
Super User
وزراء حكومة أردوغان في سطور
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الإثنين، تشكيلته الوزارية التي ضمّت نائباً، و16 وزيرًا.
وتولى فؤاد أوقطاي، الذي كان يعمل مستشاراً لرئاسة الوزراء التركية سابقاً، منصب نائب الرئيس التركي.
وعمل أوقطاي البالغ من العمر 54 عاماً، في العديد من المؤسسات التركية، أبرزها الخطوط الجوية التركية، ومجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية، ومؤسسة الاتصالات التركية.
وعيّن أردوغان فاتح دونماز المتخرج من كلية الهندسة الإلكترونية بجامعة يلدز التقنية في إسطنبول، وزيرًا للطاقة والموارد الطبيعية.
وشغل دونماز مناصب عدة في بلدية إسطنبول الكبرى، قبل أن يكون عضواً في هيئة تنظيم سوق الطاقة، عام 2008.
وفي 24 ديسمبر عام 2015، تم تعيين دونماز، مستشاراً لوزارة الطاقة والموارد الطبيعية.
وتولى براءت ألبيراق حقيبة الخزانة والمالية في الحكومة الجديدة، بعد أن شغل منصب وزير الطاقة والموارد الطبيعية في الحكومتين السابقتين.
وتخرج ألبيراق من كلية إدارة الأعمال في جامعة إسطنبول، وتابع تحصيله العلمي العالي في جامعة نيويورك بيس الأمريكية.
وسلّم أردوغان وزارة الصناعة والتكنولوجيا لـ مصطفى ورانك المتخرج من كلية العلوم السياسية والإدارة العامة بجامعة الشرق الأوسط في أنقرة.
وأكمل ورانك تحصيله العلمي في إحدى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية، وعمل منذ 2011، مستشارًا لأردوغان عندما كان رئيسًا للوزراء، وبعد توليه رئاسة البلاد عام 2014.
وحافظ عبد الحميد غل المتخرج من كلية الحقوق بجامعة أنقرة، على منصبه كوزير للعدل في حكومة الرئيس أردوغان.
وشغل غل عدة مناصب داخل حزب العدالة والتنمية، قبل اعتلائه منصب وزير العدل في الحكومة السابقة.
ومن رئاسة الأركان التركية، انتقل خلوصي أكار إلى حكومة أردوغان، ليتولى منصب وزير الدفاع.
وتولى أكار عدة مهام رفيعة داخل الجيش التركي، قبل أن يصبح الرئيس الثاني لهيئة الأركان التركية بين عامي 2011 و2013.
وخلال الفترة الممتدة من 2013 إلى 2015، تولى أكار قيادة القوات البرية، وأصبح بعد ذلك رئيساً للأركان التركية.
أما وزير النقل والبنية التحتية، فكانت من نصيب محمد جاهد طوران، الذي تخرج من كلية الهندسة المعمارية بجامعة البحر الأسود في ولاية طرابزون.
وشغل طوران وظائف عدة في مديرية الطرق البرية، قبل أن يعمل مستشاراً للرئاسة التركية خلال الأعوام القليلة الماضية.
وتخرج وزير الزراعة والغابات بكر باك دميرلي، من كلية إدارة الأعمال في جامعة بيلكنت الخاصة، وعمل إداريًا في عدد من الشركات الرائدة في مجالات الزراعة والسيارات والحاسوب.
فيما حافظ مولود جاويش أوغلو، على منصبه كوزير للخارجية في حكومة أردوغان الجديدة.
جاويش أوغلو، المولود سنة 1968 بولاية أنطاليا جنوبي البلاد، تخرج من قسم العلاقات الدولية بكلية العلوم السياسية بجامعة أنقرة سنة 1988.
وفي 1991، حصل على شهادة ماجستير من جامعة "لونغ آيسلاند" بمدينة نيويورك الأمريكية، في مجال الاقتصاد.
وشغل منصب وزير شؤون الاتحاد الأوروبي بين عامي 2013 و2014.
أما حقيبة وزارة البيئة والتطوير العمراني، فكانت من حظ، مراد قوروم، المولود في العاصمة أنقرة سنة 1976.
تخرّج قوروم من قسم هندسة العمارة من جامعة سلجوق بولاية قونية (وسط) سنة 1999، وعمل في العديد من المؤسسات الخاصة، حتى عام 2005.
وتوّلى قوروم بين عامي 2005 و2006 كخبير لدى رئاسة دائرة التطبيق في الإدارة الإسكان الحكومية.
وزير الصحة "فخر الدين قوجة" المولود في ولاية قونية، وتولى مناصب طبية في العديد من المؤسسات الطبية وفي مقدمتها رئيس قسم صحة وأمراض الأطفال بكلية الطب في جامعة إسطنبول التي تخرجها منها سنة 1988.
حقيبة وزارة الداخلية، كانت للمرة الثانية من نصيب سليمان صويلو المولود في إسطنبول سنة 1969.
تخرج صويلو من قسم إدارة الأعمال من جامعة إسطنبول، وبدأ حياته السياسية سنة 1987، وتولى رئاسة الفرع الشبابي في الحزب القويم.
وشعل منصب رئيس بلدية حي "غازي عثمان باشا" بين عامي 1995 و1999.
وتولى رجل الأعمال محمد أرصوي المولود في إسطنبول عام 1968، حقيبة الثقافة والسياحة.
ويتمتع أرصوي بخبرة في مجال السياحة، تفوق 25 عاماً، ولديه شركة سياحية والعديد من الفنادق.
وزيرة التجارة "روهصار بكجان" المولودة بولاية مانيسا، تخرجت من كلية هندسة الكهرباء بجامعة إسطنبول التقنية، وتولت منصب رئيس لجنة العمل التركي السوري بمجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية 3 مرات، إلى جانب رئيس لجنة العمل التركي الأردني بالمجلس ذاته.
وقبل تعيينها وزيرة للتجارة، كانت تتولى منصب نائب رئيس مجلس السيدات المستثمرات باتحاد الغرف والبورصات التركية.
وزارة العمل والخدمات الاجتماعية والأسرية، كانت من نصيب زهراء زمرّد سلجوق، المولودة في ولاية أورود شمالي البلاد سنة 1979.
تخرّجت "سلجوق" تبنة وزير الثقافة والسياحة الأسبق أتيلا قوج، من جامعة بيلكنت من قسم الاقتصاد، وحصلت على شهادة ماجستير في مجال المحاسبة وإدارة المعلومات من جامعة تكساس الأمريكية.
وعلمت بين عامي 2003 و2007 كمساعدة أبحاث في جامعة تكساس.
وزير التربية "ضياء سلجوق" المولود في العاصمة أنقرة، تخرج من كلية العلوم التربوية بجامعة أنقرة، وتولى منصب عميد كلية التربية بجامعة غازي بالولاية ذاتها.
وخلال الفترة الممتدة من 2003 - 2006، مثل تركيا في المباحثات مع الاتحاد الأوروبي حول فصل العلوم والتربية، إحدى فصول مفاوضات عضوية تركيا في الاتحاد.
مسؤولون يكشفون تفاصيل "صفقة القرن" لترامب: "الخطة - غزة أولاً"
دبلوماسيون عرب رفيعو المستوى، مطّلعون على جهود إدارة ترامب والدول العربية المعتدلة لإخراج خطة السلام الإقليمية التي يبلورها الرئيس الأميركي ورجاله، المسماة "صفقة القرن" إلى حيز التنفيذ، قالت لـ "إسرائيل اليوم" ان ترامب، بدعمٍ من معظم الدول العربية المعتدلة وعلى رأسها السعودية والأردن ومصر والإمارات، تعمل على تسوية في قطاع غزة كمرحلة أولى من خطة السلام.
وحسب قول نفس المصادر العربية، فإن نية إخراج خطة السلام الإقليمية، في الوقت الذي تشكّل فيه التسوية في قطاع غزة جزءاً محورياً منه، إلى حيز التنفيذ، هي بسبب إصرار أبو مازن على عدم التعاون مع إدارة ترامب. بالإضافة إلى ذلك، تسوية غزة كجزء من الخطة تفسّر ضبط الجيش الإسرائيلي لنفسه في مواجهة إرهاب الطائرات الورقية؛ وعدم رغبة حماس في الدفع نحو تصعيد قد يؤدي إلى مواجهة في الجنوب؛ ودعوة رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية إلى القاهرة لعقد سلسلة من الاجتماعات والمداولات مع كبار المسؤولين الأمنيين المصريين، الذين يلعبون دوراً في جهود الوساطة لتهدئة الوضع في قطاع غزة.
مصادر عربية كبيرة، بينها مسؤولون كبار في السلطة الفلسطينية، قالت أيضاً إنه على ضوء رفض أبو مازن مقابلة مبعوثي ترامب إلى المنطقة والبحث مع الإدارة في واشنطن تفاصيل خطة السلام المتبلورة، وعلى الرغم من الضغوط التي تمارسها الدول العربية المعتدلة على الفلسطينيي للنزول عن شجر المقاطعة التي فرضها رئيس السلطة على جهود الوساطة الأميركية، وعلى ضوء تشبث أبو مازن بقرار عدم التعاون مع مبعوثي الرئيس في المنطقة بل وحتى مقاطعتهم، اتخذ الرئيس ترامب ورجاله قراراً بتقديم خطة السلام الإقليمية إلى الجمهور الفلسطيني وإلى الدول العربية، متجاوزاً رئيس السلطة الفلسطينية والقيادة الفلسطينية المتمسكان بمقاطعة الجهود الأميركية لدفع عملية السلام.
