
Super User
شُبهات وتساؤلات حول المرأة(12)
لا زال بعضٌ من المتأثرين بثقافة الغرب، يفضل أن يبتعد عن الزواج بما فيه من مشاكل ويستبدله بعلاقات الصداقة أو غير مشروعة، والبعض يعتبر أن الحياة الزوجية عبارة عن استخدام المرأة لصالح الرجل، وفيما يلي إطلالة سريعة على معنى ومفهوم الزواج وفوائده والحقوق الزوجية المتبادلة في الإسلام؛ لكي يتضح للقارئ العزيز أنَّ الحياة الزوجية هي لمصلحة الزوجين وتكاملهما.
* * * * *
الزواج
هو الرابطة الشرعية المقدسة، وشركة الحياة بين الزوجين، شرّعه الله عزّ وجلّ لحفظ النوع البشري وتكاثره، وعمران الأرض وازدهار الحياة فيها، وقد رغّبت فيه الشرائع السماوية السابقة والشريعة الإسلامية، وحرّضت عليه كتاباً وسنة، حيث اعتبر الإسلام الرابطة الزوجية من أقدس وأعظم الروابط في المجتمع الإنساني، حتى اعتبرت هذه العلاقة آية من آيات الله تعالى التي تشير إلى جميل فعله وصنعه، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لّتَسْكُنُوَاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مّوَدّةً وَرَحْمَةً)([1]).
وقد أولاها اهتماماً بالغاً، وشرّع لها أنظمة وقوانين كثيرة لضمان الحفاظ عليها، لأنها أعظم مؤسسة في الإسلام، وفيما يلي إضاءة لبعض هذه الأحكام والقوانين:
من الثابت أن السعادة الزوجية لا تتحقق، ولا ينال الزوجان ما يصبوان إليه من رغد وهناء، إلا إذا أحسن كل منهما اختيار صاحبه، وشريك حياته، واصطفاه على ضوء القيم الأصيلة والمقاييس الثابتة، التي من شأنها أن توثّق الروابط الزوجية.
والزوجان بعد هذا، لا يكسبان السعادة الزوجية والهناء العائلي، إلا بمراعاة كل منهما حقوق الآخر وأداء واجباته، جرياً على قانون الأخذ والعطاء، وبذلك ينعمان بحياة سعيدة.
وبديهي أن العلاقات الزوجية ليست رهينة الحقوق المتبادلة فقط، بقدر ما هي رهينة العواطف والمحبة المتبادلة بين الزوجين.
وقد أولت الشريعة الإسلامية الحياة الزوجية عناية بالغة، بصفتها الخلية الأولى من خلايا المجتمع الكبير، ورعتها بالتنظيم والتوجيه، وتقوية وشائج الحب والمودة بين الزوجين قبل أن تهتم بفرض الحقوق المتبادلة، ومن ثم قررت الحقوق المشتركة بين الزوجين، والحقوق الخاصة بكل منهما على انفراد، ولا شك أنه إذا رُوعيت هذه الحقوق من الطرفين على أساس المحبة والاحترام المتقابل فلا خوف على هذه الحياة الزوجية.
فالحقوق المشتركة التي يجدر تبادلها بين الزوجين، هي: الإخلاص، والثقة والأمانة والتعاطف والتآزر، وهذه هي عناصر الحياة الزوجية الناجحة، ومقوماتها الأصيلة.
وأما الحقوق الخاصة، فسنعرضها في مطاوي هذا البحث:
حقوق الزوج
للزوج حقوق على زوجته، بحكم رعايته لها، وقوامته عليها، منها:
1ـ إطاعة الزوج
وهي أول متطلبات الزوج، وحقوقه المفروضة على زوجته، فهي مسؤولة عن طاعته، وتلبية رغباته المشروعة، واجتناب كل ما يسيئه ويغيظه، كالخروج من الدار بغير رضاه، والتبذير في ماله، ونحو ذلك مما يعرّض الحياة الزوجية لأخطار التباغض والفرقة.
فعن أبي جعفر (ع) قال: جاءت امرأة إلى النبي (ص) فقالـت: يا رسول الله، ما حق الزوج على المرأة؟ فقال لها: أن تطيعه ولا تعصيه، ولا تتصدّق من بيته إلا بإذنه، ولا تصوم طوعاً إلاّ بإذنه، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب([2])، ولا تخرج من بيتها إلاّ بإذنه...
فقالت: يا رسول الله، من أعظم الناس حقاً على الرجل؟
قال: (ص) والده.
قالت: فمن أعظم الناس حقاً على المرأة؟
قال (ص) زوجها..([3]).
2- الحفاظ على ماله وعرضه
قال تبارك وتعالى: (...فَالصّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ.. .....)([4]). جاء في بعض التفاسير: حافظات للغيب يحفظن في غيبة الأزواج ما يجب حفظه في النفس والمال.
قال رسول الله (ص): «ما استفاد امرؤٌ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسه وماله»([5]).
3ـ حسن العشرة والمداراة
على الزوجة أن تحيط زوجها بحسن العشرة، وجميل الرعاية، ولطف المداراة، وذلك بتفقد شؤونه، وتوفير وسائل راحته النفسية والجسمية، وحسن التدبير المنزلي ورعاية عياله، ليستشعر منها العطف والولاء، فعن رسول الله (ص): «جهاد المرأة حسن التبعل»([6]).
وهذه وصية بليغة لأعرابية حكيمة، توصي بها ابنتها ليلة البناء بها:
أي بنية، إنك فارقت بيتك الذي منه خرجت، وعشك الذي فيه درجت، إلى وكرٍ لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فكوني له أمةً يكُن لك عبداً، واحفظي له خصالاً عشراً:
أما الأولى والثانية: فاصحبيه بالقناعة، وعاشريه بحسن السمع والطاعة.
وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لموضع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح.
وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فإنَّ تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.
وأما السابعة والثامنة: فالاحتراس بماله، والإرعاء على حشمه وعياله، وملاك الأمر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير.
وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمراً، ولا تفشين له سرّاً، فإنك إن خالفتيه أغرت صدره، وإن أفشيت سرّه لم تأمني غدره.
ثم إياك والفرح بين يديه إذا كان مهتماً، والكآبة بين يديه إذا كان فرحاً، فإن الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التكدير.
وكوني أشد الناس له إعظاماً يكن أشدهم لك إكراماً، واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبّين حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك، فيما أحببت وكرهت والله يخير لكR([7]).
حقوق الزوجة
جعل الله تعالى للزوجة على زوجها حقوقاً، كما جعل له حقوقاً على زوجته:
1ـ النفقة
وهي حق محتم على الزوج، يجب أداؤه إليها، وتوفير حاجاتها المعاشية، من الملبس والمطعم والمسكن وخدمة، ونحو ذلك من مستلزمات الحياة حسب شأنها وعادتها.
والنفقة حق للزوجة، تتقاضاه من زوجها، وإن كانت ثرية موسرة، ولا يسقط إلا بنشوزها وتمردها على الزوج.
وقد يقصّر في أداء النفقة فيبخل على أسرته، مما يولد ذلك جملة من المشاكل، ومن هُنا جاءت أحاديث أهل البيت عليهم السلام محذّرة، من ذلك الإمساك ومرغّبة في البرّ بهم والتوسعة عليهم، قال رسول الله (ص): «عيال الرجل أسراؤه، وأحب العباد إلى الله تعالى أحسنهم صنيعاً إلى أسرائه»([8]).
2ـ حسن العشرة معها
الزوجة أنيسة الرجل، وشريكة حياته، تشاطره السراء والضراء، وتواسيه في الأفراح والأحزان، وتنفرد بجهود شاقة من تدبير المنزل، ورعاية الأسرة، ووظائف الأمومة، فعلى الرجل أن يحسن عشرتها، ويسوسها بالرفق والمداراة، تلطيفاً لمشاعرها ومكافأة لها على جهودها، وذلك مما يسلّيها، ويخفف متاعبها، ويضاعف حبّها وإخلاصها لزوجها.
قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنّ بِالْمَعْرُوفِ)([9])، وقال تعالى: (وَلَهُنّ مِثْلُ الّذِي عَلَيْهِنّ بِالْمَعْرُوفِ)([10])،وقال رسول الله (ص) «خيركم خيركم لنسائه، وأنا خيركم لنسائي»[11]).
3ـ وصالها
وهو الإتصال بينهما كما أراده الله تعالى، ولذلك لا يحق للزوج هجرانها والإبتعاد عنها زيادة عن المدة المحدّدة في الشرع المبين، ومن القبح بمكان أن يقتصر الرجل في أداء هذا الحق، على أقلّ المقدار المعين في الشرع، وقد ورد ذم الرجل المتهاون بهذا الأمر في النصوص الواردة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام.([12])
[1] ـ الروم: 21.
[2] ـ قتب: الرحل الصغير على قدر سنام البعير، القاموس المحيط للفيروز آبادي: ص113.
[3] ـ الكافي 5: 506 ح1.
[4] ـ النساء: 34.
[5] ـ وسائل الشيعة 7: 23.
[6] ـ الوافي 12: 114 عن الكافي.
[7] ـ مختارات المنفلوطي: 240.
[8] ـ الوافي 12: 17 عن الفقيه.
[9] ـ النساء: 19.
[10] ـ البقرة: 228.
[11] ـ الوافي 12: 117 عن الفقيه.
