emamian

emamian

اعلن رئيس جامعة "الامام الحسين (ع)" الشاملة في الجمهورية الاسلامية الايرانية ، استعداد الجامعة لاعطاء منح دراسية للطلبة المطرودين من جامعات اميركا وكندا واوروبا بسبب دعمهم لفلسطين.

العالم - ايران

وفي بيان اصدره السبت، وجّه رئيس جامعة "الامام الحسين (ع)" الشاملة الدكتور محمد رضا حسني آهنكر، التحية لكل الأساتذة والطلبة المناضلين والمحبين للحرية والسلام في الجامعات الأمريكية والأوروبية، وقال: إن تاريخ الحركات المطالبة بالعدالة ومناهضة الاستكبار مدين للبيئة الجامعية والطبقة الأكاديمية؛ وقد شهدت فرنسا وإيطاليا وألمانيا وأمريكا، بعد الحرب العالمية الثانية، تظاهرات واسعة النطاق وطويلة الأمد ودامية، أدارها أكاديميون، أي طلاب وأساتذة أحرار.

واضاف: في التاريخ الأكاديمي لإيران، تعتبر حادثة 16 آذر 1332 هـ.ش (7 ديسمبر عام 1953) بعد الانقلاب الأمريكي البريطاني في 28 مرداد 1332 هـ.ش (19 اغسطس عام 1953) ضد الحكومة الوطنية آنذاك، والتي أدت إلى استشهاد ثلاثة طلاب مظلومين احتجوا على حضور ريتشارد نيكسون نائب الرئيس الاميركي آنذاك في جامعة طهران، إحد منعطفات تاريخ النضال الطلابي.

وتابع: في كل هذه السنوات، كانت معارضة اثارة الحرب والعنف من قبل القوى العظمى ضد الدول المضطهدة، وكذلك معارضة انتشار الأسلحة الذرية والابادة الجماعية وتدبير التمردات والانقلابات ضد الحكومات الشعبية المناهضة للإمبريالية في جميع أنحاء العالم، أو الاحتجاج ضد التمييز العنصري والقوانين المناهضة للنساء والملونين والأقليات القومية والعرقية وحتى تدمير البيئة بسبب تطور الصناعات الملوثة، هي الموضوعات الرئيسية للنضالات المحقة للطلاب الشباب وأساتذتهم.

واضاف: منذ عقد الثمانينيات من القرن العشرين وحتى العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، أصبح كتاب تاريخ الحركات الطلابية فصلًا ضئيلا، وحتى الأحداث والامور السيئة التي حلت بالبشرية لم تعط هذا الفصل (التحرك الطلابي) دفعة الى الامام، ورغم ذلك فأن إساءة الحضارة الغربية الحديثة لمفاهيم مثل حقوق الإنسان والديمقراطية والكرامة الإنسانية وحرية الأمم وتقرير المصير، وتصرفات الحكومات الغربية الاستبدادية ضد هذه المبادئ قد أثارت الكثير من الانتقادات في الجامعات و الدوائر العلمية في العالم.

واردف: إن دعم وتأييد المسؤولين الحكوميين الغربيين للحصار الإسرائيلي والهجوم والإبادة الجماعية في غزة والعنصرية والتمييز الهيكلي في الضفة الغربية، أجبر الكثير من دعاة الحق لعدم الاكتفاء بالسلبية السياسية والإدانات المنافقة من قبل هذه الحكومات للكيان الإسرائيلي.

وتابع: الآن بدأ يتشكل فصل جديد من حركات الاحتجاج الطلابية. فالصرخات المحبة للحرية والمطالبة بالعدالة التي يطلقها الطلاب والأساتذة غير المسلمين دفاعاً عن شعب فلسطين المسلم المضطهد والكراهية للعنصرية الصهيونية، تذكرنا بالحركات الشعبية والطلابية الكبرى في القرن العشرين، كما أنها صدى لجبهة المظلومون في العالم ضد الاستكبار العالمي.

واكد إن شجاعة الفلسطينيين وتضحياتهم، وصبر ومثابرة النساء والأطفال في أنقاض قطاع غزة، من أجل حماية تراب وطنهم، قد قرع مرة أخرى جرس الضمير الإنساني واضاف: الآن، في هذه المرحلة، هناك واجب ثقيل ملقى على عاتق مسؤولي الجامعات وأعضاء هيئة التدريس والأساتذة والطلاب، فيما يتعلق بإدانة الإبادة الجماعية الصهيونية وتنوير الرأي العام.

واشار الى استشهاد أكثر من 35 ألف فلسطيني، لغاية الان، معظمهم من النساء والأطفال، نتيجة للعدوان العسكري الإسرائيلي، بدعم من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية "ولسوء الحظ، لم تتمكن الآليات التقليدية في القانون الدولي واجراءات المنظمات الدولية من وقف هذه الجريمة ، علاوة على ذلك، لم يقبل الكيان الإسرائيلي وساطات العديد من الدول لحل هذه الأزمة".

واضاف: في مثل هذا الوضع، فإن الحضور النشط والمستمر للأكاديميين، وخاصة أساتذة وطلاب الجامعات الأمريكية والأوروبية، للاحتجاج على سلوك "إسرائيل" القمعي ودعم الحكومات الغربية لها، ستكون له آثار بعيدة المدى على طريق الخروج من هذه الأزمة. وخاصة إذا كانت البيئات الأكاديمية، باعتبارها الحركات الرائدة، قادرة على كسر اللامسؤولية والصمت العالمي الذي يحكم هذه الجرائم، فمن الطبيعي أن تنضم حركات أخرى أيضًا إلى هذا المطلب الإنساني الواسع النطاق.

واوضح انه على الرغم من أن بعض السياسيين الأمريكيين يريدون تجريم التضامن مع الفلسطينيين وإلغاء تأشيرات الطلاب وطرد الطلاب الأجانب الذين يحتجون على جرائم الحرب الإسرائيلية، فقد حان الوقت لأن يصبح الأساتذة والطلاب امتدادًا للأصوات المضطهدة للنساء والأطفال الفلسطينيين، وان يحثوا هذه الحركات الجامعية في جميع أنحاء العالم على التحرك والاحتجاج من أجل الأشخاص المحرومين من الحد الأدنى من حقوق الإنسان والتسهيلات اللازمة للبقاء على قيد الحياة.

وختم بيانه بالقول: إنني بصفتي رئيس جامعة "الإمام الحسين (ع)" الشاملة ، أعلن استعداد هذه الجامعة لاعطاء منح دراسية بصورة مجانية من قبل حكومة الجمهورية الاسلامية الايرانية لكافة الطلاب الذين جرى طردهم او تعليقهم من جامعتهم اثر المعاملة الجائرة وغير العادلة تجاههم من قبل المسؤولين الحكوميين في دول اميركا وكندا واوروبا.

 

الإثنين, 20 أيار 2024 19:24

16 عادة تدمر ثقتك بنفسك

من كتابة فريق بابونج

 

الثقة بالنفس من النقاط التي قد تحول حياتك إلى النجاح أو الفشل، وتلعب دوراً كبيراً في الرضا عن حياتك، وطريقة تفكيرك، والأشخاص الذين لديهم القليل من الثقة بالنفس، غالبًا ما يمتلكون قوة لا يدركونها، أو لا يمنحون أنفسهم الفرصة لتعزيز ثقتهم بأنفسهم.

 غالباً ما يتم التركيز على كيفية تعزيز الثقة بالنفس لكن أولاً يجب التوقف عن عادات تدمر ثقتك بنفسك نتعرف إليها فيما يلي:

الإفراط في الاعتذار

الإفراط في الاعتذار واستخدام كلمة "آسف" باستمرار تجعل الشخص يخبر ذهنه أن لديه سبباً للاعتذار حتى لو لم يكن هناك سبب، مع مرور الوقت ستشعر بأنك مدين للاعتذار لكل من حولك.

الإفراط في التهذيب أو الاعتذار طوال الوقت يضر ثقتك بنفسك حيث يجعلك تبدو غير واثق في قدراتك أو أفعالك، وتجعل الآخرين يعتقدون أنك مخطئ وتحتاج دائماً إلى الاعتذار.[1][2]  

الملابس

أكثر ما قد يدمر ثقتك بنفسك هو مظهرك الخارجي خاصة الملابس لأننا والآخرون نحكم على الشخص من ملابسه إذا كانت متسخة أو غير متناسقة أو غير مرتبة ينظر إليك الآخرين بأنك غير جدير بالثقة، كما أنها أيضاً تنعكس على الطريقة التي ترى بها نفسك بالتالي تشعر بانعدام الثقة.[1]

المبالغة في مدح الآخرين

الإفراط في مدح الآخرين يجعلك تلقائياً تقلل من نفسك عن طريق المقارنة السلبية، عندما تبالغ في مدح الآخرين، فأنت تخبرهم أنهم أفضل منك بكثير، وتبدأ في تصديق أنك الأقل وهم الأفضل.

بالطبع الحديث الإيجابي مع الآخرين ضروري لبناء العلاقات لذلك يمكنك إبراز الصفات الإيجابية في الآخرين دون إفراط، أو تكرار المدح.[1][2]

الهوس بالعيوب الصغيرة

هل عندما تنظر إلى المرآة تلاحظ على الفور أي عيب بسيط في مظهرك الخارجي مثل عدم تناسق الحاجبين أو بثور! يعد ذلك الأمر خطراً على الثقة بالنفس لأنك تضخم من عيوب بسيطة بالتالي تقلل من ثقتك بنفسك، كما أن النقد الذاتي يؤدي إلى الحزن، والخجل مما يزيد من تدمير الثقة بالنفس.[1][2]

الكشف عن نقاط ضعفك

الجميع لديه نقاط ضعف لكن الحديث عنها مع الآخرين قد يؤدي إلى نتائج عكسية، ويقلل من ثقتك بنفسك، والتحدث عن نقاط الضعف قد يبدو بمثابة انعدام للأمان، وإذا كنت تقول تعليقات سلبية عن نفسك باستمرار، فسوف يلاحظ الناس ذلك ويملون من سماعها، ويبدءون في التفكير أنك ربما لست شخصا جيدا.[1][2]

السماح للآخرين باتخاذ القرارات

الشخص الواثق من نفسه هو من يستطيع اتخاذ القرارات، ويعرف جيداً ماذا يريد حيث يتم بناء الثقة من خلال التعبير عن رغباتك بطرق صادقة لذلك عندما يحاول شخص ما أن يدفعك إلى اتخاذ قرارات لا تريدها فإنه يحاول السيطرة عليك أو التلاعب بك بالتالي ستتأثر ثقتك بنفسك.[1][2]