دبلوماسي أردني بارز أكّد لـ "إسرائيل اليوم" أنه خلال جولتهما الأخيرة في الشرق الأوسط، قدم مستشار وصهر الرئيس ترامب، جاريد كوشنر، ومبعوثه إلى المنطقة، جايسون غرينبلات، لقادة الدول العربية – بينهم الرئيس المصري السيسي؛ والملك الأردني عبد الله؛ ومسؤولين سعوديين – مبادئ "صفقة القرن" التي تبلورها الإدارة في واشنطن. وحسب قول الدبلوماسيين العرب الكبار الذين تحدثوا مع "إسرائيل اليوم" وأكدوا هذا، كوشنر وغرينبلات حصلا على دعم الدول العربية المعتدلة لدفع عملية السلام حتى من دون أبو مازن والقيادة الفلسطينية في رام الله، وذلك من خلال "تحييد قضية قطاع غزة".
"نريد تسوية سياسية"
مصدر أردني رفيع المستوى أضاف أن الأميركيين أدركوا أن مفتاح دفع عملية السلام الإقليمية، حتى من دون موافقة أبو مازن وقيادة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، يكمن في تسوية مسألة قطاع غزة والسيطرة عليه، الذي لم يكن بيد السلطة الفلسطينية لأكثر من عقد. الوضع الإنساني السائد في (قطاع) غزة يسبب الكثير من الصداع لقادة دول عربية معتدلة، المضطرين لمواجهة مشاكل داخلية ويرغبون في رؤية تسوية سياسية شاملة تؤدي إلى الرفع الحصار – ولو جزئياً – عن قطاع غزة وتحسين الظروف المعيشية فيه.
بحسب مصادر عربية مطلعة على الجهود الأميركية، فإن خطة تسوية واقع الحياة في غزة ستشمل في البداية اتفاق تهدئة طويل الأمد بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية. هذا الاتفاق، الذي سيتحقق بوساطة الدول العربية المعتدلة، يتضمن أيضاً تنفيذ سلسلة من المشاريع الاقتصادية وخطط إعادة إعمار قطاع غزة، بدعمٍ وتمويل من المنظمات الدولية والمجتمع الدولي، فضلاً عن إمكانية نقل السلع إلى غزة عن طريق البحر من خلال رصيف مخصص لغزة في أحد مرافئ قبرص، حيث تخضع البضائع المرسلة إلى قطاع غزة والخارجة منه لفحصٍ أمني.
مصدر أردني كبير قال لـ "إسرائيل اليوم" إن "خطة سلام إقليمية سيكون بالإمكان أن تخرج على حيز التنفيذ فقط إذا تضمنت تسوية واقع الحياة في قطاع غزة. لم يعد بالإمكان استمرار الحصار والإغلاق. القطاع على حافة انهيارٍ إنساني، وليس إسرائيل فقط ستدفع ثمن ذلك بل وأيضاً دول عربية وفي الأساس السلطة الفلسطينية. لشديد الأسف، في رفضه لكل خطوة بوساطة الولايات المتحدة، وفي تصريحاته عن مقاطعة الأميركيين، أبو مازن أخرج نفسه من نية إخراج خطة السلام بواسطة تسوية واقع الحياة في قطاع غزة إلى حيز التنفيذ".
مصدر مصري كبير أكّد هو الآخر أسس الأمور وقال لـ "إسرائيل اليوم" أن "ترامب ورجاله أثبتوا أنهم قادرون على التفكير خارج الإطار والإتيان بحلولٍ خلاقة. مبعوثا الرئيس ترامب عرضا في جولتهما الأخيرة في المنطقة مبادئ صفقة القرن، فيما في المقام الأول إخراج تسوية الواقع في غزة إلى حيز التنفيذ كخطوة مسبقة لخطة السلام الإقليمية. عملياً، أبو مازن والسلطة لا يحكمان قطاع غزة منذ أكثر من عقد، والخلاصة هي ان أي تسوية في القطاع ستكون في نهاية المطاف مع من يحكم على الأرض، أي حماس والفصائل الفلسطينية. الفكرة التي أتت بها إدارة ترامب عن تسوية في قطاع غزة أولاً تحظى بدعم وتأييد دول عربية".
بحسب نفس المصادر العربية المطلعة، فكرة تسوية واقع الحياة في قطاع غزة كجزء من خطة السلام الإقليمية - وكمرحلتها الأولى والرئيسية - تهدف لتمكين تنفيذ خطة السلام و"تسويقها" للجمهور الفلسطيني وفي الدول العربية، على الرغم من احتمال عدم تشكيل أبو مازن والقيادة الفلسطينية في الضفة الغربية جزءاً منها. وقالت المصادر "إن فكرة التسوية في قطاع غزة تشمل في الأساس تخفيف الحصار على قطاع غزة، إلى جانب تنفيذ عشرات المشاريع الاقتصادية التي خُطط لها بالفعل وخُصصت لها ميزانية، وهي تنتظر فقط الضوء الأخضر ".
"أبو مازن يجب أن يستفيق"
على ضوء كل هذا، قال مسؤول فلسطيني كبير في رام الله لـ "إسرائيل اليوم إن "هناك قلق وخشية في مكتب الرئيس من الخطوات التي يخطط لها ترامب... لقد سبق وثبت أن ترامب يعمل بطريقة دبلوماسية غير عادية. الدول العربية، وإيران وكوريا الشمالية، فهموا هذا، وحتى في أوروبا يسلّمون بهذا الأسلوب الدبلوماسي غير المعتاد للرئيس الأميركي".
"فقط أبو مازن بقي على رفضه، والشعب الفلسطيني سيدفع الثمن. هذه ليست القيادة التي أمّلها أبو مازن، وبالتأكيد هذا ليس الإرث الذي يريد أن يتركه وراءه، لكن يجب عليه أن يستفيق ويبدأ بالتساوق مع ترامب والدول العربية قبل فوات الأوان".
ما هي مباحثات الدولة مع الكُرد بموازاة سيطرتها على الجنوب السوري؟
بينما تفرض الدولة السورية سيطرتها في الجنوب عند الحدود مع الأراضي المحتلة والأردن، تشهد منطقة الشمال السوري وشرق الفرات مباحثات وتشبيك علاقات من أجل عودة الدولة إلى الشمال وشرقي الفرات. فالمباحثات واللقاءات المتكررة بين مسؤولين سوريين وممثلين عن الأحزاب الكردية السورية، تمهّد لوضع خريطة طريق في شرق الفرات من الحسكة إلى الرقة وريف حلب الشمالي والشرقي من عين العرب إلى عفرين.
احتلال تركيا والجماعات المسلحة العاملة معه لمدينة عفرين شمال حلب، شكّل نقطة تحوّل في الموقف الكردي من العلاقة مع الدولة السورية من جهة، ومع كل من واشنطن وموسكو من جهة أخرى فبينما تفقد القيادات الكردية الثقة بأميركا وروسيا، يزداد تقربها من الدولة السورية وإيران. فالمعلومات تشير إلى أن التنسيق بين الدولة والكرد بلغ ذروته خلال العدوان التركي على عفرين وما بعده، ولم يقتصر التنسيق على الدولة والقيادات الكردية إنما تعداها إلى فتح خطوط تواصل مع الجانب الإيراني أيضاً. فبدت وحدات حماية الشعب ومن خلفها الأحزاب الكردية، تبحث عن حضن يضمن الحفاظ على التوزع الديموغرافي شمالي سوريا، بما يحول دون تهجير قصري للكرد من مدنهم وقراهم في عفرين وعين العرب وريفها وصولاً إلى القامشلي والحسكة.
الحفاظ على ديموغرافية المنطقة هو هدف وطني للدولة السورية قبل أن يكون مطلباً كردياً وقد تجلّت مساعي الدولة بعد احتلال تركيا لعفرين، في فتح قرى ريف حلب الشمالي المحاذية لعفرين، أمام المدنيين الكرد لمنع هجرتهم بعيدا عن مدينتهم كما قامت بتأمين كافة مستلزمات صمود المدنيين على مشارف عفرين. فانضمّ عناصر وحدات حماية الشعب من السوريين إلى صفوف الجيش السوري والقوات الرديفة، مما سحب من يد أنقرة ذريعة مهاجمة المناطق التي نزح إليها أهالي عفرين، كما سارعت الدولة السورية إلى افتتاح مؤسسات الدولة في ريف حلب الشمالي، إضافة إلى انتشار سريع للجيش السوري في المنطقة من تل رفعت إلى دير الجمال وصولا إلى فافين.
هذه الخطوات التي شكلت عائقاً أمام الطموح التركي بدخول بلدة تل رفعت الاستراتيجية في ريف حلب الشمالي، فبات صعبا على الحليف الروسي أن يقف على الحياد أمام محاولة تركيا تهديد تل رفعت. لكن العامل الآخرالذي شكّل عائقا أمام طموحات الرئيس التركي بضم تل رفعت، تجلى بالموقف الإيراني الحاسم الذي يدعم بقوة بسط الدولة السورية سلطتها على المنطقة وكافة الجغرافيا السورية. وأمام هذه المتغيرات اتجه الطموح التركي للتعويض عن تل رفعت من خلال منبج. وقد نجح التقارب بين تركيا وواشنطن بإخراج وحدات حماية الشعب من المدينة في التمهيد إلى اتفاق الطرفين على دخول القوات التركية الى منبج، لضمان بسط سيطرتها على شمال غرب سوريا من الفرات إلى عفرين شمالا مرورا بإدلب وأرياف حلب وحماة في العمق.
أمام الأطماع التركية في الشمال السوري بالاتفاق مع واشنطن، ارتفعت وتيرة التنسيق بين الدولة والأحزاب الكردية. فالمعلومات تؤكد أن لقاءات على مستوى رفيع جمعت خمسة من المسؤولين في إدارة منبج المدنية والعسكرية ومعهم الرئيس المشترك للمجلس العسكري لقسد المعروف باسم فرهاد مع مسؤولين سوريين في حلب. وقد بحث اللقاء سبل الحيلولة دون تحقيق تركيا أهدافها في السيطرة على منبج، بل وذهب أبعد من ذلك في بحث منع تركيا من دخول شرق الفرات والسيطرة على الشريط الحدودي مع سوريا بالكامل. وتشير المعلومات إلى تفاهم على آلية تمهّد خلالها الأحزاب الكردية لدخول الدولة السورية إلى القرى والبلدات الكردية شرق الفرات في عين العرب، رأس العين ، والقامشلي، وعشرات القرى في المنطقة. إلى جانب ذلك جرى البحث في آلية عودة مؤسسات الدولة السورية إلى محافظة الرقة وريفها عند مدينة الطبقة الاستراتيجية.