[12] ـ راجع سفينة البحار، 1: 180.
غزوة تبوك واستخلاف الإمام علي (ع) في المدينة(29 / رجب/ السنة 9 هـ)
لقد كان لانتشار الإسلام في شبه الجزيرة العربية، وفتوحات المسلمين المشرقة في الحجاز صداه في خارج الحجاز، وكان ذلك يُرعب الأعداء، ويدفعهم إلى التفكير في حيلة.
وهذا ما دفع إمبراطور الروم إلى أن يحشد جموعاً كبيرة، ويتهيأ بكل ما أوتي من قوة لمهاجمة المسلمين وغزوهم بغتة، ليحدّ من انتشار الإسلام، ومن قوته التي أخذت تتعاظم، ومن انتشار نفوذه السياسي، الذي بات يزلزل سلطانه.
فحشد ما يقارب أربعين ألف فارس وراجل، وكان مجهّزاً بأحدث الأسلحة والتجهيزات، وقد استقرّ على الشريط الحدودي لأرض الشام([1])، في منطقة (تبوك)، التحقت به قبائل عديدة تسكن الحدود مثل قبيلة (لخم) و(عاملة) و(غسان) و(جذام)، وتقدمت طلائع ذلك الجيش حتى منطقة (البلقاء).
ولما حملت الأنباء هذا الخبر إلى النبي (ص) أمر أصحابه بالتهيؤ لغزوهم، فجهّز جيشه وعسكر في (ثنية الوداع)، وكان يتألف من عشرة آلاف فارس، وعشرين ألف راجل، وقد أمر رسول الله (ص) أن تتخذ كل قبيلة راية لنفسها([2]).
المتخلفون عن القتال:
تخلّف البعض عن المشاركة في هذه الغزوة، فمنهم الجدّ بن قيس - وكان من الشخصيات ذات المكانة الاجتماعية المرموقة - حيث قال (ص) له: يا أبا وهب هل لك العام تخرج معنا؟
فقال: يا رسول الله أو تأذن لي، ولا تفتني، فوالله لقد عرف قومي ما أحدٌ أشدُّ عجباً بالنساء مني، وإني لأخشى أن رأيتُ بنات بني الأصفر (الروم) لا أصبرُ عليهنَّ. فأعرضَ عنه رسول الله(ص) بعد أن سمع منه ذلك العذر الصبياني، وقد نزل فيه قول الله تعالى: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ»([3])، كما تخلّف عن النبي ثلاثة حتى يفرغوا من القطاف والحصاد، ثم يلتحقوا به، فوبّخهم القرآن.
وتخلّف جماعة ممن تظاهروا بالإسلام والإيمان، فأخذوا يثبّطون الناس عن رسول الله(ص) ، وقالوا لهم: يغزو محمدٌ بني الأصفر مع جهد الحال والحرّ، والبلد البعيد إلى ما لا قِبَل له به، يحسب محمدٌ أن قتال بني الأصفر اللعب، فنزل قوله تعالى: «وقالوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» ([4]).
وعلى إثر هذه الأحداث التي أوجدها المنافقون اكتشف النبي (ص) شبكة جاسوسية في المدينة تجلس في بيت (سويلم اليهودي) ويحيكون المؤامرات ليثبطوا المسلمين، فبعث إليهم من أحرق الدار عليهم فلاذوا بالفرار.
ومن جانب آخر أتى رجال إلى النبي (ص) يرغبون في الخروج مع رسول الله، وطلبوا منه ما يحملهم عليه من دابّة، فقد كانوا أهل حاجة فقراء، فقال لهم: لا أجد ما أحملكم عليه. فتولوا وهم يبكون لعدم تمكنهم من المشاركة في الغزو مع النبي (ص) ، ونزل فيهم قوله تعالى:« وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ» ([5]).
استخلاف الإمام علي (ع) في المدينة
لم يغزو النبي (ص) غزواً إلاّ كان علي(ع) معه وحامل لوائه، غير أن النبي(ص) في هذه المرة منع علياً من الخروج من المدينة معه، لأنه (ص) كان يدرك جيداً أن المنافقين والمتربصين والمتحينين الفرص من رجال قريش سيستغلون فرصة غيبة النبي القائد عن المدينة فيثيرون فيها فتنة، ويجهزون على الحكومة الإسلامية الفتية بانقلاب أو ما شابه ذلك، وأن هذه الفرصة إنما تسنح لهم إذا قصد رسول الله(ص) مكاناً نائياً، وانقطع ارتباطه بالمدينة، ولقد كانت تبوك أبعد نقطة يخرج إليها النبي (ص) من جميع غزواته، فخوفاً من أن يقلبوا الأوضاع في غيابه ترك فيها علياً، على الرغم من أنه استخلف على المدينة (محمد بن مَسْلَمة)، حيث قال لعلي: «أنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي، يا علي إن المدنية لا تصلح إلاّ بي وبك»([6]).
ولقد استاء المنافقون من إبقاء علي(ع) في المدينة، وحاولوا بثّ الدعايات والشائعات الخبيثة بغية تحريض علي(ع) على الخروج من المدينة والالتحاق بالنبي (ص) ، فقالوا: ما خلّف رسول الله علياً إلا استثقالاً له وتخفيفاً منه، أو أنه دعاه إلى الخروج لتبوك، ولكن علياً امتنع من الخروج بحجة الحر الشديد، وبُعد الطريق، وإيثاراً للدعة والراحة والرفاهية، أو أنه خلفه مع النساء والأطفال.
ولإبطال مثل هذه الشائعات توجّه علي(ع) إلى النبي(ص) وقال له: يا نبي الله زعم المنافقون أنك إنما خلّفتني أنك استثقلتني، أو تخففت مني، أو خلفتني مع النساء والأطفال. فقال له النبي(ص): كذبوا، ولكنني خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي - أو قال له: لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي([7]).
النبي (ص) في طريقه إلى تبوك:
تحرك النبي (ص) من معسكره إلى تبوك، وفي طريقه راسل كلاً من قبيلة تميم، وغطفان وطي، التي كانت تسكن في مناطق بعيدة عن المدينة، بغية الاشتراك في هذا الغزو الاستثنائي، وقد استجاب لدعوته الكثير من الفدائيين الغيارى.
وقد واجه جيش الإسلام في طريقه إلى تبوك مصاعب كثيرة، ومشاقاً بليغة حيث الرياح الشديدة والسامّة، والعواصف القوية بحيث ربما تحتمل البعير بصاحبه، وتلقيه في واد آخر، ولهذا فكان النبي (ص) قد نبههم بعقل آبالهم، وأن لا يخرج أحد منهم في تلك الليلة وحده من خبائه.
كما أن الجيش واجه في الطريق أزمة العطش، وعدم وجود الماء حتى حمل ذلك البعض على نحر إبلهم ليشقوا أكراشها، ويشربوا ماءها، بينما صبر آخرون.
ولم يدم صبرهم طويلاً حتى أغاثهم الله تعالى بسحابة ممطرة، أروت جيش الإسلام، واحتملوا ما يحتاجون إليه.
حلّ جيش الإسلام في أرض تبوك في غرة شعبان في السنة التاسعة للهجرة، ولكن لم يرَ أثراً لجيش الروم، وكأن جيش الروم لما علموا بكثرة جنود الإسلام، وكانوا قد سمعوا عن شجاعتهم وتضحياتهم الفريدة، رأوا أنه من صالحهم الانسحاب، وعدم دخول حرب قد تكسر شوكتهم وكبريائهم وعظمتهم([8]).
وهنا كان النبي (ص) أمام خيارين، فإما أن يقفل راجعاً إلى المدينة، وكأنّ شيئاً لم يقع، وإمّا أن يهاجم الروم عبر الدخول في أراضي الشام، فاستشار النبي (ص) أصحابه، فقالوا: إن كنت أُمرت بالسير فسر، فقال (ص) : لو أمرتُ به ما استشرتكم فيه. فأشاروا عليه بالرجوع إلى المدينة، فقبل النبي اقتراحهم وأقفل راجعاً بجيشه([9]).
قطاف غزوة تبوك:
هب أن هذا المسير الطويل لم ينتج غزواً ولا فتحاً، ولكن كانت له قطاف مهمة جداً، وإليك بعضها:
أولاً: كانت هناك قبائل من النصارى كأيلة، وأذرح والجرباء ودومة الجندل، وكان من المحتمل أن يستغل الروم قواهم ضد الإسلام، ويحملوا بمساعدتهم على الحجاز، فعقد النبي أثناء رجوعه من تبوك معاهدة عدم اعتداء، وأن لا يعينوا على المسلمين أحداً، فحصل النبي (ص) على أمن واسع على الحجاز من الحدود الشامية.
ثانياً: ارتقاء سمعة الجيش الإسلامي، وازدياد عظمته في قلوب سكان الحجاز، وعرف الصديق والعدو أن المقدرة العسكرية الإسلامية بلغت من القوة والعظمة بحيث أصبح بمقدورها أن تواجه أكبر القوى في العالم، وهذا ما أدّى أن يتخلّى الكثير من القبائل عن التفكير في التمرد والطغيان.
ثالثاً: كان هذا السفر بمثابة التمهيد لفتح الشام، فقد تعرّف قادة هذا الجيش طرق هذه المنطقة ومشاكلها، وتعلموا كيفية تجييش الجيوش الكبرى في وجه القوى العظمى، ولعله لذلك، كانت الشام أول منطقة فتحها المسلمون بعد وفاة النبي(ص) .
