
Super User
الطائرات الورقية وأزمة الحلول الإسرائيلية
تزايُد الحرائق في مستوطنات غلاف غزّة، الناشئة عن الطائرات الورقية الحارِقة، دفعت "إسرائيل" بالعمل على خطين متوازيين لمحاربة هذه الظاهرة الشعبية للمقاومة، حيث في المستوى الأول، حاولت أن تجد حلاً تكنلوجياً لمحاربة الطائرات الورقية الحارِقة والبالونات، لدرجة أن قيادة الجيش طالبت شركة رفائيل للتصنيع العسكري بصناعة منظومة تقنية لاعتراض هذه الطائرات الورقية.
وقد أعلنت شركة رفائيل للتصنيع العسكري أن هناك منظومة دفاعية من سلاح الليزر في طور الاختبار للتصدّي للبالونات والطائرات الورقية الحارِقة، ناهيك عن الطائرات من دون طيّار الصغيرة التي تمت تجربتها في إسقاط الطائرات الورقية والبالونات الحارِقة.
أما المستوى الثاني فلقد تم استدعاء وحدات الاحتياط في الدفاع المدني، والشرطة، وبعض وحدات الجيش الصهيوني، التي تعمل في الدفاع عن الجبهة الداخلية من أجل مكافحة الحرائق الناتجة من الطائرات الورقية الحارِقة، بما يشبه (أمر "8") الخاص باستدعاء الاحتياط في الجيش الصهيوني، ناهيك عن إصدار الجيش، وقيادة الجبهة الداخلية تعليمات تحذيرية وإرشادية لمستوطني غلاف غزّة في كيفية التعامل مع خطر الطائرات الورقية الحارِقة.
باتت دولة الاحتلال على ضوء هذه المحاولات الفاشلة حتى الآن في مُجابهة الطائرات الورقية والبالونات الحارِقة، أمام عدّة خيارات:
أولاً. القبول باستمرار حال فقدان الأمن لدى مستوطني الغلاف، وتآكل صورة الردع الصهيونية، ليس أمام المقاومة في غزّة وحسب، بل على مرأى ومسمع من الإقليم بكليته، وهنا لا تقاس الخسائر الإسرائيلية بالتكلفة المادية، التي مهما بلغت تبقى متواضعة أمام الخسائر النفسية، والوجدانية والإعلامية، وهذا خيار صعب أن تقبل به "إسرائيل".
ثانياً. التعامل مع الطائرات الورقية الحارِقة كسلاح، فتبدأ "إسرائيل" بقصف أو اغتيال مطلقي البالونات الحارِقة، ولكنها تدرك أن هذا بمثابة قرار بالدخول في مواجهة مفتوحة مع المقاومة في غزّة المتمسّكة بمعادلة القصف بالقصف، والدم بالدم، لكن الإسرائيلي غير جاهز لها على ضوء مشاكل جبهته الداخلية، من خلال النقص الحاد بالملاجئ الآمنة لمستوطنيه، والأهم توتر جبهة الشمال الأكثر تأثيراً على موازين القوّة لدولة الاحتلال في المستقبل, بالإضافة إلى رغبته باستكمال الجدار (تحت أرضي) لمحاربة الأنفاق، هذا المشروع الذي يبني عليه الجيش الإسرائيلي استراتيجيته في مجابهة الأنفاق الهجومية، السلاح الأكثر إرهاقاً لهم، ناهيك عن الحراك السياسي تحت الرعاية الأميركية في المنطقة، تجعل يد "نتنياهو" مغلولة في التصرّف الغاشِم ضد غزّة، خاصة مع الرأي العام الدولي المعارض للإجرام الصهيوني المُمنهج ضد المتظاهرين السلميين في مسيرات العودة وكسر الحصار، ما سيضع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة في حرج شديد أمام شعوبهم، وخاصة أننا نتحدّث عن طائرات ورقية شعبية وبالونات بمواجهة طائرات إف 35.
ثالثاً. يحاول الجيش الصهيوني أمام هذه الخيارات إيجاد حل شامل لغزّة، بما فيها إنهاء مسيرات العودة، التي تعتبر الطائرات الورقية إحدى تجليات فعلها الشعبي، الذي أربك كل حسابات دولة الاحتلال، خاصة إذا أتى الحل في سياقات التخطيط الأميركي للمنطقة، وللقضية الفلسطينية، التي تُعرَف بصفقة القرن، خاصية هذا الحل أنه سيحاول معالجة كل الإشكاليات الصهيونية في غزّة رزمة واحدة، بما فيها قضية الجنود الأسرى لدى المقاومة، تحت عنوان التخفيف من الأزمة الإنسانية في غزّة.
المستوى السياسي في دولة الاحتلال مازالت حساباته الحزبية، ورهاناته الانتخابية تقف حجر عثرة أمام التقدّم في هذا الحل الشامل الذي يتبناه المستوى العسكري المهني في المؤسسة الأمنية في دولة الاحتلال، بالإضافة إلى مخاوفه من أن ينظر فلسطينياً إلى أي تخفيف على غزّة في المستوى الحياتي كإنجاز حقّقته مسيرات العودة وكسر الحصار، ما يزيد من زخمها، ويساعدها على مراكمة نجاحاتها خاصة على صعيد الوصول إلى هدفها المرحلي كسر الحصار عن مليوني فلسطيني في قطاع غزّة، وحتى على صعيد أهداف مسيرة العودة الاستراتيجية، يتجلّى الهاجس الإسرائيلي الأساسي بأن يشعر الفلسطيني اللاجئ في غزّة وغيرها من المدن الفلسطينية سواء في الضفة أو في بلدان اللجوء، بنجاعة مسيرات العودة النضالية في ظل طوفان صفقة القرن، حينها لن تقتصر إشكالية "إسرائيل" على كيفية مجابهة استمرارية مسيرات العودة على الحدود الشرقية لغزّة فقط، بل ستتعدّاها إلى مواجهتها في مناطق أكثر حساسية على أمن دولة الاحتلال ستنتقل إليها تلك المسيرات.
رابعاً. حاولت دولة الاحتلال أن تخلق حلاً توافقياً ما بين رؤية الجيش، وما بين رؤية المستوى السياسي، من خلال الرد العسكري المحدود على الطائرات الورقية، بمعنى الاقتصار على الاستهداف غير المباشر لمُطلقيها، وازدياد حدّة هذا الاستهداف طردياً مع اتّساع ظاهرة الطائرات الورقية الحارِقة، وتطوّر المشهد الأمني, كل ذلك بالتوازي مع مبادرات ومقترحات إسرائيلية سياسية للتخفيف من أزمات غزّة الإنسانية، تطرح فقط على الإعلام من أجل خلق حراك وهمي، يُجمّل من الصورة الدعائية للحكومة اليمينية الإسرائيلية، ويُحاول أمام الداخل الصهيوني والمجتمع الدولي أن العائق الأساس بوجه إنهاء أزمات غزّة هو المقاومة الفلسطينية وليس دولة الاحتلال، وبذلك تلقي الكرة في ملعب المقاومة وتحاول تحويل الضغط الشعبي الفلسطيني وحتى الدولي بتجاهها.
من الواضح أن دولة الاحتلال تفضّل الحل التوافقي، لأنه يمنحها الوقت ولا يجبرها على اتخاذ قرار نهائي بشأن غزّة، وفي الوقت ذاته يمنحها المرونة في التعاطي مع التغيّرات المتلاحقة سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الأمني.
حسن لافي كاتب فلسطيني مختص بالشأن الإسرائيلي
ماذا يأمل روحاني من زيارته لأوروبا؟
بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي والبدء بفرض عقوبات اقتصادية على إيران وعدت إدارة ترامب بأنها ستكون الأقسى في التاريخ .لذا تكتسب الزيارة أهميتها من هذا الظرف الحرج الذي يعصف بالاتفاق الذي سعى الجانبان الإيراني والأوروبي على مدى 12 عاماً من المفاوضات الشاقة إلى التوصل إليه في عام 2015، ففي الوقت الذي تبدو طهران أنها متمسكة بالاتفاق وبالانفتاح على العالم ولا سيما على القارة العجوز إذا حصلت على ضمانات كافية من الأوروبيين لتأمين المصالح الإيرانية تبدو أوروبا أكثر تمسكا بهذا الاتفاق الذي ليس من أجل المكاسب الاقتصادية من الأسواق الإيرانية فقط إنما لأهداف استراتيجية أوروبية تحاول العبور بالاتحاد إلى ضفة التمايز عن السياسات الأميركية ولاحقا الاستقلال عنها كما أن الاتفاق النووي يعتبر باكورة جهود دبلوماسية حثيثة لأوروبا يدفع بها مجددا إلى صدارة المشهد السياسي الدولي بعد تراجع ملحوظ في العقود الأخيرة أمام التغول السياسي الأميركي في العالم وخاصة في منطقة الشرق الاوسط.
سويسرا والنمسا بلدان تربطهما علاقات جيدة مع إيران منذ عقود وقد ترسخت هذه العلاقات أكثر في عهد أول حكومة إصلاحية برئاسة محمد خاتمي. كما أن سويسرا ترعى المصالح الأميركية في إيران وتشكل جسراَ بين واشنطن وطهران في مجالات عدة ومنها المجال الاقتصادي. كما أن هذه الزيارة تشكل فرصة هامة بتوقيت مناسب للتأكيد على الموقف الإيراني حول المفاوضات الراهنة مع الجانب الأوروبي لتقديم الضمانات لطهران قبيل انقضاء المهلة الزمنية التي يبدو أن إيران مددتها مؤخراً لإعطاء الأوروبيين وقتاً كافياً لترتيب أوراقهم الداخلية في ملف يعد من أكثر الملفات تعقيدا حيث أن خسارة الاتفاق النووي تشكل خسارة معنوية كبيرة لأوروبا بينما خسارة العلاقات التجارية تشكل ضربة قاسمة للاقتصاد الأوروبي لذا يسعى الاتحاد إلى إمساك العصا من الوسط وهذا الأمر دونه خرط القتاد.
وقد سعى الرئيس الإيراني في جميع الإطلالات الإعلامية له سواء في المؤتمرات الصحافية أو الملتقى الاقتصادي السويسري الإيراني إلى إظهار مدى التزام إيران بتعهداتها الدولية في مقابل نقض الإدارة الأميركية للمواثيق وعدم التزامها بالقرارات والقوانين الدولية وبهذه المقاربة يقول روحاني إن مصدر القلق الدولي ليس إيران كما تروج الولايات المتحدة بل هي أميركا نفسها التي تضع العالم على حافة الهاوية بقرارات متسرعة أحادية وهنا يدرك روحاني جيدا أنه يتقاطع في هذا الموقف مع غالبية دول الاتحاد الأوروبي ولو لم يجاهر البعض منهم بما أماطت اللثام عنه الصحافة الأوروبية بصراحة .
كما أن الرئيس الإيراني يحاول فصل علاقة بلاده مع أوروبا بنتيجة المفاوضات وبمصير الاتفاق النووي وهذه نقطة هامة تمهد من خلالها إيران الطريق لضمان مواقف أوروبية معتدلة اتجاهها في حال انهيار الاتفاق وربما لإبقاء الأبواب مفتوحة لأي تعاون اقتصادي متاح بعيدا عن رقابة العقوبات الأميركية
وبإنتظار الحزمة الاقتصادية الأوروبية لإيران والمتوقع أن تقدم في فيينا على هامش لقاء وزراء خارجية إيران ومجموعة دول 4+1 بحسب وسائل إعلام إيرانية تأتي هذه الزيارة لتعطي صورة إيجابية حول مضامين تلك الحزمة وحول الموقف الإيراني المرتقب حيالها ورغم أن الوقائع تشير إلى عدم قدرة الاتحاد الاوروبي على تأمين جميع المصالح التي تتوخاها إيران وعدم قدرته على إجبار الشركات العمالقة البقاء في الأسواق الإيرانية لكن هامش المناورة يبقى بالاعتماد على الشركات الأوروبية الصغيرة والمتوسطة وهذا ما تدركه إيران جيدا وتتعامل معه بمنطق...
ملحم ريا
"نداء تونس" يطالب برحيل الحكومة: التحالف مع حركة "النهضة" انتهى
حزب "نداء تونس" يعلن انتهاء التحالف مع حركة "النهضة" عقب انهيار التوافق بشأن تنصيب رؤساء البلديات، ويطالب باستقالة الحكومة التونسية الحالية.
بسيس: هناك ضرورة قصوى اليوم لرحيل الحكومة الحالية واستبدالها بأخرى لإنقاذ البلد
أعلن حزب "نداء تونس" انتهاء التحالف مع حركة "النهضة" عقب انهيار التوافق بشأن تنصيب رؤساء البلديات.
المتحدث باسم "نداء تونس"، منجي الحرباوي، أشار في حديث لإذاعة "شمس أف أم" التونسية إلى أن التحالف انتهى، كما أكد الاتفاق مع الجبهة الشعبية وأطراف أخرى على رفض تولّي شخصية من حركة "النهضة" رئاسة بلدية العاصمة تونس.
المكلّف بالشؤون السياسية في "نداء تونس" برهان بسيس، قال بدوره إن هناك اختلافاً جذرياً مع حركة "النهضة" في القضايا الرئيسية، مضيفاً "انتهت مرحلة التحالف ونحن قوتان سياسيتان متنافستان وعبّرنا عن ذلك منذ نيسان/أبريل الماضي".