هذه النقاط تشكّل عائقا أمام أي تنسيق اميركي تركي يتيح لأنقرة احتلال الشريط الحدودي مع سوريا. فالمصادر تؤكد أن بوادر إيجابية حكمت اللقاءات بين المسؤولين السوريين وممثلين عن الأحزاب الكردية، وأن التنسيق بين الطرفين يزداد لقطع الطريق على الأطماع التركية في الشمال السوري. إذ ظهر في مدينة الرقة التي سجلت بعد أقل من أسبوع على لقاء حلب، مرور أرتال عسكرية تابعة لقسد تردد شعارات مؤيدة للرئيس السوري بشار الأسد في إشارة واضحة أن منطقة شرق فرات تشكل هدفا أساسيا للدولة السورية، تسعى لاستعادتها من خلال فتح باب الحوار مع الأهالي في المنطقة وقطع الطريق على الجهود التركية للسيطرة على المنطقة بالاتفاق مع الإدارة الاميركية. ففي هذا الأمر تبرز أهمية الجهود السورية الرامية لإعادة بناء جسور عودة الثقة بين الأحزاب الكردية مع روسيا استناداً إلى أن روسيا هي الضامن الدولي القادر على فرض شروط جديدة على واشنطن لرسم خريطة النفوذ في سوريا.
إسرائيل تضع شروطها أمام أمريكا للموافقة على مشروع نووي سعودي
قدمت إسرائيل، شروطها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، للموافقة على إقامة المملكة العربية السعودية مشروعا نوويا سلميا.
جاء ذلك حسب تصريحات مسؤول إسرائيلي، للقناة العاشرة العبرية، الليلة الماضية، لم تكشف عن هويته.
وقال المسؤول، إن وزير الطاقة يوفال شتاينتس، وهو رئيس عن لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية أيضا، التقى قبل أسبوعين وزير الطاقة الأمريكي ريك فري، الذي يتولى إدارة المفاوضات مع السعودية.
وعرض شتاينتس، "الخطوط الحمراء" الإسرائيلية، بالنسبة للمشروع النووي السعودي.
وتضمنت هذه الخطوط الحمراء، منع السعودية من تخصيب اليورانيوم، وإطلاع إسرائيل على كافة تفاصيل الصفقة بشكل مسبق، وإجراء مشاورات مسبقة حول الموقع المنوي إقامة المفاعلات النووية السعودية فيه.
وطالبت إسرائيل واشنطن أيضا بالتنسيق والشفافية التامة فيما يتعلق بالمفاوضات مع السعودية، كما طلبت أن تزود الولايات المتحدة السعودية بالوقود النووي، وبإخراج الوقود النووي بعد استخدامه من السعودية حتى لا تتم معالجته من جديد.
ووعد وزير الطاقة الأمريكي، نظيره الإسرائيلي بأن تأخذ الولايات المتحدة الموقف الإسرائيلي بالاعتبار، وتُبلغ تل أبيب بتطور المفاوضات مع السعوديين حول المشروع النووي، حسبما ذكر المسؤول الإسرائيلي للقناة العاشرة.
وتخشى إسرائيل إمكانية تطوير السعودية برنامجا عسكريا نوويا في ظل التوتر مع إيران.
وكانت السعودية هددت بـ"صنع قنبلة نووية"، حال استأنفت إيران برنامجها النووي.
ففي 9 مايو/ أيار 2018، قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في حوار مع شبكة "سي آن آن" الأمريكية، إنه "إذا استأنفت إيران برنامجها النووي، ستقوم السعودية بصنع قنبلة نووية".
وقبل أربعة أشهر، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، معارضته للصفقة النووية الأمريكية مع السعودية.
وعبر نتنياهو، خلال لقائه ترامب في البيت الأبيض، في مارس/آذار الماضي، عن قلقه الشديد من المفاوضات بين الإدارة الأمريكية والسعودية للتوصل إلى صفقة لتزويد الرياض بمفاعلات نووية.
وطلب نتنياهو، في حينه من ترامب، عدم إبرام هذه الصفقة، فرد عليه ترامب، بالقول إنه إن لم تبرم السعودية هذه الصفقة مع الولايات المتحدة، فستبرمها مع دول أخرى مثل روسيا أو فرنسا.
فتح الأندلس على يد المسلمين (23/ شوال/ سنة 92هـ)
غزا طارق بن زياد مولى موسى بن نصير الأندلس في اثني عشر ألفاً، فلقي ملك الأندلس واسمه أذرينوق([1]) - وكان من أهل أصبهان وهم ملوك عجم الأندلس - فزحف له طارق بجميع من معه وزحف الأذرينوق في سرير الملك وعليه تاجه وجميع الحلية التي كان يلبسها الملوك فاقتتلوا قتالاً شديداً فقتل الأّذرينوق وفتح الأندلس سنة اثنتين وتسعين، قالوا: أول من سكنها قوم يعرفون بالأندلش([2]) - بشين معجمة - فسمي البلد بهم ثم عرب بعد ذلك بسين مهملة، والنصارى يسمون الأندلس إشبانية باسم رجل صلب فيها يقال له: إشبانس، وقيل: باسم ملك كان بها في الزمان الأول اسمه إشبان بن طيطس، وهذا هو اسمها عند بطليموس، وقيل: سميت بأندلس بن يافث بن نوح وهو أوّل من عمرها.
وبعد أكثر من خمسمئة عامٍ من حكم المسلمين على هذا البلد سقطت الأندلس في 17 من شهر صفر السنة 636هـ على يدي الإفرنج وكان لسقوطها عدة أسباب منها انفصالها عن الدولة الإسلامية الكبرى وغيرها من الأسباب عليك بمراجعة الكتب المدّونة في هذا الموضوع وقد أشرنا إلى تاريخ سقوط الأندلس وأسبابه في مناسبات شهر صفر فليراجع.
أين تقع الجنة والنار؟
في سياق تفسير الآية 133 من سورة آل عمران: ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين﴾، يتعرض صاحب تفسير الأمثل لسؤال قد يطرأ على أذهان البعض وهو: إذا كانت الجنة والنار موجودتان، فأين تقعان؟ وهل هما ضمن حيز مكاني، أم أنهما خارج هذا الإطار؟
إذا ثبت أن الجنة والنار موجودتان بالفعل يطرح سؤال وهو: أين تقعان إذن؟ ويمكن الإجابة على هذا السؤال على نحوين:
الأول: إن الجنة والنار تقعان في باطن هذا العالم ولا غرابة في هذا، فإننا نرى السماء والأرض والكواكب بأعيننا، ولكننا لا نرى العوالم التي توجد في باطن هذا العالم، ولو أننا ملكنا وسيلة أخرى للإدراك والعلم لأدركنا تلك العوالم أيضا، ولوقفنا على موجودات أخرى لا تخضع أمواجها لرؤية البصر، ولا تدخل ضمن نطاق حواسنا الفعلية، والآية المنقولة عن سورة "التكاثر" وهي قوله سبحانه: ﴿كلا لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم﴾ هي الأخرى شاهدة على هذه الحقيقة ومؤيدة لهذا الرأي. كما ويستفاد من بعض الأحاديث أيضا أنه كان بين الأتقياء والأولياء من قد زودوا ببصيرة ثاقبة، ورؤية نفاذة استطاعوا بها أن يشاهدوا الجنة والنار مشاهدة حقيقية. ويمكن التمثيل لهذا الموضوع بالمثال الآتي: لنفترض أن هناك في مكان ما من الأرض جهازا قويا للإرسال الإذاعي يبث في العالم - وبمعونة الأقمار الفضائية والأمواج الصوتية - تلاوات شيقة لآيات القرآن الكريم. بينما يقوم جهاز قوي إذاعي آخر ببث أصوات مزعجة وصاخبة بنفس القوة. لا شك أننا لا نملك القدرة على إدراك هذين النوعين من البث بحواسنا العادية، ولا أن نعلم بوجودهما إلا إذا استعنا بجهاز استقبال فإننا حينما ندير المؤشر على الموج المختص بكل واحد من هذين البثين نستطيع فورا أن نلتقط ما بثته كل واحدة من تينك الاذاعتين ونستطيع أن نميز بينهما بجلاء، ودون عناء. وهذا المثال وإن لم يكن كاملا من جميع الجهات إلا أنه يصور لنا حقيقة هامة، وهي أنه قد توجد الجنة والنار في باطن هذا العالم غير أننا لا نملك إدراكها بحواسنا، بينما يدركها من يملك الحاسة النفاذة المناسبة.
