Super User

Super User

شهدت مدن شمال العراق موجة استياء وغضب عارمة على إثر اتهامات بالقيام بعمليات تزوير في الانتخابات البرلمانية التي جرت أمس السبت، عبر النظام الالكتروني الذي استخدم لأول مرة في البلاد.

وعقب انتهاء الانتخابات مساء أمس، شهدت محافظتا كركوك والسليمانية(شمال العراق) الى جانب بعض الأقضية في بعض المحافظات احتجاجات واسعة مطالبة بإعادة عملية العد والفرز بطريقة يدوية.

المعترضون على نتائج الانتخابات على مستوى المكاتب الانتخابية من العرب والتركمان في كركوك وبعض الاحزاب الكردية في السليمانية(تابعة لإقليم شمال العراق) ان هناك تزويرا جرى بطريقة الكترونية، تضمن برمجة الأجهزة المخصصة لقراءة أوراق الاقتراع كي تعطي نتائج خاصة بحزب وكتلة معينة.

وبحسب مصدر في مفوضية الانتخابات طلب عدم الاشارة لاسمه كونه غير مخول بالتصريح للإعلام، أوضح لـ"الأناضول"، بالقول إن "فريقا متخصصا سيصل إلى محافظة كركوك(يقطنها خليط من الأكراد والتركمان والعرب) ظهر اليوم الاحد، للتحقيق بشأن اتهامات العرب والتركمان بوجود حالات تزوير في نتائج الاقتراع العام".

وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات العراقية 44.52% بمشاركة 10 ملايين و840 ألفا و980 ناخبا من أصل نحو 24 مليون ناخب يحق لهم التصويت من ضمنهم قوات الأمن وناخبي الخارج.

وأعلن سليم الجبوري، رئيس البرلمان العراقي وحزب التجمع المدني للإصلاح، عن تقديم طعون لمفوضية الانتخابات، بشأن خروق شهدتها عملية الاقتراع، السبت.

ودعا الجبوري، في مؤتمر صحفي السبت، المفوضية إلى "المحافظة على حياديتها، والنظر في جميع الاعتراضات التي قدمت"، دون الكشف عن طبيعتها.

فيما أعلنت أحزاب المعارضة بإقليم شمال العراق، مساء السبت، أنها "ترفض مجمل عملية الانتخابات ونتائجها"، مؤكدة "عدم الالتزام بها".

وجاء ذلك في بيان مشترك مساء السبت، تلقت "الأناضول" نسخة منه، وحما توقيع أحزاب، "حركة التغيير وتحالف الديمقراطية والعدالة والجماعة الإسلامية الكردستانية والاتحاد الاسلامي الكردستاني".

وطالبت الأحزاب بإعادة إجراء انتخابات البرلمان العراقي في الإقليم وكركوك.

** تسريع "مفترض" لنتائج الانتخابات

اعتمدت مفوضية الانتخابات العراقية خلال تنظيمها الانتخابات السابقة 2005، 2010، 2014 على طريقة العد والفرز اليدوية، حيث يتم التحقق من هوية الناخب ومطابقتها مع السجل الانتخابي على مستوى المكتب الانتخابي، ثم تجري عملية التصويت باستخدام ورقة الاقتراع الخاص وتوضع في صناديق يجري لاحقا عملية عد وفرز لها داخل المكاتب.

والعملية السابقة (العد والفرز اليدوي) كانت محط انتقاد واتهامات جميع الكتل السياسية من عمليات تزوير منظمة لممثلي الكيانات السياسية.

في الانتخابات التي أجريت أمس، اعتمدت مفوضية الانتخابات نظاما إلكترونيا، يفترض به "منع أية عملية تزوير للانتخابات"، بحسب ما أعلنته المفوضية.

ويتضمن النظام الجديد تدقيق هوية الناخب عبر قراءة بيانته إلكترونيا في جهاز التحقق، بعدها يُمنح ورقة اقتراع، ويؤشّر على مربع القائمة والمرشح الذي يرغب في انتخابه بواسطة قلم إلكتروني خاص، بعدها توضع ورقة اقتراع الناخب في جهاز هو الآخر إلكتروني يعمل على قراءة اختيار الناخب ويحفظ المعلومات بشكل الكتروني.

ووفقا للمتحدث باسم المفوضية كريم التميمي فإن "نتائج الانتخابات على مستوى المكاتب الانتخابية ترسل مباشرة بطريقة ذاتية دون تدخل العنصر البشري الى المقر الرئيس للمفوضية عبر وسط ناقل (الكتروني) لا يمكن اختراقه، مقابل تسليم مراقبي الكيانات السياسية في كل مكتب انتخابي نسخة من تقرير النتائج المرسل إلى المفوضية".

**إشكالات النظام الالكتروني

أثارت الاحزاب السياسية ومنظمات وشبكات المراقبة في عموم العراق جملة من المشاكل الخاصة بالاقتراع الالكتروني أبرزها خروج العديد من الاجهزة عن الخدمة الى جانب عملية استبدال بعض الاجهزة بأخرى يعتقد ممثلي الاحزاب انها قد تغير في النتائج.

نعيم الكاني مدير شبكة "عين" لمراقبة الانتخابات في العراق قال للأناضول، إن "الشبكة(محلية تصف نفسها بأنها مستقلة)‎ رصدت مشاكل النظام الالكتروني الخاص بالانتخابات، منها توقف بعض الاجهزة، وعدم قراءة البعض الآخر لبصمة إبهام الناخبين، وكل عملية تدقيق عبر الجهاز الالكتروني تحتاج الى دقائق وهذا سبب ازدحاما في العديد من مراكز الاقتراع".

من جهته، قال علي العلاق عضو البرلمان العراقي عن ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي للأناضول، إن "النظام الالكتروني حصلت فيه بعض الاشكاليات بتوقف بعض الاجهزة، لكنه بالمجمل نظام جيد واثبت نجاحه". 

أعزائي! إنّ شهر رمضان على الأبواب، وبعد أيام قلائل سيجلس المؤمنون - من لهم الجدارة لذلك - على مائدة الضيافة الإلهية، والصيام بحد ذاته والتوجه إلى الله تعالى والأذكار والأدعية التي غالباً ما تستهوي الأفئدة وتجتذبها في هذا الشهر جزء من الضيافة الإلهية، فاغتنموا هذه المائدة بأقصى مداها وأعدوا أنفسكم. فشهرا رجب وشعبان شهرا تأهب قلب الإنسان لدخول شهر رمضان، ولم يبق من شهر شعبان إلا أيام معدودات، فيا أعزائي! ويا أبنائي! أيها الشباب الأعزاء! اغتنموا هذه الأيام القلائل. سلوا الله تعالى، ويمموا قلوبكم النقية نحوه وكلموه. وليس من لغة خاصة للحديث مع الله جل وعلا، غير أن أئمتنا المعصومين الذين ارتقوا مراتب القرب إلى الله واحدة تلو الأخرى قد كلّموا الله بألسنة متميزة وعلّمونا سبيل التكلم معه الله سبحانه، وهذه المناجاة الشعبانية والأدعية الواردة في شهري رجب وشعبان بمضامينها الراقية، وهذه المعارف الرقيقة والنورانية والتعابير الرائعة الإعجازية، هذه كلها وسيلة لنا لغرض الدعاء. وإنني أدعوكم جميعاً أيها الأعزاء إلى التوجه خلال هذه الأيام نحو الدعاء والصلاة، والإقبال على الصيام، واغتنام أيام شهر رمضان ولياليه[1].