وفي حديث ، لفت بسيس إلى أن حركة النهضة هي الطرف الوحيد الذي يساند الحكومة التونسية التي يرأسها اليوم يوسف الشاهد ويشدد على استمراريّتها، وتابع "مجموعة صغيرة في النهضة على رأسها الغنوشي تدفع للإبقاء على الحكومة ضعيفة لتكون ألعوبة في أياديها"، متهماً "النهضة" بأنها تدافع عن الحكومة من أجل مصالحها السياسية الضيقة.
وطالب بسيس برحيل الحكومة، معرباً عن عدم الاستعداد لإعادة التوافقات نفسها مع حركة "النهضة" في أية حكومة جديدة، كما اعتبر أن استقالة بعض الوزراء من الحكومة الحالية هو أمر ممكن وأن التعامل مع الحكومة الحالية قيد الدرس.
ورأى بسيس أن هناك ضرورة قصوى اليوم لرحيل الحكومة الحالية واستبدالها بأخرى لإنقاذ البلد، مؤكداً أن "نداء تونس" لن ينتظر انتخابات 2019 حتى يدافع عن رؤيته السياسية، بحسب تعبيره.
خصال الشقاء التي علينا تجنبها
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وصيته لأمير المؤمنين (عليه السلام): «وللشقيّ ثلاثُ خِصال، التّواني في أوقاتِ الصّلاةِ، وكثرةُ الكلامِ في غيرِ ذكرِ اللّهِ، وقلَّما يرغبُ في طاعةِ اللّه».
مرّ في وصيّة الفقيه أنّ هناك أربع خصال تنشأ من الشقاوة، جمود العين، وقساوة القلب، وبُعْد الأمل، وحبّ البقاء..
يبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) هنا أنّ ثلاث خصال يتّصف بها الشقيّ.. غير السعيد:
أحدها، أنّه يتواني في إتيان الصلاة في أوقاتها.. والتواني هو التقصير في العمل وعدم الإهتمام به.
ثانيها، أنّه يكون كثير الكلام.. وكلامه في غير ذكر الله تعالى.
ثالثها، أنّه قليل الرغبة في إطاعة الله سبحانه.
ويحسن أن نشير إلى جانب توضيحي في هذه المسألة، بياناً للشقاوة وآثارها السيّئة، لما لها من الأهميّة.
فاعلم أنّه ليست الشقاوة ذاتية للإنسان وغير قابلة للتغيير حتّى يكون البشر مجبوراً على التقصير كما توهمّته الفرقة الجبرية.. بل هي إختيارية من الإنسان وحاصلة له باختيارها لنفسه..
فيمكن للشقيّ أن يعدل إلى طريق السعداء، ويختار لنفسه حُسن البقاء.. بعزم إرادته، والتفكير في عاقبته، وإرادة الخير لنفسه.. وهذا أمر ثابت دليلا ووجداناً، نقلا وعقلا بوجوه عديدة نختار منها ما يلي:
أوّلا: ما رواه الشيخ الصدوق بسنده إلى عمرو بن ثابت، عن أبي جعفر قال: «من قرأ (قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ) و(قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ) في فريضة من الفرائض غفر الله له ولوالديه وما ولدا، وإن كان شقيّاً مُحي من ديوان الأشقياء، وأُثبت في ديوان السعداء، وأحياه الله سعيداً، وأماته شهيداً، وبعثه شهيداً»[1].
وروى أيضاً بسنده إلى زرارة بن أعين، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «إنّ الله يمجّد نفسه في كلّ يوم وليلة ثلاث مرّات، فمن مجّد الله بما مجّد به نفسه ثمّ كان في حال شقوة حُوِّل إلى سعادة، فقلت له، كيف هذا التمجيد؟
قال: تقول: (أنت الله لا إله إلاّ أنت ربّ العالمين، أنت الله لا إله إلاّ أنت الرحمن الرحيم، أنت الله لا إله إلاّ أنت العلي الكبير، أنت الله لا إله إلاّ أنت مالك يوم الدين، أنت الله لا إله إلاّ أنت الغفور الرحيم، أنت الله لا إله إلاّ أنت العزيز الحكيم، أنت الله لا إله إلاّ أنت منك بدء كلّ شيء وإليك يعود، أنت الله لا إله إلاّ أنت لم تزل ولا تزال، أنت الله لا إله إلاّ أنت خالق الخير والشرّ، أنت الله لا إله إلاّ أنت خالق الجنّة والنار، أنت الله لا إله إلاّ أنت الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، أنت الله لا إله إلاّ أنت الملك القدّوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر سبحان الله عمّا يشركون، أنت الله الخالق البارىء المصوّر، لك الأسماء الحسنى، يسبّح لك ما في السماوات والأرض، وأنت العزيز الحكيم، أنت الله لا إله إلاّ أنت الكبير [المتعال] والكبرياء رداؤك»[2].
ثانياً: إنّه لو كانت الشقاوة ذاتية لم يمكن تبديلها بالسعادة حتّى يؤمر بالدعاء لتبديلها في مثل دعاء ليلة القدر المباركة: (وإنْ كنتُ من الأشقياء فامحُني من الأشقياء واكتبني من السعداء)[3].
ثالثاً: إنّه لو كانت الشقاوة ذاتية والمعاصي صادرة عن تلك الشقاوة اللا إختيارية لم يكن وجهٌ لتوقيف العباد في موقف الحساب يوم المعاد والسؤال منهم، مع أنّ ذلك الموقف قطعي بصريح الكتاب الكريم في قوله عزّ إسمه: (وَقِفُوهُمْ إنَّهُم مَّسْؤُولُونَ)[4].
رابعاً: إنّ الشقاوة الذاتية لا يمكن أن تكون أبداً لا فيما يتعلّق باُصول الدين ولا فيما يتعلّق بفروع الدين.
أمّا في الاُصول فلأنّ الإنسان مفطور على التوحيد (فِطْرَةَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)[5].
وأمّا في الفروع فلأنّ الشقاوة فيها تعرض بكثرة الذنوب، وإسوداد القلب، ولا تكون من ذات الإنسان كما تلاحظه في الأحاديث الشريفة مثل حديث زرارة عن الإمام الباقر (عليه السلام) إنّه قال: ما من عبد إلاّ وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج من النكتة نكتة سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السواد، وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتّى يغطّي البياض، فإذا تغطّى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً، وهو قول الله عزّوجلّ: (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[6]»[7].
خامساً: إنّ الذاتية في الشقاء خلاف الدليل العقلي في تعريف الذاتي.. وذلك لأنّ الذاتي إمّا أن يكون ذاتياً من باب الكليّات كالجنس والفصل والنوع مثل حيوانية الحيوان وإنسانية الإنسان وناطقيّته..
وإمّا أن يكون ذاتياً في باب البرهان وهو ما ينتزع من نفس الذات من دون حاجة إلى ضمّ ضميمة كزوجيّة الأربعة..
ومن المعلوم أنّ الشقاوه ليست منهما في شيء بالضرورة، بل هي من الصفات العارضة على النفس كسائر الأوصاف النفسيّة..
فلا تكون من سنخ ماهيّة الإنسان حتّى تكون ذاتيةً له.
بل يتوغّل العبد بإختياره في المعاصي فيصير شقيّاً، كما يتواجد في الطاعات بإختياره فيكون سعيداً.
وقد خلقه الله تعالى ليرحمه، وهداه السبيل ليُسعده، ومنحه القيوميّة والإختيار.. فكان هو الإنسان بنفسه يختار لنفسه الخير أو الشرّ، بعد أنْ هداه الله تعالى إلى سبيل الخير والأخيار، ونهاه عن طريق الشرّ والأشرار (إنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)[8].
ومن المعلوم أنّه لا يرضى الله تعالى لعباده الكفر والعصيان، ولم يخلقهم للشقاوة والطغيان حتّى يجبرهم عليها بل خلقهم للعبادة والسعادة.
(وَما خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلاّ لِيَعْبُدُونَ)[9].
لكن العبد لسوء الإختيار، قد يمتهن المعصية ويستلذّ بفعل الأشرار، ويتّصف بالشقاوة، من دون جبر أو إجبار فيصير شقيّاً.
وفي حديث الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنَا)[10] قال (عليه السلام)، بأعمالهم شقوا[11].
وبهذا تعرف أنّ مقولة الجبريّة باطلة، والشقاوة ليست ذاتية.
المصدر: وصايا الرسول (ص) لزوج البتول (عليهما السلام) - بتصرف
[1] ثواب الأعمال، ص 155.
[2] ثواب الأعمال، ص 28.
[3] مفاتيح الجنان، ص 235.
[4] سورة الصافات، الآية 24.
[5] سورة الروم، الآية 30.
[6] سورة المطفّفين، الآية 14.
[7] اُصول الكافي، ج 2، ص 2(عليه السلام)3، باب الذنوب، ح 20.
[8] سورة الإنسان، الآية 3.
[9] سورة الذاريات، الآية 56.
[10] سورة المؤمنون، الآية 106.
[11] التوحيد - الشيخ الصدوق - ص 356.
فرصة التغيير
لو سألت عن السبب الحقيقي وراء كون عرفات مظهراً وتجلياً كاملاً للرحمة الالهية، لأجبتك وبكل صراحة: بأنني عاجز عن فلسفة ذلك، ولا يسعني سوى القول بأنّ الله سبحانه وتعالى، الذي جعل الشمس محوراً ومركزاً لمنظومتنا الشمسية ولهذا النور العظيم، هو الذي جعل رحمته العظمى هنا في عرفات، وفي لحظات معينة من السنة برمّتها.
ومن تجليات الرحمة الالهية أن ربّ العزة يخاطب عبيده التائبين من دون واسطة: عبدي؛ " قد غفر لك، وطهُرت من الدنس فاستقبل واستأنف العمل". وهو نفسه الذي يأمر الملائكة بالترحيب بوفده. هذه الرحمة التي لو عرف الانسان قيمة أبعادها، لتأكّد له بأن لو أعطي كل شيء لكان بذاك حريّاً.
فما أحلى هذه العشية، وما أروع الاجتماع تحت ظل الرحمة الالهية.
خلاصة العمر:
العمر كلّه فرصة كما هو معلوم، وخلاصة العمر كله تتجسد في لحظات عرفات القصيرة. فعرفات يقف خلقها التقدير الالهي للإنسان، والتقدير هذا لا يكون إلاّ بعد أن يقرر الانسان مصيره. اذاً فالتقدير الالهي ما هو إلا انعكاس لقرار الإنسان، وما أروع أن يكون القرار قراراً تتجلى فيه صور التوبة والعودة الى خط الاسلام الصحيح، لاسيّما وأن الحاج في عرفات يجهل مدى استمرار العمر به، حيث لا يدري كم سوف يعيش، وهل سيكون من نصيبه أن يحجّ في السنة القابلة. فما أحراه أن يغلق على نفسه كتاب الذنوب والعصيان، ويفتح في مقابل ذلك كتاب اليمين والاحسان والاستغفار.
فلحظات عرفات هي لحظات الدعاء والمسألة الى الله سبحانه وتعالى، ففي خلالها يكون كلام العبد مسموعـاً من قبل الرب العظيم، وذلك بعد أن يثبت العبد حسن نيّته وصفاء سريرته وسلامة قلبه.
وحينما نوفق ان نكون ضيوفاً على الرحمن في عرفات، فلنتأكد بأن اللـه هو الارحم وهو الاكرم، وفي مقابل ذلك لنختزل في أذهاننا اسوداد وجوهنا وفراغ ايدينا، وأننا لم نأت بعمل صالح، واننا لا نفتخر بمجيتنا الى هنا أو بأداء مناسكنا، وانما المسألة اننا دعينا من قبل الرب العظيم ووفقنا الى التلبية والحضور، والله السميع العليم الذي يشهد على وقوفنا في هذا الوادي المقدس أهل للمنّ، وأهل لأن ينظر إلينا نظرة واحدة تحول حالنا الى أحسن الحال. فالله هو القائل لعباده: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾(غافر/60). وهو القائل أيضاً: ﴿ وَإِذَا سَاَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَاِنِّي قَرِيبٌ اُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ (البقرة/186)
وقد روي ان.. أحد الاعراب سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: يا رسول الله اقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟. فالله قريب الى عباده. ولقد جاء في المأثور من الدعاء: "يا من يسمع أنين الواهنين" بمعنى أن الخالق العظيم ذا الكبرياء والجبروت أقرب الى ذلك الإنسان الواهن الذي يغفل عنه الجميع. فالله هو الأقرب الى الانسان من حبل الوريد، وهو صاحب الضيافة الكبرى على مر العمر والتاريخ.
فلندعو الله تبارك وتعالى بالأدعية الصالحة والمناسبة لمقام الحج - وعرفات على وجه الخصوص- لاسيّما دعاء عرفة للامام الحسين سيد الشهداء عليه السلام، ولتتذكر وقوفه وباقي أئمة أهل البيت عليهم السلام في هذه الارض ودموعهم تجري تضرعاً الى الله تعالى. نستذكر تلكم اللحظات متأكدين بأنهم يؤمنون على دعوات شيعتهم، وهذا بحق هو النعمة الكبرى والفوز العظيم.
ولادة جديدة:
ثمة امور وتوجهات ينبغي أن نوليها الأهمية الكبيرة، لننتهي الى النتيجة المطلوبة من اداء مناسك الحج وبالذات الوقوف في عرفات؛ ومنها:
أولاً: أن نؤصّل ونرسخ الاعتقاد بأنّ الله سبحانه وتعالى قد جعل هذا اليوم وهذه الساعات المحور الزمني لحركة الانسان في المستقبل القريب والبعيد، والى ذلك يشير حديث الامام الصادق عليه السلام الذي قال فيـه: " أعظــم النــاس ذنبـاً من طـاف بهذا البيت ووقف هذا الموقف - عرفات- ثم ظنّ أنّ الله لـم يغفر له ". أوَ ترى - يا أخي الحاج والطائف بالبيت والواقف في عرفات - أن اليأس من روح الله عنوان الكفر به؟ فلا ينبغي لأحد منّا أن يكون في قلبه شيء من الشكّ برحمة الله وغفرانه وتوبته على عباده ، ولو جزء من المليون، فالوقوف في عرفات إنما هو ولادة جديدة للانسان في تقدير الاله الجبار، ولاشك في ذلك بمثابة الاعتراض على إرادة الله جل جلاله.