الثاني: إن عالم الآخرة والجنة والنار عالم محيط بهذا الكون، وبعبارة أخرى: إن كوننا هذا يقع في دائرة ذلك العالم، تماما كما يقع عالم الجنين ضمن عالم الدنيا، إذ كلنا يعلم أن عالم الجنين عالم مستقل له قوانينه وأوضاعه ولكنه مع ذلك غير منفصل عن هذا العالم الذي نحن فيه، بل يقع في ضمنه وفي محيطه ونطاقه، وهكذا الحال في عالم الدنيا بالنسبة إلى عالم الآخرة. وإذا وجدنا القرآن يقول: بأن سعة الجنة سعة السماوات والأرض فإنما هو لأجل أن الإنسان لا يعرف شيئا أوسع من السماوات والأرض ليقيس به سعة الجنة، ولهذا يصور القرآن عظمة الجنة وسعتها وعرضها بأنها كعرض السماوات والأرض، ولم يكن بد من هذا، فكما لو أننا أردنا أن نصور للجنين - فيما لو عقل - حجم الدنيا التي سينزل إليها، لم يكن لنا مناص من التحدث إليه بالمنطق الذي يدركه وهو في ذلك المحيط. ثم إنه تبين من ما مر الجواب على السؤال الآخر، وهو إذا كانت الجنة عرضها السماوات والأرض فأين تكون النار؟ لأنه حسب الجواب الأول يتضح أن النار هي الأخرى تقع في باطن هذا العالم، ولا ينافي وجودها فيه وجود الجنة فيه أيضا (كما تبين من مثال جهازي الإرسال). وأما حسب الجواب الثاني (وهو كون عالم الجنة والنار محيطا بهذا العالم الذي نعيش فيه) فيكون الجواب على هذا السؤال أوضح لأنه يمكن أن تكون النار محيطة بهذا العالم، وتكون الجنة محيطة بها فتكون النتيجة أن تكون الجنة أوسع من النار.
آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - بتصرّف
الحج بَراءَةُ مِنَ المُشرِكين
﴿بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ ورَسولِهِ إلَى الّذينَ عاهَدتُم مِنَ المُشرِكينَ * فَسيحوا فِي الأَرضِ أربَعَةَ أشهُرٍ واعلَموا أنّكُم غَيرُ مُعجِزِي اللّهِ وأنّ اللّهَ مُخزِي الكافِرينَ * وأذانٌ مِنَ اللّهِ ورَسولِهِ إلَى النّاسِ يَومَ الحَجّ الأَكبَرِ أنّ اللّهَ بَري ءٌ مِنَ المُشرِكينَ ورَسولُهُ فَإِن تُبتُم فَهُوَ خَيرٌ لَكُم وإن تَوَلّيتُم فَاعلَموا أنّكُم غَيرُ مُعجِزِي اللّهِ وبَشّرِ الّذينَ كَفَروا بِعَذابٍ أليمٍ﴾.
﴿قَد كانَت لَكُم اُسوَةٌ حَسَنَةٌ في ابراهيمَ والّذينَ مَعَهُ إذ قالوا لِقَومِهِم إنّا بُرَآءُ مِنكُم ومِمّا تَعبُدونَ مِن دونِ اللّهِ كَفَرنا بِكُم وبَدا بَينَنا وبَينَكُمُ العَداوَةُ والبَغضاءُ أبَدًا حَتّى تُؤمِنوا بِاللّهِ وَحدَهُ إلّا قَولَ إبراهيمَ لِأَبيهِ لَأَستَغفِرَنّ لَكَ وما أملِكُ لَكَ مِنَ اللّهِ مِن شَي ءٍ رَبّنا عَلَيكَ تَوَكّلنا وإلَيكَ أنَبنا وإلَيكَ المَصيرُ﴾.
العَيّاشِيّ: حَريزٌ عَن أبي عَبدِاللّهِ عليه السلام قالَ: إنّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه واله بَعَثَ أبا بَكرٍ مَعَ "بَراءَةٌ" إلَى المَوسِمِ لِيَقرَأَها عَلَى النّاسِ، فَنَزَلَ جَبرَئيلُ فَقالَ: لا يُبَلّغُ عَنكَ إلّا عَلِيّ، فَدَعا رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه واله عَلِيّا، فَأَمَرَهُ أن يَركَبَ ناقَةَ العَضباءِ، وأمَرَهُ أن يَلحَقَ أبا بَكرٍ فَيَأخُذَ مِنهُ "بَراءَةٌ" ويَقرَأَهُ عَلَى النّاسِ بِمَكّةَ. فَقالَ أبو بَكرٍ: أسَخطَةٌ؟ فَقالَ: لا، إلّا أنّهُ اُنزِلَ عَلَيهِ: لا يُبَلّغُ إلّا رَجُلٌ مِنكَ.
فَلَمّا قَدِمَ عَلى مَكّةَ وكانَ يَومُ النّحرِ بَعدَ الظّهرِ، وهُوَ يَومُ الحَجّ الأَكبَرِ قامَ، ثُمّ قالَ: إنّي رَسولُ رَسولِ اللّهِ إلَيكُم. فَقَرَأَها عَلَيهِم: ﴿بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ ورَسولِهِ إلَى الّذينَ عاهَدتُم مِنَ المُشرِكينَ * فَسيحوا فِي الأَرضِ أربَعَةَ أشهُرٍ﴾ عِشرينَ مِن ذِي الحِجّةِ ومُحَرّمٍ وصَفَرٍ وشَهرِ رَبيعِ الأَوّلِ، وعَشرًا مِن شَهرِ رَبيعِ الآخَرِ. وقالَ: لا يَطوفُ بِالبَيتِ عُريانٌ ولا عُريانَةٌ، ولا مُشرِكٌ إلّا مَن كانَ لَهُ عَهدٌ عِندَ رَسولِ اللّهِ، فَمُدّتُهُ إلى هذِهِ الأَربَعَةِ الأَشهُرِ.
وفي خَبَرِ مُحَمّدِ بنِ مُسلِمٍ: فَقالَ: يا عَلِيّ، هَل نَزَلَ فِيّ شَي ءٌ مُنذُ فارَقتُ رَسولَ اللّهِ؟ قالَ: لا، ولكِن أبَى اللّهُ أن يُبَلّغَ عَن مُحَمّدٍ إلّا رَجُلٌ مِنهُ. فَوافَى المَوسِمَ فَبَلّغَ عَنِ اللّهِ وعَن رَسولِهِ بِعَرَفَةَ والمُزدَلِفَةِ ويَومَ النّحرِ عِندَ الجِمارِ، وفي أيّامِ التّشريقِ كُلّها يُنادي: ﴿بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ ورَسولِهِ إلَى الّذينَ عاهَدتُم مِنَ المُشرِكينَ * فَسيحوا فِي الأَرضِ أربَعَةَ أشهُرٍ﴾ ولا يَطوفَنّ بِالبَيتِ عُريانٌ.
أبُو الصّهباءِ البَكرِيّ: سَأَلتُ عَلِيّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام عَن يَومِ الحَجّ الأَكبَرِ، فَقالَ: إنّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه واله بَعَثَ أبا بَكرِ بنِ أبي قُحافَةَ يُقيمُ لِلنّاسِ الحَجّ، وبَعَثَني مَعَهُ بِأَربَعينَ آيَةً مِن "بَراءَةٌ"، حَتّى أتى عَرَفَةَ، فَخَطَبَ النّاسَ يَومَ عَرَفَةَ، فَلَمّا قَضى خُطبَتَهُ التَفَتَ إلَيّ، فَقالَ: قُم يا عَلِيّ وأدّ رِسالَةَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه واله. فَقُمتُ، فَقَرَأتُ عَلَيهِم أربَعينَ آيَةً مِن "بَراءَةٌ". ثُمّ صَدَرنا حَتّى أتَينا مِنى، فَرَمَيتُ الجَمرَةَ، ونَحَرتُ البُدنَةَ، ثُمّ حَلَقتُ رَأسي، وعَلِمتُ أنّ أهلَ الجَمعِ لَم يَكونوا حَضَروا خُطبَةَ أبي بَكرٍ يَومَ عَرَفَةَ، فَطَفِقتُ أتَتَبّعُ بِهَا الفَساطيطَ، أقرَؤُها عَلَيهِم.
تحقيق حول مراسم البراءة من المشركين
إعلان البراءة من المشركين في رؤية الإمام الخمينيّ أحد واجبات الحجّ السّياسيّة. وللتّعرّف على منطلقات هذه النّظريّة وعلى دور أداء هذه الفريضة المهمّة في تحقيق أهداف الإسلام ومقاصده في العالم المعاصر، ينبغي بحث عدد من النّقاط:
1- معنى الشرك والمشركين
الشّرك ضدّ التّوحيد، ومعناه الاعتقاد بالقوى الوهميّة. والموحّد هو المنقطع إلى الحقيقة وإلى التّوحيد. والمشرك عابد للوهم، ومنقاد للقوى الخياليّة والظّنّيّة.
والقوى الوهميّة الّتي يعبدها المشركون على ثلاثة أنواع، وبتعبير آخر: إنّ الأوثان في عالم الشّرك والمشركين ثلاثة أنواع: وثن النّفس، ووثن الجماد، ووثن القوى الطّاغوتيّة.
وقد تكون القدرة الوهميّة أحيانًا هي النّفس الأمّارة، كما أشار القرآن الكريم بقوله: ﴿أرَأَيتَ مَنِ اتّخَذَ إلهَهُ هَواهُ﴾، وقد تكون أحيانًا الأوثان المتّخذة من الجمادات، مثل "اللّات" و"هُبَل" اللّذين كانا يُعبدان في الحجاز قبل بعثة النّبيّ صلى الله عليه واله، وقد تكون في أحيان اُخرى وثن السّلطات غير المشروعة وحكم الطاغوت. وقد سمّى الإمام الخمينيّ قدّس سرّه القوى الاستكباريّة ب"الأوثان الجديدة".
الموحّد منقطع إلى الحقيقة وإلى التّوحيد، وليس عابد ذاته، ولا عابد جماد، ولا عابد سلطة. بل الموحّد يرى أنّ اللّه وحده مصدر القدرة، فيعبده وحده، ويذعن له بالطّاعة. ولا يرى النّفع والضّرر إلّا بيد اللّه، فلا يستعين إلّا به، ولا يخاف غيره، ولا يركن إلى أيّة قدرة غير قدرة اللّه، ولا يخشى إلّا اللّه.
ثمّ إنّ المشرك العابد للوهم المطأطئ أمام القدرات الخياليّة ربّما يعبد ذاته، وربّما يعبد ما صنعه بيده، وربّما يعبد المتسلّطين على العالم، وربّما يعبد الثلاثة جميعًا.