الحديث السلبي مع النفس

أخطر ما يقوم به الإنسان لتدمير ثقته بالنفس هو الحديث السلبي مع نفسه مثل "لا يمكن أن يحدث هذا الشيء الجيد لي" أو "من أنا لأنجح" وغيرها من العبارات والأفكار السلبية لأننا نصدق تلك العبارات وكأنها حقيقة، وبمرور الوقت تنعدم لدينا الثقة بالنفس.[1][2]

خفض معاييرك

يجب أن يضع كل شخص مجموعة من المعايير التي تعكس استحقاقه مع ذلك القبول بمعايير منخفضة قد يصبح أكثر راحة للبعض مما يجعلهم يتنازلون عن معاييرهم الخاصة لكن في الواقع بمرور الوقت يؤدي خفض المعايير إلى تقليل قيمتك الشخصية بالتالي يؤدي إلى تقليل الثقة بالنفس.[1][2]

مقارنة نفسك بالآخرين

الأشخاص الذين يقارنون أنفسهم بشخص يعتبرونه أفضل منهم يقللون من ثقتهم بأنفسهم، وكأنهم يخبرون أنفسهم بأنهم لا يستحقون الوظائف أو الحصول على الترقية وغيرها بالتالي لن تشعر بأنك تستحق المحاولة لأن ثقتك بنفسك تنخفض.[1]

قول "نعم" لكل شيء

إذا كنت تقول "نعم" للجميع فهذا يدل على شعورك بالحاجة لأن "نعم" لكل شيء تجعلك تخضع لرغبات الآخرين مما يؤدي إلى ربط ثقتك بنفسك بموافقة ورضا الآخرين عنك لذلك يجب أن تحافظ على الاستقلالية، وتجنب قول "نعم" لكل شيء لإرضاء من حولك.[1][2]

الكلمتان "دائمًا" و"أبدًا"

قول الكلمات مثل "دائمًا" و"أبدًا" باستمرار يدمر الثقة بالنفس لأن تلك الكلمات التي تشير إلى الجمود تجعلك تشعر بأنك لا تمتلك القدرة على التغيير، وتدمر ثقتك بنفسك لأنها تهيئك لليأس، وتسبب الاكتئاب لذلك يجب أن تتحلى بقدر من المرونة.[1][2]

العلاقات السامة

يعكس الأشخاص من حولنا طبيعة علاقتنا مع أنفسنا لذلك إذا كنت محاطاً بأشخاص كسالى أو غاضبين طوال الوقت أو لديهم عقلية الضحية والشعور بالاضطهاد الدائم أو الأشخاص الذين يوجهون لك الانتقادات باستمرار، وينشرون اليأس من حولهم سيؤدي ذلك في النهاية إلى تدمير ثقتك بنفسك.[1][2]

التقليل من الإنجازات

يميل الناس دائماً إلى التقليل من صفاتهم الإيجابية والإنجازات على سبيل التواضع، وهو أمر جيد لأن التباهي المُفرط يعد أمراً سلبياً ومنفراً مع ذلك لا يجب التقليل من الإنجازات والمميزات في شخصيتك بل معرفتها جيداً، وإبرازها عند الحاجة، ويؤدي التقليل من إنجازاتك ومميزاتك بمرور الوقت إلى تدمير ثقتك بنفسك.[1][2]

العقلية الانهزامية

العقلية الانهزامية التي تقبل الهزيمة، وتبتعد عن الكفاح والمثابرة هي ما ينتهي بها الأمر في أسوأ حالة من انعدام الثقة بالنفس، وتعمل تلك العقلية عن طريق ترديد عبارات وأفكار مثل "حظي سىء دائماً" أو "كنت أعلم أن هذا الأمر ليس لي".[1][2]

البقاء في الماضي

إذا كنت عالقاً في الماضي خاصة في المواقف السلبية التي حدثت لك في أثناء الطفولة فهذا يؤدي إلى تدمير ثقتك بنفسك لأننا نجعل الجزء الماضي السلبي يتواجد في حاضرنا عن طريق التفكير فيه لذلك يجب تجاوز ما حدث في الماضي، واستخلاص الدروس منه فقط، والمضي قدماً في الحياة.[1]

حياة وسائل التواصل الاجتماعي

تصفح مواقع التواصل الاجتماعي باستمرار دون وجود الوعي الكافي لدى الشخص بأن ما يراه هو انتقائياً أي أن الأشخاص يشاركون على حساباتهم الأشياء الجيدة فقط التي تجعل حياتهم تبدو مثالية مثل أفضل الأزياء، والسفرات الخارجية، وغيرها مما قد يؤدي إلى نتائج سلبية لدى المتابعين الذين قد يشعرون بانعدام الثقة بالنفس مقارنة بالآخرين.

لا تحتاج إلى الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي بل كل ما تحتاجه هو الوعي بأن تلك الصور منتقاة بعناية لإبراز الجانب الإيجابي فقط.[3]  

تم نشر هذا المقال على موقع بابونج

 

استقبل قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي، في تاريخ 8/5/2024، أعضاء الهيئة العلمية لمؤتمر الإمام الرضا (عليه السلام) الدولي الخامس.

وأفادت وكالة تسنيم الدولية للأنباء بأن حديث قائد الثورة الإسلامية خلال استقبال الهيئة العلمية للمؤتمر الإمام الرضا (عليه السلام) الدولي الخامس والذي عقد في تاريخ 8/5/2024، نشر اليوم (الاثنين) في مكان انعقاد هذا المؤتمر بالحرم الرضوي المقدس.

وفي ما يلي نص حديث قائد الثورة:

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

بداية أودّ الإشادة بإحياء هذا المؤتمر وهذا الملتقى، فمعرفتنا بالأئمّة (عليهم السلام) – نحن في المجتمع الشيعيّ قبل الحديث عن الآخرين – يشوبها كثير من النقص. أحياناً نبالغ بالاهتمام بجانب معيّن، ولكنّ ذلك يكون على حساب الجوانب الأخرى ومن دون أن يقترن هذا الاهتمام بالإتقان والإحكام المطلوبين، وأحياناً لا نبدي حتّى هذا النحو من الاهتمام ونقنع بالقشور والاهتمام السطحيّ والأمور الشكليّة.

باعتقادي إنّ إحدى المسؤوليّات الكبرى التي على عاتقنا نحن الشيعة وأهل التشيّع هي تقديم أئمّتنا (عليهم السلام) للعالم، طبعاً بعض الأئمّة (عليهم السلام) – لأسباب معيّنة – معروفون، كالإمام الحسين وأمير المؤمنين (عليهما السلام)، فقد كتب عنهم الآخرون وتحدّثوا عنهم وهناك معرفة نسبيّة بهم خارج الدائرة الشيعيّة، بل حتّى خارج الدائرة الإسلاميّة، ولكنّ أكثر أئمّتنا (عليهم السلام) غير معروفين للآخرين. الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) بتلك العظمة غير معروف والإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) والإمام الهادي (عليه السلام) والإمام الصادق (عليه السلام) مع تلك المنظومة العظيمة والنشاط الاستثنائيّ، هؤلاء لا زالوا مجهولين للآخرين. وإن تعرّض لهم غير الشيعة - حينما يكون المتحدّث ليس شيعيّاً، لن يتحدّث عن الإمام (عليه السلام) من حيث هو إمام الشيعة -، فإنّ ذلك قليل ومحدود. مثلاً يستحضر مؤلّف من العرفاء اسم الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في زمرة العرفاء فيتحدّث عنه في نصف صفحة أو أقلّ أو أكثر بصفته واحداً من العرفاء. المسألة في هذه الحدود لا أكثر.

 في رأيي هناك ثلاثة أبعاد في حياة الأئمّة (عليهم السلام) ينبغي العمل عليها، أحدها البعد المعنويّ والإلهيّ، أي تلك القداسة، من حيث قدسيّة الأئمة (عليهم السلام)، فهذه الجهة لا يمكن إهمالها ولا بدّ من تناولها والحديث عنها، وغاية الأمر أنه ينبغي أن نفعل ذلك بإتقان. أحياناً تُطلق بعض الكلمات ثمّ يُؤتى ببعض الروايات لتأييدها، ولكنّ الضعف في تلك الكلمات نفسها. علينا بيان الجانب الملكوتيّ للأئمّة (عليهم السلام)، الجانب المعنويّ والعرشيّ، إذ هذه ليست من المسائل التي نعمل فيها بالتقية، بل لا بدّ لنا من ذكر هذه المسائل وبيان الجانب المعنويّ والعرشيّ عند الأئمّة (عليهم السلام). كما هو الحال في خصوص النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، لا بدّ من تناول هذه القضايا: عصمتهم وعلاقتهم بالله تعالى وعلاقتهم بالملائكة وولايتهم بذلك البعد المعنويّ فيها، مثل هذه الجوانب التي تكتنفها شخصيّتهم (عليهم السلام)، فلا بّد أن يُعمل عليها على نحو علميّ ومحكم وجميل.

