Super User

Super User

الأربعاء, 06 حزيران/يونيو 2018 12:16

جنون ارتياب نتنياهو

جنون الارتياب لدى نتنياهو مطلق. إنه على قناعة أنه يتم التنصت عليه في كل مكان في العالم، على مدار الساعة. حتى في منزله الخاص في قيصاريا. وكثيراً ما همس لمحاوره، في فناء منزله في قيصاريا، أنهم "هنا أيضاً يستمعون إلينا". إنه لا يشعر بالأمان في مكتب رئيس الحكومة في القدس، وهو مقتنع بأنه يتم التنصت عليه هناك أيضاً.

في الأسبوع الماضي، قام تامير باردو، الرئيس السابق للموساد، بإلقاء قنبلة في مقابلة أجراها مع برنامج "عوفدا" [حقيقة] على القناة 12.

من كلام باردو أمكن أن نفهم أنه خلال الاستعدادات التي قامت بها (إسرائيل) لأهم عملية أمنية استراتيجية، صدر أمر بتنصت هاتفي على رئيس الأركان، وكان حينها بيني غانتس، وكذلك رئيس الموساد باردو. الأمر صدر، بحسب ما زُعم، من لسان بنيامين نتنياهو، والقضية تسلط الضوء على أزمة الثقة العميقة بين نتنياهو وكبار مسؤولي أجهزته الأمنية على مر السنين.

بمجرد أن تم بث المقابلة، وجد باردو نفسه في المسلخ الثابت الذي ينتظر أي مسؤول أمني يتحدى نتنياهو. في البداية، يسخّفون نفس وجود المقابلة، وينكرون ما قيل فيها، ثم ينتقلون لتولي أمر الشخص. نتنياهو استغل جملة قالها باردو ممازحا خلال المقابلة من أجل تحقيره وتحويله إلى "عدو الشعب". عندما وصف باردو أنشطة الموساد قال إنه "منظمة جريمة برخصة". هذا ما كان يقوله كبار مسؤولي الموساد عن أنشطتهم منذ أجيال. وهو ينطبق على أي منظمة تجسس في العالم، أينما كانت. رجال الظلّ لا يعملون وفق القانون في أنشطتهم السرية المتشعبة، لكنهم مجازون بفعل هذا من قبل حكومتهم. لذا أخذ نتنياهو هذه الجملة واستخدمها كبومرنغ للهجوم على باردو وإعلان أن "الموساد ليس منظمة جريمة". وكأن باردو كان يعني ذلك ضمناً.

تعود علاقات الارتياب والعداوة بين نتنياهو والجنرالات "الإسرائيليين" إلى ولاية نتنياهو الأولى (1996-1999)، لكن لم يسبق أن وصلت إلى هذا الحضيض أبداً. في العمليات الخاصة، مثل قصف المفاعل النووي السوري في دير الزور في عام 2007، من المعتاد فحص كبار المسؤولين، وأحياناً مسؤولين منتخبين من الشعب، بواسطة جهاز كشف الكذب، من أجل الردع.

حتى الآن، لم يتم تضمين التنصت على رؤساء الأجهزة في التدابير التي اتخذها النظام ضد كبار مسؤوليه. لكن نتنياهو ليس لديه سقف لجنون الارتياب، وليس هناك خط أحمر في كل ما يتصل بالثقة الأساسية التي يفترض أن تسود بينه وبين الأشخاص المسؤولين عن أمن (إسرائيل).

نتنياهو نفسه نفى كلام باردو. بعد تعرضه لضغوط شديدة، أصدر من كان حينها رئيساً للشاباك، يورام كوهين، الذي كان من المفترض أن ينفذ عمليات التنصت هذه، نفياً كان فيه تأكيد للقصة أكثر من دحضها، قائلاً إن رئيس الحكومة لم يطلب منه التنصت "على وجه التحديد" على رئيس الموساد أو رئيس الأركان. الأمر صحيح. الطلب لم يكن محددا لكنه تضمن قائمة تضم أكثر من مائة من "شركاء السر" في قيادة الأمن (الإسرائيلي)، وضمت أيضاً رئيس الموساد ورئيس الأركان. على فكرة، هذا الأمر لم يُنفّذ أبداً. الشاباك رفض التنصت على هؤلاء المسؤولين، وأُنيطت المهمة بجهاز آخر (ملماب، الجهاز المسؤول عن أمن وزارة الأمن)، لكن الشاباك لم ينقل إلى ملماب الوسائل اللازمة.

ارتياب نتنياهو متأصل فيه طوال مسيرته المهنية. عندما عاد إلى مكتب رئيس الحكومة في سنة 2009 وخاف من تسريبات، طلب إجراء فحص بواسطة جهاز كشف الكذب لجميع أفراد المكتب، بمن فيهم كبار المسؤولين: سكرتير الحكومة؛ المستشار السياسي؛ السكرتير العسكري؛ الناطق باسم المكتب؛ ورئيس المكتب ورئيس الفريق. أحد هؤلاء، البروفيسور عوزي أراد، مستشار الأمن القومي، تطوع ليكون أول من يخضع للفحص، لكنه سأل نتنياهو: "وماذا عنك؟ لماذا لا تُظهر مثالاً شخصياً وتخضع أنت أيضاً لفحص الكذب؟". نتنياهو أزاح هذا الاقتراح عن مكتبه بسرعة.

جنون الارتياب لدى نتنياهو مطلق. إنه على قناعة أنه يتم التنصت عليه في كل مكان في العالم، على مدار الساعة. حتى في منزله الخاص في قيصاريا. وكثيراً ما همس لمحاوره، في فناء منزله في قيصاريا، أنهم "هنا أيضاً يستمعون إلينا". إنه لا يشعر بالأمان في مكتب رئيس الحكومة في القدس، وهو مقتنع بأنه يتم التنصت عليه هناك أيضاً. في الماضي، عندما عقد اجتماعات سرية بوجهٍ خاص، فعل ذلك في مقر الموساد في منطقة تل أبيب. مؤخرًا نقل الجلسات الحساسة للمجلس الوزاري المصغر إلى الحصن الضخم الذي بنته إسرائيل تحت الأرض في القدس، حصن قيادة وسيطرة منيع وقادر أيضًا على الصمود أمام هجوم نووي ذي أبعاد هائلة ومجهز بجميع التطويرات اللازمة لإدارة دولة تتعرض لهجوم. عندما يكون في الولايات المتحدة، نتنياهو على قناعة بأنه يتم التنصت عليه في كل فندق، في البيت الأبيض، وفي "بلير هاوس". أكثر من مرة "يقفز" إلى السفارة (الإسرائيلية)، حيث توجد غرفة معزولة خاصة مضادة للتنصت، وفقط هناك هو مستعد للتشاور مع المسؤولين في مواضيع حساسة فعلاً.

رغم هذه الصفات، من المفترض أن يضع نتنياهو ثقته برؤساء الأجهزة الأمنية. وليس من المفترض به أن يأمر جهاز الأمن العام بالتنصت على هواتفهم. هذا الكلام يُقال أيضاً بسبب حقيقة أن جزءاً كبيراً من التسريبات الأمنية الأكثر حساسية سرّبه نتنياهو نفسه، سواء عن قصد أو عن طريق الخطأ. كزعيم للمعارضة، نتنياهو كاد يكشف حقيقة أن (إسرائيل) هي التي هاجمت المفاعل في سوريا في أكثر اللحظات حساسية بعد الهجوم، (أيلول/سبتمبر 2007)، ولوّح ذات مرة من على منبر الكنيست بأشد وثيقة حساسة أعدّها الجيش "الإسرائيلي "(1995)، وكان متورطاً في أحداث تسريب كثيرة. على الرغم من كل هذا، إنه لا يكف عن الاشتباه بمحيطه باستمرار ولا يثق بأحد.

طوال سنيّه المديدة كرئيس للحكومة، نتنياهو تنازع تقريباً مع كل رؤساء الأجهزة الأمنية ولم يُنهِ أحد عنده تقريبًا عمله بصورة محترمة. في ولايته الأولى، كان رئيس هيئة الأركان الراحل أمنون ليبكين شاحاك، ورئيس الشاباك عامي أيالون، ورئيس الموساد داني ياتوم. في النوبة الحالية، تقريباً كل رؤساء الأجهزة الذين عملوا تحت قيادته انتقدوه أو ينتقدونه بشدة: رئيس الموساد الراحل مئير داغان؛ رئيس الأركان غابي أشكينازي؛ رئيس الشاباك يوفال ديسكين؛ ومن جاء بعدهم، بمن فيهم رئيس الأركان غانتس ورئيس الموساد باردو.

في الماضي خاف نتنياهو من خوض مواجهة علنية مع رئيس جهاز أمني أو رئيس أركان. واحدة من فرضيات العمل الأكثر رسوخاً في السياسة (الإسرائيلية) هي أنه ممنوع تحت أي ظرف من الظروف خوض مواجهة وجهاً لوجه مع شخصية أمنية بارزة على ضوء شعبية كبار المسؤولين الأمنيين وسط الشعب (الإسرائيلي). في العقد الأخير بدأت عملية متدرجة زاحفة غيّرت هذا الواقع 180 درجة. هذه العملية قادها نتنياهو وأدت بنا إلى الوضع الحالي: ممنوع، تحت أي ظرف من الظروف، الدخول في مواجهة علنية مع نتنياهو. لا أحد حصين، لا رئيس أركان، ولا رئيس موساد، ولا رئيس شاباك. نتنياهو هو الحاكم بلا منازع للرأي العام، ولن ينجو أحد من مواجهة علنية معه ومصير كل كبار المسؤولين والضباط العاملين تحت إمرته، أينما كانوا، معروف سلفاً: إذا فتحوا أفواههم، سيُهانون وسيخضعون لعملية عامة من "الوصم بالعار"، وسيُطحنون في طاحونة إعلام نتنياهو، وسينضمون إلى قائمة طويلة من المهزومين الذين سبقوهم.