المنافقون يخططون لاغتيال النبي(ص) :
لدى عودة النبي(ص) إلى المدينة تآمر (12منافقاً) منهم ثمانية من قريش، والباقي من المدينة لاغتيال رسول الله (ص) في أثناء الطريق، وذلك بتنفير ناقته ليطرحوه في واد كان هناك، حيث كان بين الشام والمدينة عقبة لما وصل الجيش إليها قال لهم النبي (ص): من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم، فأخذ الناس بطن الوادي، بينما
أخذ (ص) طريق العقبة، فيما يسوق (حذيفة بن اليمان) ناقة النبي، ويقودها (عمار بن ياسر) فبينما هم يسيرون إذ التفت النبي إلى خلفه، فرأى في ضوء ليلة مقمرة فرساناً ملثمين لحقوا به من ورائه لينفروا به ناقته، وهم يتخافتون، فغضب النبي (ص) ، وصاح بهم، وقال لحذيفة: اضرب وجوه رواحلهم. فأرعبوا وهربوا وخالطوا الناس كيما يعرفوا.
يقول حذيفة: فعرفتهم برواحلهم، وذكرتهم للنبي (ص) ، وقلت: يا رسول الله ألا تبعث إليهم لتقتلهم. فأجابه: إن الله أمرني أن أعرض عنهم، وأكره أن يقول الناس إن محمداً دعا أناساً من قومه وأصحابه إلى دينه، فاستجابوا له، فقاتل بهم حتى ظهر على عدوّه، ثم أقبل عليهم فقتلهم، ولكن دعهم يا حذيفة فإن الله لهم بالمرصاد([10]).
هذا وقد منع النبي (ص) حذيفة من إذاعة أسمائهم، والعجيب أن عمر بن الخطاب كان يكرر على حذيفة قوله: أقسمت عليك بالله أأنا منهم؟([11]).
([1]) حيث كانت تحت سيطرة إمبراطورية الروم.
([2]) السيرة لابن هشام 2: 515-517.
([4]) سورة التوبة: الآيتين81 و82.
([6]) بحار الأنوار 21: 207، والسيرة النبوية لابن هشام 2: 520.
([7]) مسند أحمد 1: 709/3062، والسنن الكبرى للنسائي 5: 119 ح8429، وغيرهما كثير.
([8]) المغازي للواقدي 3: 1019.
([10]) المغازي للواقدي 3: 1042-1045، وعنه في إمتاع الأسماع 1: 477.
([11]) السيرة النبوية لابن كثير 4: 34، وشرح النهج لابن أبي الحديد 6/ باب 83/385.
الحج عند اهل البیت(علیهم السلام)
الحج عباده مُتمیِّزه وشَعیرهٌ مقدسه ذات أهمیه کبرى، وهو من أهم الفرائض الدینیه التی فرضها الله عَزَّ وجَلَّ على المسلمین ضمن شروط خاصه. ونحن المسلمون لا نشکَّ فی أن الله عَزَّ وجَلَّ لم یُشَرِّع الحجَّ إلا لحِکمهٍ ومصلحهٍ، وذلک لأنه جَلَّ جَلالُه حکیمٌ عالِمٌ بمصالح العباد، والحکیم لا یصدُر منه إلا ما یکون فیه مصلحهٌ وفائدهٌ.ونحن أیضاً نؤمن بأن الحج تشریعٌ إلهیٌ لا یخلو تشریعه ـ کغیره من العبادات و التشریعات الإلهیه ـ من المصالح والحِکَم والأهداف والفوائد الجمه.ومن الواضح إن السعی وراء معرفه فلسفه تشریع الحج أو غیره من التشریعات الإلهیه عمل حسن وجید، إلا أنه لو لم نتمکن من معرفه حِکمه التشریع فذلک لا یؤثر على طاعتنا للشریعه الإسلامیه مادمنا نؤمن بأنها من جانب الله، وما دمنا نؤمن بصدق الرسول الکریم (صلى الله علیه وآله) الذی جاء بهذا التشریع الإلهی وقام بتبلیغه إلینا، فنحن متعبدون بکل الأحکام والتشریعات الإلهیه سواءً عرفنا علل تشریعها أم لا، إیماناً منا بحکمه مشرِّعها ومنزِّلها العالِم الحکیم.ومن حُسن الحظ فإن الآیات القرآنیه والأحادیث الشریفه قد کشفت لنا عن جوانبَ من فلسفه الحج وبیَّنت شطراً من الأهداف والمقاصد المنشوده من تشریع هذه الشریعه المقدسه، لکن ما تمَّ الکشف عنه قد لا یکون إلا جزءً من المصالح والفوائد والحِکَم والأهداف التی من أجلها شُرِّعَ الحج.
فلسفه الحج فی القران الکریم
:أشار القرآن الکریم إلى أهداف هذا التشریع الإلهی المهم بصوره مُجْمَلَه، قال الله عَزَّ وجَلَّ : { وَأَذِّن فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ یَأْتُوکَ رِجَالًا وَعَلَى کُلِّ ضَامِرٍ یَأْتِینَ مِن کُلِّ فَجٍّ عَمِیقٍ * لِیَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ … } [سوره الحج: الآیه۲۷و۲۸]، وهذه الآیه صریحه فی إشتمال الحج على منافع للناس، ولا بد أن هذه المنافع والفوائد تُشکِّل جزءً من فلسفه الحج وأهدافه المنشوده.ولو أردنا إلقاء الضوء على المنافع المتصوره للحج لوجدناها کثیره ومتنوعه لا تکاد تجتمع فی غیرها من العبادات، وهذه المنافع بعضها عبادیه وبعضها تربویه، وأخرى اقتصادیه وتربویه وسیاسیه واجتماعیه ووحدویه.فلسفه الحج فی الأحادیث الشریفه:تحدَّثت الأحادیث والروایات الشریفه عن جوانب من المنافع التی أجمل القرآن الکریم فی بیانها، کما تحدثت عن فلسفه تشریع الحج، وإلیک عدداً من هذه الأحادیث:۱- قال أمیر المؤمنین الإمام علی (علیه السلام) فی جمله ما أوصى به وهو یُبیِّن أهمیه الحج وأنه رمز بقاء الإسلام: ” … اللَّهَ اللَّهَ فِی بَیْتِ رَبِّکُمْ فَلَا یَخْلُو مِنْکُمْ مَا بَقِیتُمْ، فَإِنَّهُ إِنْ تُرِکَ لَمْ تُنَاظَرُوا [أی أنّ البلاء الإلهی سیشملکم]، وأَدْنَى مَا یَرْجِعُ بِهِ مَنْ أَمَّهُ أَنْ یُغْفَرَ لَهُ مَا سَلَفَ …” [نهج البلاغه: ۴۲۲، طبعه صبحی الصالح، والکافی: ۷ / ۵۲ طبعه دار الکتب الإسلامیه، سنه: ۱۳۶۵ هجریه / شمسیه، طهران / إیران].۲- وقال (علیه السلام) أیضاً مُذکراً أهمیه هذه الشعیره الإلهیه المقدسه: “… جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى لِلْإِسْلَامِ عَلَماً …” [نهج البلاغه : ۴۵ ، طبعه صبحی الصالح].۳- ویقول (علیه السلام) فی حدیث آخر: ” فَرَضَ اللَّهُ الْإِیمَانَ تَطْهِیراً مِنَ الشِّرْکِ، والصَّلَاهَ تَنْزِیهاً عَنِ الْکِبْر، وَالزَّکَاهَ تَسْبِیباً لِلرِّزْقِ، وَالصِّیَامَ ابْتِلَاءً لِإِخْلَاصِ الْخَلْقِ، وَالْحَجَّ تَقْرِبَهً لِلدِّینِ…”[نهج البلاغه: ۵۱۲، طبعه صبحی الصالح]، أی أن الحج سببٌ لتقارب الأمه الإسلامیه وتماسکها ووحدتها ورَصِّ صفوفها، وقد نُقِلَ هذا الحدیث بلفظ آخر هو: “… وَالْحَجَّ تَقْویَهً لِلدِّینِ …”[راجع شرح نهج البلاغه: ۱۹ / ۸۶، لأبن أبی الحدید]، أی أن الحج منشأ قوه الدین الإسلامی وحیویته.۴- ومما جاء فی خطبه السیده فاطمه الزهراء (علیها السلام): ” … فجعل اللّه الإیمان تطهیرا لکم من الشرک، والصلاه تنزیها لکم عن الکبر، والزکاه تزکیه للنفس، ونماء فی الرزق، والصیام تثبیتا للإخلاص، والحج تشییداً للدین…”[بحار الأنوار: ۲۹ / ۲۲۳، طبعه مؤسسه الوفاء، بیروت / لبنان، سنه: ۱۴۱۴ هجریه].۵- ورَوى هِشَامُ بْنِ الْحَکَم قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الإمام جعفر بن محمد الصَّادق (علیه السلام) فَقُلْتُ لَهُ: مَا الْعِلَّهُ الَّتِی مِنْ أَجْلِهَا کَلَّفَ اللَّهُ الْعِبَادَ الْحَجَّ وَالطَّوَافَ بِالْبَیْتِ؟