البعد الثاني الذي ينبغي العمل عليه هو كلماتهم ودروسهم (عليهم السلام) - ما أشار إليه السادة في الجوانب المختلفة نفسه - في الأمور التي ترتبط بحياة الإنسان وفي المسائل المختلفة التي يحتاجها: الأخلاقيّات والمعاشرة والدين والأحكام، فلأئمتنا (عليهم السلام) كلام في هذه المسائل ولهم مدرستهم في ذلك ولا بدّ من تقديمها وبيانها. هناك جوانب قد لا نهتمّ بها كثيراً، ولكنّها أمور لها حيثيّتها في العالم، لو جئنا فرضاً إلى مسألة حماية الحيوان – من باب المثال -: انظروا حجم الروايات الواردة عن الأئمّة (عليهم السلام) عن هذه القضيّة، كم تُنووِلَت مسألة رعاية الحيوان وحمايته؟ فمن المهمّ طرح هذه المسألة وقولها ومعرفتها على مستوى العالم! من فينا اليوم يفكّر في هذا الجانب، وأيّنا يعمل على هذه القضيّة؟ في قضيّة المعاشرة، مثلاً المضامين التي تتناول العلاقة بغير الشيعّي أو بغير المسلم، فهذه المسائل جميعها تُعرِّض لها في رواياتنا تبعاً للقرآن الكريم. {لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لم يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّين} (الممتحنة، 8)، هذه أمور دائماً ما ذكرناها وقلناها مراراً وتكراراً. لا بدّ من بيان هذه المسائل من كلمات أهل البيت (عليهم السلام) ونقلها للآخرين. لدينا هذه الكتب كلّها، مثلاً لدينا بحار الأنوار مئة جزء وغيره كثير من هذا القبيل، ولكنّها في النهاية ضمن دائرة خاصّة. ذات يوم قرأت أبياتاً من الشعر:

شراب أنت خالص معتّق ليَ / خبيء أنت في قعر الخابية

ما دمت في العزلة الآبدة / ولا تملأُ الكأس ما الفائدة؟

لا بدّ للشراب الزلال الصافي أن يُسكب في الكأس ليروي، ولكنّه حبيس الجرّة. إنّ شرابنا الخالص هذا، هذا الشراب المعرفيّ لحياتنا الذي وصلنا من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، لا زال في جراره، وليس ذلك فقط، بل ختمنا على رأس الجرة وأقفلناه. خُتم رأس الجرّة، إذ قديماً كانوا يختمونه. هكذا نحن فعلنا. هذا أمر غير سليم، فلا بدّ أن نظهر هذه الأمور للعالم بلغة اليوم وبأسلوب "فنيّ" وطُرقٍ صحيحة. لقد غدا التواصل مع العالم اليوم أمراً هيّناً، إذ إن أردت أن تتحدّث لبضع دقائق، يكفي وأنت جالس هنا في مكانك أن تضغط على مفتاح معيّن حتّى يسمع صوتك كلّ من تريد في أقصى نقاط العالم، في أستراليا وفي كندا وفي أيّ مكان. هذا أمر مهمّ جداً وعلينا أن نستثمر ذلك، ولكن تبقى مسألة اللغة مهمة جداً، فبأيّ لغة تريد أن توصل صوتك إلى العالم؟ هذا هو الشقّ الثاني الذي علينا العمل عليه في مسألة التعريف بالأئمّة (عليهم السلام).

الجانب الثالث هو الجانب السياسيّ، وهذا ما كان يهتمّ به هذا العبد ويعمل عليه بصورة أساسيّة في حياة الأئمّة (عليهم السلام) والسنوات التي عاشوها. ما الذي فعله الأئمّة (عليهم السلام)؟ ما الذي أرادوا فعله؟ إنّ الشقّ السياسيّ مهمّ جداً. ما كانت سياسة الأئمّة؟ أن يقتصر دور الإمام (عليه السلام) على بيان بعض الأحكام وذكر بعض التوجيهات الأخلاقيّة مع ما له من مقامات ومراتب إلهيّة أمرٌ لا يمكن للإنسان تعقّله إذا ما تأمّله جيّداً. لقد كان الأئمّة (عليهم السلام) يتطلّعون إلى أهداف كبرى، ويأتي على رأسها تأسيس المجتمع الإسلاميّ، الذي بدوره لا يمكن أن يتحقّق من دون إقامة الحكم الإسلاميّ، ما يعني أنّهم (عليهم السلام) كانوا يسعون إلى تحقيق حاكميّة الإسلام. هذا هو أحد الأبعاد المهمَّة للإمامة، فالإمامة تعني رئاسة الدين والدنيا ورئاسة المادة والمعنى، ومادّة الرئاسة هي هذه السياسة وإدارة البلاد وإدارة الحكومة، والأئمّة كلُّهم (عليهم السلام) كانوا يسعون وراء ذلك، كلّهم من دون استثناء. غاية الأمر، تختلف الأساليب تبعاً للمراحل المختلفة وتختلف المناهج وتختلف الأهداف القصيرة المدى، ولكنّ الهدف على المدى الطويل كان واحداً. هكذا هي القضيّة بطبيعة الحال.

في سياق الحديث عن الإمام الرضا (عليه السلام) - الذي سأختم كلامي به -: لو جئنا مثلاً إلى زمن الإمام الصَّادق (عليه السلام)، كانوا يأتون إلى الإمام (عليه السلام) ويسألونه عن علّة قعوده وعدم قيامه. هذا موجود في الروايات ولا بدّ أنّكم مررتم عليه: لمَ لا تخرج يا ابن رسول الله؟ وكان (عليه السلام) يجيب كلّ سائل على نحو ولا يذكر السبب نفسه في كلّ مرّة. لماذا كانوا يكرّرون السؤال عن القيام؟ السبب في ذلك أنّه كان يُفترض بالإمام (عليه السلام) القيام. كان الشيعة يعلمون ذلك وكان أمراً مسلّماً بينهم. عندما اعترضوا على الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) في مسألة الصلح، كان من بين الكلمات التي نُقلت مراراً عنه (عليه السلام) في جوابهم: «ما تدري لعلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُم ومتاعٌ إلى حين»، فلهذا الأمر وقته وأَمَدُه وأجله. ما يُدريكم؟ أفهذا موعد وأجل؟ لقد حدّدت هذا الموعد رواية الإمام التي يقول فيها: «إنَّ اللهَ جعلَ هذا الأمر في عام أو في سنة سبعين»، كان يُفترض أن يحدث ذلك سنة سبعين، فالإمام المجتبى (عليه السلام) قال هذا الكلام في العام الأربعين أو الحادي والأربعين [للهجرة]، وكان من المقرَّر حدوث القيام في سنة سبعين وإقامة الحكومة الإسلامية، هكذا كان التقدير الإلهيّ. ثم يقول: «فَلمَّا قُتِلَ الحُسين (عليه السلام)، اشتَدَّ غضبُ اللهِ على أهلِ الأرضِ فَأَخَّرَهُ»، وباستشهاد الإمام (عليه السلام) (في المحرم من عام 61)، تأخَّر هذا الأمر. بعد أن كان مقدّراً حصوله سنة سبعين، تأخّر بسبب شهادة سيّد الشهداء (عليه السلام) والعوامل الخارجية التي كان من الطبيعي أن تترتَّب على هذه الحقيقة. هذا وفي تعبير الرواية «اشتَدَّ غضبُ اللهِ على أهلِ الأرضِ»، ولكنَّنا نعلم أنَّ اشتداد الغضب هذا وما يترتَّب عليه يتوافقان مع هذه العوامل الظَّاهرية أو العوامل العادية، وعواملهما العادية نجدها في رواية أخرى أيضاً: «ارْتَدَّ النَّاسُ بعد الحُسين إلَّا ثلاثة» – طبعاً الارتداد هنا ليس بمعنى الرجوع عن الدين، بل إنّهم تردّدوا في مواصلة الطريق الذي كانوا يمضون فيه، فكيف لهم بتلك الأوضاع والظروف مواصلة الطريق؟ – [ارتدّ الناس] «ارْتَدَّ النَّاسُ بعد الحُسين...» كم عدد غير المرتدّين؟ ثلاثة أفراد: لا أعرف من، ومن، ويحيى بن أم الطويل. لم يبقَ أكثر من ثلاثة أفراد. «ثمَّ إنَّ النَّاسَ لَحِقُوا وكَثُرُوا»كما يذكر الإمام الصادق (عليه السلام)، ثلاثون عاماً من مشقَّة الإمام السجّاد ومن بعده الإمام الباقر (عليهما السلام)، ثم هذا ما انتهى إليه الأمر وآلت إليه الأحوال.

إذاً بحسب الرواية التي تقدّم ذكرها، «أخَّرَ» الله المتعالي أمر الحكومة ذاك «إلى العام مئة وأربعين». كان يُفترض حدوث هذا الأمر عام 140، أي إنّ ما كان يُفترض حدوثه عام 70، أخَّره الله تعالى إلى العام 140. تلك المدة كانت مدة حياة الإمام الصادق (عليه السلام) الذي كانت وفاته سنة 148. لقد كانت هذه المسألة تُثار ويتكرر الحديث عنها بين الشيعة، بين خواصِّ الشيعة. ثمّ بعد ذلك يذكر الإمام (عليه السلام) في الرواية نفسها السبب وراء تأخّر هذا الأمر. لذا ترون أنَّ زُرارة الذي كان من أقرب المقرّبين من الإمام (عليه السلام) كما هو معلوم – هو من أهل الكوفة وكان يسكن فيها –، يبعث رسالة إلى الإمام (عليه السلام) يذكر فيها أنّ: ثمَّة شخصٌ من أصحابنا – من الشيعة - مطلوبٌ للسلطة بسبب دين كبير في عنقه، وقد مضى زمن وهو بعيد عن زوجه وأولاده بعد أن لاذ بالفرار وبات مشرّداً كي لا يُلقى القبض عليه، ويسأل زرارة الإمام (عليه السلام) إن كان هذا الأمر – كلمة الأمر هذه تتكرّر كثيراً في الروايات وهي تشير إلى الحكومة – سيحدث في عام أو عامين، صبرنا إلى حين حدوثه وتسلّمِكم زمام الأمور ويُقضى الأمر، أما إن كان سيطول أكثر، فنتظافر في ما بيننا على جمع هذا المبلغ وسداد دين هذا المسكين ليعود إلى منزله وأهله. هذا ما سأل عنه زرارة، وليس هذا بالأمر البسيط أو العابر. ما الذي يدعو زرارة إلى احتمال حدوث هذا الأمر في عام أو عامين؟ في رواية أخرى عن زرارة أيضاً، يقول: «واللهِ لا أرى على هذه الأعواد - يعني أعمدة المنبر - إلّا جعفر [الصادق]»، أي كان على يقين من أنَّ الإمام سيأتي ويجلس على منبر الخلافة، أي إنَّ هذا [الاعتقاد] كان موجوداً. ثمّ {يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ} (الرَّعد، 39)، فهذا هو القدر الإلهيّ ولكنّه ليس القضاء الإلهيّ، إذ القضاء الإلهيّ هو ذلك القَدَرُ المُثبَّت. بعبارة أخرى، لم يكن ذلك الموعد موعداً حتميّاً لهذا الأمر بسبب العوامل الخاصّة وما إلى ذلك.