اعتبر رئيس منظمة الطاقة الذرية الايرانية "علي اكبر صالحي" ، اليوم (الثلاثاء) أنه لن يعود المشروع النووي الايراني الى ما كان عليه بتقويض الاتفاق بل سيشهد تطورا هائلا ، مشيراً إلى أن "سنبدأ إنتاج أجهزة الطرد المركزي الجديدة غدا في نطنز".

، أن صالحي اكد خلال المؤتمر الصحفي ، اليوم الثلاثاء ، اننا نضع الالتزام بالتعهدات كأساس في عملنا وقمنا بتنفيذ تعهداتنا ضمن الاتفاق النووي، مضيفا ان منظمة الطاقة الايراني تسعى الى هدفين انتاج الكهرباء والوقود النووي.

وتابع علي اكبر صالحي ان التقنية النووية هي تقنية مزدوجة فهي يمكن استخدامها سلميا او غير سلميا وايران تستخدمها في الجانب السلمي. والطرف المقابل لا يريد ان نستفيد من هذا العامل القوي.

واردف المسؤول الایرانی قائلا ان الجمهوریة الاسلامیة ترضى عن الاتفاق النووي الذي تعهد به ولن تقبل بالاتفاق المنقوص. ولقد استنبطنا من توصيات قائد الثورة الاسلامية ان لا نعود من نقطة ما قبل الاتفاق اذا ما نقضوه.

وقال اننا لقد قمنا ببناء ارضية كاملة للوحدات النووية وقمنا ببناء وحدة كهرباء كاملة لوحدة نطنز، مؤكدا ان إيران ترى بان الاتفاق النووي هو في صالح شعبنا والاقليم والمنطقة.

وتابع ان منظمة الطاقة الذرية الايرانية جاهزة لكل السيناريوهات، وتم اتخاذ قرارات وتم ابلاغها من قبل رئيس الجمهورية الى منظمة الطاقة الذرية الايرانية.

وقال ان المنظمة الذرية الايرانية بدأت بعملها ولن نفقد اي وقت، مؤكدا القول اننا لقد قمنا بتسليم رسالة الى وكالة الطاقة الذرية الدولية بالبدء ببعض الخطوات.

وصرح الخطوات التي نتخذها الان لن تتعارض مع الاتفاق النووي ومعمل اليورانيوم الذي هو متوقف عن العمل سيتم اعادة تشغيله وهو لن يتعارض مع الاتفاق النووي.

واكد ان قائد الثورة الاسلامية قال بان علينا البدء بالبنى التحتية لبناء 190 الف وحدة واذا ما اردنا فسننتج اجهزة طرد حديثة. ان انتاج الUF6 لدينا 400 طن من الكعكة الصفراء.

وتابع: نتمنى ان ننتج 300 طن من الـUF6 وهي فرصة برفع العيوب في المصنع كونه قديم.و اننا سنبدء ببناء البنى التحتية لتوفير الزمن فنحن سعينا الى بناء جسور اخرى ولم نهدم اي جسر في الاتفاق.

وقال اننا لد قمنا بتحضير صالة الانتاج وستكون جاهزة خلال شهرين وهذا لا يعني اننا سنعمل على انتاج اجهزة الطرد المركزية، مضيفا ان علينا الاستعداد لانتاج وقود مفاعل بوشهر.

واعلن صالحي، اذا ما انتهى الاتفاق فان صالة الانتاج لاجهزة الطرد المركزي ستكون جاهزة للعمل ونحن لا يمكن ان نكون ملتزمين بالاتفاق ونعاني من الحظر في نفس الوقت.

وصرح ان ما نقدم عليه لا يعني انهيار الاتفاق النووي. والهدف من اجراءاتنا أن يدرك الطرف الآخر بأننا لن نقف مكتوفي الايدي تجاه تقويض الاتفاق النووي.

وذكر اننا تقدمنا على الوقت المحدد لاعادة تصميم مفاعل آراك، ووصلنا الى مرحلة اعداد الخرائط فيما يتعلق بمفاعل آراك.

واضاف: لن يعود المشروع النووي الايراني الى ما كان عليه بتقويض الاتفاق بل سيشهد تطورا هائلا ولم نقم بتهميش لأي نخبة من النخب النووية الايرانية.

وذكر اننا سنرفع من مستوى تخصيب اليورانيوم ليزداد انتاج وحدة الفصل عندما يلغى الاتفاق النووي، موكدا ان قرار البقاء أو الانسحاب من المنظمة العالمية للطاقة الذرية يعود لكبار المسؤولين في الدولة.

واعلن ان المنظمة العالمية للطاقة الذرية ستفقد مصداقيتها اذا قوض الاتفاق النووي وما سنقدم عليه لا يخل بتاتا بالتزاماتنا تجاه الاتفاق النووي.

وقال في ختام كلامه اننا بدأنا بتنفيذ قرار قائد الثورة الاسلامية منذ مساء يوم أمس ولا يمكن لايران الالتزام بالاتفاق النووي مع فرض الحظر عليها.

وكان قائد الثورة الاسلامية قد أوعز يوم أمس الاثنين الى منظمة الطاقة الذرية الايرانية أن توفر التجهيزات اللازمة بسرعة للوصول الى 190 الف وحدة فصل لتخصيب اليورانيوم، في إطار الاتفاق النووي، وان يتم البدء من يوم غد (اليوم الثلاثاء) بالعمل بهذه الاجراءات./انتهى/

أوعز قائد الثورة الاسلامية، آية الله العظمى السيد علي الخامنئي باتخاذ الاجراءات والتمهيدات اللازمة بسرعة للوصول الى 190 ألف سو (وحدة فصل) في تخصيب اليورانيوم، في إطار الاتفاق النووي اعتباراً من غداً الثلاثاء.

وفي كلمته له خلال مراسم إحياء الذكرى التاسعة والعشرين لرحيل مفجر الثورة الاسلامية، الامام الخميني (رض)، قال آية الله السيد علي الخامنئي: إن إمامنا العظيم إستطاع أن ينهي الحكم الطاغوتي الوراثي وأن يحبط مؤامرات الأعداء للقضاء على النظام الإسلامي.

وأضاف سماحته إن رؤية الإمام الراحل وأهدافه تحققت من خلال توطيد أركان النظام الإسلامي وتطوّر النظام وتقدّمه علمياً وسياسياً .

وفي جانب آخر من كلمته، شدد آية الله الخامنئي "ما يمارسه الأعداء بحق الجمهورية الإسلامية هو نتيجة غضبهم وجنونهم، مشيرا الى انهم لن يستطيعوا الوقوف بوجه تقدّم الشعب الإيراني".

وشدد سماحة القائد على أننا سنقف أمام غطرسة الأعداء وستكون قراراتنا عقلانية فنحن نثق بقدرة شعبنا ولن نثق بالأعداء مطلقاً.

وأكد قائد الثورة إننا على بيّنة من خطط الأعداء وشعبنا يدرك بأن ضغوطهم الإقتصادية والنفسية والعملية هدفها السيطرة على بلدنا العزيز إيران.

وأكمل: إن هدفهم (الأعداء) من العقوبات الإقتصادية الضغط على الشعب الإيراني حتى يستسلم النظام الإسلامي.

ولفت سماحته الى ان التطور النووي يشكل فخراً علمياً للجمهورية الاسلامية والأعداء حاولوا خلق الكثير من العراقيل والاشواك في طريقنا.

وشدد على ان القوة الصاروخية للجمهورية الاسلامية الايرانية تؤدي دورا كبيرا في أمن البلاد.

وفند قائد الثورة قول القائلين بأن الحرب هي البديل عن الاتفاق النووي، وقال: هذا ليس صحيحاً وهذه دعاية الأعداء، مبينا ان الأعداء يسعون الى صرف انظارنا عن مصادر قوتنا لكي يتمكنوا من فرض هيمنتهم على بلدنا.

وقال السيد الخامنئي: نستشف من بعض تصريحات بعض الحكومات الاوروبية انهم يتوقعون من الشعب الايراني ان يتحمل الحظر، وبنفس الوقت يجمد نشاطاته النووية التي تعد حاجة ماسة لمستقبل البلاد، وان يواصل الالتزام بهذه القيود.

وأكد سماحته: إنني أقول لهذه الحكومات، لتعلم ان ما تحلم به لن يتحقق.. وان الشعب والحكومة الايرانية لن يتحملا أن يفرض الحظر وأيضا ان تخضع لقيود نووية.

وأوعز قائد الثورة الاسلامية الى منظمة الطاقة الذرية الايرانية أن توفر الاستعدادات والمقدمات اللازمة بسرعة للوصول الى 190 الف سو (وحدة فصل في تخصيب اليورانيوم)، في إطار الاتفاق النووي، وان يتم البدء من يوم غد ببعض المقدمات التي أوعز بها رئيس الجمهورية.

وفي جانب من كلمته، وجه سماحة قائد الثورة خطابه الى الشباب العربي، قائلا: إن شعوبكم اليوم تعقد الأمل عليكم فأعدّوا أنفسكم ليوم تنعم فيه بلادكم بالحرية والإستقلال، وأضاف: "إن عدم إتخاذ موقف حازم وحاسم من الكيان الصهيوني وهذه المواقف العدائية من الأخوة والتزلف للأعداء كل ذلك جعل من بعض الحكومات العربية عدوّة لشعوبها، وأنتم أيها الشباب تتحملون مسؤولية إلغاء هذه المعادلة الباطلة، وأدعوكم أن تكون مفعمين بالأمل والإبتكار والعمل وبناء شخصياتكم، فالمستقبل يكون لكم إن كنتم أنتم من يبنيه، وثقوا بالله عز وجل ولا تهابوا تكاثر الأعداء عليكم، فالذين كفروا هم المكيدون".‎

قام الملك الأردني عبد الله الثاني بتكليف عمر الرزاز رسمياً لتأليف الحكومة الجديدة، كما دعا إلى "مراجعة شاملة لمشروع قانون ضريبة الدخل" الذي يثير احتجاجات شعبية.