فَقَالَ: “إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ ـ إِلَى أَنْ قَالَ ـ وَأَمَرَهُمْ بِمَا یَکُونُ مِنْ أَمْرِ الطَّاعَهِ فِی الدِّینِ وَمَصْلَحَتِهِمْ مِنْ أَمْرِ دُنْیَاهُمْ، فَجَعَلَ فِیهِ الِاجْتِمَاعَ مِنَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ لِیَتَعَارَفُوا، وَلِیَنْزِعَ کُلُّ قَوْمٍ مِنَ التِّجَارَاتِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَلِیَنْتَفِعَ بِذَلِکَ الْمُکَارِی وَالْجَمَّالُ، وَلِتُعْرَفَ آثَارُ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله علیه وآله) وَتُعْرَفَ أَخْبَارُهُ وَیُذْکَرَ وَلَا یُنْسَى، وَلَوْ کَانَ کُلُّ قَوْمٍ إِنَّمَا یَتَّکِلُونَ عَلَى بِلَادِهِمْ وَمَا فِیهَا هَلَکُوا وَخَرِبَتِ الْبِلَادُ وَسَقَطَتِ الْجَلَبُ وَالْأَرْبَاحُ وَعَمِیَتِ الْأَخْبَارُ، وَلَمْ تَقِفُوا عَلَى ذَلِکَ، فَذَلِکَ عِلَّهُ الْحَجِّ “[وسائل الشیعه: ۱۱ / ۱۴، للشیخ محمد بن الحسن بن علی المعروف بالحُر العاملی طبعه: مؤسسه آل البیت، سنه: ۱۴۰۹ هجریه، قم / إیران].۶- وَرَوى خَالِدُ الْقَلَانِسِیّ عَنْ الإمام جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) أنهُ قَالَ: قَالَ عَلِیُّ بْنُ الْحُسَیْنِ (علیه السلام): “حُجُّوا وَاعْتَمِرُوا تَصِحَّ أَبْدَانُکُمْ، وَتَتَّسِعْ أَرْزَاقُکُمْ، وَتُکْفَوْنَ مَئُونَاتِ عِیَالِکُمْ، وَقَالَ: الْحَاجُّ مَغْفُورٌ لَهُ وَمَوْجُوبٌ لَهُ الْجَنَّهُ وَمُسْتَأْنَفٌ لَهُ الْعَمَلُ، وَمَحْفُوظٌ فِی أَهْلِهِ وَمَالِهِ” [الکافی : ۴ / ۲۵۲]
الحج مؤتمر إسلامی کبیر:
الحج لیس عملاً عبادیاً فحسب، بل یُعَدُّ من أحد أهم الشعائر الإلهیه التی أنعم الله بها على الأمه الإسلامیه خاصه دون غیرها من الأمم، وهو بحکم الجهاد بالنسبه إلى الضعفاء من المسلمین، قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): “… وَالْحَجُّ جِهَادُ کُلِّ ضَعِیفٍ … ” [نهج البلاغه: ۴۹۴، طبعه صبحی الصالح].والحج مؤتمر إسلامی کبیر، ومصدر عظمه الإسلام وإتحاد المسلمین وتقویه شوکتهم، فهو من جانب یُرعب أعداء الإسلام ویفشل خططهم الاستعماریه، ومن جانب آخر فهو یبُثُ فی نفوس المسلمین کل عام روح الإیمان والتقوى والجهاد والإلتزام الدینی، والوحده الإسلامیه، ویُبصِّرَهم هموم الأمه، کما ویُشعرهم بقوتهم وعزتهم، الأمر الذی یُرعب الأعداء وینغص عیشهم ویربک مخططاته التآمریَّه تجاه الأمه الإسلامیه.وهناک کلمه مشهوره تُنسب لأحد الساسه الأجانب تکشف عن أهمیه الجانب السیاسی للحج فی تقییم الساسه غیر المسلمین، حیث یقول: “ویل للمسلمین إذا لم یعرفوا معنى الحج، وویلٌ لأعداءِ الإسلام إذا أدرک المسلمون معنى الحج ! “.هذا وینبغی على علماء الإسلام المخلصین، والساسه المفکرین، ورجال الأعمال والاقتصادیین، والخبراء وأصحاب القرار فی العالم الإسلامی التنسیق فیما بینهم لأجل عقد المؤتمرات المختلفه المختصه خلال موسم الحج لتبادل الأفکار وتلاقیها وبلورتها وصیاغتها، والتشاور فیما بینهم فی قضایا الأمه الإسلامیه بهدف تنمیه الرؤى والأفکار الکفیله بوضع الحلول الناجعه لمعالجه آلام الأمه الإسلامیه ومشاکلها المتزایده، والنهوض بها إلى مستوى قول الله عَزَّ و جَلَّ: { کُنتُمْ خَیْرَ أُمَّهٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ … } [سوره آل عمران: الآیه ۱۱۰]، وجعل موسم الحج ملتقىً إیمانیاً وتربویاً وثقافیاً وسیاسیاً واقتصادیاً مبارکاً بتوفیق من الله العلی القدیر.جمله من فوائد الحج:ذکرت الأحادیث الشریفه ‘ن أهل البیت (علیهم السلام) عدداً من الفوائد والثمار التی یجنیها حجاج بیت الله الحرام من الحج، وها نحن نذکر نماذج من هذه الأحادیث لمزید من الفائده:۱- رَوَى الإمام جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله علیه وآله): ” الْحَجَّهُ ثَوَابُهَا الْجَنَّهُ وَالْعُمْرَهُ کَفَّارَهٌ لِکُلِّ ذَنْبٍ”[الکافی: ۴ / ۲۵۳].۲- وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ الإمام جعفر بن محمد الصَّادق (علیه السلام) إِنِّی قَدْ وَطَّنْتُ نَفْسِی عَلَى لُزُومِ الْحَجِّ کُلَّ عَامٍ بِنَفْسِی أَوْ بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَیْتِی بِمَالِی.فَقَالَ: ” وَقَدْ عَزَمْتَ عَلَى ذَلِکَ”؟.قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ.قَالَ: “إِنْ فَعَلْتَ فَأَبْشِرْ بِکَثْرَهِ الْمَالِ”[الکافی: ۴ / ۲۵۳].وَقال الإمام الصادق (علیه السلام): “الْحُجَّاجُ یَصْدُرُونَ عَلَى ثَلَاثَهِ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ یُعْتَقُ مِنَ النَّارِ، وَصِنْفٌ یَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ کَهَیْئَهِ یَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَصِنْفٌ یُحْفَظُ فِی أَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَذَاکَ أَدْنَى مَا یَرْجِعُ بِهِ الْحَاجُّ” [الکافی: ۴ / ۲۵۳].۳- وَعَنِ الْفُضَیْلِ بْنِ یَسَارٍ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الإمام محمد بن علی الباقر (علیه السلام) َیقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله علیه وآله): ” لَا یُحَالِفُ الْفَقْرُ والْحُمَّى مُدْمِنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَهِ ” [الکافی : ۴ / ۲۵۴].کما وینبغی لزعماء المسلمین وعلمائهم ومفکریهم التعاون فی مجال وضع الخُطط العَمَلیه ـ وفقاً للأسالیب العلمیه الحدیثه ـ التی تُمَکِّن المسلمین من أداء فریضه الحج بیُسر وبأفضل وجه وبأقل تکلفه مادیه وفی أجواء إیمانیه وروحانیه ممیزه وبقدره استیعابیه لأکبر قدر ممکن من الحجاج، کل ذلک من أجل الوصول إلى أهداف الحج السامیه وتحقیق أمنیه الوحده و لأخوه الإسلامیه.وهذه الروایه التی تروى عن الإمام علی بن الحسین (علیه السلام) توضح الجوانب المعنویه من هذه الفریضه التی فرضها الشارع المقدس على المسلمین عند القدره والاستطاعه، کما وردت فی کتاب التحفه السنیه (مخطوط)- للسید عبد الله الجزائری ص ۱۸۴:لما رجع مولینا زین العابدین (علیه السلام) من الحج استقبله الشبلى فقال له (علیه السلام): حججت یا شبلی؟قال: نعم یابن رسول الله.فقال له: انزلت المیقات وتجردت عن مخیط الثیاب و اغتسلت؟ قال: نعم.قال: فحین نزلت المیقات نویت انک خلعت ثوب المعصیه ولبست ثوب الطاعه؟قال: لا.قال: فحین تجردت عن مخیط ثیابک نویت انک تجردت من الریاء والنفاق والدخول فی الشبهات؟قال: لا.قال: فحین اغتسلت نویت انک اغتسلت من الخطایا والذنوب؟قال: لا.قال: فما نزلت المیقات ولا تجردت عن مخیط الثیاب ولا اغتسلت.ثم قال: تنظفت واحرمت وعقدت الحج؟قال: نعم.قال: فحین تنظفت واحرمت وعقدت الحج نویت انک تنظفت بنوره التوبه الخالصه لله (تع)؟.قال: لا.قال: فحین أحرمت نویت انک حرمت على نفسک کل محرم حرمه الله عزوجل؟قال: لا.قال: فحین عقدت الحج نویت انک قد حللت کل عقد لغیر الله عزوجل؟قال: لا.قال له (علیه السلام): ما تنظفت ولا احرمت ولا عقدت الحج.قال له: ادخلت المیقات وصلیت رکعتی الاحرام ولبیت؟قال: نعم.قال: فحین دخلت المیقات نویت انک دخلت بنیه الزیاره؟قال: لا.قال: فحین صلیت رکعتین نویت انک تقربت إلى الله بخیر الاعمال من الصلوه واکبر حسنات العباد؟قال: لا.قال: فحین لبیت نویت انک نطقت لله سبحانه بکل طاعه وصمت عن کل معصیه؟