إذاً الأئمّة (عليهم السلام) كانوا يسعون خلف هذا الأمر، وهذه مسألة مهمة جداً. انظروا إلى دور الإمام الرضا (عليه السلام) في هذا المجال. أنا الآن لا أذكر طبعاً ما جاء في تلك الخطبة التي تتحدَّثُون عنها، وكنت قبلها قد بعثت رسالةً إلى مشهد في السنة الأولى، حلَّلتُ فيها مسألة قبول الإمام الرضا (عليه السلام) ولاية العهد، أي قلتُ: كان هذا في الحقيقة صراعاً بين المأمون، المأمون العاقل والدَّاهية جداً والذكي، والإمام الرِّضا (عليه السلام). السبب في أنَّ المأمون دعا الإمام الرضا (عليه السلام) إلى خراسان وقرَّر [ذلك] وقال في البداية: أعطيك الخلافة. لم تُطرح مسألة ولاية العهد في البداية، إنَّما قال: أنا أعطيك الخلافة. لم يقبل الإمام، فأصرَّ فلانٌ، ثُمَّ قال: بما أنَّك لا تقبل، [فاقبل] إذن ولاية العهد. ما كان سبب إصرار المأمون على هذا الأمر؟ ذكرتُ أربعة إلى خمسة أسباب. كان المأمون يفكر في هذه الأهداف وكان يسعى وراء هذه الأمور. قَبِل الإمام (عليه السلام)، وقد ذكرت خمسة إلى ستة أسباب، أنَّه كيف حدث أنَّ الإمام قَبِل أيضاً، ولماذا فعل ذلك، وما كانت فوائد هذا الأمر. في الحقيقة، لقد انطلقت حركة عظيمة واستعرت حرب غير عسكريّة. في الواقع، اندلعت حرب سياسيّة بين الإمام (عليه السلام) والمأمون، وقد سحقه الإمام (عليه السلام) في هذه الحرب وهزمه عبر ما أقدم عليه، ما أجبر المأمون على قتل الإمام (عليه السلام)، وإلّا فالأمور بداية لم تكن على هذا النحو، فقد كان يجلّه ويطلب منه إقامة الصلاة وما شابه ذلك. حينها ذكرت السبب وراء فعل المأمون لما فعله والأهداف التي كان يصبو إليها والمنافع التي كان يتوخّاها، فيومها كان لدينا الصبر والجلد على هذه الأعمال كما هما لديكم اليوم، بحمد الله، أمّا الآن، فنحن بعيدون البعد كلّه عن هذه القضايا.

بناء عليه، ينبغي توضيح هذه الأبعاد الثلاثة في حياة الإمام الرضا (عليه الصلاة والسلام) وسائر الأئمّة (عليهم السلام). براعتكم في استخراج هذه الأبعاد الثلاثة أولاً، وتهذيبها من الإطناب وفضول الكلام والكلام الضعيف ثانياً، وثالثاً – أهمّها – اختيار اللغة المناسبة والمعاصرة والواضحة للمخاطب غير الشيعيّ، بل حتّى للمخاطب الشيعيّ، فإنّ بُعد بعض شبابنا عن هذه المعارف ليس بأقلّ من بُعد غير الشيعة وغير المسلمين، وهم غير مطّلعين على تلك المعارف، فبيّنوها لهم. في اعتقادي إن تحقَّق ذلك، فلن تبقى الأمور في حدود عقد المؤتمرات والخطب وما إلى ذلك، بل سيثمر ذلك فوائد ملموسة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

السبت, 18 أيار 2024 19:29

هل كانت مسرحية؟

سعيد السني

كاتب وصحفي

المتحدث العسكري الإسرائيلي دانيال هاغاري يقف بجوار صاروخ باليستي إيراني سقط في جنوب إسرائيل (الفرنسية)

يوم 2 أغسطس/ آب عام 1990، اندلعت حرب الخليج الثانية.. قام "العراق"، في عهد رئيسه السابق صدام حسين بـ "غزو الكويت"، على خلفية مزاعم استيلاء الأخيرة على النفط العراقي. ثم تشكل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، يضم 38 دولة، تحت غطاء أممي، للتحرك بحملة "عاصفة الصحراء" العسكرية (17 يناير/ كانون الثاني- 28 فبراير/ شباط 1991)، التي انتهت بإعلان تحرير الكويت، وانسحاب الجيش العراقي.

قصف الأراضي المحتلة

يعنينا، أن الجيش العراقي، ومع انطلاق عاصفة الصحراء، راح يقصف مواقع إسرائيلية، بصواريخ سكود.. فرحت الجماهير العربية باستهداف الكيان الصهيوني، رغم مرارة الغزو العراقي للكويت. وقتها، أنكر "الاحتلال"، وقوع أي خسائر مادية، أو بشرية، فكانت صدمة للشعوب العربية.

عام 2021، أي بعد 30 عامًا.. اعترف الاحتلال، بأن صواريخ سكود التي أطلقها العراق (43 صاروخًا)، أسفرت عن مقتل 14 إسرائيليًا، وإصابة المئات، وتدمير الكثير من المنشآت. كما أقر "الكيان"، بإثارة هذه الصواريخ الرعبَ في كل الأراضي المحتلة، وأنها كانت تُطلق ليلًا، وتضرب أهدافها بدقة. فـ "الكيان الصهيوني"، يكذب، ويتنفس كذبًا.. هذا أمر معلوم.

ما أشبه الليلة بالبارحة، حين يُعلن الكيان الصهيوني، إسقاط 99% من الصواريخ والمُسيرات الإيرانية (300 طائرة وصاروخ تقريبًا)، التي هاجمته (ليل 13- 14 أبريل/ نيسان)، وأنها لم تُصب أهدافًا في العمق الإسرائيلي، ولم تلحق بالكيان أي خسائر بشرية كانت، أو مادية. لماذا علينا تصديق "جيش الاحتلال" أو حكومته، في إنكار فاعلية الهجوم الإيراني؟. لماذا، وهو يكذب على الدوام، والأمثلة لا تقع تحت حصر؟.

بايدن.. ووعيد (الامام )خامنئي

هل كان الهجوم الإيراني "مسرحية"؟ بالفعل، ولماذا؟. وهل هذا الهجوم بلا فاعلية؟. إجابة عن السؤال نرصد عددًا من النقاط؛ أولًا: أن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإمام علي خامنئي، استبقه، مُعلنًا، أن عقاب إسرائيل، قادم لا محالة.. ردًا، على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق (1/4/2024)، واغتيال قادة في الحرس الثوري الإيراني، على رأسهم الجنرال محمد رضا زاهدي. وعيد خامنئي، أثار حالة من الرعب والفزع، والارتباك، انتابت "الكيان"، أيامًا، انتظارًا للرد.. إدراكًا لجدية الوعيد.

ثانيًا: أن الرئيس الأميركي جو بايدن، حذرَ "الإيرانيين" مرارًا، وعلنًا، بألا يهاجموا إسرائيل.. قائلًا: لا تفعلوا.. مُشددًا، على التزام "أميركا" بأمن إسرائيل والدفاع عنها، ومارس عليهم ضغوطًا عبر وسطاء، لإثنائهم عن المُضي قدمًا فيما قرروه من رد على إسرائيل.. دون جدوى. فلم تمتثل "إيران" للتحذيرات والضغوط الأميركية، ولم ترتدع، أو تتراجع.

دلالة إسقاط الصواريخ

ثالثًا: أن الولايات المتحدة، سارعت إلى تفعيل "شبكة دفاع" لصد الهجوم الإيراني، شاركت فيها بريطانيا، وفرنسا، وربما غيرهما من دول أوروبا، و"دول عربية"، للأسف. وقد أعلن "بايدن" شخصيًا، أن بلاده أسقطت غالبية المُسيرات والصواريخ قبل وصولها إلى إسرائيل.

وهذا له دلالة شديدة الوضوح، على أن "الكيان الصهيوني"، ليس بوسعه منفردًا، التصدي لهذا الهجوم الكبير الذي شنته إيران بالمسيرات والصواريخ الباليستية والمُجنحة.. لولا التصدي الأميركي والأوروبي. سواء هاجمت إسرائيل، وردت على إيران.. أم لم ترد، فهذا لا يغير شيئًا، من فاعلية الهجوم الإيراني، ورسالته، بأن العمق الإسرائيلي، لم يعد بمنأى عن الاستهداف، حال تجاوز الاحتلال بحقّ إيران.

اختبار إيراني

رابعًا: أن "الهجوم الإيراني" محسوب بدقة، فإيران، لا تريد التورط في حروب مفتوحة، ترهقها وتُعطل امتلاكها السلاحَ النووي، إن لم تكن قد امتلكته فعلًا. كما، قد يكون هادفًا، لتجريب الصواريخ والمسيرات في عملية عسكرية فعلية، فالأسلحة، يلزمها اختبار عملي للوقوف على مدى فاعليتها.. واختبار دفاعات وقدرات الأعداء أو الأطراف الأخرى في ميدان المعركة المُحتملة.

هذا الهدف الأخير، يستحق بحد ذاته الإقدام على هذا الهجوم.. في ظل توفر سند من القانون الدولي (كون القنصلية المستهدفة في دمشق.. تُعادل الهجوم على الأراضي الإيرانية). هذا الكم من الصواريخ والمُسيرات، لا يعني أن "إيران" استخدمت، كل ما لديها، فقد يكون لديها، ما هو أحدث، وأمضى توفره لوقته، وقد قالت ما يفيد هذا المعنى.

انسياق أعمى

"إيران"، دولة قوية ومهمة، فاعلة في الإقليم، وفي القضية الفلسطينية.. تعرف ما تريد، وكيف تصل لما تريده. بعض الناقمين عليها، في تهوينهم شأن هجومها على إسرائيل.. تُحركهم نزعات طائفية مذمومة، تُسهم عمدًا، أو بدون قصد في توليد، وإشعال نيران الحقد والكراهية بين المسلمين، والعرب، وتمزيقهم إلى سُنة وشيعة.

البعض الآخر، مُنقاد، بلا إدراك، وراء السخافات التي تبثها فضائيات عربية "متصهينة"، تُخاصم المهنية، و"مليشيات إلكترونية".. ربما "يُديرها" إسرائيليون، أو عرب مثلنا، يحبون "الاحتلال" حبًا جمًا، ويرونه أقرب إليهم من إيران، وبني جلدتهم.

لدينا مشكلة "تربوية" في بيوتنا، ومدارسنا، وبلادنا العربية، اعتمادًا للتلقين والحفظ والاسترجاع، والسمع والطاعة، والولاء.. بما يُنتج أفرادًا، يميلون إلى الانسياق الأعمى وراء "الرأي المُعلب"- الهجوم، مسرحية إيرانية، مثالًا-، يعتنقونه، ويرددونه، مهما كان ساذجًا أو ملفقًا، بما يُغني الفرد عن تشغيل عقله، لتكون كثرة من الناس، يحفظون ولا يفقهون.