هذا ولكنّ الخطر الكبير الّذي يهدّد المجتمعات الموحّدة في هذا اليوم هو الشّرك العمليّ بثالث معانيه، أي عبادة الأوثان الجديدة والقوى الاستكباريّة والخضوع لها. وغاية البراءة من المشركين مجاهدة هذه القوى الطّاغية المتسلّطة على رقاب المسلمين، وتحقيق الاستقلال والعزّة والاقتدار لمسلمي العالم.
2- الأديان الإلهيّة والبراءة من المشركين
كان إبراهيم خليل الرحمن على نبيّنا وآله وعليه السّلام أوّل الأنبياء جهرًا بالبراءة من الشّرك والمشركين بحيث دعا القرآن المسلمين إلى الاقتداء بهذا النّبي العظيم بقوله: ﴿قَد كانَت لَكُم اُسوَةٌ حَسَنَةٌ في إبراهيمَ والّذينَ مَعَهُ إذ قالوا لِقَومِهِم إنّا بُرَآءُ مِنكُم ومِمّا تَعبُدونَ مِن دونِ اللّهِ﴾ واحتذت الاُمّة الإسلاميّة في إعلان البراءة من المشركين حذو هذه الاُسوة النّبويّة في التّاريخ، والنّاظر في القرآن الكريم يجد فيه أنّ البراءة من المشركين أحد ركنَى غ التّوحيد الأصيلَين؛ حيث قرن دعوة الأنبياء إلى التّبرّي من الطّاغوت إلى جوار دعوتهم إلى عبادة اللّه ﴿ولَقَد بَعَثنا في كُلّ اُمّةٍ رَسولًا أنِ اعبُدُوا اللّهَ واجتَنِبُوا الطّاغوت﴾.
و"الطّاغوت" لا ينحصر بالأوثان والأنصاب الّتي اصطُنِعت واتّخذت في عصر الجاهليّة، بل إنّ أجلى مظاهر الطّاغوت هو تلك السّلطات المشركة الّتي تسوق المجتمع إلى وجهة مغايرة لوجهة أنبياء اللّه تعالى. وهذا قول الصّادق عليه السلام في بيان معنى الطّاغوت في الآية السّابعة عشرة من سورة الزّمر: ﴿والّذينَ اجتَنَبُوا الطّاغوتَ أن يَعبُدوها﴾: من أطاع جبّارًا فقد عَبَده.
والمهمّة الأساسيّة هو التّعرّف على المؤامرة المعقّدة الّتي حيكت في تاريخ المسلمين للتّستّر على أجلى مظاهر الطّاغوت والشّرك، لئلّا تشعر المجتمعات الإسلاميّة الخطر من هذه النّاحية، فتظلّ نظرتها إلى البراءة من المشركين حبيسة في نطاق البراءة من أصنام عصر الجاهليّة الاُولى. وقد كشف الإمام الصّادق عليه السلام في عصره عن هذه المؤامرة الخطرة، وأعلن بصوتٍ جهير:"إنّ بَني اُمَيّةَ أطلَقوا لِلنّاسِ تَعليمَ الإيمانِ ولَم يُطلِقوا تَعليمَ الشّركِ؛ لِكَي إذا حَمَلوهُم عَلَيهِ لَم يَعرِفوهُ".
3- زمان البراءة من المشركين ومكانها
ممّا لا ريب فيه أنّ البراءة من المشركين ليست محدودة بزمان أو مكان معيّنين بل يجب على المسلمين، في كلّ زمان ومكان حيثما تقتضي الضرورة إعلان براءتهم الفرديّة والجماعيّة من المشركين. ولا مراء أنّه إذا حدّد وليّ أمر المسلمين زمانًا ومكانًا واُسلوبًا معيّنًا لأداء هذه الفريضة فإنّ إطاعة وليّ الأمر هنا تكون واجبة.
بيد أنّ المسألة المهمّة هي: أيّ مكان وأيّ زمان أنسب وأجدر لإظهار مسلمي العالم براءتهم العامّة من المشركين؟ يمكن القول إنّ بيت التّوحيد هو المكان الأنسب، وإنّ موسم الحجّ خير زمان لإظهار مسلمي العالم براءتهم من الشّرك والمشركين. يقول الإمام الخمينيّ رضوان اللّه تعالى عليه في هذا السّياق:
"أيّ بيت أجدر من الكعبة وبيت الأمن والطّهر والناس لمجانبة العدوان والظلم والاستغلال والاسترقاق والضّعة واللّاانسانيّة، في القول والعمل، ولتجديد ميثاق (ألَستُ بِرَبّكُم، ولتحطيم الآلهة والأرباب المتفرّقين، ولإحياء واستذكار أهمّ وأعظم حركة سياسيّة للنبيّ صلى الله عليه واله في ذلك أنّ سنّة النّبيّ صلى الله عليه واله وإعلان البراءة لا تَبلى. وليس إعلان البراءة مقصورًا على أيّام ومراسم بعينها، بل ينبغي على المسلمين أن يملؤوا آفاق العالم كلّها بمحبّة ذات اللّه وبعشقه، وبالنّفرة والبغض العمليّ لأعداء اللّه...
وعلى أيّ حال، إنّ إعلان البراءة في الحجّ هو تجديد ميثاق المكافحة وتدريب على تشكيل المجاهدين لاستمرار محاربة الكفر والشّرك وعبادة الأوثان. وهذا لا يتلخّص بالشّعار وحده، بل هو بداية إعلان منشور المقارعة والتّنظيم لجند اللّه في قبالة إبليس وجنوده، وهو من الاُصول الأوّليّة للتّوحيد. وإذا لم يُظهر المسلمون البراءة في بيت النّاس وبيت اللّه... فأين يمكن أن يظهروها؟! وإذا لم يكن الحرم والكعبة والمسجد والمحراب خندقًا ومأمنًا لجنود اللّه وللمدافعين عن حِمى الأنبياء وحرمتهم... فأين يكون إذن مأمنهم وملجؤهم؟!
وزبدة المقال: إنّ إعلان البراءة هي المرحلة الاُولى للمقارعة، وإنّ تواصلها مرحلة اُخرى، وهو تكليفنا. إنّ البراءة في كلّ عصر و زمان تتطلّب منّا مظاهر وأساليب ومناهج متناسبة، وينبغي أن نرى ماذا علينا أن نعمل في عصر مثل عصرنا الّذي ألقى فيه رؤوس الكفر والشّرك كلّ ما للتّوحيد في المخاطر واتّخذوا من كلّ المظاهر الوطنيّة والثّقافيّة والدّينيّة والسّياسيّة لعبة لأهوائهم وشهواتهم؟
أعلينا أن نقعد في بيوتنا ساكتين عن التّحليلات الغالطة وعن إهانة مقام الإنسان ومنزلته، وعن بثّ روح العجز والضّعف بين المسلمين، ممّا يقوم به الشّيطان وأبناء الشّيطان، ونمنع المجتمع من الوصول الى الخلوص الّذي هو غاية الكمال ونهاية الآمال... متصوّرين أنّ مجاهدة الأنبياء للأوثان وعبَدة الأوثان لا يتعدّى مجاهدة الحجارة والأخشاب المجرّدة من الرّوح، وأنّ الأنبياء، من مثل إبراهيم، قد عمدوا إلى تحطيم الأوثان، لكنّهم نعوذ باللّه وقفوا إلى جانب الظّالمين متخلّين عن ساحة الجهاد؟! والحال أنّ كلّ ما قام به إبراهيم من تحطيم الأصنام ومن المقارعة والمحاربة للنّمروديّين وعبَدة القمر والشّمس والنّجوم... إنّما هي مقدّمة لهجرة كبرى. وكلّ ما صنعه من هجرة، والتّحمّل للمشاقّ، والسّكن في وادٍ غير ذي زرع، وبناء البيت، والتّضحية بإسماعيل... إنّما هي مقدّمة للبعثة والرّسالة الّتي كرّر فيها خاتم الأنبياء خطاب أوّل وآخر بُناة الكعبة ومشيّديها، وأبلغ رسالته الأبديّة بكلمات أبديّة: ﴿إنّني بَري ءٌ مِمّا تُشرِكون﴾.
وإذا فسّرنا البراءة بغير هذا فلا أوثان في زماننا المعاصر أصلاً. تُرى أيّ إنسان عاقل لم يتعرّف على الوثنيّة الجديدة في أشكالها وتزويرها ومكائدها، ولا علم له بسلطة بيت الأوثان كما هو البيت الأسود (في واشنطن) تتحكّم على البلدان الإسلاميّة، وعلى دماء المسلمين وأعراضهم، وعلى العالم الثّالث؟! 1.
1-الحج والعمرة في الكتاب والسنة / العلامة محمد الريشهري.
الحج نموذج الحضارة الاسلامية
لقد رسم لنا القرآن الكريم معالم حضارية سامية، قوامها رفض الشرك بالله العظيم، والنهي عن الظلم، ومنع الاعتداء، والوقوف بوجه استعباد الناس من قبل بعضهم البعض..
هذه الحضارة التي بشر بها الاسلام، لا تزال حلماً يتمناه كل انسان. على الرغم من ان الموجة التي احدثتها رسالة السماء في اول انطلاقتها، وفي فجر بعثتها؛ هذه الموجة اعطت البشرية المزيد من التقدم والرقي والتكامل في مختلف ابعاد حياتها.
فيا ترى اين هذه الحضارة، وهل يمكن ان تتحقق مرة اخرى؟
بادئ ذي بدء؛ لا يصح القول ان هذه الحضارة مستحيلة التحقق. لماذا؟
لانها لو كانت مستحيلة فعلا لما بشر بها الاسلام، وما خلدها القرآن في آياته، وما اعلن عنها رسول الله صلى الله عليه وآله لأجيال المسلمين. وفي هذا برهان كاف لإمكانية عودة هذه الحضارة من جديد، اذا ما توفرت شروطها في أي عصر واي مصر.
