Super User

Super User

استقبل سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية عصر يوم الثلاثاء 12/04/2016 م السيد ماتيو رينزي رئيس وزراء إيطاليا، و أشار إلى العلاقات الحسنة بين البلدين في الماضي، و الترحيب برفع مستوى التعاون، و اعتبر المشكلة و نقطة الضعف في الزيارات الأخيرة للوفود الأوربية إلى إيران هي عدم ظهور النتائج العملية للمحادثات بين الجانبين، و أضاف قائلاً: نظرتنا للتعاون مع إيطاليا و حكومتكم نظرة مختلفة و إيجابية، و نتمنى أن تكون هذه الزيارة باتجاه تعزيز هذه النظرة.
و اعتبر آية الله العظمى السيد الخامنئي سلوك إيطاليا خلال فترة فرض الحظر على إيران، أكثر منطقاً من بعض البلدان الغربية، و تابع يقول: الجمهورية الإسلامية ترحّب بتطور العلاقات مع إيطاليا في المجالات المختلفة، و خصوصاً في قطاع التعاون الاقتصادي.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامية أن القضية المهمة في الزيارات و المفاوضات مع الأطراف الأجنبية هي تطبيق الاتفاقيات و تنفيذها عملياً، و أضاف قائلاً: بعض الحكومات و الشركات الأوربية تزور إيران و تتفاوض معها، لكن نتيجة هذه المحادثات لا تزال غير محسوسة!
و استطرد الإمام الخامنئي يقول: البعض يلقي باللوم في هذه القضية على عاتق الأمريكيين، و بالنظر لسوابقهم و سلوكهم يبدو هذا التقييم مقبولاً، كما أنهم الآن أيضاً لا يعملون كما ينبغي لتنفيذ التزاماتهم في المفاوضات النووية، و يخيفون الأطراف الأخرى بتصريحاتهم و ممارساتهم من التعاون و التعامل مع إيران.
و أشار قائد الثورة الإسلامية إلى الزيارة الأوربية الأولى لرئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى إيطاليا، و اعتبر نظرة إيران لإيطاليا نظرة إيجابية و متفائلة، مردفاً: نحن طبعاً لا نحمل مثل هذه النظرة الإيجابية بخصوص بعض البلدان الأوربية، لأن نظرتهم مستقرة على أمريكا فقط كي يعملوا حسب إملاءاتها.
و اعتبر سماحته مكافحة الإرهاب موضوعاً آخر في إطار التعاون الثنائي، قائلاً: بعض البلدان الأوربية كانت تدعم بعض الجماعات الإرهابية العنيفة إلى فترات طويلة، و قد وصلت أمواج الإرهاب الخطيرة الشاملة اليوم حتى إلى أوربا.
و اعتبر آية الله العظمى السيد الخامنئي المساعدات المالية و التسليحية الأمريكية للجماعات الإرهابية من عقبات حلّ مشكلة الإرهاب، مضيفاً: هناك أخبار موثقة و دقيقة عن المساعدات الأمريكية لداعش و بعض الجماعات الإرهابية، و حتى في الوقت الحاضر حيث شكلوا تحالفاً لمحاربة داعش، لا تزال بعض الأجهزة الأمريكية تساعد داعش بشكل آخر.
و أيّد قائد الثورة الإسلامية تصريحات رئيس وزراء إيطاليا بخصوص «المكافحة الثقافية للإرهاب إلى جانب المكافحة العسكرية و المالية»، منوّهاً: الأجهزة الإعلامية الهائلة في العالم و الخاضعة لهيمنة الساسة الغربيين تتذرّع بممارسات عدد من الأشرار و الإرهابيين لتطلق مواجات من محاربة الإسلام، و المؤامرات السياسية خلف الكواليس تعرقل عملية المكافحة الثقافية للإرهاب.
في هذا اللقاء الذي حضره أيضاً الدكتور حسن روحاني رئيس جمهورية إيران الإسلامية، قال السيد ماتيو رينزي: في لقاءات اليوم تحدثنا عن قضايا مهمة، لا سيما الموضوعات الاقتصادية، و يجب أن نصلح و نعزز الآليات الاقتصادية و المالية.
و أضاف السيد رينزي: إرادة إيطاليا منصبّة تماماً على احترام الاتفاقيات، و نعتقد على هذا الأساس أنه ينبغي رفع الحظر ضد إيران بعد الاتفاق النووي، و نحن لسنا قلقين بل مصممون على العمل بالعهود التي نقطعها.
و تابع السيد زينزي مشيراً إلى اتساع مديات الإرهاب في أوربا و اعتبر سبيل مواجهة المنظمات الإرهابية استئصالها عسكرياً و قطع مصادرها المالية في بيع النفط و الآثار التاريخية، مضيفاً: استئصال داعش يمثل أولولية بالنسبة لنا، و نحن مرتاحون لأن لنا في هذا المضمار تصورات مشتركة مع إيران.
و أبدى رئيس وزراء إيطاليا أسفه لتشويه سمعة الإسلام بذريعة الإرهاب، قائلاً: عندما تقع أحداث إرهابية في أوربا اليوم، يدين بعض المسؤولين الإسلام بدل شجب الإرهاب، و مرشح رئاسة الجمهورية في أمريكا مثلاً يدّعي في دعاياته إن الإسلام هو المذنب في قضية الإرهاب!
و عدّ رئيس وزراء إيطاليا العمل الثقافي جانباً آخر من مكافحة الإرهاب مردفاً: يجب أن نثبت و ندلّ على أن الأديان تصبو للسلام و الحوار و التعايش السلمي بين البشر، و اقتدار و دور سماحتكم باعتباركم القائد الأعلى في العالم الإسلامي له أهمية كبيرة في إشاعة هذه الرؤية.

استقبل سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية عصر يوم الإثنين 11/04/2016 م السيد نور سلطان نظربايوف رئيس جمهورية كازخستان، و أشار إلى ضرورة مضاعفة التعاون بين البلدين في مختلف المجالات السياسية و الاقتصادية و الدولية و مكافحة الإرهاب، ملفتاً: بعض القوى و خصوصاً أمريكا ليست صادقة و لا جادة في دعوى محاربة الإرهاب، لكن البلدان الإسلامية تستطيع أن تبعد هذا الخطر عن العالم الإسلامي بالتعاون الصادق فيما بينها.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامية مساعدة أمريكا لداعش في العراق نموذجاً للتعامل غير الصادق للتحالفات المختلفة التي تدّعي محاربة الإرهاب، قائلاً: إنهم لتبرير تعاملهم المزدوج هذا يقسّمون الإرهاب إلى نوعين جيد و سيئ.
و أشار الإمام الخامنئي إلى الانتماء الأوربي لمنفذي الأحداث الإرهابية في أوربا، مضافاً إلى مشاركة واضحة لأفراد من البلدان الغربية مع الجماعات الإرهابية في سورية و العراق، مردفاً: تشير هذه الحقائق إلى عدم جدية الغرب و خصوصاً الأمريكان في محاربة الإرهاب.
و وصف سماحته العالم الراهن بأنه عالم متلاطم، و أضاف قائلاً: تواجه البلدان الإسلامية اليوم من جهة خطر الجماعات الإرهابية التي تنشط باسم الإسلام و في الواقع ضد الإسلام و المسلمين، و من جهة ثانية ترغب بعض القوى الغربية أن لا تكون البلدان المسلمة متحدة و متعاضدة إلى جانب بعضها.
و اعتبر آية الله العظمى السيد الخامنئي مواجهة خطر الإرهاب و التعامل المزدوج للقوى مما يفرض زيادة التعاون بين البلدان الإسلامية في إطار السياسات العقلانية و المنطقية قائلاً: إننا نشعر بالأخوّة مع البلدان المسلمة، و مواقف إيران و كازخستان واحدة في الكثير من القضايا العالمية.
و أشار قائد الثورة الإسلامية إلى التعاون بين كازخستان و إيران في المحافل الدولية مؤكداً: رغم مشتركات الدين و التاريخ و الثقافة، و مع وجود فرص كبيرة لدى البلدين، لا تزال العلاقات التجارية و الاقتصادية بين الجانبين في مستوى منخفض، و نحن نرحّب بزيادة التعاون في أبعاده السياسية و الاقتصادية و التجارية و المواصلاتية المختلفة، و كذلك التعاون حول موضوع النظام الحقوقي الخاص بالمجال البحري المشترك.
في هذا اللقاء الذي حضره أيضاً الدكتور حسن روحاني رئيس جمهورية إيران الإسلامية، اعتبر السيد نور سلطان نظربايوف إيران جاراً كبيراً و مقتدراً و موثوقاً و يمكن الاعتماد عليه، و أضاف: لدى البلدين إمكانيات كبيرة لتنمية العلاقات الثنائية، و قد اتفقنا في هذه الزيارة على خطط اقتصادية و تجارية مهمة من شأنها زيادة التعاون.
و اعتبر رئيس جمهورية كازخستان الإرهاب تهديداً و خطراً جاداً، و أشار إلى وقوع أحداث إرهابية في الغرب و مساعي الغربيين لطرح الإسلام باعتباره رمزاً للإرهاب، قائلاً: الإرهاب و أمواج هجرة المشرّدين ناجمة في الواقع عن مواجهة الحكومات القانونية في بلدان المنطقة من قبل القوى الغربية، فعندما تزول حكومة مركزية مستقرة في بلد ما سيحلّ الإرهاب محلها.
و أشار السيد نظربايوف إلى اقتدار الجمهورية الإسلامية الإيرانية و النفوذ المعنوي لسماحة قائد الثورة الإسلامية في البلدان الإسلامية مضيفاً: إنني أوافق آراء سماحتكم تماماً بخصوص وحدة العالم الإسلامي، و يجب أن نثبت لكل العالم أن الإسلام دين التقدم و الاتحاد و محاربة الإرهاب.

استقبل سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي القائد العام للقوات المسلحة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ظهر يوم الأحد 10/04/2016 م و بمناسبة عيد النوروز، القيادات العليا في القوات المسلحة الإيرانية، و اعتبر أن السمة الأهم لـ «الهوية الجمعية» للقوات المسلحة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية توفرها في آن واحد على «قدرات علمياتية و عسكرية» و «محفزات و توجهات معنوية و دينية» مؤكداً: الوظيفة الرئيسة للقوات المسلحة في نظام الجمهورية الإسلامية هي الدفاع عن حدود الأمن القومي، لذلك ينبغي تقوية القدرات العملياتية و المحفزات المعنوية لهذه القوات يوماً بعد يوم.
و أشار قائد الثورة الإسلامية إلى وجود فئتين من القوات المسلحة بهويتين معينتين في معظم بلدان العالم، قائلاً: الجيوش في بعض البلدان هي قوات عسكرية تشريفية و تجميلية و استعراضية و من دون قدرات علمياتية، و يراد منها الحفاظ على الحكومة و أمن الحكومة فقط.
و لفت القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية: توجد من هذا النموذج جيوش في منطقتنا، و بعضها تهاجم اليمن بكل قدراتها منذ أكثر من سنة و تستهدف أبناء ذلك البلد، لكنها لم تستطع في الوقت ذاته فعل شيء.
و ألمح آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى الفئة الثانية من جيوش العالم مضيفاً: لهذه الجيوش حسب الظاهر قدرات عملياتية و عسكرية عالية، لكنها لا تتبع في ساحة العمليات سوى طريقة عسكرية صرفة و بلا منطق و لا رحمة.
و اعتبر سماحته أداء الجيش الأمريكي في العراق و أفغانستان نموذجاً بارزاً لجيوش ذات هوية عسكرية محضة ملفتاً: مثل هذه القوات المسلحة إذا واجهت مشاكل في ساحات المعارك فلن تمتنع عن استخدام قوات مجرمة محترفة مثل «بلاك ووتر».
و أكد قائد الثورة الإسلامية: القوات المسلحة الوحيدة في العالم التي تتسم بالمبدئية الدينية و الحوافز المعنوية و بالكفاءة في الوقت ذاته، و تعمل في بلد يتمتع بالاستقلال السياسي، هي القوات المسلحة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
و أضاف آية الله العظمى السيد الخامنئي: الحالة العسكرية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليست موقعاً تشريفياً أو تجميلياً، و لا هي عمليات منفلتة و غير منطقية و غير مبدئية و لا مبرر لها.
و شدّد سماحته على ضرورة تعزيز الهوية الفذة للقوات المسلحة الإيرانية باستمرار، مردفاً: القوات المسلحة ليست لشخص معين أو لحزب أو لتيار خاص، إنما هي لكل الشعب و لكل البلاد، و ينبغي أن تكون سوراً لأمن الشعب و مدافعة عن الأمن القومي العام.
و لفت القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية: بزيادة القدرات العملياتية للقوات المسلحة، و هي مجموعة من التنظيمات و المعدات و التدريبات و الدعم و الإسناد، و إلى جانب رفع المستوى المعنوي الذي هو فوق الواجبات و المستحبات الدينية، و يجب أن يتوفر في أعماق قلوب القوات، سوف تكتسب القوات المسلحة شعوراً بالاقتدار الحقيقي.
قبيل كلمة الإمام الخامنئي تحدث في هذا اللقاء اللواء فيروز آبادي رئيس هيئة أركان القوات المسلحة عارضاً تقريراً عن نشاطات و برامج القوات المسلحة، و قال: تجد القوات المسلحة من واجبها الدفاع عن حرمة الإسلام الأصيل و تأمين أمن الشعب و الحدود، عن طريق رفع قدراتها العسكرية الرادعة، و خصوصاً تعزيز احتياطياتها من الصواريخ البالستية، وتطوير مقراتها الصاروخية، و نعتقد على هذا الأساس أن تنفيذ مناورات عسكرية في الظروف الحالية حالة ضرورية سوف تستمر.
هذا و كان الحاضرون قد أقاموا في بداية هذا اللقاء صلاتي الظهر و العصر بإمامة سماحة قائد الثورة الإسلامية.