وكان الملك الأردني قد أكّد في وقت سابق أن بلاده تواجه ظرفاً اقتصادياً وإقليمياً غير متوقع وتقف اليوم أمام مفترق طرق، إما الخروج من الأزمة وتوفير حياة كريمة أو الدخول في المجهول.

الملك الأردني قال خلال لقائه عدداً من الإعلاميين والصحافيين إن المساعدات الدولية لبلاده انخفضت برغم تحمل الأردن عبء استضافة اللاجئين السوريين، مشيراً إلى أن "هناك تقصيراً من العالم".

كلام عبد الله الثاني يأتي فيما تستمر الاحتجاجات في الدوار الرابع وسط العاصمة عمّان للمطالبة بإلغاء مشروع قانون الضريبة المعدل ورفع الأسعار، ولم تخل الاحتجاجات من احتكاكات محدودة بين متظاهرين وقوات الأمن.

الناشط السياسي عبد العزيز شديد أكد أن الاعتصامات مستمرة وتغيير الحكومة لا يمثل سوى 10% من المطالب، مضيفاً "نطالب بتغيير النهج وليس فقط الوجوه وإعادة النظر في الضريبة"، لافتاً إلى أنه لم يتم قمع أي اعتصام حتى الآن منذ بدء الاحتجاجات.

وكان مصدر رسمي أردني قد أعلن استقالة الملقي خلال اجتماعه مع الملك عبدالله الثاني، وتكليف وزير التربية عمر الرزاز بتشكيل الحكومة.

استدعاء الملقي أتى بعد تأكيد مجلس النقباء الأردني الاستمرار في الاضراب العام، احتجاجاً على رفضِ الحكومة تعديل قانون الضريبة.

من جهة ثانية، قال المعارض الأردني ليث شبيلات إن الجماهير في الأردن باتت تتحرّك بمفردها الآن، معتبراً أن الحراك الذي يجري لا يحتاج إلى قيادة تستغلّه، بحسب تعبيره.

وفي حديث مع الميادين ضمن النشرة المسائية أمس الاثنين، أكّد شبيلات أن الجمهور "فقد الثقة بالحكومة الأردنية"، ورأى أن "المشكلة الرئيسية تكمن في تفرّد الملك بكل القرارات وسوء إدارة الأخير وتصرّفاته".

وأشار شبيلات إلى أن هناك ضغطاً الآن على الأردن لكي ينضم إلى المحور السعودي – الإسرائيلي ضد إيران، وفق قوله، داعياً السلطة في عمّان إلى أن تنفتح على سوريا وإيران وتركيا والعراق وأن ترفض الانضمام إلى المحور السعودي – الإسرائيلي.

وتابع شبيلات "التآمر الذي شارك فيه الأردن ضد سوريا خنقنا ويجب الانفتاح عليها".

الأربعاء, 06 حزيران/يونيو 2018 12:10

سبعة ملايين معتمر أدوا مناسكهم العام الجاري

قالت وزارة الحج والعمرة السعودية، إن سبعة ملايين معتمر من المسلمين القادمين من مختلف دول العالم، تمكنوا من أداء مناسك العمرة خلال الموسم الحالي.

وأفادت الوزارة السعودية، في بيان اليوم الثلاثاء، أن أرقام المعتمرين المسجلة للموسم الحالي، تشمل أولئك القادمين من محافظات المملكة، وخارجها معا.

وتعد السياحة الدينية، العمود الفقري لصناعة السياحة في المملكة، من خلال مواسم الحج والعمرة.

وكانت بيانات للوزارة، قد أظهرت بلوغ عدد المعـتمريـن 19.08 مليون معتمر خلال العام الماضي، منهم 6.53 ملايين معتمر قدِموا من خارج المملكة.

الأربعاء, 06 حزيران/يونيو 2018 12:08

لماذا سميت ليلة القدر بهذا الاسم؟

توجد عدة أوجه لسبب تسمية ليلة القدر بهذه التسمية، ولا يمنع أن تكون كل هذه الأوجه متحققة مع بعضها البعض، حيث لا تنافي بينها. وهذه الأوجه هي:

الوجه الأول: نابع من معنى الضيق وعدم السعة، فإن ليلة القدر هي ليلة تضيق الأرض فيها بملائكة الرحمة، نتيجة كثرة أنواع وألوان الملائكة الذين ينزلون فيها، من كروبيين ومسبحين وروحانيين، قال تعالى: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ([1]).

الوجه الثاني: مفاده أن سر التسمية كامن، في أن ليلة القدر ذات قدر وشأنٍ عظيم عند الله تبارك وتعالى، وهذا الملمح يستشف من قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ([2]).

الوجه الثالث: إن ليلة القدر بتسميتها هذه، قد أخذت من التقدير – أي أنها ليلة التقدير([3]) – وهذه الجهة قد سلطت الضوء عليها الآية الشريفة: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ([4])، فكل موجود يمر بطورين من الوجود:
1-  الوجود الإجمالي.
2-  الوجود التفصيلي.


إن هذين الطورين من الوجود يمر بهما كل موجود، دون اختصاص بموجود دون آخر، فكل موجود كان مستغرقاً في طور وجوده الإجمالي، ثم انحل هذا الوجود، صار وجوداً تفصيلياً.

مثال: الطبيب قبل أن يكون مفهوم الطب متعيناً بنحو تفصيلي فيه باصطلاحاته ومعلوماته ومقرراته، كان متعيناً في هذا الطبيب بنحو إجمالي، من خلال المعلومات التي اغترفها وتلقاها في مراحل دراسية سابقة، كمرحلة الثانوية والمتوسطة وهذه المرحلة كانت سابقة، على مرحلة الجامعة التي كانت بوابة ومصدر العلم التفصيلي.

والإنتقال من مرحلة الإجمال إلى التفصيل، هي ما قصدته الآية السالفة الذكر: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ}([5])، والتفصيل هنا يعم جميع الكائنات والمخلوقات، من أصغر ذرة إلى أعظم مجرة، بلحاظ أن السير الوجودي المجمل لكل الموجودات، سيفصل ويفرق في ليلة القدر، وسيجعل له حدود وقيود تكون نقطة انطلاقها، في ليلة القدر الفعلية إلى ليلة القدر التالية، وهذا ما تشير إليه عدة آيات قرآنية كمثل قوله جل في علاه: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ([6])، أي أن الموجودات كل الموجودات، كانت مخزونة باعتبار أنها كانت مستنبطة للوجود الإجمالي، قال تعالى: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ([7])، ثم تحولت هذه الخزائن إلى وجودات مادية ومفصلة، قال الحق عز وجل: ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ([8])، بمعنى أن الموجودات قد استحالت إلى ألوان وأشكال تفصيلية.
 
* السيد منير الخباز - بتصرّف

[1]  سورة القدر الآية 4.
[2]  سورة الدخان الآية 3.
[3]  قد أشار إلى هذه الوجوه كوكبة من علمائنا الأبرار أعلى الله في الخلد مقامهم كالشيخ الطبرسي صاحب مجمع البيان في مجمعه ج 10 ص 450 والعلامة الطبطبائي في ميزانه ج 20 ص 331 والعلامة المحقق الحجة الشيخ فرج العمران القطيفي جد المقرر له في سفره اللطيف ليلة القدر ص 17 – 18.
[4]  سورة الدخان الآيات 4-5.
[5]  سورة الدخان الآيات 4-5.
[6]  سورة الحجر الآية 21.
[7]  سورة الحجر الآية 21.
[8]  سورة الأنعام الآية 59.

الأربعاء, 06 حزيران/يونيو 2018 12:06

تشكيل الحكومة الإسلامية ومكتسباتها

لم يكن تحقّق وعود الامام الخميني (قدس سره) وانتصار الثورة الإسلامية في إيران، مجرّد حادثة داخلية قادت إلى تغيير النظام السياسي، بل كانت الثورة الإسلامية زلزالاً مدمّراً للعالم الغربي كما وصفها كثير من المسؤولين الأميركيين والاسرائيليين والاوروبيين في مذكراتهم التي نشرت فيما بعد. وهكذا، ومنذ صبيحة الحادي عشر من شباط فبراير 1979، بدأ عداؤهم للنظام الإسلامي الفتي، بشكل سافر وواسع وشامل. كانت أميركا تقود جبهة الأعداء التي ساهم فيها بشكل فاعل كل من الحكومة الانجليزية والعديد من الدول الأوروبية الأخرى. جنباً إلى جبن مع كافّة الأنظمة العميلة للغرب، كما انضمّ الاتحاد السوفيتي السابق والبلدان الدائرة في فلكه- بسبب امتعاضهم من سيادة الدين في إيران- إلى الأميركيين وناصروهم في الكثير من مواقفهم العدائية ضد إيران.

وكان الامام الخميني (قدس سره) يطمح،من خلال إعلان التعبئة العامة للشعب الايراني لإعمار البلاد،إلى تجسيد مثال المجتمع الديني السليم والمتطوّر.وبوحي من ذلك أعلن عن تشكيل مؤسسة "جهاد البناء" التي هيّأت الأرضية لحضور الكوادر المتخصّصة والطاقات الثورية في المناطق المحرومة والقرى والأرياف،لتبدأ خلال فترة وجيزة عمليات شق الطرق وإنشاء المراكز الصحية والعلاجية وتأسيس شبكات المياه والكهرباء على نطاق واسع.

ولم يمض سوى شهرين على انتصار الثورة،حتى أعلن الشعب الايراني في واحدة من أكثر الانتخابات حرية في تاريخ ايران،عن تأييده بنسبة 2/98% لإقامة نظام الجمهورية الإسلامية في إيران.وتلت ذلك الإنتخابات السياسية لتدوين الدستور والمصادقة عليه،وإقامة إنتخابات الدورة الأولى لمجلس الشورى الإسلامي.

في هذا االظرف بالذات إشتد تصعيد أمواج الفتن ووتيرة الضغوط الخارجية.وكانت أميركا تسعى عن طريق طابورها،إلى إلهاء النظام الإسلامي بمشاكله الداخلية، والتمهيد لإسقاط النّظام عبر إثارتها للفتن والإختلافات.