الحضارة الاسلامية افق بعيد:
ونظرتنا للحضارة الاسلامية يجب ان لا تتأطر بحدودها التاريخية، او تجاربها المعاصرة. فمن الخطأ ان نحاول وضع ما جرى في التاريخ الاسلامي الاول موضع تطبيق كامل للاسلام، او القول بان النموذج الكذائي الذي كان في الفترة الكذائية في التاريخ او النموذج المعاصر لنا هنا او هناك هو النموذج الذي بشر به الاسلام. لماذا؟
لانه يسلب الابداع من الانسان، ويعرقل حركته، مما لا يدعه يعمل من اجل المستقبل.
في حين ان الحضارة التي بشر بها الاسلام، انما هي افق عظيم وبعيد وعال، وهذا الافق لابد لنا ان نتحرك نحوه، وان نحصل منه على ما نستطيعه.
التوحيد سنام حضارة الاسلام:
ومن ابرز ما في الاسلام، انه يريد للانسان ان يعبد الله تعالى وحده. وكل الانبياء عليهم السلام، انما بعثهـم الله عز وجل لاجل تكريس هذه الحقيقيـة. وقد جعل ربنـا التوحيد كلمة سـواء بين الاديان السماويـة، حيث قال جل وعلا: ﴿قُلْ يَآ أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ اَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَيَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّواْ فَقُولُوا اشْهَدُواْ بِاَنَّـا مُسْلِمُـونَ ﴾ (آل عمران/64)
هذا المعلم الحضاري، انما يعني ان الناس كلهم سواسية في الخلق. وعليه لا يحق لاحد ان يعبد هذا او ذاك من الناسٍ، اذ ان العبادة خاصة بالله تعالى.
من هنا فان العربي لا يحق له ان يستكبر على الاعجمي، والاعجمي لا يقبل منه ان يتفاخر على العربي. وذلك لان الله عز وجل خلق الناس كأسنان المشط، سواء كانوا اتراك او هنود او افغان او روس او.. وقد قال الامام أمير المؤمنين عليه السلام: " - النـاس- صنفان: اما أخ لك في الدين او نظير لك في الخلق".
فان لم يكن أي انسان اخ لك في الدين، فهو نظير لك في الخلق، حيث له عينان ولسان وشفتان.. وله مثلما لك من تطلعات واهداف وطموحات.
الى هذا وامثاله تدعو حضارة الاسلام.
الحج نموذج الحضارة:
والحج من ابرز تجليات الحضارة الاسلامية، اذ جعل الله جل وعلا البيت الحرام نموذجاً لتحقيق التطلع الاسمى لهذه الحضارة.
وبهذا اراد الاسلام ان يجعل للبشرية قدوة ومثالاً وطريقـاً لكي يرجعوا اليه، حتى لا يقول احد بانه يستحيل ان تكون مثل هذه الحضارة فوق الارض. فحينما تذهب الى مكة المكرمة، وتطوف حول البيت الحرام، انظر الى من هم حولك في الطواف، حيث تجد الابيض والاسود، الغني والفقير، الكبير والصغير، العربي والاعجمي.. الكل يطوفون مع بعض حول ذلك البيت المكرم دون أي مائز يذكر.
وهذا المشهد العظيم يتكرر ايضاً في عرفات والمشعر الحرام ومنى، حيث تجد ملايين الناس بمختلف جنسياتهم والوانهم يجتمعون الى بعض لتأدية مراسيم فريضة الحج.
والى هذه الصورة الحضارية اشار الامام الحسين عليه السلام في دعائه في يوم عرفه، حيث قال: " يامن عجت اليه الاصوات بمختلف اللغات".
وعلى الرغم من ان هذا التجمع العظيم الذي ضم جنسيات متعددة، ولغات مختلفة.. يعطي صورة رائعة لحضارة الاسلام، عمد الاسلام الى ان يجعل حتى ثيابهم من نوع واحد خلال أداء مناسك الحج، والكل يردد نفس الكلمات: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك.. وهم يتحركون باتجاهات موحدة.
هذا النموذج الحي يجعل الانسان يؤمن بكل وجوده بامكان تشكيل حضارة تجمع الناس كلهم، دون أي فوارق عرقية او طبقية او عنصرية..
مكة مركز الانتشار الحضاري:
لا شـك ان ما يجري في مكـة المكرمة او في وادي عرفـات او المشعـر الحرام.. خلال ايام الحج، انما يعكس جزءاً صغيراً من مظاهر الحضارة الاسلامية، وفي هذا دليل كاف على امكانية ان تكون مكة المكرمة مركزاً للانتشار الحضاري في كل مكان.
وقد جاء في المأثور كما الحديث المروي عن أبي عبد الله الامام الصادق عليه السلام قال: " ان الله عز وجل دحى الأرض من تحت الكعبة". وهذا يعني ان الله سبحانه دحى ونشر الارض من تحت مكة المكرمة. كيف هذا من الناحية الجيولوجية، لا اعرف. ولكن لا أشك في ان مكة المكرمة بأجواءها الروحانية، ومعالمها الرسالية تبعث بالأمل والايمان والتوحيد.. في نفوس الملايين من الناس. وقد تلمس هذا بوضوح من خلال توجه المسلمين اليها في اداء صلواتهم اين ما كانوا.
مكة من الحرمات الالهية:
وقد اولى الله تعالى مكة المكرمة مكانة خاصة، حتى جعلها من الحرمات تشريعياً وتكوينياً. فكل من يأتي اليها يتمتع بالأمن والسلامة، وكل من يعيش فيها يتمتع بالطمأنينة والاستقرار. لذلك تجد الناس يتوافدون عليها من اقطار الارض دون وجل. واذا سوّلت لاحد نفسه بالاعتداء على مكة، سرعان ما سينال جزاءه من الانتقام الالهي. وقد اخبرنا ربنا عز وجل بقصة اصحاب الفيل، حينما قادهم ابرهة ملك الحبشة ليهجم على مكة بقواته المدججة بالسلاح، وبفيلته المدربة على القتال.. ليمحي منها الكعبة المشرفة؛ مركز التوحيد ومعلم العبادة.. غير انهم قبل ان يدخلوا مكة معتدين عليها، ارسل الله عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فقضى عليهم اجمعين، والى ذلك اشار القرآن الكريم في سورة الفيل ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم * أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِاَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾ (الفيل/1-5) وكل من حاول الاعتداء على مكة المكرمة لم تكن عاقبته على خير أبـداً.
وفي حديثه عن مكة، قال ربنا جل جلاله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾.
والصد عن سبيل الله ابرزه واجلاه هو الصد عن مكة المكرمة، وبالذات عن المسجد الحرام. من هنا تجد الحكومات على اختلاف مشاربها ومذاهبها والوانها، لا تستطيع ان تمنع الناس من الحج، واذا ما اصدرت قراراً بمنع الحج، فانها لا تستمر طويلاً حتى تلغي ذلك المنع، لانه ليس بوسعها ان تمنع الحج دائماً.
ثم يؤكد القرآن على ان المسجد الحرام ليس لأهل مكة، ولا لمن يشرف على تلك الديار المقدسة سياسياً او اقتصادياً. كلا، انما هي لأهل مكة وغير أهلها؛ انها لكل الناس.
ثم يقول ربنا عز وجل: ﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم﴾. فالذي يحارب مكة، ويؤذي حجاج بيت الله الحرام، فانه لابد له من ان يذوق العذاب الاليم.
بعد هذا، يقول ربنا جل وعلا: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾.
من خصوصيات هذا البيت، انه لا احد يحق له ان يتسلط على احد باسم اللغة او باسم المذهب او باسم القوم.. انه بيت الجميع. وعلى هذا يجدر بكل انسان يدخل مكة المكرمة ان يتجرد عن انتماءاته الجغرافية والسياسية والعرقية.. فلا يتعصب لأرض او لغة او قوم.. وانما يتوجه خالصاً لله رب العالمين. عند ذاك يشعر بانه عبد لله تعالى، فيدرك انسانيته، ويتحسس بروحانية التوحيد، فيعيش حياة الطهر.
ثم يقول ربنا سبحانه: ﴿ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً﴾.
صحيح ان الشرك في كل مكان مرفوض، ولكن في هذا الموقـع الشريف؛ مركز تجلي التوحيد، انما يكون الرفض للشرك اجلى من كل مكان.
﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَالْقَآئِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ ؛ أي ان البيت الحرام يجب ان يكون دائماً نظيفاً، طاهراً مطهراً.
حضارة الطهر:
من ابرز افكار الحضارة الاسلامية واولها، فكرة ان الارض لله تعالى لا لأحد غيره، وان الانسان عبداً لرب العزة لا لأحد غيره، وان العصبيات والحميات والعنصريات.. كل هذه الحواجز يجب ان تذهب الى غير رجعة في حياة المسلم. ثم تؤكد على ضرورة الطهارة والنظافة، اذ ان الانسان يعيش مرحلتين؛ مرحلة الفطرة النقية، ومرحلة الحياة الملوثة. فأول ما يخرج الانسان من رحم امه، يخرج بفطرة طاهرة نقية، غير ان هذه الفطرة مع الزمن تتلوث بالمحيط، كما ان الجسد يتلوث بالمحيط. فيتجمع عليها غبار الحميات والذاتيات والمذهبيات.. وهذه بدورها تشكل حواجز تحول دون معرفة الحقائق، ومعرفة النفس، ومعرفة الدين.
وبالتالي يصير الانسان في ﴿ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ﴾ (النور/40)
ولا سبيل لرجوع الانسان الى فطرته النقية، في روحه وفي عقله وايضاً في جسده، الا بالطهر. وقد جعل الله تعالى الحضور في وادي عرفات في عصر يوم التاسع من شهر ذي الحجة، فرصة للعودة الى الطهر من جديد، حيث يخاطب رب العزة كل من حضر هناك بلا استثناء: عبدي استأنف العمل، فقد غفرت لك ما سبق. عند ذاك يحصل الانسان على الطهر مائة بالمائة، فيستأنف العمل بكل صفاء ونقاء..