إلتقى سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية ظهر يوم الأربعاء 06/04/2016 م، و بمناسبة عيد النوروز و بدء السنة الإيرانية الجديدة، لفيفاً من أعضاء هيئة الحكومة و الهيئة الرئاسية في مجلس الشورى الإسلامي، و المسؤولين رفيعي المستوى في السلطة القضائية و مدراء بعض المؤسسات، و شكر المسؤولين، و خصوصاً جهود و مساعي الحكومة المحترمة، من أجل تطبيق سياسات الاقتصاد المقاوم، مؤكداً على أهمية «الاتحاد قلباً و لساناً» و «وحدة كل المسؤولين» بهدف تطبيق هذه السياسات، و أضاف قائلاً: على المقر المركزي للاقتصاد المقاوم بقيادة الحكومة و شخص النائب الأول لرئيس الجمهورية أن يستقطب تعاون و مساعدة كل الأجهزة و يرصد بدقة أداء و تحركات القطاعات المختلفة، و يدعم الإنتاج الداخلي بجد، ليمهد الأرضية لخطوات شاملة ترمي إلى تحقيق «المبادرة و العمل» في الاقتصاد المقاوم.
و شدّد سماحته على أهمية دور قيادة مقر الاقتصاد المقاوم في الرصد الدقيق لنشاطات الأجهزة المختلفة، مضيفاً: في هذا الرصد يجب تقوية الأجهزة السائرة في إطار هذه السياسات، و توجيه الأجهزة غير المكترثة إلى المسار الصحيح، و الحيلولة دون ممارسات الأجهزة العاملة على الضدّ من الاقتصاد المقاوم.
و أكد قائد الثورة الإسلامية على أن «المبادرة و العمل» في الاقتصاد المقاوم يجب أن يكون بحيث يمكن في نهاية العام تقديم تقرير دقيق و ملموس للأعمال و الأداء في المجالات و القطاعات المختلفة، مردفاً: مجموعة الأجهزة التنفيذية بمقدورها تحقيق سياسات الاقتصاد المقاوم، و على مجلس الشورى الإسلامي أيضاً أن يساعد الحكومة في هذا المسار.
و لفت آية الله العظمى السيد الخامنئي: إننا لا نسعى لرفع التوقعات و الترقبات من الحكومة، و نحن مطلعون على طبيعة المشاكل و نواقص الاعتمادات و المصادر، و لكن يجب عن طريق الاقتصاد في بعض القطاعات تعويض الثغرات و النواقص في قطاعات أخرى.
و اعتبر سماحته المجموعة الإدارية في البلاد مجموعة من النخبة صاحبة التجربة و المتحفزة و المفكرة و العاملة، مضيفاً: مقر القيادة الذي هو مركز فكر و مركز عمل في الوقت نفسه، يجب عليه بالاستفادة من القدرات الإدارية الجيدة في البلاد و كذلك بالانتفاع من الإمكانيات و القدرات في الأجهزة المختلفة، أن يسير باتجاه اتخاذ القرارات و متابعة مراحل التنفيذ.
و أكد قائد الثورة الإسلامية على أن إدارة البلاد التي تقع مسؤوليتها على عاتق الحكومة و شخص رئيس الجمهورية عملية صعبة جداً، قائلاً: بالنظر للمشاغل الكثيرة و الواسعة لرئيس الجمهورية المحترم، بوسع النائب الأول لرئيس الجمهورية، و الذي يتمتع بمكانة ممتازة، أن يمارس دوراً خاصاً في قيادة مقر الاقتصاد المقاوم.
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي: إنني سأدعم بجد أية خطوة تتخذ في الحكومة و مجلس الشورى الإسلامي و السلطة القضائية من أجل مصالح الناس و تسهيل الأمور و حل مشكلات الشعب، لكن المهم هو أن يكون هناك شعور بأن العمل الجاري نافع و ضروري للمصالح الوطنية.
و شدّد سماحته قائلاً: ينبغي في تنفيذ سياسات الاقتصاد المقاوم الاعتماد على القدرات و الإمكانيات الداخلية الكبيرة.
و عدّ قائد الثورة الإسلامية أمريكا رمزاً لسوء الأخلاق و سوء التصرفات، منبهاً: لا يمكن الثقة بالأمريكيين، و ما عدا الأمريكيين فإن بعض البلدان الغربية الأخرى هي أيضاً كذلك، و عليه يجب الاعتماد على قدراتنا الذاتية، و مواقف و أداء الساسة الأمريكان تؤيد هذا الرأي.
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي على أننا لو نزلنا إلى الساحة بصدق فإن الله تعالى سيمدّ يد عونه بالتأكيد، مردفاً: في مسار الحياة الفردية و الاجتماعية، ثمة دائماً منعطفات صعبة و حالات يسر و انفراج، لكن المهم في كل هذه الظروف هو عدم نسيان المسار و الاتجاه الأصلي.
و أوضح سماحته أن النظر الجاد لقضية دعم الإنتاج الداخلي مسألة على جانب كبير جداً من الأهمية مضيفاً: ينبغي أن يحظى الإنتاج في القطاعين الصناعي و الزراعي باهتمام خاص.
و قال قائد الثورة الإسلامية إن «الاتحاد قلباً و لساناً و اتحاد المسؤولين» ممهد لتحقيق الاقتصاد المقاوم، و أضاف مؤكداً: من دون تعاون المسؤولين لن تتقدم الأعمال و الأمور إلى الأمام.
و تابع آية الله العظمى السيد الخامنئي: لقد تميّزت الجمهورية الإسلامية الإيرانية دوماً بامتياز الوحدة الوطنية، و لكن إلى جانب الوحدة الوطنية ينبغي أن يكون هناك اتحاد و تعاطف بين المسؤولين، و هذا الاتحاد لا يتعارض مع اختلاف الأذواق و الآراء.
و اعتبر سماحته لقاء اليوم بالمسؤولين مظهراً للاتحاد قلباً و لساناً و لأنس المسؤولين و ألفتهم بعضهم مع بعض، منوّهاً: على مسؤولي البلاد مهما كانت أذواقهم و آراؤهم أن يسيروا باتجاه الأهداف الأساسية و الثورية.
و أكد قائد الثورة الإسلامية: الشعور السائد في البلاد اليوم هو أن مسؤولي السلطات و المدراء الأصليين للنظام الإسلامي منسجمون فكرياً و نظرياً في طريق الأهداف الأصلية للثورة، على الرغم من بعض التباينات في الأذواق و الأساليب و الطرائق.
و شكر آية الله العظمى السيد الخامنئي في جانب آخر من حديثه شكراً جزيلاً صبر و تحمّل عوائل المسؤولين، و خصوصاً زوجاتهم، قائلاً: الكثير من مساعي المسؤولين و جهودهم و التي تحظى بالاهتمام، يعود الفضل فيها إلى زوجاتهم اللاتي لا يرين عادة.
و تحدث في هذا اللقاء السيد جهانگيري النائب الأول لرئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية فشكر توجيهات و إرشادات قائد الثورة الإسلامية و دعمه للحكومة قائلاً: لقد دوّنت الحكومة خطة شاملة لتطبيق سياسات الاقتصاد المقاوم، و هي تعتبر هذه السياسات الوصفة الشافية لمشكلات البلاد الاقتصادية.
و أضاف النائب الأول لرئيس الجمهورية: الحكومة تؤمن إيماناً تاماً بسياسات الاقتصاد المقاوم، و هذه السياسات مقبولة عند الحكومة من النواحي الشرعية و القانونية و الخبروية.
و أشار السيد جهانگيري إلى تعيين الأولويات الاقتصادية في السنة الإيرانية 1395 في الاجتماعين الأخيرين لمقر الاقتصاد المقاوم، منوّهاً: في الليلة الماضية أقيم اجتماع مطول مع المؤسسات الاقتصادية الكبرى، و الحكومة مصمّمة على تفعيل الإنتاج، و تنمية الصادرات، و تسهيل العمل و الكسب، و إشراك القطاع الخاص إشراكاً حقيقياً.
و اعتبر سماحته أن من لوازم نجاح الحكومة في تطبيق سياسات الاقتصاد المقاوم تعاون و مساعدة سائر السلطات و الأجهزة و المؤسسات و خصوصاً مؤسسة الإذاعة و التلفزيون، مردفاً: إنني أطمئن الجميع بأن الحكومة لن تبخل بما لديها من علم و تجربة و إدارة و قدرة في سبيل تطبيق سياسات الاقتصاد المقاوم.
قبل هذا اللقاء كان مسؤولي النظام الإسلامي قد أقاموا صلاتي الظهر و العصر بإمامة سماحة قائد الثورة الإسلامية.

إتّفق الشيعة الإمامية من صدر الإسلام وإلی يومنا هذا على كون الإمامة أصلًا من أُصول الدين، والإعتقاد بإمامة الأئمّة الإثني عشر بعد رسول الله(ص)  من لوازم الإيمان بالإسلام المبين، وکون منصب الإمامة وخلافة المسلمين بالنصب والتعيين من قبل الله ورسوله سيد المرسلين، وأنّ النبي الأكرم (ص) نصّ في أيام حياته على الخليفة من بعده، وذلك في موارد سجَّلها الحديث و قد برهنوا على ذلك في كتبهم من الموسوعات الحديثية  والمؤلّفات الكلامية  وهي تستند إلی الكتاب والسنّة و العقل .  وأمّا أهل السنّة فقد صرّحوا في كتبهم الكلامية أنّ الإمامة ليست من اُصول الدين بل هي من الفروع،والخلافة بعد الرسول(ص) بالشوری وسيوافيک أقوال وأدلة الطرفين في ذلک ، وقبلها لابدَّ من تعريف الإمامة واالإمام لغة وإصطلاحاً .

معنی الإمامة لغة وإصطلاحاً

الإمامة : هي مصدر كالعدالة و الكتابة، و قد يطلق اسماً للوصف فيقال: إمامة زيد .  والامام في اللغة عبارة عن الشخص أو الشئ الذي يؤتم به، كالرداء اسم لما يرتدى به. وكالإزار لما يؤتزر به . والامام في الإصطلاح : ما ائتم به من رئيس أو غيره، ... فيطلق علی الخليفة، و العالم المقتدى به، و من يؤتم به في الصلاة ، وعلی الکتب السماوية منها قوله تعالی: « وَ مِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى‏ إِماماً وَ رَحْمَةً وَ هذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذينَ ظَلَمُوا وَ بُشْرى‏ لِلْمُحْسِنينَ» ([1])

وکماتطلق کلمة الإمام علی أئمة الهدی تطلق علی أئمة الضلال کما يفهم من عموم معنی الآية في قوله تعالی: «يوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَ لا يُظْلَمُونَ فَتيلاً» ([2]). ويقول آية الله مکارم الشيرازی حول هذه الآية: «ومن الواضح أنّ كلمة (إمام) في هذا المكان لها معنى أوسع، و تشمل أية قيادة سواء تمثّلت بالأنبياء أو أئمّة الهدى أو العلماء أو الكتاب و السنة. ويدخل في معنى الكلمة أيضا أئمّة الكفر و الضلال، و بهذا الترتيب فإنّ كل إنسان سيسلك في الاخرة مسار القائد الذي انتخبه لنفسه في الدنيا اماماً و قائداً »([3]).

و على كل تقدير، فالمهم هو تحليل ماهية هذه الإمامة، و تحديدها، و أنّه ما ذا يراد منها في مصطلح المتكلمين ، ومن هو الإمام  الذي تجب معرفته وإطاعته .

لقد انصبّ اكثر اهتمام علماء الكلام من الفرق الإسلامية المختلفة بموضوع «الامامة» وعرِّفوهابأنَّها: رئاسة عامّة في أمور الدين و الدنيا([4]) . فتكون الشئون الدينية و الدنيوية منوطة كلها بالامام، و تكون معرفته ثم طاعته واجبة في جميع المجالات. أمّا علماء الشيعة فالإمامة عندهم بالأدلة النقلية و العقلية هي من أصول الدين. وإنّ الإمام عندهم هو الإنسان الکامل المعصوم الذي يتعين بأمر الله بواسطة النبي (ص) أو الإمام المعصوم (ع) فتکون معرفته وإطاعته من أوجب الواجبات إستناداً إلی کثير من الآيات والروايات وأقوال أصحاب الفکر والإستدلالات ،کما سيوافيک فيه البحث والمقولات ، وقبلها لابدَّ من البحث حول مفهوم ومعاني الإمامة وصلاحيتها :

مفهوم الإمامة وصلاحياتها

إذا راجعنا  المصادر الإسلامية الأصيلة، وهي : القرآن الكريم و السنة النبوية ، لوجدنا أنّ منصب الإمامة هو اصطفاء من الله لهداية الناس وإدارة شؤنهم الدنيوية والاخروية ،وإنّ من  أهمِّ شؤون  الإمامة هي هداية الناس إلى اللّه تعالى. و هذا ما يدل عليه مجموعة من الآيات الكريمة التي تحدثت عن الإمامة، و قرنت الإمامة بالهدى، منها قوله تعالى في معرض حديثه عن قصص إبراهيم عليه السّلام و ولده: « وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ وَ كانُوا لَنا عابِدِينَ‏» ([5]). و قوله تعالى: «وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَ كانُوا بِآياتِنا يُوقِنُون»([6])‏ . فالعمل الأساس للإمام هو هداية الناس وحفظ الدين من الإندراس سواء وصل إلی دکَّة الخلافة والحکم أم لم يصل ، ولکن عندما يکون مبسوط اليد وحاکماً بإمکانه أن يقوم بهذين العملين بأحسن وجه ، إضافة علی إدارة شؤون الناس دنيوياً .

و لعل أفضل نص يمكن أن نتعرف من خلاله على مفهوم الإمامة وصلاحياتها هو الآية الكريمة التي تحدثت عن جعل الإمامة لإبراهيم عليه السّلام، في قوله تعالی: «وَ إِذِ ابْتَلى‏ إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» ([7])‏ . حيث يمكن أن نفهم من هذا النص  والنصوص الاخری عدة أبعاد لمفهوم الإمامة ومن تلک الأبعاد المعاني التالية:

المعنی الأول: أنّ هذه الإمامة هي إمامة عالمية و للناس جميعاً، و ليست خاصة بقوم أو جماعة أو منطقة أو إقليم، بل هي للناس‏ و هو بعد يمكن أن نستنبطه من الآية الكريمة،  ... إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ... وهذه الإمامة هي الولاية و الحكم و الإدارة لشئون الناس، لإقامة الحق و العدل و القسط بينهم، لأنّ من يتقدم الناس في هذا الأمر، و يتحمل مسئوليته بالاصطفاء الإلهي له، لا بد أن يكون مستحقا لهذه الولاية و الإدارة و الحاكمية. و کذلک يمکن أن نستفيد هذا المعنی من الآيات الأخرى التي أكدت وجوب الطاعة للرسول و لأولي الأمر، و ذكرت قيام الناس بالقسط و الحكم فيما يختلفون فيه هدفاً لإرسال الرسل و بعثة الأنبياء .

المعنی الثاني: أنّ الإمامة في معناها الکامل والجامع هي مرتبة عالية جعلها الله لبعض أنبيائه وأوليائه  کالنبي إبراهيم عليه السّلام ، كما يبدو ذلك من بعض القرائن القرآنية من مخاطبته بها بعد الابتلاء و الامتحان، و هو ما تحقق بعد النبوة، و من سؤال أو طلب الإمامة لذريته، و لم تكن له ذرية إلّا في آخر عمره. و هو ما تشير إليه الآيات الكريمة التي تحدثت عن الأنبياء السابقين، من أنّ هذا الجعل كان بعد نبوتهم، و ما تنص عليه بعض الروايات عن أهل البيت عليهم السّلام، مثل ما رواه الكافي عن الصادق عليه السّلام: «إنّ اللّه عز و جل اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن‏يتخذه نبيا، و إن اللّه اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا، و إن اللّه اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا، و إن اللّه اتخذه خليلا قبل أن يتخذه إماما، فلما جمع له الأشياء قال: ... إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ...، قال عليه السّلام: فمن عظَّمها في عين إبراهيم قال: «... وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‏، قال: لا يكون السفيه إمام التقيّ» ([8]).

المعنی الثالث: أنّ الإمامة هي بالتعيين والتنصيص والجعل من الله تعالی لخاصَّة عباده  الصالحين، وهي عهده الذي لا يناله الظالم من عباده  كما تصرح بذلك الفقرة التالية من الآية الكريمة: «... إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»، والتي سنوضِّح دلالتها علی التنصيص في الإمامة ضمن الأدلة النقلية والعقلية الاخری التي سنذکرها بإختصار:

الف- الأدلة النقلية علی تنصيص الإمامة والخلافة:
لقد تظافرت الأدلة من الكتاب والسنة على أنّ الإمامة والخلافة بجعل من الله تعالی و لعل أفضل نص قراني يمكن أن يستدل به علی ذلک ، هو  قوله تعالی: « وَ إِذِ ابْتَلى‏ إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»([9]).فإنَّ النبي إبراهيم كان نبيّاً ورسولًا وقائماً بوظائف النبوة طيلة سنين حتّى خوطب بهذه الآية، واُعطي للخليل في أواخر عمره الإمامة،وهي عهد الله يؤتيه من يشاء من عباده المعصومين والمراد من الإمامة في المقام هو منصب القيادة، وتنفيذ الشريعة في المجتمع بقوّة، ويعرب عن كون المراد من الإمامة في المقام هو القيادة والحکومة قوله سبحانه: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى‏ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً»([10]). فالإمامة التي أنعم بها اللَّه سبحانه على الخليل وبعض ذرّيته هي الملك العظيم الوارد في هذه الآية. وعند ذلك يتّضح أنّ مقام الإمامة يلي النبوّة والرسالة، لأنَّها قيادة وحكومة إلهيّة لا يستحقها إلاَّ المعصوم من الذنوب ولذا لمَّا طلبها النبي إبراهيم لذريته خاطبه الله: لاينالها من کان ظالماً، وقد نالها بعض من ذريته وهم المذکورون في الآيات التالية: قوله تعالی حاكياً قول يوسف (ع): «رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ»([11])  ومن المعلوم أنّ الملك الذي منّ به سبحانه على عبده‏ ورسوله يوسف هو‏الحکم في الأرض حيث صار أميناً مكيناً في مصر. ويقول سبحانه في داود (ع): « ...وَ قَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَهُ مِمَّا يَشاء...» ([12]).  ويحكي اللَّه تعالى عن سليمان (ع) أنّه قال: «وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ»([13])

وهذه الآيات الكريمة تفسّر لنا حقيقة الإمامة،والمتأمّل فيها يخرج بهذه النتيجة: أنّ ملاك إمامة الناس في ذرّية إبراهيم هي العصمة، غير أنّه ربّما تجتمع مع النبوة، كما في إبراهيم الخليل، ويوسف، وداود، وسليمان، وغيرهم، وربّما تنفصل النبوة عنها فيکون إماماً معصوماً زاده الله بسطة في العلم والجسم ولم يک نبيَّاً كما في طالوت حيث أخبر الله عنه في قوله تعالی: « وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ وَ اللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ » ([14]).

وإضافة إلی الأدلة النقلية من الکتاب والسنَّة  يمکن الإستدلال بالأدلة العقلية علی کون الإمامة بالتعيين والتنصيص ومن تلک الأدلة قائدة اللطف: 

ب - الأدلة العقلية علی تنصيص الإمامة:

استدلّت الإمامية على وجوب نصب الإمام على اللَّه سبحانه بقاعدة اللطف کما في نصب الأنبياء،لأنّ وجود الإمام الذي اختاره اللَّه سبحانه، مقرّب من الطاعات، ومبعد عن المعاصي، وقد أوضحوه في كتبهم الكلامية. والمراد من اللطف کون وجود الإمام الذي اختاره اللَّه سبحانه، مقرّب من الطاعات، ومبعد عن المعاصي، المقرّب هنا سدّ الفراغات التي حصلت بعد وفاة النبي(ص) وذلک بنصب من هو صنو النبيّ الأكرم (ص) في علمه بالعقيدة والشريعة، وفي العدالة والعصمة، والتدبير والحنكة، وقيادة الأُمّة نحو الخير والصواب.