ومن أولى الحروب التي لجأ إليها أعداء الثورة لإضعاف نظام الجمهورية الإسلامية، إغتيال وجوه الثورة وشخصياتها المهمة.وخلال فترة وجيزة غيّبت وجوه بارزة في طليعتها العلامة الشهيد آية الله مرتضى المطهّري – عضو مجلس قيادة الثورة – والدكتور محمّد مفتح والفريق قرني – رئيس هيئة الأركان – والحاج مهدي عراقي وآية الله قاضي الطباطبائي.

إن أميركا ليست فقط لم تستجب لمطالب الشعب الإيراني المشروعة، الداعية إلى تسليم الشاه وإعادة الأموال والودائع الإيرانية المجمّدة في أميركا والتي بلغت إثنتين وعسرين مليار دولار، بل وضعت إمكانات واسعة تحت تصرّف مسؤولي نظام الشاه الفارّين، لتمكينهم من تنظيم تشكيلاتهم في الخارج وإشهار عدائهم للنظام الإسلامي.

ونتيجة للعداء الأميركي الصّارخ دفع غضب الشعب الإيراني مجموعة من الطلبة المسلمين الإيرانيين إلى إقتحام السفارة الأميركية في طهران، واعتقال الجواسيس الأميركان بعد القضاء على مقاومة حرّاس السفارة من الأمريكيين.

أيّد الامام الخميني (قدس سره) الخطوة الثورية للطلبة ووصفها بأنّها ثورة أعظم من الثورة الأولى. وقام الطلبة السائرون على نهج الإمام بنشر الوثائق التي عثروا عليها في السفارة بالتدريج في أكثر من سبعين كتاباً حملت عنوان " وثائق وكر التجسس الأميركي في ايران".

وقد كشفت هذه الوثائق المسشلّم بصحتها، النقاب عن أسرار التجسّس والتدخّل الاميركي الذي لا حدود له في كل من ايران وبلدان العالم، وأظهرت للعيان الكثير من عملاء أميركا وأدواتها وجواسيسها، وأساليب التجسّس والتحرّكات السياسية الاميركية في مناطق العالم مختلفة.

مثّل احتلال السفارة الاميركية، التي عُرفت في ثقافة الثورة الإسلامية بـ " وكر التجسّس"، فضيحة كبرى للحكومة الاميركية، وحقّق للشعب الايراني مكاسب عديدة لعلّ أبرزها. فضلاً عن ضمان استمرار الثورة. تحطيم الغرور الاميركي وبثّ الأمل في نفوس شعوب العالم الثالث بامكانية مواجهة القوى الكبرى وإلحاق الهزيمة بها.

إن هزيمة المخطّطات الاميركية التي استهدفت الاطاحة بنظام الجمهورية الاسلامية، بدءاً بالخطر الاقتصادي والعزلة السياسية التي فرضت على إيران، ومروراً بعملية " صحراء طبس" وانتهاءً بمحاولات تجزئة البلاد عن طريق دعمها للتنظيمات المعادية للثورة، كل ذلك دفع الحكومة الأميركية للتفكير في اختيار الخيار العسكري.

وهكذا بدأ الجيش العراقي في 22/9/1980م، بإيحاء من الحكومة الاميركية ودعم القوى الكبرى، عدوانه العسكري الواسع على امتداد 1289 كم من الحدود المشتركة مع ايران. وتزامناً مع تقدّم هذه القوات، قامت الطائرات العراقية. في الساعة الثانية من عصر ذلك اليوم. بقصف مطار طهران والعديد من المدن الاأخرى.

قوبل خبر شن العراق للحرب ضد ايران رغم أهمّيته القصوى، بصمت مطبق من قبل المحافل الدولية والقوى العالمية كافّة. بيد أن ما يثير الإعجاب ويبعث على التأمّل إلى حدّ كبير، ردود الفعل الأوّلية التي صدرت عن الامام الخميني (قدس سره)، التي عكسها بياناته وخطاباته التي تطرّقت إلى اعتداء الجيش العراقي من أبعاد مختلفة. إلاَّ أنه لا يتّسع_ للأسف_ المجال هنا للحديث عن دقائقها وخصوصياتها.

أصدر الإمام على الفور أمر المقاومة. وفي أوّل تحليل له خلال خطاب ألقاه، اعتبر أميركا المسبّب الأساس لهذه الحرب والمحرّك لصدام. الرئيس العراقي. والدعم له. وطمأن الشعب الايراني بصريح العبارة بأنه إذا ما هبّ لرد العدوان من أجا رضا الله بوصفه واجباً شرعياً، ستكون هزيمة العدو حتمية، رغم كل العوامل الظاهرية التي كانت تشير إلى عكس ذلك.

حدّد الامام الخميني (قدس سره)،في اليوم التالي من بدء الهجوم العراقي، عبر بيان وجّهه للشعب الايراني ضم سبعة بنود مقتضبة إلاّ أنها دقيقة وشاملة، حدّد الخطوط العامة للطريقة التي ستدار بها الحرب وشؤون البلاد في ظروف الحرب. وفي الوقت ذاته أتمّ الحجّة على الشعب العراقي وجيشه عبر بيانات عديدة أصدرها. ومن يومها مارس إشرافه وقيادته لدفاع الشعب الطويل الشاق على مدى ثماني سنوات، بحكمة نادرة.

استقبل الشباب الايراني الثوري أمر الإمام الداعي إلى التعبئة العامة وتشكيل جيش العشرين مليوناً بحفاوة بالغة. ويومها أوجدت صور تدريب قوات التعبئة وإرسالهم إلى جبهات القتال، في ايران أجواءً مفعمة بالمعنويات. كما أن الانتصارات المتلاحقة التي حقّقها مقاتلوا القوات الإسلامية قد أظهرت للعيان الضعف والارباك الذي دبّ في صفوف العدوّ.

وشيئاً فشيئاً أسفرت أميركا وحلفاؤها الاوروبيون عن وجوهمم المتسترة وراء الحرب وبدأت أنواع الأسلحة المتطوّرة. التي كانت عملية الحصول عليها، حتى في ظروف السلم، شاقّة للغاية وتستغرق وقتاً طويلاً من المباحثات والتنازلات. بدأت تنهال على العراق بسرعة مدهشة وتوضح تحت تصرّف صدام.

ونتيجة لذلك لم يتوان العراق عن ارتكاب أفظع الجرائم الوحشية من قبيل القصف الجوي المكثّف للمدن والقرى وتدمير المراكز الاقتصادية، وإطلاق الصواريخ المدّمرة بعيدة المدى على المناطق السكنية التي كانت تخلّف وراءها مئات الضحايا من النساء والأطفال. وكل ذلك يتمّ على مرأى ومسمع من المنظّمات الدولية التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان دون أن تنبس ببنت شفة.

ولم تتمكن المساعدات الواسعة والشاملة التي كانت تقدّم لصدام، من تغيير مجرى الحرب والموقف في جبهات القتال لصالحه، بل كان الموقف يسير بوتيرة متسارعة لصالح القوات الإسلامية.

وتزامناً مع تصعيد وتيرة قصف المناطق السكينة وإطلاق الصواريخ البعيدة المدى، لجأت أميركا إلى التدخّل المباشر في الحرب. إذ توجّهت حاملات الطائرات الاميركية والانجليزية والروسية باتجاه الخليج الفارسي للتواجد على مقربة من مسرح العلميات.
وكانت أميركا بأن الخيار الوحيد المتبقّي هو تدويل الحرب ودفع البلدان الأخرى للتدخّل المباشر. ولهذا لجأت إلى ما عُرف فيما بعد بحرب الناقلات، وكانت مهمّة القوات الأجنبية الموجودة في مياه الخليج الفارسي، تتلخّص في منع تصدير النفط الايراني وتوقيف السفن التجارية وتفتيشها ومن ثم الحؤول دون وصول السلع الأساسية إلى الجمهورية الإسلامية. وخلال هذه الأحداث تعرّضت العديد من السفن التجارية وحاملات النفط الايراني إلى القصف الصاروخي والحملات الجوية الأميركية. كما أضرمت القوّات الأميركية النيران في العديد من آبار النفط الإيرانية ومنصّاتها في مياه الخليخ الفارسي. وفي آخر ممارساتها العدوانية أقدمت الحكومة الأميركية على ارتكاب جريمة يندى لها جبين الإنسانية، إذ قامت حاملة الطائرات الأميركية" وينسن" في تموز عام 1988م بإطلاق صاروخين باتجاه طائرة مدنية ايرانية كانت تحمل على متنها 290 راكباً من النساء والأطفال والرجال، واسقاطها في مياه الخليج الفارسي وقتل جميع ركابها.

ومن الحوادث المؤلمة التي شهدتها هذه المرحلة، الذبحة التي ارتكبها أفراد النظام السعودي بحق الايرانيين من حجاج بيت الله الحرام، ففي يوم الجمعة السادس من ذي الحجة عام 1407 للهجرة 2/8/1987م وفيما كان أكثر من مئة وخمسين ألف حاج يسيرون في شوارع مكّة للمشاركة في مراسم البراءة من المشركين، هجم عليها فجأة من كل حدب وصوب أفراد الشرطة السعودية بلباسهم العسكري والمدني، بعد أن تم إغلاق جميع المنافذ، هجموا عليهم بمختلف أنواع الأسلحة وأمعنوا في قتلهم وجرحهم وضربهم والانتقام منهم، وقد استشهد في هذه الواقعة ما يقارب الأربعئمة حاج من الحجاج الايرانيين واللبنانيين والفلسطينيين والباكستانيين والعراقيين وحجّاج بقية البلدان، والذي قدر بأكثر من خمسة آلاف حاج، كما ألقي القبض على العديد من الأبرياء.