حضارة الانفتاح:
ومن ابعاد الحضارة الاسلامية الاخرى؛ انها تريد الخير والبركة والرحمة للناس جميعـاً، دون ان تقتصر في ذلك على من يؤيدها ويؤمن بها فقط.
من هنا حينمـا استقر النبي ابراهيم عليه السلام في مكـة المشرفـة ، وبنى البيت، عند ذاك امره الله: ﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾.
فلم يفكر النبي ابراهيم عليه السلام في ان يحصر فضيلة الحج بالعرب فقط، ولا بأهل بابل الذين كان ينتسب اليهم، ولا لأهل مصر الذين مر عليهم، ولا لأهل كنعان حيث هاجر اليهم، ولم يخص بذلك اولاده وجماعته من العبريين والعرب، وانما دعا البشرية جمعاء الى اداء فريضة الحج ليحظوا بفضلها وكراماتها..
فالاسلام يرفض الانغلاق على الذات في اية قضية تعود بالنفع على الاخرين، لان حضارته للجميع. على عكس ما يفكر به الغربيون، اذ يتصورون ان كل ما توصلوا اليه من علوم ومعارف وتطور تكنلوجي.. انما هو حكر لهم، ولا يحق لأحد ان يمد عينيه الى تلك القضايا، لانها تعد من اسرارهم. وما يسوقونه اليوم الى هذا البلد او ذاك، انما هو من قديم علومهم ومتدنيات تكنلوجياتهم.. وهذا ايضاً لا يعطونه إلاّ مقابل مبالغ طائلة، وشروط قاسية..
حضارة متكاملة:
ولأن الاسلام يريد الخير للجميع، فهو يأخذ بأيدي الناس صوب التكامل المعنوي، كما ويأخذ بأيديهم صوب التكامل المادي. فالحضارة الاسلامية انما تنطلق ابتداءاً من الروحيات والمعنويات، ومن ثم تنتشر من افق المعنويات الى أفق الماديات. لذلك يقول ربنا عز وجل: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الاَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ﴾.
وبهيمة الانعام هذه انما هي مادة للأكل، ولأجل ان لا تحجب الانسان عن المعنويات اكد الله تعالى على ذكره في ايام معلومات واطعام البائس الفقير.
هذه هي بعض الابعاد المهمة في فريضة الحج، النموذج الحضاري الذي بشر به الدين الاسلامي. فأين نحن من هذا النموذج؟
لكي نجسد هذا النموذج في واقعنا، يجدر بنا ان نعيش روح الحج. فحينما يحضر احدنا في اماكن اداء مناسك الحج، يجدر به ان يتواجد في عمق الناس دون ان ينزوي عنهم، حتى تظهر عظمة اجتماع المسلمين الى بعضهم البعض، دون ان تجزءهم الاقليميات والقوميات، ودون ان تميزهم الالقاب والسمات.. فالكل يعيش في رحاب الاسلام بود واحترام، ومحبة ووئام.
نسأل الله تعالى ان يجعل حجنا وحج المسلمين جميعاً، حجاً اسلاميـاً كما اراد، وان يجعلنا في هذا العام من حجاج بيته الحرام، المبرور حجهم، المشكور سعيهم، المغفور ذنوبهم، انه ولي التوفيـق1.
1- الحج ضيافة الله / محمد تقي مدرسي.
السبق إلى الفضيلة في أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)
السَبْق بسكون الباء هو: التقدّم...
يُقال: سَبَق إلى الشيء سبْقاً يعني: تقدّم إليه وخلَّفَ غيره.
والفضيلة: مقابل الرذيلة والنقيصة.
ومعنى الفضيلة هي الدرجة الرفيعة والمقام الرفيع.
وكذلك ما يوجب تلك الدرجة والمقام، كالإحسان إلى الخلق، وإعانة الضعيف، وكفالة اليتيم، وإغاثة الملهوف، والانتصار للمظلوم، وإطعام الطعام، ونشر العلم، وجهاد العدوّ، والمجاهدة مع النفس، وإتيان اُمور الخير، كلّ ذلك من موجبات الفضيلة.
والتسابق إلى مفاضل الأعمال، وصنائع الخيرات فضلٌ محبوب ومرغوب رُغّب فيه شرعاً وعقلاً، وكتاباً وسنّةً. قال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّـهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)[1].
وقال عزّ اسمه: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَـٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)[2].
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: (مَن فُتح له بابٌ من الخير فلينتهزه، فإنّه لا يدري متى يُغلق)[3].
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام أنّه قال: (إذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالى الأوّلين والآخرين في صعيدٍ واحد، ثمّ ينادي منادٍ أين أهل الفضل؟
قال: فيقوم عُنقُ من الناس، فتتلقّاهم الملائكة، فيقولون: ما كان فضلكم؟ فيقولون: كنّا نصِلُ مَن قطَعَنا، ونُعطي مَن حَرَمنا، ونعفو عمّن ظَلَمنا. فيُقال لهم: صدقتم، اُدخلوا الجنّة)[4].
والمثلُ الأعلى، والقدوة الأسمى في السّبق إلى الفضائل هم أهل البيت عليهم السلام، وفيهم نزل قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَـٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)[5].
فهم عليهم السلام سبقوا الناس في جميع الفضائل منذ أوّل خلقهم في عالم الذرّ، إلى آخر حياتهم في عالم الدُّنيا...
وهم السابقون إلى الله تعالى في الدُّنيا والآخرة..
سبقوا إلى الجواب ببلى، عند سؤاله تعالى: في الذرّ.
وسبقوا إلى الخيرات في الدُّنيا.
وسبقوا إلى الجنّة في الآخرة.
ومَن غير عليّ عليه السلام كان سبّاقاً إلى الفضائل؟!
أليس كان هو السابق إلى الإسلام، وكان إسلامه عن فطرة، وإسلام الناس عن كفر[6]؟
ألم يكن هو السابق إلى تفدية نفسه المباركة لرسول الله صلى الله عليه وآله في ليلة المبيت بين أربعمائة سيف من المشركين؟
وهل غيره سبق إلى الجهاد في سبيل الله، والجُهد في طاعة الله، والاجتهاد في عبادة الله؟
ولقد أجاد كافي الكفاة الصاحب بن عبّاد في وصف أمير المؤمنين عليه السلام في نثره وفي شعره.
قال في النثر الذي وصف به عليّاً وذكر نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله: (صنوه الذي واخاه، وأجابه حين دعاه، وصدّقه قبل الناس ولبّاه، وساعده وواساه، وشيّد الدِّين وبناه، وهَزَم الشرك وأخزاه، وبنفسه على الفراش فداه، ومانَع عنه وحماه، وأرغَمَ من عانده وقلاه، وغسله وواراه، وأدّى دَينه وقضاه، وقام بجميع ما أوصاه، ذاك أمير المؤمنين لا سواه)[7].
وهذه الدراسة تعطينا أنّ السبق إلى الفضيلة من مفاخر صفات الصالحين وسجايا المتّقين، المحبوبة عند ربّ العالمين، والشرع المبين، ومن موجبات عظيم الأجر والثواب في يوم الدِّين..
كلّ هذا مضافاً إلى نتائجه الحسنة في نفس هذه الحياة الدُّنيا، فإنّ السبق إلى الفضائل من صنائع المعروف التي تدفع مصارع السوء، وتحفظ الإنسان من البلايا العظيمة كما هو المجرّب المحسوس في قضايا المحسنين.
من ذلك ما حدّث بعض السادة الأجلّاء الثقات ما مضمونه: أنّه كان في بعض البلاد المقدّسة شخصٌ مؤمنٌ صالح، وكان رجلاً تاجراً متمكِّناً ثريّاً، يحبّ الخير، ويصنع الخير لمن يعرفه ومَن لا يعرفه، خصوصاً الزائرين.
رأى في بعض الأيّام أحد زوّار ذلك البلد المقدّس لم يحصّل على فندقٍ أو محلّ مسكنٍ يسكنه في مدّة زيارتهم هو وعائلته.
وكانت تلك الزيارة أوّل زيارتهم لذلك البلد المقدّس الذي لم يعرف فيه أحداً ولم يتعرّف على أحد.
وكانوا قد جلسوا على رصيفٍ في الطريق ينتظرون الحصول على غرفةٍ فارغة.
فصادفهم هذا التاجر المؤمن، وسألهم: لماذا أنتم جالسون هنا؟
قالوا: ننتظر الحصول على مكانٍ نستأجره ونسكنه.
فقال لهم: ـ لي بيتٌ واسع، ومكانٌ مناسب، ودارٌ مفروشة مع وجبات الطعام.
ففرحوا وأجابوا بالقبول، بعنوان أن يسكنوا في بيته، ثمّ يعطون له الاُجرة التي تدفع إلى الفنادق للسكن والطعام، ظنّاً منهم أنّ بيته معدّ لإيجار الزائرين.
فذهب بهم ذلك التاجر إلى بيته، وأكرمهم غاية الإكرام، وبقوا عنده عشرة أيّام، يخدمهم فيها بالإطعام والإكرام، بغاية الحفاوة والاحترام.
وحينما أرادوا الانصراف والرجوع إلى وطنهم حضّروا له النقود، لدفع ثمن الإيجار والوجبات الغذائيّة، لكنّه لم يقبل منهم أيّ مال، وأدنى نقود.
وبالرغم من أنّهم أصرّوا عليه كثيراً بالقبول، لم يستجب لهم ذلك، وأجابهم بأنّي آخذ ثمن الإيجار والخدمة من الإمام عليه السلام بأكثر ممّا آخذه منكم، فليطيب خاطركم بذلك.
فتشكّروا منه، وودّعوه راجعين إلى بلدهم.