ثانياً: أن نتوجه الى محتويات ومفاهيم الأدعية التي نقرؤها في هذه الايام توجهاً واعياً يتناسب ومستوى المضامين التي تحتوي عليها، ويتناسب مع ما هو مطلوب من طموح وهدف، وهو الرحمة والغفران الذي ينتهي بالمرء الى تحقق ولادته الجديدة.
ثالثاً: أن نفكر ونطمح الى إحراز الباقيات الصالحات، وأعظمها الذرية الصالحة. فأن ينشئ الانسان مدرسة أو مسجداً أو مطبّاً أو معملاً يوقفه لخدمة المسلمين، فذاك أمر عظيم. ولكن الأعظم منه أن يربي الوالد والوالدة أطفالهما وفق النهج الديني، ويحضوهم ضد الوساوس الشيطانية والانحراف الفكرية والعملية.. فما هذه البرامج الفاسدة والمفسدة والتربية غير الاخلاقية التي تبثعبر أجهزة التلفاز والقنوات القضائية.. ليس إلاّ ذئاب تحاصر براعمنا وشبابنا من كل صوب وجهة. واذا لم تتمّ برمجة التربية بشكل واعٍ وعلمي تفوق ما يقابلها من برامج الانحراف، فان الجيل الجديد سيظل تحت مطرقة الشيطان حتى آخر رمق لديه.
ولقد سعدت الى حدّ التعجب.. حينما رأيت في هذا الموسم مجاميع الشباب والاشبال وهم يؤدون مناسك الحجّ بكل براءة ونزاهة ووعي. وحينما سألتهم فيما سيحجّون في السنة المقبلة، فأعربوا عن رغبتهم الأكيدة في الوفود الى بيت الله الحرام. ولعل تعميق هذه الروح المؤمنة لدى جيلنا الجديد هو ما يجسد بحقٍّ الحصن الحصين ضد الانحراف والتيه في صحاري الجاهلية القاحلة.
ولكن حينما تقع الفرقة بين الوالدين وبين أولادهم سيكون المجتمع برمته في معرض الانحلال، وسيدفع الجميع الثمن غالياً. وهذا ما يدعونا الى التعامل مع هذه القضية تعاملاً واعياً.
ولقد أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلقين شابٍ من الانصار كان يحتضر، فأحصر الشاب ولم يسعه التفوه بالشهادتين، حتـى سأل الرسول الأكرم أصحابه عما إذا كان لهذا الشاب أمّاً أو أباً، فلما جاءت والدته، سألها: أأنتِ راضية عن ولدك؟ فقالت: لا يا رسول الله، مؤكدة أنها لن ترضى عنه أبداً رغم عجزه المطلق عن أداء الشهادتين، فما كان من النبي عليه الصلاة والسلام إلاّ أن أمر بجمع الحطب واضرام النار، فتعجبت لذلك المرأة متسائلة عما سيلحق ذلك، فقال النبي: اريد حرق الشابّ فقالت المرأة: وكيف تحرقه وهو ابني؟ فأجاب الرسول الاكرم: أحرقه لأنك غير راضية عنه... فأعلنت الام رضاها عن ابنها، وعند ذلك قال لها الرسول الاكرم - موصياً جميع الأباء والامهات على مرّ العصور وفي مختلف الظروف-: يا أمة الله: إنّ نار الآخرة أشدّ من نار الدنيا، ثم انطلق لسان الشاب المحتضر باعلان الشهادتين، ثم مات مغفوراً له.
ايها الاخوة والاخوات في الله؛ نحن وإياكم محكومون بالموت والفناء، ولكن الذي يبقى لنا ونبقى له هو ما نبذله من جهود في إطار بث الوعي وتكريس الأخلاق الحميدة على صعيد الحركة الاجتماعية والتاريخية. وما أروع أن تكون هذه الجهود منصبة في اطار توعيه الجيل القادم، الذي ينبغي أن يكون الحامل للواء الصلاح والمعروف والنهضة.
ومن طريف ما يذكر في هذا المجال أن والدة الشيخ مرتضى الأنصاري حينما أخبرت بتصدي ولدها لأمور المرجعية العليا، لم تظهر أي تعجب لذلك. وحينما سألت عن عدم تعجبها، قالت: أنـني ما أرضعت ابني إلاّ
وكنت على طهارة...
فيا أيتها الاخت المؤمنة ؛ ليكن تفكيرك منصباً على أنك ستقدمين جيلاً الى المجتمع، وليكن كل اهتمامك مختصاً بتعلم اصول التربية الصحيحة المقامة على الاسس الاخلاقية الواعية، دون ما نرى من بعض الأمهات اللاتي تقتصر حياتهن على تهيئة الطعام وما أشبه ذلك من الأعمال التي لا تسدّ الى جانباً صغيراً من شؤون الأطفال والعائلة. ففي ذلك إهانة كبرى توجهها الأم لنفسها من حيث تعلم أو لا تعلم، فضلاً عن الخطر الكبير الذي يحيق بالاولاد إذا ما اقتصرت الأم على ذلك.
ولقد نرى أو نسمع عن أمهات تشاغل أولادها الصغار بعرض أفلام الصور المتحركة أو أشرطة الأغاني والموسيقى، فيما هي تنجز طهي الطعام.. وهذا هو عين الموبقة، لانه يقود الاولاد الى طريق الانحراف عبر مشاهدة الكثير من المفاسد التي تحويها الافلام الاجنبية.
نحن هنا في عرفات يجب أن نرسم صورة واضحة وطريقاً مستقيماً لحياتنا في الدنيا والآخرة، والى ذلك يقول رب العزة: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ (البقرة/197). واعداد الجيل وفق الاصول القرآنية لهو عين التقوى، وتبرئة الذمة، وأداء الواجب السماوي.
رابعاً: أن نلحّ على الله تعالى في دعواتنا على ما ألحّ عليه الامام الحسين عليه السلام ، وهو عتق رقابنا من النار. ولنقــرأ الدعاء الذي ورد استحباب قراءتـه في المشعر الحرام وهو: " ربّنا آتنـا في الدنيا حسنة - الرغبة في الحياة الطيبة من جميع الجهات - وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".
ويصف الامام عليه السلام العتق من النار بقوله الشريف: "حاجتي التي إن أعطيتنيها لم يضرّني إن منعت غيرها، وإن منعتنيها لا ينفعني ما أعطيتني غيرها... أن تعتق رقبتي من النار".
فهذه آيات الله تبارك وتعالى تحيط بنا من كل جانب، ومن ينساها أو يتناساها سوف يتعرض الى إعراض الله عنه نسيانه له. وهذه عرفات المقدسة امامنا لنتخذها موقع تذكر لآيات الله، وهذه السماء مفتّحة الأبواب، وهذه ملائكة الله تبشر المؤمنين الصادقين بالتوبة والرحمة والغفران.
فلا تفوتنا لحظة التغيير هذه، فانها فرصة قد لا تعود ابـداً1.
كلمة الامام الخامنئي (دام ظلّه) لدى لقائه النوّاب والعاملين في مجلس الشورى
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين، سيما بقية الله في الأرضين.
أرحب بالإخوة والأخوات الأعزاء النواب المحترمين. إنَّ ميزة لقائنا هذا العام هي أنَّ مجموعة العاملين في الأقسام المختلفة من مجلس الشورى الإسلامي قد شرّفوا بالمجيء اليوم وهم حاضرون في هذه الجلسة والحمد لله؛ الأقسام المهمة التابعة لمجلس الشورى والمديرون والمسؤولون والعاملون فيها؛ أرحب بكم جميعاً وأتقدم بالشكر لكم على ما تتحملونه من جهود وأتعاب، وأسأل الله تعالى لنا ولكم المزيد من التوفيق في طريق الهداية والإصلاح.
أولاً، بمناسبة هذه الأيام، حيث خرجنا لتونا من شهر رمضان ولا تزالون في الأجواء الرمضانية إلى حدٍ ما ولا نزال فيها إن شاء الله، أحبّ أن أتكلّم ببضع كلمات [حول الموضوع]. إنّ روح الخدمة [خدمة الناس] هي [نوعٌ من أنواع] التقرُّب إلى الله. كلُّ الأعمال التي تقومون بها، سواء تحت قبة المجلس، أو في اللجان والأجهزة التابعة للمجلس ـ كل هذه الخدمات ـ إذا تمّت وأنجزت لله وفي سبيل الله فستكون خدمة حقيقية ووسيلة للتقرُّب إلى الله. والحقّ أنه قلّما توجد عبادة تضاهي مثل هذه الخدمات إذا ما أنجزت في سبيل الله. إذا سادت هذه الروح المعنوية والإلهية على نشاطاتنا وخطواتنا وكلامنا وسكوتنا فإنّ ذلك سيؤثّر في ارتقاء المجتمع وإعلاء شأنه، وتقريب الأفراد من جوهرهم الحقيقي الذي دعا إليه الأنبياء. إننا أسرى المادة؛ فبصرنا وأعيننا لا ترى إلا مظاهر المادة وعلاماتها، ولهذا نتعلّق بهذه المظاهر وتجتذبنا الجماليات المادية. وأعيننا لا ترى أكثر من هذا عندما تكون أسيرة الأجواء والمناخات المادية. إذا زدنا من [منسوب] المعنويات ورفعنا من مستوى الصفاء القلبي وأخذنا التقرُّب إلى الله على نحو الجد، وعوّدنا أنفسنا على العمل لله ومضينا قدماً، فإن تلك الروح الصافية التي ستحصلون عليها سوف تؤدّي إلى فتح العيون على مناظر أجمل وأسمى وأرقى مما نشاهده في هذه الدنيا من الجماليات والجاذبيات الدنيوية.
إذا حلَّقت إلى الأعالي عن هذه الدنيا الدنيّة يوماً فسترى
أنَّ مُلك ذلك العالم أفلاك وأكوان (2)
وليس المراد من «مُلك ذلك العالم» الجنة فقط والقيامة فقط، ففي هذه الدنيا أيضاً كان ولا يزال هناك أفراد رأوا بأعينهم التي ترى الحقائق، وتبصر المعنويّات، حقائق في هذه الدنيا، وعاشوا حياة هنيئة طيبة بالنظر إلى تلك المناظر المعنوية والإلهية والنعم الإلهية الأفضل. وغالباً ما كانوا غير آبهين وغير مكترثين لهذه الأشياء التي نتشبث نحن بها. يمكن السير في هذا الدرب، وكلنا نستطيع السير فيه، فهو ليس بالطريق الوعر الصعب. إذا راعينا في أعمالنا هذا الأمر، فنظرنا في هذه الخطوة التي نريد اتخاذها وهذا الكلام الذي نريد قوله، وهذا القانون الذي نعتزم المصادقة عليه، وهذا الرأي الاستشاري الذي نريد تقديمه وطرحه، وهذه الأعمال الخدماتية التي نقوم بها، إن كانت لله ومرضية له قمنا بها، وإن شعرنا بأنها ليست مما يرضى الله عنه فلا نقوم بها؛ بإمكان الجميع القيام بهذا الأمر ومراعاة الدقّة فيه، ويمكننا جميعاً القيام به؛ إذا عملنا بهذه الطريقة فسوف يأخذنا هذا تدريجياً إلى الأمام، وسيجعلنا أنقياء [السريرة] وسيزيد من صفائنا وطهارتنا.
حسنٌ، لنتطرق إلى قضايا مجلس الشورى. لقد سجَّلت عدة نقاط وملاحظات لأطرحها على النواب المحترمين. وبالطبع فقد تطرّقنا في جلسات الأعوام الماضية إلى النقاط التي بدت ضرورية ومفيدة، لذلك ستكون بعض النقاط مكررة وقد يكون بعضها غير مكرر. على كل حال سنتكلّم فيما نراه لازماً.
على ما يبدو، يجب على نواب مجلس الشورى والمسؤولين الكبار فيه أن يسعوا في كل دورة [من دورات مجلس الشورى] لتكتسب هذه الدورة امتيازات أكثر وتتفوق، ويسعوا إلى رفع مستوى أداء المجلس. حسنٌ، إذا أردنا كسب درجات وامتيازات أكثر فالسبيل إلى ذلك أن نعمل أكثر وبشكل أفضل. هكذا هي ساحة العمل والخدمة. يجب أن نعمل ونسعى، ولا بُدَّ من عملٍ أفضل ولا بُدَّ من المبادرة والإقدام والقيام بالأعمال الأساسية.
بالطبع، قدَّم حضرة رئيس المجلس المحترم السيد لاريجاني (حفظه الله)، لائحة جيدة، وسبق أن قدَّم تقريراً مكتوباً طالعته ودققت فيه ـ لقد أنجزت الكثير من الأعمال بحمد الله، لكن ثمة نقطة مهمة هي أن المؤشرات الكمية غير كافية للتقييم. لا يكفي أن نقول هذا هو عدد القرارات التي صادقنا عليها. بل يجب أن يُشخّص مدى أهمّيّة وتأثير هذه القرارات في إدارة البلاد، فأنتم مديرو البلاد ومشرعو القوانين فيها، وأنتم من تضعون الخطوط لحركة التنفيذ، وهذا الجزء المهم من الإدارة تحت تصرفكم، فكم يؤثر هذا الشيء الذي صادقتم عليه في إزالة مشاكل البلاد وتقدمها ومراعاة أحوال عموم الناس؟ إذاً، الكمّية وحدها لا تكفي، ولا بُدَّ من ملاحظة الكيفية والجودة. وبالطبع ثمة شروط أخرى سأذكرها. هناك أشياء أخرى ضرورية غير هذه.