والدليل العقلي الآخر أنَّ الوصية فريضة شرعية وضرورة عقلية، ومن الثَّابت أنّ الشريعة الإِسلامية تؤکِّد الوصية على المسلم حتى في بعض الميراث البسيط کما صرَّح القرآن الكريم بذلک ([15])، وأنّ النبي (ص) كان إذا أراد الذهاب في سفر لا يترك المدينة بدون خليفة عليها لو كان سفره ليوم واحد، فكيف يترك اُمور الناس من بعده بدون راع ويعرضها إلى الفتن دون أن يوصي أو يرشح للأمر شخصاً من بعده، والحال أنّ استقرار الاُمة متوقف على ذلك وبدون ذلك يؤول الأمر إلى التنازع وهذا مايرفضه کلّ عقل سليم.

هذا بعض مانقلناه من الأدلة العقلية و النقلية حول الإمامة والخلافة بصورة عامَّة، وأمَّا ما ورد من  الأدلة علی إمامة وخلافة الإمام علي (ع) سيوافيک فيما يلي بإختصار:

الأدلة علی إمامة وخلافة الإمام علي (ع)

وأمَّا الآيات والروايات الدالة علی إمامة وخلافة الإمام علي بن أبي طالب (ع) بعد رسول الله (ص) بصورة خاصَّة  فنذکرها بإختصار ضمن الموارد التالية:

الموردالأول- آية الإنذار وحديث الدار:

بُعث الرسول الأكرم لهداية الناس وإخراجهم من الوثنية إلى التوحيد، ومن الشرّ إلى الخير، ومن الشقاء إلى السعادة، فأخذ بالدعوة ونشر دينه سنوات عديدة إلى أن نزل قوله سبحانه:  «وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» ([16]).  فعند ذلك أمر الرسول علي بن أبي طالب وهو شاب يافع يتراوح عمره بين (13 إلى 15 سنة) أمره رسول اللّه أن يعد طعاماً ولبناً ثم دعا (45) رجلًا من سُراة بني هاشم ووجوههم، وبعد أن فرغوا من الطعام قال رسول اللّه: «إنّ الرائد لا يكذب أهله، واللّه الّذي لا إله إلّا هو إنّي رسول اللّه إليكم خاصّة وإلى الناس عامّة، واللّه لتموتنّ كما تنامون، و لتبعثنّ كما تستيقظون، ولتحاسبنّ بما تعملون، وانّها الجنّة أبداً والنار أبداً»- ثم قال:- «يا بني عبدالمطلب إنّي واللّه ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا و الآخرة، وقد أمرني اللّه عزّوجل أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤمن بي ويؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي و وصيّي وخليفتي فيكم».ولمّا بلغ النبي (ص) إلى هذا الموضع وقد أمسك القوم وسكتوا عن آخرهم، قام علي (ع) وقال: «أنا يا رسول اللّه أكون وزيرك على ما بعثك اللّه»، فقال له رسول اللّه: اجلس، ثم كرّر دعوته ، ففي كلّ مرّة يحجم القوم عن تلبية دعوته ويقوم علي ويعلن استعداده لمؤازرة النبي ويأمره رسول اللّه بالجلوس، حتّى إذا كان في المرّة الثالثة، أخذ رسول اللّه بيده والتفت إلى الحاضرين من عشيرته الأقربين وقال: «إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا».([17]).

المورد الثاني - حديث المنزلة :
روى أصحاب السير والحديث أنّ رسول اللّه خرج إلى غزوة تبوك وخرج الناس معه، فقال له علي: «أخرج معك»؟ فقال صلى الله عليه و آله: «لا»، فبكى علي، فقال له رسول اللّه: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي، انّه لا ينبغي أن أذهب إلّا وأنت خليفتي». أخرجه البخاري في صحيحه. ([18]).والإستثناء يدلّ على ثبوت ما لهارون من المناصب لعلي سوى النبوّة.

وروى مسلم في صحيحه أنّ معاوية بن أبي سفيان قال لسعد بن أبي وقاص: ما منعك أن تسب أباتراب؟ فقال: امّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللّه فلن أسبّه، لئن تكون لي واحدة منها أحبّ إليّ من حمر النعم، سمعت رسول اللّه يقول له وقد خلّفه في بعض مغازيه بعد ما شكا إليه علي بقوله: «يا رسول اللّه خلّفتني مع النساء والصبيان»: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوّة بعدي». وسمعته يقول يوم خيبر: «لأُعطينّ الراية رجلًا يحبّ اللّه ورسوله، ويحبّه اللّه ورسوله» قال: فتطاولنا لها، فقال: «ادعوا لي عليّاً»، فأُتي به أرمد العين، فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح عليه.ولمّا نزلت هذه الآية: «فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ» دعا رسول اللّه عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: «اللّهمّ هؤلاء أهلي».([19])

المورد الثالث- أية التبليغ وحديث الغدير:
أجمع رسول الله (ص) الخروج إلى الحجّ في سنة عشرٍ من الهجرة، وأذّن في الناس بذلك، فقدم المدينة خلق كثير يأتمّون به في حجّته تلك التي يطلق عليها حجّة الوداع، وحجّة الإسلام، وحجّة البلاغ، وحجّة الكمال، وحجّة التمام([20])، ولم يحجّ غيرها منذ هاجر إلى أن توفّاه الله سبحانه. فلما قضى مناسكه، وانصرف راجعاً نحو المدينة ومعه من كان من الجموع المذكورات، وصل إلى غدير خُم من الجحفة ، وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجّة، نزل إليه جبرائيل الأمين(ع) عن الله مذکِّراً بقوله: «يا أيّها الرَّسُولُ بَلغ ما اُنزل إليك من ربّك...» ([21])، وأمره أن يقيم عليّاً عَلَماً للناس، ويبلغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كلّ أحد، وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة، فأمر رسول الله أن يردّ من تقدّم منهم، ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان، ونهى عن سَمُرات([22]) خمس متقاربات دَوْحات عظام أن لا ينزل تحتهنّ أحد، حتى إذا أخذ القوم منازلهم، فقمّ ما تحتهنّ، حتى إذا نودي بالصلاة - صلاة الظهر - عمد إليهنّ، فصلى بالناس تحتهنّ، وكان يوماً هاجراً يضع الرجل بعض ردائه على رأسه، وبعضه تحت قدميه، من شدّة الرمضاء. وظُلّل لرسول الله (ص) بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فلما انصرف (ص) من صلاته، قام خطيباً وسط القوم([23]) على أقتاب الإبل([24])، وأسمع الجميع، وإليک نصّ کلامه(ص) کما ذكره ابن حجر وقد اعترف بصحّة سند الحديث.  يقول ابن حجر:إنّ النبي  صلى الله عليه و آله و سلم خطب بغدير خم تحت شجرات، فقال: «أيّها الناس... ، وانّي لأظن أنّي يوشك أن أُدعى‏ فأُجيب، وانّي مسؤول وانّكم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟» قالوا:نشهد أنّك قد بلّغت وجهدت ونصحت فجزاك اللّه خيراً، فقال: «أليس تشهدون أن لا إله إلّااللّه وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حق، وأنّ ناره حقّ، وأنّ الموت حق، وأنّ البعث حق بعد الموت، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللّه يبعث من في القبور؟» قالوا: بلى نشهد بذلك، قال: «اللّهمّ اشهد» ثمّ قال: «يا أيّهاالناس إنّ اللّه مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا- يعني عليّاً- مولاه، اللّهمّ والِ من والاه وعاد من عاداه» ثمّ قال: «يا أيّها الناس إنّي فرطكم وانّكم واردون عليّ الحوض، حوض أعرض ممّا بين بصرى إلى صنعاء فيه عدد النجوم قِدحان من فضّة، وانّي سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب اللّه عزّوجلّ سبب طرفه بيد اللّه وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدّلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنّه نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لن ينقضيا حتّى يردا عليّ الحوض» ([25]).  

وأخرج حديث الغدير غير واحد من أئمة الحديث، منهم الإمام أحمد من حديث زيد بن أرقم قال: نزلنا مع رسول صلى الله عليه (و آله) و سلم بواد يقال له وادي خم، فأمر بالصلاة فصلّاها بهجير، قال: «فخطبنا وظُلِّل لرسول اللّه صلى الله عليه (و آله) و سلم بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فقال: «ألستم تعلمون، أو لستم تشهدون، أنّي أولى بكل مؤمن من نفسه؟» قالوا: بلى، قال: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه».([26]).  

وأخرجه الحاكم في مناقب علي من مستدركه عن طريق زيد بن أرقم من طريقين صحّحها على شرط الشيخين، قال: لمّا رجع رسول اللّه من حجّة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن، فقال: «إنّي دعيت فأجبت، قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب اللّه وعترتي، فانظروا كيف‏تخلّفوني فيهما، فانّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض- ثمّ قال:- إنّ اللّه عزّوجلّ مولاي وأنا مولى كل مؤمن- ثمّ أخذ بيد علي فقال:- من كنت مولاه فهذا وليّه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ...». ([27]).

ولو أردنا استقصاء مصادر الحديث ومسانيده ورواته من الصحابة والتابعين والعلماء لأحوجنا ذلك إلى تأليف مفرد، وقد قام بحمداللّه أعلام العصر ومحقّقوه بذلك المجهود ([28]).وإنّ حديث الغدير من الأحاديث المتواترة رواه الصحابة والتابعون والعلماء في كل عصر وجيل، ولسنا بصدد إثبات تواتره وذكر مصادره فقد قام غير واحد من المحقّقين بهذه المهمّة، وانّما الهدف إيقاف القارئ على نصوص الخلافة و دلالة الحديث على الولاية العامّة والخلافة الكبرى لعلي بعد الرسول، ويكفي في ذلك التدبّر في الأُمور التالية:

1- إنّه (ص) قال في خطبته: «أنا أولى بهم من أنفسهم- ثمّ قال:- فمن كنت مولاه» وهذا قرينة لفظية على أنّ المراد من المولى هو الأولى، وهذا هو معنى الولاية الكبرى للإمام.

2- إنَّ ذيل حديث الغدير وهو قوله (ص): «اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه» وفي بعض الطرق: «وانصر من نصره واخذل من خذله» إنّ هذا الدعاء لا يناسب إلّامن نصب زعيماً للإمامة والخلافة، فإنّه (ص) لمّا نصّبه إماماً على الأُمّة بعده، كان يعلم أنّ تطبيق هذا الأمر رهن توفّر الجنود والأعوان وطاعة أصحاب الولايات والعمّال، مع علمه بأنّ في الملأ من يحسده، وفيهم من يحقد عليه، وفي زمرة المنافقين من يضمر له العداء، فعاد يدعو لمن والاه ونصره، وعلى من عاداه وخذله، ليتمّ أمر الخلافة، ولِيُعْلم الناس أنّ موالاته موالاة للّه وأنّ عداءه عداؤه.

3- إنّ النبي (ص) ذكر قبل بيان الولاية قوله: «كأنّي دعيت فأجبت» أو ما يقرب من ذلك، وهو يعرب أنّه (ص) لم يبق من عمره إلّاقليل ، فأراد سد الفراغ الحاصل بموته ورحلته بنصب عليّ إماماً وقائداً من بعده.

هذه القرائن وغيرها الموجودة في كلامه، توجب اليقين بأنّ الهدف من هذا النبأ في ذلك المحتشد العظيم ليس إلّا إكمال الدين وإتمام النعمة من خلال ما أعلن عنه (ص) انّ علياً قائد وإمام الأُمّة، ومن أراد التوسّع في الاطّلاع على هذه القرائن فليرجع إلى الأثر القيّم «الغدير».([29]).

مضمون حديث الغدير ومفهوهه:
إنّ مَن درس مضمون حديث الغدير وما حوله من القرائن يقف على أنّ المراد منه هو نصب علي للإمامة والخلافة، وهذا هو الّذي فهمه الحضّار من المهاجرين والأنصار في ذلك المحفل كما فهمه من بلغه النبأ بعد حين ممّن يُحتجّ بقوله في اللغة، وتتابع هذا الفهم فيمن بعدهم من الشعراء ورجال الأدب إلى العصر الحاضر، وهذا هو حسّان بن ثابت الحاضر مشهد الغدير وقد استأذن رسول اللّه أن ينظم الحديث في أبيات منها قوله:

يناديهم يوم الغدير نبيهم      بخمّ وأسمع بالرسول مناديا
وقال: فمن مولاكم ووليّكم؟      فقالوا: ولم يبدوا هناك التعاديا
إلهك مولانا وأنت ولينا      ولن تجدنّ منا لك اليوم عاصيا
فقال له: قم يا علي فإنني      رضيتك من بعدي إماماً وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه      فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا: اللهم وال وليه      وكن للذي عادى علياً معاديا

فقال له رسول الله(ص): « لَا تَزَالُ يَا حَسَّانُ مُؤَيَّداً بِرُوحِ الْقُدُسِ مَا نَصَرْتَنَا بِلِسَانِكَ »([30]).

حتّى أنّ عمرو بن العاص الّذي لا يَخفى عداؤه لعلي على أحد يقول في قصيدته الّتي أرسلها إلى معاوية شاكياً إيّاه:

وكم قد سمعنا من المصطفى‏       وصايا مخصّصة في علي‏
وفي يوم خم رقى منبراً       وبلّغ والصحب لم ترحل‏
فأمنحه إمرة المؤمنين‏       من اللّه مستخلف المنحل‏
وفي كفّه كفّه معلناً       ينادي بأمر العزيز العلي‏
وقال: فمن كنت مولى له‏       علي له اليوم نعم الولي([31])

شبهة واهية حول معنی المولی:
إنّ المولى يراد به معان مختلفة فمنها، المحبّ والناصر، فمن أين علم أنّ المراد بها المتولّي والمالك للأمر والأولى بالتصرّف؟ ويلاحظ عليه: أنّ لفظ المولى ليس له إلّامعنى واحد وهو: الأولى.، وانّ كلّما ذكر من المعاني المختلفة له إنّما هي من موارد استعماله ومتعلّقاته، فقد ذكروا له من المعاني سبعة وعشرين معنى، خلطوا فيها المتعلّق بالمعنى، ومورد الاستعمال بالموضوع له، فقد قيل إنّ من معانيه الرب، والعم، والمعتق، والعبد، والمالك، والتابع، والمحب، والناصر وكلّها متعلّقات للمعنى، وليس له إلّامعنى واحد وهو الجامع لهاتيك المعاني جمعاء، ومأخوذ في كل منها بنوع من العناية، ولم يطلق لفظ المولى على شي‏ء منها إلّابمناسبة.

 فالربّ سبحانه هو أولى بخلقه من أي قاهر عليهم،  والعم أولى الناس بكلاءة ابن أخيه والعطف عليه، و «المعتِق» أولى بالتفضّل على من أعتقه، كما أنّ المعتق أولى بأن يعرف جميل من أعتقه عليه، والمالك أولى بالتصرّف في ماله وكلاءة مماليكه. والتابع أولى بمناصرة متبوعه ممّن لا يتبعه، والمحب والناصر أولى بالدفاع عمّن أحبّه أو التزم بنصرته.فإذن ليس للمولى إلّامعنى واحد، وتختلف هذه الأولوية بحسب الاستعمال في الموارد المختلفة.

حصيلة الکلام حول ولاية الإمام (ع):
إنَّ النبي(ص) تارة يعرّف علياً بأنّه خليفته ووصيّه ووزيره، وأُخرى بأنّ منزلته منه منزلة هارون من موسى، وأنّ له كل المناصب الثابتة لهارون إلّامنصب واحد وهو النبوّة، والدليل على ذلك هو الاستثناء «إلّا أنّه لا نبي بعدي»،وثالثة يقف النبي (ص) في أرض جافة وفي هواء حار في محتشد عظيم مبتدئاً كلامه بأخذ الشهادة من الناس على ولايته عليهم ثمَّ يأخذ بيد الإمام علي (ع) في غدير خم ليقول: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه»، ودلالة هذه النصوص على خلافة من عيّنه الرسول(ص) من بعده إماماً ووليَّاً وقائداً علی المسلمين  على وجه لا ينكره إلّا مكابر ولا يردّه إلّامعاند، وكفانا في الموضوع ما ألّفه علماؤنا قديماً وحديثاً .