   بناء الذات أعظم درس في شهر رمضان   لعل من أفضل النعم الإلهية أن يوفقنا الله جميعاً للمحافظة على أسباب الرحمة الإلهية في أنفسنا حتى شهر رمضان القادام. والرحمة الإلهية التي تتنزل في شهر رمضان المبارك إنما منشؤها الأعمال الحسنة التي حالفكم التوفيق لأدائها في هذا الشهر المبارك. ففي شهر رمضان يكون التوجه نحو الله سبحانه والإحسان للفقراء وصلة الرحم ومداراة الضعفاء والطهارة والورع، وفيه استرضاء من نأيتم عنهم والنصف لمن عاديتم. إنه شهر الرأفة والتوجه إلى الله، إذ ترقّ فيه القلوب وتستنير النفوس بنور الله وفضله ورحمته، ويبلغ الإنسان التوفيق لأداء الأعمال الحسنة، فواظبوا على ذلك حتى العام المقبل، ولنستلهم الدرس من شهر رمضان لمدة سنة كاملة، وهذا هو الجزاء الإلهي الأكبر، حيث يمن علينا بمثل هذا التوفيق، فلنطلب من الله الرضا والرحمة والقبول والعفو والعافية، فإن ذلك هو العيد الحقيقي. ما أود قوله.. هو أن أعظم درس في شهر رمضان هو بناء الذات، والخطوة الأولى والمهمة في طريق بناء الذات هي أن ينظر المرء إلى نفسه وأخلاقه وسلوكه نظرة انتقاد فيرى عيوبه بدقة ووضوح، ثم يسعى للخلاص منها؛ وهذا أمر يمكننا إنجازه، فهو تكليف ملقى على عواتقنا. تراحموا فيما بينكم كي يرحمكم الله، وعلى من كانت أيديهم مبسوطة أن لا يمدوها عدواناً على مصالح وثروات الآخرين، ولا يستغلنّ من توفرت لديهم الفطنة والذكاء والإمكانيات والقوة والمسؤولية وشتى القدرات.. للعدوان على من سواهم. لنجعل من أنفسنا عبيداً لله مكلفين بمداراة عباد الله والإحسان إليهم، والبرّ بهم والتزام الإنصاف إزاءهم، وحينها سيغمرنا الباري بوابل رحمته وفضله فيطهرنا، وتنهمر علينا مواهبه، وهذا - بطبيعة الحال - تكليفنا جميعاً، بيد أن مسؤولية أصحاب القدرة والمنصب والثروة وذوي الكلمة النافذة بين الناس تفوق من سواهم في قبال هذا العبء الثقيل، عبء بناء النفس وكبح جماح الشهوات عن التعدي على الآخرين[2].
 
* الإمام الخامنئي (دام ظله) – بتصرف يسير


[1] - من خطبه له بتاريخ 25 شعبان 1422 ﻫ.ق كاشان.
[2] - من خطبه له بتاريخ1 شوال 1422ﻫ.ق طهران.

الأحد, 13 أيار 2018 11:20

دور المسجد في المجتمع

يقول الإمام الخميني قدس سره: "المسجد هو خندق إسلامي، والمحراب هو محل الحرب، إنهم يريدون أن يأخذوا هذا منكم، بل إن ذلك مقدمة، وإلاّ فاذهبوا وصلوا ما شئتم، إنهم تضرروا من المسجد خلال هاتين السنتين أو الثلاث الأخيرة، إذ أصبح المسجد مكاناً لتجمع الناس، وتثوير الجماهير للانتفاضة ضد الظلم، إنهم يريدون اخذ هذا الخندق منكم"1.

إن للمسجد دوراً أساسياً على مستوى المجتمع أيضاً فعبارة "ما لله لله وما لقيصر لقيصر" هي عبارة بعيدة كل البعد عن المفاهيم البديهية في الإسلام، بل هي ترك عملي صريح يأباه الإسلام الذي جاء على التوحيد الفطري والعملي "وأينما تولوا فثمّ وجه الله".

فهو المعبود وهو الملك والقاهر والمعين وهو مدبر الأمور...

لذلك كان المسجد من اليوم الأول للمجتمع الإسلامي محور الحركة ومنطلق الأعمال.

يقول الإمام الخميني قدس سره: "كان المسجد الحرام والمساجد في زمن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: مركزاً للحروب، ومركزاً للقضايا الاجتماعية والسياسية، فلم يقتصر دور مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على المسائل العبادية كالصلاة والصوم، بل كانت المسائل السياسية أكثر من ذلك وكان يبدأ من المسجد متى ما أراد تعبئة الناس وإرسال الجيوش"2.

ولنشر هنا إلى بعض هذه الأدوار:

الدور الاجتماعي
إن للمسجد دوره الأساسي في تماسك المجتمع وتقوية الروح الاجتماعية فيه، هذا التماسك الذي يعتبر هدفاً مهماً شرعت له بعض التشريعات لتقويته كتشريع التآخي بين المؤمنين وجاءت الكثير من الآداب والسنن لتعلم الإنسان كيف يتعامل مع أخيه الإنسان بشكل يضمن سلامة وقوة هذا التماسك، ودور المسجد في هذا الإطار واضح جداً خصوصاً مع ملاحظة صلاة الجماعة فيه، والتي يعني الالتزام بها اجتماع المؤمنين ثلاث مرات يومياً.

وقد وردت بعض الروايات التي تحث على الذهاب إلى المسجد بنية طلب الجماعة، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة كان له بكل خطوة سبعون ألف حسنة ويرفع له من الدرجات مثل ذلك، وان مات وهو على ذلك وكَّل الله به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره ويؤنسونه في وحدته ويستغفرون له حتى يبعث"3.

وعندما يصبح من رواد المسجد بأقل من إحدى ثلاث، إما دعاء يدعو به يدخل الله به الجنة، وإما يدعو به ليصرف الله به عنه بلاء الدنيا، وإما أخ يستفيده في الله عز وجل4.

الدور التبليغي
إن المسجد هو منبر للعلم والتبليغ والإعلام أيضاً، فمن أراد العلم والتعلم، فعليه أن يصاحب المسجد، ومن أراد الهداية عليه أن يتردد إلى المسجد، ومن أراد التوبة فبابها المسجد، فالمسجد هو تجسيد للرحمة الإلهية التي تغمر المؤمنين في الدنيا وتكون سبباً لحسن العاقبة.

وهذا ما أشارت إليه الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخاً مستفاداً في الله أو علماً مستطرفاً، أو آية محكمة، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردى، أو يسمع كلمة تدله على هدى، أو يترك ذنباً خشية أو حياء"5.

وهناك تأكيد في الإسلام على حركة التعلم في المسجد، وقد ورد في الرواية أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم خرج فإذا في المسجد مجلسان، مجلس يتفقهون ومجلس يدعون الله ويسألونه، فقال: "كلا المجلسين إلى خير، أما هؤلاء فيدعون الله، وأما هؤلاء فيتعلمون ويفقهون الجاهل، هؤلاء أفضل بالتعليم، أرسلت لما أرسلت ثم قعد معهم"6.

فيا لها من مجالس علم في بيت الله سبحانه وتعالى يجلس معهم فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فمن حق المؤمن أن يطمع بمثل ذلك.

وكذلك الإعلام وتوجيه الناس يكون في المساجد هذا ما أراده الإسلام وترجمه الإمام الخميني قدس سره في كلامه حيث قال: "المسجد هو مركز الإعلام والتبليغ"7.

ويقول قدس سره: "كان الإعلام الإسلامي ينطلق من المسجد"8.

الدور السياسي
يتميز الإسلام بشموليته، فالله تعالى ومن خلال لطفه المطلق أراد تلبية حاجات الإنسان كلها وتأمين متطلباته التشريعية التي تكفل سعادته وحل مشاكله كلها ومن جميع الجهات، فالإسلام لم يأتٍ بتكليف الإصلاح دون أن يعطي دواءه الناجح، بل أعطى الدواء ثم كلف الإنسان باستخدامه، فكمل اللطف وتمت الحجة.

ومن هنا نجد أحكام الإسلام التي اهتمت بالمجتمع الإنساني وتوجهاته السياسية من سلم وحرب ومناهج ووسائل وأخلاقيات... فليس غريباً أن نجد المسجد ـ الذي يعبّر عن قلب الإسلام الصافي ـ قد اقتحم السياسة ليضفي عليها هدايته ورونقه الإلهي الخاص.

يقول الإمام الخميني قدس سره: "المسجد هو مركز التجمعات السياسية"9.

فالسياسة في الإسلام لها اهتمامها الخاص وقد كان نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم صاحب الدولة ورأس الهرم في سياسة المجتمع الإسلامي، والتجمعات السياسية هي دور من الأدوار التي كان يؤديها المسجد على امتداد التاريخ.

يقول الإمام الخميني قدس سره: "لم يقتصر مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على المسائل العبادية كالصلاة والصوم، بل كانت المسائل السياسية أكثر من ذلك"10.

هذا المسجد الذي استطاع أن يغير المعادلات السياسية ويحدث انقلاباً كبيراً على موازين الاستكبار والمستكبرين في هذا العصر من خلال الثورة الإسلامية المباركة في إيران، ويشير الإمام الخميني قدس سره

إلى هذه الحقيقة بقوله: "إن المساجد هي التي حققت النصر لأبناء شعبنا، وهي مراكز حساسة ينبغي بالشعب الاهتمام بها"11.

فالمساجد هي حصون الإسلام المنيعة التي وضعها الله تعالى في أرضه والتي ينبغي الاستفادة منها.

يقول الإمام الخميني قدس سره: "أحيوا الثورة من خلال المساجد، التي تعتبر حصون الإسلام المنيعة، وأديموا اتقاد الثورة بالشعارات الإسلامية"12.