الهجوم الإيراني على الكيان الصهيوني، ليس "مسرحية"، بالتأكيد.. بل يتضمن رسائل قوية اللهجة.. نارية، شديدة الاشتعال.. مفادها، أن هذا الكيان، مجرد "أكذوبة كبرى"، وأنه لم يعد في منعة ومأمن، وحصانة. فالمنعة التي استقرت في الأذهان لعقود.. أسقطها "طوفان الأقصى" في الساعات الأولى من صباح 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وها هو المُتبقي منها يتبدد مُجددًا، على خلفية الرعب، والهلع اللذين اجتاحا "الكيان"؛ تحسبًا للهجوم الإيراني، والارتباك الحاصل حاليًا، بشأن الرد على إيران، من عدمه.. إدراكًا بأن الدنيا تغيّرت، وأن ما قبل "طوفان الأقصى" ليس كما بعده.

المصدر :الجزیره

خاصة الأولياء

الشجاعة صفة تتكون في النفس الإنسانية من خلال تدريبها، على اقتحام ما تهاب النفس منه، وهي صفة لا بد أن يحملها المجاهد في سبيل الله تعالى، وهي من الخلفيات الأخلاقية.

الشجاعة
الشجاعة صفة تتكون في النفس الإنسانية من خلال تدريبها، على اقتحام ما تهاب النفس منه، وهي صفة لا بد أن يحملها المجاهد في سبيل الله تعالى، وهي من الخلفيات الأخلاقية.
 
إن الشجاعة فرع من فروع الصبر، ولا يكون غير الصبور شجاعاً، ولهذا ورد في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الشجاعة صبر ساعة"([1]).
 
وفي رواية أخرى عن الإمام الحسن عليه السلام وقد سئل عن الشجاعة فقال: "موافقة الأقران والصبر عند الطعان"([2]).
 
كما أن الشجاعة أيضاً فرع من فروع علو الهمة التي تحدثنا عنها في الدرس السابق، إذ أن عالي الهمّة لا يرضى بأن يكون من الخائفين، والباقين في الحفر تهيباً من صعود الجبال، بل تحمله همّته العالية لبلوغ أعلى الدرجات إلى اقتحام الصعاب بكل شجاعة، وإلى هذا المعنى أشارت الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "شجاعة الرجل على قدر همته، وغيرته على قدر حمّيته"([3]).
 
والشجاعة من الصفات التي يحبها الله تعالى في الإنسان المؤمن، وقد أكدت على ذلك العديد من الروايات الشريفة منها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "واعلم أن الله يحب البصر النافذ عند مجيء الشهوات والعقل الكامل عند نزول الشّبهات، ويحب السماحة ولو على تمرات، ويحب الشجاعة ولو على قتل حيّة"([4]).
 
القوة
والقوة التي نتحدث عنها ليست قوة البدن، وحجم العضلات، وإنما نتحدث عن قوة أخرى، تجعل الإنسان قادراً على أداء عمله بكماله وتمامه.

وهذا ما وضّحه لنا الإمام الصادق عليه السلام حيث روي عنه أنه قال: "إنّ قوّة المؤمن في قلبه، ألا ترون أنكم تجدونه ضعيف البدن نحيف الجسم وهو يقوم الليل ويصوم النّهار؟!"([5]).
 
والقوة تنشأ من العمل المستمر والدؤوب، وأما الكسل والتراخي والتملص من أداء المهام، فإن كل هذا يسبب الخمول والضعف لدى الإنسان المجاهد، ولهذا المعنى أشار الإمام علي عليه السلام: "من يعمل يزدد قوّة، من يقصر في العمل يزدد فترة"([6]).
 
وعلى من يشعر بالضعف في نفسه، والعجز فيها عن القيام بالواجب أن يتذكر دائما ان الله تعالى لا يحب المؤمن الضعيف، وأن المؤمن القوي أحب إلى الله تعالى من الضعفاء، ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير. واحرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل: "لو أني فعلت كان كذا وكذا"، ولكن قل: "قدر الله، وما شاء فعل"، فإنّ" لو "تفتح عمل الشيطان"([7]).
 
وعليه أن يزرع في قلبه دائماً فكرة أن لا يكون عالة على الآخرين وعبئاً عليهم، فإن عدم قيام المرء بالواجب الملقى عليه هو مخالفة للحكم الشرعي، وهو أيضاً خطيئة أخلاقية بحق العمل والعاملين أيضاً.
 
الحزم والاستقامة
يقول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾([8]).
 
تشير الآية الشريفة إلى مفهومين في غاية الأهمية بالنسبة لكل من يؤدي دوراً إلهياً، والمفهومان هما الحزم، والاستقامة.
 
فلا يكفي أن يعمل الإنسان على أداء تكليفه بأي طريق كانت بل عليه أولاً ان يكون حازماً في أدائه لهذا التكليف، بمعنى أن لا يقبل بأي شكل من أشكال التباطؤ، أو التراخي في التطبيق، فالحزم في أداء الواجب أمر مطلوب بل أمر إلهي لكل من يقول بالعمل.
 
فعن الإمام علي عليه السلام: "لا يقيم أمر الله سبحانه إلا من لا يصانع ولا يضارع، ولا يتبع المطامع"([9]).
 
بل إن عاقبة قلة الحزم المهانة في يوم القيامة كما ورد في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "إياكم والتّهاون بأمر الله، فإن من تهاون بأمر الله أهانه الله يوم القيامة"([10]).
 
والأمر الآخر هو الاستقامة، والاستقامة هي الثبات على النهج، وعدم التزلزل بسبب الظروف الطارئة والتي قد تجعل بعض الناس تنحى منحىً آخر غير الذي تسير فيه، فبعض الناس يسير في نهج سياسي مادام النهج يصب في صلاحه، ولو ظاهراً، ولكن إذا طرأ عليه أمر ما يخالف هواه أو ما يتمناه ينحرف إلى خط آخر يظن أن مطامعه تتحقق فيه، وهذا الشخص هو ما يسميه لنا أهل البيت عليهم السلام بالمتلون، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "اعلموا أن الله تبارك وتعالى يبغض من عباده المتلوّن، فلا تزولوا عن الحق، وولاية أهل الحقّ؛ فإن من استبدل به هلك"([11]).
 
فالاستقامة هي الثبات وهي من صفات المؤمن بالله تعالى، أي المؤمن حقاً بل الاستقامة هي النتيجة التي تتحصل من ثبات الإنسان على مبدئه في المحن والبليَّات، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "المؤمن له قوة في دين ...، وبرّ في استقامة"([12]).
 
كما أن للاستقامة أثراً مهما وهو السلامة، وليس المقصود من السلامة سلامة الجسد، بل سلامة النفس من الجنوح لمحل غضب الله تعالى، وسلامتها من السقوط في مستنقع الانحراف، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "من لزم الاستقامة لزمته السلامة"([13]).
 
الصدق والأمانة
يقول الله تعالى في وصف المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُون﴾([14]).
 
صفتان ليستا من صفات المجاهد فحسب بل هما صفتان من صفات أي مؤمن، ولا بد من توفرهما في المجاهد بشكل آكد.
 
تحتل هاتان الصفتان في سلم الأخلاقيات الإسلامية أعلى المراتب، بل لا يكون المؤمن كاذباً كما في الأحاديث الشريفة.
 
لقد جعلت الأحاديث الصدق والأمانة ميزاناً من موازين قياس الإيمان، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم، وكثرة الحجّ والمعروف، وطنطنتهم بالليل، ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة"([15]).

وفضلاً عن هذا كله فإن الصدق والأمانة، سبيلان إلى وصول أعلى درجات الإيمان والقرب من الله تعالى، فهذا الإمام الصادق عليه السلام يخبرنا عن حال جده أمير المؤمنين عليه السلام فيقول: "أنظر ما بلغ به عليّ عليه السلام عند رسول صلى الله عليه وآله وسلم فالزمه؛ فإنَّ عليّاً عليه السلام إنما بلغ ما بلغ به عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصدق الحديث وأداء الأمانة"([16]).
 
* خاصّة الأولياء، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

([1]) الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، الحديث 9157.
([2]) ابن شعبة الحراني، الوفاة: ق 4، تحف العقول، الطبعة الثانية، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ص 226.
([3]) غرر الحكم: 5763.
([4]) ابن سلامة، وفاة: 454، مسند الشهاب، مؤسسة الرسالة، بيروت: 2 - 152 - 1080.
([5]) الشيخ الصدوق ،من لا يحضره الفقيه (381هـ )، جامعة المدرسين ،الطبعة الثانية 1404 هـ: 3-560-4924.
([6]) غرر الحكم: 7990 و7991.
([7]) النيسابوري، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، دار الفكر، بيروت - لبنان: 4 - 2052 - 34.
([8]) الشورى: 15.
([9]) نهج البلاغة: الحكمة 110.
([10]) البرقي، أحمد بن محمد بن خالد، المحاسن، دار الكتب الإسلامية، طهران: 1 - 181 - 286.
([11]) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 10 - 105 - 1.
([12]) الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية، آخوندي، الطبعة الثالثة: 2 - 231 - 4.
([13]) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 78 - 91 - 95.
([14]) المؤمنون: 8.
([15]) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة: 75 - 114 - 5.
([16]) الشيخ الكليني، الكافي. دار الكتب الإسلامية، آخوندي، الطبعة الثالثة: 2 - 104 - 5.

سعيد السني

كاتب وصحفي

لحظة استهداف القسام دبابات إسرائيلية المصدر: (الإعلام العسكري)

في أحدثِ تصريحاته، قال الرئيس الأميركي جو بايدن: "إنّ وقف إطلاق النار ممكنٌ غدًا، في الحرب الدائرة بين إسرائيل، وحركة حماس.. إذا أطلقت الحركة، الرهائن الذين تحتجزهم في قطاع غزة".. كأنه يطلب منها الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لديها، بلا قيد ولا شرط.

بغضّ النظر عن تلاعُب "بايدن"، بالمفردات، والمغالطة، بتصوير العدوان الإسرائيليّ على الشّعب الفلسطيني في قطاع غزّة، بأنّه حربٌ بين إسرائيل، وحماس، فقد بدا الرجل، كما لو كان يهذي، أو في غيبوبة، ناسيًا قواعد السياسة التي أمضى عشرات السنين من عمره (82 سنة)، في محرابها، منذ انتخابه عضوًا بمجلس الشيوخ (1972).