ومضت على ذلك الأيّام والسنين، ثمّ إنّ ذلك التاجر حدثت له مشكلة سياسيّة أدّت إلى أن يُسجن، ويحتمل عليه الإعدام..
واُجريت عليه لقاءات مع المسؤولين، وسؤال وجواب، ورتّبت له ملفّات شدّدت عليه الأمر.
وفي آخر الأمر جاء عنده في السجن أحد المسؤولين الكبار الذي كانت له درجة عسكريّة رفيعة، وبيده ملفّةٌ كبيرة تخصّني.
فنظر إليَّ مليّاً، ثمّ سألتي ألست أنت الحاجّ فلان، من أهل مدينة كذا، وتسكن دار كذا، في محلّة كذا؟
وأنا في كلّ المسائل اُجيبه بنعم، وتخيّلت أنّه يعرف هذه الخصوصيّات من الأسئلة التي طُرحت عليَّ سابقاً..
لكنّه قال لي: أتعرفني؟
قلتُ في دهشةٍ: لا مع الأسف.
فرفع قُبّعته العسكريّة، وقال: هل عرفتني الآن؟
قلت: ملامحكم مأنوسة عندي، مَن أنتم؟
قال: أنا ذلك الشخص الذي نزلتُ مع عائلتي عندك في سنة كذا، وبقيتُ في بيتك عشرة أيّام، استضفتني فيها بكلّ كرامة.
ثمّ قال: هذه ملفّة إضبارتك التي تنتهي بإعدامك، لكن أنا اُمزّقها، واُسقط حكم الإعدام قِبال ذلك العطف والإكرام، فمزّقها أمامي وحكم بتسريحي.
فنجوت من الإعدام والسجن بفضل السبق إلى ذلك العمل الخيري الذي عملته أنا محبّةً للإمام عليه السلام وزائريه.
المصدر: أخلاق أهل البيت (عليهم السلام) - بتصرّف
[1] سورة المائدة: الآية 48.
[2] سورة الواقعة: الآيتان 10 و 11.
[3] ميزان الحكمة / ج 7 / ص 444.
[4] مستدرك السفينة / ج 8 / ص 233.
[5] تفسير الصافي / ج 5 / ص 120، وإحقاق الحقّ / ج 3 / ص 114.
[6] سُئل بعض العلماء: متى أسلم عليّ عليه السلام؟ فأجاب: ومتى كفر؟ حتّى يكون أسلم، إنّه جدّد الإسلام. فهو عليه السلام وُلد على الإيمان وفطرة الإسلام ودين رسول الله صلى الله عليه وآله، وجدّده في البعثة.
[7] الكنى والألقاب / ج 2 / ص 368.
بلاد الرافدين بلا دجلة.. تركيا تقطع شريان الحياة عن العراق
شكّل إعلان تركيا قطع مياه نهر دجلة عن العراق لتعبئة سد "اليسو" مؤشراً قوياً على أن بلاد ما بين النهرين مقبلة على سنوات عجاف، ستدخل العراق في حرب وجودية جديدة لا تقل أهمية عن حربها الأخيرة التي نفضت غبارها عن كاهلها للتو.
سد "اليسو" التركي الذي بدأ العمل به منذ سنوات يشكّل ناقوس خطر حقيقي على العراق ومياهه حيث سيؤدي إلى نقصان حصة العراق من مياه نهر دجلة من 21 مليار متر مكعب سنوياً إلى نحو 9 مليارات و700مليون متر مكعب فقط، وسينتج عنه أيضاً حرمان العديد من المدن العراقية من مياه الشرب، بالإضافة الى حرمان العراق من أكثر من 696 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، وسيزيد نسبة الملوحة والتلوث في نهر دجلة، ويؤثر سلباً على عملية انعاش الأهوار التي دمرها النظام العراقي السابق بشكل كبير، كما سيؤدي إلى حرمان العراق بشكل شبه كامل من الاستفادة من المحطات الكهرومائية لتوليد الطاقة الكهربائية.
الدراسات الحكومية العراقية تشير إلى أن البلاد مقبلة على كارثة بيئية وجفاف بسبب حرب المياه من قبل تركيا، وتؤكد أن أنقرة تستفيد من ضرب القطاع الزراعي في البلاد كون العراق سيزيد الاستيراد منها، في وقت يتوقع فيه المراقبون أن تبلغ خسائر العراق في مجمل القطاعات المتضررة من الجفاف وندرة المياه خلال العام الحالي أكثر من 10 مليارات دولار.
الإفراط غير المبرر في بناء السدود من قبل الجانب التركي أدّى إلى خفض تدفق المياه في حوض الأنهار بنسبة 34 في المئة، ما أدّى إلى تجفيف 94% من بلاد ما بين النهرين وازدياد العواصف الترابية في سوريا والعراق، والتي تتجه إلى إيران وتشلّ الحياة في المحافظات الجنوبية الغربية والغربية.
للكارثة تتمة
وتؤكد الحكومة التركية أن لديها خطط لبناء أكثر من 22 سداً على طول مجرى نهر الفرات ودجلة، ومن بينها سد "اليسو" الذي انتهى العمل منه قبل أسابيع وبطاقة استيعابية تبلغ (10.4) بليونات متر مكعب، وسيحتاج إلى مدة تتراوح ما بين السنة إلى الثلاث سنوات لملئه بالماء، وتتوقف المدة على كميات الأمطار المتساقطة لتلك السنوات، حيثُ سيؤثر هذا الأمر بشكلٍ كبيرٍ على حصة العراق المائية المقررة دولياً.
بالإضافة إلى أن أنقرة تخطط لبناء سد جديد وهو سد "جزرة" والذي لا يبعد عن الحدود التركية ـ العراقية سوى (38) كم وهذا السد بموقعه القريب جداً من الحدود يبين النيّات المبيّتة للجانب التركي للإضرار بالعراق فهذا السدّ سيستهلك 40% من مياه دجلة ويقضي على آخر أمل لحصول العراق على حصته المائية السنوية.
ويوجد في الأراضي التركية 525 سداً يخزنون مئات المليارات من الأمتار المكعبة من المياه، تم بناء 33 سداً منها خلال 16 سنة من حكم حزب العدالة والتنمية، ومن المتوقع أن ترتفع السدود التركية إلى 1454 بحلول 2023، حيث من المقرر إنشاء 727سداً في الفترة 2018-2023 وهو ما سيرخي بظلاله على العراقيين.
مخالفة تركية واضحة للمواثيق الدولية
وبحسب المواثيق والأعراف الدولية فإنه يحظر على أي دولة الانتفاع بمياه الأنهار الدولية لوحدها، وهناك اتفاق بين دول الحوض النهري المعني في هذا الشأن.
وتنص قرارات الأمم المتحدة الصادرة عن لجنة القانون الدولي على أن "الدول المتشاطئة على النهر الدولي تستطيع استعمال المياه طبقاً لحاجاتها شرط ألّا يسبب هذا الاستعمال ضرراً للدول الأخرى المشتركة معها في هذا النهر".
كذلك فإن إعلان "ريو" الذي يتضمن توصيات مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والذي عقد سنة 1992 اعتمد المبادئ الخاصة بالاتفاقيات الثنائية بخصوص الأنهار والمجاري المائية الدولية، وطالبت الأمم المتحدة بأن يوضع في الاعتبار قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 49/52، المؤرخ في 1994، وهذه القوانين تماثل مبادئ أساسية يمكن تطبيقها على بعض أحواض النهر، وتمنح مجموعة القوانين الحديثة أفضلية واضحة لمبدأ الاستخدام "العادل والمنصف" على مبدأ الضرر الملموس.
كما اعتمدت الأمم المتحدة في عام 1997 اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية وصادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1997 بتأييد 104 دول، وعارضتها ثلاث دول هي تركيا والصين وبوروندي، وامتنعت 26 دولة عن التصويت.
ورغم أن نهري بلاد الرافدين لا ينبعان منها (أي نهري دجلة والفرات) إلا أنّ القسم الأكبر من النهرين يمران عبر الأراضي العراقية، فنهر دجلة ينبع من جبال طوروس جنوب شرق الأناضول في تركيا، ويمرّ قرب الحدود السورية بمسافة 50 كلم في القامشلي ليدخل العراق عند بلدة فيشخابور ثم الموصل وصولاً إلى بغداد مرتفعاً إلى أقصى الجنوب حتى البصرة حيث يشكّل مع نهر الفرات شط العرب الذي يصبّ في الخليج الفارسي، ويغذي نهر دجلة مجموعة كبيرة من الروافد النابعة من الأراضي الإيرانية والتركية الحدودية مع العراق منها الخابور والزاب الكبير والزاب الصغير والعظيم ونهر ديالى، ويعيش بمحيطه حالياً أكثر من 20 مليون عراقي، حيث يعتبر المصدر الأول لمياه الشرب والزراعة والصناعة.
في حين يعدّ نهر الفرات أطول نهر في المنطقة العربية وينبع من جبال طوروس في تركيا، وتنضم إليه عدة روافد قبل دخوله الأراضي السورية عند مدينة جرابلس مروراً بدير الزور ثم البو كمال، ومنها يدخل العراق عبر مدينة القائم بمحافظة الأنبار غربي البلاد مروراً بالفلوجة ثم يتجه إلى مناطق محاذية لبغداد ثم جنوب العراق ليلتقي مع دجلة في البصرة أيضاً، ويعتبر الفرات والنيل في مصر أغزر نهرين عربيين، حسب تقارير دولية.
الحكومة العراقية اليوم مطالبة باتخاذ جميع التدابير الفنية والقانونية اللازمة للدفاع عن حصة البلاد المائية لتجاوز الخطر المحدق بالبلاد في حرب لا تقل أهمية بالنسبة للشعب العراقي عن أي حرب أخرى، خاصة أن الوقت يمضي بسرعة وحرب المياه التي كانت سرية أصبحت معلنة بوضوح.