Super User

Super User

الأحد, 20 أيار 2018 07:39

عشر صفات سبب للمغفرة

الرجل والمرأة في الآيات

(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).(سورة الاحزاب).

تفسير
المسلمين: الّذين استسلموا لأمر الله وانقادوا له.
المؤمنين: المصدِّقين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فيما أتاهم به من عند الله تعالى.

ذكر سبحانه في هذه الآية عشر خصال تسبّب المغفرة والعفو عن الزلاّت للموصوفين بها:

1 و 2: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ):ربّما يقال بأنّ المراد من الإسلام هو التسليم لساناً لا جَناناً، كما أنّ المراد من الإيمان هو التصديق قلباً، يقول العلاّمة الطباطبائي: إنّ الإسلام هو تسليم الدين حسب العمل وظاهر الجوارح، والإيمان أمر قلبي، ثم إنّ الإيمان الذي هو أمر قلبي، اعتقاد وإذعان باطن، بحيث يترتّب عليه العمل بالجوارح. الميزان في تفسير القرآن: 16 / 314. ويُريد رحمه الله تعالى بهذا الكلام وجود التسليمين معاً، أي التسليم لساناً، والتسليم اعتقاداً.

(3) وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَات :أي العابدين والعابدات والمطيعين والمطيعات. ومن المعلوم أنّ العبادة والطاعة من آثار الإيمان والتصديق، وبما أنّ الآية بصدد التكريم فالمراد الملازمة مع العبادة والطاعة، لا مجرّد التلبّس بهما ولو مرّة واحدة.

(4 )وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ: في النيّة والقول والعمل والوعد. والصدق ركن الاستقامة والصلاح، وسبب الفوز والفلاح، قال تعالى: (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا المائدة: 119 .

(5)وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ: يتلبّسون بالصبر على الطاعة والصبر عن المعصية والصبر عند النائبة. قال الإمام علي عليه السلام): «والصَّبْرَ مِنَ الاْيمَانِ كَالرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، وَلاَ خَيْرَ فِي جَسَد لاَ رَأْسَ مَعَهُ، وَلاَ فِي إِيمَان لاَ صَبْرَ مَعَهُ/ نهج البلاغة: قصار الحكم، برقم 82 . وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «اصبروا على طاعة الله، وتصبّروا عن معصيته، فإنّما الدنيا ساعة، فما مضى فلست تجد له سروراً ولا حزناً، وما لم يأتِ فلست تعرفه، فاصبر على تلك الساعة، فكأنّك قد اغتبطْتَ الوافي: 3 / 63 .

(6) وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ: بالتذلّل باطناً، والخضوع هو التواضع ظاهراً بالجوارح.

(7)وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ : مَن يبذلون المال للفقراء ويُخرجون الصدقات تقرّباً إلى الله سبحانه. (والصدقة في اصطلاح الأحاديث والأخبار تطلق على معنيين: الصدقة الواجبة كالزكاة، والصدقة المستحبّة كالتي تُعطى إلى السائل مثلاً. وإذا ما كان الإنسان مخلصاً زكياً صادق التعامل مع الله وبعيداً عن رئاء الناس، فإنّ صدقاته مقبولة مرضية سواء دفعها سرّاً أم علناً، فلكلّ حال منهما مبرّراته ومسوّغاته المشروعة، فصدقة السرّ تطفئ غضب الربّ تبارك وتعالى، وصدقة العلانية تدفع ميتة السوء ومصارع الهوان، وقد تضافرت الروايات حول ذلك ، كما صحّح القرآن أصل الإنفاق سرّاً وعلناً، بيد أنّه ـ بصورة عامّة ـ صدقة السرّ أفضل الصدقتين.

(8)وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ : والصوم رياضة بدنية وروحية تقوّي في الإنسان ملكة ترك المعاصي والمحارم.

(9)وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ: يحفظون الفروج عمّا حرّم الله، وليس المراد ترك التزوّج والرهبانية، لأنّه مذموم، كما سيوافيك في سورة الحديد اية 27.

(10)وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ: والظاهر أنّه من الذُّكر ـ بضم الفاء ـ والمراد من يذكر الله قياماً وقعوداً وعلى عامّة الأحوال ففيه حياة القلوب.

وهذه الخصال العشر، هي الّتي تسبب شمول رحمة الله ومغفرته كما يقول: (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيًما)

* اية الله جعفر السبحاني ، تفسير منية الطالبين

بعد يومين على إجراء الانتخابات البرلمانية العراقية؛ أعلنت لجنة الانتخابات المستقلّة نتائج الانتخابات في 18 محافظة عراقية، ووفقاً للنتائج التي أعلنتها اللجنة فقد حصل ائتلاف "سائرون" الذي يتزعمه مقتدى الصدر على 54 مقعداً، كما حصل تحالف "الفتح" بقيادة هادي العامري على 47 مقعداً، في حين حلّ ائتلاف النصر الذي يتزعمه حيدر العبادي على 43 مقعداً من مقاعد البرلمان العراقي البالغة 328 مقعداً.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الائتلافات والتيارات السياسية حصلت على باقي الأصوات، حيث حصل ائتلاف دولة القانون على 25 مقعداً، والحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي على 23 مقعداً، والرابطة الوطنية حصلت على 21 مقعداً، وعلى الرغم من أن هذه النتائج ليست نهائية، إلا أن اللجنة لم تعلن بعد النتائج النهائية، ولكن يمكن القول بأن احتمال تغيير النتائج منخفض للغاية، أو أن أقصى تغيير في المقاعد سيكون مقعدين لكل تيار أو ائتلاف.

وبناءً على النتائج المُعلنة يمكن استنتاج أنّ محور "مناهضة أمريكا" في العراق قد انتصر، وبالنظر إلى أنه وخلال الأشهر التي سبقت الانتخابات، ومع انتصار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في الحرب ضد تنظيم داعش ومنع انهيار البلاد، توقّع مُعظم المحللين انتصار تحالف العبادي والمعروف بتحالف "النصر" في الانتخابات، غير أنّ معظم المقاعد فاز بها تحالف "الفتح" الذي يُعتبر أحد أكبر وأهم التيارات السياسية المعادية لأمريكا، الأمر الذي يُعتبر رسالة رئيسية من الشعب العراقي في الجولة الرابعة من الانتخابات البرلمانية.

تقييد تأثير أمريكا وحلفائها على تشكيل الحكومة العراقية المستقبلية

 قد يكون التأثير الأول لانتصار التحالفين اللذين يقودهما هادي العامري ومقتدى الصدر على المشهد السياسي العراقي هو تقليل تأثير أمريكا على الشؤون السياسية في العراق، خاصة في مسألة تشكيل حكومة جديدة، وفي الواقع فإنّه وخلال شهر واحد من حملة "سائرون" وتيار "الفتح" الانتخابية، كان التركيز الرئيسي لشعارات الحملة مختصاً بالحفاظ على سيادة العراق وإصلاح الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، والآن وبعد انتصارهم الذي لم يتوقعه المراقبون ولا المحللون، فمن الواضح أن أغلبية العراقيين غير راضين عن الوجود الأمريكي في البلاد.

وبناءً عليه؛ فإنّ الأشهر المقبلة وخلال تشكيل الحكومة، ستشهد زيادة الحكومة الأمريكية من جهودها للتأثير على عملية اختيار أعضاء الحكومة، ويمكن القول إن دور أمريكا خلال التطورات المقبلة في العراق سيكون محدوداً، والآن وأكثر من أيِّ وقتٍ مضى يجب على السياسيين العراقيين أن يكونوا أكثر حذراً في تعاملهم مع واشنطن.

البروز التدريجي للقوى المعادية لأمريكا بعد العام 2003

في تحليل لانتصار القوتين الرئيسيتين المناهضتين لأمريكا في الانتخابات الأخيرة، من الضروري تتبع الموجة المعادية لأمريكا في المجتمع العراقي والذي بدأت بالانتشار وعلى نطاق واسع في السنوات التي تلت العام 2003 بعد الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق، حيث شهدت الفترة التي تلت الاحتلال موجة من التفاؤل بين المجتمع السياسي العراقي تجاه أمريكا على أساس أنها لعبت دوراً رئيسياً في إسقاط صدام حسين، الأمر الذي دفع بعدد كبير من الأحزاب السياسية العراقية نحو إقامة علاقات جيدة مع أمريكا.