إن حشود القوات الغربية في الخليج الفارسي وما شهدته الشهور الأخيرة من حرب الثماني سنوات، لم يأت اعتباطاً، إنما جاء في وقت أظهرت القوات الإسلامية تفوّقها التام، مما أجبر العدو على الانسحاب إلى ما وراء الحدود في معظم المناطق التي كان يحتلهما من قبل، وبعد أن شارفت الحرب على اجتثاث جذور الفتنة من المنطقة. وكاد سقوط صدام على أيدي القوات الإسلامية أن يعلن للعالم هزيمة قوى عالمية عديدة في مواجهتها للثورة الإسلامية. ولهذا تركّزت مساعي أميركا ومجلس الأمن _ خلافاً لما كان عليه موقفهما في السابق_ في سدّ الطريق أمام تقدّم المقاتلين الايرانيين والحؤول دون سقوط صدام.

وجاء بيان الامام الخميني (قدس سره)، الذي عُرف ببيان قبول القرار 598/20 تموز 1988م ليجسّد حكمة الإمام وقيادته الفذّة بأبهى صورة. إذ تطرّق إلى نتائج الحرب المفروضة وأبعادها بصراحة ووضوح، وحدّد الخطوط العامة لمستقبل النظام والثورة الإسلامية في مختلف المجالات بما فيها المواجهة مع القوى الكبرى والتمسّك بأهداف الثورة وتطلّعاتها.

وهكذا تنتهي حرب الثماني سنوات دون أن يظفر مشعلو فتيلها في تحقيق أي واحد من أهدافهم. ومرّة أخرى يبرهن الشعب الايراني النبيل في ظل قيادة الإمام الحكيمة، على حقّانّيته وسلامه مسيرته، وأن يجعل أمنية تجزئة ايران الإسلامية وهزيمتها حسرة في قلوب أعدائها.

إنّ أخطر جرائم صدام وأعظم خياناته مع البلدان التي تتستر برادء العروبة والاسلام، التي شجّعته على العدوان وقدّمت له مختلف أنواع الدعم والمساعدة، فضلاً عن هدر الطاقات العظيمة الانسانية والاقتصادية لكلا البلدين، هو أنه بشنّه لهذه الحرب المقيتة تنفيذاً لأوامر أسياده، قد قضى على الجهود التي بذلت على طريق توحيد الأمة الإسلامية وتحقّق ثورة الإسلام العالمية، إذ كانت الظروف قد تهيّأت تماماً لتحقيقها بعد سقوط سقوط الشاه.

وما ان استتب السلام نسبياً، أصدر الامام الخميني (قدس سره) بياناً 3/10/1988م من تسعة بنود حدّد فيها لمسؤولي الجمهورية الإسلامية النهج الذي ينبغي في مسيرة إعادة بناء البلاد وإعمارها. وتكفي القراءة المتأنية لهذه البنود لاستشفاف عمق نظر الإمام وأصالة القيم التي يؤمن بها.

ومن المواقف المهمة الأخرى التي صدرت عن الامام الخميني (قدس سره) في الأشهر الأخيرة من عمره المبارك، والتي تستحق التأمّل، الرسالة التي بعث بها سماحته إلى غورباتشوف، آخر رؤساء الاتحاد السوفياتي السابق، ففي هذه الرسالة التي بعث بها في 1/1/1989م أشار الإمام ضمن تحليله للتحوّلات التي شهدها الاتحاد السوفياتي، إلى عجز النظام الماركسي الالحادي عن إدارة المجتمع، وأعلن بأن مشكلة الاتحاد السوفياتي الأساسية تكمن غفي عدم إيمان قادته بالله. وحذّرهم من الانقياد إلى النظام الرأسمالي الغربي وأن لا تخدعهم أميركا. وفي جانب آخر من الرسالة، وضمن تطرّقه إلى المسائل الفلسفية والعرفانية العميقة، وإشارته إلى فشل الشيوعيين في سيالساتهم المعادية للدين، طلب الامام الخميني (قدس سره) من السيّد غورباتشوف أن يؤمن بالله وبالدين بدلاً من عقد الآمال على التوجّهات المادية للغرب.

ومن الحوادث المهمة والمؤلمة، التي شهدتها الشهور الأخيرة من عمر الإمام، طباعة ونشر كتاب " الآيات الشيطانية" من قبل إحدى دور النشر الغربية. وإذا ما نظرنا إلى حقيقة التأييد الغربي الرسمي لمؤلّف هذا الكتاب_ سلمان رشدي_ ندرك أن هذا الدعم مثّل بداية فصل جديد من الهجوم الثقافي الغربي ضد القيم والمقدّسات الإسلامية. إذ أن الكتاب استهدف الطعن بالأصول الإسلامية والإساءة إلى المقدّسات. التي كان التحمسّ للذود عنها سبباً في توحّد نهج الحركات الإسلامية التي ظهرت في العقود الأخيرة وانسجام أهدافها وتطلّعاتها.

أصدر الامام الخميني (قدس سره) بتاريخ 14/2/1989م بياناً انطلاقاً من الحقائق المسلّمة بها، وعلى ضوء المعتقدات الإسلامية التي تحظى بتأييد مذاهب المسلمين، واستلهاماً من فتاوى علماء الإسلام الكبار التي تحتفظ بها الكتب الفقهية للفرق الإسلامية، أكّد فيه ارتداد سلمان رشدي والحكم عليه وعلى ناشري الكتاب المطلّعين على محتواه بالقتل.

ومع صدور حكم الإمام، وقف المسلمون بشتعى مذاهبهم ولغاتهم وقومياتهم، بصفوف مرصوصة في مواجهة الهجوم الغربي الذي أعدّ له مسبقاً. وقد أظهرت هذه الحادثة للعيان، تماسك المجتمع الاسلامي ووحدة الأمة الاسلامية تجاه الأخطار التي تهدّدها، وأوضحت بأن المسلمين، رغم اختلافاتهم الداخلية. متى ما توفّرت لهم القيادة الحقيقية بإمكانهم. بوصفهم طليعة حركة الاحياء الديني. أن يضطلعوا بدور مصيري في رسم مستقبل العالم.

كما استطاع الامام الخميني (قدس سره) في السنوات التي أعقبت انتصار الثورة الاسلامية، رغم المؤامرات المتلاحقة لأعداء الإسلام وفي مقدّمتهم أميركا، التي استهدفت اسقاط الحكومة الإسلامية في ايران وفرضت حرب الثماني سنوات على الشعب الايراني المسلم، استطاع الإمام عبر توجيهاته وقراراته بتشكيل المؤسسات الثورية والمراكز الحيوية وإعادة تنظيم التشكيلات الموروثة والمراكز الحيوية وإعادة تنظيم التشكيلات الموروثة عن النظام السابق، أن يمهّد الأرضية لخدمات واسعة وقيّمة للشعب الايراني.

إن تشكيل مؤسسات من قبيل مؤسسة" جهاد البناء" و" لجنة الإمام الخميني للاغاثة" و " مؤسسة شهداء الثورة الإسلامية ".و" مؤسسة المستضعفين"، و" نهضة محو الأمية"، و...التي شملت بخدماتها أقصى نقاط إيران وأكثر القرى والأرياف المحرومة،هي من جملة الانجازات التي تحقّقت في حياة الامام الخميني (قدس سره).

كما أن تشكيل كل من "لجان الثورة الإسلامية " و " قوات حرس الثورة الإسلامية" وإعادة تنظيم " جيش الجمهورية الإسلامية في ايران"، ودور هذه الكيانات في المحافظة على الأمن وردّ عدوان النظام البعثي وإحباط مؤتمرات الأعداء، تعدّ من الانجازات المثيرة والباهرة للثورة الإسلامية.

ومن جملة الأمور التي تحقّقت بـأكيد سماحة الإمام ومتابعة لها شخصياً، التحوّل الذي شهدته الحوزات العلمية، وإعادة النظر في مناهج المدارس والجامعات، وإقامة دورات جامعية جديدة بمستويات مختلفة، وإنشاء الجامعات ومراكز التعليم العالي في المناطق المحرومة، وتوسيع مدى بثّ مؤسسة الاذاعة والتلفزيون إلى أقصى نقطة في البلاد، وتقديم خدمات الاتصالات إلى أبناء هذه المناطق.... علماً أن تشكيل المجلس الأعلى للثورة الثقافية وتولّيه مسؤولية الإشراف على برامج الدورات الجامعية وتدوين المناهج الدراسية للجامعات، وإعداد الأساتذة الجامعيين، وتنظيم القبول في الجامعات، هي من جملة الخطوات التي تمّت المباشرة بها منذ أوائل انتصار الثورة الإسلامية.

وبعد عشرة أعوام من تجربة نظام الجمهورية الإسلامية في ايران، بعث سماحة الامام الخميني (قدس سره) بتاريخ 24/4/1989 رسالة إلى رئيس الجمهورية وقتئذ_ سماحة آية الله الخامنئي_ أوكل فيهما إلى لجنة من أصحاب الرأي والخبراء مسؤولية دراسة وتدوين التعديلات اللازمة في الدستور على أساس محاور حدّدها الرسالة، وذلك بدافع اصلاح وتكميل تشكيلات النظام الإسلامي.

إن مثل هذا القرار ونظائره يشير بوضوح إلى أي حدّ كان هاجس ترسيخ وتقوية أركان الحكومة الإسلامية، يشغل فكر الامام (قدس سره). وكيف أنه كان ينتهز كل فرصة ليمهّد الأرضية ويعبّد الطريق أمام تطبيق الأحكام الإسلامية على أحسن وجه.

* كتاب لمحات من حياة وجهاد الإمام الخميني (قدس سره)، مركز الإمام الخميني الثقافي.

الأربعاء, 06 حزيران/يونيو 2018 12:03

يوم القدس العالمي

1- إعلان يوم القدس العالمي
من القضايا والرموز الكبرى التي أعلن لها الإمام الخميني قدس سره يوماً خاصاً للإحياء وتجديد العهد والعمل وفق ما يقتضيه الحدث او القضية القدس حيث اعلن الإمام قدس سره يوماً عالمياً لها، وذلك في يوم الجمعة الاخير من شهر رمضان المبارك من كل عام، والملفت في هذا الاعلان عدة امور:

أولاً: ان الاعلان جاء بعد ستة اشهر من عودة الإمام الخميني قدس سره التاريخية الى ايران وبعد اربعة اشهر من قيام الجمهورية الإسلامية أي في تموز من العام 1979 م مما يؤكد على مدى حضور هذه القضية وعلى حيّز الاولوية الذي شغلته في فكر الإمام.