قال: لا.قال له (علیه السلام): ما دخلت المیقات ولا صلیت ولا لبیت. ثم قال له: ادخلت الحرم ورایت الکعبه وصلیت؟قال: نعم.قال: فحین دخلت الحرم نویت انک حرمت على نفسک کل غیبه تستغیبها المسلمین من اهل مله الإسلام؟قال: لا.قال: فحین وصلت مکه نویت بقلبک انک قصدت الله سبحانه؟قال: لا.قال (علیه السلام): فما دخلت الحرم ولا رایت الکعبه ولا صلیت. ثم قال: طفت بالبیت ومسست الارکان وسعیت؟قال: نعم.قال: فحین سعیت نویت انک هربت إلى الله وعرف ذلک منک علام الغیوب؟قال: لا.قال: فما طفت بالبیت ولا مسست الارکان ولا سعیت. ثم قال له: صافحت الحجر ووقفت بمقام ابرهیم (علیه السلام) و صلیت به رکعتین؟قال: نعم.فصاح (علیه السلام) صیحه کاد یفارق الدنیا ثم قال: آه آه، ثم قال: من صافح الحجر الاسود فقد صافح الله سبحانه فانظر یا مسکین لا تضیع اجر ما عظم حرمته وتنقض المصافحه بالمخالفه و قبض الحرام ونظر اهل الاثام، ثم قال (علیه السلام): نویت حین وقفت عند مقام ابرهیم انک وقفت على کل طاعه وتخلفت عن کل معصیه؟قال: لا.قال: فحین صلیت فیه رکعتین نویت انک اتصلت بصلوه ابرهیم وارغمت انف الشیطان لعنه الله؟قال: لا.قال له (علیه السلام): فما صافحت الحجر الاسود ولا وقفت عند المقام ولا صلیت فیه رکعتین. ثم قال له اشرفت على بئر زمزم وشربت من مائها؟قال: نعم.قال: انویت انک اشرفت على الطاعه وغضضت طرفک عن المعصیه؟قال: لا.قال: فما اشرفت علیها ولا شربت من مائها. ثم قال له: اسعیت بین الصفا والمروه ومشیت وترددت بینهما؟قال: نعم.قال: نویت انک بین الرجاء والخوف؟قال: لا.قال: فما سعیت ولا مشیت ولا ترددت بین الصفا والمروه. ثم قال: اخرجت إلى منى؟قال: نعم.قال: نویت انک امنت الناس من لسانک وقلبک ویدک؟قال: لا.قال: فما خرجت إلى منى. ثم قال: اوقفت الوقفه بعرفه وطلعت جبل الرحمه وعرفت وادی غره ودعوت الله سبحانه عند المیل والجمرات؟قال: نعم.قال: هل عرفت بموقفک بعرفه معرفه الله سبحانه امر المعارف والعلوم وعرفت قبض الله على صحیفتک واطلاعه على سریرتک وقلبک؟قال: لا.قال: فنویت بطلوعک جبل الرحمه ان الله یرحم کل مؤمن ومؤمنه ویتوالى کل مسلم ومسلمه؟قال: لا.قال: فنویت عند نمره انک لا تامر حتى تأتمر ولا تزجر حتى تنزجر؟قال: لا.قال: فعندما وقفت عند العلم والنمرات نویت انها شاهده لک على الطاعات حافظه لک مع الحفظه بامر رب السموات؟قال: لا.قال: فما وقفت بعرفه ولا طلعت جبل الرحمه و لا عرفت نمره ولا دعوت ولا وقفت عند النمرات. ثم قال: مررت بین العلمین وصلیت قبل مرورک رکعتین ومشیت بمزدلفه ولقطت فیها الحصى ومررت بالمشعر الحرام؟ قال: نعم.قال: فحین صلیت رکعتین نویت انها صلوه الشکر فی لیله عشر تنفى کل عسر وتیسر کل یسر؟قال: لا.قال: فعندما مشیت بین العلمین ولم تعدل عنهما یمینا وشمالا نویت ان لا تعدل عن دین الحق یمینا وشمالا لا بقلبک ولا بلسانک ولا بجوارحک؟قال: لا.قال: فعندما مشیت بمزدلفه ولقطت منها الحصى نویت انک رفعت عنک کل معصیه وجهل وثبتت کل علم وعمل؟قال: لا.قال: فعندما مررت بالمشعر الحرام نویت انک اشعرت قلبک شعار اهل التقوى والخوف لله عزوجل؟قال: لا.قال: فما مررت بالعلمین ولا صلیت رکعتین ولا مشیت بالمزدلفه ولا رفعت منها الحصى ولا مررت بالمشعر الحرام. ثم قال له: وصلت منى ورمیت الجمره وحلقت راسک وذبحت هدیک وصلیت فی مسجد الخیف ورجعت إلى مکه وطفت طواف الافاضه؟قال: نعم.قال: فنویت عندما وصلت منى ورمیت الجمار انک بلغت إلى مطلبک وقد قضى لک ربک کل حاجتک؟قال: لا.قال: فعندما رمیت الجمار نویت انک رمیت عدوک ابلیس وغضبته بتمام حجک النفیس؟قال: لا.قال: فعندما حلقت راسک نویت انک تطهرت من الا دناس ومن تبعه بنی ادم وخرجت من الذنوب کما ولدتک امک؟قال: لا.قال: فعندما صلیت فی مسجد الخیف نویت انک لا تخاف الا الله عزوجل وذنبک ولا ترجو الا رحمه الله ( تع )؟قال: لا.قال: فعندما ذبحت هدیک نویت انک ذبحت حنجره الطمع بما تمسکت به من حقیقه الورع وانک اتبعت سنه ابرهیم بذبح ولده وثمره فؤاده وریحان قلبه وحاجه سنه لمن بعده وقربه إلى الله تعالى لمن خلفه؟قال: لا.قال: فعندما رجعت إلى مکه وطفت طواف الافاضه نویت انک افضت من رحمه الله تعالى ورجعت إلى طاعته وتمسکت بوده وادیت فرایضه وتقربت إلى الله تعالى؟قال: لا.قال له زین العابدین (علیه السلام): فما وصلت منى ولا رمیت الجمار ولا حلقت راسک ولا ذبحت نسکک ولا صلیت فی مسجد الخیف ولا طفت طواف الافاضه ارجع فانک لم تحج. فطفق الشبلی یبکی على ما فرطه فی حجه وما زال یتعلم حتى حج من قابل بمعرفه ویقین.*.
*هذا الحدیث منسوب الی الامام زین العابدین(ع)
انكسار العدوان
الردّ الحقيقي على عدوانهم واحتلالهم ومحاولاتهم لتصفية القضية الفلسطينية والاستهانة بالعرب والعروبة، هو المزيد من العلم والمزيد من المعرفة وتطوير قدراتنا المعرفية ودفاعاتنا الجوية ومختبراتنا وإنتاج كلّ ما من شأنه أن يؤمّن حاجات أجيالنا من دون الحاجة إليهم.
بينما ينهض أهالي دمشق على صلاة الفجر يسبّحون بحمده تعالى، كانت الصواريخ المعتدية الآثمة تشنّ هجوماً غير أخلاقي وغير إنساني من قبل حكومات استعمارية اعتادت على شنّ الحروب على البلدان الآمنة المسالمة لتكمل بذلك ما قام به مرتزقتها من العصابات الإرهابية، ولم تنجح في تدميره أو كسر إرادة الصمود لدى هذا الشعب الذي تماهى مع أرضه ووطنه وقراره المستقلّ.
ولنبدأ أولاً بتفكيك أكاذيبهم وادعاءاتهم والتي لا علاقة لها بواقع الحال. فالحملة المسعورة حول الكيميائي تسقط مباشرة حين نتذكّر أن بعثة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تصل السبت إلى دمشق لتباشر أعمالها، أي أنه لا دليل أبداً لديهم على استخدام الكيميائي سوى المسرحيات الهزلية المضحكة التي نشروها حول هذا الموضوع.
ولا شكّ أنّ هذا العدوان الموصوف هو جريمة بحقّ دولة مستقلّة عضو في الأمم المتحدة، وهي الدولة الأولى عالمياً في محاربة الإرهاب، وهذا بحدّ ذاته يبرهن بما لا يقبل الشكّ أنهم رعاة الإرهاب وحماته، وأنّ كلّ ما يروّجون له من محاربة للإرهاب هو مجرّد أكاذيب بعد أن برهنوا أنهم السند والمتابع والمموّل والمسلّح للإرهاب الذي يضرب بلدنا منذ سبع سنوات ونيّف.
والحقيقة الثانية الهامّة التي نريد أن نسطّرها هنا هي أنّ الطائرات الحاملة للصواريخ قد انطلقت من قاعدة العديد في قطر، تماماً كما كانت الطائرة الأولى التي قصفت بغداد في عام 2003 من قطر أيضاً، وهذا يُظهر للمرة الألف الدور المدمّر الذي تؤديه دول الخليج (الفارسی)في استهداف الدول والشعوب العربية؛ إذ كانت الطائرة الأولى التي قصفت بغداد في عام 2003 منطلقة أيضاً من قاعدة العديد القطرية وهذا ما يتعمّده خصوم وأعداء هذه الأمة لأنهم يريدون أن يروا العرب يضربون بلدان بعضهم البعض لأن الفرقة والخصومة بين العرب هي أقصر الطرق وأرخصها لاستهداف هذه الأمة والقضاء على عوامل قوّتها.