الدور الجهادي
المسجد لم يغب عن الحركة الجهادية أيضاً، حيث كان يعتبر مكان انطلاق الجيوش للذود عن الإسلام وإعلاء كلمة لا إله إلاّ الله.

يقول الإمام الخميني قدس سره: "كان المسجد الحرام والمساجد في زمن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مركزاً للحروب"13.

وهكذا فإن المسجد كان على امتداد العصور محور حركة الإنسان المسلم لينطلق من خلاله إلى عبادة الله تعالى والارتشاف من كأس معنويات الصلاة والدعاء... وليتزود ضمن حلقاته علماً نافعاً يعرف به ربه ويتعلم به تكليفه، وليعيش في زواياه هم الأمة الإسلامية من شوقها إلى غربها، فيشحذ همته لينطلق من هناك سيفاً من سيوف الله تعالى في أرضه.

احفظوا المساجد

يقول الإمام الخميني قدس سره: "أيها الشعب احفظوا مساجدكم.. أيها المثقفون احفظوا المساجد، ولا تكونوا مثقفين غربيين.. أيها الحقوقيون احفظوا مساجدكم.."14.

إن مهمة حفظ المساجد تقع على عاتق كل فرد من أفراد هذه الأمة، وهذا ما يميز المثقف الإسلامي عن المثقف الغربي، فالمثقف الإسلامي يرى دور المسجد المحوري نتيجة كونه بيت الله تعالى، الذي هو رب كل شيء. وليس المقصود من الحفظ حفظ الحجارة والجدران والأبواب، وإنما حفظ الدور والمحورية والروحية، حتى نصبح أبناء مساجد حقاً قد جبلت روحيته بنفوسنا وأرواحنا وخالطت دماءنا هذا هو واجبنا في هذا العصر. يقول الإمام الخميني قدس سره: "لا بد لي أن أقول: إن حفظ المساجد هو واجب المسلمين اليوم"15.

هذا هو واجبنا الذي يجب أن نلتفت إليه، لأن أي وهن وضعف فيه هو وهن وضعف في خندق أساسي للمجتمع الإسلامي، مما قد يسبب انهيار المجتمع الإسلامي وتراجع الحالة الإسلامية والعياذ بالله، فالبعد عن المساجد هو أساس الوهن!.

يقول الإمام الخميني قدس سره: "إن حفظ المساجد من الأمور التي يعتمد عليها وجود الإسلام اليوم"16.

اللهم اجعلنا من أهل المسجد الذين عرفوه وعاشوا فيه بأجسادهم فخالط أرواحهم حتى صاروا مسجداً في كل حركة وسكنة يقومون بها.


1- منهجية الثورة، ص479.
2- منهجية الثورة، ص478.
3-ميزان الحكمة، ج2، ص1259.
4-بحار الأنوار، ج71، ص275.
5-م. ن، ج80، ص351.
6- منية المريد، ص106.
7- كلمات قصار، ص64.
8- منهجية الثورة: ص478.
9- كلمات قصار، ص64.
10- منهجية الثورة الإسلامية، ص478.
11- منهجية الثورة ص478.
12- كلمات قصار، ص65.
13- منهجية الثورة الإسلامية ص478.
14- كلمات قصار، ص64.
15- نفس المصدر، ص64..
16- كلمات قصار ص65.

اكد قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي الخامنئي بان خطاب ترامب بالامس تضمن اكثر من 10 اكاذيب وقال مخاطبا الرئيس الاميركي: اقول لترامب نيابة عن الشعب الايراني؛ خسئت لتهديدك الشعب الايراني والنظام الاسلامي.

وفي كلمة له القاها صباح اليوم الاربعاء، أمام حشد من المعلمين لمناسبة يوم المعلم في ايران، قال سماحة القائد، لقد سمعتم تصريحات الرئيس الاميركي السخيفة. لربما كان هنالك اكثر من 10 اكاذيب في كلامه.. لقد هدد النظام وكذلك الشعب بانه سيفعل كذا وكذا، وانني اقول له نيابة عن الشعب الايراني: خسئت يا ترامب.

وقال آية الله الخامنئي، ان ما حدث، اي السلوك القبيح والسخيف للرئيس الاميركي لم يكن خلافا لتوقعاتنا. ان هذا السلوك كان قائما في عهد الرؤساء (الاميركيين) السابقين ايضا ولكن كان بصورة ما في كل مرحلة.

وقال سماحته، لقد مضى عامان ونصف العام على توقيع الاتفاق والان يقول هذا التافه الحقير (ترامب) انني ارفض (الاتفاق).

واشار قائد الثورة الاسلامية الى عداء اميركا للجمهورية الاسلامية وقال، ان عداء الاميركيين المستمر والعميق والرامي للاطاحة بالنظام هو عداء ليس ضدي انا شخصيا او سائر مسوؤلي البلاد بل هو عداء ضد النظام الاسلامي باكمله والشعب الذي اختار هذا النظام ويتحرك في نهجه، وحتى في عهد حكومة اوباما حيث كانوا يوجهون الرسائل ويطلقون بعض التصريحات كان في الحقيقة يهدفون للاطاحة لكنهم كانوا يقولون كذبا بان هدفهم ليس كذلك.

وتابع سماحته، انه حينما بدات القضية النووية واجراءات الحظر، كان بعض الشخصيات المعروفة يقولون لي "لماذا تصرون على القضية النووية، اتركوا هذه القضية ليكف الاميركيون عن ممارساتهم الخبيثة والعدائية".

واضاف، ان هذا الكلام كان خاطئا من عدة زوايا، احداها ان الطاقة النووية هي حاجة حقيقية للبلاد ولبضعة اعوام اخرى تكون البلاد بحاجة الى 20 الف ميغاواط من الطاقة الكهروذرية.

واعتبر سماحته بان من الخطأ الاعتماد على النفط لانه طاقة ناضبة ولابد من التفكير ببدائل له ومنها الطاقة النووية التي ستكون اجيال المستقبل بحاجة لها، واضاف، لقد قلت لهؤلاء المسؤولين بان الطاقة النووية هي ذريعة ولو تراجعتم فيها سيتجه الاميركيون الى ذريعة اخرى، ولقد حدث بالفعل ما كنا نقوله.

واضاف، ان القضية النووية قبلنا بها بالصورة التي كان المعارضون لايران يريدونها، الا ان عداء اميركا وذرائعها لم تنته.

واشار آية الله الخامنئي الى ذرائع اميركا حول القدرات الدفاعية والتواجد الاقليمي لايران واكد قائلا، لو اعلنتم غدا باننا سوف لن نصنع الصواريخ او اننا سنحدد مدياتها ستنتهي هذه القضية، ولكن من المؤكد انهم سيطرحون ذريعة وقضية اخرى لان عداءهم لنا بنيوي وان اميركا تعارض الجمهورية الاسلامية الايرانية من الاساس.

واعتبر ان السبب الاساس لهذا العداء الشديد هو انتصار الثورة الاسلامية وتاسيس الجمهورية الاسلامية وقطع يد اميركا عن ايران واضاف، انهم يريدون تدمير النظام والهيمنة من جديد على ايران ذات الاحتياطيات المهمة والموقع الاستراتيجي.

واضاف قائد الثورة الاسلامية، ان الاميركيين يريدون عملاء مثل بعض حكام المنطقة الا ان الجمهورية الاسلامية الايرانية تدافع عن عزة وعظمة وشموخ شعبها وهو ما لا يتحملونه.

واشار آية الله الخامنئي الى رسالة وجهها ترامب قبل عدة ايام الى بعض حكام دول الخليج الفارسي واضاف، ان الرئيس الاميركي يامر في رسالته حكام هذه الدول بان افعلوا كذا ولا تفعلوا كذا، انهم يريدون ان يتعاملوا مع الجمهورية الاسلامية بهذه الصورة لكنهم لا يستطيعون لانها حولت ذل شعبها وبلادها في العهدين القاجاري والبهلوي الى العزة والاستقلال والصمود ولا تتنازل عن مصالحها الوطنية.

واعتبر قائد الثورة الاسلامية خطاب ترامب المستهجن والسخيف بانه كان متوقعا مؤكدا، ان الجمهورية الاسلامية ستبقى شامخة رغم عداوات الحكومات الاميركية المتلاحقة.

وتطرق سماحته الى الاتفاق النووي واشار الى تنبيهاته المكررة للمسؤولين في الاجتماعات الخاصة والعامة حول الحذر من الثقة باميركا واضاف، لقد قلنا للمسؤولين بانه عليكم ان تاخذوا ضمانات حقيقية من الطرف الاخر قبل ابرام اي اتفاق ولا تثقوا بكلامهم.