لماذا رضي الإمام علي (ع) بالأمر الواقع ؟
هناك سؤال يطرح نفسه، وهو أنّه لو كان الحق كما نطقت به النصوص كتاباً وسنّة، وثبت أنّ الرسول لم يرحل عن أُمّته إلّا بعد أن نصب علياً للخلافة والقيادة،  فلماذا أعرض المهاجرون والأنصار عن ما أُمروا أن يتمسّكوا به وانثالوا علی غير علي ،ولماذا لم يطلب الإمام حقّه الشرعي و رضي بالأمر الواقع؟

والجواب: أمّا إعراض المهاجرين عن النص، فليس هذا أمراً عجيباً، فقد أعرضوا عن كثير من النصوص، واجتهدوا اتجاهها،و إنّ المهم هو بيان السرّ الّذي دفع الإمام إلى ترك المطالبة بحقّه بالقوة والعنف، ولکن ليس معنی هذا سکوت الإمام ورضاه عنه، بل أظهر الإمام عدم رضاه بالأمر الواقع وأنّه غصب حقّه،و يقف علی هذا الأمر كلّ من قرأ مأساة السقيفة في كتب التاريخ، فلا يفوتنّك قراءة السيرة النبوّية لابن هشام،و طبقات ابن سعد، و الإمامة والسياسة لابن قتيبة، وتاريخ الطبري و العقد الفريد، فكلّها مفعمة بشكوى الإمام وعدم قبوله بالأمر الواقع، غير أنّ التكليف حسب القدرة، وفي ظلّ المصالح العامّة، فلم يكن للإمام قدرة على المطالبة بحقّه، وعلى فرض وجودها كانت المصلحة تكمن يومذاك في إدلاء الأمر إلى متقمّصيها وعدم المطالبة بها بالقهر والقوّة، وإليك ما يدل على ذينك الأمرين من خلال دراسة بعض النصوص التاريخية:

فهذا ابن قتيبة يسرد تاريخ السقيفة، وما فيه من مآسي، يقول: إنّ علياً كرّم اللّه وجهه أُتي به إلى أبي بكر وهو يقول: «أنا عبداللّه وأخو رسول اللّه» فقيل له: بايع، فقال: «أنا أحقّ بهذا الأمر منكم، وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيّ، وتأخذوه منّا أهل البيت غصبا! ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمد فيكم فسلّموا إليكم الإمارة، فإذن أحتجُّ عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، نحن أولى برسول اللّه حيّاً وميتاً، فأنصفوا إن كنتم تؤمنون، وإلّا فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون» ([32]). فأيّ بيان أروع من هذا البيان، وأيّ بلاغ أصرح منه، فقد فنَّد إستدلال المتقمّص للخلافة بهذا البيان .

ولمّا انتهت إلى أميرالمؤمنين(ع) أنباء السقيفة قال (ع): « ماذا قالت قريش؟» قالوا: احتجّت بأنّها شجرة الرسول صلى الله عليه و آله و ، فقال (ع): «احتجّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرّة».([33]).

وروى الرضي في المقام شعراً للإمام:

فإن كنت بالشورى ملكت أُمورهم‏       فكيف بهذا والمشيرون غيّب‏
وإن كنت بالقربى‏ حججت خصيمهم‏       فغيرك أولى‏ بالنبي وأقرب‏ ([34]).

و الإمام لم يكتف بهذه الجُمل في بادئ الأمر، بل استمرّ على بيان الحق بأساليب مختلفة منها إحتجاجه بحديث الغدير ، قال عمرو بن واثلة: كنت على الباب يوم الشورى وعلي (ع) في البيت، فسمعته يقول: «لأحتجنَّ عليكم بما لا يستطيع عربيّكم ولا أعجميّكم تغيير ذلك- ثمّ قال:- أُنشدكم اللّه، أفيكم من وحّد اللّه قبلي؟» قالوا: لا ...- إلى أن قال:- «فأُنشدكم باللّه، هل فيكم أحد قال له رسول اللّه: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، ليبلّغ الشاهد الغائب غيري؟» قالوا: اللّهمّ لا. ([35]).

وهذه شواهد باهرة على عدم سكوته ولا رضاه بالأمر الواقع، بل استمرّ على هذا إلى آخر حياته، ويتّضح هذا بالرجوع إلى کلامه مع ابن عباس المعروف  بالشقشقية وهو في أوآخر أيام خلافته فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ ذَكَرْتُ الْخِلَافَةَ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع)، فَقَالَ: « وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا أَخُو تَيْمٍ وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى ، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَ لَا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ، فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً، وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً، وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ، يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ، وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ، فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هاتى [هَاتَا] أَحْجَى، فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعين قَذًا، وَ فِي الْحَلْقِ شَجًا، أَرَى تُرَاثِي نَهْباً، ...» ([36]).

وأمّا عدم قيام الإمام (ع) بأخذ الحقّ بالقوة، إذ لم يكن يومذاك أيّ منعة وقدرة للإمام(ع)، ولو افترضنا وجود القدرة، لكنَّ مصالح الإسلام كانت تكمن في المسالمة وإدلاء الأمر إليهم، حيث يقول (ع): « لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِي وَ وَ اللَّهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ وَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً الْتِمَاساً لِأَجْرِ ذَلِكَ وَ فَضْلِهِ وَ زُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَ زِبْرِجِهِ » ([37]).وفي خطبة اُخری يشير الإمام (ع) إلی موقف آخر من مواقفه فيقول:« فإن أقل، يقولوا: حرص على الملك، وإن أسكت، يقولوا: جزع من الموت، هيهات بعد اللّتيَّا والّتي واللّه لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أُمّه، ...».([38])

لا يصلح للخلافة إلّا علي (ع)
كان الإمام قرابة ربع قرن جليس بيته، يشتغل ببعض الأُمور لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، إلى أن قُتِل عثمان و انثال الناس على الإمام من كل جانب هاتفين: لا يصلح للخلافة إلّاعلي ،لقد روى الطبري نقلًا عن محمّد بن الحنفية: كنت مع أبي، حين قتل عثمان‏فدخل منزله، فأتاه أصحاب رسول اللّه(ص)، فقالوا: إنّ هذا الرجل قد قتل، ولابدّ للناس من إمام، ولا نجد اليوم أحداً أحقّ بهذا الأمر منك، ولا أقدم سابقة، ولا أقرب من رسول اللّه صلى الله عليه (و آله) و سلم فقال(ع): «لا تفعلوا فانّي أكون وزيراً خير من أن أكون أميراً» فقالوا: واللّه ما نحن فاعلين حتّى نبايعك، فقال(ع) : «ففي المسجد، فإنّ بيعتي لا تكون خفياً، ولا تكون إلّاعن رضا المسلمين»، قال سالم بن أبي الجعد: فقال عبداللّه بن عباس: فلقد كرهت أن يأتي المسجد مخافة أن يشغب عليه، وأبى‏ هو إلّاالمسجد. فلمّا دخل، دخل المهاجرون والأنصار، فبايعوه، ثم بايعه الناس...([39]). ولم تشهد ساحة الخلافة إحتشاداً جماهيرياً ، مثلما شهدته في بيعة الإمام علي(ع)، فقد اتّفق المهاجرون والأنصار، والتابعون على المبايعة، ولم يتخلّف إلّاقليل من الناس لا يتجاوزن عدد الأنامل. وقد جاء الطبري بأسمائهم يقول: بايعت الأنصار علياً إلّانفراً يسيراً، منهم: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، ومَسلمة بن مخلَّد، وأبو سعيد الخدري،وغيرهم...

ولمَّا قام الإمام (ع)بالأمرإنهالت عليه الحروب الثلاثة: الجمل وصفين والنهروان،  وهو يصف ذلك بقوله: «فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة،ومرقت أُخرى، وقسط آخرون، كأنّهم لم يسمعوا كلام اللّه سبحانه يقول: «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»([40]).بلى‏! واللّه لقد سمعوها ووعوها، ولكنّهم حَلِيَتْ الدنيا في أعينهم، وراقهم زِبْرجها ،أما و الّذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة  ظالم، ولا سغب‏ ([41]).مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنيا كم هذه أزهد عندي من عفطة عَنْز» ([42])

مؤهلات أمير المؤمنين (ع) للخلافة

يكفي لأي إنسان منصف أن يُلقي نظرة سريعة على حياة ومواقف الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) ليخرج بنتيجة واضحة أنَّ هذا الرجل العظيم ذو شخصية فذة وفريدة لا يقاس به أحد بعد رسول الله(ص) ،وله من المؤهلات الدينية والسياسية والعسکرية ماتجعله هوالأفضل والأولی بالخلافة بعد النَّبي (ص) بغضِّ النظر عن کونه إنساناً معصوماً منصوصاً عليه بالإمامة والخلافة بعقيدة الشيعة بنصِّ آية الولاية ([43]) وآية التبليغ ([44])وحديث الغدير وغيرها من نصوص الکتاب والسُّنة، فهو وليد الکعبة وربيب النبي (ص) وابن عمِّه وأخوه([45]) ،وصهره، وأوَّل من آمن به ، وباب مدينة علمه وأعلم الناس بسنَّته ووزيره وحافظ سرِّه وحامل لواء نصرته،ونفسه التي بين جنبيه بنصِّ آية المباهلة([46]).ومن أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً .

وکانت حياة الإمام(ع) مملوءَة بالمواقف المشرَّفة من البطولات والتضحيات في سبيل الله ونصرة الإسلام والمسلمين ، ولولاه لما استقام الدين کما صرَّح بذلک سيد المرسلين(ص)، ففي العهد المكي ومن بداية البعثة النبوية كان علي بن أبي طالب(ع)  أوَّل من آمن بالنبي محمد(ص) ورسالته الخالدة وصلَّی خلفه وهو في العقد الأوَّل من عمره([47]) ، ثمَّ شاركه وآزره في قضية يوم الإنذار ،. وحضر معه (ص) في شعب أبي طالب ، وقد انتهت أدواره(ع) المکية بمنامه في فراش النبي (ص) ليسلم (ص) من الأعداء، وشراه بنفسه([48]) وذلک عند هجرته(ص) إلی يثرب، ثمَّ التحاق الإمام(ع) به في يثرب ليستمرَّ في مؤآزرته ونصرته لرسول الله(ص) ([49]).

و في بداية العهد المدني وفي السنة الثانية للهجرة تزوَّج الإمام علي(ع) بإبنة رسول(ص) فازداد فخراً واعتزازاً ورزق منها الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وزينب الحوراء بطلة کربلاءواستمرَّ الإمام (ع) في المدينة بمشاركته الفاعلة في الغزوات والمواطن الخطرة التي قلَّ أن يثبت فيها أحد، تُعدّ الأبرز والأهم فكان يواجه تلك الأخطار التي ارتعدت منها الفرائص وخفقت عندها القلوب فأصبح المثل الأعلى في هذه الساحة التي لولاه لما استقام الدين الحنيف، بداية من غزوة بدر الکبری ثمَّ اُحد والخندق(الأحزاب) وخيبر ومکَّة إلی آخر غزواته(ص) الصغيرة والکبيرة منها ما عدی غزوة تبوک التي جعله خليفة لنفسه علی المدينة، وقد أسهمت تلك الأدوار والمواقف في ترسيخ اُسس هذا الكيان الرسالي وبناء الحضارة الإسلامية . وکل ذلک بشهادة الخلفاء الثلاثة والصحابة ومسطور في کتب التفاسير والحديث والتاريخ، وهناک الکثير من البطولات والفضائل والکرامات للإمام علي (ع) التي يشهد له العدُّو قبل الصديق.

وبانتهاء العهد المدني بوفاة رسول الله(ص) يأتي عهد الخلفاء حيث عُرف الإمام(ع) خلاله بالمسالمة والصبر والتعاون معهم وفق ما تقتضيه المصلحة العليا للإسلام والمسلمين، فرغم أن الإمام (ع) كان يرى محله من الخلافة محل القطب من الرحى ولكن سالم وصبر وفي العين قذا وفي الحلق شجى، على حد تعبيره،([50]) مدة ربع قرن، وفي هذه الفترة اجتهد الإمام (ع) في جمع القرآن الكريم مشعل هداية الأمة الإسلامية استمراراً لمهام الرسالة في تلك الظروف العصيبة، ولم يقف مكتوف اليد أمام التطورات المتسارعة التي كانت الاُمَّة تشهدها بل ساهم في إدارة شؤونها بكل إخلاص، إلى أن حان الوقت لكي تعود الأمة إلى رشدها وتعرف إمامها فالتجأت إليه تسلِّم له زمام أمرها بعد تلك الخطوب الصعاب فحمل عبء الخلافة وقيادة الاُمّة بكلِّ جدارة وحكمة خلال نصف عقد، حارب فيها الناكثين والقاسطين والمارقين وأقام العدل بين الناس وأحيا السنّة وأعاد للإسلام عزَّته وشوكته ورسالته المحمدية الأصيلة.  وهكذا نسير مع تاريخ حياة هذا الإمام العظيم ودوره الرائد في الإسلام حتى ننتهي إلى شهادته يوم الواحد والعشرين من شهر رمضان من السنة الأربعين للهجرة حيث كان يصلي لربه في محراب مسجد الكوفة، فكفاه فضلاً وشرفاً أن يكون وليد الكعبة وشهيد المحراب([51]).

هذا بالنسبة إلی إمامة وخلافة الإمام علي (ع)وأمَّا الإستدلال علی إمامة سائر الأئمة من أهل البيت عليهم السلام فتکفينا آية التطهير وآية اُولي الأمر وحديت الثقلين وحديث السفينة ،وتنصيص کلِّ إمام علی الإمام من بعده وغيرها من الدلائل والقرائن التي سنذکرها في محلِّها في مبحث  مکانة أهل البيت عند الشيعة في الدرس الرابع عشر ، ونکتفي هنا بذکر بعض النصوص النبوية  علی إمامة الأئمّة الاثني عشر .

النص علی إمامة الأئمّة الاثني عشر
إنّ من تصفّح مصنّفات الحديث النبوي الشريف يجد أنّ هناك روايات تنص علی خلافة الأئمّة الاثني عشر بعد رسول الله (ص) وتحدِّد عددهم وتعيِّن سماتهم وصفاتهم ، من دون ذكر لأسمائهم، وهي أحاديث الأئمّة الاثني عشر التي رواها أصحاب الصحاح والمسانيد، وهي على وجه لا ينطبق إلّاعلى من عيّنهم الرسول (ص) للخلافة من بعده، ولذلك نذكرها في عداد أدلّة التنصيص على الخلافة: روى البخاري عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه (و آله) وسلَّم يقول:«يكون اثنا عشر أميراً» فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنّه قال: «كلّهم من قريش» ([52]).   وروى مسلم عنه أيضاً قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه (وآله) وسلَّم يقول: «لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة» ثمّ قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟فقال: قال: «كلّهم من قريش» ([53]). و قال ابن حجر في الصواعق: أخرج الطبراني عن جابر بن سمرة أنّ النبي صلى الله عليه (و آله) وسلَّم قال: «يكون بعدي اثنا عشر أميراً كلّهم من قريش» ([54]). وغير ذلك من الأحاديث الدالّة على أنّ الأئمّة بعد النبي الأكرم (ص) اثنا عشر كعدد نقباء بني إسرائيل ، وهؤلاء أوّلهم علي بن أبي طالب(ع) وآخرهم المهدي المنتظر(ع) ، بهم حفظ اللَّه تعالى دينه وأعزّ رسالته، وبهم لايزال الإسلام عزيزاً، منيعاً،قائماً. وقد وصل إلی منصب الخلافة بالفعل إثنان منهم فقط وهما الإمام علي (ع) ما يقارب خمس سنين وابنه الإمام حسن (ع) ما يقارب ستة أشهر وبقية الأئمة لم يتسن لهم الخلافة ولکن قاموا بوظيفة الإمامة وهي: إرشاد الاُمَّة وهدايتها نحو الخير والصلاح ، لأنَّ الإمامة أعمُّ من الخلافة ، فالإمام المنصوب من قبل الله هو إمام سواء وصل إلی الحکم أم لم يصل ومشروعيته منبعثة ومستمدَّة من الله ومقبوليته من قبل الناس فإذا حضر الناس وتوجَّهوا إليه وبايعوه وجب عليه القبول عملاً بالتکليف الإلهي کما فعل أمير المؤمنين (ع).

الإمامة والخلافة عند أهل السنة
لقد اعتبر أهل السنّة الإمامة حكماً شرعياً فرعياً كسائر الأحكام الفرعية الواردة في الكتاب والسنّة والكتب الفقهية، و عدم كون الخلافة من صميم الدين عندهم .فهذا الآمدي (551- 631 ه) يقول: واعلم أنّ الكلام في الإمامة ليس من أُصول الديانات ولا من الأُمور اللابديات بحيث لا يسع المكلّف الإعراض عنها، والجهل بها ([55]). و قال السيّد الشريف (المتوفّى 816 هـ) في شرح المواقف، المرصد الرابع في الإمامة ومباحثها:« وليست الإمامة من أُصول الديانات والعقائد خلافاً للشيعة، بل هي عندنا من الفروع المتعلّقة بأفعال المكلّفين إذ نصب الإمامة عندنا واجب على الأُمّة سمعاً ([56]). وقد عقد ابن كثير الحنبلي في كتابه «البداية والنهاية» باباً مستقلًا في أنّ رسول اللَّه(ص) لم يستخلف وتبعه السيوطي في «تاريخ الخلفاء».