ولكنّ الحقيقة الأهمّ، والتي يجب أن نسجّلها هنا لترامب، هي أن صواريخه لم تكن ذكية ولا دقيقة، وإذا كان يعتبرها كذلك فإنّ الدفاعات الجوّية السورية كانت أصدق إنباءً من صواريخه، حيث برهنت أنها أذكى منها وأكثر دقّة ولذلك عليه توخّي الحذر في تغريداته المقبلة، وتوخّي الدقّة أيضاً كيلا يزيد على جريمة عدوانه اليوم على سوريا، والذي كشف انفلات القوة العظمى من أيّ منطق قانوني ودولي، ولكنه كشف أيضاً أن قوتهم، كأكاذيبهم الإعلامية، لا تصمد أمام إرادة الشعوب وروح التحدي المنبثقة من إيمان وطني لا تزعزعه التهديدات. فبدلاً من أن يلجأ الشعب السوري إلى الملاجئ كان على أسطح منازله يراقب دفاعاتنا الجوية تُسقط صواريخ ترامب بالعشرات قبل أن تصل إلى أهدافها بينما هرب مستوطنو الكيان الصهيوني إلى ملاجئهم، وهذا هو الفرق بين صاحب الحقّ والأرض، وبين المعتدي على هذه الأرض وهذا الحقّ.
أمّا عن أهم الأهداف التي قرّر ترامب وزمرته توجيه صواريخهم إليها؛ فكان مركز البحوث العلمي في دمشق، والذي يستقطب خيرة الطلاب السوريين في كلّ عام من أجل تطوير البحث والعلم في سوريا. والذي قد يفاخر ترامب في تدميره هو مخابر الطلاب ومقاعدهم الدراسيّة، ولا شكّ أنّ مثل هذا المعهد العالي لا علاقة له بإنتاج أيّ شيء؛ هذه هي كذبة الحرب التي قادها ترامب ضدّ الكيميائي أو استخدامه في سوريا؟ هنا يجب أن نخرج من دائرة تفكيرهم ونحلّل بشكل علمي وموضوعي. أمران لا يريدهما الغرب ولا العدوّ الصهيوني في هذه الأمة، وهما: أولاً وحدة كلمتها أو التنسيق الأكيد بين أبنائها. وثانياً: اعتلاؤها سلّم العلم والمعرفة والمنافسة في ساحة المعرفة لأنّ المعرفة اليوم بعد الأخلاق هي القيمة العليا للبشرية، وهم يريدون أن يسجنوا أبناءنا في غياهب القرون الماضية، وألا يسمحوا لنا بأن ننافسهم في مجالات المعرفة. بل هم يعتمدون على سلبنا حتى المعارف التي تفوّقنا بها تاريخياً، ولذلك يسلبوننا حتى براعتنا في تطوير الثروات الزراعية والحيوانية، ناهيك عن المعرفة التقنية والعلمية.
الردّ الحقيقي إذاً على عدوانهم واحتلالهم ومحاولاتهم لتصفية القضية الفلسطينية والاستهانة بالعرب والعروبة هو المزيد من العلم والمزيد من المعرفة وتطوير قدراتنا المعرفية ودفاعاتنا الجوية ومختبراتنا وإنتاج كلّ ما من شأنه أن يؤمّن حاجات أجيالنا من دون الحاجة إليهم. الردّ الحقيقي إذاً يكمن في تطوير مراكز للبحوث العلمية وتطوير التعليم والمعرفة، وهذا هو السرّ الحقيقي لعدائهم للجمهورية الإسلامية الإيرانية لأنها ارتقت سلّم المعرفة العلمية، ولم تعد تعير وزناً لتهديداتهم. وهذا هو سرّ جنونهم ضدّ روسيا بعد أن أعلن الرئيس الروسي بوتين عن التقدّم الهائل في صناعاته العسكرية والتي سبقت بعدة أجيال صناعاتهم. انكسار عدوانهم الآثم اليوم على أرض سوريا سيكون بداية لانكساراتهم المتلاحقة والتي تؤذن، من دون شكّ، بأفول إمبراطوريتهم العدوانية وصعود القوى التي تحترم سيادة وحياة وسلامة الشعوب جميعاً. وكما أنّ الشمس تشرق دائماً من الشرق، فإنّ شمس العالم الجديد العادل والحرّ ستشرق من دون شكّ من هنا وستدحض كلّ ما ادّعوه وحاولوا إيهام العالم به.
ثينة شعبان مفكرة عربية
هل حقّاً مواقف الغرب تجاه سوريا إنسانيّة؟
تحت ذرائع إنسانية واهية شنّت أمريكا فجر اليوم عدواناً ثلاثياً على دمشق، أطلقت فيه طائرات وبوارج أمريكية فرنسية بريطانية ما يقارب مئة صاروخ استهدفت مواقع للجيش السوري الذي أخلاها احترازياً بعد التهديدات الأمريكية المتكررة بضرب سوريا، وكعادة الإدارات الأمريكية المتعاقبة وقبل شنّ أي عدوان على أي بلد عربي أو مناوئ ومعادٍ لها، بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطابه بالحديث عن المجازر والقتل وعدم الأخلاق في استخدام السلاح الكيميائي في دوما وكأن بلاده راعية للأخلاق والقيم الإنسانية في العالم والموكلة بالاقتصاص من المجرمين.
إنه النفاق الأمريكي بحدّ ذاته الذي بدأ منذ قرون ويستمر وسيستمر إلى القادم من الأيام والسنين، وفي هذا المقال سنبرز حقيقة الأخلاق الأمريكية والإنسانية التي تعاطت فيها مع شعوب العالم في القرون والسنوات والأيام والساعات القليلة الماضية.
اولاً-إذا كان الأمر بسبب قتل الشعب فأمريكا مسؤولة عن قتل أغلب شعوب العالم، حيث أسفرت سياسة الإبادة الأمريكية أكبر جريمة في البشرية وخلال قرنين قتل 122 مليون هندي أحمر في سبيل تحقيق الحلم الأمريكي، هذا الحلم كان لا يمكن أن يكتمل إلا بشراء العبيد من إفريقيا، ففي عام 1978 أصدرت منظمة اليونسكو تقريراً يتحدث عن الكارثة الإنسانية التي حلّت بالدول الإفريقية جاء فيه إن إفريقيا فقدت من أبنائها في تجارة الرقيق نحو 210 ملايين نسمة من أجل بناء دولة أمريكا دولة الـ " المحبة والسلام".
ثانياً-وإن عدنا بالزمن قليلاً للوراء، نتذكر الفاجعة الكبيرة التي ارتكبها الأمريكيون ضد البشرية خلال الحرب العالمية الثانية في عام 1945، حين أمر جورج مارشال، رئيس الأركان الأمريكي آنذاك، بتنفيذ أكبر عملية قصف للمدن اليابانية، حيث ألقيت فيها القنابل الحارقة لتدمر ما مساحته 16 ميلاً مربعاً، ولتقتل في ساعات نحو 100 ألف شخص، ناهيك عن تشريد نحو مليون آخرين!
إلى أن أتى الدور على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين اللتين أظهرتا الوجه الحقيقي "الأخلاقي لأمريكا" حيث أقدم الأمريكيون على استعمال السلاح النووي، عندما أسقطوا قنبلتين فوقهما لتحصد أرواح مئات الألوف من المدنيين الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال.
ثالثاً-بين عامي 1950-1953 وقعت الحرب الكورية حيث كان الأمريكيون طرفاً فيها وارتكبوا مجازر شنيعة بحق الكوريين، وبعد عزلهم الحكومة الشعبية أغرقوا البلاد في حرب طاحنة أشاعت ناراً ودماراً وأسفرت عن مقتل أكثر من 600 ألف قتيل.
رابعاً-وبين عامي 1955 و1973 شنّ الأمريكيون حرباً على الفيتناميين وارتكبوا المجازر بحقهم وبلغ عدد القتلى فيها 3.6 ملايين قتيل، و6 ملايين جريح، و13 مليون لاجئ حسب التقرير الذي نشرته مجلة نيويورك تايمز في 8 نوفمبر عام 1997.
خامساً-العراق كان له نصيب الأسد من المجازر الأمريكية الأخلاقية، حيث لا يزال حتى اليوم يعاني جرّاء التدخل الأمريكي فيه منذ عام 1990 خلال الحرب الكويتية العراقية، حيث نشرت صحيفة الغارديان البريطانية في ديسمبر 1991، تقريراً نقلت فيه عن العقيد الأمريكي بانتوني مارينوم وهو يصف عمليات طمر العراقيين في الخنادق أحياء حيث قال إنه من المحتمل أن نكون قد قتلنا بهذه الطريقة آلاف الجنود… لقد رأيت العديد من أذرع العراقيين وهي تتململ تحت التراب وأذرعها ممسكة بالسلاح.