التصريح يأتي تزامنًا مع الهجوم الإسرائيلي على رفح؛ ظنًا من بايدن أنّ جيش الاحتلال، قد ينجح فيما فشل فيه طوال حربه على قطاع غزة (220 يومًا). بينما الأخبار الواردة من قطاع غزّة، شمالًا وجنوبًا (رفح)، تشي بأنّ المقاومة أكثر شراسة في القتال، وتكبّد الاحتلال خسائر فائقة: (23 دبابة، وآلية، وجرافة، وعشرات القتلى والمصابين يوم الإثنين الماضي فقط).

انتزاع التنازلات

في الحروب- كما في حالة غزة-، تتوصّل الأطراف المُتحاربة، عبر المفاوضات، لحلول سياسية، تعكس أوزان قواها العسكرية على الأرض. هناك ثلاث حالات في مثل هذه الحروب؛ الأولى: أن المنتصر عسكريًا، يمكنه انتزاع التنازلات المطلوبة، من الطرف "المهزوم" بإعلان استسلامه، صراحة، أو ضمنًا (في الحرب العالمية الأولى من 1914- حتى 1918.. الحُلفاء فرضوا شروطهم على "ألمانيا" المهزومة في صيغة هُدنة). الثانية: أن تنذر الحرب، بإنهاك أحد طرفَيها، في القتال، فلا يجد مفرًّا من تجرع السُمّ، والقبول بشروط أو إملاءات، قد تكون مُهينة، رغبة في تجنب المزيد من الخسائر، وترحيلًا للمواجهة العسكرية إلى وقت، وظروف أفضل.

خِذلان السياسة للسلاح

ثالثة الحالات: أن يفتقد ساسة أحد طرفَي الصراع "الإرادة، والحنكة، والمناورة"، لانتزاع مكاسب توازي الإنجاز العسكري لقواتهم.. تبديدًا لما تحقق من انتصار. مثلما أعرب الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل (1923- 2016)، في أحد كُتبه (أكتوبر/تشرين الأول 73 السلاح والسياسة)، عن اعتقاده بأنَّ "السياسة" خذلت السلاح في حرب أكتوبر/تشرين الأول، ولم تُحسِن استثمار نتائج انتصار الجيش المصري على إسرائيل في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973م.

عودة لتصريح بايدن، بدعوة حماس إلى الإفراج عن "الرهائن"، فهو فضلًا عن عدم معقوليته.. كاشف لعجز الإدارة الأميركيَّة، عن الضغط على دولة الاحتلال للقبول بصفقة التبادل. نتيجة تعنُّت رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وإصراره على اجتياح رفح؛ أملًا في تحقيق نصر مُحال على المقاومة الفلسطينيَّة العنيدة.

بايدن ورغبات نتنياهو

وزير الخارجيّة الأميركي أنتوني بلينكن؛ أعاد طوال أشهر هذه الحرب، ترديد "تصريح بايدن الأخير"، بصيغ أخرى؛ داعيًا "حماس"، في كل مرَّة، للاستسلام، وإعادة الأسرى الإسرائيليين، والخروج من غزة. هذه الدعوات الأميركية، لحماس، ما هي إلا إملاءات إسرائيلية بلسان أميركي، ترديدًا لرغبات وأهداف نتنياهو الذي لم يستطع جيشه، تحقيقها عسكريًا.. بما لا يسمح لبايدن أو غيره بإملاء الشروط.

لكن.. هل يمكن لحماس، إطلاق الأسرى الإسرائيليين، لديها بلا قيد.. بعدما أرهقت الجيش الإسرائيلي، ومرّغت سُمعته العسكرية بالتراب؟.. هل تستسلم لشروط "نتنياهو"، الذي يريدُ أسراه، دون الالتزام بوقف العدوان، وإطلاق الأسرى الفلسطينيين في سجونه؟. هل تستسلم الحركة، وتلقي سلاحها، وتخرج من غزة.. تَكرارًا لسيناريو خروج الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ورفاقه من لبنان عام 1982؟

معضلة الإدارة الأميركية

المُعضلة التي تؤرق "الإدارة الأميركية"، تكمن في تورطها المباشر في الحرب على غزة، وإدراكها النزيفَ الذي يعاني منه جيش الاحتلال في الجُند، والعتاد.. مع إدراكها، استحالةَ تحقيق الجيش الإسرائيلي، أهداف نتنياهو من حربه على غزة. لا سيما، أنَّ أهالي الجنود الإسرائيليين يتظاهرون؛ طلبًا لوقف الحرب خشيةً على حياة أبنائهم، في ظل كثرة "القتلى" العسكريين الذين يتم تشييعهم يوميًا.. مع استمرار احتجاجات عائلات الأسرى لدى حماس، بما يعني تزايدًا للانقسام الداخلي الذي ينال من عزيمة أي جيش في حالة حرب، كما أنَّ المقاومة لا تزال تُلحق الخسائر الهائلة به.

الورقة الرابحة

من هنا، فإن "الإدارة الأميركية" تُمارس أقصى الضغوط السياسية، وبوسائل شتى، على "حركة حماس"، لإرغامها على الاستسلام، وتنفيذ مطالب نتنياهو منها.. لتحصل إسرائيل على ما تريد وتحقّق أهدافها حتى يمكنها ادّعاء الانتصار. مرة أخرى، هل يمكن لحماس الاستسلام، وإطلاق سراح "الأسرى الإسرائيليين" دون مقابل؛ امتثالًا لخيالات بايدن ورغبات نتنياهو؟.. بالقطع لا.. فهؤلاء الأسرى هم الورقة الرابحة بيد المقاومة حتى لو تحوّلوا جميعًا إلى جثث.. السوابق تؤكد ذلك، فلم تفلح إسرائيل في حروبها العديدة على غزة، ولبنان، بتحرير أسراها، أو استعادة جثثهم، دون صفقة واتفاق.

 أبوعبيدة وعزالدين القسّام

الاستسلام غير وارد لدى المقاومة الفلسطينيَّة، فالشعار المرفوع عن عقيدة، وإيمان، وقناعة، هو النصر أو الشهادة في سبيل الله.. يردّده الناطق باسم الجناح العسكري لحركة حماس (كتائب القسام)، أبوعبيدة، في إطلالاته: "إنه لجهاد.. نصر.. أو استشهاد".

كتائب القسَّام.. تحمل اسم الشَّهيد السوري الشيخ عزالدين القسام (مواليد 1882)، الذي حشد "المجاهدين"، لقتال الاحتلال البريطاني في فلسطين.. واستشهد مع عشرة رجال، وهم يقاتلون الإنجليز لساعات طويلة (نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1935). حُوصر الشيخ القسّام في إحدى القرى الفلسطينية، وأغرقهم "الإنجليز" بالرصاص.. بعد فشل محاولاتهم، بإقناع أو إرغام الشيخ القسام ورفاقه بالاستسلام. كان شعارهم: "إنه لجهاد.. نصرٌ.. أو استشهاد".. الذي تتخذه فصائل "المقاومة" شعارًا لها.

ليس من شيم المقاومة الفلسطينية الاستسلام.. ستقاتل حتى النهاية؛ نصرًا.. أو استشهادًا.

نسأل الله أن يكون نصرًا بإذن الله.

أبحاث ومفاهيم

السنن التاريخيّة عبارة عن الضوابط والقوانين والنواميس التي تتحكّم في عمليّة التاريخ.

السنن التاريخيّة عبارة عن الضوابط والقوانين والنواميس التي تتحكّم في عمليّة التاريخ.

لقد بيّنت هذه الحقيقة في عدّة آياتٍ. في بعض هذه الآيات أعطيت الفكرة بصيغتها الكليّة، وفي بعض الآيات أعطيت على مستوى التطبيق على مصاديق ونماذج، وفي آيات أخرى حصل الحثّ الأكيد على الاستفادة من الحوادث الماضية، وشحذ الهمم لإيجاد عمليّة استقراء للتاريخ. وعمليّة الاستقراء للحوادث ـ كما تعلمون ـ هي عمليّة علميّة بطبيعتها، تريد أن تفتّش عن سنّةٍ، عن قانونٍ، وإلا فلا معنى للإستقراء من دون افتراض سنّةٍ أو قانونٍ. إذاً هناك ألسِنَةٌ متعددةٌ درَجت عليها الآيات القرآنيّة في مقام توضيح هذه الحقيقة وبلورتها.

تفرّد القرآن بمفهوم السنن التاريخيّة
وهذا المفهوم القرآنيّ يعتبر فتحاً عظيماً للقرآن الكريم، لأنّنا في حدود ما نعلم، القرآن أوّل كتابٍ عرفه الإنسان أكّد على هذا المفهوم، وكشف عنه وأصرّ عليه، وقاوم بكلّ ما لديه من وسائل الإقناع والتفهيم. الإنسان الاعتياديّ كان يفسّر أحداث التاريخ بوصفها كومةً متراكمةً من الأحداث، يفسّرها على أساس الصدفة تارةً، و تارةً أخرى على أساس القضاء والقدر والإستسلام لأمر الله سبحانه وتعالى. القرآن الكريم قاوم هذه النظرة العفويّة، وقاوم هذه النظرة الإستسلامية، ونبّه العقل البشريّ إلى أنّ هذه الساحة لها سننٌ، ولها قوانين، وأنّه لكي تستطيع أن تكون إنساناً فاعلاً مؤثّر، لا بدّ لك أن تكتشف هذه السنن، لا بدّ لك أن تتعرّف إلى هذه القوانين، لكي تستطيع أن تتحكّم فيها، وإلا تحكّمت هي فيك وأنت مغمض العينين.افتح عينيك على هذه القوانين، افتح عينيك على هذه السنن، لكي تكون أنت المتحكّم، لا لكي تكون هذه السنن هي المتحكّمة فيك.

هذا الفتح القرآنيّ الجليل، هو الذي مهّد إلى تنبيه الفكر البشريّ بعد ذلك بقرون، إلى أن تجرى محاولاتٌ لفهم التاريخ فهماً علميّاً. بعد نزول القرآن بثمانية قرون بدأت هذه المحاولات، بدأت على أيدي المسلمين أنفسهم، فقام ابن خلدون بمحاولةٍ لدراسة التاريخ وكشف سننه وقوانينه، ثمّ بعد ذلك بأربعة قرون ـ على أقلّ تقديرـ اتّجه الفكر الأوروبّي في بدايات ما يسمّى بعصر النهضة، بدأ لكي يجّسد هذا المفهوم الذي ضيّعه المسلمون، والذي لم يستطع المسلمون أن يتوغّلوا إلى أعماقه. هذا المفهوم أخذه الفكر الغربيّ في بدايات عصر النهضة، وبدأت هناك أبحاثٌ متنوّعة ومختلفةٌ حول فهم التاريخ، وفهم سنن التاريخ، ونشأت مدارس متعدّدة كلّ واحدةٍ منها تحاول أن تحدّد نواميس التاريخ.