أقول هذا على نحو عام: مجلس الشورى يجب أن يكون مظهراً للعزة الوطنية ومظهراً لاقتدار النظام واستحكامه. هذا هو مجلس الشورى، لماذا؟ لأنَّ مجلس الشورى منتخبٌ من قبل عموم أبناء الشعب في أنحاء وأرجاء البلاد المختلفة، حيث جاؤوا وانتخبوا هذا الشخص ـ هذا الأخ أو هذه الأخت ـ بدوافع محدّدة. وقد قال الإمام الخميني إنَّ مجلس الشورى عصارة فضائل الشعب (3). وهذه النقطة نقطة مهمة. لاحظوا: [لقد قال] عصارة الفضائل، لا عصارة كل الخصال! فبعض الخصال ليست من الفضائل. يجب أن يكون مجلس الشورى عصارة فضائل الشعب. وفضائل هذا الشعب كثيرة جداً. ينبغي لمجلس الشورى أن لا يكون رمزاً للتردد واستصغار الذات. عليه أن لا يكون رمزاً لليأس والقنوط أو رمزاً لعدم الاكتراث واللا مبالاة بقضايا البلاد. وعلى مجلس الشورى أن لا يُظهر بأنّ نظرته للإمكانيات والقدرات الوطنية نظرة يائسة. هذه هي فضائل الشعب التي ينبغي أن تجتمع عصارتها هنا.
يجب أن أعرب هنا عن أسفي لأن مطالعة التاريخ ضعيفة وباهتة بين شبابنا وعند شعبنا إلى حدٍّ ما، وإلا إذا اطّلع الإنسان على التاريخ سيجد أن هذا الشعب شعب بارز في التاريخ وفي الزمن الحاضر أيضاً. شعبنا في التاريخ رمز للإيمان، والعلم، والثقة بالنفس، والفخر بالإمكانيات والطاقات الذاتية ورمز للثبات والصمود. هكذا هو في التاريخ. وأشير هنا إلى نموذج أو نموذجين. لاحظوا أن السلاجقة قد جاؤوا إلى إيران في القرنين الخامس والسادس للهجرة. قسمٌ جاء إلى إيران من الجنوب، وقسمٌ توجَّه من الشمال إلى آسيا الصغرى. القسم الذي توجَّه نحو آسيا الصغرى غيَّر لغة تلك البلاد وغيَّر حضارتها وثقافتها وكلَّ شيء فيها. حوّلوا [ثقافة] بلاد الأناضول القديمة التي كانت تابعةً للدولة البيزنطية إلى الثقافة التي كانوا يمتلكونها. أما الذين جاؤوا من الجنوب ـ وهم سلاجقة إيران ـ فذابوا في الحضارة والثقافة الإيرانيتين. كانوا نفس أولئك [الذين ذهبوا إلى آسيا الصغرى] لكنهم ذابوا هنا، ولم يذوبوا في الحضارة والثقافة الإيرانية فحسب بل اضطروا لأن يكونوا دعاة ومبلغين ومروجين للثقافة الإيرانية. لاحظوا، في أيّ ذروة بلغت فنوننا وعمارتنا وشعرنا ونثرنا في العهد السلجوقي! لم يكن هؤلاء إيرانيين ـ كانوا سلاجقة أجانب ـ لكن إيران أذابتهم وصهرتهم في صلب المجتمع الايراني. هذا هو معنى اقتدار الشعب ومناعته وقوّته.
وهذا ما حدث تماماً مع المغول. فقد جاء المغول كمهاجمين إلى هنا وقاموا بتلك الأعمال المعروفة؛ لكن ماذا كانت النتيجة؟ لم يستطع المغول فرض حضارتهم وثقافتهم و"ياساهم" (4) على هذا البلد، إنما أذابتهم هذه الحضارة وهذه الثقافة في داخلها وصهرتهم فيها فصاروا مروجين للإيمان والدين والثقافة والفنون، ومن العهود الممتازة في تاريخ فنوننا هو عهد الحكم المغولي في إيران. هذه هي إيران، وهذه هي تجربتنا [التاريخية].
بل أقول أكثر من هذا، الأبطال المسلمون الذين بلّغونا الدين الإسلامي العزيز ـ بلّغنا أحدهم هذا الدين العزيز (5) ـ عندما ذهبوا إلى بلدان شمال أفريقيا مثلاً ـ وأنا أذكر تلك البلدان من باب المثال ـ تغيَّرت لغة تلك البلدان وثقافتها، أما عندما جاؤوا إلى إيران فلم تتغير لغتنا، إنما شهدت اللغة الفارسية خلال الحقبة الإسلامية رشداً ونمواً ورقياً أكثر من حقبة ما قبل الإسلام. ماذا تمتلكون من مؤشرات وآثار اللغة الفارسية قبل الإسلام؟ لكن لاحظوا الرفعة التي شهدتها اللغة الفارسية خلال الحقبة الإسلامية، فكم كان هناك من الشعر، وكم كان هناك من النثر، وكم كان هناك من الثقافة! هذه أمور مهمة جداً ويجب التدقيق فيها. هذا فيما يتعلق بالماضي.
[أمّا] في زماننا هذا، فتمارس منذ أربعين عاماً أشدَّ أنواع العداء ضدَّ هذا الشعب، وهل ثمة أشد من هذا؟! واقعاً، لم يُمارس هذا الحجم من العداوة على أيّ شعبٌ؛ عداوة شاملة ومتعدّدة الجوانب. لقد تشكَّلت ضدَّ الجمهورية الإسلامية جبهة أحزاب عجيبة غريبة تشبه حرب الأحزاب في صدر الإسلام [لكن] بأبعاد مضاعفة ملايين المرات، وقد فعلوا كل ما استطاعوا فعله وبمختلف الوسائل. فرضوا الحظر، وأطلقوا الدعاية والإعلام، وفرضوا الحرب وتآمروا أمنياً، وقاموا بشتى أنواع الأعمال التي يستطيعون القيام بها. قارنوا هذا الشعب اليوم بما كان عليه قبل أربعين عاماً وفي بدايات الثورة. اقتدار هذا الشعب وعظمته وتقدُّمه وعلمه وحضوره القويّ بين الدول، لا يقبل المقارنة بالوضع السابق. لقد تقدَّم [هذا الشعب] يوماً بعد يوم. هذا هو الشعب. وأنتم عصارة فضائل هذا الشعب، لذا، انظروا، واعلموا كيف يجب أن تتصرفوا. هذا شعبٌ له إيمانه وعلمه وثقته بنفسه وهو شعب مستقل ويدرك امتيازاته وقدراته ويُصرُّ عليها. ولقد مضى أربعون عاماً على الثورة.
ولا يمكن الآن أن نخوض هنا في التاريخ بشكل مطوّل. هناك ثورتان أو ثلاث من الثورات الكبرى [حدثت] في العالم خلال القرنين الأخيرين، إحداها الثورة الفرنسية الكبرى، والثانية الثورة السوفيتية الكبرى، ومنها أيضاً حركة الاستقلال الأميركية، وقد حدثت كلها تقريباً خلال حقبة المائتي عام الأخيرة.؛ فحركة الاستقلال الأميركية وقعت على سبيل المثال قبل نحو مائتين وثلاثين أو أربعين سنة ـ في حدود سنة 1783 للميلاد ـ (6) والثورة الفرنسية الكبرى وقعت بعد عدة سنوات، وبعد قرابة مائة عام حدثت الثورة السوفيتية. هذه أحداث وقعت في الفترة القريبة منا. إذا لاحظتم تاريخ هذه الثورات فلكم أن تقارنوا الأربعين سنة الأولى من تاريخها بالأربعين سنة الأولى بعد انتصار الثورة الإسلامية، وهنا سيحار المرء من عظمة هذه الثورة وتقدمها وسرعة عملها وإنجازها. إنّهم لم يستطيعوا أبداً التقدم بهذه السرعة وبهذه الشدة وهذه القوة. ولا علاقة لهذا بتطورات الزمن وما شاكل؛ أي إن الأمر لم يكن يخضع لتأثيرات هذه الأشياء بل له عوامل أخرى. الشعب الإيراني شعبٌ [يمتلك مثل هذه الصفات وهذه العظمة] وأنتم عصارة فضائل هذا الشعب. يجب أن تنظروا لأنفسكم بهذه النظرة، ويجب أن تنظروا لمجلس الشورى بهذه النظرة، وينبغي أن تبنوا وتؤسّسوا توقعاتكم من مجلس الشورى وفقاً لهذه النظرة، وأن تحققوا هذه التوقعات إن شاء الله. حسنٌ، كانت هذه النقطة الأولى.
النقطة التالية هي أن عملية التشريع والتخطيط ووضع الخطط [لمسيرة البلاد] والتي هي المهمة الرئيسية في مجلس الشورى ـ وطبعاً هناك مهمة الإشراف لكن المهمة الأساسية هي تشريع القوانين ـ يجب أن ترفعوا جودتها ومستواها يوماً بعد يوم؛ أي ينبغي لنوعيّة التشريع أن ترتقي مع كل دورة بل في كل سنة بالمقارنة مع الدورة السابقة أو السنة السابقة. وسوف أذكر نقاطاً حول عملية التشريع وسَنِّ القوانين.
أولاً، هناك قضية الأولويات. وقد أشار حضرة السيد لاريجاني أنَّ أولويات البلاد روعيت في هذه القوانين. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. لاحظوا وانظروا ما هي الأولويات. قد تطرح بعض القوانين وتأخذ وقت المجلس، وتخلق مشكلةً في المناخ الاجتماعي للبلاد، والحال أنها لا تتمتّع بالأولوية على الإطلاق. يجب ترك هذه الأمور جانباً؛ أي إنها كالمال الذي لا يحتاجه الإنسان وينفقه هكذا دون مبالاة. ينبغي عدم هدر وقت المجلس بهذه الطريقة. وقت المجلس محدود. إنكم لا تمتلكون من الوقت أكثر من أربعة أعوام، وينبغي الاستفادة من هذا الوقت ثانية بثانية ولحظة لحظة. إذن، لتطرح المواضيع ذات الأولوية فقط.
وهناك قضية العملانية. أحياناً يُصادق على قانون يكون من الواضح أنه غير عملي؛ أي إنَّ العمل التخصصي والخبروي لا يدلُّ على أن هذا القانون إذا تمّت المصادقة عليه فسوف يمكن تطبيقه وتحقيقه عملياً. فليترك هذا الشيء.
أو يكون في بعض الأحيان بخلاف مصالح البلاد وهذا بحسب القاعدة، لا يحصل في مجلس الشورى عن عمد. وأودّ أن أشير هنا إلى المعاهدات والاتفاقيات الدولية. لاحظوا أنَّ هذه المعاهدات الدولية والتي تسمى بالمفردة الأجنبية كنوانسيون (7)، تطبخ [تعدُّ] في الأساس في مكان لا تأثير إطلاقاً لأطراف القضية فيه، من باب المثال تلك الـ 100 بلد أو 150 بلداً الذين ينضمون لها لاحقاً، هؤلاء لا تأثير لهم إطلاقاً في هذه الطبخة. ثمة مكان تجتمع فيه عدة قوى كبرى على شكل هيئات فكرية ـ وعلى حد تعبيرهم غرف عمليات ـ فيطبخون شيئاً لأجل مصالحهم، ثم يُصادق عليه من قبل حكومات حليفة لهم أو خائفة منهم أو تابعة لهم وليست لها مصالح كبيرة في هذه العملية. وإذا ما وُجدت حكومة مستقلة ـ كالجمهورية الإسلامية الآن ـ تقول مثلاً «لا أوافق على هذا الشيء، لا أوافق على هذه الاتفاقية، لا أوافق على هذه المعاهدة الدولية»، فيتكالبون عليها ويصرخون «يا أخي، لقد وافق على هذه الاتّفاقيّة 120 بلداً أو 150 بلداً أو 200 بلد فكيف لا توافقون أنتم عليها؟» هكذا هي المعاهدات غالباً.
قد يقال وما نفعل الآن؟ وفي بعض هذه المعاهدات والاتّفاقيّات الدولية مواد مفيدة. لا بأس، ليس هناك مشكلة. وقد قلت فيما يتعلق بهذه الأمور التي طرحت مؤخراً في مجلس الشورى في الأشهر الأخيرة، ليضع المجلس قانوناً بشكل مستقل. لنفترض مثلاً موضوع الحرب ضد الإرهاب أو مكافحة غسيل الأموال. لا بأس، فمجلس الشورى الإسلامي مجلسٌ رشيد وعاقل وناضج وله رصيده المهني الجيد جداً، فليجتمعوا وليسنّوا قانوناً. وهذا القانون؛ قانون مكافحة غسيل الأموال، لا إشكال فيه إطلاقاً، كما لا يتضمّن شروطاً كثيرة، وتتدرج في هذا القانون الأشياء التي تريدون أنتم القيام بها. هذا هو المهم. لا ضرورة أبداً لأن نقبل بأشياء لا نعلم عواقبها، بل حتى نعلم بأنّ فيها مشاكل، بسبب تلك الجوانب الإيجابيّة [الموجودة فيها].