ثانياً: ان اليوم، لم يكن خاصاً بالمسلمين، بل يوماً عالمياً، ولعل في ذلك اشارة الى اعطاء الإمام للقضية بعدها العالمي، كنموذج للصراع بين الحق والباطل، وهذا ما عبر عنه الإمام والذي سيتضح من دلالات يوم القدس.

ثالثاً: ان اعلان اليوم حصل في شهر رمضان، وهو شهر الوحدة بين المسلمين، الذين يلبي اكثرهم نداء الحق ويحلوا في ضيافة الرحمن متوجهين نحوه بالدعاء والابتهال، موطّنين انفسهم على القيام بالواجب وترك المحرم، وعلى القيام بفريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهل هناك في حياة الامة وواقعها اليوم منكرٌ اخطر وأسوأ من احتلال القدس من قبل الصهاينة.. فلا بد ان يوطّن المؤمنون انفسهم على تلبية نداء الحق في هذا الشهر وقلوبهم معلقة بالحق قريبة منه، تعيش حالة من الحقانية المتميزة، كما ان شهر رمضان يمثل بالنسبة للمسلمين شهر الجهاد والانتصار، ففي شهر رمضان كان فتح مكة الذي عبّر الله سبحانه وتعالى عنه ب " اذا جاء نصر الله والفتح " فشهر رمضان موسم النصر والفتح، ولعل التاريخ يعيد نفسه فتتحرر القدس ويحصل الفتح من جديد في شهر رمضان وانطلاقاً منه.

رابعاً: دلالة ورمزية يوم الجمعة الذي هو عيدٌ للمسلمين جميعاً، يتوجهون فيه الى بيوت الله تعالى لاقامة الجماعة واداء الجمعة، في حالة من الخشوع والتقرب الى الله، وفي حالة من الوحدة والالفة بين المسلمين والمؤمنين.

خامساً: رمزية اليوم مع التوقيت (الجمعة الاخيرة من شهر رمضان)، حيث هذه الايام الاخيرة وخصوصاً الجمعات منها لها خصوصيات عبادية هامة، فهي الايام التي تختصر خيرات الشهر، وفي احدى لياليها تستتر ليلة القدر التي هي خير من الف شهر، والتي يعبّر فجرها عن ظهور الحق عبر الصيحة التي ستحصل وتبشر العالم بخروج الإمام المهدي‏رحمه الله الذي سيطرد اليهود وللابد من فلسطين، حيث ستكون القدس هي مكان الاعلان عن قيام دولة العدالة الالهية، وعن سطوع شمس الحق على هذه المعمورة من خلال تلك الصلاة العالمية التي سيشارك فيها كل رموز الحق بامامة بقية الله ارواحنا فداه.

واما نص دعوة الإمام الخميني قدس سره فهو: "ادعو جميع مسلمي العالم الى اعتبار اخر جمعة من شهر رمضان المبارك التي هي من ايام القدر ويمكن ان تكون حاسمة في تعيين مصير الشعب الفلسطيني يوماً للقدس، وان يعلنوا من خلال مراسم الاتحاد العالمي للمسلمين دفاعهم عن الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني المسلم".

2-
دلالات وابعاد يوم القدس العالمي
أ- يوم مواجهة المستضعفين مع المستكبرين: انه يوم عالمي، له علاقة بالصراع بين الخير والشر، وعمليا بين محور الشر المتمثل بالمستكبرين ومحور الخير الذي يجسده المستضعفون.
ومما جاء في كلام الإمام قدس سره حول هذا الموضوع: "يوم القدس يوم عالمي، ليس فقط يوماً خاصاً بالقدس، انه يوم مواجهة المستضعفين مع المستكبرين".ويقول قدس سره: "انه يوم مواجهة الشعوب التي عانت من ظلم أمريكا وغيرها للقوى الكبرى".

ويقول أيضاً: "انه اليوم الذي يجب ان يتجهّز فيه المستضعفون في مقابل المستكبرين ليمرغوا انوف المستكبرين في التراب".
وكذلك فانه يوم يجب توجيه التحذير فيه لكل القوى الكبرى بوجوب رفع يدها عن المستضعفين ويوم تثبيت حق المستضعفين في الوجود والحياة والحضور والتأثير على ساحة وميدان الحياة الدنيا:

يقول الإمام الخميني قدس سره: "يوم القدس، يوم يجب ان تتحدد فيه مصائر الشعوب المستضعفة، يوم يجب فيه ان تعلن الشعوب المستضعفة عن وجودها في مقابل المستكبرين".
ويقول قدس سره: "يوم القدس يوم يجب ان نخلّص فيه كل المستضعفين من مخالب المستكبرين، يوم يجب ان تعلن كل المجتمعات الإسلامية عن وجودها وتطلق التحذيرات الى القوى الكبرى".

يوم القدس هو محطة ومناسبة لتجميع المستضعفين وتوحيد كلمتهم بما يمكن ان يؤسس لحزب المستضعفين. وفي هذا البعد يقول الإمام الخميني : "لقد كان يوم القدس يوماً اسلامياً، ويوماً للتعبئة الإسلامية العامة، وامل ان يكون هذا الامر مقدمة لتأسيس حزب للمستضعفين في كل انحاء العالم، واتمنى ان يظهر حزب باسم المستضعفين في العالم".

ب- يوم القدس هو يوم الإسلام: بعد رمزيته العالمية والانسانية، تأتي الرمزية الدينية للقدس، كتعبير عن مكانة الإسلام كدين الهي يريد ان يصلح العالم وان يرفع الظلم ويقيم العدل، واحد الرموز الفعلية لذلك هو القدس وما تدلل عليه في عملية احيائها وتحريرها كعملية لاحياء الدين واقامته ونشره.

وفي هذا المعنى يقول الإمام الخميني قدس سره: "يوم القدس، يوم الإسلام، يوم القدس، يوم يجب فيه احياء الإسلام وتطبيق قوانينه في الدول الإسلامية، يوم القدس، يجب ان تحذر فيه كل القوى من ان الإسلام لن يقع بعد الان تحت سيطرتهم وبواسطة عملائهم الخبثاء".
ويقول قدس سره: "يوم القدس، يوم حياة الانسان، يجب ان يصحو جميع المسلمين وان يدركوا مدى القدرة التي يمتلكونها سواء المادية منها ام المعنوية".
"يوم القدس، ليس فقط يوما لفلسطين، انه يوم الإسلام، يوم الحكومة الإسلامية يوم يجب ان تنشر فيه الجمهورية الإسلامية اللواء في كل انحاء العالم".
"انني اعتبر يوم القدس يوماً للاسلام ويوماً لرسول الله (ص) ويوم يجب ان نجهّز فيه كل قوانا لاخراج المسلمين من العزلة".

ج- يوم القدس هو يوم الالتزام ونفي النفاق: بعد البعدين العالمي والإسلامي، الانساني والديني، كان البعد التطبيقي ليوم القدس، الذي يجسّد حقيقة الالتزام بالإسلام، وواقع الانتهاج بنهجه، والاستنان بسنته والاحتكام الى تشريعاته، بحيث ان هذا اليوم هو المميز بين المسلمين حقاً من غير المسلمين بالمعني الفعلي، او بالاحرى هو الذي يميّز المؤمنين عن المنافقين.

يقول الإمام الخميني قدس سره: "انه اليوم أي يوم القدس الذي سيكون مميزاً بين المنافقين والكثيرين فالملتزمون يعتبرون هذا اليوم، يوماً للقدس ويعملون ما ينبغي عليهم، اما المنافقون فانهم في هذا اليوم غير ابهين او انهم يمنعون الشعوب من اقامة التظاهرات". ويقول ايضاً: "ان الذين لا يحيون مراسم يوم القدس هم مخالفون للاسلام وموافقون للصهيونية".

3- الواجب تجاه يوم القدس
بعد اعطاء الابعاد الحقيقية ليوم القدس، اكد الإمام الخميني قدس سره على ضرورة احياء هذا اليوم، الذي جعل له شعائر خاصة، تعبّر عن حقيقة الاحياء، فليس الامر مجرد رفضٍ للصهيونية ولهيمنتها ولتسلطها وليس هو مجرد النكران القلبي للظلم الناتج عن احتلال القدس، ومشروع تهويدها، انما الامر يتعدى ذلك الى التحرك والنزول الى الشارع والتعبير العملي عن الاستنكار والرفض للصهيونية وللاستكبار.

يقول الإمام الخميني قدس سره: "ان يوم القدس، يوم يجب ان تلتفت فيه كل الشعوب المسلمة الى بعضها، وان يجهدوا في احياء هذا اليوم فلو انطلقت الضجة من كل الشعوب الإسلامية في الجمعة الاخيرة من شهر رمضان المبارك الذي هو يوم القدس لو نهضت كل الشعوب وقامت بنفس هذا التظاهرات ونفس هذه المسيرات، فان هذا الامر سيكون مقدمة ان شاء الله للوقوف بوجه هؤلاء المفسدين والقضاء عليهم في جميع ارجاء بلاد الإسلام".

ويقول ايضاً: "امل ان يعتبر المسلمون يوم القدس يوماً كبيراً وان يقيموا المظاهرات في كل الدول الإسلامية في يوم القدس وان يعقدوا المجالس والمحافل ويرددوا النداء في المساجد".

وقال قدس سره: "لو ان كل المسلمين في العالم خرجوا يوم القدس من بيوتهم وصرخوا (الموت لأمريكا، الموت لـ"اسرائيل")فان نفس قولهم الموت لهذه القوى سوف يجلب الموت له".