وقد تكون الماديّة التاريخيّة أشهر هذه المدارس، وأوسعها تغلغلاً، وأكثرها تأثيراً في التاريخ نفسه. إذاً كلّ هذا الجهد البشريّ في الحقيقية، هو استمرار لهذا التنبيه القرآنيّ. ويبقى للقرآن الكريم مجده، في أنّه طرح هذه الفكرة لأوّل مرّةٍ على ساحة المعرفة البشريّة.

التأثير المباشر للسنن في عمليّة التغيير
إنّ البحث في سنن التاريخ مرتبطٌ ارتباطاً عضويّاً شديداً بكتاب الله بوصفه كتاب هدىً، بوصفه إخراجاً للناس من الظلمات إلى النور، لأنّ الجانب العمليّ البشريّ والتطبيقيّ من هذه العمليّة، يخضع لسنن التاريخ، فلا بدّ إذاً أن نستلهم، ولا بدّ إذاً أن يكون للقرآن الكريم تصوّرات وعطاءات في هذا المجال، لتكوين إطارٍ عامٍ للنظرة القرآنيّة والإسلاميّة عن سنن التاريخ.

إذاً هذا لا يشبه سنن الفيزياء والكيمياء والفلك والحيوان والنبات. تلك السنن ليست داخلةً في نطاق التأثير المباشر على عمليّة التاريخ، ولكن هذه السنن داخلةٌ في نطاق التأثير المباشر على عمليّة التغيير، باعتبار الجانب الثاني (البشريّ). إذاً لا بدّ من شرح ذلك ولا بدّ أن نترقّب من القرآن إعطاء عموميّات في ذلك. نعم لا ينبغي أن نترقّب من القرآن أن يتحوّل أيضاً إلى كتابٍ مدرسيٍّ في علم التاريخ وسنن التاريخ، بحيث يستوعب كلّ التفاصيل وكلّ الجزئيّات، حتّى ما لا يكون له دخل في منطق عمليّة التغيير التي مارسها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وإنّما القرآن الكريم يحتفظ دائماً بوصفه الأساسيّ والرئيسيّ، يحتفظ بوصفه كتاب هدايةٍ، كتاب إخراج للناس من الظلمات إلى النور، وفي حدود هذه المهمّات الكبيرة العظيمة التي مارسها، في صدور هذه المهمّة، يعطي مقولاته على الساحة التاريخيّة، ويشرح سنن التاريخ. بالقدر الذي يلقي ضوءاً على عمليّة التغيير التي مارسها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، بقدر ما يكون موجّهاً وهادياً وخالقاً لتبصّرٍ موضوعيٍّ للأحداث والظروف والشروط. ونحن في القرآن الكريم نلاحظ هذه الحقيقة، حقيقة أنّ للتاريخ سنناً، أنّ الساحة التاريخيّة عامرةٌ بسننٍ كما عمرت كلّ الساحات الكونيّة الأخرى بسنن.

النصر الإلهي

الربط بين الإيمان والنصر من الأمور التي يمكن للإنسان أن يدركها. فالمؤمن يستند إلى ركنٍ وثيق هو الله، ويمتاز بدافع قويٍّ للتضحية لا يتوفّر عند غيره من الناس، فهو كما تقول الآية الشريفة:

أثر الإيمان في النصر
الربط بين الإيمان والنصر من الأمور التي يمكن للإنسان أن يدركها. فالمؤمن يستند إلى ركنٍ وثيق هو الله، ويمتاز بدافع قويٍّ للتضحية لا يتوفّر عند غيره من الناس، فهو كما تقول الآية الشريفة: ﴿وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ﴾[1]. فاختلاف الرجاء والغاية التي يسعى الإنسان من أجلها تؤثّر في الدافع الذي يدفع الإنسان إلى التضحية وبذل النفس من أجله. وخاصّة إذا أخذنا بالاعتبار أنّ المؤمن يطلب إحدى الحسنيين كما تقدّم فإن انتصر فبها ونعمت وإن استشهد فإنّه ينقلب إلى ربٍّ غفور، فهو يعتقد أنّ بين حالين كلاهما حسن، ومن ينظر إلى الأمور بهذه الطريقة لا يعرف اليأس إلى قلبه سبيلًا. والشرط الأساس في هذه الصفة حتّى تؤثّر أثرها أن تبقى اسمًا ورسمًا وأما إن تحوّلت إلى اسم خالٍ من المضمون فلا ينبغي توقّع تحقّق الوعد الإلهيّ بالنصر، فالنصر المجانيّ غاية لا تدرك وبغية لا تُنال: "والحكم أعني النصر والغلبة حكم اجتماعيّ منوط على العنوان لا غير, أي إنّ الرسل وهم عباد أرسلهم الله والمؤمنون وهو جند الله يعملون بأمره ويجاهدون في سبيله ما داموا على هذا النعت منصورون غالبون، وأما إذا لم يبق من الإيمان إلا اسمه ومن الانتساب إلا حديثه فلا ينبغي أن يرجى نصرٌ ولا غلبة"[2]. وبالتالي قد يهزم المسلمون إذا فقدت أكثريّتهم الاتّصاف بهذه الصفة حتّى لو كان فيهم نبيّ من أنبياء الله تعالى: هناك جانب آخر لعمليّة التغيير التي مارسها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الأطهار، هذه العمليّة حينما تلحظ بوصفها عمليّة متجسّدة في جماعة من الناس وهم النبيّ والصحابة.. وبوصفها عمليّة قد واجهت تيّارات اجتماعية مختلفة من حولها واشتبكت معها في ألوان من الصراع والنزاع العقائديّ والاجتماعيّ والسياسيّ والعسكريّ... حينما تؤخذ العمليّة من هذه الزاوية تكون عمليّة بشريّة، يكون هؤلاء أناسًا كسائر الناس تتحكّم فيهم إلى درجة كبيرة سنن التاريخ التي تتحكّم في بقية الجماعات وفي بقيّة الفئات.. المسلمون انتصروا في بدر حينما كانت الشروط الموضوعيّة للنصر بحسب منطق سنن التاريخ تفرض أن ينتصروا، وخسروا المعركة في أحد حينما كانت الشروط الموضوعيّة في معركة أحد تفرض عليهم أن يخسروا المعركة... "لا تتخيّلوا أن النصر حقٌّ إلهيٌّ لكم، وإنما النصر حقٌّ طبيعيّ لكم بقدر ما يمكن أن توفّروا الشروط الموضوعيّة لهذا النصر بحسب منطق سنن التاريخ التي وضعها الله سبحانه وتعالى كونيًّا لا تشريعيًّا"[3].
 
العمل الصالح
العمل الصالح السابق على النصر واللاحق له من العناصر المهمّة في استنزال النصر. وقد بيّن الله هذا الأمر في عددٍ من الآيات. ونكتفي باستعراض أقل عددٍ ممكنٍ من هذه الآيات لأنّ مفهوم الإيمان في القرآن الكريم من المفاهيم المقرونة بالعمل الصالح في كثير من الآيات.

 
- قال الله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾[4]. نلاحظ في هذه الآية أنّ النصر الذي يعد به الله تعالى مقيّدٌ بصفتين هما الإيمان والعمل الصالح.
 
- قال الله تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾[5]. تتحدّث الآية السابقة عن العمل الصالح السابق على النصر، وأمّا هاتان الآيتان فإنّهما تتحدّثان عن نصر الله لمن ينصره، ولكنّهما تقيّدان ذلك بما بعد النصر وتشترطان في هؤلاء الذين يدّعون الإيمان ويطلبون من الله النصر والتمكين أن يحافظوا على الصفات التي أهّلتهم لنيل النصر، وإلا فلن ينال النصر من الله من يضيّع ما أمره الله به. ولو فُرِض وحصل مثل هذا الأمر فإنّ الله يهدّد هؤلاء بالاستبدال بمن هو أهلٌ لأن يخصّه الله بنصره وتمكينه[6].
 
قال الله تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا﴾[7].
 
- قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم﴾[8]، تشترك هاتان الآيتان في نكتة واحدة هي الوعد بفيض النعم الإلهيّة على بعض الناس لو أنّهم استقاموا على الشريعة التي شرّعها الله لهم، وأقاموا حدود الكتب السماويّة التي أتاهم بها أنبياؤهم. ووجه الربط بين هاتين الآيتين وبين النصر أنّ هذا الأخير نعمة من النعم الإلهيّة، وبناء على قاعدة "حكم الأمثال في ما يجوز وما لا يجوز واحد"، يمكن تعميم هذا الحكم من نعمة الأكل والشرب إلى غيرها من النعم كالنصر.
 
النصر الإلهي، سنن النصر في القرآن الكريم، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

 

محمود عبد الهادي

كاتب صحفي وباحث

المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (الفرنسية)

في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، كتبت في هذه الزاوية مقالا بعنوان (المعركة الفاضحة) التي ستفضح جميع الأطراف المشاركة في حرب الإبادة الصهيو-أميركية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والأطراف الداعمة لها ماديا ومعنويا، والأطراف العاجزة، وها هي الفضائح تتوالى على رأس الولايات المتحدة، الشريك الرئيسي للكيان الصهيوني في هذه الحرب، وراعية النظام العالمي القائم على القواعد على حد زعم قادتها.

أحدث هذه الفضائح رسالة التهديد التي بعث بها ١٢ عضوا جمهوريا من مجلس الشيوخ الأميركي إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، يحذرونه فيها من مغبة الإقدام على إصدار مذكرات اعتقال بحق قادة سياسيين أو عسكريين من الكيان الصهيوني، وعلى رأسهم رئيس وزرائه ووزير دفاعه ورئيس أركانه، في خطوة تعتبر ضربة تدميرية شديدة تضاف إلى الضربات المتسارعة التي انهالت على النظام العالمي الأميركي وركائزه الفكرية والأخلاقية، وخاصة في أعقاب طوفان الأقصى.

الولايات المتحدة تهدد المحكمة الجنائية الدولية بإنهاء كل الدعم الأمريكي للمحكمة الجنائية الدولية، ومعاقبة موظفيها وشركائها، ومنعهم وعائلاتهم من دخول الولايات المتحدة.