حسنٌ، ينبغي للقانون أن يوضع بهدف حلِّ مشكلات الناس، وينبغي أن تُراعى فيه الأولويات الداخلية؛ ويجب أن يكون بالدرجة الأولى من أجل رفع مشكلات الناس المحرومين والطبقات الضعيفة. توجد في البلاد طبقات ضعيفة وهي إمّا متوسّطة الحال أو دون حدّ الوسط. وينبغي للقانون أن يركِّز أكثر على رفع مشكلات هؤلاء. بالطبع، القانون للجميع ويريد خير كل طبقات البلاد ـ ولا فرق في ذلك ـ لكن هذه هي الأولوية، لأن مشكلة الطبقات الضعيفة هي مشاكل الحياة الراهنة في البلاد، والقانون يرمي إلى معالجة هذه المشكلات. المهم، يجب أن لا يكون القانون وسيلة بيد أصحاب القوة والثراء، هذا هو المهم، يجب أن لا يكون أداة في أيديهم. أحياناً قد تضعون قانوناً مفاده لو أنّ شخصاً ـ على سبيل المثال ـ وضع سُلَّماً على جدار بيت شخص آخر وصعد وسطا عليه فإنَّ جزاءه سيكون كذا وكذا، ولا فرق على بيت من وضع السّلم [وعلى من تمّ السطو]، هل كان المسروق فقيراً أو غنياً؟ في شمال المدينة أم جنوبها؟ لا فرق في الأمر، الكل ينتفعون من هذا القانون. القانون للجميع، لكن ثمة أولويات في بعض المواطن. لا ينبغي السماح بأن يكون القانون في تصرف من يستغلّ الثراء والقوة.
يجب مراعاة الجوانب التخصصية بشدّة في إعداد القانون والمصادقة عليه. ومن حسن الحظ أنّ مركز بحوث مجلس الشورى مركز جيد. التقارير التي تردني من مركز البحوث هذا تنقل إليّ أخباراً جيدة. ثمة إمكانية هناك للأعمال التخصصية الجيدة متراكمة ومتمركزة، وينبغي الانتفاع من هذه الإمكانية إلى أقصى حد. بالإضافة إلى ذلك ـ حيث يشكّل هذا سنداً تخصّصيّاً قويّاً لمجلس الشورى يجب الاستفادة منه ـ ينبغي الانتفاع من الخبراء الموجودين خارج مجلس الشورى. تلاحظون أحياناً أنّ شخصاً عمل على قضية معينة وفي مجال تخصصي معين، وبحث وفكّر فيه لسنين، فإذا استشرتموه في هذا المجال التخصصي، قد يفتح أحياناً بكلمة واحدة أو بسطر واحد فتحاً كبيراً. هكذا هو الأمر. هكذا هي مساعدات النخبة في بعض الأحيان، بحيث يكون اقتراح صغير منهم سبباً في فتح ونجاح كبير.
قلنا يجب أن يصب القانون باتجاه حلِّ المشكلات الحقيقية. لاحظت أنَّ بعض القوانين المتعلقة بالأسرة التي تُطرح في مجلس الشورى وتناقش أو يصادق عليها، يشعر المرء أنها متأثرة بالأعراف الغربية. هذا ما ينبغي اجتنابه. الغربيون لا يهتمون للأسرة على الإطلاق، لا [أقول] إنهم لا يريدون، إنما الظروف ونمط الحياة الغربي يتعارضان مع الأسرة بالمعنى الحقيقي للكلمة. وهذا ما يعترفون به أنفسهم ويعانون منه منذ سنين. ويريدون الآن علاج هذه المشكلة فلا يستطيعون؛ أي إن أساس الأسرة ومؤسسة الأسرة في الغرب قد تزعزع بشدة. فنأتي الآن ونأخذ بالأشياء الموجودة في أعرافهم حول المرأة والشباب والأبناء والآباء والأمهات وما شاكل ونفسح لها طريقاً في قضايا الأسرة! لا، هذا ليس مطروحاً. يجب أن نسنَّ للأسرة قانوناً يحلُّ مشكلات الأسر بالمعنى الحقيقي للكلمة ـ إذا كانت هناك مشكلات فهو يحلُّ هذه المشكلات ـ ولا يكون متأثراً بتلك المنطقة.
ونقطة مهمة أخرى هي أنَّ القانون من أجل حلِّ المعضلات الاقتصادية. كما أشاروا فقد انعقدت جلسة شارك فيها رؤساء السلطات وممثّلون عن السلطات الثلاث من أجل التصدّي لهذه المشكلات الاقتصادية بشكل جدي، واتخاذ القرارات بشأنها، وفتح الطرق. ومن المهم [والضروري] جداً أن تنعقد هذه الجلسة الآن. وعلى مجلس الشورى أن يقوم بحركة جدية في هذا الاتجاه. تقع اليوم، المعضلات الاقتصادية في البلاد في الأولوية، وينبغي حلُّ هذه المعضلات بالمعنى الحقيقي للكلمة. والعدو يريد استغلال نقطة الضعف هذه، فلا ينبغي السماح له القيام بذلك.
نقطة أخرى هي قضية تحديث القوانين. بعض القوانين انتهى منطقها [وصلاحيتها]، وهذه هي قضية تنقيح القوانين التي سبق أن أشرت إليها مراراً. نعم، قد تكون تمت المصادقة على قانون ما قبل سنين في الجمهورية الإسلامية أو قبل الجمهورية الإسلامية؛ إنه قانون، لكن [بما أنّه] لا منطق لهذا القانون الآن، فألغوه؛ أي إنَّ مجلس الشورى الإسلامي يستطيع القيام بهذا العمل ولا يمكن لأي جهاز آخر القيام به. فالقانون الذي لا منطق له وقد انتهت فلسفته ومبرراته يجب تركه. [كما إنّ] بعض القوانين تؤدي إلى تعارضات وإشكالات وعُقد في أداء الأعمال وما إلى ذلك. تابعوا قضية تنقيح القوانين هذه بالمعنى الواقعي للكلمة. بعض القوانين تثير المشاكل فيجب إلغاؤها. سمعت وقلت في ذلك اليوم خلال كلمة لي، إنَّ وزارة الاقتصاد تعمل على إلغاء بعض المقررات التي تحول دون تحسُّن أوضاع العمل والتجارة والكسب في البلاد (8). هذا عملٌ حسنٌ جداً. بعض الأعمال يمكن للمسؤول الحكومي القيام بها، لكن هناك بعض الأعمال لا يمكنه النهوض بها، ولا يمكن إلا لمجلس الشورى القيام بها. هذه أيضاً ملاحظة.
وقضية أخرى هي قضية تطبيق القوانين. قال رئيس مجلس الشورى المحترم قبل مدة إن القانون الفلاني لم يطبق في الجهاز الفلاني منذ سنتين. سؤالي هو: حسنٌ، وماذا فعلتم أنتم في مجلس الشورى طوال هاتين السنتين؟ إذا لم يكن قد طبقه فيجب عليكم أنتم المتابعة. لماذا لم يطبق؟ إنكم تنفقون كل هذا الوقت والعمر والمال والإمكانيات وما إلى ذلك من أجل المصادقة على هذا القانون، ويصادق على هذا القانون بعد كل هذه المقدمات فلا يطبقه ذلك المسؤول! حسنٌ، ينبغي معالجة القضية بشكل من الأشكال. قيل إنهم أحالوا بعض حالات عدم التطبيق هذه إلى السلطة القضائية، وقالوا هم [السلطة القضائيّة] أيضاً إنَّ هذه ليست من ضمن عناوين الإجرام، حسنٌ، إذا أردتم أن تكون [هذه] من ضمن عناوين الإجرام فمن يجب أن يقوم بذلك؟ مجلس الشورى نفسه يجب أن يقوم بذلك (9). لا، ليس هذا من مهمة السلطة القضائية. السلطة القضائية يجب أن تتابع عناوين الإجرام، ولكن من بوسعه أن يقول إنَّ هذا من ضمن عناوين الإجرام؟ هو مجلس الشورى الإسلامي. على مجلس الشورى أن يقوم بهذه العملية. أنتم قولوا إنَّ هذه المخالفة إذا حصلت بهذا الشكل فهذه جريمة وهذا هو عقابها، ومن ثم عمّموا هذا [القانون] ليستطيعوا العمل به؛ أي إنَّ هذا العمل عمل المجلس نفسه. وعليه فقضية متابعة القوانين برأينا، قضية على جانب كبير من الأهمية ويجب أن تتم وتنجز.
ونقطة أخرى يمكن ذكرها للإخوة والأخوات النواب الأعزاء هي قضية سلوك النواب. أرى أنَّ الكلمة العامة والشاملة والجامعة التي يمكن طرحها في هذا المجال هي كلمة «النزعة الثورية». ينبغي لسلوك نواب مجلس الشورى أن يكون سلوكاً ثورياً. والتعامل يجب أن يكون تعاملاً ثورياً. إنكم في القَسَم الذي أقسمتموه، أقسمتم أن تحافظوا على الثورة ونتائجها وإنجازاتها وإنجازات نظام الجمهورية الإسلامية. فكيف يمكن ذلك؟ لا يمكن الحفاظ عليها من دون أن تكونوا ثوريين. السلوك يجب أن يكون سلوكاً ثورياً، وليس السلوك الثوري بمعنى السلوك غير الحكيم، بل هو بمعنى السلوك العقلاني والحكيم والجهادي، هو الحركة الجهادية. ما نوصي به المدراء دوماً بـ "الإدارة الجهادية"، يعني في خصوص مجلس الشورى السلوك الجهادي، والكلام الجهادي، والخطوات الجهادية، والنزعة الثورية. ينبغي للروح الإيمانية والدوافع الثورية أن تكون حاكمة على كل أعمال النائب المحترم في مجلس الشورى. إنّ حراسة منجزات الثورة وركائز النظام الإسلامي من جملة بنود قسم نيابتكم، وإذا لم يحصل هذا الشيء سيكون في تواجد النائب [في المجلس] إشكال من الناحية القانونية وأيضاً من الناحية الشرعية. إذا لم تراع مكتسبات الثورة ولم يجرِ الاهتمام لمنجزات النظام الإسلامي، فسيكون في ذلك إشكال سواء من حيث دستور البلاد ومن الناحية الشرعية.
وقضية أخرى قلتها مراراً للنواب المحترمين في اللقاءات وأقولها لكم هي قضية التواجد في اللجان وتحت قبة المجلس في الموعد المحدّد. فالتقارير التي تردنا في هذا الخصوص ليست مريحة جداً. أحياناً يُقال إن إمكانية التصويت في اللجان غير متاحة أحياناً بسبب عدم وصول عدد النواب الحاضرين إلى النصاب المطلوب. على كل نائب أن يرى أنّ من واجبه التواجد في المجلس وفي جلسات اللجان طوال الساعات والدقائق اللازمة.
ونقطة مهمة أخرى لا تتعلق بكم وحدكم فقط بل هي قضية البلاد كلها، وهي قضية النزعة الارستقراطية. إنّ بلاء النزعة الأرستقراطية بلاء كبير. جاؤوني بصورة مبنى شُيد في منطقة ما بمال بيت المال، فتعجبت واقعاً، كيف يجرؤوا، وكيف طوّعت يد أحدهم ونفسه له بأن ينفق من بيت المال على مثل هذا الشيء. إنّ النزعة الارستقراطية إذا ما شاعت وصارت جزءاً من نمط حياتنا فلن تكون هناك نهاية لآثارها وتبعاتها وحالات التساقط التي ستؤدي لها. إنها مشكلة كبيرة وتعقد الأمور والأعمال بشكل كبير. ويجب أن تأخذوا هذه القضية بعين الاعتبار.
هناك مسألة أخرى هي مسألة الأسفار الخارجية. ليراع الإخوة والأخوات الأصدقاء الأعزاء قضية الأسفار الخارجية قدر الإمكان، بأن تكون الأسفار الخارجية في حدود الضرورة والحاجة. يجب عدم التصرف في هذا الخصوص بطريقة تبذيرية.
تحدثنا قبل سنوات عن موضوع الإشراف على النواب (10) وأبدى نواب المجلس همَّة وتشكّلت مجموعة إشراف على سلوك النواب، فيجب تعزيزها وتقويتها، أي يجب أن تفعلوا ما من شأنه أن يكون هناك إشراف بالمعنى الحقيقي للكلمة. وأعتقد أن هذا أهم من إشرافكم على الحكومة وعلى سلوك الآخرين الذين تتحملون مسؤوليته. هذا إشراف على النفس وإشراف على الذات، وإشراف على سلامة مجلس الشورى.
ما أشعر به هو أنَّ مجلس الشورى الإسلامي وهو ركن أساسي من أركان النظام الإسلامي، قد سار إلى الآن بشكل جيد وتقدم إلى الأمام والحمد لله، فعززوا هذه المسيرة نحو أهداف الثورة ما استطعتم. البلد اليوم بحاجة لاستحكام البنية الداخلية للشعب و[استحكام] أركان النظام الإسلامي. لاحظوا من هم أعداؤكم وبأية روح يتحركون ويعملون، وبأي خُبثٍ يقفون بوجه الشعب الإيراني، وليس فقط بوجه الشعب الإيراني، بل هذه هي ذاتهم وطبيعتهم. إنَّ قضية فصل عدة آلاف من الأطفال عن أمهاتهم في أميركا اليوم ليست بالقضية الصغيرة. إنها قضية كبيرة جداً. لا يُطيق الإنسان أن يسمع بكاء هؤلاء الأطفال في التلفاز، فكيف هم مستعدون من أجل سياسة معينة ولأجل تنفيذ شيء ما أن يقوموا بمثل هذا العمل الخاطئ والإجرامي بأن يفصلوا عدة آلاف من الأطفال عن أمهاتهم. هكذا هم. هؤلاء هم أنفسهم الذين يأتون مع عدة حكومات كبيرة وذات تسليح متطور عبر البحر ليقفوا بوجه الشعب اليمني من أجل أن ينتزعوا منهم هذا الميناء الذي هو مجرى تنفس الشعب اليمني المظلوم. يقتلون الناس بلا أي تردد. ليسوا سيئين مع الجمهورية الإسلامية فقط، بل هم بذاتهم أناسٌ ظالمون وهم أنظمة سلطات ظالمة. نعم، إنهم يعارضون الجمهورية الإسلامية بشدة لأنها تنادي بالعدالة وتنادي بالإسلام وتنادي بالدفاع عن المظلوم، ويمارسون هذه العراقيل. يجب الوقوف بوجههم، ويجب الحفاظ على القوّة، والاطمئنان بأنَّ الشعب الإيراني سينتصر على أميركا وأعدائه بتوفيق من الله وبحرمة الله وجلاله وعزته.