خاتمة
يمكن لمن يقرأ فكر الإمام الخميني قدس سره المتعلق بالقدس وبالقضية الفلسطينية عموماً ان يقرأ من خلاله الاسس والبنى الفكرية السياسية للامام الخميني قدس سره، هذه الاسس التي تعود في نهايتها الى الإسلام المحمدي الأصيل المبني اساساً على قاعدة التوحيد الكبرى، حيث كل الامور والموضوعات والمسائل الفلسفية والدينية والاخلاقية والسياسية محكومة بهذا الاصل وترجع الى هذه القاعدة، فما يشد الى التوحيد ويساعد عليه فهو الهي واسلامي، وما يبعد عن التوحيد فهو مناقض للاسلام حتى لو كان ظاهره دينياً واسلامياً، من هنا ميّز الإمام الخميني قدس سره في كلماته وتعبيراته بين الإسلام الظاهري او الإسلام الامريكي او الإسلام الشرقي او الغربي وبين الإسلام المحمدي الأصيل تماماً كما جاء على لسان الرسول الاكرم ، ومن اسس هذا الدين الحنيف الدفاع عن الحق والوقوق بوجه الظلم والظالمين وعدم المهادنة في هذا الامر، لانه بحسب هذه القاعدة، ليس بعد الحق الا الضلال، فليس هناك حالة تذبذبية ولا حالة وسطية في موضوع المواجهة بين هذين الطرفين، فاما يكون الانسان او الجهة مع الحق واما مع الباطل والضلال، وقد اكد الإمام الخميني قدس سره هذه الحقيقة في المواقف التي اطلقها والمرتبطة بالعلاقة مع أمريكا التي عبّر عنها الإمام بالشيطان الاكبر وبرأس الكفر في العالم، حيث اعتبر الإمام انها تمثل الباطل في اجلى صوره، وبالتالي فان الحق بوجد في الطرف المقابل لأمريكا، وانه لا يمكن ان يتعايش اسلام مع هذا الطاغوت، والالتزام الفعلي بالإسلام يعني الموت لأمريكا ذلك الشعار الكبير الذي طرحه الإمام قدس سره، وأمريكا هذه بحسب قول الإمام قدس سره تسعى بحسب ماهيتها للقضاء على الإسلام، من خلال مشروع التوسع في عالمنا الإسلامي ونهب ثرواته والقضاء على هويته ونسخ فكره وحرف قيمته وهدم مقدساته، وتعمل أمريكا على كل ذلك من خلال موطئ القدم الاساسي لها في منطقة الشرق الاوسط والمتمثل ب"اسرائيل". من هنا اصبحت "اسرائيل" بالنسبة للامام غدة سرطانية يجب اجتثاثها لانها رأس الحربة في المشروع الاستكباري للانقضاض ليس فقط على عالم المسلمين وانما ايضاً على اسلامهم، لذا كانت المواقف التي وقفها الإمام الخميني قدس سره حاسمة في موضوع "اسرائيل" حيث قال بانها يجب ان تزول من الوجود ولم يدع أي مجال للمساومة والبحث والتفاوض في هذه المسألة، من هنا اخذت القضية الفلسطينية ابعاداً هامة باعتبارها تمثل ساحة الصراع بين:
-الحق والباطل.
-المستضعفين والمستكبرين.
-الإسلام والكفر.
-الالتزام والنفاق.

وبهذه الابعاد رفع الإمام قدس سره هذه القضية الى مصاف القضية الاولى التي يجب ان يتحرك المسلمون نحوها، وهي تمثّل عنصر التحفيز نحو القيام بالمسؤوليات الكبرى، وهي التي توجه المسلمين نحو المخاطر المحدقة بمستقبلهم، وهي التي تلفت الى المشاريع الاستكبارية، وهي التي تؤسس لعملية النهوض والقيام في جسم الامة وهي التي تحرك الجماهير وتساعد في استنهاضهم، وهي التي تعبّر عن مستوى الوعي واليقظة في جسم الامة، وهي التي تؤشر الى مستوى الحياة والحيوية في هذه الامة، وهي التي ترمز الى نسبة الموات في الامة، وهي التي تساعد في توحد الامة وقيامها جماعة للدفاع عن مقدساتها، وهي التي تلغي الاختلافات والتباينات بين اطراف الامة دولاً وشعوباً وتوحدهم على حقانية قضيتها. فصحيح ان قضية القدس بحسب الظاهر هي مسألة احتلال واغتصاب وانتهاك للمحرمات، لكنها في الحقيقة تمثل حضور الإسلام والمسلمين في عالم الدنيا ومدى حضورهم في حركة التاريخ، فاما ان المسلمين ميتون ولا حراك لهم ولا يستطيعون ان يؤثروا او يوفروا في مسيرة الحياة وما يؤشر على ذلك هو سكوتهم وصمتهم ازاء هذه القضية الساطعة "القدس" واما ان المسلمين وخصوصاً الشعوب فيهم بقية حياة ونسبة من الحيوية بما يجعلها تتحرك في سبيل الدفاع عن القدس والمطالبة بها، ورفع الصوت في مقابل "اسرائيل" والقوى التي تقف وراءها.

وهذه الابعاد للقضية الفلسطينية وللقدس هي التي جعلت الإمام‏قدس سره يختار احد اشرف ايام الله قداسة واعتباراً، وهو يوم الجمعة الاخير من ايام شهر رمضان المبارك، أي يوم الجمعة من ايام القدر التي هي خير من الاف الشهور، ليجعله يوماً للقدس، أي اختار اشرف يوم لاشرف رمز، واقدس شهر لاقدس قضية، واهم الازمنة لاهم الامكنة، وارفع الايام لارفع الامور، ليساعد ذلك في شد الانظار ولفت الانتباه لملايين المسلمين الى هذه القضية، والى ابعادها ودلالاتها فهي كما قال الإمام ليست مسألة شخصية ولا وطنية ولا قومية، وهي مسألة الإسلام، والحق والخير في هذا العالم، وكلما استطاع المسلمون ان يحرروا فلسطين والقدس كلما كانوا قادرين على تلبية الحق وعلى نشره في هذا العالم، الحق الذي يمثّله الإسلام، وفي حال لم يستطيعوا ان يحركوا ساكناً فهذا يعني ان الحق الذي يجسده الإسلام ضاع لان المسلمين الذين يفترض بهم ان يلتزموا به قد تخلوا عنه، من هنا اعطى الإمام‏قدس سره اهمية خاصة ليوم القدس واعتبره يوماً لاحياء الإسلام ولتطبيقه وانه لا بد من احيائه بالتظاهرات والمسيرات والاصوات والهتافات والاقلام والكتابات وسوى ذلك من التعبيرات التي تشهد على الصحوة في المسلمين، وكلما كان احياء هذا اليوم اكبر كلما كان مستوى الصحوة اضخم واوسع حتى يصل المسلمون وبحسب تعبيرات الإمام قدس سره ومن خلال الاحياء الواسع والدائم ليوم القدس الى استعادة قوتهم وتأكيد هويتهم ونشر دينهم واشاعة الحق في هذا العالم عندما يستطيعون بفعل هذا الاحياء بان يحرروا القدس وان يصلّوا في مسجدها، ومن هناك يعلنون ان الحق الذي يجسده الإسلام قد ظهر في ربوع هذه الدنيا وكانت شراراة انطلاقته من تلك الصلاة الجماهيرية الحاشدة.

وعند ذلك نتذكر قول الإمام الخميني قدس سره: "ان شاء الله سيأتي اليوم الذي يكون فيه كل المسلمين اخوة، وتقتلع كل بذور الفساد من كل بلاد المسلمين وتجتث جذور "اسرائيل" الفاسدة من المسجد الاقصى ومن بلدنا الإسلامي وان شاء الله نذهب معاً ونقيم صلاة الوحدة في القدس ان شاء الله"...

الأربعاء, 06 حزيران/يونيو 2018 12:02

رحيل مفجّر ثورة المستضعفين

إن شخصية الإمام روح الله الخميني (قدس سره)، بما امتازت به من خصال وسمات فذّة، لم تكن تتطلّع في كلّ اهتماماتها وتوجّهاتها، سوى إلى رضا الله تعالى فحسب، وتتوكّل عليه وتُحسن الظنّ به. ولعلّ هذا ما كان وراء سيرته الموفّقة وتحقيق سماحته كلّ هذه النجاحات، والفيض بكلّ هذه البركات على جميع الناس.

وفضلاً عن تحصيل العلوم وكسب المعارف والتفوّق في هذا الميدان، وكذلك تهذيب النفس وبناء الذّات والتحلّي بالمحاسن والخصال الفردية القيمة، كان الإمام يتمتّع - منذ مرحلة الشباب - بروحيّة مناهضة للظلم، وحرص شديد على متابعة القضايا السياسية والاجتماعية والإحاطة بخفاياها، وقد تنامى وتكامل لديه هذا الوعي بموازاة تكامله العلمي والروحي.

تواصل هذا النهج لدى الإمام بصور مختلفة، سواء في عهد رضا خان أو في عهد ابنه محمد رضا، إلى أن برزت قضية اتحاد الأقاليم والمدن بعد رحيل المرحوم آية الله العظمى السيّد البروجردي. وطرح تبعاً لذلك موضوع استفتاء الشاه والثورة المسمّاة بالبيضاء. وتواصلت الأحداث لتُفضي إلى انتفاضة الخامس عشر من خرداد حزيران 1963م، حيث اضطلع الحاج السيّد روح الله، بدور بارز في قيادة النهضة الشعبية والتصدّي للنظام الشاهنشاهي المستبدّ والظالم.