عربدة بلا تجميل

الحديث عن عربدة الولايات المتحدة في العالم ليس جديدا، وهو أحد سلوكيات فرط القوة وشمول الهيمنة التي تعززت عالميا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي رسميا أواخر ديسمبر ١٩٩١م، وانتقال العالم من ثنائي القطبين إلى أحادي القطب، ودائما تكون العربدة تحت شعارات زائفة ومخادعة وبراقة للشعوب التي تجري العربدة على أراضيها وللشعب الأميركي على حد سواء، وأبرز هذه الشعارات: محاربة الإرهاب والاستبداد، وتعزيز الديمقراطية، وحماية حقوق الإنسان، والدفاع عن مصالح الولايات المتحدة وحلفائها. وقد رأينا هذه العربدة كثيرا وخاصة في العقدين الأول والثاني من هذا القرن، في الصومال والعراق وأفغانستان واليمن وباكستان، ومؤخرا في تايوان وأوكرانيا.

إلا أن تحالف الولايات المتحدة مع الكيان الصهيوني في حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لم يجد شيئا من الشعارات السابقة يتستر خلفها، بعد أن تساقطت الأكاذيب التي أسس عليها الكيان الصهيوني هذا التحالف، حتى وجدت الولايات المتحدة نفسها متورطة تماما في هذه الحرب التي وضعت إدارة الرئيس بايدن في موقف تهاوت معه أحلامه بدوره رئاسية ثانية، مثلما تهاوت تحت أكوام الدمار وجثث النساء والأطفال والضعفاء في غزة؛ الشعارات والأحلام الوردية التي بشر بها العالم عند استلامه للسلطة مطلع العام ٢٠٢١م.

وقد جاءت الرسالة التي وجهها ١٢ عضوا جمهوريا من أعضاء الكونغرس الأميركي للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان في الرابع والعشرين من الشهر الماضي، لتظهر الوجه الحقيقي الولايات المتحدة الأميركية والنظام العالمي الذي تقوده والقواعد التي يقوم عليها والشعارات التي ترددها، حيث كانت الرسالة تهديدا مباشرا للمدعي العام وفريقه، وتحذيرا شديد اللهجة من مغبة الإقدام على إصدار أي مذكرة اعتقال في حق قادة الكيان الصهيوني، جاء فيه "إذا أصدرتم مذكرة اعتقال للقيادة الإسرائيلية، فسنفسر ذلك ليس فقط على أنه تهديد لسيادة إسرائيل، بل لسيادة الولايات المتحدة. لقد أظهرت بلادنا في قانون حماية أفراد الخدمة العسكرية الأمريكية المدى الذي سنذهب إليه لحماية تلك السيادة". في إشارة إلى العقوبات التي أصدرتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في سبتمبر/ أيلول ٢٠٢٠م ضد المدعي العام السابق للمحكمة وفريقه ردا على قيام المحكمة بالنظر في ارتكاب القوات الأميركية جرائم حرب في أفغانستان.

وختمت الرسالة بالقول: "لن تتسامح الولايات المتحدة مع الهجمات المسيسة التي تشنها المحكمة الجنائية الدولية على حلفائنا. استهدفوا إسرائيل وسنستهدفكم. إذا مضيتم قدما في الإجراءات المشار إليها في التقرير، فسنتحرك لإنهاء كل الدعم الأميركي للمحكمة الجنائية الدولية، ومعاقبة موظفيكم وشركائكم، ومنعكم وعائلاتكم من دخول الولايات المتحدة. لقد تم تحذيرك".

وترى الرسالة أن إصدار مذكرات اعتقال دولية ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين، تعتبر إجراءات غير شرعية تفتقر إلى أساس قانوني، وإذا تم تنفيذها فسوف تؤدي إلى فرض عقوبات أميركية شديدة على المحكمة وعلى المدعي العام، معتبرة أن دولة الكيان الصهيوني تقوم بإجراءات مشروعة للدفاع عن النفس ضد المعتدين المدعومين من إيران. وشددت الرسالة على أن "من شأن مذكرات الاعتقال هذه أن تضع المحكمة الجنائية الدولية في صف أكبر دولة راعية للإرهاب ووكيلتها"، أي أيران. كما أشارت الرسالة إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة خارج نطاق الولاية القضائية للمحكمة لأنهما ليستا أعضاء فيها.

أي عربدة هذه التي تدفع الولايات المتحدة إلى مخالفة مؤسسات النظام العالمي التي تزعم أنها مسؤولة عن حمايتها من أجل إقامة العدل والمساواة وحقوق الإنسان في العالم؟

التمادي في العربدة

أي عربدة هذه التي تدفع الولايات المتحدة إلى الوقوف في وجه محكمة دولية أنشئت لتختص بمحاكمة الأفراد الذين يفلتون من العقاب، والمتهمين بارتكاب جرائم إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب. أي عربدة هذه التي تدفع الولايات المتحدة إلى مخالفة مؤسسات النظام العالمي التي تزعم أنها مسؤولة عن حمايتها من أجل إقامة العدل والمساواة وحقوق الإنسان في العالم؟

ولكن؛ لماذا نستغرب قيام هذه العربدة من الولايات المتحدة ضد المحكمة الجنائية الدولية، وهي مسؤولية عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في حق ملايين البشر، ليس هذا وحسب، بل هي المسؤولة عن ارتكاب الكيان الصهيوني لأعمال الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بما يوفره له من غطاء سياسي، وبما تقدمه له من دعم عسكري متواصل على مدى الشهور السبعة الماضية؟ في الواقع يجب ألا نستغرب ذلك، فالعدالة والمساواة والحقوق ليست ما تنص عليه المواثيق والمعاهدات، وإنما ما تراه دول الاستكبار العالمي المهيمنة بقوتها على تفسير هذه المواثيق والمعاهدات بما يتناسب مع مصالحها ومصالح حلفائها.

لقد نظرت المحكمة منذ بداية عملها عام ٢٠٠٢م في أكثر من ٤٠ قضية، وأصدرت أكثر من ٣٠ مذكرة اعتقال بحق الأشخاص المتهمين فيها، منهم ١٧ متهما لم يتم القبض عليها حتى الآن، من بينهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي صدرت بحقه مذكرة اعتقال في مارس/ آذار من العام الماضي. وقد رحبت الرئيس الأميركي جو بايدن حينها بهذا القرار واعتبره نقطة قوية لصالح المحكمة لأن روسيا ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا، وهو نفسه الذي قام في بداية رئاسته؛ بإيقاف العقوبات التي فرضها سلفه على المدعي العام السابق للمحكمة.

وتماديا في عربدتها، وإمعاناً في التغطية على جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي يقوم بها الكيان الصهيوني، وحماية لقادته من الاعتقال، وتحسباً لقيام المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحق قادته، شرع الأعضاء الجمهوريون في مجلس النواب الأميركي مؤخرا في إعداد تشريع احترازي لفرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية. ووصل الأمر إلى حد قيام مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين بعقد اجتماع عبر الإنترنت مع مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية قبل أسبوع للتعبير عن مخاوفهم بشأن أوامر الاعتقال المحتملة، ومحذرين من عواقب ذلك على علاقة الولايات المتحدة بالمحكمة، والعقوبات التي ستفرضها عليها في حال إقدامها على ذلك.

فهل سترضخ المحكمة الجنائية الدولية والمدعي العام وفريقه للتهديدات الأميركية تجنبا للتعرض لعقوبات مماثلة لما تعرض له الأمين العام السابق، بل من المتوقع أن تكون أشد منها؟ أم ستلتزم بنزاهتها واستقلاليتها، وتواصل عملها دون التفات لهذه التهديدات، معتمدين على دعم الدول الأعضاء في المحكمة، ومن بينهم غالبية الدول الأوروبية؟

المصدر :الجزیره

السبت, 18 أيار 2024 11:00

سر السجود في الصلاة وآدابه

يروى عن الصادق عليه السلام: "ما خسر والله من أتى بحقيقة السجود ولو كان في العمر مرّة واحدة وما أفلح من خلا بربه في مثل ذلك الحال تشبيها بمخادع نفسه غافلا لاهياً عمّا أعده الله للساجدين من أنس العاجل وراحة الآجل. ولا بعد عن الله أبدا من أحسن تقرّبه في السجود ولا قرب إليه أبداً من أساء أدبه وضيّع حرمته بتعلق قلبه بسواه في حال سجوده فاسجد سجود متواضع لله تعالى ذليل علم أنه خلق من تراب يطؤه الخلق وأنه اتخذك من نطفة يستقذرها كل أحد وكوّن ولم يكن وقد جعل الله معنى السجود سبب التقرب إليه بالقلب والسر والروح فمن قرب منه بعد من غيره، ألا ترى في الظاهر أنه لا يستوي حال السجدة إلا بالتواري عن جميع الأشياء والاحتجاب عن كل ما تراه العيون، كذلك أمر الباطن فمن كان قلبه متعلقا في صلاته بشيء دون الله تعالى فهو قريب من ذلك الشيء بعيد عن حقيقة ما أراد الله منه في صلاته، قال عزّ وجلّ: ﴿مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾([1]). وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قال الله تعالى: لا اطلع على قلب عبد فاعلم فيه حب الاخلاص لطاعتي لوجهي وابتغاء مرضاتي إلا توليت تقويمه وسياسته ومن اشتغل بغيري فهو من المستهزئين بنفسه ومكتوب اسمه في ديوان الخاسرين"([2]).
 
سرّ السجود:
ترك النفس وغمض العين عمّا سوى الحق تعالى، وفي وضع الرأس على التراب إشارة إلى أن عظمة الله لا ترى وجماله لا يرى إلا إذا عرف الإنسان قدر فقره وذلّته فتواضع لله، فبذلك يرى عزّ الربوبية وجمالها وجلالها... وأدب وضع الرأس على التراس إسقاط أعلى مقامات نفسه عن عينه ورؤيتها أقل من التراب.

فالسجود تذكير للأنسان بأصله وهو التراب، وبتذكره لأصله يأمل منه أن يترك الاستكبار والعجب.
 
ووضع رؤساء الاعضاء الظاهرة (الرأس بما يحويه –اليدان- الرجلان) – على أرض الذلة والمسكنة – وتلك الأعضاء هي محال الإدراك، وظهور التحريك والقدرة – علامة التسليم التام وتقديم جميع القوى، فإذا قوي تذكر هذه المعاني في القلب فينفعل القلب بها تدريجيا فتحصل حالة هي حالة الفرار من بالنفس وترك رؤية النفس، وتنيجة هذه الحال حصول حالة الأنس بالله تعالى عبادته.
 


([1]) الأحزاب: 4.
([2]) مصباح الشريعة، باب 41، في السجود، ص91.