إنهم شمور [جمع شمر] العصر بالمعنى الحقيقي للكلمة، وهم بالمعنى الحقيقي للكلمة مصداق لمن يقول القرآن عنهم «إنَّهُم لا أَيمـانَ لَهُم» (11)، لا يمكن الوثوق بأي عهد من عهودهم وميثاق من مواثيقهم ـ ونحن نشاهد ذلك بأمّ أعيننا ـ إنهم ابتزازيون ومتعسفون ويتوسّلون منطق القوة بالمعنى الواقعي للكلمة، ومن البديهي أن لا يخضع الشعب الإيراني ونظام الجمهورية الإسلامية ومسؤولو النظام المحترمون لأي مبتزّ ولأي قوة ظالمة.
حفظكم الله ووفقكم لأداء الواجب إن شاء الله. اذهبوا وافعلوا ما من شأنه أن يبقيكم في رأس القائمة إن شاء الله.
والسّلام عليكم و رحمة الله وبركاته.
1- بدأ هذا اللقاء بكلمة ألقاها رئيس مجلس الشورى الإسلامي الدكتور علي لاريجاني
2- بيت شعري للشاعرة الإيرانية المعاصرة برفين اعتصامي.
3- صحيفة الإمام الخميني، ج 12، ص 343، كلمة للإمام الخميني في نواب مجلس الشورى الإسلامي بتاريخ 25/05/1980 م.
4- كتاب قانون المغول.
5- مصرع شعري للشاعر الإيراني المعاصر محمّد تقي بهار من «منظومه تشهار خطابه».
6- الإعلان الرسمي لاستقلال الولايات المتحدة الأميركية عن بريطانيا.
7- کنوانسیون أو كنفانسيون كلمة ذات أصل فرنسي بمعنى معاهدة واتفاقية دولية.
8- خطبتا صلاة عيد الفطر السعيد بتاريخ 15/06/2018 م.
9- قال أحد الحضور هنا: [فلتتابع] السلطة القضائية.
10- كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه رئيس ونواب مجلس الشورى الإسلامي بتاريخ 13/06/2012 م.
11- سورة التوبة، شطر من الآية 12.
مراحل الحياة الإنسانية في المنظور القرآني
لا يخفى أنّ الناس من أصلٍ واحد في جوهر وجودهم، إلاّ أنّه لم تُقسّم القدرات والإمكانات الداخلية والخارجية بالتساوي فيما بينهم. وطبعاً ينبغي الإشارة هنا إلى أنّ هذه القدرات ليست دليلاً على كرامة الإنسان ولا هي وليدة الكرامة أيضاً، كما أنّه في المقابل لا تعتبر المحدوديات دليل إهانةٍ ولا وليدة ذلك. فالكرامة واحدة، والقدرات والمحدوديات مختلفة ومتنوعة، ذلك أنّ الأولى من مقولة »الكينونة«، والثانية من مقولة »الملكية«، والكينونة ليست منوطة بالملكية.
على كل حال، يشترك البشر في ميزة خاصة وهي أنّه لا أحد مثل الآخر، ويستقر كلُّ واحدٍ منهم ضمن مكانةٍ معيّنة ويتمتع بمجموعة صفاتٍ وخصائص داخلية وخارجية ولديه قدرات وإمكانات خاصة. والإنسان من هذه الجهة، يشمله قانونٌ عام وشامل في الرؤية الكونية الإسلامية يُدعى »التقدير«: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾[1].
وتشير هذه الآية فيما يخص الإنسان إلى الفروقات النوعية وكذلك الفروقات الفردية، يعني تشير إلى ما يميّز البشر عن سائر أنواع المخلوقات - الحيوانات والنباتات -، وكذلك ما يميّز أفراد البشر عن بعضهم البعض. وتعكس الفروقات والاختلافات بين البشر قُدراتهم و»سِعاتهم« المختلفة.
والوُسع يعني القدرة؛ سواء قدرة الفهم أو قدرة العمل. وعندما قال المؤمنون لله تعالى ﴿سمعنا وأطعن﴾[2]، كانوا يقصدون كلا نوعي القدرة، يعني أنّهم سمعوا ما أراده الله منهم وفهموه، وكذلك رأوا في أنفسهم قدرة الخضوع والتسليم لذلك. إذن، يخطو الناس في ساحة الحياة متسلّحين بقدراتٍ وطاقاتٍ مختلفة من حيث الفهم والعمل. وينبغي الالتفات إلى أنّه رغم أنّ وُسع الفرد مشخصٌ ومحدّد ومختصٌ به وحده، ولكنّه يتعرض لتقلّباتٍ وتطوراتٍ مختلفة. وتُظهر مجموعة هذه التقلّبات والتطورات وُسع وقدرة الفرد (ما آتاها)، أو يمكن القول إنّ ما أعطاه الله لكلّ فردٍ (الوُسع) يمتدّ ويتوسّع ضمن مراحل مختلفة، وهذا معطوفٌ على خِلقة الإنسان ضمن أطوارٍ ومراحل: ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارً﴾[3] إذ تشمل خِلقة الإنسان ضمن مراحل تطورات النطفة في الرحم وكذلك تطورات الفرد بعد ولادته. وما نريد تناوله في بحثنا هنا هو المجموعة الثانية من التطورات. وقد طرحت الآية الشريفة أدناه تصنيفاً عاماً في هذا المجال، سوف نذكرها بالإجمال أولاً ومن ثمّ ننتقل لتفصيل كلّ مرحلةٍ على حدى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾[4].
وطبق الآية الشريفة، هناك ثلاث مراحل أساسية للحياة الإنسانية:
- مرحلة الضعف الأولى
- مرحلة القوة
- مرحلة الضعف النهائية
وتضمّ كلّ مرحلةٍ مراحلَ مختلفة سوف نتعرّض لها فيما يلي:
مرحلة الضعف الأولى (الطفولة):
دُعي الإنسان منذ الولادة وحتى البلوغ في المصطلح القرآني باسم »الطفل«، ولذلك نُطلق على هذه المرحلة اسم مرحلة »الطفولة«، والصفة البارزة التي تميّز هذه المرحلة هي »النشاط واللعب« وقد أشارت إحدى آيات القرآن عند ذكرها لصفات مراحل الحياة المختلفة، إلى أنّ الصفة الأساسية للمرحلة الأولى هي اللعب ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ...﴾[5]. ويمكن تقسيم هذه المرحلة إلى المراحل التالية:
أ - مرحلة النشاط: وتشمل هذه المرحلة السبع سنوات الأولى من عمر الإنسان. ويعود السبب في تخصيص عنوان النشاط بهذه المرحلة إلى غلبة الحركة والنشاط بشكلٍ أساسي على السنوات السبع الأولى من حياة الطفل. انطلاقاً من ذلك، ورد في الروايات أنّه يجب أن يلعب الطفل سبع سنوات. يمضي الطفل السنتين الأوليين من هذه السبع في الرضاعة ويتّخذ النشاط والتحرّك صورةً خاصة فيها ويحصل بنحوٍ خفيف. وسمّيت نهاية مرحلة الرضاعة فصالاً في القرآن وفطاماً في الروايات، و كلاهما يعني المنع من الرضاعة.
ب - مرحلة حصول قابلية التعلّم والتأديب: تظهر مع بداية السنة السابعة من العمر خصلة جديدة في الطفل وهي خِصلة »تقبّل التكليف« ويتمتع الطفل بسبب هذه الخِصلة بقابلية استقبال التكليف التعليمي والتأديبي. إنطلاقاً من ذلك، أوكِل البدء بالتعليم والتأديب الرسمي في الروايات مع بداية السنّ السابعة. ومن الخِصل المهمة الأخرى في هذه المرحلة ظهور القابلية الكافية لمعرفة الاختلافات الجنسية بين الجنسين وإدراك مسألة الهوية الجنسية له وللآخرين. لذلك أوصت الروايات بضرورة الفصل بين الأطفال - سواء بين نفس الجنس أو بين الجنسين- في المضاجع بدءًا من سن السابعة تقريباً. وتستمر هذه المرحلة حتى البلوغ حيث نشهد في مرحلة البلوغ ظهور خصالٍ وسِعات أخرى في الفرد.
مرحلة القوة (البلوغ وذروة البلوغ)
بعد مضي مرحلة الطفولة، تبدأ مرحلة أخرى أطلقنا عليها اسم مرحلة القوة. وتنقسم هذه المرحلة بدورها أيضاً إلى عدة مراحل كما يلي:
أ - مرحلة البلوغ وذروة البلوغ: تتوفّر بعد نهاية المرحلة السابقة - عند العاشرة من العمر تقريباً - استعداداتٍ في الفرد والتي تُختم في النهاية بالبلوغ الجنسي أو بلوغ النكاح، أي ذلك البلوغ الذي يعدّ الفرد للزواج، وبعبارةٍ أخرى تتهيأ مقتضيات الزواج وهذا ما يتحقق ضمن العقد الثاني من حياة الفرد. وفضلاً عن البلوغ الجنسي، يمكن التحدّث عن بلوغٍ من نوعٍ آخر ذُكر تحت عنوان »بلوغ الأشدّ - «ذروة البلوغ- . وفي خضم هذا العقد من العمر وهاتين المرحلتين من البلوغ، ينال الفرد قابليةً كافية على الصعيد الفكري والاجتماعي. وهناك دليلان على هذين النوعين من القابلية، الأول الأمر الإلهي بعدم اتّباع الانحراف الفكري للوالدين والثاني حصول الرشد، وسوف نشير إلى هذين الدليلين فيما يلي:
بخصوص المورد الأول يمكن الاستناد إلى وصايا لقمان الحكيم التربوية المذكورة في سورة لقمان. إذ تتحدّث هذه السورة حول وصايا لقمان التربوية لابنه. ولكن الله يقول في خِضم كلام لقمان هناك جملة اعتراضية: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[6].
ويدلّ أمر الله على عدم إطاعة الوالدين لانحرافهما وضلالهما عن العبادة الحقّة بأنّ الإنسان مع دخوله إلى ساحة التكليف والبلوغ، يصل إلى قابليةٍ فكريةٍ كافية وإلاّ لما كان هناك لزوم لهكذا أمرٍ.
وفيما يخص المورد الثاني أي حصول الرشد في هذه المرحلة؛ فالرشد يعني الاهتداء والتقدّم نحو المقصد - مقابل الغيّ، والمُراد من الرشد في هذه المرحلة امتلاك الفرد لقابليةٍ كافية من أجل القيام بتنظيم وتدبير أموره الاقتصادية والاجتماعية بحيث إنّه يستطيع الاهتداء والتوجّه نحو هدف الحياة. وفي حال لم يحصل الرشد، سوف يقع الفرد في الغبن عند تدبيره لأموره الاقتصادية والاجتماعية، وسوف يتمّ الاحتيال عليه، وبالتالي سوف يعجز عن الوصول ونيل المقصد. فالرشد وبلوغ الأشدّ متلازمان ويظهران في أواخر العقد الثاني من العمر. وهذا ما ندركه من خلال مقارنة الآيتين التاليتين: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾[7].
﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَ﴾[8].
لقد بحثت كلتا الآيتين مسألة نيل الأطفال اليتامى قابلية التصرّف المالي والاقتصادي. ولكن طُرحت مسألة ظهور الرشد في الأولى والبلوغ الأشد في الثانية حيث نفهم من كليهما تلازم الأمرين مع بعضهما البعض.
إنّ حصول الرشد بمثابة شرطٍ للمساهمة في الأمور الاقتصادية والاجتماعية. بناءً عليه، يعتبر في جواز قيام الفرد ببعض الأحكام الإسلامية ذات الجانب الاقتصادي والاجتماعي - كالزواج، التصرف بالمال، الشهادة و....- وصوله إلى الرشد.
إذن، ينال الفرد القابلية الفكرية والاجتماعية في البلوغ و في ذروته - وهما أول مرحلة من مراحل القوة-. وما ذُكر في الروايات حول السنوات السبع الثالثة من العمر بصفتها تحمّل الأعباء - الوزارة - دالٌ على هذا الأمر.
ب - مرحلة الاعتدال: تُدعى المرحلة الثانية من مرحلة القوة بـ»الاستواء«، وهي تظهر بعد ذروة البلوغ: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمً﴾[9].
والاستواء بمعنى الاستقرار والاعتدال، ويحدث ذلك بشكلٍ أساسي بعد مرحلة البلوغ. ويصل الفرد في هذه المرحلة إلى نهاية تقلّبات ومشاعر البلوغ الخفّاقة وتبدأ المسيرة التي يتبلور فيها الثبات والاستقامة في حياته، وضرورة حصول ذلك الوصول إلى نوعٍ من الاستقرار في الحالات الفكرية والعاطفية والاجتماعية. وانطلاقاً من أنّ حالة الاستواء تظهر علناً بعد بلوغ الأشد بشكلٍ أساسي، فإنّ محلّ ظهورها العقد الثالث من عمر الإنسان. بالطبع، يختلف مستوى الاستقرار والاعتدال في هذه المرحلة بين فردٍ وآخر. ولكن يصل أغلب الأفراد في هذه المرحلة إلى نوعٍ من الاستقرار نسبةً إلى المرحلة السابقة.