وبعد منتصف ليلة الخامس عشر من خرداد عام 1342 هـ.ش - 5 حزيران 1963م - تمّت مهاجمة منـزل الإمام الخميني في قم واعتقال سماحته، ومن ثم احتجازه لمدّة عشرة أشهر في طهران، حيث فُرضت عليه الإقامة الجبرية. إلا أنّ عوامل عديدة اضطرت النظام الحاكم للإفراج عنه. ولأنّه لا يساوم الظالمين ولن يهدأ له بال حيال الاستبداد الداخلي، ولا يرضى بالهيمنة الأجنبية على شؤون المسلمين، انتفض سماحته مرّة أخرى إزاء قضية منح الحصانة القضائية للرعايا الأميركيين في إيران. وفي ضوء ذلك ألقى خطاباً هاجم فيه بشدّة الولايات المتحدة وأياديها وأذنابها وربيبتها إسرائيل، إضافة إلى إصدار بيان شديد اللهجة ينتقد فيه سياسات النظام الحاكم، قاد في النهاية إلى نفيه إلى تركيا.

وخلال فترة النفي، التي أمضى عاماً منها في تركيا وثلاثة عشر عاماً في النجف الأشرف بالعراق، وفضلاً عن اهتمامه بالحلقات الدراسية في النجف، واصل السيّد روح الله النضال بأساليب مختلفة حتى بلغ ذروته واشتدّ لهيبه مع حادثة استشهاد نجله العالم الفاضل المرحوم آية الله السيّد مصطفى الخميني في الأول من آبان عام 1356 هـ.ش (1977/10/23م).

وبسبب الحصار الذي فُرض على تحرّكات الإمام الخميني في النجف، اضطر سماحته إلى ترك العراق والهجرة إلى فرنسا، وقيادة وتوجيه مسيرة النضال والثورة من هناك.

ومع خروج الشاه من إيران في 26/10/1356 هـ.ش (1978/01/16م)، وتصاعد النضال وبلوغه الذروة، عاد الإمام الخميني إلى أرض الوطن في 12 بهمن 1356 (1978/02/8م) - بعد غياب دام 14 عاماً - حيث كان في استقباله حشد جماهيري فريد لم يشهد التاريخ له نظير.

وبفضل قيادته وتوجيهاته، حقّقت الثورة الإسلامية الشعبية انتصارها في الثاني والعشرين من بهمن 1357 - 11هـ.ش (11 شباط 1979م) -، وأسّس سماحته الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتحلّ محلّ النظام الشاهنشاهي البغيض، وبذلك اضطلع الإمام الخميني بأعظم دور في تحرير الإنسان وإرساء دعائم واحدة من أكثر الحكومات شعبية، تتخذ من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف نهجاً لها.

ربّما يمكن القول بأنّ أبرز تطلّعات هذا الإنسان الصانع لنفسه، سواء انطلاقاً من موقعه كطالب للعلوم الدينية، أو كأستاذ وعالم بارز ومرموق في الحوزة العلمية بمدينة قم، أو كقائد للثورة والنهضة، أو من موقعه كمرجع ديني كبير وقائد للجمهورية الإسلامية الإيرانية - النظام الإلهي-، تتجلّى في تجسيد عبوديته لله تعالى في كافّة توجّهاته ونشاطاته وفي مختلف المراحل وجميع الأوقات. وبالتّالي أداء التكليف في ضوء هذه العبودية، ساعياً إلى إنقاذ الإنسان والسمو به في مدارج الكرامة والكمال. وفي هذا السياق يمكن النظر إلى تحرّكات سماحته في مقارعة الظلم، والتصدّي لهيمنة الأجانب سواء على المستوى الوطني وعلى صعيد العالم الإسلامي، والمستضعفين في العالم، والنضال ضدّ الشاه وأميركا وإسرائيل، ومناصرة الشعب الفلسطيني المظلوم، وقضايا عديدة من هذا القبيل، كلها تصبّ في هذا السياق وتأتي من هذا المنطلق.

ومن الواضح تماماً أنّ هذا الإنسان الباني لنفسه، وبوحي من أتباعه تعاليم الإسلام السامية في مختلف أبعاد وجوده، استطاع أن يسمو بنفسه في مدارج الكمال، وقد بلغ في تعلّقه بجمال الحقّ منزلة رفيعة أهّلته لأن يكون مظهراً لجمال المحبوب في مختلف الأبعاد الفردية والاجتماعية.

* سراج القلوب - بتصرّف

السبت, 02 حزيران/يونيو 2018 07:30

نصر المؤمنين

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

تتحدثُ الآيةُ المباركةُ عن معركةٍ فاصلةٍ في تاريخِ الإسلامِ، وهي معركةُ بدرٍ التي جعلتْ منَ المسلمينَ قوةً تتحدَّى أهلَ الشركِ والضلالِ، وفي ذلك الزمانِ كانت المعادلةُ السائدةُ مختلفةً تماماً، فلم تكن العادةُ تسيرُ على أنْ ينتصرَ الضعيفُ، أو أن تكونَ الغلبةُ للقلّةِ على الكثرةِ، فجاءت المعادلةُ الجديدةُ وقوامُها يعتمدُ على أنّ الصفاتِ الذاتيةَ والمتمثلةَ بالإيمانِ الصحيحِ والراسخِ وسائرِ الصفاتِ الأخلاقيةِ والدينيةِ يمكنُها أنْ تتغلَّبَ على أعظمِ القوى الماديةِ قهراً وقدرةً وتسلّطاً وتجبّراً.

وبهذا يكونُ المسارُ الجديدُ أنّ من توافرتْ لديهِ هذه الصفاتُ يُمكنهُ أن يُجبرَ كلَّ نقصٍ مادّيٍّ أو ضعفٍ في موازينِ القوّةِ، ولذا لا بدَّ وأنْ نرجعَ إلى وصفِ تلك القوّةِ الإيمانيةِ كما يذكرُها أمير المؤمنينَ في نهجِ البلاغةِ فنجدُ التالي:

1- الإيمانُ والتسليمُ: حيث يقولُ عليه السلام: "قَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّه صلّى الله عليه وآله، نَقْتُلُ آبَاءَنَا وأَبْنَاءَنَا وإِخْوَانَنَا وأَعْمَامَنَا، مَا يَزِيدُنَا ذَلِكَ إِلَّا إِيمَاناً وتَسْلِيماً، ومُضِيّاً عَلَى اللَّقَمِ، وصَبْراً عَلَى مَضَضِ الأَلَمِ، وجِدّاً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ"، فالتسليمُ والإيمانُ عنصرانِ أساسيّانِ يدفعانِ الإنسانَ للقيامِ بما توجبانِه دونَ نظرٍ إلى المعاييرِ المخالفةِ لهما من قتلِ الإخوةِ والأبناءِ والأعمامِ بل هما من أهمِّ الأبوابِ التي ترفعُ الإنسانَ إلى المزيدِ في الإيمانِ والتسليمِ والجهادِ.

2- إحكامُ المعرفةِ بالقرآنِ وحماسةُ الجهادِ: ويصفُهم أيضاً في رواية أخرى فيقولُ: "أَيْنَ الْقَوْمُ الَّذِينَ دُعُوا إِلَى الإِسْلَامِ فَقَبِلُوه، وقَرَءُوا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوه، وهِيجُوا إِلَى الْجِهَادِ فَوَلِهُوا، وَلَهَ اللِّقَاحِ [الناقة] إِلَى أَوْلَادِهَا، وسَلَبُوا السُّيُوفَ أَغْمَادَهَا، وأَخَذُوا بِأَطْرَافِ الأَرْضِ زَحْفاً زَحْفاً، وصَفّاً صَفّاً بَعْضٌ هَلَكَ وبَعْضٌ نَجَا، لَا يُبَشَّرُونَ بِالأَحْيَاءِ، ولَا يُعَزَّوْنَ عَنِ الْمَوْتَى".

3- قوةُ الرأي والشجاعةُ والحِلمُ
ويصفُ أصحابَ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله بقوله: "قَوْمٌ واللَّهِ مَيَامِينُ الرَّأْيِ، مَرَاجِيحُ الْحِلْمِ، مَقَاوِيلُ بِالْحَقِّ، مَتَارِيكُ لِلْبَغْيِ، مَضَوْا قُدُماً عَلَى الطَّرِيقَةِ، وأَوْجَفُوا عَلَى الْمَحَجَّةِ، فَظَفِرُوا بِالْعُقْبَى الدَّائِمَةِ، والْكَرَامَةِ الْبَارِدَةِ".

4- الارتباطُ الوثيقُ باللهِ عزَّ وجلَّ والصلةُ الدائمةُ به:
ولذا يصفُهم الإمامُ عليه السلام بقولِه: "مُرْه الْعُيُونِ مِنَ الْبُكَاءِ، خُمْصُ الْبُطُونِ مِنَ الصِّيَامِ، ذُبُلُ الشِّفَاه مِنَ الدُّعَاءِ، صُفْرُ الأَلْوَانِ مِنَ السَّهَرِ عَلَى وُجُوهِهِمْ غَبَرَةُ الْخَاشِعِينَ، أُولَئِكَ إِخْوَانِي الذَّاهِبُونَ، فَحَقَّ لَنَا أَنْ نَظْمَأَ إِلَيْهِمْ، ونَعَضَّ الأَيْدِي عَلَى فِرَاقِهِمْ".

ويُخاطبُ أصحابَه مبيّناً عليه السلام صفة أصحاب الرسول المنتجبين: "لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وآله فَمَا أَرَى أَحَداً يُشْبِهُهُمْ مِنْكُمْ، لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعْثاً غُبْراً، وقَدْ بَاتُوا سُجَّداً وقِيَاماً، يُرَاوِحُونَ بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وخُدُودِهِمْ، ويَقِفُونَ عَلَى مِثْلِ الْجَمْرِ مِنْ ذِكْرِ مَعَادِهِمْ، كَأَنَّ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ رُكَبَ الْمِعْزَى، مِنْ طُولِ سُجُودِهِمْ، إِذَا ذُكِرَ اللَّه هَمَلَتْ أَعْيُنُهُمْ، حَتَّى تَبُلَّ جُيُوبَهُمْ، ومَادُوا كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ يَوْمَ الرِّيحِ الْعَاصِفِ، خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ ورَجَاءً لِلثَّوَابِ".

إنّ مصيرَ من يحمل هذه الصفاتِ هو: "فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ، وأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصْرَ".