو الذي إذا أردنا أن نُسلّم عليه أو على أحد من آبائه الطيّبين الطاهرين قلنا السلام عليك يا وارث عيسى روح الله.
إيّاكم والنظرة
لقد زوّد الله تعالى الإنسان بالعين ليعرف طريقه إلى العالم المحيط به، وهي من أعظم النعم التي أنعم الله بها على الخلائق، ولكن قد يُسيء الإنسان الاستفادة من هذه العين، فيقع في ظلمات كفران النعم، وذلك حين يُصرّ على أن يُبصر بهذه العين ما يُغضب الجبّار جلّ جلاله، فيعصيه بنعمه بدل أن يشكره عليها. وربما يتغافل أو يغيب عنه أنّ الله تعالى يقول وقوله الحق: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولً﴾6.
فمن يفتح عينه في الحرام يُعمي الله بصيرته عن الحقّ، لأنّ الجزاء من جنس العمل، ومَن غضّ بصره فتح الله بصيرته، ومن أطلق بصره أغلق الله بصيرته، وطمس على قلبه والعياذ بالله، والله تعالى يقول: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾7. نعم إنَّ الله خبير بما يصنعون يرى أعمالهم مهما دقّت وصغُرت، ويعلم حركاتهم وسكناتهم، ومطَّلع عليها لا يغيب عنه شيء منها: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾8.
وقد روي عن حكيم الأمّة الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّه قال: "من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهوته"9. هذا من كرمت عليه نفسه، وأمّا من هانت عليه نفسه، وكانت بدايته اتباع الهوى، فسوف تكون نهايته الذلّ والبلاء المتبوع بحسب ما أتبَع هواه، ويصير له ذلك عذاباً يُلازم قلبه، وقديماً قد قيل:
مآرب كانت في الشباب لأهلها*** عِذاباً فصارت في المشيب عَذاباً
ومن المأثور من سيرة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ترحّمه على من يُسيطر على شهوته، ويقمع نفسه، فيقول عليه السلام: "فرحم اللّه رجلاً نزع عن شهوته، وقمع هوى نفسه، فإنّ هذه النّفس أبعد شيء منزعاً، وإنّها لا تزال تنزع إلى معصية في هوى"10.
مصحف البصر
إنّنا نتحدّث عن موضوع مهمّ قد ابتُلي به الكثير من الناس، وهو مَدّ العين بالنظر إلى ما حرّم الله تعالى، وقد ارتأينا أن نبدء هذا الفصل الهام بما روي عن مولانا الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّه قال: "القلب مصحف البصر"11، وقد سُمِّيَ المُصْحَفُ مُصْحَفاً لأنَّه أُصْحِفَ، أي جُعِلَ جامعاً للصُّحُف المكتوبة بين الدَّفَّتَيْن12، وأصبح علماً على القرآن الكريم، فيُقال قرأتُ المصحف ...
وأحد وجوه معنى قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "القلب مصحف البصر" هو: أنّ القلب صحيفة ينتقش فيه ما يُدرك بالبصر، فالإدراك البصري يقع بالقلب والبصر آلية له، فكأنّ البصر قلم يرسم المحسوسات في صحيفة القلب13.
وممّا يجدر الإشارة إليه مطلوب منّا أن نتدبّر المصحف الشريف القرآن الكريم"، وما يحتويه من آيات، وكذلك يتوجّب علينا أن نُراقب ما يرِد عليه من أفكار ومفاهيم في كلّ زمان، فإمّا أن نوافق عليها ونتبنّاها، أو نردّها ونُفندها، فلماذا لا نُكلّف أنفسنا بتدبّر ما احتواه القلب من صور، وبمراقبة ما يرد عليه من أفكار وواردات وصور جديدة، وبالتّالي الرضى بها أو ردّها من حيث أتت. وإنّ أيّ شخص قادر بما آتاه الله تعالى على أن يقوم بمفرده بعمليّات مراقبة وفرز، وتنظيم وتقويم للأفكار الواردة على القلب، وبالتّالي إلغاء موافقات قديمة على استخدام أفكار قلبية14 سابقة، وكلّ ذلك دون أن يُطلع أو يَطلِع أحد على ما يُجريه في داخله، وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "من رعى قلبه عن الغفلة، ونفسه عن الشهوة، وعقله عن الجهل، فقد دخل في ديوان المتنبّهين"15.
النظرة تزرع في القلب الشهوة
ممّا تسالم عليه العقلاء في كلّ زمان أنّ النظر الحرام أصل كثير من المصائب التي يقع فيها الناس، وقد روي عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّه قال: "عمى البصر خير من كثير النظر"16.
وأنت تعلم أيّها القارئ الكريم أنّ أيّ معصية من اللمم قد يفعلها الإنسان، وينتهي أثرها، لكن النظرة الحرام ليست كذلك، فلا ينتهي أثرها، إذ ليست القضية أنّك عندما تنظر إلى تلك الفتاة أو عندما تنظر الفتاة إلى ذاك الشاب تكتب عليهما سيّئة وينتهي الأمر عند هذا الحد، نعم هي سيّئة تُكتب عليهما وسيُحاسبان عليها، فإنْ شاء الله عفا عنهما بكرمه، أو عاقبهما بعدله لكن هناك ثمّة سؤال يطرح نفسه، وهو: هل تقف القضية عند هذا الحد؟
الجواب لا، فإنّ هذه النظرة يعقبها ما بعدها، فأنت تنظر النظرة ويزول أمامك من قد نظرت إليه، وفيما بعد يبدأ الشيطان بتحريك هذه الصورة في الذهن ويُزيّن صورة المنظور، ويجعله صنماً يعكف عليه القلب، ثم يعِدهُ ويُمنِّيه، ويوقد على القلب نار الشهوات، ويُلقي حطب المعاصي التي لم يكن يتوصّل إليها بدون تلك الصورة، ومن ثم تتدرّج الحالة إلى التفكير الطويل الذي يأسر لُبّ هذا الشاب أو تلك الفتاة، فيوصلهم إلى مرحلة تستولي فيها عليهم الشهوات، فيبحثوا عن سُبل قضائها، فإنْ قضوها فيما حرّم الله، وقعوا في المعصية التي تُغضب الباري سبحانه وتعالى، ووقوعهم في هذه المعصية يُسهّل لهم ما بعدها، ثم بعد ذلك يتدرّج بهم الأمر أكثر من السابق حتى يهويان في وادٍ سحيق، كان بدء السقوط فيه تلك النظرة العابرة التي كانت باباً عريضاً لمعصية الله عزَّ وجلَّ، وأعمت القلب عن الإبصار الحقيقي، ولذا ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "العيون طلائع القلوب".
كلّ الحوادث مبداها من النَّظَر***ومعظمُ النار مِن مستصغَر الشَّرَرِ
كم نظرةٍ فَتَكَتْ في قلب صاحبها*** فَتْكَ السهامِ بِلا قوسٍ ولا وَتَر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها في*** أعين الغيد موقوف على الخطرِ
يَسُرُّ مقلتَه ما ضَرَّ مهجتَه لا*** مرحباً بسرور جاء بالضَّرَرِ
كفى بها لصاحبها فتنة
إنّ غلبة الشهوة على عقل الإنسان، وقلبه تجعله يتخبّط في مستنقع آسن يصعب الخروج منه، وقد أطلق الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وصفاً غير محمود على ذلك الإنسان الذي حَمّلَ قلبه دوام الحسرات، وأتعب عقله إلى يوم الممات عندما أذن لتلك الصورة التي التقطتها النظرة الحرام أن تنطبع في عقله وقلبه، وبالتّالي أضحت فكرة - شهوة - تُبنى عليها جملة من الأفكار السلبية، وذلك من اللحظة التي جعلها صاحبها جزءاً من منظومته الفكرية. وقد نَبَّه الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام إلى خطورة هذا الأمر، وذلك فيما روي عنه عليه السلام: "من أطلق ناظره أتعب حاضره، ومن تتابعت لحظاته دامت حسراته"17.
ولأنّ العلاقة بين الشهوة والنظرة علاقة مترابطة متينة لا تنفكّ أبداً كان أخطر شيء على القلب إطلاق العنان للنظر؟! فالنظرة تُكلّم القلب كلماً بليغاً، وأكثر ما تدخل المعاصي على العبد من هذا الباب، وقد روي عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة، فمن تركها من خوف الله أثابه جلّ وعزّ إيماناً يجد حلاوته في قلبه"18، والنكتة في إطلاق لفظ السهم على النظر هي تأثيره في قلب الناظر وإيمانه، كتأثير السهم الخارجي في الغرض، ومن هنا أُطلق عليه زنا العين19.
فيا طرف قد حذّرتك النظرة التي*** خلست فما راقبت نهياً ولا زجراً
ويا قلب قد أرداك طرفي مرة*** فويحك لم طاوعته مرّة أخرى
ومن تأمّل كيف تزرع النظرة في القلب الشهوة، عَرف كيف ستُشغل القلب وتُنسيه مصالحه، فتُفسد الإيمان وتُنسي الآخرة والحساب، فينفرط على صاحب ذلك القلب أمرُه، ويقع في مرديات اتباع الهوى والغفلة، والحسرات، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطً﴾20.
روي عن مولانا الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّه قال: "إذا أبصرتْ العين الشهوة عمي القلب عن العاقبة"21، ولا يغيبنّ عنكم قول سيّدنا المسيح عليه السلام: "وإيّاكم والنظرة فإنّها تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة، .."، ونختم هذا الفصل بما رواه الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: "طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد لم يره"22.
مضغة الجسد
القلب معدن المعرفة، ولذلك قال الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾23، وقال عزّت آلاؤه: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾24، والقلب لغة: خالص الشيء وشريفه، قلب الإنسان وغيره، سُمّي به لأنّه أخلص شيء فيه وأرفعه. وخالص كلّ شيء وأشرفه قلبه25.
وجاء في وصيّة النبيّ الأكرم مُحمد صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذرّ الغفاري رضي الله عنه: "إنّ الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"26، وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: "قلوب العباد الطاهرة مواضع نظر الله سبحانه، فمن طهّر قلبه نظر الله إليه"27.
وقال الإمام الصادق عليه السلام: "اعلم: أنّ منزلة القلب من الجسد بمنزلة الإمام من الناس الواجب الطاعة عليهم، ألا ترى أنّ جميع جوارح الجسد شرط للقلب وتراجمة له مؤدّية عنه"28.
لأجل ما تقدّم يُمكننا القول إنّ الله تعالى قد جعل مدار السعادة أو الشقاوة على القلب، فإذا لم يتعهّده صاحبه بذكر الله تعالى ومراقبته، ودوام الخشية منه، فإنّ الشهوات سرعان ما تتسرّب إليه، وتبدأ بوادر المرض تغزوه بواسطة المعاصي والذنوب والمخالفات فيمرض القلب ويفسد، وإذا فسد صار مهبط الظلم الذي يحدث صاحبه بباطلات يغيب عنها الرشد، وينتفي معها السعد، وقد ورد في الحديث النبويّ المرويّ عن النبيّ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ألا وإنَّ في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدَت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب"29، وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: "أشدّ من مرض البدن مرض القلب، وأفضل من صحّة البدن تقوى القلوب"30.
القلب البصير
إذا مُلئ القلب إيماناً وتصديقاً وفقهاً وإدراكاً لمراد الله، ومراد الذين عصمهم الله عليهم السلام صار القلب مهبط الوحي والأسرار والأنوار، وأخبر صاحبه بما وراءه وأمامه، ونبّهه على أمور لم يكن ليعلمها بشيء دونه يعرف ذلك صاحب كل قلب صالح ذكي ألهمه الله صحة الفراسة الناتجة عن استنارة القلب، والتي يصير القلب فيها بمنزلة المرآة المجلوة حيث تظهر فيها المعلومات كما هي، هذا وقد روي عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إذا أراد الله بعبد خيراً فتح عيني قلبه، فيُشاهد بها ما كان غائباً عنه"31، وقال حفيده الإمام زين العابدين علي بن الحُسين عليهما السلام: "إذا أراد الله بعبد خيراً فتح له العينين اللتين في قلبه، فأبصر بهما الغيب في أمر آخرته، وإذا أراد غير ذلك ترك القلب بما فيه"32.
وهذا ما يُطلق عليه نور عين البصيرة، والذي يتّصل بقضاء الغيب اتصال الشعاع بالزجاجة الصافية حال مقابلتها إلى فيضه، ثم ينصرف نوره منعكساً بضوئه على صفاء القلب، ثم يترقّى ساطعاً إلى عالم العقل فيتّصل به اتصالاً معنوياً له عظيم الأثر في استفاضة نور العقل على ساحة القلب، فيُشرق القلب، وعندها يرى ما خفي عن الأبصار موضعه، ودقّ عن الأفهام تصوّره، واستتر عن الأغيار مرآه، ولا غرابة فإنّ الأمر كما روى مولانا الإمام الصادق عليه السلام عن جدّه أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: "وأنّ قلوب المؤمنين مطوية بالإيمان طيّاً، فإذا أراد الله إنارة ما فيها فتحها بالوحي، فزرع فيها الحكمة زارعها وحاصدها"33، وقد قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾34، وقال تعالى: ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللهِ وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ﴾35.
فطوبى لمن جعل بصره في قلبه، فإنّه من الذين عناهم الله بقوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾36، على عكس من جعل بصره في عينه، فإنّه يُصيب به حلالاً وحراماً، وقد يعوّده على الحرام والعياذ بالله، وعندها تطبع مرآة بصيرة قلبه بتراكم صدأ الغفلة عن الربّ عزّت آلاؤه، فتتوارى وجوه الحقائق عن بواطن الإفهام، ويمتنع عنها آنذاك إنفاذ نور الإلهام، ولمثل هذا والله أعلم قال السيد المسيح عليه السلام: "طوبى لمن جعل بصره في قلبه، ولم يجعل بصره في عينه" هذا كلامه عليه السلامبعين لفظه، فأمعن النظر فيه، وفيما تلوناه عليك من كلام النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام تجده قد صدر من مشكاة واحدة: ﴿فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُزَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾37.
النظر في عيوب الناس
"لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب"، تحذير أطلقه روح الله وكلمته التي ألقاها إلى مريم عليها السلام، ومن الملاحظ أنّ السيّد المسيح عليه السلام قد استخدم في هذه الفقرة من وصيّته لفظ "الأرباب"، وكأنّه يريد الذين نزعت أرواحهم إلى دعوى الربوبية بسبب محبّتهم للعلوّ على غيرهم من الخلق، أو أنّه عليه السلام أراد أصحاب العبيد الذين ملكوهم بالاسترقاق أو عبر النخاسة، والله تعالى أعلم بمراد السيّد المسيح عليه السلام، ولكنّنا ذكرنا هذين الاحتمالين لأنّنا نعلم أنّ السيّد المسيح وإخوانه الكرام من أنبياء الله ورسله عليه السلام قد أخبرونا أنّ الله كتب على نفسه الرحمة، وقد روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لمّا رأى إبراهيم ملكوت السموات والأرض: أشرف على رجل على معصية من معاصي الله، فدعا عليه فهلك، ثم أشرف على آخر، فذهب يدعو عليه، فأوحى الله إليه: أن يا إبراهيم إنّك رجل مستجاب الدعوة، فلا تدع على عبادي، فإنّهم منّي على ثلاث: إمّا أن يتوب فأتوب عليه، وإمّا أن أُخرج من صلبه نسمة تملأ الأرض بالتسبيح، وإمّا أن أقبضه إليّ، فإنْ شئتُ عفوتْ، وإن شئتُ عاقبتْ"38.
إنّ الله تعالى قد كتب على نفسه الرحمة للمبتلى والمعافى من خلقه، وهو جلّ شأنه يُمهل ولا يُهمل، على عكس الذين يُراقبون الناس ويحصون عليهم عيوبهم، ويستعلون ويتكبّرون عليهم، ولا يُقيمون وزناً للآخرين، ويُسارعون إلى محاكمتهم ومحاسبتهم، فهؤلاء هم من حذّرنا ونهانا السيّد المسيح عليه السلام أن لا ننظر إلى عيوب الناس كنظرتهم حيث إنّ نظرهم هذا مزلّة قدم لا ينزلق فيها إلا جاهل، وخذ إليك مثالاً ما جرى مع سحرة فرعون، وأمرهم لم يكن غائباً عن سيّدنا المسيح عليه السلام عندما أوصى بهذه الوصيّة، فإنّهم قبل لحظات من مواجهتهم وتحدّيهم لكليم الله موسى عليه السلام كانوا لا همّ لهم إلا المال: ﴿وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾39، فماذا يقول من يتسرّع في الحكم عليهم؟ سيقول هؤلاء كذا وكذا، وينعتهم بأبشع الأوصاف، ويصدر عليهم أقسى الأحكام، والحقّ أنّهم ما إنْ عرفوا الحقّ حتى وقعوا سجّداً، وهم يقولون: ﴿آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾40، فتأمّل قولهم لما تهدّدهم وتوعّدهم فرعون قائلاً: ﴿فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى﴾41، ردّ عليه هؤلاء الأولياء بقولهم: ﴿لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾42.
الناس مبتلى ومعافى
ثم وجّهنا السيّد المسيح عليه السلام قائلاً: "وانظروا في عيوبهم كهيئة العبيد، إنّما الناس مبتلى ومعافى، فارحموا المبتلى، واحمدوا الله على العافية"، والنظر في عيوب الناس كهيئة العبيد يوجب الستر عليهم، ورحمتهم، والاستفادة من هذا النظر بأخذ العبرة ممّا ابتلوا به، فبعد أنْ نحمد الله تعالى على أنْ عافانا ممّا ابتلى به غيرنا، يجب علينا أن نسعى لإصلاح عيوب أنفسنا، وقد رُوي عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "طوبى لمَن منعه عيبه عن عيوب المؤمنين"43، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ليحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك"44، أي: ليمنعك عن أذى الناس والنظر في عيوبهم. ما تعلمه من نقصك في حقّ نفسك، وأنّك في حاجة إلى إصلاحها، فعليك أنْ تشتغل بهذا عن النظر إلى عيوب الناس، وقد أجاد القائل:
إذا شئتَ أن تحيا ودينك سالم*** وحظُّك موفور وعرضك صَيِّنُ
لسانك لا تذكُرْ به عورة امرئ*** فكلُّك عورات وللناس ألسُنُ
وعينك إن أبدتْ إليك مساوئاً*** فصُنْها وقل يا عينُ للناس أعينُ
وفي الختام نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإيّاكم ممّن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه.
* طلائع القلوب، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- الفقيه المُحدث أبن شعبة الحراني، تحف العقول، ص305، طبعة:2، جماعة المدرسين، قم.
2- يقول أكثر المفسِّرين إنّ الذي ناداها من تحتها هو عيسى المسيح أو جبريل عليهما السلام، وعلّل بعضهم هذا القول بأن الفاعل مستتر، وقال آخرون إنّ الذي نادها هو جبرائيل عليه السلام لأنّ العذراء عليه السلام لحظة ولادتها كانت أعلى الأكمة، وجبريل عليه السلام كان تحتها أسفل الأكمة، ولكن من تأمّل الآيات الواردة في هذا الشأن العظيم يعلم أنّ كلام جبريل قد خُتم بما نقله الله تعالى عنه: ﴿قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّ﴾، وجاء بعده قول الله سبحانه: ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّ﴾ ومن استنطق سياق الآيات التي أتت بعد هذه الآية المباركة، وأعاد الضمائر إلى الآية السالفة الذكر يجزم أنّ الذي نادى البتول العذراء من تحتها هو ولدها العظيم عيسى المسيح عليه السلام.
3- سورة مريم، الآية 24.
4- من كلام مولانا الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام، يراجع شرح نهج البلاغة، ج9، ص229، ومن خطبة له عليه السلام رقم 161.
5- سورة الصف، الآية 14.
6- سورة الإسراء، الآية 36.
7- سورة النور، الآية 30.
8- سورة الحديد، الآية 4.
9- عبد الواحد بن محمد الآمدي التميمي، غرر الحكم ودرر الكلم، ص637، طبعة: دار الكتاب الإسلامي، قم، وابن أبي الحديد المدائني، شرح نهج البلاغة، ج20، ص99، والعلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج75، ص13.
10- ابن أبي الحديد المدائني، شرح نهج البلاغة، ج10، ص16.
11- م.ن، الحكمة 409، الآمدي التميمي، غرر الحكم ودرر الحكم، ج1، ص273، والعلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج71، ص328 .
12- الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي، العين، ج2، ص120، طبعة دار ومكتبة الهلال.
13- حبيب الله الهاشمي الخوئي، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج21، ص489، طبعة المكتبة الإسلامية، طهران.
14- قال مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام: "العقول أئمّة الأفكار، والأفكار أئمّة القلوب، والقلوب أئمّة الحواسّ، والحواسّ أئمّة الأعضاء.." يراجع محمد بن علي أبو الفتح الكراجكي، كنز الفوائد، ج1، ص200، الطبعة 1: دار الذخائر، قم.
15- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج70، ص68 .
16- الآمدي التميمي، غرر الحكم ودرر الكلم، ص464، والعلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج74، ص284.
17- محمد بن محمد الشعيري، جامع الأخبار، ص93، الفصل الحادي والخمسون في النظر.
18- محمد بن محمد الشعيري، جامع الأخبار، ص145، الفصل السابع والمائة، والحاكم في المستدرك، ج4، ص249.
19- السيد أبو القاسم الخوئي، مصباح الفقاهة، ج1، ص214، المطبعة الحيدرية، النجف.
20- سورة الكهف، الآية 28.
21- الآمدي التميمي، غرر الحكم ودرر الكلم، ص285.
22- الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، الإختصاص، ص233.
23- سورة ق، الآية 37.
24- سورة الحج، الآية 32.
25- أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، ج5، ص 17، طبعة دار الفكر 1979 م.
26- الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه، الأمالي، ص 536، الطبعة 1: دار الثقافة، قم.
27- الآمدي التميمي، غرر الحكم ودرر الكلم، ص 501، طبعة دار الكتاب الإسلامي، قم.
28- الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه، علل الشرائع، ج1، ص109، باب علة الطبائع والشهوات والمحبات.
29- أحمد بن الحسين بن علي الخرساني البيهقي، السنن الصغير، ج2، ص237، طبعة:1، جامعة الدراسات الإسلامية، كراتشي، باكستان، والعلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج58، ص23، باب حقيقة النفس والروح وأحوالهما.
30- ابن أبي الحديد المدائني، شرح نهج البلاغة، ج19، ص337، طبعة 1 : مكتبة المرعشي النجفي، قم.
31- محمد بن زين الدين بن أبي جمهور، عوالي اللئالي، ج4، ص116، حديث 183، طبعة:1، دار سيد الشهداء للنشر، قم.
32- الشيخ الصدوق محمد بن علي، الخصال، ج1، ص240، حديث رقم 90، طبعة:1، جماعة المدرسين، قم.
33- عبد الله بن جعفر الحميري، قرب الإسناد، ص34-35، طبعة:1، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم.
34- سورة محمد، الآية 17.
35- سورة آل عمران، الآية 198.
36- سورة الرعد، الآية 29.
37- سورة النور، الآية 35.
38- جلال الدين السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ج3، ص302، طبعة دار الفكر، بيروت.
39- سورة الأعراف، الآيتان113-114.
40- سورة طه، الآية 70.
41- سورة طه، الآية 71.
42- سورة طه، الآيتان 72-73.
43- الشيخ الكليني، الكافي، ج8، ص169.
44- الشيخ الصدوق، الخصال، ج2، ص526، والشيخ الطوسي، في الأمالي، ص541.