ج- مرحلة الاعتلاء: مع حصول الاعتدال والتوازن في وجود الإنسان، تنتظم الصراعات الداخلية الشرسة ويتمّ ضبطها، وهكذا تتوفّر الأرضية المناسبة لحصول أفكار وقراراتٍ أكثر عقلانيةً. إذ أنّ تنازع وسيطرة الأهواء والملذّات تجعل العقل في معرض التزلزل والاضطراب، ولكن كلما هدأت الاضطرابات - أو هدأت أكثر عمّا كانت عليه في السابق - يجد العقل المجال للاعتلاء والرُقي.
ومن حيث المرحلة العمرية، تبدأ هذه المرحلة مع أواخر العقد الثالث، ولكن محلّ استقرارها في العقد الرابع وذروتها في سن الأربعين. لذلك نرى الأحاديث الشريفة تشير إلى سنّ الأربعين أو ما يقارب هذا العمر بصفته مرتبة ذروة العقل. وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك أيضاً: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾[10]. فالآية الكريمة تشير إلى نضوج العقل في هذا السنّ.
مرحلة الضعف النهائي (الكهولة والشيخوخة)
ما أن يصل الإنسان إلى العقد الخامس من حياته حتى تبدأ مرحلة من الضعف تدريجياً. ويكون هذا الضعف في البدء ضعفاً بدنياً، ولكن يصل في النهاية إلى ضعفٍ في المشاعر واختلالٍ في العلم والإدراك. ويمكن تقسيم هذه المرحلة إلى مرحلتين: الكهولة والشيخوخة.
أ - مرحلة الكهولة: وتبدأ هذه المرحلة في العقد الخامس تقريباً وتنتهي في العقد الثامن بشكلٍ عام. ومع بداياتها يبدأ الضعف في القوى الجسمية بالظهور تدريجياً وفي النهاية يبرز ضمورٌ بشكلٍ جلي. ومن الناحية العقلية، تعتبر المرحلة الحالية مرحلة إعطاء الثمر، فبعد أن وصل العقل في المرحلة السابقة إلى ذروة قدرته، ها قد أثمر الآن وهو يعطي أكله حيناً بعد حين. انطلاقاً من ذلك، شُخّصت هذه المرحلة في الروايات بميزةِ اتساع »التجارب«، وهذا يعني مشاركة العقل الناضج والماهر الذي هو حاصل التجارب وسوف يعطي ثماره. في نهاية هذه المرحلة، يغلب الضعف البدني، وهذا سفح تلك القدرة والقوة التي كانت قد ظهرت في ذروة البلوغ: ﴿ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخً﴾[11].
وفي نهاية هذه المرحلة، يُطلق اسم الشيخ على الرجل الكبير، وتُسمى المرأة عجوزاً. فقد بُشّرت السيدة سارة زوجة النبي ابراهيم (عليه السلام) بالولد وهي عجوز: ﴿قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ﴾[12]
ب - مرحلة الشيخوخة (أرذل العمر): تبدأ هذه المرحلة بشكلٍ عام مع العقد الثامن وتستمر إلى ما بعد ذلك، وتترافق مع ضعفٍ ووهنٍ كامل، وذلك عندما يمرّ الإنسان في مرحلةٍ يعبّر عنّها النبي زكريا باشتعال الرأس شيباً: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا... وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّ﴾[13].
ولشدّة الشيخوخة في هذه المرحلة، يُقال للرجل الطاعن في السن »الشيخ الكبير« وقد أُشير في القرآن إلى كلٍّ من النبي يعقوب (عليه السلام) وشعيب (عليه السلام)، بالشيخ الكبير.
ويسقط الفرد في نهاية هذه المرحلة في أرذل العمر ويظهر عليه ضعف المشاعر والخلل الإدراكي: ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئً﴾[14]. ﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾[15]
المصدر: نظرة متجددة في التربية الإسلامية
[1] الحجر، الآية 21
[2] البقرة، الآية 285
[3] نوح، الآية 14.
[4] الروم، الآية 54.
[5] الأنعام، الأية 32.
[6] لقمان، الآية 15.
[7] النساء، الآية 6.
[8] الكهف، الآية 82.
[9] القصص، الآية 14.
[10] الأحقاف، الآية 15.
[11] غافر، الآية 67.
[12] هود، الآية 72.
[13] مريم، الآية 4.
[14] النحل، الآية 70.
[15] يس، الآية 68.
مغازلة أمريكية لروسيا قبل القمة.. ماذا تريد واشنطن هذه المرة؟!
جاء كلام مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي، جون بولتون قبل يومين لافتاً وحمّالاً للأوجه في ظل ظروف يعيشها الشرق الأوسط لم تعد كسابق عهدها، والأسباب كثيرة في هذا الإطار لكن ما ظهر في كلام بولتون يوحي بأن واشنطن تتجه نحو مغازلة موسكو عبر حليف الأخيرة في دمشق.
أجرى كبير صقور إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الأحد مقابلة مع قناة "CBS" الأمريكية، أظهر فيها بوادر حسن نية تجاه الرئيس السوري بشار الأسد، إذ لم يعد بالنسبة لهم مشكلة استراتيجية، ومقابل ذلك صبّ بولتون جام غضبه على إيران، التي تعدّ حالياً الشغل الشاغل لإدارة الرئيس الأمريكي وصقوره التي تتجول شرق المنطقة وغربها على أمل محاصرة إيران، وثنيها عن مواقفها وسياستها في المنطقة، ولكن حتى اللحظة كل هذه التحركات وهذا الغليان وهذا الاستنفار الأمريكي لم يؤتِ أُكله، فهل سيكون مفتاح الحل بالنسبة لواشنطن في الكرملين أم سيعود السيد بولتون خالي الوفاض كما كان يحدث سابقاً؟!.
تمهيد الطريق لـ"ترامب"
في المقابلة الأخيرة التي أجراها بولتون مع قناة "CBS" الأمريكية، وردّاً على سؤال حول ما إذا كان الرئيس السوري حقق انتصاراً بالحرب الدائرة في بلاده قال بولتون: "بصراحة، لا نعتقد أن الأسد يمثل مشكلة استراتيجية".
وشدد بولتون على أن "المشكلة الاستراتيجية تتمثل بإيران"، موضحاً: "الحديث لا يدور فقط عن برنامجها المستمر لتطوير الأسلحة النووية، وإنما كذلك عن دعمها الكبير والمتواصل للإرهاب الدولي، وكذلك عن وجود قواتها الدورية في الشرق الأوسط".
في ظاهر الأمر يبدو أن كلام بولتون يعدّ بمثابة تمهيد الطريق لرئيسه في البيت الأبيض دونالد ترامب قبل القمة التي ستجمعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الـ16 من يوليو الحالي بالعاصمة الفنلندية هلسنكي، حيث أكد بولتون تصريحات ترامب التي أعلن فيها تأييده لعودة روسيا إلى مجموعة “السبع الكبرى” واستئناف عمل مجموعة G8، كما أعرب مستشار الرئيس الأمريكي عن اعتقاده بأن روسيا وأمريكا قد تحققان تقدّماً ما في العلاقات في أعقاب القمة التي ستعقد في هلسنكى.
حتى يمكننا اعتبار كلام بولتون بمثابة تنازل ضمني للجانب الروسي قبل القمّة المزمع عقدها بين ترامب وبوتين، والهدف من ذلك هو تأليب الموقف الروسي ضد إيران والالتفاف عليها من بوابة الكرملين لكونها عجزت عن إرضاخ إيران عبر الضغوط الاقتصادية لذلك تحاول اليوم ممارسة الدبلوماسية مع روسيا علّها تساعدها في هذا الملف.
هذا الكلام أكده بولتون في المقابلة الأخيرة حيث قال إن مستقبل سوريا ومقترح تجنيد روسيا كشريك لطرد إيران من ساحة المعركة في سوريا، سيكونان محور القمة القادمة، وأضاف بولتون، إن القمة ستستغرق يوماً واحداً فقط لكنها ستوفر فرصة لمناقشة أزمة سوريا إلى جانب مجموعة كاملة من المشكلات.
أما كلام بولتون عن سوريا فيعدّ هزيمة واضحة للإدارة الأمريكية وسياستها المتهالكة إزاء سوريا، فقد حاولت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إسقاط النظام في سوريا مراراً وتكراراً لكنها عجزت عن ذلك عبر الوكلاء ومن ثم اتجهت إلى العدوان المباشر، وحدث ذلك مرتين في أبريل 2017 وأبريل 2018، بذريعة استخدام الجيش السوري سلاحاً كيميائياً، وفي المرتين فشلت واشنطن بإحداث أي فارق في مصير الأزمة السورية، وبقيت تتجه الأمور لمصلحة الحكومة السورية حتى باتت اليوم تسيطر على 80% من مساحة سوريا، لذاك بدأت واشنطن تغيّر مسير سياستها وقررت العمل على إخراج إيران من سوريا بجميع السبل الممكنة على اعتبار أنها الحليف الأقرب للحكومة السورية وساندتها على مدار عمر الأزمة.
الكرة اليوم في ملعب بوتين وهو من سيقرر ما إذا كان سيتحالف مع واشنطن أم سيردّها على أعقابها عبر حنكته وذكائه السياسي.
دعم لـ "إسرائيل"
يجب ألّا ننسى حليف واشنطن المدلل "الكيان الإسرائيلي" الذي تحرك من أجله جميع أساطيلها وبوارجها، وما تحدث به بولتون لا يعدو كونه سوى استكمال للسياسة الإسرائيلية المعتمدة مؤخراً في سوريا، والمتمثلة بمحاولة إيجاد شرخ بين الحليفين السوري والإيراني، ففي السابق انطلقت دعوات إسرائيلية سابقةً بضرورة استهداف مقرّات رئيسية للجيش السوري عند أي حضور إيراني جنوب البلاد بغية توجيه رسالة للأسد بأنه يتحمّل تبعات الحضور الإيراني ويدفع تكاليفه.
بصرف النظر عن دقّة هذا الكلام من عدمه، ولو وضعنا جانباً أبعاد هذا الكلام وتبعاته في السياسة، ولكن ماذا عن الضرابات المتتالية التي تعرّض لها الجيش السوري من القوات الأمريكية في سوريا؟ ماذا عن مئات الشهداء والمصابين في قصف أمريكا لجبل الأثر في دير الزور؟ ماذا عن الضربات المتتالية تحت ذرائع كيميائية تعي واشنطن قبل أي طرف آخر عدم دقّتها؟.
سيكون لهذه القمة أثر كبير في المرحلة المقبلة وهذا يعتمد كما ذكرنا سابقاً على موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكيفية تعاطيه مع الموقف الأمريكي تجاه إيران والمنطقة ككل، ولكن بالمختصر لا نعتقد بأن الرئيس الروسي سيسمح لترامب بتمرير سياساته على حساب حلفاء موسكو.
من خرج لزيارة البيت
عن النبيّ صلى الله عليه واله وسلم - في حديث قال: - إنّ الحاجّ إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئاً ولم يضعه إلاّ كتب الله له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيّئات، ورفع له عشر درجات، فإذا ركب بعيره لم يرفع خفّاً ولم يضعه إلاّ كتب الله له مثل ذلك، فإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه، فإذا سعى بين الصفا والمروة خرج من ذنوبه، فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه، فإذا وقف بالمشعر الحرام خرج من ذنوبه، فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه.
قال: فعدّ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كذا وكذا موقفاً إذا وقفها الحاجّ خرج من ذنوبه، ثمّ قال: أنّى لك أن تبلغ ما يبلغ الحاجّ، قال أبو عبد الله عليه السلام: ولا تكتب عليه الذنوب أربعة أشهر وتكتب له الحسنات إلاّ أن يأتي بكبيرة.
عن جميل، عن أبي عبد الله الصادق، عن آبائه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:إنّ الحاجّ إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئاً ولم يضعه إلاّ كتب الله له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيّئات، ورفع له عشر درجات، فإذا ركب بعيره لم يرفع خفّاً ولم يضعه إلاّ كتب الله له مثل ذلك وإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه، وإذا سعى بين الصفا والمروة خرج من ذنوبه، وإذا وقف بالعرفات خرج من ذنوبه، وإذا وقف بالمشعر خرج من ذنوبه، وإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه، فعدَّ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كذا وكذا موطناً كلّها تخرجه من ذنوبه، ثمّ قال: فأنّى لك أن تبلغ ما بلغ الحاجّ.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام:إنّ العبد المؤمن إذا أخذ في جهازه لم يرفع قدماً ولم يضع قدماً إلاّ كتب الله له بها حسنة، حتّى إذا استقلّ لم يرفع بعيره خفّاً ولم يضع خفّاً إلاّ كتب الله له بها حسنة، حتّى إذا قضى حجّه مكث ذاالحجة ومحرّماً وصفراً يكتب له الحسنات، ولا يكتب عليه السيّئات إلاّ أن يأتي بكبيرة.
عن سعد الإسكاف قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إنّ الحاجّ إذا أخذ في جهازه لم يخطُ خطوة في شيء من جهازه إلاّ كتب الله عزّ وجلّ له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيّئات، ورفع له عشر درجات حتّى يفرغ من جهازه متى ما فرغ، فإذا استقبلت به راحلته لم تضع خفّاً ولم ترفعه إلاّ كتب الله عزّ وجلّ له مثل ذلك حتّى يقضي نسكه، فإذا قضى نسكه غفر الله له ذنوبه، وكان ذاالحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأوّل أربعة أشهر تكتب له الحسنات ولا تكتب عليه السيّئات إلاّ أن يأتي بموجبة، فإذا مضت الأربعة الأشهر خلط بالناس.
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنّ المسلم إذا خرج إلى هذا الوجه يحفظ الله عليه نفسه وأهله، حتّى إذا انتهى إلى المكان الذي يُحرم فيه وكلّ ملكان يكتبان له أثره، ويضربان على منكبه ويقولان له: "أمّا ما مضى فقد غفر لك فاستأنف العمل".
عن عبد الأعلى قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: كان أبي يقول: من أمّ هذا البيت حاجّاً أو معتمراً مُبرّأً من الكبر رجع من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمّه. (الحديث).
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله قال:إنّ العبد المؤمن حين يخرج من بيته حاجّاً لا يخطو خطوة ولا يخطو به راحلته إلاّ كتب الله له بها حسنة، ومحا عنه سيّئة، ورفع له بها درجة. (الحديث).
عن زياد القندي قال:قلت لأبي الحسن عليه السلام: إنّي أكون في المسجد الحرام وأنظر إلى الناس يطوفون بالبيت وأنا قاعد، فأغتمّ لذلك فقال: يا زياد لا عليك، فإنّ المؤمن إذا خرج من بيته يؤمُّ الحجّ لا يزال في طواف وسعي حتّى يرجع.
يروى أنّ الحاجّ من حيث يخرج من منزله حتّى يرجع بمنزلة الطائف في الكعبة.
عن جعفر بن محمّد عليه السلام: أنّه نظر إلى قطار جمال للحجيج فقال: لا ترفع خفّاً إلاّ كُتبت لهم حسنة، ولا تضع خفّاً إلاّ مُحيت عنهم سيّئة، وإذا قضوا مناسكهم قيل لهم: بنيتم بناءً فلا تهدموه، وكفيتم ما مضى فأحسنوا فيما تستقبلون.
عن عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه، عن تسعة أو ثمانية نفر، أخبروه عن أبي ذرّ أنّه قال: عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:إذا خرج الحاجّ من أهله فسار ثلاثة أيّام أو ثلاث ليال خرج من ذنوبه كيوم ولدته اُمّه وكان سائر أيّامه درجات. (الحديث).
عن ابن عمر قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه واله وسلم يقول:ما ترفع إبل الحاجّ رجلا، ولا تضعُ يداً إلاّ كتب الله لها بها حسنة، أو محا عنه سيّئة، أو رفع بها درجةً.
روى عن أبي هريرة قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه واله وسلم يقول:من جاء يؤمُّ البيت الحرام فركب بعيره، فما يرفع البعير خفّاً ولا يضع خفّاً إلاّ كتب الله له بها حسنةً، وحطَّ عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة حتّى إذا انتهى إلى البيت فطاف وطاف بين الصّفا والمروة ثمّ حلق أو قصّر إلاّ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه، فهلمَّ نستأنف العمل.
عن أنس بن مالك قال:جاء رجل من الأنصار يسأل النبيّ صلى الله عليه واله وسلم وجاء رجل من ثقيف، فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: يا أخا ثقيف إنّ أخا الأنصار قد سبقك بالمسألة فاجلس نبدأ بحاجة الأنصاري قبل حاجتك، فتغيّر وجه الثقفي، فقام الأنصاري فقال: يا رسول الله إبدأ بحاجة الثقفي قبل حاجتي، فإنّي رأيته آنفاً أخاف أن يكون وجد عليك وأنّ لي كذا وكذا، فدعا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم للأنصاري بخير، ثمّ قال: يا أخا ثقيف سلني عمّا بدا لك وإن شئت أنبأتك بالذي جئت تسأل عنه، فقال: يا رسول الله فأخبرني فهو أعجب إليّ.
قال: جئت تسأل أيّ الشهر تصوم وأيّ الليل تقوم؟ جئت تسألني كيف تصنع في ركوعك؟ وكيف تصنع في سجودك؟ قال: والذي بعثك بالحقّ للذي أردت أن أسألك عنه.
قال: فصُم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، وقم أوّل الليل وقم أوسط الليل وقم آخر الليل، فإن قمت من وسطه إلى آخره فأنت أنت إذاً، فإذا ركعت فضع يديك على ركبتيك وفرّق بين أصابعك، فإذا سجدت فلتمكّن جبهتك من الأرض، ولا تنقر نقراً.
ثمّ قال: يا أخا الأنصار سلني عمّا بدا لك، وإن شئت أنبأتك بالذي جئت تسألني عنه، فقال: يا رسول الله حدّثني كما حدّثت صاحبي فهو أعجب إليّ، قال: جئت تسألني عن خروجك من بيتك تؤمّ البيت الحرام ما لك فيه؟ وجئت تسألني عن حلقك رأسك ما لك فيه؟ وجئت تسألني عن طوافك بالبيت ما لك فيه؟ أجئت تسألني عن شيء غيره؟ قال: والذي بعثك بالحقّ إنّه للذي أردت أن أسألك عنه.
قال: فإنّ خروجك من بيتك تؤمّ البيت الحرام يكتب الله لك بكلّ خطوة تخطوها حسنة ويحطّ عنك بها خطيئة، ويرفع لك بها درجة. (الحديث).
إبراهيم بن صالح بن درهم الباهلي قال: سمعت أبي يقول:سافرنا إلى مكّة فلمّا انتهينا إلى البطحاء إذا رجل يستقبل الحاجّ، فقال لنا: من أنتم؟ قال: قلت له: نحن من أهل العراق، قال: من أيّ العراق أنتم؟ قلنا: من أهل البصرة، قال: ما جاء بكم؟ قال: قلنا جئنا نؤمّ البيت العتيق قال: فما جاء بكم حاجة غيرها أو تجارة؟ قال: قلنا: لا. قال: فابشروا فإنّي سمعت أبا القاسم صلى الله عليه واله وسلم يقول: من جاء يؤمُّ البيت الحرام وركب بعيره فما يرفع البعير خُفّاً ولا يضع خُفّاً إلاّ كتب الله له بها حسنة، وحطّ عنه بها خطيئة، ورفع له بها درجة، حتّى إذا انتهى إلى البيت فطاف به وطاف بين الصفا والمروة، ثمّ حلق أو قصّر إلاّ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه، فهلمّ نستأنف العمل1.
1-الحج في السنة / معاونية شؤون الحج .
"مناخ متشائم" يسود المفاوضات الأمريكية مع كوريا الشمالية
لا تزال مواقف أمريكا تجاه برنامج كوريا الشمالية النووي بعد اللقاء التاريخي الذي جمع زعيمي البلدين في سنغافورة، مبهمة وغير واضحة ولقد صرّح الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بأن كوريا الشمالية قبلت بعدم السماح بانتشار الأسلحة النووية في العالم، وأنها سوف تتوقف عن القيام بأي تجارب نووية، ولفت الرئيس "ترامب" إلى أن كوريا الشمالية لم تعد تشكّل أي تهديد لأمريكا، ولكن مسؤولي البيت الأبيض أعربوا بأنه من الضروري استمرار الضغط على كوريا الشمالية لتتخلى بشكل كلّي عن مخططاتها النووية، وفي هذه الأثناء تمكّنت سلطات كوريا الشمالية بشكل عام من وضع بنود في الاتفاقية التي وقّعتها مع أمريكا في اللقاء التاريخي الذي جمع قادة البلدين في سنغافورة، تجبر أمريكا على سحب قواتها من شبه الجزيرة الكورية ورفع العقوبات عن كوريا الشمالية وفي ظل هذه الظروف، فإن هناك شكوك من استمرار كوريا الشمالية في أنشطتها النووية، حيث أعلنت العديد من وسائل الإعلام والمنظمات الغربية بأن هناك أدلة على استمرار أنشطة كوريا الشمالية النووية، وحول هذا السياق قالت صحيفة "الغارديان" بأنها تمكّنت في 21 حزيران / يونيو من الحصول على صور من الأقمار الصناعية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن كوريا الشمالية مازالت تقوم بالكثير من الأنشطة النووية.
ومن ناحية أخرى، أعلنت شبكة تلفزيون الـ"NBC" يوم أمس السبت، نقلاً عن خمسة مسؤولين أمريكيين أنه في الأشهر الأخيرة، زادت كوريا الشمالية من إنتاج اليورانيوم المخصّب الذي يستخدم لإنتاج الأسلحة النووية ووفقاً لمسؤولين في الاستخبارات الأمريكية، فإن كوريا الشمالية لديها أكثر من موقع نووي سرّي بالإضافة إلى منشأة تصنيع الوقود النووي التي تقع في منطقة "يونغبيون" وبالنظر إلى كل هذه القضايا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هو الهدف من نشر مثل هذه التقارير في الوقت الحالي وكيف سيكون تأثيرها على سير عملية المفاوضات بين أمريكا وكوريا الشمالية؟ وللإجابة على هذه الأسئلة، يمكننا هنا الإشارة إلى سيناريوهين.
فرض مزيد من الضغوطات على كوريا الشمالية
السيناريو الأول: يتمثل في قيام الحكومة الأمريكية بنشر تقارير حول الأنشطة النووية لكوريا الشمالية كجزء من خطتها لفرض المزيد من الضغوطات على "بيونغ يانغ" وعليه، فإن هدف واشنطن هو تحقيق نصر كبير في محادثاتها مع كوريا الشمالية وإجبارها على نزع أسلحتها النووية. في الواقع إن "بيونغ يانغ" تدعو إلى رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها والحصول على ضمانات دولية، وذلك من أجل أن تتخلى عن قدراتها النووية إلا أن أمريكا تحاول تطبيق النموذج الليبي على كوريا الشمالية وترغب باستمرار وجود قواتها في شبة الجزيرة الكورية، وإذا ما استطاعت أمريكا فرض شروطها تلك فإنها ستتمكن من إزالة مخاوفها الأمنية ومخاوف حلفائها من البرنامج الصاروخي والنووي لكوريا الشمالية وستتمكن أيضاً من وضع حدّ لتنامي القدرات الصينية في منطقة شرق آسيا ولكن من أجل تحقيق هذه الأهداف، فإن أمريكا مجبرة على فرض المزيد من الضغوطات على كوريا الشمالية.
ولهذا فلقد قام وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو"، بإجراء العديد من المحادثات الهاتفية مع وزير الخارجية الصيني من أجل مواصلة تنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن المتعلقة بكوريا الشمالية وإلى جانب ذلك قام "بومبيو" أيضاً بالإعلان عن الأنشطة النووية السرية لكوريا الشمالية، وأعلن مسؤولو البيت الأبيض أيضاً بأن الضغوط الاقتصادية لن تُخفض عن كوريا الشمالية إلى أن تتمكن من إحراز تقدم كبير في الوفاء بوعودها المتعلقة ببرنامجها النووي.
النزاعات المنتشرة داخل أمريكا ومحاولات لتقويض المفاوضات
السيناريو الثاني: يتمثل في عدم وجود وجهة نظر مشتركة بين السياسيين الأمريكيين والحكومة الأمريكية حول كيفية التفاوض مع كوريا الشمالية، والمكاسب التي سوف يحصلون عليها من مفاوضات سنغافورة ولهذا فلقد وجّه الرئيس "ترامب" الكثير من الانتقادات لبعض السياسيين، وقال بأنهم يجهلون الحقائق حول المكاسب والإنجازات التي سوف تحصل عليها أمريكا من تفاوضها مع "بيونغ يانغ" ولكن الشكوك تراود الكثير من السياسيين الأمريكيين حول ادعاءات الرئيس "ترامب" بأن عملية التفاوض مع كوريا الشمالية سوف تحافظ على مصالح أمريكا الاستراتيجية وذلك لأنهم يؤكدون على بعض التجارب التاريخية للمفاوضات مع كوريا الشمالية، حيث أعربوا أنه في عام 2008، دعت كوريا الشمالية الصحفيين الدوليين لتصوير عملية تدمير برج التبريد الخاص بمفاعل "يانع بيون" النووي الذي استخدمته لإنتاج القنبلة النووية الأولى ولكن بعد ذلك اتضح أن "بيونغ يانغ" لديها منشآت أخرى منفصلة لتخصيب اليورانيوم ولهذا، فإن منتقدي الرئيس "ترامب" يستدلون بهذه التقارير التي تفيد بعدم وفاء حكومة كوريا الشمالية بتعهداتها القديمة، ويرون بأنه من الضروري على الرئيس "ترامب" إنهاء هذه المفاوضات ولقد أدّى جوّ انعدام الثقة هذا بشأن قدرة الرئيس "ترامب" على إيجاد حلول للأزمة النووية الكورية، إلى تبني الكونغرس الأمريكي خطة الأسبوع الماضي لمراقبة عملية التفاوض وإلزام الحكومة بتقديم تقارير مفصلة.
لذا، ينبغي الاعتراف بأنه بغض النظر عن الطبيعة الحقيقية للأخبار المتعلقة باستمرار كوريا الشمالية في أنشطتها النووية، إلا أن العامل الرئيسي وراء خلق هذا المناخ المتشائم حول محادثات نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية، يرجع إلى كيفية تعاطي الجانب الأمريكي (سواء أكانت الحكومة أم النقاد) مع عملية المفاوضات هذه والأطماع التي تريد واشنطن أن تحققها من هذه المفاوضات.