وبناءً على ما سبق يمكن ومنذ البداية رؤية دور مقتدى الصدر المخالف للوجود الأمريكي من خلال إنشاء جيش المهدي الذي بدأ المقاومة ضد الغزو الأمريكي – البريطاني، وتركّز نشاطه في مدينتي بغداد والبصرة اللتين كانتا تحتضنان القوات أجنبية وخاصة الأمريكيين، حيث أعلن جيش المهدي أنّ القوّات الأمريكية قوة غير مشروعة ومزعزعة للاستقرار ودعا إلى انسحابها من العراق في أقرب وقت ممكن، واستمر الجيش في مقاومته حتى اتخذ البيت الأبيض ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية عدة خطوات خلال عامي 2005 و2007 لاغتيال مقتدى الصدر.

وبالإضافة إلى مقتدى الصدر، فإن هادي العامري، رئيس منظمة بدر، وباعتباره شخصية شيعية مستقلة منذ أوائل عام 2003، عبّر عن معارضته الشديدة لوجود القوات الأمريكية في العراق، وفي السنوات التالية لعام 2010 وبصفته رئيس البرلمان ووزيراً للنقل تم الاعتراف به كشخصيّة سياسية مناهضة لأمريكا تعارض أيّ تدخلٍ من جانب واشنطن في شؤون العراق.

باختصار؛ ومن خلال استعراض الأنشطة السياسية لهادي العامري ومقتدى الصدر، يمكن القول إن معارضة هذين الزعيمين السياسيين للأمريكيين في السنوات التالية لعام 2003 كانت في وضع اتخذت فيه أغلبية الفصائل السياسية استراتيجية التسامح مع أمريكا، ولكن انتخابات اليوم أظهرت الوجه الصحيح للعراق، حيث إن المواطنين العراقيين وجدوا طريقهم ونهجهم الصحيح، وهو النهج المعادي للأمريكيين، ويمكن رؤية ذلك من خلال انتخابهم لهاتين الحركتين السياسيتين، وتأكيدهم على الدور السلبي المستمر لواشنطن في العراق.

  قال الله تعالى في الذكر الحكيم: ﴿وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلنَٰهُ مُبَارَك فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ﴾1. وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "أَفْضَلُ عِبَادَةِ أُمَّتِي بَعْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الدُّعَاء"2. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الثقلين المشهور قال: "إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ"3.

نلحظ في هذه النصوص المباركة موقعاً متقدّماً للقرآن الكريم بين العبادات والتكاليف التي أمرنا الله تعالى ورسوله بها، حيث اعتُبِرت قراءة القرآن الكريم أفضل العبادات، وأُمِرنا باتّباعه، وجُعِل التمسّك به الى جانب التمسّك بأهل البيت عليهم السلام تكليفاً أساسياً لا غنى عنه لمن يريد الهداية والابتعاد عن الضلالة.

فالقرآن الكريم هو خطاب الرب الى العبد وكلام الخالق مع المخلوق، وقد أودع فيه سبحانه وتعالى شريعته وحقائق دينه وأنزله للناس هادياً وسراجاً منيراً، وأمر نبيّه والأوصياء من بعده أن يفسّروا آياته ويبيّنوا تعاليمه. فهو كلمة الله التامّة وإرادته الكاملة للبشرية في كل زمانٍ ومكانٍ.

وهو كتاب الهداية الأوحد الذي يهدي إلى صراط الله المستقيم: ﴿وَنَزَّلنَا عَلَيكَ ٱلكِتَٰبَ تِبيَٰنا لِّكُلِّ شَيء وَهُدى وَرَحمَة وَبُشرَىٰ لِلمُسلِمِينَ﴾4.

يقول الإمام الخميني قدس سره: "وهذا الكتاب الشريف هو الكتاب الوحيد في السلوك إلى الله، والكتاب الأحدي في تهذيب النفوس وفي الآداب والسنن الإلهية، وهو أعظم وسيلة للربط بين الخالق والمخلوق"5.

وهو الحبل الممدود بين الله وعباده، فمن أراد تحقق العبودية في وجوده فإن القرآن هو الوسيلة وهو الغاية في آنٍ معاً:

هو الوسيلة لأنه دلّنا إلى سبيل العبودية لله تعالى وهو مظهر هداية الله التامة، فإن كانت العبودية تعني التعلُّق بالمولى وإرادته ففي القرآن الكريم كلّ ما يتعلّق بمراد المولى من عبده في هذه الحياة: ﴿وَنَزَّلنَا عَلَيكَ ٱلكِتَٰبَ تِبيَٰنا لِّكُلِّ شَيء وَهُدى وَرَحمَة وَبُشرَىٰ لِلمُسلِمِينَ﴾6. وإن جميع مقاصد القرآن، مثل الدعوة إلى معرفة الله وإلى تهذيب النفوس وبيان قوانين ظاهر الشريعة والآداب والسنن، غايتها النهائية تحقيق العبودية في وجود الإنسان على الصعيدين الاجتماعي والفردي. وإن امتثالنا لأوامر الله ورسوله بالتمسّك بالقرآن الكريم واتّباعه هو إذعانٌ لله وخضوعٌ له وهذا تجسيدٌ للعبودية له تعالى.

ومن جهةٍ أخرى هو غاية لأنه حوى جميع مراتب الكمال والغنى الذي لا حد له، فهو صراط العروج في مراتب الكمال لأنه الغنى الذي لا غنى دونه ولا بعده، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "القرآن غنى لا غنى دونه ولا فقر بعده"7.

وكلّ آيةٍ فيه تمثّل درجةً من درجات الجنة التي حوت كلّ كمال. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إذا جاء يوم الحساب قيل لقارئ القرآن: اقرأ وارقَ. فلا يكون في الجنة من الدرجات إلا بعدد آيات القرآن الكريم"8.
 .

1 سورة الأنعام، الآية 155.
2 العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج90، ص300.
3 الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج27، ص33.
4 سورة النحل، الآية 89.
5 الإمام الخميني، الآداب المعنوية للصلاة، الباب الرابع: في ذكر نبذة من آداب القرءة وقطعة من أسرارها، الفصل الثالث، في بيان طريق الاستفادة من القرآن الكريم.
6 سورة النحل، الآية 89.
7 الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص168.
8 م.ن، ص224.

بسم الله الرحمن االرحيم

ألحمد لله ربّ العالمين. والصلاة والسلام على سيدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
قال الله الحكيم: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ  *رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.

أطل علينا موسم الحجّ، وملأت نغمة التلبيه المتصاعدة من قلوب المشتاقين; حرم الأمن الإلهي، وهرعت الشعوب الإسلاميّة من أرجاء المعمورة الى ميعاد الذكر والاستغفار والقيام والاتحاد، وتلاقى الأُخوّة المتباعدون...

أتوجّه إلى الله العزيز الحكيم شاكراً خاضعاً، وأحمده حمداً عظيماً عظمَ صفاته الحسنى، وأثني عليه سبحانه ثناءً واسعاً، سعةَ بحار رحمته، أن وفّق المسلمين المشتاقين مرّةً أخرى لأداء هذه الفريضة، وأعلا ـ جلّ شأنه ـ بذلك رايةَ العزّة والعظمة على رؤوس المسلمين في بيته الآمن، واستضاف الحجاج الإيرانيين أيضاً على مائدة الرحمة والعظمة. إنّ الإنسان ليعجز عن وصف هذه النعمة الكبرى وقدرها وإن أُوتي فصاحة اللسان وقوّة البيان. ولعلّ الله سبحانه ينير قلوبكم المضيئة المشتاقة فتتجلّى فيها تلك الحقيقة المستغنية عن وسائط القول والكلام.

أيّها الاخوة والأخوات من أيّ بلد كنتم وإلى أيّ شعب انتميتم; إنّ ما يهمّني أن أقوله لكم هو أنّ الحجَّ نعمة إلهيّة مَنَّ بها الله سبحانه على الأجيال المسلمة. وشكر هذه النعمة ومعرفة قدرها يزيدها، والكفران بها ونكران قدرها يسلبها من المسلمين وهو العذاب الإلهي الشديد: ﴿وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.

واعلموا أنّ سلب نعمة الحجّ ليس في عدم توجّه المسلمين لأداء هذه الفريضة، بل في حرمان المسلمين من منافعه التي لاتحصى، وزيادة هذه النعمة ليس في زيادة عدد الحجاج كلّ عام، بل في استثمار منافعه: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِع﴾.

جدير بنا أن نفكّر جيّداً، هل العالم الإسلامي استطاع أن يستثمر منافع الحج؟ وما هي هذه المنافع أساساً؟
الحج الصحيح يستطيع أن يحدث تغييراً في المحتوى الداخلي لكلِّ فرد من أفراد المسلمين. يستطيع أن يغرس في نفوسهم روح التوحيد، والارتباط بالله، والاعتماد عليه، وروح الفرض لكلّ الأصنام الداخلية والخارجية في وجود الكائن البشري، هذه الأصنام المتمثلة في الأهواء والشهوات الدنيئة، والقوى الطاغية المسيطرة. الحجُّ يستطيع أن يرسّخ الإحساس بالقدرة والاعتمادَ على النفس والفلاحَ والتضحية. ومثل هذا التحوّل يستطيع أن يصنع من كلّ إنسان موجوداً لا يعرف الفشل ولا ينثني أمام التهديد ولا يضعف أمام التطميع.

والحجّ الصحيح يستطيع أن يصنع من الأشلاء الممزّقة لجسد. الأُمة الإسلاميّة كياناً واحداً فاعلاً مقتدراً، وأن يجعل هذه الإجزاء المتفرقة تتعارف وتتبادل الحديث عن الآمال والآلام، والتطورات والاحتياجات المتقابلة، والتجارب المستحصلة.

ولو أنّ الحجّ وضع ضمن إطار برنامج يتوخّى هذه الأهداف والنتائج وتتضافر عليه جهود الحكومات والعلماء، وأصحاب الرأي والكلمة في العالم الإسلامي، لعاد على الأُمّة الإسلاميّة بعطاء ثرّ; لا يمكن مقارنته بأيّ عطاء آخر في دنيا الإسلام. كما يمكن القول بكل ثقة: إنّ هذا التكليف الإلهي وحده، لو استثمر استثماراً صحيحاً كما أرادته الشريعةُ الإسلاميّة، لاستطاع بعد مدة غير طويلة أن يبلغ بالأُمّة الإسلاميّة ما يليق بها من عزّة ومنعة.

لابُدَّ من أن نذعن بمرارة إلى أنّ الفاصلة كبيرة بين الشكل الحالي لأداء هذه الفريضة الإلهية والشكل المطلوب. الامام الراحل العظيم بذل جهوداً فعّالة في هذا السبيل، ووضع نصب أعين الأُمّة الإسلاميّة تصويراً واضحاً عن الحجّ الإبراهيمي، حجّ العظمة والعزة، حجّ الرفض والتحوّل. وكان طرح هذا التصوّر بحد ذاته مبعث بركات وافرة في العالم الإسلاميّ. غير أنّ نشر هذه الفكرة وهذا المنهج العملي بين جميع الشعوب المسلمة بحاجة إلى جهود مخلصة ينهض بها علماء الدين، ووعي وتعاون يبديه حكام كلِّ البلدان الإسلاميّة، وآمل أن تكون هذه المهمّة الحساسة موضع اهتمامهم و عملهم 1.

1-مجلة ميقات الحج.

هناك تحول في الرأي العام الأميركي نحو مزيد من الوعي والاعتراف والدعم للحقوق الفلسطينية، وخاصة بين الناخبين الشباب والتقدميين والنساء، فضلاً عن السكان الملوّنين والليبراليين اليهود

كتب الباحث في مؤسسة بروكينغز البحثية الأميركية، خالد الجندي، مقالة في مجلة فورين بوليسي الأميركية عرض فيها التحول الأميركي التدريجي والجذري بشأن النظرة إلى وضع اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة وكذلك إلى الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية، مشيراً إلى أن نكران الاحتلال قد أضحى شبه سياسة رسمية أميركية. والآتي ترجمة كاملة لنص المقالة:

احتجاجات هذا الأسبوع على حدود غزة كانت الأكبر - والأكثر دموية - منذ بدأ الفلسطينيون ما أطلق عليه المنظمون "مسيرة العودة الكبرى" منذ نحو ستة أسابيع. وقد بلغت الاحتجاجات ذروتها في 15 أيار - مايو، الذكرى السنوية السبعين للنكبة، والتي تم خلالها طرد معظم السكان العرب الفلسطينيين من الأراضي التي كانت خاضعة للانتداب البريطاني في سياق إنشاء إسرائيل. ما يقرب من 70 في المائة من فلسطينيي غزة البالغ عددهم مليوني لاجئ مسجلون من أراض في إسرائيل الآن.

لطالما نفت إسرائيل مسؤوليتها عن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وما زالت تصر على أنه لن يُسمح أبداً للاجئين بالعودة، وقد قبل صانعو السياسة الأميركيون الآن بوجه عام وجهة النظر الإسرائيلية. ولكن هذا لم يكن الحال دائماً. فعلى عكس ما حدث اليوم، في السنوات التي تلت عام 1948، لم تكن أحداث النكبة ولا حق الأمم المتحدة في حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم تعتبر خلافية في السياسة الأميركية. لكن في غضون أقل من جيل، فإن كلاً من الأهمية السياسية للنكبة وجذور الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قد نُسيا في واشنطن.

وبعد مرور سبعين عاماً، تحدث الآن عملية مماثلة من الإنكار - وإن كانت بوتيرة أبطأ - فيما يتعلق باحتلال إسرائيل لمدة نصف قرن للضفة الغربية وغزة. إن الاستئصال المطرد للاحتلال الإسرائيلي من الخطاب السياسي لواشنطن لا يجعل من المستحيل على الولايات المتحدة حل النزاع فحسب، بل يضع الإسرائيليين والفلسطينيين على طريق يبدو أنه لا رجعة فيه إلى دولة واحدة.

وعلى الرغم من أن مصطلح النكبة لم يدخل أبداً معجم واشنطن السياسي، إلا أن صانعي السياسة في الولايات المتحدة فهموا طبيعة ونطاق الكارثة التي حلّت بالفلسطينيين أثناء قيام إسرائيل. في ذلك الوقت، كان الدبلوماسيون وضباط الاستخبارات الأميركيون يراقبون التطورات في ما كان يعرف باسم فلسطين الانتدابية حين كانت الأحداث تتكشف عن كثب. ولذلك، لم تكن لدى معظم كبار صانعي السياسة في الولايات المتحدة، بمن فيهم الرئيس ووزير الخارجية، أية أوهام حول طبيعة الخروج الجماعي الفلسطيني.

في أعقاب مجزرة دير ياسين، التي قتل فيها أكثر من 100 مدني فلسطيني على أيدي أفراد اثنين من الميليشيات الصهيونية - إرغون وعصابة شتيرن - أصبح تحول عدد قليل من اللاجئين إلى نزوح شامل. بعد ذلك، أبقت وزارة الخارجية الأميركية علامات تبويب منتظمة على أعداد وشروط الفلسطينيين الفارين من المنطقة. وعندما كرر ممثل الولايات المتحدة الأول في إسرائيل، جيمس جي ماكدونالد، مزاعم إسرائيل بأن الفلسطينيين فروا نتيجة لغزو الجيوش العربية، كان وزير الخارجية جورج مارشال هو الذي قوّمه. وذكّر مارشال الممثل بأن "مشكلة اللاجئين العرب ... بدأت قبل اندلاع الأعمال العدائية العربية - الإسرائيلية. فقد فر عدد كبير من اللاجئين العرب من ديارهم بسبب الاحتلال اليهودي لحيفا في 21 و22 أبريل / نيسان وهجوم يهودي مسلح على يافا في 25 أبريل / نيسان". ومضت رسالة مارشال تحذّر من أن "قادة إسرائيل سيخطئون التقدير بشكل خطير إذا اعتقدوا أن المعاملة القاسية لهذه القضية المأساوية يمكن أن تمر من دون أن يلاحظها أحد من قبل الرأي العام العالمي".

مثل بقية المجتمع الدولي، دعمت الولايات المتحدة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، والذي دعا إسرائيل من بين أمور أخرى إلى السماح للاجئين الفلسطينيين "الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم والعيش في سلام مع جيرانهم" بالعودة في أقرب وقت عملي. وبحسب مبعوث الرئيس هاري ترومان للسلام في الشرق الأوسط، مارك إثريدج، فإن إسرائيل تتحمل "مسؤولية خاصة لأولئك الذين طردهم الإرهاب والقمع والقذف القسري". واعترف الكثيرون بالذنب الأميركي كذلك. واشتكى القنصل الأميركي في القدس، وليام بوردت، من أن "الولايات المتحدة قد تراكمت على عاتقها مسؤولية أخلاقية وحتى مالية هائلة في الوضع في حماسنا المبرر من أجل إقامة دولة [يهودية]". حتى ترومان، الذي حظى بالتبجيل من قبل الكثيرين لكونه داية الدولة الإسرائيلية الحديثة، أقر بأنه "يشعر بالاشمئزاز من الطريقة التي يقارب بها اليهود مشكلة اللاجئين".

لكن، على مر السنين، بدأ الشعور بالإلحاح إزاء أزمة اللاجئين الفلسطينيين يتلاشى، وكذلك الأمر بالنسبة ذكرى ما خلق هذه الأزمة. ومع ذلك، استمرت الإدارات الأميركية المتعاقبة ترى في حل قضية اللاجئين كمفتاح لتسوية السلام العربية - الإسرائيلية. وكان الرئيس ليندون جونسون الذي تميز بافتراق متميز عن أسلافه. فعلى عكس الرؤساء الثلاثة الذين سبقوه، لم يقم جونسون بمحاولة جادة لمعالجة قضية اللاجئين.

وهكذا، عندما أبلغ الدبلوماسيون الإسرائيليون وزارة الخارجية الأميركية في عام 1966 بأن إسرائيل لن تقبل بعد الآن أي مقترحات تنطوي على إعادة اللاجئين إلى الوطن، والتي من الآن فصاعداً تعتبر معادلة لتدمير إسرائيل، فإن إدارة جونسون كانت غير منزعجة. في الواقع، اقتفت وجهات نظر جونسون الخاصة عن كثب آراء قادة إسرائيل. في مذكراته، انتقد جونسون القادة العرب لفشلهم في استيعاب اللاجئين واستخدام "قضية إسرائيل والمحنة المأساوية للاجئين لتعزيز المطامح الشخصية وتحقيق هيمنة المتطرفين العرب على المعتدلين العرب". وتجاهل جونسون أي إشارة إلى مسؤولية إسرائيل في خلق مشكلة اللاجئين أو التدخل الأميركي فيها.

إن نفس نوع فقدان الذاكرة التاريخي والسياسي الذي أزال النكبة فعليًا من الوعي السياسي لواشنطن قبل نصف قرن، يتجدد مرة أخرى بين الساسة الأميركيين - هذه المرة فيما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي. فمنذ عام 1967، استندت سياسة الولايات المتحدة وعملية السلام في الشرق الأوسط إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، الذي دعا إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلتها، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة، في مقابل السلام والتطبيع مع الدول العربية المجاورة. منذ عام 2000، فسّرت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي القرار 242 في سياق إنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة إلى جانب إسرائيل.

كان بيل كلينتون أول رئيس أميركي يقدم الدعم لإقامة دولة فلسطينية كمسألة سياسة أميركية غير رسمية. إن سياسات إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة تم إضفاء الطابع الرسمي عليها من قبل جورج دبليو بوش. وكرر باراك أوباما في وقت لاحق مواقف سلفيه، على الرغم من أنها في ذلك الوقت لم تعد مسألة توافق في الآراء بين الحزبين. وهكذا، في عام 2011، عندما دعا أوباما إلى حل الدولتين مع النص على أن "حدود إسرائيل وفلسطين يجب أن تكون مبنية على خطوط 1967، مع مقايضات متبادلة متفق عليها" - وهي في جوهرها إعادة صياغة لغة استخدمها سلفه - فقد أثار ذلك غضب الجمهوريين في الكونغرس واتهامات بإلقاء إسرائيل "تحت الحافلة". في عام 2016، قام الحزب الجمهوري بشكل رسمي بسحب الإشارات إلى حل الدولتين من خلال برنامج الحزب، في حين أعلن أنه "يرفض الفكرة الكاذبة بأن إسرائيل محتلة".

لقد أدى انتخاب دونالد ترامب فقط إلى تسريع هذا الاتجاه. يحافظ سفير ترامب في إسرائيل، ديفيد فريدمان، على روابط قوية بحركة المستوطنين الإسرائيليين بينما يقلل من شأن ما أسماه "احتلال إسرائيل المزعوم" للضفة الغربية. بينما لم يكن ترامب صريحًا إلى هذا الحد، لم تعرب إدارته عن دعم لا لبس فيه لدولة فلسطينية أو لإنهاء احتلال إسرائيل، كما فعل كل الرؤساء الثلاثة السابقين في الولايات المتحدة. قال ترامب إن الولايات المتحدة ستدعم حل الدولتين فقط "إذا ما وافق عليه الطرفان"، في حين تبدو خطة الإدارة المرتقبة للسلام تصوراً أقل من سيادة فلسطينية كاملة. إن قرار وزارة الخارجية الأميركية بإسقاط الإشارات إلى الضفة الغربية وقطاع غزة كـ"أراضي محتلة" من تقريرها السنوي عن حقوق الإنسان يشير إلى أن إنكار الاحتلال قد اقترب بشكل مثير للقلق من أن يكون طبيعياً على المستوى الرسمي الأميركي.

الدافع وراء هذا الإنكار ليس من الصعب تمييزه؛ إذا لم يكن هناك احتلال، فلا داعي لإسرائيل أن تتخلى عن أي من الأراضي التي تسيطر عليها الآن. إن خطاب إنكار الاحتلال والنصر الإسرائيلي الذي يبدو أنه سيطر على كل من اليمين الإسرائيلي واليمين الأميركي هو إشكالية متساوية بالنسبة لإسرائيل ومؤيديها.

لأنه إذا كانت الضفة الغربية، أو القدس الشرقية، أو غزة غير محتلة، فلهذا السبب، فإن الطريقة الأخرى الوحيدة لفهم الاستمرار في السيطرة على ملايين الناس مع حرمانهم من حقوق المواطنة الأساسية ستكون شكلاً من أشكال الفصل العنصري. في الواقع، من خلال إبطال الاحتلال، يبرز هؤلاء المراجعون في العصر الحديث بشكل غير مقصود واقع الدولة الواحدة الموجود اليوم والذي تحتفظ فيه إسرائيل بالسيطرة الفعالة على كل الأراضي الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن.

من جهة ، يوجد حوالى 6.5 مليون يهودي إسرائيلي يحملون حقوق المواطنة الكاملة، ويعيشون على جانبي خط عام 1967، ومن ناحية أخرى هناك عدد مساوٍ تقريباً من العرب الفلسطينيين الذين يتمتعون بدرجات متفاوتة من الحقوق القانونية والسياسية. ومن دون احتمال قيام دولة مستقلة خاصة بهم، فإن الفلسطينيين سينجذون حتمًا نحو المطالبة بحقوق المواطنة المتساوية في دولة إسرائيل ، وهو اتجاه بدأ بالفعل.

على الرغم من أوجه الشبه، فإن فقدان الذاكرة السياسي اليوم من غير المرجح أن يترسخ بالكامل - ليس فقط لأن التكنولوجيا الرقمية جعلت من المستحيل تقريباً نسيان أي شيء، ولكن لأنه، على عكس الفترة التي تلت عام 1948، توجد الآن مقاومة سياسية للنسيان. شهدت السنوات الأخيرة تحولاً في الرأي العام الأميركي نحو مزيد من الوعي والاعتراف والدعم للحقوق الفلسطينية، وخاصة بين الناخبين الشباب والتقدميين والنساء، فضلاً عن السكان الملوّنين والليبراليين اليهود. في حين، كانت في الماضي عملية نسيان النكبة، وحقوق اللاجئين، وفهمنا الأصلي للصراع عالمية إلى حدٍ ما، فإن إنكار احتلال اليوم هو ممارسة حزبية إلى حد كبير، وتتزايد مقاومته بين الديمقراطيين الليبراليين والتقدميين، مثل السناتور بيرني ساندرز والنائب بيتي ماكولوم.

ما لم يكن صانعو السياسة الأميركيون مستعدين لمقاربة واضحة ونزيهة للاحتلال العسكري الإسرائيلي الطويل الأمد للضفة الغربية والقدس الشرقية، فضلاً عن قضية اللاجئين الفلسطينيين التي ظلت مهملة منذ فترة طويلة، فإن الولايات المتحدة لن يكون لديها الكثير لتقدمه في طريقة صنع السلام. وكما أن عقوداً من تجاهل محنة اللاجئين الفلسطينيين في غزة وفي أماكن أخرى، لم تنجح في جعل هذه المسألة "خارج الطاولة"، فإن إنكار وجود الاحتلال الإسرائيلي لن يؤدي على الأرجح إلا إلى المزيد من المشاكل على الطريق.

ترجمة: الميادين نت

تأييداً لحقيقة إيمان أبي طالب نذكر أقوال يعض العلماء فمن ذلك

ـ قال ابن الأثير في جامع الأصول: وما أسلم من أعمام النبيّ غير حمزة والعباس وأبي طالب عند أهل البيت عليهم السلام 1.

وقال البرزخي : فمن وقف على ما ذكره العلماء في ترجمته علم يقيناً أنّه كان على التوحيد، وهكذا بقية آبائه إلى أدم ، وبهذا يعلم أن قول أبي طالب هو على ملة عبد المطلب إشارة إلى أنّه على التوحيد ومكارم الأخلاق، ولو لم يصدر من أبي طالب من الأشارات الدالة على توحيده إلاّ قوله: وهو على ملة عبد المطلب كان ذلك كافياً 2.

ـ وقال التلمساني في حاشيته على الشفاء عند ذكر أبي طالب: لا ينبغي أن يذكر إلاّ بحماية النبيّ صلى الله عليه واله وسلم لأنه حماه ونصره بقوله وفعله، وفي ذكره بمكروه أذية للنبي صلى الله عليه واله وسلم ، ومؤذي النبيّ صلى الله عليه واله وسلم كافر، والكافر يقتل 3.

ـ وقال أبو طاهر: من أبغض أبا طالب فهو كافر 4.

هذا ومن شاء الوقوف على المزيد من الأقوال فليرجع إلى الجزء السابع من الغدير وإلى كتاب منية الراغب في إيمان أبي طالب وكتاب الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب.

وخلاصة القول إن إيمان أبي طالب حقيقة ثابتة لا يرتاب فيها إلاّ مريض القلب والإيمان.

ونضيف على تلك الأقوال : إنّ المتيقّن من سيرة الرسول صلى الله عليه واله وسلم وأهل بيته عليه السلام أنهم ما كانوا ليحابون أحداً على حساب الدين، وشاهده أنهم يبرؤن من كل مشرك لم يؤمن بالله وبالرسول ولو كان من أقرب الناس إليهم وهذا أبو لهب ـ وهو عم النبيّ صلى الله عليه واله وسلم ـ ينزل فيه قرآن يُتلى: تبت يدا أبي لهب وتب إخباراً من الله تعالى بأنه لن يؤمن وأن مصيره بئس المصير سيصلى ناراً ذات لهب. وأمّا أبو طالب فقد شهد النبيّ صلى الله عليه واله وسلم والأئمة عليه السلام ـ ـ بإيمانه وأن الله أتاه أجره مرتين حيث بذل وجوده في خدمة نبي الإسلام بل والدعوة إلى الإسلام.

ونقل الكراجكي في كنز الفوائد أن أبا طالب عليه السلام قال لابنه جعفر وقد أمره بالصلاة مع النبيّ صلى الله عليه واله وسلم وقال: يا بني صل جناح ابن عمك، فلما أجابه قال:

إن علياً وجعفراً ثقتي

والله لا أخذل النبيّ ولا

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما

عند ملمّ الزمان والكُرَبِ

يخذله من بنيّ ذوي حسب

أخي لأمي من بينهم وأبي

وقال بعضهم

ولولا أبو طالب وابنه

فهذا بمكة آوى وحامى

لما مثل الدين شخصاً فقاما

وهذا بيثرب جسّ الحماما 5.

________________________________________

1-  منية الراغب في إيمان أبي طالب: 62 الطبعة الثانية.

2- منية الراغب في إيمان أبي طالب: 64 الطبعة الثانية.

3- منية الراغب في إيمان أبي طالب: 65 الطبعة الثانية.

4- منية الراغب في إيمان أبي طالب: 66 الطبعة الثانية.

5- الغدير 7 : 336 .

شهدت مدينة ملبورن الأسترالية اليوم السبت، تظاهرة للتنديد بمجزرة غزة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، الاثنين الماضي.

وشارك عدد كبير من الأستراليين الذين ينتمون إلى أعراق مختلفة في التظاهرة التي نظمتها مجموعة "التضامن الأسترالي الفلسطيني" (منظمة مجتمع مدني) أمام مكتبة الولاية وسط ملبورن.

وردد المتظاهرون هتافات منددة بالمجزرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، ورفعوا لافتات رافضة للصمت الدولي حيالها.

وفي حديث ، أشار المتحدث باسم المجموعة ناصر مشني، إلى أن الأراضي الفلسطينية خاضعة للاحتلال الإسرائيلي منذ 70 عاما، وأن قوات الأخير ترتكب المجازر ضد الأبرياء.

وأوضح أنهم اجتمعوا من أجل التضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يقاوم الاحتلال الإسرائيلي.

وقال: "إسرائيل قتلت 62 شخصا (في غزة)، من بينهم أطباء وممرضون وصحفيون وطفلة تبلغ من العمر ثمانية أشهر. وبحسب وزير الدفاع الإسرائيلي (أفيغدور ليبرمان) لا أحد بريء في غزة".

وأضاف: "تعتقد إسرائيل أن الجميع إرهابيون، ونحن هنا اليوم لإحياء ذكرى أولئك المقاومين هناك".

وارتكب الجيش الإسرائيلي منذ الاثنين، مجزرة بحق المتظاهرين السلميين على حدود قطاع غزة، استشهد فيها 64 فلسطينيا وجرح 3244 آخرون بالرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع.

وكان الفلسطينيون يحيون الذكرى الـ 70 للنكبة، ويحتجون على نقل السفارة الأمريكية لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس المحتلة، الذي تم الاثنين الماضي.

أكدت النائب في مجلس نواب الشعب التونسي مباركة البراهمي على أن الشعب التونسي لن يتخلى عن القضية الفلسطينية رغم المحاولات الرسمية لطمسها.

وخلال مشاركتها في برنامج "حوار الساعة" على قناة الميادين السبت دعت البراهمي النخب السياسية لأن تتحمل مسؤوليتها تجاه القضية الفلسطينية، مشيرة إلى أن أداء الشعب التونسي بالنسبة للقضية الفلسطينية يتراجع سنة عن سنة. 

البراهمي أوضحت أن التطبيع أصبح في تونس على المكشوف وأن الموقف الرسمي التونسي يزداد صفاقة، وقالت "نحن لا نطمع بأن تنزل الحكومة مظاهرات إلى الشارع ولكن أن تجرم التطبيع".  

وتناولت البراهمي العقوبات الأميركية الأخيرة على حزب الله في لبنان فرأت أن هذه القرارات لم تعد تؤثر على المقاومة، وهي تزداد كلما أحرزت المقاومة تقدماً في الميدان. 

وتحدثت عن الوضع في سوريا واليمن مشيرة إلى أن الحكومة التونسية أجبن من أن تتخذ موقفاً واضحاً مما يجري في هذين البلدين.

البراهمي أوضحت أن السياسة الخارجية التونسية ليست في يد وزير الخارجية، مشيرة إلى أنها تتحدد خارج حدود تونس.   

كما تناولت الانتخابات البلدية المحلية التي حصلت أخيراً في تونس وقالت "كان علينا أن نخوض الانتخابات على لوائح أكثر وكان ذلك بسبب سوء تقدير منا".

وفي حين رأت أن ضعف نسب المشاركة بالانتخابات أثر على المعارضة، رأت أن النتيجة التي تحققت للمعارضة لم تكن فشلاً ولكن جاءت وفق الإمكانيات.        

وأوضحت أن نقطة الخلاف الرئيسية بين الجبهة الشعبية والائتلاف الحاكم هي السيادة الوطنية. وقالت "سنرى العديد من المستقلين يتحالفون مع الائتلاف الحاكم".

وفي ما يتعلق بحزبي نداء تونس والنهضة لفتت إلى أن عدد الأصوات المؤيدة للحزبين تراجع.

السبت, 19 أيار 2018 07:04

دورالامام المهدي في حياتنا

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.(1)
مقدمة
إحدى البحوث المهمة التي وقعت محلاً للتساؤل منذ العهود الماضية إلى يومنا هذا، هي مسألة دور الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه) في عصر الغيبة، وهذه المسألة بالإضافة إلى طابعها العقائدي تحمل طابعاً عملياً وترتبط بسلوكنا اليومي منذ أن نفتح أعيننا في الصباح وإلى أن نغمضها عند النوم. نتناول فيما يلي بعض أبعاد هذا الموضوع ضمن فصلين:
الفصل الأول: دور الإمام المهدي (عجل الله فرجه) في عهد الغيبة، وهذا بحث نظري.
الفصل الثاني: كيف نستفيد من وجود الإمام المنتظر المهدي (عجل الله فرجه) في زمان غيبته؟ وهذا بحث عملى.
الفصل الأول: دور الإمام المهدي (عجل الله فرجه)
إن دور الإمام المهدي (عجل الله فرجه) في عهد الغيبة هو أنه يمثل ـ ضمن ما يمثّل ـ الحلقة الأخيرة المهيمنة والفاعلة والمؤثرة في عالم الإمكان.
لبيان هذا الدور نقدّم ثلاث مقدمات:
المقدمة الأولى: إن القرآن الكريم يثبت أدواراً في إطار عالم الطبيعة للأشياء، كما يثبت أدواراً ضمن إطار هذا العالم للأشخاص.
هنالك أشياء في هذا العام لها دور، وهناك أشخاص في هذا العالم لهم دور; نمثل لذلك بمثالين:
المثال الأول: من هو الشافي، ويأتينا الجواب من القرآن الكريم أن الله تعالى هو الشافي; (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)(2) ،(3). ولكننا نلاحظ أن القرآن الكريم يثبت من جهة أخرى دور الشفاء لأشياء في هذا العالم، يقول الله تعالى عن العسل: (فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ)(4) هذا مع أن العسل ما هو إلا جماد يخرج من بطن حيوان، ولكن الله تعالى شاء أن يجعل فيه شفاءً للناس.
المثال الثاني: من هو المتوفي؟
ويأتينا الجواب من القرآن الكريم أن الله تعالى هو المتوفي; يقول تعالى:(اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا).(5)
ولكننا نلاحظ من جهة أخرى أن القرآن الكريم يثبت التوفي لغير الله تعالى حيث يقول: (قُلْ يَتَوَفَّـكُم مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ)(6) ، فهو تعالى ينسبه لملك الموت أيضاً.
المقدمة الثانية: إن وجود الدور للأشياء والأشخاص في هذا العالم لا ينافي ما هو المعروف من القول بالتوحيد الأفعالي (وأن الله وحده هو الفاعل الحقيقي في هذا الكون).
وذلك لأن فاعلية غير الله تعالى فاعلية مكتسبة وغيرية، بينما فاعلية الله تعالى فاعلية ذاتية، ولا منافاة بين فاعليتين إحداهما ذاتية والأخرى غيرية.
المقدمة الثالثة: لا تنافي في عالم الطبيعة بين الفواعل الطولية. فكما أنه لا تنافي بين فاعلية الله تعالى وفاعلية الفواعل الطبيعية (الغيرية) فكذلك لامنافاة بين فاعلية طبيعية وفاعلية أخرى إذا كانتا طوليتين أى تقعان في طول بعضهما، أجل إذا كانت الفاعليتان عرضيتين ومستقلتين فهنا توجد منافاة لأن ذلك يعني اجتماع علتين مستقلتين عرضيتين على معلول واحد، وهذا محال.
أما إذا فرضنا أن هاتين الفاعليتين ـ أو الفاعليات ـ كانت طولية أي أن بعضها يقع في طول بعضها الآخر، فلا منافاة بينها.
ويمكن توضيح ذلك بمثال معروف عند أهل العلم: تقول: كتب قلمي وكتبت أناملي وكتبت يدي، قال تعالى: (فَوَيْلٌ لَّهُم مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ)(7) ، وتقول: كتبت، فهل ترى منافاة بين هذه الجمل؟ كلا بالطبع; وذلك لأن الروح الحقيقية التي كتبت هي روحك أنت، أما الفواعل الدنيا فإنما هي مؤثرة في طول فاعلية الروح التي تمثل الفاعلية الحقيقية والأخيرة في سلسلة الفواعل الطولية التي تندرج تحتها، ومن ثم فالفاعلية الأخيرة هي المؤثرة الحقيقية والمهيمنة على ما سواها من الفواعل الطبيعية والظاهرية.
دور الإمام المهدي (عجل الله فرجه)
وإذا اتضحت هذه المقدمات الثلاث، نقول: إن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) هو آخر فاعل في سلسلة الفواعل الطولية المؤثرة في عالم الإمكان، أو بتعبير آخر: إنه (عليه السلام) يمثل الحلقة الأخيرة في سلسلة الفاعليات الطولية في إطار عالم الإمكان. توضيحه: أن هناك فاعلية في عالم الإمكان جعلها الله في طول فاعليته تعالى وأمرنا أن نلجأ إليها. من الممكن أن تأتي بعده علل وفاعليات أخرى في طوله تكون مؤثرة بإذن الله تعالى، ولكن الفاعلية العليا بعد الله تعالى في عالم الإمكان هي إرادة المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف). ماذا نقرأ في الزيارة التي رواها المحمدون الثلاثة وهم محمد بن يعقوب الكليني (في الكافي) ومحمد بن الحسن الطوسي (في التهذيب) والشيخ الصدوق (في من لا يحضره الفقيه)؟
نقرأ في هذه الزيارة: (إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم وتصدر من بيوتكم).(8) وهذا هو جزء من دور الإمام المهدي(عليه السلام) في زمن حضوره وغيبته.
الفصل الثاني: كيف نستفيد من وجود الإمام المهدي عليه السلام
بعد أن عرفنا دور الإمام المهدي (عليه السلام) في الفصل الأول يتبين الآن أهمية هذا الفصل; أي الاستفادة من وجود الإمام المهدي (عجل الله فرجه) لأنه هو الرجل الذي أعطاه الله تعالى مقاليد الكون. ولكي يمكننا الاستفادة من وجود الإمام المهدي (عجل الله فرجه) أكثر فأكثر، لابد من توفر أربع مقدمات نذكرها تباعاً.
المقدمة الأولى: الالتفات إلى النقص والفاقة والحاجة عندنا، ونوضح هذه المقدمة وهي مهمة جداً بمثال: لو تصورنا أن شخصاً ما يعاني من داء عضال في بدنه ولكنه غير ملتفت إلى ذلك، فهل سيبحث عن العلاج؟ وهل سيتجه إلى الطبيب؟ كلا وذلك لأن الداء وإن كان له (وجود واقعي) في بدنه، ولكنه ليس له (وجود شعوري) في ذهنه لكي يدفعه نحو التحرك للتخلص منه بأي سبيل!
يقول علماء الأخلاق: إن من أعدى أعداء الفرد الشعور بالاكتفاء، لأن الذي يشعر أنه مكتف من الناحية العلمية أو الأخلاقية لا يرى مبرّراً للتحرك نحو التكامل الخلقي أو العلمي.
وهكذا الشخص الذي يعتقد أنه لا يعاني شيئاً، ولا توجد عنده مشكلة ولا فاقة، لا يمكنه الاستفادة الكاملة من الوجود المبارك للإمام المهدي (عجل الله فرجه)، لأنه لا يتحرك حينئذ بل يبقى ساكناً في مكانه، لعدم شعوره بالحاجة إلى الإمام (عليه السلام) لحل مشكلاته، لأنه يعتقد أنه لا مشكلة عنده في الأساس!
أما نحن فيراودنا الشعور بالحاجة في بعض الأحيان كما لو تهنا في صحراء أو انكسرت بنا السفينة في البحر أو ابتلينا ـ أو أحد أعزاؤنا ـ بمشكلة أو بمرض مستعصي العلاج ـ لا سمح الله ـ أما أولياء الله سبحانه وتعالى فإنهم يشعرون دائماً بأنهم في حالة اضطرار وأنهم في حالة حاجة وفاقة. ولذلك ترانا ننام طوال الليل لأنه لا يوجد شيء يؤرقنا، أما هم فـ (قَلِيلاً مِنَ الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ).(9)
أرأيت من عنده مشكلة أو يهدده خطر، كيف لا يستطيع أن يخلد إلى النوم، فكذلك حال أولياء الله تعالى، لأنهم يشعرون بالخطر. إننا نفهم أن الاضطرار في قول الله تعالى (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ)(10) عبارة عن أن يكون الشخص مريضاً أو عنده مريض ـ مثلاً ـ أما أولياء الله تعالى فيشعرون دائماً أنهم في حالة اضطرار، وهذا الشعور كامن في أعماقهم ولذلك يصفهم القرآن الكريم بقوله تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ)(11) لأن حالة الاضطرار الباطنية لاتدعهم يستقرون.
روى أحد العلماء أن شخصين تصاحبا، وعندما حلّ الليل نام الأول ولم ينم الثاني، وبعد مدة استيقظ الأول فرأى صاحبه لم ينم بعد، فعاد للنوم مرة أخرى وعندما استيقظ أيضاً رأى صاحبه لم ينم بعد، وعندما سأله: لماذا لا تنام؟ قال في جوابه: كيف أنام ومن حولي كلهم يقظون يسبّحون الله تعالى، ثم كشف له الغطاء فرأى جميع الأشياء تسبح بحمد الله!
وعلى أساس ما تقدم، ينبغي لنا أن نحاول أن نُشعر أنفسنا بنقصها وحاجتها وفاقتها واضطرارها، وهذه هي المقدمة الأولى للاستفادة الكاملة من وجود الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
المقدمة الثانية: التوجه إلى مصدر القوة والغنى والقدرة، وهو الإمام المهدي (عجل الله فرجه)، فليس الإمام (عليه السلام) بالفرد العادي بل هو الذي يمكن لنظرة واحدة منه أن تغيّر حالنا، فكما قلنا إن الله تعالى جعله وآباءه الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) مظاهر مشيئته.
المقدمة الثالثة: محاولة إيجاد القابلية، فإن القلب الملوث ليس له قابلية، وهكذا العين الملوّثة والأذن الملوّثة واليد الملوّثة و... وأولى المراحل في هذا الطريق ـ وهي صعبة جداً ولكنها ممكنة ـ أن نتجنب ارتكاب الذنوب; ذنوب القلب والعين والأذن واللسان واليد و... فكما أن جهاز الراديو إذا حصل فيه أي عطب أو خلل أو قطع في أي سلك من أسلاكه يفقد القابلية على تلقى الأمواج الموجودة في الفضاء، فكذلك القلب إذا حصل فيه خلل فقد القابلية على تلقي الفيض الإلهي، فلابد أولاً من إصلاحه لإيجاد القابلية فيه.
وعندما يراجع المرء تاريخ العلماء الماضين السائرين على نهج أهل البيت (عليهم السلام) يجد دقة عجيبة في أحوالهم وورعاً واحتياطاً كبيرين. فمما ينقل عن المرجع الكبير الحاج آقا حسين القمي (رحمه الله) أنه كان يحتاط حتى في تهديد طفله إذا صدر منه ما يستحق التهديد، فلم يكن يقول للطفل سأضربك أو سأؤدبك مثلاً إذا صدر منك العمل الفلاني، بل كان يستخدم عبارات من قبيل (من المحتمل أن أضربك) أو (هب أنني سأضربك) ولعله كان يخاف أن تكون هنالك شبهة الكذب إن لم يصدر منه ما أوعده عليه، مع أنه يُقال إن الوفاء بالوعيد ليس واجباً، فكان يحتاط للأمر ويتجنب حتى الشبهة فيقول لطفله: (احتمل أنني سأضربك أو سأؤدبك) وما أشبه. وهكذا كانوا يحتاطون لئلا تصدر منهم غيبة ولا نميمة ولا نظرة محرمة.
المقدمة الرابعة: الإلحاح والتوسل، ينبغي لنا أن نتوسل ونلحّ حتى تشملنا العناية الإلهية، ونستفيد من وجود الإمام المهدي (عجل الله فرجه) بشكل أتمّ.
ينبغي لنا أن نلجأ إلى الإمام (عجل الله فرجه) في حل كل قضايانا الدنيوية والأخروية والفردية والاجتماعية فهو الملاذ لنا في كل الشؤون والقضايا، وكما أن الله تعالى جعل الشمس مصدر الدفء والنور للإنسان في حياته المادية، ومن ابتعد عنها حرم من الدفء والنور، فكذلك هو الإمام (عجل الله فرجه) جعله الله لنا مصدراً للدفء والنور في حياتنا المعنوية، وأوكل ـ سبحانه ـ إليه كل أمورنا وقضايانا، فمن لم يتوجه إليه فسوف يكون نصيبه الخسارة والحرمان. فلنستحضر هذه المقدمات الأربع ولنحاول ونلحّ حتى نستفيد من وجود الإمام المهدي (عليه السلام) أكثر فأكثر.
نموذجان للاستفادة من وجود الحجة (عليه السلام)
1. قضية السيد محمد باقر الدامغاني
ابتلي السيد محمد باقر الدامغاني ـ وهو من العلماء في مدينة مشهد المقدسة ـ بداء السل، واستمر يعاني منه أعواماً، ولم تؤدّ مراجعته للأطباء إلى نتيجة، بل استمرت حالته تزداد سوءً، وبدأ يضعف ويذوي حتى فقد الأمل بالشفاء. وفي يوم من الأيام قذف دماً كثيراً من صدره، فجاء عند أستاذه الميرزا الإصفهاني وشكا له حالته وضعفه. يقول: فجثا الميرزا على ركبتيه وقال له معاتباً: ألست سيداً (هاشمياً)، فلماذا لا تلجأ إلى أجدادك الطاهرين؟ ألست من شيعة الإمام المنتظر (عليه السلام)، فلماذا لا تستنجد ببقية الله في الأرض حتى ينجيك مما أنت فيه؟ ألا تعلم أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هم أسماء الله الحسنى؟ ألم تقرأ في دعاء كميل: (يا من اسمه دواء وذكره شفاء(؟ قم واذهب إلى بقية الله (الإمام المهدي عجل الله فرجه) واطلب منه حل مشكلتك.
يقول: فأخذتني العبرة وقمت متجهاً إلى حرم الإمام علي ابن موسى الرضا (عليه السلام). وبعد أن دخلت الصحن العتيق رأيت فجأة أني أعيش في وضع آخر، فليس الوضع هو الوضع المعتاد، وبدا لي أني أعيش في عالم المكاشفة، إذ لم يكن الناس الذين يعتاد تواجدهم في الصحن الشريف موجودين وكانت هناك جماعة قليلة العدد يمشون ويتقدمهم رجل اُلقي في روعي أنه هو الإمام المهدي (عجل الله فرجه). وخفت أنهم قد يغادرون قبل أن التقي بالإمام وأنال بغيتي، ففكرت أن أنادي الإمام (عليه السلام).
وبينما أنا كذلك ـ في هذا الخاطرـ وإذا بذلك الرجل يلتفت إليّ وينظر إليّ نظرة واحدة بطرف عينه فقط ومن دون أن يكلمني، وبدأ العرق يتصبب من بدني، وإذا بالصحن الشريف يعود بعد ذلك إلى حالته الطبيعية فلم أر الرجل ولا الجماعة التي كانت خلفه، ورأيت جموع الناس المعتادة، فرجعت إلى نفسي فإذا بي صحيح البدن معافى.
وعاش الدامغاني بعد ذلك أعواماً في صحة كاملة.
2. وهناك قضية أخرى حدثت للحاج آقا حسين القمي (رحمه الله) الذي ذكرنا جانباً من ورعه ودقته واحتياطه آنفاً. وكان من شدة احتياطه أيضاً أنه إذا سئل عن الوقت يقول في الجواب: أتصور أنها كذا (التاسعة مثلاً) خشية أن لا يكون قوله مطابقاً للواقع!
نُقل في أحواله أنه كان يعتقد أن أقوى دعامة له في حياته هو وجود الإمام المهدي (عجل الله فرجه) وعنايته وكان راسخ الاعتقاد أن هذه الدعامة هي التي تسنده وتنقذه وتنجيه.
وهذا هو الاعتقاد الذي يجب أن يكون ثابتاً عندنا كما كان عند السيد القمي(رحمه الله)، لا أن يكون موجوداً حيناً ومفقوداً في أحيان أخرى كما هو حال أغلب الناس.
أما قضية هذا العالم ورعاية الحجة (عجل الله فرجه) له فهي كالتالي: كان (الحاج آقا حسين القمي) قد جاء إلى طهران في قضية جهاده مع العلماء ضد البهلوي الأول، فحوصر فيها فلم يستطع الرجوع وانقطع به الطريق، ولم يكن لديه مال، فبعث له البهلوي بشيك أبيض يكتب هو فيه ما يعجبه، ولكنه (رحمه الله) رفض استلام الشيك من الرسول لأنها أموال الدولة وهو لا يريد أن يتصرف لنفسه من أموالها، رغم احتياجه الشديد والمبرم للمال. فقيل له: فكيف ستعيش؟ فقال: أنا أعتقد أن الإمام الحجة (عجل الله فرجه) لا ينسى رعيته.
(انظروا إلى التعبير، فهو لم يقل إن الإمام (عليه السلام) لا ينسى جنوده أو وكلاءه، مع أنه كان مرجعاً للتقليد، ولكنه قال: إن الإمام (عجل الله فرجه) لا ينسى رعيته)!
فضحك بعض ضعاف الإيمان ممن كانوا حوله عند سماعهم هذه العبارة، ولكن تلك الإرادة التي تقف وراء كل شيء وتهيئ الأسباب الظاهرية، هيأت له الأسباب ولم تتخلّ عنه! إذ إن رئيس شرطة مدينة (شهر ري) تأثر بالسيد القمي وانشدّ إليه، فقام بمفاتحة بعض التجار في طهران ـ رغم ما يحمل ذلك من خطر عليه ـ ليكون وسيطاً لإيصال المال منهم إليه، ونجح في المهمة ووقاه الله من خطر عظيم، لأن السلطة لو اكتشفت أمره لربما كانت تصدر الأمر بإعدامه، ولكنه استطاع أن يدخل على السيد القمي وكان يخفي المال في جورابه، وقال السيد القمي عندما قدم له الرجل المال: كنت أعلم أن الإمام (عليه السلام) لا ينسى رعاياه.
وأخيراً:
ينبغي أن نذكر الإمام (عليه السلام) ولا ننساه، كي يشملنا لطفه ورأفته بشكل أكبر، كما قال الله تعالى: (فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ).(12)
كم مرة في اليوم نذكر الإمام المهدي (عليه السلام)؟ هل نذكره في قنوت صلواتنا؟ هل نقرأ كل يوم: (اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن...(؟ وهل نبدأ باسمه عندما نبدأ ببحوثنا العلمية ونقول يا حجة الله أدركني؟
هنالك بعض الطلبة يبدأون بحوثهم العلمية بقولهم: يا حجة بن الحسن أدركني، وهذه حالة مهمة جداً ينبغي أن ننميها في أنفسنا. وهناك كتاب لطيف في مجلدين أدعو الإخوة المؤمنين لمطالعته وهو (مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم(عليه السلام)).
فحرى بنا أن لا نغفل عن الإمام (عليه السلام)، وأن ندعو له.
نسأل الله سبحانه أن يشملنا بألطافه وعناياته، وأن لا يحرمنا لطفه وفضله ورحمته.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


________________________________________
(1) ألقيت هذه المحاضرة في السابع من جمادى الثانية عام 1424هـ.
(2) سورة الشعراء: 80.
(3) ذكر أحد العلماء أنه كان يوجد في مدينة إصفهان طبيب معروف يسجّل أسماء مراجعيه من المرضى في ورقة عنده بعد أن يكتب لهم الوصفة الطبية، وعندما سئل: لماذا تعمل هذا العمل؟ أجاب: إنني أعتقد أن الأدوية عوامل ظاهرية وأن الشفاء حقاً بيد الله تعالى، ولذلك أكتب أسماء المرضى الذين يراجعونني كي أدعو لهم في صلاة الليل وأطلب شفاءهم من الله تعالى، فهو الشافي، وما الأطباء والأدوية إلا أسباب ظاهرية.
(4) سورة النحل: 69.
(5) سورة الزمر: 42.
(6) سورة السجدة: 11.
(7) سورة البقرة: 79.
(8) بحار الأنوار: ج98 ص153.
(9) سورة الذاريات: 17.
(10) سورة النمل: 62.
(11) سورة السجدة: 16.
(12) سورة البقرة: 153.

لا يمكن للمؤمن سلوك طريق تهذيب النفس من دون التعرف على المنهج والمسلك الصحيح الذي يساعده على ذلك. فمعرفة الطريق شرط أساسي، ومن دونها يستحيل تحقيق الغاية المتوخاة. وإذا كان شهر رمضان هو البيئة الأنسب والأخصب للشروع في عملية التهذيب واستكمالها على مر الشهور التالية، فما هو المصدر الأساس الذي ينبغي الاعتماد عليه لمعرفة الطريق؟

والجواب على هذا السؤال يحمله نفس شهر رمضان المبارك الذي كان مناسبة لنزول أعظم وأقدس كتاب للبشرية جمعاء، وهو القرآن الكريم. فقد جعل الله عز وجل القرآن الكريم هو الفرقان بين الحق والباطل، وبه تتميز الحقائق، وعلى هديه لابد أن نسير، ووفق معطياته لابد أن تنتهج النفس منهجها، فلقد ظهرت العديد من الفرق التي تدعي أنها توصل الإنسان إلى بناء النفس والذات والسمو النفسي وما شابه ذلك، ولكن ما الذي يميز صحة هذا عن ذلك؟

القرآن الكريم يقوم بهذا الدور، لأنه الفرقان الذي يفرق بين الحق والباطل، وعبر بصائره يمكن تمييز الأفكار، صحيحها من سقيمها، يقول تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)[1].

القرآن الكريم هو الفرقان، وهو ربيع قلب الإنسان، وربيع القرآن شهر رمضان المبارك، كما عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (لكل شيىء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان)[2].

وعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (وتعلموا القرآن فإنه أحسن الحديث وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب)[3].

فشهر رمضان المبارك يمثل القمة للاستفادة من القرآن الكريم، وهذا الأمر يدعم ما نريد الوصول إليه وهو التسديد، كمقدمات للإنجاز الحقيقي والصائب، ومن خلال آيات القرآن الكريم يمكن أن نستكشف السبل التي تساعدنا في تحقيق ما نريد، دون أن يداخلنا الشك في عجز تلك السبل، لأنها من كلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

* المصدر: شهر رمضان شهر الإنجاز - بتصرف

[1] سورة البقرة، آية 185.
[2] الأصول من الكافي، ج 2، ص 631.
[3] بحار الأنوار، ج 2، ص36.