شکل الحکومة عند أهل السنّة
قد تعرّفت على نظام الإمامة والخلافة عند الشيعة، وحان البحث عن صيغة الخلافة لدى أهل السنّة، وأنّهم يختلفون عن الشيعة في شكل الحكومة بعد رسول اللّه، في أمرين:

الأوّل: فيما يتعلّق بجوهر الإمامة والخلافة وأساسها، فانّ الخلافة عند الشيعة إمرة إلهية، واستمرار لوظائف النبوّة ، سوى‏ تلقّي الوحي الإلهي، والامام نفس الرسول في الصلاحيات والوظائف غير أنّه ليس بنبيّ، لأنّ النبوّة ختمت بالنبي محمد(ص) فلا نبي ولا رسول بعده، وكان الإمام علي وعترته الطاهرة على هذا الوصف فكانوا خلفاءً إلهيّين عيّنهم الرسول (ص) ولكن لم تسمح الظروف للقيام بجميع وظائفهم إلّا للإمام علي (ع). وفترة قصيرة للإمام الحسن (ع) ولكن الخلافة عند أهل السنّة رئاسة دينية لتنظيم أُمور الأُمّة من تدبير الجيوش، وسد الثغور، وردع الظالم، والأخذ للمظلوم، وقيادتهم في حجّهم وغزوهم ([57]).ولأجل اختصاص وظائف الإمام بهذه الأُمور السياسية لا تشترط فيه العصمة، ولا الإحاطة بالشرع أُصوله وفروعه، بل يكفي فيه المقدرة لتدبير الأُمور، وتسهيل الحياة للأُمّة فعلى‏ ذلك، فلا تتجاوز وظائفه عن الوظائف المخوّلة للحكومات الحاضرة، غير أنّه يجب أن يكون مؤمناً باللّه ورسوله وقائماً بالوظائف الشرعية الفردية، ولا يعزل عن مقامه بالخروج عن الطاعة واقتراف المعصية حسب ما ذكروه في محلّه ([58]).

الثاني: إنّ الإمام عند الشيعة يُعيّن من جانب اللّه سبحانه ويبلّغ بواسطة الرسول (ص)، وأمّا الإمام عند أهل السنّة، فقد فوّض أمر انتخابه إلى الأُمّة على وجه الإجمال ولم تذكر خصوصياته على وجه التفصيل، والّذي يظهر من مجموع كلامهم، أنّ الإمامة تنعقد عن طريق الشورى، واختيار أهل الحل والعقد أوّلًا، وبتعيين الإمام السابق ثانياً، وبالغلبة ثالثاً.

قال الماوردي: الإمامة تنعقد بوجهين:أحدهما: باختيار أهل الحل والعقد. والثاني: بعهد الإمام من قبل ([59]). ثمّ إنّهم اختلفوا في عدد من تنعقد بهم الإمامة على مذاهب شتّى‏، قالت طائفة: أقلّ ما تنعقد به منهم خمسة، بشهادة أنّ بيعة أبي بكر انعقدت بخمسة وهم: عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة الجرّاح، واسيد بن حضير، وبشير بن سعد، وسالم مولى أبي حذيفة. وقال آخرون: تنعقد بثلاثة، يتولّاها أحدهم برضا الاثنين، ليكونوا حاكماً وشاهدين، كما يصحّ عقد النكاح بولي وشاهدين. وقالت طائفة أُخرى: تنعقد بواحد، لأنّ العباس قال لعلي: امدد يدك أُبايعك، فيقول الناس عم رسول اللّه بايع ابن عمّه فلا يختلف عليك اثنان، ولأنّه حكم وحكم الواحد نافذ. ([60]).

و هناك أسئلة تطرح نفسها حول نظام الشورى وهي: من هم المشاركون في الشورى ومن هم أهل الحل والعقد؟ ومن يختارهم؟ وتبقی الأسئلة بدون جواب مقنع، وحتَّی أدلَّة القائلين بالشوری ليست بمقنعة ولايمکن التمسُّک بهاحيث لم يتمسَّک بها ولم يعمل بها حتَّی أصحابها ولم تتمَّ خلافة الخلفاء بالشورى  کما سيوافيک البحث والدليل([61]).

أدلة القائلين بنظام الشورى للخلافة:
إنّ القائلين بكون نظام الحكم بعد رحلة الرسول الأعظم (ص) و هو الشورى، استدلّوا  بالآيتين الواردتين حول الشورى، و بانّ خلافة الخلفاء تمّت بالشورى. فالآية الأُولى قوله تعالی‏: «فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ».([62]). انّ الآية خطاب للنبي (ص) وهوالحاكم الإسلامي وأنّ عليه المشورة أوّلًا وأخذ التصميم النهائي ثانياً، وأمّا أنّ الحاكم الإسلامي يتعيّن بالشورى، والّذي يؤكّد هذا المعنی أنّه يأمر النبيّ بعد المشاورة، بالتوكّل عند العزم، وأنّ له الرأي النهائي والأخير. وأمّا الآية الثانية: «وَ أَمْرُهُمْ شُورى‏ بَيْنَهُمْ» ([63])،  فهي تحثّ المؤمنين على المشورة في جميع الأُمور المرتبطة بهم، وأمّا أنّ أمر الخلافة والولاية، من الأُمور المرتبطة بهم فلا تظهر من الآية.ولا يصحُّ التمسّك بها في مثل هذا المقام المردّد بين كونه من أُمور المؤمنين أو ممّا يرجع إلى اللّه ونبيّه(ص) . وأمَّا الإستدلال بشرعية الشوری في إختيار الإمام والخليفة بکون الخلفاء بعد الرسول (ص) تمّ‏ إنتخابهم عن طريق الشوری هو إدعاء باطل بشهادة التاريخ کما سيوافيک:

خلافة الخلفاء لم تتمَّ بالشورى:
إنَّ من قرأ تاريخ السقيفة وانتخاب الخلفاء الثلاثة يقف على أنّه لم يكن هناك أي ‏مشورة ولا استشارة، وإنّما تمّت خلافة أبي بکر في أجواء الترهيب والترغيب في سقيفة بني ساعدة، ببيعة عدّة من المهاجرين، كعمر بن الخطاب وأبي عبيدة الجراح، وبيعة الأوسيين من الأنصار. والعجب أنَّه لم يستند أحد من المتواجدين في السقيفة إلى نظام الشورى‏، فادّعى‏ أبوبكر أنّ المهاجرين من أقوام النبيّ وعشيرته، واحتجّ الأنصار بأنّهم هم الذين آووا الرسول (ص)، ونصروه، وأمَّا خلافة عمر الخطاب فإنَّها تمّت بتنصيص من الخليفة الأوّل وانّه استبدّ بالأمر ولم يدع مجالاً للأُمّة ([64]).والإنسان عندما يقرأ هذه الصفحة من التاريخ، يقف على قيمة ما ذكره الإمام علي (ع)، عندما رفعوا السيف على رأسه ليبايع أبابكر، فقال لعمر: «إحلب يا عمر حلباً لك شطره، أُشدد له اليوم أمره، ليردّه عليك غداً، ألا واللّه لا أقبل قولك ولا أُبايع» ([65]). وقد تحقّق قول الإمام حيث ردّ عليه الأمر من بعد.

وهذا عمر بن الخطّاب، فبعدما جرح ودنا أجله عيَّن ستة أشخاص وهم: علي بن أبي طالب (ع)، وعثمان بن عفّان، وطلحة، والزبير العوّام، وسعد بن أبي وقّاص، وعبدالرحمن بن عوف، وفي الحقيقة كانت لعبة سياسية ولم تکن شوری سداسية وكان الهدف منها تسليم الخلافة إلى عثمان . وقد أفصح الامام أميرالمؤمنين (ع) بما يكنّه ضميره حول وصية الشورى، فقال في بعض حديثه :« فياللّه وللشورى، متى اعترض الريب فيّ مع الأوّل منهم حتّى صرت أُقرن إلى هذه النظائر! لكنّي أسففت إذ أسفّوا، وطرت إذ طاروا؛ فصغا رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره ...». ([66]).وبهذا تبيّن أنّ الشورى كانت نظرية بدون تطبيق، وقد بلغت فضاحة الأمر في السقيفة إلى حدّ يصفه عمر بقوله: كانت بيعة أبي بكر فلتة كفلتة الجاهلية وقى‏ اللّه المسلمين شرّها. أو قال: كانت بيعة أبي بكر فلتة فتمّت،  فمن بايع رجلًا من غير مشورة من المسلمين، فانّه لا بيعة له ([67]).

الهوامش:
([1])الأحقاف: 12.  ولمزيد من الإطلاع علی المعنی اللغوی والإصطلاحي للإمام راجع کتب اللغة و التفاسير وعلم الکلام في ذلک  .منها القاموس المحيط ،والمصباح المنير، ،  الكشاف للزمخشری،و الالفين للعلامة الحلي وغيرها من الکتب .
([2])الإسراء: 71.

([3])الأمثل 9: 67.
([4]) المواقف: 345، و قال فيه: «و نقض بالنبوة». و إنّ النقض غير وارد لأنَّ الوحي من مختصَّات النبوة. وفي  المصدر نفسه قال : «الإمامة خلافة الرسول في إقامة الدين، بحيث يجب اتّباعه على كافة الأمة» .
([5])الأنبياء: 73.  
([6])  السجدة: 24.

([7])البقرة: 124.
([8]) أصول الکافي1: 175ح2. و روي هذا المعنى بأسانيد أخرى عن الباقر و الصادق عليهما السّلام، و للعلامة الطباطبائي قدّس سرّه بحث روائي جميل و مفيد حول هذا الحديث، الميزان 1: 276.
([9]) البقرة: 124.
([10]) النساء: 54.
([11]) يوسف: 101.
([12]) البقرة: 251.
([13]) سورة ص: 35.
([14]) البقرة: 247.
([15]) البقرة :180.
([16]) الشعراء: 214.
([17])  مسند أحمد: 1: 111، تاريخ الطبري 2: 62 ، و غيرها من المصادر الفريقين.
([18]) صحيح البخاري 5: 24، باب فضائل أصحاب النبي (ع)، باب مناقب علي.
([19]) صحيح مسلم 6 :120، باب فضائل علي.
([20]) الغدير 1: 9، إنّ الوجه في تسمية حجة الوداع بالبلاغ هو نزول الآية 67 من سورة المائدة، كما أنّ الوجه في تسميتها بالتمام والكمال هو نزول الآية الثالثة من سورة المائدة.
([21]) سورة المائدة: الآية 67.
([22])  سَمُرات، جمع سمرة: شجرة الطلح.
([23])  الهيثمي في مجمع الزوائد 9: 106، وتاريخ آل زرارة لابن غالب الزراري 2: 84.
([24])  ثمار القلوب 511-636 رقم 1068، المستدرك للحاكم 3: 533.
([25]) الصواعق المحرقة : 43، وأخرجه ابن حجر من طريق الطبراني وغيره، وحكم بصحّته.
([26]) مسند أحمد 4: 372، وأخرجه أحمد أيضاً في مسنده من حديث البراء بن عازب من طريقين.
([27]) المستدرك 3: 109، وأخرجه الذهبي في تعليقته على المستدرك وصرّح بصحّة الحديث.
([28]) راجع العبقات للسيد مير حامد حسين (المتوفّى 1306 هـ)، والغدير للعلّامة الأميني (المتوفّى 1390 هـ).
([29]) الغدير 1: 370، وقد ذكر هناك ما يقرب من عشرين قرينة على ما هو المراد من الحديث.
([30]) بحارالأنوار21 : 388 ،باب 36، حجة الوداع ، عن الإرشاد للمفيد .
([31]) والقصيدة تربو على 66 بيتاً، نقل قسماً منها ابن أبي الحديد في شرحه: 10: 56 ونقلها برمّتها الأميني في الغدير 2: 115.
([32]) الإمامة والسياسة 1: 11.
([33]) نهج البلاغة: الخطبة 67.
([34]) نهج البلاغة: قسم الحكم، برقم 190.
([35]) الصواعق المحرقة: 75؛ المناقب للخوارزمي: 135 برقم 152.
([36]) نهج البلاغة: خ3، الخطبة الشقشقية،وفي الحقيقة ليست بخطبة وإنَّما هو حديث شجون مع ابن عباس.(اُنظر موسوعة التاريخ الإسلامي5: 306) وراجع شرح‏ نهج ‏البلاغة 6: 166. وبحارالأنوار29 :497 باب 15، باب شكاية أمير المؤمنين (ع).
([37])  المصدر السابق .
([38])  نهج البلاغة: الخطبة 5.
([39]) تاريخ الطبري 3: 450.
([40]) القصص: 83.
([41]) الكظّة: البِطْنَة (ما يعتري الآكل عند امتلائه بالطعام)،و السغب: شدة الجوع.
([42]) نهج البلاغة: الخطبة 3.
([43]) إشارة إلی الآية( 55)من سورة المائدة قوله تعالی: « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُون‏».
([44]) إشارة إلی الآية( 67)من سورة المائدة قوله تعالی:«يا أيّها الرَّسُولُ بَلغ ما اُنزل إليك من ربّك...».
([45]) إشارة إلی مؤآخاة النبي (ص) مع عليٍ(ع) في المدينة .
([46]) إشارة إلی الآية( 61)من سورة آل عمران قوله تعالی:  «فَمَنْ حَاجَّكَ فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا...».
([47]) إنَّ علي بن أبي طالب (ع) لم يسجد لصنم قط، ولم يُشرِك بالله طرفة عين، ومن هنا اتفقت كلمة العلماء على احترام هذه الفضيلة وتقديسها له حين ذكره بقولهم: «علي كرم الله وجهه» . ، وكان أوَّل من آمن برسالته (ع) في السنة الأولى للبعثة كما شهدت بذلك المصادر التاريخية المعتبرة، راجع: سنن البيهقي 6: 206، تاريخ الطبري 2: 55 ، الكامل في التاريخ 2: 57، أسد الغابة 4: 16، تاريخ ابن خلدون 3: 715،  السيرة الحلبية 1: 432، مروج الذهب 2: 283، ، الإصابة في معرفة الصحابة 2: 507.
([48]) إشارة إلی الآية (207) من سورة البقرة: «وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللهِ». ومن مصادر الخبر في نزول الآية نزلت في علي(ع) ليلة المبيت على الفراش: أسد الغابة 4: 25، تاريخ اليعقوبي 2: 39،  شواهد التنزيل 1: 97،  المناقب للخوارزمي: 74، التفسير الكبير 5: 204، والجامع لأحكام القرآن 3: 31. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 13: 262.
([49]) راجع سيرة ابن هشام 1: 245،تاريخ الطبري 3: 1171، مجمع البيان 7: 206، الغدير 3: 220- 240.
([50]) في حديث شجونه مع ابن عباس المعروف بالخطبته الشقشقية وليس بخطبة کما مرَّ.
([51]) للإطلا ع علی خبر شهادة أمير المؤمنين  بالتفصيل راجع المصادر التالية: شرح نهج البلاغة6: 115 وج20: 284،المناقب لإبن شهراشوب3: 310،وج4: 93،روضة الواعظين :132،وبحار الأنوار42: 275، الباب 127. وانظر موسوعة التاريخ الإسلامي 5: 411.
([52]) صحيح البخاري 9: 101، كتاب الأحكام، الباب 51 ،باب الاستخلاف .
([53]) صحيح مسلم 6: 3.
([54])  الصواعق: 189.
([55]) غاية المرام في علم الكلام: 363.
([56]) شرح المواقف 8: 344.
([57]) قد لخّص الماوردي مسؤوليات الإمام في عشرة، لاحظ الأحكام السلطانية: 15.
([58])  التمهيد للباقلاني: 181.
([59]) الأحكام السلطانية: 6 و شرح مقاصد الطالبيين في علم أُصول عقائد الدين: 272.
([60]) الأحكام السلطانية: 4.
([61]) راجع الخلافة والإمامة: 271.
([62]) آل عمران: 159.
([63])  الشورى‏: 38.
([64]) راجع الإمامة والسياسة: 18؛ الكامل في التاريخ 2: 425.
([65]) الإمامة والسياسة: 23؛ الكامل 3: 35.
([66]) نهج البلاغة: خ 3.
([67]) السيرة النبوية 2: 658 ، تاريخ الطبري 2: 446.

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية كلمة مهمة في اليوم الأول من السنة الإيرانية الجديدة 1395 هـ ش الموافق لـ 20/03/2016 م وسط حشود زوار مرقد الإمام الرضا (ع) و أهالي مدينة مشهد (شمال شرق البلاد) مبيناً المعنى الحقيقي و الأهداف الخفية و الخطيرة للفكر الاستسلامي الذي تحاول أمريكا و بعض من في الداخل حقنه في أذهان النخبة و الرأي العام للشعب الإيراني عن طريق طرح مفترق طريقين كاذبين زائفين، و عرض عشرة اقتراحات أساسية لـ «المبادرة و العمل» في مجال الاقتصاد المقاوم، مؤكداً: هذا الطريق المنطقي، و الثوري في الوقت نفسه، يصون إيران العزيزة مقابل التهديدات و الحظر، و يمكّن الحكومة في ظل التعاطف العام و مساعدة و تناغم السلطات الثلاث من تقديم تقرير عيني يبعث على الثقة في نهاية السنة الجارية.
و بارك قائد الثورة الإسلامية حلول العام الجديد للشعب الإيراني، و اعتبر أن اقتران بداية العام الإيراني الجديد 1395 و نهايته بميلاد السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) مبعث بركة للبلاد.
و تابع سماحته حديثه بشرح شعار هذه السنة أي «الاقتصاد المقاوم، المبادرة و العمل».
و أكد سماحته على أن اختيار شعار هذا العام له أساس منطقي و استدلالي، داعياً كل الشباب للتدبر و التعمق في هذا الأساس المنطقي، و أضاف قائلاً: ربما كان البعض يفضلون أن يكون شعار هذه السنة شعاراً ثقافياً أو أخلاقياً، و لكن بالنظر إلى مجمل أوضاع البلاد و قضاياها وقع القرار على اختيار شعار اقتصادي كما حصل في السنوات الأخيرة الماضية، ليشيع في أوساط الشعب على شكل «خطاب عام».
و أضاف قائد الثورة الإسلامية: اختيار شعار هذه السنة قائم على تحليل و نظرة كلية لقضايا البلاد.
و قال سماحته في معرض شرحه لهذه النظرة الكلية: في الفترة الحالية يحاول الأمريكان حقن فكر خاص بين نخبة المجتمع و من ثم بين الرأي العام للبلاد قائم على أن الشعب الإيراني يقف أمام مفترق طريقين، و لا مناص له سوى اختيار أحد هذين الطريقين!
و قال آية الله العظمى السيد علي الخامنئي: الطريقان الذان يزعمونهما هما: إما أن يتصالح الشعب الإيراني مع أمريكا، أو يتعرض دائماً لضغوط أمريكا و المشكلات الناجمة عن هذه الضغوط.
و أشار سماحته إلى ما تمتلكه أمريكا من ثروة و أدوات سياسية و أجهزة إعلامية واسعة و معدات عسكرية، ملفتاً: طبقاً لهذا التفكير الخاص يجب التصالح مع حكومة مثل الحكومة الأمريكية و قبول إملاءاتها و التنازل بذلك عن بعض المواقف و الأصول و الخطوط الحمراء.
و أضاف قائد الثورة الإسلامية: في الاتفاق النووي الأخير الذي حظي بالتأييد، و كان المفاوضون من بلادنا أيضاً مقبولون، حصل نفس هذا الشيء، و في بعض الحالات قال لي وزير الخارجية المحترم: «إننا لم نستطع مراعاة بعض الخطوط الحمراء».
و أضاف آية الله العظمى السيد الخامنئي: معنى هذا أنه عندما يكون الطرف المقابل حكومة مثل الحكومة الأمريكية فإن التصالح و التكيف معها يعني غض النظر عن بعض الأمور التي يصرّ المرء عليها.
و أكد سماحته على أن البعض في الداخل أيضاً يؤيدون الفكرة الخطيرة القاضية بوجود مفترق طريقين زائفين، و يسعون إلى إقناع الآخرين بها، ملفتاً: يقول هؤلاء الأفراد إن اقتصاد إيران له إمكانيات و فرص كبيرة و الاستفادة من هذه الإمكانيات غير ممكنة بمجرد الاتفاق النووي، إنما هناك قضايا أخرى مع أمريكا يجب على شعب إيران و مسؤولي البلاد اتخاذ القرار فيها و المبادرة إليها.
و عدّ قائد الثورة الإسلامية الحوار و التعاون مع أمريكا بشأن «قضايا منطقة غرب آسيا» و كذلك التحاور معها حول «اختلافات طهران و واشنطن على أساس تنازل إيران عن الأصول و المبادئ و الخطوط الحمراء» من جملة هذه القضايا و الأمور التي تسعى لها هذه الرؤية بعد الاتفاق النووي.
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي على أن أصحاب هذه الرؤية الخاصة يعتقدون إن مشكلات البلاد الاقتصادية لا تحل إلا بالتحاور مع أمريكا حول مختلف الأمور و التنازل عن مواقفنا، و أضاف قائلاً: يقول هؤلاء الأشخاص كما أن الاتفاق النووي أخذ اسم «برجام» فإن الحوار مع أمريكا حول الأمور الأخرى و حتى قضية دستور البلاد يمكنه أن يمثل برجام الثاني و الثالث و الرابع، حتى يعيش الناس بهذه الحوارات عيشة مريحة و يصار إلى معالجة مشكلاتهم.
و تابع سماحته يقول: المعنى الحقيقي لهذا التفكير الخطير هو أن تصرف الجمهورية الإسلامية الإيرانية النظر تدريجياً عن ركائز اقتدارها و أمنها و عن القضايا الأساسية التي تلتزم بها بحكم الإسلام و في إطار النظام الإسلامي، مثل قضية دعم المقاومة و الإسناد السياسي لشعوب فلسطين و اليمن و البحرين، و تقرّب مواقفها من إرادات أمريكا!
و قال قائد الثورة الإسلامية: طبقاً لهذا التفكير الخاص، يجب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تتكيّف و تتصالح في نهاية المطاف مع العدو الصهيوني كما فعلت بعض الحكومات العربية التي مدت بكل وقاحة يد الصداقة نحو الكيان الصهيوني.
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي على أنه في إطار هذا التفكير الخطير ستتواصل التراجعات خطوة بعد خطوة، مردفاً: إذا تم العمل طبقاً لإرادة أمريكا و رغبتها يجب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تغض النظر عن أدواتها الدفاعية أيضاً، و أن تجيب دوماً عن أسئلة «لماذا» الأمريكية و تستجيب لجشع أمريكا و استزاداتها.
و أشار سماحته إلى الضجة الإعلامية الأخيرة لوسائل الإعلام الغربية حول المناورات الصاروخية الإيرانية قائلاً: في حين تبادر أمريكا بين الحين و الحين إلى إجراء مناورات مشتركة في منطقة الخليج الفارسي التي تبعد عنها آلاف الكيلومترات، تثير الضجيج ضد مناورات الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دارها و حريمها الأمني.
و شدد قائد الثورة الإسلامية على أنه في حال قبول هذا التفكير سوف لن تتوقف استزادة أمريكا و التراجع أمامها حتى عند هذه الحدود، مضيفاً: في تتمة هذا السياق التدريجي يجب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية طبعاً أن تقدم إيضاحات للأمريكيين عن أسباب تأسيسها للحرس الثوري و قوات القدس، و لماذا يجب أن تكون السياسات الداخلية متطابقة مع موازين الشرع، و لماذا ينبغي أن تعمل السلطات الثلاث على أساس الشريعة الإسلامية، و لماذا لا يصادق مجلس صيانة الدستور على القوانين المتعارضة مع الشريعة؟
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي: إذا تنازلنا مقابل أمريكا فسوف يتقدم العدو خطوة خطوة إلى الأمام، و يصل الأمر إلى حيث إفراغ الجمهورية الإسلامية الإيرانية من مضمونها، و لا يبقى منها سوى شكلها الظاهري.
و تابع سماحته قائلاً: على أساس هذا «التحليل و التفكير الذي يريده الأعداء» إذا أراد شعب إيران الخلاص من شرّ أمريكا فيجب عليه التخلي عن محتوى الجمهورية الإسلامية و المفاهيم الإسلامية و عن أمنه.
و بعد أن بيّن قائد الثورة الإسلامية الأبعاد المختلفة لهذا التحليل الخاص، انتقل إلى تشخيص آفاته و سلبيته، منوّهاً: من الأمور التي لم تؤخذ بنظر الاعتبار في هذا التحليل هو أن أي اتفاق مع أمريكا يعني اضطرار إيران إلى تنفيذ التزاماتها مقابل عدم التزام أمريكا بتعهداتها و نكثها لعهودها و مخادعاتها و غشها في أداء الالتزامات، و هذا ما نراه اليوم عياناً، و هذا يعني خسارة محضة.
و أشار الإمام السيد علي الخامنئي في معرض إثباته لهذه القضية إلى الاتفاق النووي كنموذج، قائلاً: في هذا الاتفاق نفسه لم يعمل الأمريكان بما وعدوا به، و حسب تعبير وزير الخارجية المحترم قاموا بالتزامات على الورق، و لكن على الصعيد العملي منعوا تحقق تلك الالتزامات بطرق ملتوية أخرى.
و أضاف سماحته: الآن مع وجود الاتفاق النووي لا تزال معاملاتنا المصرفية تعاني من مشاكل، و أموال إيران لم تعد لها، لأن البلدان الغربية و البلدان الخاضعة لتأثيرها تخاف من أمريكا.
و أكد قائد الثورة الإسلامية على أنه من الأمور الأخرى التي يجري تجاهلها عند عرض مفترق هذين الطريقين الزائف هو سبب و أساس عداء أمريكا للشعب الإيراني و حقدها عليه، و استطرد قائلاً: بالنظر للموقع الاستراتيجي لإيران في المنطقة، و مصادر النفط و الغاز الضخمة، و عدد السكان الكبير، و المواهب الكبيرة، و الماضي التاريخي العريق، تعدّ إيران زهرة المنطقة، لكن نفس هذا البلد المنقطع النظير كان لعقود من الزمن في قبضة الأمريكيين و تحت هيمنتهم، إلى أن أخرجه الشعب الإيراني بثورته الإسلامية من تحت سلطة الأمريكان المطلقة.
و أضاف سماحة آية الله العظمى السيد الخامنئي: الثورة الإسلامية لم تخرج إيران من أيدي الأمريكان و حسب، بل و نشرت روح المقاومة و الصمود مقابل الهيمنة الأمريكية في المنطقة و حتى خارج المنطقة.
و لفت سماحته يقول: يرى الأمريكيون أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي السبب الرئيس في هزيمة سياسة تشكيل الشرق الأوسط الكبير، و هيمنة الكيان الصهيوني على شؤون المنطقة، و كذلك إخفاقهم في اليمن و سورية و العراق و فلسطين، و عليه فإن عداءهم للشعب الإيراني أساسي و عميق، و لن ينتهي هذا العداء إلّا عندما يستطيعون إحياء هيمنتهم على إيران.
و تابع آية الله العظمى السيد الخامنئي حديثه باستعراض أسباب الهيمنة الطويلة لبريطانيا و من ثم أمريكا على إيران قائلاً: كان البريطانيون و الأمريكان قد بنوا في هذا البلد خنادق يعملون من خلالها على مواصلة هيمنتهم، لكن الثورة الإسلامية التي صنعتها أيادي الشباب الثوري حطمت هذه الخنادق و بنت خنادق جديدة لصيانة الجمهورية الإسلامية و مصالح الشعب الإيراني.
و أشار سماحته قائلاً: يسعى الأمريكان الآن بمخططاتهم و باستخدام الأدوات الدبلوماسية إلى ترميم الخنادق التي تهدمت و تهديم خنادق الثورة.
و قال قائد الثورة الإسلامية: النظام البهلوي الطاغوتي المستبد كان أهم خنادق أمريكا في إيران، لكن الثورة الإسلامية استأصلت الحكم الملكي و الشخصي و أقامت مكانه خندقاً منيعاً قوياً اسمه سيادة الشعب.
و أوضح الإمام الخامنئي أن الخوف من القوى و خصوصاً أمريكا خندق آخر من الخنادق المساعدة على هيمنة أمريكا، ملفتاً: بخلاف فترة حكم الطاغوت، لا يوجد في الجمهورية الإسلامية الآن أي شخص واع و مطلع و معتمد على القيم الدينية يخاف من أمريكا.
و أشار آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى أنه قد يكون هناك اليوم أيضاً من يخافون من أمريكا، مردفاً: خوف الطاغوت من أمريكا كان عقلائياً لأنه لم يكن يمتلك رصيداً و دعامة مقابل أمريكا، و لكن في الجمهورية الإسلامية ليس الخوف من أمريكا عقلائياً لأن الجمهورية الإسلامية تحظى بدعم و إسناد الشعب الإيراني الكبير.
و اعتبر سماحته إفشاء عدم الثقة بالذات و تبديد روح الاعتماد على النفس الوطنية طريقاً آخر من طرق أمريكا للهيمنة مضيفاً: بانتصار الثورة الإسلامية تحوّل خندق الخضوع للهيمنة هذا إلى خندق «نحن قادرون» الكبير.
و اعتبر آية الله العظمى السيد الخامنئي فصل الدين عن السياسة خندقاً آخر من خنادق أمريكا للهيمنة على إيران، مردفاً: هذا الخندق أيضاً قضت عليه الثورة الإسلامية.
و استطرد قائد الثورة الإسلامية في حديثه موضحاً أن قصده الصريح من كلمة العدو هو أمريكا، و أضاف قائلاً: الساسة الأمريكان و وزارة الخزانة الأمريكية تبقي عملياً على الحظر بأساليب معقدة و خاصة و تنتهج العداء المطلق بتهديدها بالحظر من ناحية، و من ناحية أخرى يمدّون في البيت الأبيض مائدة «هفت سين» الإيرانية التراثية، و يبدون حرصهم على عمالة شبابنا في ندائهم النوروزي و بأساليب تصلح لخداع الأطفال!
و لفت سماحته قائلاً: سبب هذا السلوك هو أن الساسة الأمريكان لا يزالون لا يعرفون شعب إيران الواعي و لا يعلمون أن هذا الشعب الفاهم يدرك جيداً الأهداف و الأساليب العلنية و الخفية لأعدائه.
و صرّح آية الله العظمى السيد الخامنئي بأنه لا مشكلة لنا مع شعب أمريكا مثل كل الشعوب الأخرى، إنما نجابه السياسات العدائية لأمريكا، مستعرضاً حقائق يحدّد التنبّه لها الطريق الصحيح لمسيرة البلاد.
و كانت الحقيقة الأولي التي أشار لها قائد الثورة الإسلامية من بين هذه الحقائق هي الاستثمار و الإمكانيات الطبيعية و الإنسانية الكبيرة للتقدم الذاتي الاستثنائي، و الفرص الدولية، و القدرة على التأثير في المنطقة و على المستوى العالمي في بعض الحالات.
و اعتبر سماحته عداء أمريكا الواضح لشعب إيران و النظام الإسلامي حقيقة أخرى من علاماتها الجلية استمرار تهديدات أمريكا المتكررة و مساعيها الدؤوبة للحيلولة دون انتفاع إيران من نتائج برجام (الاتفاق النووي).
و أضاف قائد الثورة الإسلامية: قبل أشهر من انتخابات رئاسة الجمهورية في أمريكا راح المرشحون يتسابقون في الإساءة لإيران و التصريح ضدها، مضافاً إلى أنه لا توجد أية ضمانة بأن تبقى الحكومة الأمريكية اللاحقة ملتزمة بهذه الالتزامات القليلة في برجام، و مع ذلك في كل مرة يجري فيها الكلام عن عداء أمريكا يضطرب البعض في الداخل و يتخبطون.
و كانت الحقيقة الثالثة التي ألمح لها قائد الثورة الإسلامية هي عدم وجود حدود لأدوات عداء أمريكا ضد شعب إيران.
و لفت سماحته قائلاً: للأمريكان ثلاث أدوات رئيسية و مؤثرة هي الإعلام و النفوذ و الحظر.
و ركّز الإمام علي الخامنئي حديثه في الحرم الرضون الشريف بمناسبة بدء السنة الإيرانية الجديدة على قضية الحظر قائلاً: الواقع هو أن العدو يشعر بأن الحظر مؤثر في الإضرار بإيران، و بالطبع فإن تصرفاتنا أيضاً لها دور في تكريس هذا الشعور عنده.
و أضاف آية الله العظمى السيد الخامنئي في هذا الصدد: في فترة ما في الداخل ضخّمنا أضرار الحظر، كما أننا في فترة ما ضخّمنا آثار رفع الحظر، و الحال أن شيئاً لم يحدث لحد الآن في هذا المضمار، و إذا سار الوضع على نفس هذا المنوال فلن يحدث شيء أيضاً.
بعد إثباته لتركيز العدو على الحظر طرح قائد الثورة الإسلامية سؤالاً أساسياً: ما هو السبيل الصحيح لمواجهة هذه الأداة من أدوات الضغط و الخصومة؟
و في معرض الإجابة أشار سماحته مجدداً إلى المفترق الكاذب لطريقين، و الذي يعرضه الأمريكان مقابل هذا السؤال، أي الاستسلام أو الضغط و الحظر، مردفاً: طبعاً ثمة في هذا المجال مفترق طريقين حقيقي هو إما أن نتحمّل فقط مشكلات الحظر، أو نصمد بالاعتماد على الاقتصاد المقاوم و نتغلب على المشكلات.
ثم ركز آية الله العظمى الخامنئي حديثه على مفهوم شعار هذه السنة «الاقتصاد المقاوم، المبادرة و العمل» منوّهاً: قامت الحكومة بأعمال منها تشكيل لجنة لقيادة الاقتصاد المقاوم، و هي تخبر عن نتائج إيجابية منها إيجابية مستوى التجارة و انخفاض الواردات، و لكن من اللازم القيام بأعمال أساسية في هذا المجال.
و أكد قائد الثورة الإسلامية على ضرورة تشخيص و رسم خارطة طريق مقدماً عشرة اقتراحات أساسية للمبادرة و العمل في مضمار الاقتصاد المقاوم.
و كان اقتراحه الأول تشخيص النشاطات و الشبكات الاقتصادية المميزة و التركيز عليها، ليمكن عن هذا الطريق فتح طرق متعددة أخرى للازدهار الاقتصادي و تكريسه.
و كان الاقتراح الثاني الذي قدمه قائد الثورة الإسلامية للمبادرة و العمل من أجل ازدهار الاقتصاد المقاوم هو إحياء و تفعيل الإنتاج الداخلي.
و أضاف سماحته: تشير بعض التقارير إلى أن ستين بالمائة من قدرات البلد الإنتاجية معطلة أو تعمل بأقل مما يمكن أن تعمل به. و بمقدور الحكومة عبر تواصلها مع الخبراء و علماء الاقتصاد النقاد، أن تحيي الإنتاج الداخلي.
و كان «الامتناع الجاد عن شراء البضائع الخارجية التي يضعف استهلاكها الإنتاج الداخلي» و «إدارة الأموال و المصادر المالية لإيران التي تدخل للبلاد من الخارج» اقتراحين عمليين آخرين قدمهما الإمام الخامنئي للمسؤولين التنفيذيين.
و أضاف سماحته: طبعاً لم تعد لحد الآن أموال إيران إليها بسبب شيطنة الأمريكيين و بتأثير من عوامل أخرى، و لكن ينبغي على كل حال الحذر من إنفاق هذه المصادر المالية على الإسراف و المشتريات غير الضرورية و إهدارها.
و كان الاقتراح الخامس الذي عرضه قائد الثورة الإسلامية لمبادرة المسؤولين و عملهم هو جعل القطاعات الاقتصادية المهمة علمية المحور.
و لفت آية الله العظمى السيد الخامنئي: الموهبة الإيرانية التي تستطيع إصابة صاروخ عن بعد ألفي كيلومتر بخطأ لا يتجاوز البضعة أمتار تستطيع بالتأكيد الإبداع في صناعات مهمة أخرى منها النفط و الغاز و إنتاج محركات السيارات و الطائرات و القطارات، و على الحكومة توفير أرضيات هذه العملية.
و كان الاقتراحان السادس و السابع الذان طرحهما قائد الثورة الإسلامية في كلمته لأجل تقدم اقتصاد البلاد و تعزيزه هو الاستفادة من قطاعات سبق أن تم الاستثمار فيها بمقاييس ضخمة مثل البتروكيمياويات و بناء محطات الطاقة، و اشتراط كل المعاملات الخارجية بشرط نقل التكنولوجيا إلى داخل إيران.
كما انتقد سماحته الضجيج السياسي و الصحفي حول الفساد مردفاً: الاقتراح الثامن من أجل المبادرة و العمل في إطار الاقتصاد المقاوم هو المحاربة الجادة و الواقعية للفساد و خصوصاً الاستئثار و التهريب الذين يوجهان ضربات كبيرة لاقتصاد البلاد.
و كان ترشيد الانتفاع من الطاقة و الذي يمكنه ضمن سياق معين أن يفضي إلى توفير مائة مليون دولار، و النظرة الخاصة و الداعمة للصناعات المتوسطة و الصغيرة لإيجاد فرص عمل و تفعيل الاقتصاد آخر اقتراحين من الاقتراحات العشرة التي قدمها آية الله العظمى السيد الخامنئي للمسؤولين التنفيذيين الإيرانيين من أجل تحقيق شعار السنة الإيرانية الجديدة و هو «الاقتصاد المقاوم، المبادرة و العمل».
و أضاف سماحته: طبعاً يمكن القيام بأعمال أخرى في هذا الطريق، و لكن لو تم تنفيذ هذه النقاط العشر فستنطلق في البلاد حركة ثورية كبيرة نحو التقدم تعمل على صيانة اقتصاد إيران و تحصينه و تخفض تأثيرات الحظر بالكامل.
و أكد قائد الثورة الإسلامية: في حال تنفيذ هذه الحركة المنطقية الثورية سوف لن يرتعد أحد مقابل الحظر و لن تكون هناك حاجة لغض النظر و التنازل عن الأصول و المبادئ و القيم و الخطوط الحمراء من أجل رفع الحظر الأمريكي.
و أشار آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى ضرورة مساعدة الحكومة من قبل الناس و الخبراء السياسيين و الاقتصاديين، مضافاً إلى التنسيق و التفاهم بين السلطات الثلاث، مردفاً: نتمنى في ظل المبادرة و العمل لتحقيق الاقتصاد المقاوم أن تستطيع الحكومة في نهاية السنة الجارية تقديم تقرير ملموس للشعب عن إحياء عدة آلاف معمل و مصنع صناعي و إنتاجي و زراعي، و أن يشعر الشعب بهذه الأعمال و ترتفع ثقتهم و اطمئنانهم.
كما أوضح الإمام السيد علي الخامنئي أن العمل بطريقة ثورية كان مقدمة لنجاحات العقود الثلاثة الأخيرة، و أكد ثانية على ضرورة تكريم و تثمين الطاقات الثورية و الحزب اللهية مضيفاً: مكتسبات العلماء الشهداء النوويين الإيرانيين، و نجاحات الشهيد طهراني مقدم في مجال الصواريخ، و كاظمي في مجال الخلايا الجذعية، و الشهيد آويني و المرحوم سلحشور في الميادين الثقافية تدل على كيف يمكن للروح و الأفكار الثورية أن تحلّ العقد و تصنع النجاحات.
و شدّد قائد الثورة الإسلامية في ختام كلمته على أهمية القضايا الثقافية مردفاً: أؤكد مرة أخرى على المسؤولين بأن يدعموا الجماعات الشعبية التي تتكوّن تلقائياً في أنحاء البلاد و تمارس العمل الثقافي.
و أضاف قائلاً: ينبغي تنمية هذه الجماعات يوماً بعد يوم، و بدل أن تفتح الأجهزة الثقافية أذرعها للذين لا يؤمنون بالإسلام و الثورة و القيم، يجب أن تدعم الشباب المتدين و القوى المؤمنة و الثورية و الحزب اللهية.
و خاطب قائد الثورة الإسلامية شباب الوطن قائلاً: البلاد و الحاضر و المستقبل لكم، و إذا عملتم في هذه الميادين بإيمان و ثقة بالذات فلن تستطيع لا أمريكا و لا أكبر من أمريكا ارتكاب أية حماقة.
كما أشار سماحته إلى رحيل العالم المجاهد الخدوم المخلص للعتبة الرضوية المرحوم آية الله الشيخ واعظ طبسي، معتبراً فقدان هذه العالم الثوري المجاهد خسارة كبيرة.

بسم الله الرحمن الرحيم


يا مقلب القلوب و الأبصار، يا مدبّر الليل و النهار، يا محوّل الحول و الأحوال، حوّل حالنا إلى أحسن الحال.
السلام على الصديقة الطاهرة، فاطمة المرضيّة، بنت رسول الله صلى الله عليه و آله، و السلام على وليّ الله الأعظم أرواحنا فداه و عجّل الله فرجه.
أبارك عيد النوروز لكل العوائل الإيرانية و لجميع الإيرانيين أين ما كانوا من العالم. عيدكم مبارك يا أبناء الوطن الأعزاء. و خصوصاً عوائل الشهداء العزيزة، و المعاقين الأعزاء، أبارك لعوائلهم المحترمة و لكل المضحّين، و أحيّي ذكرى شهدائنا الأبرار، و ذكرى إمامنا الخميني العزيز. السنة التي بدأت - سنة 95 - تبرّكت في بدايتها و في نهايتها بالاسم المبارك لسيدتنا الزهراء سلام الله عليها. بداية هذا العام تتطابق مع ولادة هذه الإنسانة العظيمة حسب الأشهر القمرية، و كذلك نهاية هذا العام. لذلك نتمنى أن تكون سنة 95 إن شاء الله سنة مباركة على شعب إيران ببركة السيدة الزهراء، و أن نستلهم الدروس و ننتفع من معنويات تلك الإنسانة الكبيرة و إرشاداتها و حياتها. السنة التي انتهت - سنة 94 - كانت مثل كل السنين الأخرى مزيجاً من الأمور الحلوة و المرّة و المنعطفات المختلفة. و هذه هي طبيعة الحياة. من مرارة حادثة منى إلى حلاوة تظاهرات الثاني و العشرين من بهمن و انتخابات السابع من إسفند. و في تجربة برجام [الاتفاق النووي] من الآمال التي أثارتها إلى القلق الذي يرافقها، كلّ هذه كانت من أحداث السنة، و كل السنين على هذا النحو. السنين و أيام عمر الإنسان تشتمل على فرص و تنطوي على تهديدات. يجب أن تكون ميزتنا أن ننتفع من الفرص و نبدّل التهديدات إلى فرص. سنة 95 أمامنا. في هذه السنة أيضاً توجد فرص، و توجد تهديدات. على الجميع أن يسعوا لنستفيد من فرص هذه السنة بالمعنى الحقيقي للكلمة، و أن يشهد البلد فوارق محسوسة بين مطلع السنة و خاتمتها. هناك آمال لسنة 95 . حينما ينظر المرء إلى مجموع الأوضاع تلوح له آمال. طبعاً ينبغي العمل و الجدّ من أجل تحقيق هذه الآمال. ينبغي العمل ليل نهار و السعي و المثابرة دون توقف. أساس القضية هو أن يستطيع شعب إيران فعل ما يخرجه من دائرة التضرر مقابل تهديدات الأعداء و عدائهم. يجب أن نفعل ما من شأنه أن لا نكون عرضة للتضرر مقابل تهديد الأعداء. ينبغي أن نخفض القابلية للتضرر إلى الصفر. و أعتقد أن قضية الاقتصاد في الأولوية الأولى، أيْ عندما ينظر المرء في القضايا ذات الأولوية يجد أن قضية الاقتصاد أكثرها فورية و أهمية. إذا استطعنا بتوفيق من الله، إذا استطاع الشعب و الحكومة و المسؤولون على اختلاف مجالاتهم القيام بأعمال صحيحة و متقنة و في محلها على الصعيد الاقتصادي فمن المأمول أن يكون لذلك تأثيراته في الأمور الأخرى مثل القضايا الاجتماعية، و الآفات الاجتماعية، و الشؤون الأخلاقية، و المسائل الثقافية. المهم و الأصل في القضية الاقتصادية هو قضية الإنتاج الداخلي، و قضية توفير فرص عمل و معالجة البطالة، و قضية الحراك و الازدهار الاقتصادي و مواجهة الركود. هذه هي القضايا التي يعاني منها الشعب، و هذه هي الأمور التي يشعر بها الناس و يطالبون بمعالجتها، و المسؤولون أنفسهم يقولون في إحصائياتهم و تصريحاتهم إن مطاليب الناس و إراداتهم هذه صحيحة و في محلها. علاج كل هذه الأمور، إذا أردنا معالجة مشكلة الركود، و حلّ مشكلة الإنتاج الداخلي، و معالجة قضية البطالة، و إذا أردنا احتواء الغلاء، كل هذه الأمور تندرج في مجموعة المقاومة الاقتصادية و الاقتصاد المقاوم. الاقتصاد المقاوم يشمل كل هذه الأمور. بالاقتصاد المقاوم يمكن السير نحو حرب البطالة، و بالاقتصاد المقاوم يمكن السير نحو محاربة الركود، و يمكن احتواء الغلاء، و يمكن الصمود بوجه تهديدات الأعداء، و يمكن خلق فرص كثيرة للبلاد، و بالمستطاع الاستفادة من الفرص. شرط ذلك هو العمل و الجدّ من أجل الاقتصاد المقاوم. التقرير الذي رفعه لي إخوتنا في الحكومة يشير إلى أنهم قاموا بكثير من الأعمال، لكن هذه الأعمال أعمال تمهيدية، إنها أعمال على صعيد التعميمات و إصدار الأوامر للأجهزة المختلفة، هذه أعمال تمهيدية. الشيء الذي يجب أن يستمر هو المبادرة و العمل و إظهار نتائج العمل للناس على الأرض. هذا هو الشيء الذي يمثل واجبنا، و سوف أشرحه إن شاء الله في كلمتي لأبناء شعبنا الأعزاء. و عليه فإن ما اختاره كشعار لهذه السنة هو «الاقتصاد المقاوم، المبادرة و العمل»، الاقتصاد المقاوم.. المبادرة و العمل، هذا هو الطريق و الجادة المستقيمة المشرقة نحو الشيء الذي نحتاجه. طبعاً لا نتوقع أن تعالج لنا هذه المبادرة و العمل كل المشكلات خلال سنة، لكننا واثقون من أن المبادرة و العمل إذا تحققا بشكل مبرمج و صحيح فسوف نشاهد آثار ذلك و علاماته في نهاية هذه السنة. أقدّم الشكر لكل الذين بذلوا و يبذلون المساعي في هذا الطريق. و أهدي السلام و التبريك مرة أخرى لشعبنا العزيز، و أسأل الله أن يصلي على محمد و آل محمد، و على سيدنا بقية الله الأعظم سلام الله عليه و أرواحنا فداه.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

(أول فروردين هـ ش / من کل عام = 21 آذار / من کل عام)

التاريخ الهجري الشمسي
الظاهر أنَّ العمل بالتاريخ الشمسي كان معروفاً قبل الإسلام مع اختلاف في مبدأ السنة الشمسية، ولكن بعد ظهور الإسلام وانتشاره في إيران بكل ذلك القبول والشوق جعل عام هجرة الرسول (ص) من مكة إلى المدينة مبدأ للسنة الشمسية، وأصبح يطلق على مثل هذا التقويم بالهجري الشمسي لأنهم اتخذوا الشمس وسيلة للحساب، من خلال دوران الأرض حول الشمس، والتي تستغرق 365 يوماً تقريباً أما من اعتمد دوران القمر حول الأرض وحده للحساب فإن السنة تستغرق 355 يوماً تقريباً حيث اتخذ بعض المسلمين القمر وسيلة لحساب السنة، ولذا فالسنة الشمسية أزيد من السنة القمرية بـ 10 إلى 11 يوماً. فقد يتطابق مبدأ السنتين في إحدى السنوات ويتغايران لسنوات أخرى، فمبدأ التاريخين الهجريين الشمسي والقمري واحد وهو هجرة الرسول(ص) مع اختلاف في طريقة حساب السنة من ذلك التاريخ ،وقد بيَّنا کيفية حسابه ومبدئه و حقيقته، إذ يشتبه علی بعض الناس جهلاً أنَّ هذا التقويم لاصلة له بالإسلام.

و الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبعض الدول الإسلامية الأخرى المجاورة تعمل علی هذا التقويم في الدَّوائر الرسمية،و قد حاول نظام الطاغوت الشاهنشاهى في إيران أن يغيّر مبدأ التاريخ الشمسي من الهجرة النبوية إلى بداية الملوكية الشاهنشاهية في إيران فقاوم علماء الدين وتبعهم الناس وصار ذلك سبباً لتسريع سقوط ذلك النظام ببركة الثورة الإسلامية المباركة.

تنظيم التقويم الشمسي
قُسِّمت الأشهر الشمسية إلى إثني عشر( 12) شهراً بحيث تتطابق مع فصول السنة الأربعة، (الربيع، الصيف، الخريف، الشتاء)، ولذا نرى شهراً معيناً يتطابق مع بداية فصل معين، وهو أدق من سائر التقاويم وأكثرها عملية بالنسبة للأمور الإدارية والمالية.

وتبدأ السنةالميلادية الشمسية(اي: علی مبدأ ميلاد المسيح) في منتصف فصل الشتاء ويتطابق مع الأول من كانون الثاني، و تبدأ السنة الهجرية الشمسية(اي: علی مبدأ هجرة الرسول الأعظم ) في اليوم الأول من شهر فروردين بداية فصل الربيع،وهو يوم النيروز والذي تتَّخذه بعض الشعوب ودولها عيداً وطنياً تستقبله بالأفراح وتحتفل به ،وهذا اليوم يتطابق دائماً مع 21 آذار من السنة الميلادية، والذي اتَّخذته الأمم المتحدة عيداً عالمياً للأم حيث يحتفل به كثير من دول العالم وشعوبها في هذا اليوم([1]) تكريماًوتعظيماً للأم لأنها تجسد معاني التضحية والعطاء.

 وحيث تبدأ السنة الهجرية الشمسية بفصل الربيع فهي تمتاز على الميلادية الشمسية،و الشهور الهجرية الشمسية هي کالتالي:

أشهر فصل الربيع: فروردين، أرديبهشت، خرداد.

أشهر فصل الصيف: تير ، مرداد، شهريور.

أشهر فصل الخريف: مهر، آبان، آذر.

أشهر فصل الشتاء: دي، بهمن ، اسفند.

أما عدد أيامها فهي كما يلي:الأشهر الستة الأولى من السنة = 31 يوماً.

والأشهر الخمسة الثانية من السنة = 30 يوماً، وآخر شهر من السنة (اسفند) = 29 يوماً إلا في السنة الكبيسة = 30 يوماً.

ومما يجدر ذكره أن من وضع التقويم الهجري الشمسي هم ثلاثة من علماء الفلك، أحدهم عمر الخيام في عصر السلطان ملكشاه السلجوقي.

يوم الأول من شهرفروردين هـ ش= عيد النوروز

لم تزل عادة البشر منذ ظهور الحضارات إلى الآن، يحتفلون بأيام خاصة في السنة، يستذكرون الأحداث أو المناسبات المهمة التي لها علاقة بتاريخهم وثقافتهم، ويؤدون خلالها مراسم خاصة، وتسمى بالأعياد، ومن تلك الأيام يوم النيروز الذي يرتبط بتاريخ وثقافة الشعب الإيراني وبعض شعوب الدول المجاورة كأفغانستان وتاجيكستان وغيرها من البلدان، حيث يحتفلون به ويتَّخذونه عيداً وهو اليوم الأول من فروردين رأس السنة الهجرية الشمسية والذي يصادف دائماً 21/ آذار من السنة الميلادية، حيث أنَّ حساب التقويم الهجري والميلادي واحد وإن اختلفا في المبدأ.

 وهذا اليوم هو بداية فصل الربيع وإخضرار الأرض وإزدهارها فالإنسان يستقبل أيام هذا الفصل بفرح وسرور ويتمتع من الطبيعة الجميلة المهداة إليه من رب العالمين، وأخيراً سُجِّل هذا اليوم عيداً رسمياً من قبل منظمة الأمم المتحدة.

المفهوم الحقيقي للعيد
في التعاليم الإسلامية، أخذ مفهوم العيد معنى أعمق وأوسع يتعدى حدود الاحتفال والزينة والفرح، ليؤثر على سلوك الإنسان ومصيره، لذلك يقول الميبدي:«سمي العيد عيداً لأن الله تعالى يعود بالرحمة إلى العبد، والعبد يعود بالطاعة إلى الرب»([2])،وهذا ما نلاحظه عندما نرى أن الروايات تذکر أهم أعياد المسلمين هي: عيد الفطر،عيد الأضحى، عيديوم الجمعة وعيد الغدير.

فمعيار العيد في الإسلام، هو التوفيق لإصلاح النفس، والنجاح في ترويضها بالصبر والاستقامة، وتوثيق عرى العلاقات بين المسلمين من أبناء الأمة الواحدة، جاء عيد الفطر بعد صوم شهر رمضان وموسم العبادة والصبر، ويأتي عيد الأضحى بعد أداء فريضة الحج، وهكذا....ولذلك جاء في الحديث عن أمير المؤمنين(ع): «كل يوم لا يعصى الله فيه، فهو يوم عيد»([3]).

ولعيد النيروز جوانب إيمانية مهمة في حياة الإنسان، باعتباره يحل مع بداية فصل الربيع، حيث تتجدد الحياة على الأرض وتخضر، فتذكر الإنسان بعظمة وقدرة الله، وعلى إيجاد الحياة بعد الموت، وتبصره بمواقف يوم القيامة، وتحث الإنسان على العمل لطاعة الله وإرضائه، يقول تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزّتْ وَرَبَتْ إِنّ الّذِيَ أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الْمَوْتَىَ إِنّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»([4]).

يوم النيروز في الأحاديث
على الرغم من اندثار العديد من العادات التي كانت منتشرة قبل ظهور الإسلام، إذ حلت مكانها العادات الإسلامية، إلا أن يوم النيروز ظل من الأيام النادرة التي حافظت على بقائها بعد ظهور الإسلام، وربما يعود ذلك إلى وقوع أحداث مهمَّةفيها أكسبت ذلك اليوم الخلود والدوام، ولاسيما أنه وردت عدة روايات تشير إلى المكانة المهمَّة لهذا اليوم.

بقي أن نشير هنا إلى ملاحظات ينبغي أخذها بعين الاعتبار عند التعرض للأحاديث المتعلقة بهذا المقام:

أولاً: قد يطلق النيروز في بعض الروايات، ويراد منها المعنى اللغوي فحسب، إذ كلمة (النوروز) فارسية معربة إلى النيروز ومعناها (اليوم الجديد)، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني التجديد والتجدد في الحياة والسعي للبدء بصفحة جديدة نقية صافية نحو المستقبل المشرق الزاهر لما فيه رضا الله تعالى وإقامة شرعه ومنهاجه.

ولعلَّ الأحاديث الشريفة التالية تہشير إلی ذلک المعنی: قال رسول الله(ص): «فَنَيرِزُوا إن قدرتم كل يوم يعني تهادوا وتواصلوا في الله»([5])،و قال الإمام الصادق(ع): «نيروزنا كل يوم»([6])،وعنه (ع): «يوم النيروز هو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت»([7])،وعنه (ع): «ما من يوم نيروز إلا ونحن نتوقع فيه الفرج لأنه من أيامنا وأيام شيعتنا»([8]).

ثانياً: قد يطلق النيروز في بعض الروايات، ويراد منها معناها الاصطلاحي، أي اليوم الأول من شهر فروردين، رأس السنة الهجرية الشمسية، وذلك حسب التقويم الهجري الشمسي، وحينها قد يصادف ذلك اليوم حدثاً مهمَّاً في التاريخ الإسلامي، کظهور الإمام الحجة(عج)،  كما ورد عن الإمام الصادق(ع): «يوم النيروز هو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت»([9]).

آداب عيد النيروز
لعيد النيروز آداب ينبغي مراعاتها، منها ما رواه المعلى بن خنيس عن الإمام الصادق(ع)، حول يوم النيروز حيث قال (ع): «إذا كان يوم النيروز فاغتسل والبس أنظف ثيابك وتطيب بأطيب طيبك وتكون صائماً ذلك اليوم...»([10]).

كما تستحب صلاة أربع ركعات بعد صلاتي الظهر والعصر، وأداء سجدة الشكر وقراءة دعاء مخصوص بذلك اليوم، حيث ينقل الشيخ البهائي ذلك الدعاء الذي يقرأ في السجدة وهو: «اللهم صل على محمد وآل محمد الأوصياء المرضيين وعلى جميع أنبيائك ورسلك أفضل صلواتك وبارك عليهم بأفضل بركاتك وصل على أرواحهم وأجسادهم، اللهم بارك على محمد وآل محمد وبارك لنا في يومنا هذا الذي فضلته وكرمته وشرفته وعظمت خطره، اللهم بارك لي فيما أنعمت به عليّ حتى لا أشكر أحداً غيرك، ووسع عليّ في رزقي يا ذا الجلال والإكرام».

والدعاء المشهور قراؤته عند تحويل السنة هوالدعاء التالي:«يا مقلب القلوب والأبصار، يا مدبر الليل والنهار، يا محول الحول والأحوال، حوّل حالنا إلى أحسن الحال»([11]).

وقد كان الإمام الراحل الخميني(ره) يقرأوه ضمن خطابه الذي كان يلقيه للشعب بمناسبة حلول رأس السنة الهجرية الشمسية الجديدة، واستمرَّ علی هذه السيرة خليفته الأمام الخامنئي(مدَّ ظله).


الهوامش:
([1]) أما في الجمهورية الإسلامية، فقد أمر الإمام الخميني(ره) بجعل تاريخ ميلاد السيدة الزهراء(س) المصادف لـ 20 من جمادى الثانيةمن کل عام يوماً للأم.
([2]) كشف الأسرار، للميبدي 3: 273.
([3]) نهج البلاغة: 551.
([4]) سورة فصلت: الآية 39.
([5])مستدرك الوسائل 6: 353، ب6، عن دعائم الإسلام 2: 326.
([6])من لا يحضره الفقيه 3: 300.
([7]) بحار الأنوار 52: 276.
([8]) مستدرك الوسائل 6: 352.
([9]) بحار الأنوار 52: 276.
([10]) وسائل الشيعة 5: 288، باب 48، حديث 1.
([11]) مفاتيح الجنان، أعمال عيد النيروز، مرسلاً بلا إسناد.

التقي سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية صباح يوم الثلاثاء 15/03/2016 م أعضاء مجمع ممثلي طلاب و فضلاء الحوزة العلمية في مدينة قم، و بيّن المكانة و الدور الفذ و المؤثر للحوزة العلمية في مدينة قم في انتصار الثورة الإسلامية، و أشار إلى بعض المساعي لإبعاد الحوزة العلمية عن المنحى الثوري، مؤكداً: الحوزة العلمية في قم يجب أن تبقى حوزة ثورية و مهداً للثورة، و الوصول إلى هذا الهدف بحاجة إلى أفكار و تدبير و برامج دقيقة.
و بدأ قائد الثورة الإسلامية حديثه في هذا اللقاء بمقدمة حول تأثير الحوزة العلمية في قم في انتصار الثورة الإسلامية و استمرارها و علاقة الحوزة العلمية في قم بالثورة قائلاً: كان هناك تياران لهما تأثير واضح في تكوين و انتصار الثورة الإسلامية، و هما: الجامعة و الحوزة العلمية.
و أشار آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى وجود كفاح جامعي في مناطق مختلفة من العالم بسبب الأجواء الطبيعية في الجامعات و تعرّف الطلبة الجامعيين على قضايا الساعة، مردفاً: الكفاح الجامعي كان موجوداً في إيران سواء خلال فترة الكفاح الإسلامي أو قبل ذلك، لكن الكفاح الجامعي و نضال الطلبة الجامعيين و بسبب مديات تأثيره المحدودة لم يفض أبداً إلى تحول و ثورة في البلد.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامية الحراك و الكفاح الجامعي في انتصار الثورة الإسلامية بسبب وجود عامل أصلي هو كفاح رجال الدين، ملفتاً: إننا نثمّن كفاح الطلبة الجامعيين، و لكن إذا كان هذا الكفاح من دون كفاح رجال الدين لاقتصر بالتأكيد على أجواء الجامعات و لم يصل إلى نتائج تامّة.
و عدّ قائد الثورة الإسلامية الشمولية و التأثير خصوصيتين لحركة رجال الدين في الثورة الإسلامية مضيفاً: تتكوّن الحوزة العلمية في قم من قسمين هما المرجعية و طلبة العلوم الدينية، و كان الإمام الخميني (رحمه الله) بوصفه من المرجعية يصدر البيانات و يلقي الخطابات، لكن الذين كانوا يأخذون كلمات الإمام الخميني (رحمه الله) و آراءه إلى أعماق المجتمع و إلى أبعد المناطق هم رجال الدين و طلبة العلوم الدينية.
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي: لو لا الحوزة العلمية في مدينة قم لربما لم تنجح حركة الإمام الخميني (رحمه الله)، و هذا يدل على دور الحوزة العلمية في قم في تكوين و استمرار الثورة الإسلامية.
و أضاف سماحته قائلاً: القوة التي أنزلت الجماهير إلى الشوارع و كوّنت تلك التظاهرات المليونية الكبرى هي تأثير طلبة العلوم الدينية الذين نقلوا أفكار و نوايا الإمام الخميني (رحمه الله) إلى أبعد مناطق البلاد.
و أكد قائد الثورة الإسلامية على أن الحوزة العلمية في قم كانت الحلقة الوسيطة بين الإمام الخميني (رحمه الله) و بين تكوّن الثورة الإسلامية، موضحاً: بالنظر للدور الممتاز و الفذ للحوزة العلمية في قم في انتصار الثورة الإسلامية، توجد اليوم دوافع و مخططات لمحو الحالة الثورية عن الحوزة العلمية.
و قال آية الله العظمى السيد الخامنئي: إذا أردنا أن يبقى النظام الإسلامي نظاماً إسلامياً و ثورياً يجب أن تبقى الحوزة العلمية ثورية، فلو لم تبق الحوزة العلمية على حالتها الثورية سيتعرض النظام لخطر الانحراف عن الثورة.
و أكد سماحته على أنه يجب الشعور بالخطر من أية مساعي لمحو النزعة الثورية عن الحوزات العلمية، مردفاً: ينبغي بالفكر و التدبير و البرمجة الحكيمة مواجهة هذا الخطر لتبقى الحوزة العلمية في قم دائماً حوزة ثورية و مهداً للثورة و تتطور الرؤية و الحركة الثورية فيها.
و أشار الإمام السيد علي الخامنئي إلى أساليب معارضة الثورة موضحاً: أحياناً يعارضون أصل الثورة بصراحة و لكن في أحيان أخرى يعارضون المبادئ و الأسس العقيدية للثورة بشكل غير مباشر، و ينبغي التحلي بالحساسية في هذا الخصوص، و إلى هذا يعود السبب في التأكيدات المتكررة على ضرورة الوعي و اليقظة مقابل الاستكبار و أمريكا.
و أوضح سماحته أن السبب الرئيس لمعارضة نظام الهيمنة للجمهورية الإسلامية هو صمود إيران مقابل النظام العالمي الظالم، و أضاف يقول: إذا لم يكن هذا الصمود فإن نظام الهيمنة لن يعارضكم مهما كان اسمكم و شكلكم.
و قال قائد الثورة الإسلامية إن معارضة المبادئ و القضايا التي أكد عليها الإمام الخميني الحكيم البصير الواعي من الأساليب الأخرى للمعارضة غير المباشرة للثورة و النظام الإسلامي، مردفاً: المعنى الحقيقي للمواجهة السياسية و الإعلامية لمبادئ الإمام الخميني (رحمه الله) و تأكيداته هو معارضة الإسلام السياسي و الإسلام الأصيل الذي أسس في إيران حكومة لأول مرة بعد صدر الإسلام.
و قال سماحته حول طريقة مواجهة التحرك الرامي إلى زعزعة الأفكار و الروح الثورية في الحوزات العلمية قائلاً: تستطيع المجاميع العاملة في الحوزة و خصوصاً مجمع ممثلي طلاب الحوزة العلمية في قم أن يكون لها دور مؤثر في هذا المجال عن طريق تطوير برامجها للتواصل المنظم و العميق المحتوى مع هيكلية الحوزة، و عن طريق تشكيل جماعات فكرية للتوصل إلى طرائق صحيحة لترويج الأفكار الثورية، و تشخيص و حل المشكلات و الشبهات الذهنية لطلبة العلوم الدينية.
و اعتبر آية الله العظمى السيد الخامنئي مجمع ممثلي طلبة العلوم الدينية ظاهرة جد حسنة و يجب أن تستمر و تتعزز من النواحي القانونية و من حيث مكانتها و من النواحي الداخلية و المضمونية.
و أضاف سماحته: بهذه النظرة و عن طريق البرمجة و التخطيط اللازم و في ظل الفضل الإلهي يمكن إعداد و تخريج مئات الأساتذة الناجحين و الثوريين، و بالاعتماد على الأواصر القلبية و المعنوية بين طلبة العلوم الدينية و المدرسين و الأساتذة، سوف يصار إلى إشاعة الأفكار و الروح الثورية في الحوزات العلمية أكثر فأكثر.
و أكد قائد الثورة الإسلامية في ختام حديثه: رغم وجود بعض الظواهر غير المحبذة هنا و هناك، إلا أن الاتجاه العام لمسيرة البلاد اتجاه حسن و نحو التقدم، و آفاق المستقبل مشرقة بلطف من الله.
قبيل كلمة قائد الثورة الإسلامية تحدث في هذا اللقاء حجة الإسلام و المسلمين حسيني نجاد رئيس مجمع ممثلي طلبة و فضلاء الحوزة العلمية في مدينة قم رافعاً تقريراً عن مشاريع و نشاطات هذا المجمع و برامجه.