ونوه الى شروطه التي طرحها في حينها للقبول بالاتفاق النووي من جانب ايران واضاف، ان احد هذه الشروط كان اخذ الضمانة الخطية وتوقيع الرئيس الاميركي في حينه بازالة الحظر، وبطبيعة الحال فان المسؤولين المعنيين بذلوا جهودهم لكنهم لم يستطيعوا وافضت النتيجة الى انه بعد عامين ونصف العام من تنفيذ ايران لالتزامتها اعلن الرئيس الاميركي الخروج من الاتفاق النووي واضحى يهدد الشعب الايراني.

واشار سماحته الى بعض الحديث حول الاتفاق النووي مع الدول الاوروبية الثلاث قائلا، انني لا ثقة لي بهذه الدول الثلاث ايضا واقول لا تثقوا بهم. إن اردتم التوقيع على اتفاق فاحصلوا منهم على ضمانات حقيقية وعملية ودون ذلك سيفعل هؤلاء غدا ما فعلت اميركا اليوم ولكن باسلوب اخر.

واضاف قائد الثورة، ان هؤلاء يسددون طعنة الخنجر في صدر الطرف المقابل والابتسامة مرسومة على شفاههم، ويقومون بالاشادة الظاهرية ويتابعون مآربهم بالقول اننا نعلم بانكم لا تقوضون الاتفاق النووي.

وحول العمل مع الاوروبيين قال، ان هذه القضية حساسة جدا، فان استطعتم ان تحصلوا على ضمانات حقيقية وقابلة للثقة وهو بالطبع امر مستبعد جدا، فلا اشكالية في ذلك واستمروا في التحرك ودون ذلك لا تواصلوا بهذه الصورة الحالية.

واعتبر سماحته مسؤولي البلاد بانهم امام اختبار كبير واكد قائلا، ان المسؤولين اليوم امام اختبار كبير، هل سيحفظون عزة واقتدار هذا الشعب ام لا. يجب صون عزة ومصالح الشعب بصورة حقيقية.

وتابع قائلا، بطبيعة الحال فان المسؤولين صرحوا بمسالة توفير المصالح هذه ولكن من اجل تحقيق هذا الهدف يجب العمل بدقة ويقظة وعقلانية مع الاوروبيين وعدم الثقة بكلام مسؤوليهم ، لانه لا قيمة لمجرد الكلام وهم يتعاملون في عالم الدبلوماسية تماما من دون اخلاق.

وفي جانب اخر من تصريحاته اعتبر سماحته ساحة تربية الشباب المؤمنين ذوي الهمم والعزيمة بانها ساحة حرب حقيقية وكبرى، مؤكدا ضرورة تربية جيل الشباب وفقا لاهداف وطموحات وتوجهات الجمهورية الاسلامية الزاخرة بنماذج كبرى كالشهداء النوويين والشهيد مصطفى جمران والشهيد آويني والشهيد حججي.

نحن نعرف إن مسألة الإله قد يصعب فهمها بدقّة على الطفل، لأنه يألف المحسوسات، فهو يريد أن يرى الله ويتلمّسه ويتعرّف عليه من خلال الحواس، وهذا تحدٍ على الصعيد التربوي. لكن أعتقد أن المرونة في العمل التربوي والمرونة في بيان المفاهيم الدينية قادرة على أن تذلّل الصعاب، فعلينا أن نبيّن للأطفال أنّ مسألة وجود هذا العالم العظيم بدون خالق مرفوضة عقلياً، ويمكننا أيضاً العمل على استنطاق فطرة الأطفال. فلا يمكن في الفطرة الا أن ينشدّ الأطفال الى الاله. وأعتقد أن مجرد سؤال الأطفال لنا أين الله؟ هو مؤشر على أنهم في فطرتهم يؤمنون بوجود الاله، لكن يبحثون عن مصداقه الخارجي، كأنهم يظنون أن الله كائن لا بدّ أن يروه. وعليه فدورُ الأهل والمربين هو في شرح تسامي الخالق وتنزهه عن الرؤية، وأنه مثلاً – أشبه بالنور، {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}. فاذا طوى الطّفل مرحلة عمرية أخرى ونمت مداركه فان علينا أن نتجه الى مستوى أعلى في بيان المفاهيم الدينية معتمدين أسلوب التدرّج والحكمة. ومن الضروري ألا نقدِّم للطفل اجابات خاطئة عن الله أو عن غيره من الحقائق الدينية، بل نسعى لتقريب الأفكار الى ذهنه على طريقة الأمثال. أجل، ان مسألة الاله الجلّاد لا بد أن نزيلها من قاموسنا التربوي على الاطلاق. فالأطفال يجب أن يقدّم الله سبحانه وتعالى اليهم باعتباره محبٌاً وليس جلّاداً، وعلينا أن نربّيهم على السعي لنيل رضى الله كسعيهم لنيل رضى الأهل، وبدل أن نقول للطفل اذا غششت أو سرقت فان الله يعذّبك، فالأجدى أن نقول له: اذا تركت الغش والسرقة فانّ الله يحبّك ويدخلك جنّته..

الشيخ حسين الخشن

الأحد, 13 أيار 2018 04:21

الصّوم.. صنع إنسان الله

الصّوم، بكلّ ما يعنيه، فرصة مهمّة لتحول كبير على مستوى روح الإنسان وأخلاقيّاته، في تفاعله وتعاطيه مع كلّ ما يدور حوله، بما ينسجم مع إرادة الله في أن يكون الصّيام له الأثر العميق والطيّب على الفرد والجماعة، وليس مجرد صوم ظاهريّ بلا هذا الأثر.

هذا التحول لا بدّ وأن ينطلق من تحديد الصّائم لغايته من صومه والهدف منه، فكلّما عرف أهمية هذا الهدف، انطلق بهمة ومسؤولية من أجل بلوغه، وهذا الهدف الجليل، هو أن تعيد العبادة صنع إنسان الله، بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى. فمن هو إنسان الله الّذي يستحقّ ضيافة الله ورحمته ويكون أهلاً لأداء فرائضه؟

هو الإنسان الذي يضبط أعصابه وانفعالاته، ويكون منسجماً مع نفسه وأخلاقيّاته، فلا ينفعل، ولا يضايق الآخرين بكلامه وتصرّفاته، بل يكون بغاية اللطف والخلق الحسن مع الناس جميعاً، كبيرهم وصغيرهم، وهو صاحب القلب الذي يعمل على تنقيته دوماً من الغلّ والأحقاد والحسد، ويجعله مركزاً للمحبة والرحمة والحنان والمودّة لأهله وأسرته وجيرانه ورفاقه، بحيث يستحقّ هذا القلب أن تتنزّل عليه ألطاف الله ورحمته وبركاته، إذ يعيش تقوى الله بقلبه، فلا شيء سوى الله فيه. فإنسان الله هو التقيّ صاحب القلب النّظيف والطّاهر الذي يحمل مشاعر الخير والرّحمة للجميع، والّذي يسعى لنشر هذه المشاعر.

إنه الإنسان صاحب الإرادة القوية في التوبة والعودة الطّوعية إلى الله عن قناعة ووعي، فهو قد راجع نفسه وحاسبها وراقبها، وعزم على إصلاحها من خلال التوبة النّصوح إلى الله، مستفيداً من أجواء الصّيام الروحانية والإيمانية، بما تعكسه من أوقات صادقة تحفِّز العبد على التخلّي عن ذنوبه، ومراجعة ضميره، واتخاذ القرار الذي يوافق إنسانيته وهدفه في العودة إلى الحق تعالى والقرب منه.

وعندما يتوب العبد إلى ربه، يجد الله فاتحاً له أبواب كرمه وفضله ورحمته، فينعم بقبول الله له، ويجعل منه إنساناً راقياً وصالحاً، ممارساً للخير، رافضا للظلم والعدوان، مخلصاً لله على أفضل هيئة معنوية، وفي أروع صورة من صور إبراز الفطرة السّليمة المتوجّهة إلى الله تعالى.

لقد كتب الله علينا الصيام فريضةً، كي نعيد صناعة شخصياتنا كمجتمع إيماني ورسالي مسؤول عن الناس والحياة، بكلّ نفوس زكيّة، وعقول واعية، ومشاعر طيبة. وزمن الصوم هو زمن مقدّس، خصه تعالى بمزيد من الكرامة التي جعلها محطةً محورية تلتقي حولها كلّ المعاني الجليلة التي تصنع إنسان الله، في حمله للإمانة في إعمار الحياة بما ينفعها؛ إنه الزمان الذي نزل فيه القرآن وليلة القدر؛ فهل نحن بمستوى أن نكون من أهل القرآن والإيمان والتقوى؟

علينا أن نتنازل عن أنانيّاتنا وعصبيّاتنا وحساباتنا الضيّقة، ونتعرّف إلى ما في هذا الشّهر من أوقات تعيدنا إلى أنفسنا وربّنا، ونتحسَّس فيها مسؤوليّاتنا في إيجاد أنفس سوية خلوقة تقية تليق بعبادة الله وطاعته، هذه الطاعة التي تشعرنا بالغنى والعزّة والكرامة.

الطريق أمامنا مفتوح كي نعود إلى الله ونهتدي بهديه، ونستفيد من الصّوم في تهذيب نفوسنا ومشاعرنا، حتى نكون في موقع استحقاق إنسان الله في كلّ أبعاده وصوره…

الأحد, 13 أيار 2018 04:02

العقل في القرآن الكريم

هناك الكثير من الآيات التي تحدّثت عن العقل في القرآن الكريم، وقد أكَّدنا في أحاديث سّابقة، أنّ على القائمين على شؤون الثقافة الإسلاميّة، أن يؤكّدوا دور العقل في الإسلام، لأنّ هناك الكثيرين من أعداء الإسلام، أو ممن لا يفهمون القاعدة الّتي يرتكز عليها، يتصوَّرون أنّ الإسلام لا ينطلق من حالة عقليّة، وأنّ كلّ ما فيه يتحرّك من خلال التعبّد. ونحن لا ننفي أنَّ الإسلام يؤكّد عبوديّة الإنسان لله سبحانه وتعالى، لأنّه تعالى يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}([1])، ولكنّ الله تعبّدنا بالعقل في حركة الإنسان في الحياة، وفي إنتاج العلم من خلال التأمّل والتّجربة؛ باعتبار أنَّ دور العقل أن يتحرَّك في وجدان الإنسان، لينطلق في خطّ الإبداع في سبيل أن تكون الحياة أغنى وأفضل.

الكفر يعني اللاعقل

وفي بعض الآيات الّتي تتناول موضوع العقل، يؤكِّد القرآن الكريم أنَّ الكفر هو حالة اللاعقل، وأنَّ الّذي يكفر هو الّذي لا يستنطق عقله، وإنما يعتمد على ما ورثه عن مجتمعه، أو على بعض الحالات الّتي تنطلق من أهوائه الشخصيّة.

والقرآن الكريم يؤكّد هذه الآية في مواجهته لكلِّ المواقف المضادَّة الغبيَّة التي تواجه الأنبياء(ع) عندما يأتون للنَّاس بشيء جديد، لأنَّ هؤلاء النّاس عاشوا على أساس أن يبقى القديم على ما هو عليه، وعلاوةً على ذلك، فإنّهم ليسوا مستعدّين أنْ يدافعوا عن القديم الّذي يلتزمون به على أساس العقل، أو أن يحاوروا الّذين يأتون بجديدٍ على أساس العقل، والكلمة الّتي يبرِّرون بها رفضهم للجديد الّذي تأتي به النبوّات، قولهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}([2])؛ فالقضيّة لديهم ترتبط بالامتداد الاجتماعي للتاريخ في حركة الزمن، وكأنَّ الزمن يتجمّد ـ في حركة الفكر ـ عند ذلك التاريخ الذي قد يمتدُّ إلى آلاف السّنين، وذلك عندما ينطلق فكرهم من خلال التخلّف أو من خلال ذهنيّة خرافيّة أو ما إلى ذلك.

وفي الوقت نفسه، نجد أنَّ القرآن الكريم يثير تلك القضيّة معهم بأسلوب عقلاني، فيقول تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ الله قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا}.. إنّكم تقولون إننا نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا، ولذلك ترفضون كلَّ ما لا يتّفق مع ما ورثتموه. والسّؤال: ما هو المستوى العقلائيّ والثّقافيّ لآبائكم، فهل كانوا يملكون العقل الّذي يكتشف الحقيقة؟ وهل كانوا يملكون الثّقافة التي تنضج الفكر؟ {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ}([3])، وفي آيةٍ أخرى: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ}([4])؛ فإنّ آباءكم الّذين تلتزمون خطّهم وفكرهم كانوا لا يعقلون، ولذلك فإنهم لم ينطلقوا من خلال مجتمعٍ يرتكز على العقل كعنوانٍ كبيرٍ لكلّ ما يأخذ به وما يدعه، وهؤلاء أيضاً لا يهتدون، لأنهم لم ينفتحوا على خطّ الهدى، وهل يتبع الإنسان العاقل غير العاقل؟ وهل يتبع الإنسان الذي يريد الهداية شخصاً لا يملك الهداية؟

فلا تبقوا في امتداد التّاريخ تابعين لآبائكم على أساس العاطفة التي تربطكم بهم، لأنّ قضيّة الفكر شيء وقضيّة العاطفة شيء آخر.. فالعاطفة تتّصل بالإحساس والشعور، ولكن الفكر يتصل بالعقل والفكر.

إنّ المسألة ـ في عمقها ـ تتصل باللاعقل، بحيث ينطلق الإنسان ليتحرّك في تاريخ اللاعقل، وهذا هو الّذي يجمِّد المجتمعات ويُسقط الحضارات، وإذا كان القرآن الكريم يتحدَّث عن هؤلاء الذين يجمدون على تراث آبائهم لأنهم يريدون بقاء القديم كما هو من دون أن يحركوه بفكر أو في حوار، وإذا كان القرآن يتحدّث عن هذا الفريق الّذي كان يقف بوجه دعوة الأنبياء(ع)، فإنّنا نستطيع أن نستوحيه في كلّ الواقع الذي ينطلق فيه المصلحون ليواجهوا الكثير من عناصر التخلّف أو من أوضاع الخرافات أو الجهل، فيقف أمامهم المتخلِّفون، فيقولون هذه تقاليدنا وعاداتنا، وإنّنا نريد البقاء على تراث آبائنا؛ فإنّ المنهج القرآني يقول إنّ الله سبحانه وتعالى خلق العقل وجعله حجّةً على الإنسان، وسيحاكم على أساس ما ينتجه العقل، ولذلك فعليك ـ أيّها الإنسان ـ أن لا ترفض الجديد لمجرّد أنه يختلف عن القديم، كما إنّ عليك أن لا تقبل الجديد إلاّ بعد أن تستنفر عقلك وثقافتك لتواجهه بالحوار والنّقاش، لتصل إلى النتائج الإيجابيّة إنْ كان الفكر يتّجه إلى الإيجاب، ولتصل إلى النتائج السلبيّة إذا كان الفكر يتّجه إلى السّلب.

الإسلام يغتني بالفكر

وهذا هو الّذي يُغني المجتمعات، وهو الّذي يرفع مستواها الثقافي، سواءٌ في ثقافة العقيدة أو ثقافة الشّريعة؛ لأنّ المسألة هي أنّ المُنتجين للفكر في الماضي قد يكونون مخلصين لفكرهم، ولكنّ الإخلاص لا يعني الصّواب، فربما يخلص الإنسان لفكره، ولكنه لا يملك الوسائل التي تصل به إلى مستوى الصّواب، وقد يخطئ المخلصون لا من موقع تعمّد الخطأ، ولكن من خلال عدم وجود الوسائل التي تصل بهم إلى ذلك.. ولذلك فإنّ علينا أن لا نبادر إلى رجم كلِّ فكر جديد، بل أن نفكّر فيه ونحاكمه ونناقشه، وبذلك يمكن أن نغني الإسلام بالفكر الّذي يصنع الحضارات التي تنطلق لأجل أن تنتج علماً وفكراً هنا وهناك وتصل إلى مستوى الإبداع. فالمهمّ أن لا يتجمَّد الفكر ولا يتحجَّر، بل عليك أن تدعه ينطلق في الهواء الطّلق لينفتح على الحقيقة.

وفي الاتّجاه نفسه، نقرأ في آيةٍ أخرى قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ}([5])، وفيها يبيّن الله سبحانه وتعالى أنَّ مشكلة الكافرين هي أنهم يجمدون على ما يلتزمون به، كما هو حال الشّخص الذي يصيح عندما تنطلق الأصوات من حوله، لا لشيء إلا لأنّ هناك صوتاً، من دون أن يفهم طبيعة هذا الصّوت ومضمونه من الفكر، ولذلك فهم {صُمٌّ}، لا يحاولون الاستماع إلى ما يطلقه الآخرون من كلمات ومن أفكار، وهم {عُمْيٌ}، لا ينفتحون على الحقيقة بأبصار عقولهم، بل يعيشون كالأعمى، والله يقول: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}([6])، كما إنّهم لا ينتفعون بأعينهم مما يرونه من دلائل العظمة في أسرار الله مما ينفتح بهم على توحيده وربوبيَّته.. وهم {بُكْمٌ} لا ينطقون، لأنهم يتحركون على أساس ما اختزنوه من الفكر الّذي ورثوه أو توهّموه، من دون أن يدخلوا في حوارٍ أو جدالٍ أو مناقشةٍ حوله مقارناً بما لدى الآخرين من فكر، {فهم لا يَعْقِلُونَ} كنتيجة لكلّ ذلك.. باعتبار أنهم فقدوا العقل الّذي يعطي السّمع والبصر حركةً وإدراكاً، تماماً كالّذي يصاب بالسكتة الدّماغيّة، ولكنّ عينيه تبقيان سليمتين في الشّكل، فيما صورة النّاس تنطبع في عينيه، إلا أنّه لا يعرفهم؛ لأنّ البصر إنما يكون وسيلةً للمعرفة عندما يتكامل البصر المادّيّ مع البصر الروحي والعقلي.. وهكذا بالنِّسبة إلى السّمع والنّطق، لأنَّ حركة الإنسان الماديّة في جسده مرتبطة بحركته الدّاخليَّة المعنويَّة من خلال السّمع أو البصر أو النّطق.

وفي آيةٍ أخرى، يعبِّر القرآن الكريم عن الّذين لا يسمعون بما يمكن أن يرفع مستواهم، ولا يتكلَّمون بما يعطيهم الثَّقافة، باعتبار أنهم لا يسألون ولا يحاورون أو يناقشون، يعبّر عنهم بقوله: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ الله الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ}([7]).

التعقّل وحسابات النَّتائج

ويحدِّثنا الله سبحانه وتعالى عن الحالة النفسيَّة الّتي كان يعيشها اليهود الّذين كانوا في المدينة، وقد خانوا العهد مع النبيّ(ص) والمسلمين، وتحالفوا مع المشركين ضدّ الرّسول محمَّد(ص) الّذي انتصر عليهم، بقوله سبحانه وتعالى للمؤمنين: {لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنْ الله ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ}([8]). ولو أنَّ اليهود يؤمنون بالله على طريقتهم الخاصَّة، ولكنَّهم يفقدون هذا العمق الإيماني الّذي يجعلهم يعيشون الإحساس والثّقة بأنَّ {الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعًا}، وأنّ الإنسان يستمدُّ القوَّة من الله سبحانه وتعالى.. ولذلك فهم يخافون من المسلمين بما يملكون من قوّة، ويَرهَبونهم أكثر مما يرهبون الله، لأنّ إيمانهم لم يرتكز على الفهم الواعي للعقيدة، ولم يتحرّك ليدخل في مقارنةٍ بين قوّة الله وقوّة عباده، وأنّه لا يمكن للإنسان أن يخشى العباد؛ لأنَّ الإنسان المؤمن الّذي يعرف عظمة الله سبحانه وتعالى وهيمنته على الكون، وذلك هو قوله تعالى: {أنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعًا}([9]) وأنّه {مَالِكَ الْمُلْكِ}{[10])، إلى غير ذلك من الصِّفات، لا يمكن أن يعيش الرَّهبة إلا من الله، عندما يقف بين يديه في العبادة، أو يتحرَّك في الحياة، كما يعبّر عنه قوله تعالى: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَالله أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}([11]).

وهذا خطُّ إيمانيّ لا بدَّ للمؤمن من أن يعيشه أمام التحدّيات الكبرى التي تواجه المؤمنين من خلال القوى المستكبرة، أو من خلال الطّغاة أو الظّالمين وما إلى ذلك؛ حيث نجد أنَّ بعض النّاس ضعيفي الإيمان، يشعرون بالهزيمة والزّلزال أماهم، ولا يخافون من الله مثلما يخافون من النّاس. وقد حدّثنا القرآن الكريم عن هذا النّموذج من المؤمنين في معركة (الأحزاب)، بقوله تعالى: {وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِالله الظُّنُونَا}([12])، أما المؤمنون، فعبّر عنهم بقوله: {هذا ما وعَدَنَا اللهُ ورَسُولُه وصدَقَ اللهُ ورَسُولُه وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}([13])؛ لأن الإيمان كان عميقاً في وجدانهم، بالمستوى الّذي يشعرون بأنَّ هذا البلاء لا يعني الهزيمة، بل إنَّ عليهم أن يثبتوا ويثقوا بنصر الله، حتى يستطيعوا مواصلة المواجهة ضدّ تحالف اليهود مع المشركين.

ونعود إلى حديث الله عن اليهود في قوله تعالى: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ}، حيث يبيّن الله أنَّ هذه الرّهبة التي يعيشونها تجاه المسلمين، تجعلهم لا يقاتلونكم وجهاً لوجه كما هو الحال في تلك العصور، {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ}، فلو نظرت في داخلهم، لرأيت بعضهم يعادي بعضاً، ولرأيت الفتنة تتحرّك في كلِّ أوضاعهم وانقساماتهم.. {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى}، يعني أنَّ هذه الوحدة الشكليّة الظاهريّة لهم لا تنطلق من وحدة عقليّة باطنيّة، ولذا يصفهم الله سبحانه وتعالى بقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ}([14])؛ لأنّ المجتمع العقلائيّ هو المجتمع الّذي يعتقد أنّ الوحدة هي مركز القوّة، وأنّ اختلاف وجهات النّظر لا يعني التشتّت، بل يعني الحوار والمناقشة للوصول إلى نتائج إيجابيّة.

فالله سبحانه وتعالى يصف اليهود في ذلك العصر بأنَّ سلوكهم يمثّل سلوك الّذين لا يملكون فهم الأشياء في عمقها، ولا يملكون العقل الّذي يستطيعون من خلاله أن ينظّموا واقعهم ومجتمعهم بالطريقة التي يمكن أن تمنحهم القوَّة والنَّصر.

بين استعمال العقل واتّباع الهوى

ومن ناحية أخرى، نقرأ في القرآن الكريم عن هؤلاء الّذين ينطلقون في الحياة من خلال أهوائهم وغرائزهم، فلا يستنطقون عقولهم، ويجعلون أهواءهم هي البوصلة الّتي يستهدون بها في حركتهم في الحياة على المستوى الفردي أو الاجتماعي، نقرأ قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً}[15]، وليس معناه أن يقول أحدهم إنّ إلهه هو هوى نفسه، ولكنّه يتعامل مع هواه كما يتعامل العبد مع إلهه في الطّاعة والتّسليم المطلق، {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ} مما تلقيه عليهم من وحي الله، {أَوْ يَعْقِلُونَ}، فقد صادروا عقولهم وصادروا كلّ حالة التوازن في شخصيّتهم.. {إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً}([16])؛ لأنّ الأنعام لا تملك العقل الّذي تستطيع من خلاله أن تحرّك حياتها في اتجاه التّغيير أو مواجهة كلّ تنوّع الأحداث. إنَّ هؤلاء الّذين لا يعقلون، رغم أنّ الله أعطاهم عقلاً، ولكنّهم يستعملونه في غير الاتجاه الصّحيح، هم أضلّ من الأنعام، لأنّ الله وهبهم طاقةً يمكنهم أن يجدوا فيها السّعادة والخير، فلم يستخدموها بل أهملوها..

 

 

الهوامش:

[1] الأحزاب/36.

[2] الزخرف/23.

[3] البقرة/170.

[4] المائدة/104.

[5] البقرة/171.

[6] الحج/46.

[7] الأنفال/22.

[8] الحشر/13.

[9] البقرة/165.

[10] آل عمران/26.

[11] الأحزاب/37.

[12] الأحزاب/10.

[13] الأحزاب/22.

[14] الحشر/14.

[15] الفرقان/43.

[16] الفرقان/43-44.

الأحد, 13 أيار 2018 04:00

الإسلام روح حياتنا

من أهمّ أهداف أعداء الإسلام تغيير نمط حياة المسلمين، وجعله شبيهاً بنمط حياتهم. وإنّ نمط الحياة الذي تحدّثت [عنه] في أعوام سابقة يُعتبر من القضايا الهامّة، وله فروعٌ وشُعَب متعدّدة.

*يريدون تغيير نمط حياتنا
إنّ طبيعة الحياة تؤثّر في فكر الإنسان. كما إنّ سلوكه اليوميّ يترك أثراً على قلبه وروحه، وكذلك يترك أثره على من يُخاطبهم ويُرافقهم ويتواصل معهم، وهذا هو الذي يريد أعداء الإسلام تغييره. وقد نجحوا في بعض المجالات، للأسف!

قدّم لنا الإسلام نمط حياة خاصّاً. فقد حثّنا الإسلام مثلاً على احتذاء الأدب مع الآخرين وفي كلّ شيء. وهذا “الأدب” يُعدّ من الأمور الهامّة. ونحن اشتهرنا منذ القِدَم بمراعاة الأدب واحترام الطرف الآخر في كلامنا وخطابنا.

لنفترض أنّكم تعارضون شخصاً وتريدون التحدُّث عنه، فبالإمكان الاعتماد على أسلوبين: الأول أسلوب التشهير وإساءة الأدب وهتْك الحرمات، والثاني الأسلوب المؤدّب. القرآن الكريم حينما يتحدّث عن الفاسقين والكافرين يقول في كثير من المواطن: ﴿وَلكِنَّ أَكثَرَهُم لا يَعْلَمُون﴾ (الأنعام: 37)، ولا يقول “كلّهم”، فإنّ هناك بالتالي أقليّة بينهم تلتزم التعقّل، ولذلك يقول القرآن الكريم: ﴿أَكثَرَهُم﴾ مراعاةً لحقهم.

*المطالعة والتأليف نمط حياة
كذلك من المسائل المتعلّقة بنمط الحياة وعاداتها المطالعة وقراءة الكتب، وهو من الأساليب الجميلة للحياة. حيث من الأهمية أن نحثّ الناس والشباب على المطالعة. فقراءة الكتب أمر في غاية الأهميّة وينبغي أن تكون مراكز صلاة الجمعة محلاً لعرض وترويج الكتب الجيدة والمعاصرة والمطلوبة، وتعريف الناس بها، فتكون الكتب في متناول أيديهم. كذلك من النماذج التي تدخل في نمط الحياة أن نحثّ النخب على إنتاج الكتب وتأليفها، فهذه المسألة ضرورية. وهذا يدخل في نمط الحياة.

*كيف تجذبون الشباب إليكم؟

أ- كلام جديد وأفكار ذكية

من القضايا الهامّة قضيّة استقطاب الشباب إلى صلاة الجمعة. ولا يتمّ ذلك في القول: “هيّا أيها الشباب.. احضروا الصلاة”، وإنّما يجب استمالة الشابّ عن طريق القلب والفهم والتفكير. وهذا ما يجذب الشابّ إلى حضور صلاة الجمعة. الشابّ يأتي إلى المسجد باحثاً عن أفكار جديدة وكلام جيّد وجديد من هذا المنبر. على إمام المسجد عرض الكلام الجديد والفكر الجديد: “حدِّثني بكلام جديد، فإنّ لكل جديد حلاوةً أخرى”(1).

الكلمة الجديدة لا تعني الكلمة المبتَدعة حتّى يقال إنّها بِدْعة. كلّا، وإنّما هي فكرة جديدة. فعليكم بالتفكّر والتدبّر والتحرّي والتقصّي، للوصول إلى كلام جديد وأفكار جديدة جاذبة للشباب، وعندها سيكون للشباب حضورهم ومشاركتهم في هذه الجلسات باندفاعٍ ومن تلقاء أنفسهم.

ب- الصدق والمودّة والقرب

إنّ من الأمور التي تستهوي الشباب الشعور بالمودّة والقرب، فإنّ الشاب عاطفيّ حساس، ويقوم بإنجاز الكثير من الأعمال من منطلق عواطِفه وبهداية من القلب والعاطفة. فإذا شعر بالودّ والمحبة والعطف والصدق، أقبل على إمام الجمعة. وإذا أحسّ منه بالتكبّر والغرور والتظاهر، أعرض عنه! وإذا ما أقبل الشباب، سيكون عمل إمام الجمعة، في الحقيقة، هو تغذية وضخّ الطاقة المحرّكة والمنتجة في الشباب.

*زماننا حساس جداً

إنّ زماننا بالغ الخطورة والحساسيّة. فثمة أجهزة دؤوبة وجبهة واسعة تعمل ضدّ الجمهورية الإسلامية، وهي تمارس عملها ليل نهار في غرف الفكر على حدّ تعبيرهم، والسبب في ذلك أنّهم شعروا بالخطر، والحقّ معهم، فعليهم أن يشعروا، حقيقةً بالخطر، وذلك لأنّ الفكر الإسلاميّ قد تخطّى حدود الجمهوريّة الإسلاميّة وأخذ ينتشر بنفسه. ولطالما ضربتُ هذا المثال وقلتُ إنّ الفكر الإسلاميّ ينتشر كانتشار الهواء اللطيف، والنسمة الرقيقة، وشذى الورد وأريج الزهور الذي لا يمكن حصره في زاوية من الحديقة، وإنّما ينتشر في كلّ الأرجاء. والفكر الإسلاميّ هو الفكر الثوريّ والفكر الإسلاميّ الأصيل الذي لديه الحاكمية والسيادة، وليس الإسلام الذي يقتصر على الكلام وعلى القشور والظواهر، والذي يكتسب لنفسه الاحترام من خلال قداسة جوفاء، من دون العمل بأيٍ من تعاليمه؛ بل الإسلام الذي يبني المجتمع والنظام. وفكرٌ كهذا قد انتشر اليوم في ربوع العالم الإسلاميّ، وقام بتربية وإعداد أناس أقوياء أكفَاء في بعض الأماكن. ولذلك باتوا يشعرون بالخطر، ويمطرون مجتمع المسلمين بوابلٍ من القنابل الفكرية والسياسية. ما أقوله ليس تحليلاً، وإنّما هو اطّلاع ومعلومات، ولذا يتحتّم علينا الانتباه واليقظة.

*التحوّل إلى الأسلمة الكاملة

المجتمع أيضاً لا يستطيع أن يبقى ساكناً جامداً، بل عليه أن يتقدّم باتّجاه التحوّل والتغيير، نحو الأسلمة الكاملة؛ لأنّنا اليوم نحمل اسماً إسلاميّاً، ولكنْ أمامنا طريق طويل لكي نحقّق الهويّة الإسلاميّة الكاملة.

(*) كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه أئمة الجمعة 04/01/2016.

لم ينجح الإعلام في غسل عقل القاعدة الشعبية الواسعة ولم يُغْرِها المال، وقدّم الناس موقفاً واضحاً من الطبقة السياسية، أكّدوا من خلاله أنهم لا يعطون صكوكاً على بياض لأيٍ كان.. كان الإنذار الذي تلقّته الطبقة السياسية قوياً، وقد فهم الجميع الرسالة. غير أنه لا شيء يشير إلى قدرتهم على مراجعة خياراتهم بعد أن تورّطوا جميعاً في المشي في المسار الذي رسمته البنوك الدولية بكل ملحقاته الاقتصادية والاجتماعية وحتى التشريعية والثقافية.

ربما كان مجرَّد إجراء الانتخابات البلدية بعد سبع سنوات من التعطيل شيئاً إيجابياً. لكن المؤكَّد أن تلك الإيجابية كانت ستتضاعف لولا الهوّة العميقة، التي حفرتها سنوات من الممارسة السياسية العقيمة، بين الشعب والطبقة السياسية.

من الواضح أن الانتخابات البلدية تختلف عن الانتخابات التشريعية والرئاسية، بسبب طابعها المحلّي والإمكانيات الواسعة لتشكيل القوائم المُستقلّة ذات الطابع المحلي الكامل، حيث يمكن لأبناء حيّ أو تجمّع سكني أو عائلة كبيرة أو رجل أعمال تشكيل قائمة انتخابية. والعدد الكبير للقوائم المستقلّة يعكس هذه الحقيقة. ورغم نسبة الإقبال الضعيفة، إلا أن نجاح التجربة الديمقراطية المحلية، يمكنه أن يكون حافزاً لاستعادة الثقة في العملية الانتخابية.

لم يتجاوز عدد الناخبين 1.8 مليون ناخب أي ثلث أصوات المُسجَّلين البالغ عددهم أكثر من خمسة ملايين، وخُمس مَن يحِقّ لهم الانتخاب وهو ثمانية ملايين ناخب. لم تكن هذه الانتخابات تحمل طابعاً سياسياً مباشراً، لكن نتائجها كانت ذات دلالة سياسية كبيرة تعكس موقفاً شعبياً من الطبقة السياسية.

كان حجم المقاطعة كبيراً حيث لم يشارك 80 % على الأقل من الناخبين. وهو ما جعل انتصار حركة النهضة الذي أعلنته انتصاراً بطعمِ الهزيمة بعد أن تراجعت كتلة الأصوات المؤيِّدة لها إلى 400 ألف فقط، بينما كان قرابة 1.4 مليون صوت في 2011، وهو ما يعني أنها خسرت في سبع سنوات مليون صوت.

لكن نداء تونس هو الآخر تلقَّى هزيمتين. الأولى حلوله ثالثاً بعد المستقلّين والنهضة، والثانية خسارته لعددٍ كبيرٍ من كتلته الانتخابية التي تراجعت من 1.2 مليون صوت عام 2011 إلى 350 ألف صوت في هذه الانتخابات أي أنه خسر هو الآخر 850 ألف صوت.

لم تكن النتائج مُفاجِئة، فالجميع تقريباً توقّع فوز النهضة والنداء. ورغم أن المنافسة بين الحزبين تبقى حقيقية، إلا أن ذلك لا يُلغي التوافق بينهما بعد "المُصالحة التاريخية" التي أنجزها الباجي قايد السبسي وراشد الغنوشي في آب / أغسطس 2013 في باريس، وهو ما أكّده رئيس حركة النهضة إثر صدور النتائج الأولية.

وهذا التوافُق بين الحزبين لابدّ من أن يكون له تأثيره الكبير على قوائم المستقلّين الفائزة. فمن المتوقّع أن يفقد الكثير منها وزنه بسببِ التنسيق المتوقّع بين النداء  والنهضة، لأن ذلك التنسيق سيُعيد توزيع الأغلبية في أكثر المجالس البلدية، لتصبح تحت سلطة الثنائي الحاكِم.. وسيعني ذلك انتقال التنسيق من المستوى الحكومي والبرلماني إلى المستوى المحلي. وهذا سيطرح أسئلة حول موقف بقيّة الأحزاب وبشكلٍ أساسي التيار الديمقراطي والجبهة الشعبية حول إمكانية دخولها في حوارات مع الحزبين الفائزين.

من الواضح أن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي أنتجتها الخيارات الحكومية كانت حاسِمة في مقاطعة أكثر الناس لصناديق الاقتراع ومُعاقبة الطبقة السياسية، وفي نتائج الانتخابات. غير أن الكثير من الخيارات الأخرى ساهم في هذا التراجُع الكبير وأهمّها تخلّي حركة النهضة عن الكثير من قناعاتها القديمة حول التحرّر والعدالة الاجتماعية والقِيَم الدينية وفلسطين والتطبيع .. وهو ما أبعد عنها جزءاً كبيراً من قاعدتها الشعبية. فالمسألة لا تتعلّق فقط بأدائها السياسي والاقتصادي. وكذلك انشقاق نداء تونس على نفسه أكثر من مرة ليخرج من رحمه الكثير من الأحزاب وهو ما أضعفه إلى حدٍ كبير، فضلاً عن تحوّل الحزب إلى ما يشبه الإقطاع السياسي حيث يرأس نجل الرئيس الحزب بعد التخلّص من أهم القيادات المؤسِّسة. وتخلِّيه عن كل الوعود التي وزّعها قبل الانتخابات السابقة والتي لم ينفّذ منها شيئاً.

رسّخت الانتخابات تزعّم الحزبين الحاكمين للمشهد السياسي وهما النهضة والنداء. وهذا الأمر لابدّ من أن يُزعج بقية الأحزاب التي لا تريد رؤية ذلك. لم تأتِ حركة النهضة أوّلاً، بل كان ذلك نصيب المُستقلّين على اختلاف توجّهاتهم. وهذا يعني أن الناخبين باتوا يُفضّلون المُستقلّين على الأحزاب بعد فشل تجاربهم في الحُكم حتى الآن على الأقل.

ترتبط الديمقراطية في الأنظمة الليبرالية بالمال بشكلٍ واضحٍ. ولا مجال لفوز حزب ضعيف في تمويله مهما كانت وجاهة رؤيته وسلامة توجّهاته. وقد رسّخت هذه الانتخابات قوّة المال، الذي تملكه حركة النهضة وحزب النداء، في تسيّد المشهد السياسي. لكن المال نفسه لم يقنع أكثر الناس فكانت نسبة المُقاطعة قياسية وفاضِحة بالنسبة لتجربة "ديمقراطية" ناشئة.

لم ينجح الإعلام في غسل عقل القاعدة الشعبية الواسعة ولم يُغْرِها المال، وقدّم الناس موقفاً واضحاً من الطبقة السياسية، أكّدوا من خلاله أنهم لا يعطون صكوكاً على بياض لأيٍ كان.. كان الإنذار الذي تلقّته الطبقة السياسية قوياً، وقد فهم الجميع الرسالة. غير أنه لا شيء يشير إلى قدرتهم على مراجعة خياراتهم بعد أن تورّطوا جميعاً في المشي في المسار الذي رسمته البنوك الدولية بكل ملحقاته الاقتصادية والاجتماعية وحتى التشريعية والثقافية.

وإذا لم تستخلص الطبقة السياسية الحاكِمة الدرس قبل الاستحقاق الانتخابي المقبل سواء التشريعي أو الرئاسي، فإن المُقاطعة ستتواصل، وربما ستتوسّع أكثر. وهذا ما يمكن أن يسمح بظهورِ قوّةٍ سياسيةٍ جديدةٍ كما حدث في بلدانٍ أخرى، وهو ما سيشكّل مُنعرجاً حاسِماً ومُحدَّداً لمستقبل التوافق الحاكِم.

دعت الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة وكسر الحصار جماهير  الشعب الفلسطيني إلى "مليونية العودة وكسر الحصار" يوم الإثنين القادم.

وقالت في بيان صادرٍ عنها اليوم الجمعة إننا ندعو "الجماهير الفلسطينية في الضفة والقدس والداخل عام 1948 والمخيمات والشتات إلى التحرك تجاه فلسطين من كل حدب وصوب, ليكون هذا اليوم وهذا التاريخ تاريخاً تستدير فيه أحداث التاريخ من النكبة إلى العودة والانتصار".

واستُهل البيان بالقول "لقد قرعتم في جمعة الاعداد والنذير أجراس العودة, ووضعتهم أقدامكم على طريق المسيرة الكبرى, عبر مليونية العودة يوم الاثنين القادم 14/05/2018م الذي سيشهد العالم كله كيف يحفظ الشعب الفلسطيني حقه, وكيف يعرف الطريق الى استرداده, وكيف تتحرك الإرادة في الوقت الذي تريد لإحباط المؤامرات والصفقات والظلم والتزوير الذي تمارسه الولايات المتحدة وذيولها لاستخراج شهادة ميلاد مزورة لمدينة القدس العربية الاسلامية من خلال التسلل لسفارتها في ثرى هذه المدينة المقدسة وتدنيس الجغرافيا والتاريخ في لحظة تشرذم وتواطؤ وخذلان".

وأضاف " أمام هذه البطولات التي رأيناها اليوم, وأنتم تعدون العدة للمليونية الكبرى, وقدمتم أثناء هذا الإعلان الدماء والجراحات والتضحيات قرباناً لإنارة درب العودة المقدسة, فإننا في الهيئة الوطنية لمسيرة العودة وكسر الحصار نؤكد على ما يلي:

أولاً: نوجه التحية لأرواح شهداء هذه الجمعة المباركة "جمعة الإعداد والنذير" ونسأل الله الشفاء العاجل للجرحى الابطال.

ثانياً: نوجه كل آيات الفخار لشبابنا المبدع الباسل الذي سجل المزيد من الابداعات في إيلام العدو الصهيوني وارباك حساباته, ونطالب بالمزيد من هذه الابداعات.

ثالثاً: ندعو جماهير شعبنا الفلسطيني البطل للاستنفار التام بكل رجاله ونسائه وأطفاله يوم الاثنين 14/05 ليرى العالم مئات الالاف تتحرك أفواجاً تجاه وطنها, كما تعود الطيور إلى ديارها وأعشاشها, ونخصّ بالذكر نساء فلسطين الباسلات اللواتي شكل حضورهن وإقدامهن نموذجاً خالداً في سجل الخالدين.

رابعاً: ندعو جماهير شعبنا في يوم الاثنين القادم 14/05/2018م إلى "مليونية العودة وكسر الحصار", في الضفة والقدس والداخل عام 1948 والمخيمات والشتات إلى التحرك تجاه فلسطين من كل حدب وصوب, ليكون هذا اليوم وهذا التاريخ تاريخاً تستدير فيه احداث التاريخ من النكبة إلى العودة والانتصار.

خامساً: ندعو كل المنظمات الحقوقية المحلية والعالمية وكل الجهات الاعلامية المحلية والدولية إلى الاحتشاد والمشاركة في هذا اليوم ورصد حركة الشعب الفلسطيني وفضح جرائم الاحتلال تجاه المسيرات الشعبية السلمية حتى لا يتمادى هذا العدو في جرائمه ضد أبناء شعبنا.

سادساً: نناشد كل الشعوب العربية والاسلامية والحكومات للوقوف إلى جانب حراك شعبنا الفلسطيني لاسترداد حقوقه وتحقيق أهدافه المشروعة بالعودة وكسر الحصار وتحمل مسؤولياتها القومية والاسلامية في حماية القدس من التهويد.