كلام مارينوم أكدت عليه مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة حين سئلت عن رأيها في مقتل أكثر من 500 ألف طفل عراقي بسبب الصواريخ الأمريكية فكان الجواب الأخلاقي الذي نطقت به أمريكا التالي: أنا أعتقد أن الخيار صعب للغاية، ولكن هل يستحقون ذلك أم لا، نعم... أنا أعتقد أنهم يستحقون ذلك.
سادساً-وإذا كان الأمر كيميائياً كما يقول الأمريكيون فلماذا لم يطرف لهم جفن عندما ارتكب صدام حسين مجازر مشابهة راح ضحيتها الآلاف خلال الحرب العراقية الإيرانية بين عامي 1980 و1988.
سابعاً-الجرائم اليومية التي تحصل بحق الشعب الفلسطيني من قبل الكيان الإسرائيلي المدعوم غربياً وأمريكياً، حيث يعد الفيتو الأمريكي من أهم وسائل الدعم السياسي الذي تقدمه للكيان الإسرائيلي، والذي بموجبه تمنع حتى الإدانة الشكلية للجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، ومثالاً على ذلك ليس ببعيد يوم الأرض الذي ارتكب خلاله العدو الإسرائيلي جريمة بحق الفلسطينيين حين قتل بدم بارد أكثر من 20 فلسطينياً بالرصاص الحي، ليأتي الفيتو الأمريكي بعد هذه الجريمة ليقف خلف الجندي الإسرائيلي المجرم في مجلس الأمن.
ثامناً-وإذا كان الأمر بسبب قمع الحريات ودعم الإرهاب كما يدّعي أصحاب القرار في أمريكا أن كلّاً من روسيا وإيران تدعم الرئيس الأسد المنتخب شعبياً، فلماذا يدعمون السعوديةّ بالسلاح في حربها على اليمن، وهي المتهمة بدعم الإرهاب في العالم، فمن السعودية نشأت القاعدة، وكذلك بقية التنظيمات الإرهابية سواء في سوريا والعراق أم اليمن، وقد بدأ يتضح للغربيين يوماً تلو الآخر أن الرياض الشريك الأبرز لأمريكا في المنطقة، هي المصدّر الأساسي للإرهاب في الشرق الأوسط.
تاسعاً-يدّعون محاربة الإرهاب وهم من صنعوا الوهابية الفكر الأساسي لكل إرهابي في هذا العالم وهذا ما أتى في اعترافات ابن سلمان الأخيرة بدعم القاعدة في أفغانستان ضد روسيا بناءً على طلب أمريكا.
سناريوهات كثيرة ومشابهة تبرز الوجه الحقيقي لأمريكا، إلا أن اللافت في الأمر أن أغلب الادعاءات الأمريكية لا تستند إلى دليل بل دليلها الرئيسي الآلة الإعلامية العالمية التي تسيطر عليها، وهذا ما حدث في العراق بعد اتهام صدام بحيازة أسلحة دمار شامل، وهذا ما حدث ويحدث أيضاً في سوريا، وحتى في الاتفاق النووي، ظهر يوم أمس الكذب الأمريكي على لسان رئيس وكالة الاستخبارات المركزية حين قال إنه يعلم أن إيران لم تكن تسعى إلى السلاح النووي، فلماذا روّجت أمريكا إلى ذلك؟.
وأمام هذه الشواهد، لا يزال بعض من العرب يصدقون أن أمريكا راعية السلام والمدافعة عن الحريات في العالم، إلا أن الحقيقة أن أمريكا مستعدة للتحالف مع الشياطين من أجل تحقيق مصالحها القذرة، وتدوس كل القيم والأخلاق والديمقراطيات عندما تتعارض مع مصالحها، فهي لطالما وقفت ودعمت أحقر وأقذر الطواغيت على وجه الأرض، وعادت كل من يحاول أن ينهض بوطنه وشعبه، لأن الأشرار يحققون المصالح الأمريكية أكثر بكثير من الأخيار.
العدوان الأحمق يكشف عجز الدول الغربية؟
دول العدوان الثلاثي على سوريا سعت جُلَ قدرتها للانتقام من خسارة مخالبها في تحرير الغوطة الشرقية. فهي تراهن على التهويل بالعمل العسكري على سوريا وروسيا وإيران، أملاً بالعودة إلى التأثير في الأزمة السورية وأملاً باستعادة قادتها الهيبة المعرّضة للانحلال في داخل بلادهم. لكن خيبتها في العدوان على سوريا تُنذر بملاحقة انحدارها الإقليمي والدولي أمام صعود محور مواجهة العدوان.
فشلُ العدوان الثلاثي على سوريا بمشاركة إسرائيل التي قدمت ما يسمى بنك المعلومات والأهداف، يفتح شهية النقد التبسيطي للذين يستسهلون الحرب بالنظارات ظناً منهم أن الدول الغربية يمكن لها أن تحقق أهدافها في الحرب حين تحزم أمرها. فمعظم الذين وجّهوا النقد لبارك أوباما واتهموه بالضعف والتردد والتخاذل، ينتقدون ترامب أو وزير دفاعه جيمس ماتيس بعد فشل العدوان، اعتقاداً منهم أن أميركا والدول الغربية المشاركة في العدوان لم تكن جادة بما فيه الكفاية لفرض القوة على روسيا وإيران وسوريا، كما يتخيّلون ويشفي غليلهم.
ترامب "القوي" الذي يعوّل عليه معظم المحبطين من هزائم الجماعات المسلّحة وتركيا والدول الخليجية الداعمة، ظنّ هو الآخر أن لديه القدرة مع حلفائه في العدوان الثلاثي، لتحجيم روسيا وسوريا وإيران تحت أزيز الصواريخ والسلاح. أعرب عن سذاجته العسكرية في تغريدة "استعدي يا روسيا فصواريخنا قادمة". لكنه حين واجهه وزير الدفاع ماتيس ورئيس هيئة الأركان الموحّدة جوزيف دانفورد بحقائق المعادلات، أُسقط في يده ولم يجد غير مستشاره جون بولتون يشد من أزره للحفاظ على ماء الوجه.
لم يكن من المحتمل أن يجرأ ترامب على الاصطدام بروسيا أو قصف قواتها. فتهديد رئاسة الأركان الروسية بالرد الفوري على قواعد الاعتداء جاءت حازمة وحاسمة. ولم يكن من المحتمل تهديد التواجد الإيراني في سوريا، خشية من تهديد الأمن الإقليمي، بحسب تعبير الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي.
ولم يكن من المحتمل أن تلجأ دول العدوان إلى غير "ضربة موضعية" تؤدي إلى تداعيات ليس من المتوقع أن يتحملها ترامب وماكرون وتيريزا ماي.
العدوان الفاشل لم يجد أمامه غير استهداف مناطق مدمّرة، بحسب تأكيد الفريق سيرغي رودسكوف رئيس غرفة العمليات في هيئة الأركان الروسية. وقد أسقطت الدفاعات السورية 71 صاروخاً من أصل حوالي 100 صاروخ أطلقته الطائرات والسفن الحربية من قبرص والبحر الأحمر وقاعدة العديد في قطر وقاعدة انجريليك في تركيا. ولم تشارك الدفاعات الجوّية الروسية التي وُضعت على حالة تأهب في إسقاط الصواريخ، بل شاركت في تتبّع صواريخ العدوان من قاعدتي طرطوس وحميميم "لتمكين العسكرين السوريين من إسقاطها"، بحسب بيان وزارة الدفاع.
السوريون الذي يسخرون من العدوان الثلاثي خرجوا في الشوارع يعبّرون عن استهزاء بالتهديدات وعن أمل فائق بقدرتهم وقدرة الجيش مع الحلفاء على الاستمرار في تحرير سوريا من دول العدوان وجماعاتها المسلّحة. وفي إشارة ساخرة من العدوان ذكرت روسيا أن الرئيس بشار الأسد يمارس عمله كالمعتاد في مكتبه بقصر المهاجرين منذ صباح يوم العدوان.
لكن وزارة الدفاع الروسي في إشارة تهديد للدول الغربية، وعدت ببحث إمكانية تسليم سوريا صواريخ من طراز "إس 300" الأكثر تطوراً من الدفاعات التي أسقطت الصواريخ الغربية.
الدول الغربية تحاول بعد العدوان أن تخفف من فشلها في إعلان ماتيس وتيريزا ماي "أن الضربة هي لمرة واحدة فقط". وأن المسألة الأوسع هي بشأن الحل السياسي المستقبلي لسوريا عبر القنوات الدبلوماسية، بحسب تعبير تيريزا ماي.
لكن الفشل لا يخفف من الدلالة على أن رؤساء أميركا وفرنسا وبريطانيا مجرمون، كما وصفهم المرشد الإيراني علي خامنئي، وأن الرد على العدوان يبدأ بمعركة تطهير سوريا من الإرهابيين حيث جاء العدوان نتيجة فشل هؤلاء؛ وكلاء الدول الغربية، وفق تعبير الرئيس حسن روحاني. وقد يكون بين تداعيات فشل العدوان أنه يكشف عجز الدول الغربية عن تغيير المعادلات في الميدان وعجزها عن العودة من النافذة إلى سوريا في مسار جنيف.
قاسم عزالدين
قمة الظهران.. حضور 16 زعيما وغياب 6 أبرزهم أمير قطر
اكتمل وصول قادة وممثلي الدول العربية، للمشاركة في القمة العربية الـ 29، المقرر عقدها، اليوم الأحد، في مدينة الظهران، شرقي السعودية.
وتنطلق القمة بحضور 16 زعيم دولة ما بين رؤساء وملوك وأمراء وغياب 6 زعماء لأسباب مختلفة من أبرزهم أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي يغيب لأول مرة عن قمة عربية منذ توليه مقاليد الحكم يونيو / حزيران 2013.
وتعقد القمة في ظل أزمة خليجية غير مسبوقة، بدأت 5 يونيو / حزيران الماضي بقطع كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، وفرض "إجراءات عقابية" عليها، بدعوى "دعمها للإرهاب"، وهو ما نفته الدوحة.
ويترأس وفد قطر في القمة مندوب الدوحة الدائم لدى جامعة الدول العربية، سيف بن مقدم البوعينين.
ووصل اليوم إلى المملكة للمشاركة في القمة كل من عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، وعاهل البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، ورئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله.
كما وصل أيضا الأمير رشيد بن الحسن الثاني ممثل ملك المغرب محمد السادس للمشاركة في القمة.
وإضافة لأمير قطر وملك المغرب، يغيب عن القمة رئيسي الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، والجزائر عبدالعزيز بوتفليقة (لأسباب صحية)، كما يغيب سلطان عمان قابوس بن سعيد (لأسباب غير معلنة إلا أنه عادة يغيب عن حضور القمم العربية وينيب عنه أحد المسؤولين).
كذلك يغيب رئيس النظام السوري بشار الأسد (لتعليق عضوية بلاده في الجامعة العربية على خلفية الصراع القائم في بلاده منذ 2011).
وتتصدر أجندة القمة 7 ملفات شائكة، وفق مصادر دبلوماسية، بينها القضية الفلسطينية، والأوضاع في سوريا، واليمن، وليبيا، ومحاربة الإرهاب، والخلافات العربية البينية. إلا أن الجامعة العربية أعلنت رسميا أمس، عدم إدراج ملف الأزمة الخليجية على جدول أعمال القمة.
وتعد هذه أول قمة تستضيفها المملكة منذ تولي الملك سلمان مقاليد الحكم في 23 يناير 2015.
وقمة 2018 هي الرابعة في السعودية، حيث سبق وأن عقدت قمتان في الرياض، عامي 1976 و2007، إضافة إلى قمة اقتصادية في الرياض أيضًا عام 2013.
شُبهات وتساؤلات حول المرأة(11)
ظهرت في الآونة الأخيرة أطروحات متعددة حول كيفية ارتباط الرجل والمرأة على ضوء الظروف العصيبة والأوضاع الاقتصادية المتردية للمسلمين، فبعضٌ يقتنع بالزواج المدني، وبعضهم بالمسيار([1]) وبعضهم بالزواج العرفي، وبعضهم بالزواج المنقطع، وقد تعرضت جميع هذه الأطروحات إلى الأخذ والرد، والنفي والإثبات، وفيما يلي بحث عن حقيقة هذه الأطروحات ونظرة الإسلام تجاهها، ثم الحل الأمثل للمشكلة العصرية التي يعيشها المسلمون، ويعاني منها الشباب في المجتمعات الإسلامية والغربية.
* * * * *
الزواج المدني
وهو الزواج الذي يقوم على أساس رفض بعض الأحكام الشرعية المتعلقة به، وسنّ قانون جديد له عبر الحكومة أو مجلس النوّاب أو غيره، بل أن يرجع هذا الزواج بكل تشريعاته وأحكامه إلى القانون ليصوت النواب أو غيرهم على دستوره بما يرونه مناسباً، فما يجدونه مناسباً أقروه وإن كان مخالفاً للإسلام وسائر الأديان، وما يجدونه غير مناسب يرفضونه وإن أقره الإسلام أو أي دين آخر، فزواجهم هذا لا يهم سواء أبعقد شرعي وقع أم بمجرد كتابة على الورق، كما أنه يبيح اقتران المسلمة بكافر وإن كان هذا مخالفاً للقرآن الكريم والسنة المطهرة، واتفاق علماء الإسلام، ويحللون زواج المسلم من الكافرة غير الكتابية وإن منع منه الإسلام.
وقد نادت بهذا النوع من الزواج الدول الأوروبية والأمريكية، وطبقوه في أوساطهم حتى انعدم الزواج في الكنائس إلى حد كبير، وقد نادى بعضٌ في الدول الإسلامية بهذا الزواج، وأراد التصويت عليه لإقراره، ومع الأسف استجاب لهذا النداء بعض المسلمين، وكثيرون من مسيحيي رعايا الدول الإسلامية.
نظرة الإسلام للزواج المدني
لا شك بأن قوانين الزواج الشرعية خاضعة لمصالح راجعة إلينا، ومنافع عائدة على كل فرد وعلى المجتمع، وأنه تبارك وتعالى إذا ألزم بشيء كان وراء ذلك الإلزام منافع، وإذا منع من شيء، كان وراء ذلك المنع مفاسد، قد لا ندركها بعقولنا القاصرة، وكم يجهل الإنسان حتى أقرب ما يضره أو ينفعه.
ومن هنا، فإن قانون الإسلام تجاه الزواج لا شك بأن وراءه كل ما ينفع الإنسان، وفيه صلاحه ونظامه، لأنه صادر من الحكيم المطلق، ولا يصدر من الحكيم إلا كل قانون حكيم.
أما القوانين الوضعية من قبل الإنسان فلا تعدو أن تكون اجتهادات بشرية، قد تخطئ وقد تصيب، فلا عصمة عندهم ولا علم لهم بواقع الفرد وتركيبته وما ينفعه وما يضره، ولهذا؛ ففي كثير من الأحيان يكون ذلك القانون مخالفاً للأكثرية.
وبعد هذا العرض الوجيز، يبدو واضحاً أن استبدال القانون البشري بقانون السماء الصادر من معدن العصمة والحكمة الذي قد يصيب وقد يخطئ مجازفة كبيرة.
ومن الخطأ الكبير أن يعتقد المسلم بما يتناقله بعض العلمانيين من أن الشريعة الإسلامية فتحت باب الاجتهاد، فيمكن لعلماء المسلمين أن يجتهدوا ليصلوا إلى ما يجوّز الزواج المدني، إذ النصارى في كثير من بلدان العالم قد أقرّت كنائسهم هذا الزواج، فيمكن والحال هذه أن يقرره المسلمون أيضاً.
فإن في هذا الكلام مغالطة كبيرة، وذلك لأن الأحكام الشرعية الإسلامية نوعان، منها ما هو ثابت بأصوله وفروعه في القرآن الكريم والسنة المطهرة، وبالتالي يكون مجال الاجتهاد فيه ضيقاً ومحصوراً بفهم النصوص الواردة، وكيفية تطبيقها على الواقع، ومنها ما هو ثابت بأصوله في القرآن الكريم، وقد يردُ بعض النصوص الذي يتناول بعض فروعه، لكن مجال الاجتهاد هنا واسع، خاصة حين حصول وقائع جديدة بحسب تطور المجتمعات البشرية، ويكون من واجب الفقهاء معرفة حكم هذه الفروع الجديدة بناءً على الأصول الثابتة.
وأحكام الزواج في الإسلام من النوع الأول، فقد ورد كل ما يتعلق به في نصوص قطعية في كتاب الله وسنة رسوله(ص)؛ ذلك لأن ظاهرة الزواج في الحياة الإنسانية لم تتغير منذ وجد الإنسان، ومن الطبيعي أن يكون تشريعها ثابتاً لا يتأثر بتطورات المجتمعات المختلفة، والمسلم ليس مخيراً في قبولها أو رفضها، فهو إذا رفض أي حكم شرعي، واستبدل به حكماً آخر عن قناعة ورضا فقد عرّض نفسه لمخالفة خالقه، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)([2]).
أما قبول المسيحيين لهذا الزواج، فإن أحكام الكنيسة حول الأحوال الشخصية أكثرها اجتهادات بشرية، والقليل منها في الإنجيل، ولذلك فإن المسيحيين يقبلون بالزواج المدني، لأنه في مجمله اجتهادات بشرية يقوم بها المجلس النيابي.
زواج المسيار
ويقصد به الزواج الذي تتنازل فيه الزوجة عن حقها في النفقة والمبيت، إن كان للزوج امرأة أخرى، والظاهر منه هو الاستمتاع، وقد انتشر هذا النوع من الزواج في بلدان الخليج.
وهو زواج يقوم على أساس العقد الشرعي والإشهاد، وتسمية المهر، وقد اختلف علماء السنة في جوازه، فجوّزه بعضٌ بحجة أنه ناتج عقد صحيح وإشهاد ورضى الولي، غير أن بعضهم منعه بحجة أنه يشترط في النكاح الشرعي الإعلان والإشهار، ولا يكفي الإعلان أمام شاهدين، ومن هنا فهو زواج باطل.
أما الشيعة الإمامية، فحيث إنهم لا يشترطون في الزواج الإشهاد والإعلان، بل يتوقف الزواج عندهم على العقد الشرعي وتسمية المهر وموافقة الولي للباكر، فصحته واضحة.
ولكن على الرغم من صحته إلا أنه لا يحقق الغرض الأسمى من الزواج الشرعي، الذي هو حصول السكينة والمودة والرحمة، وبناء كيان للرجل والمرأة، يكون فيه كل واحد منهما مكملاً للآخر، وإنجاب الذرية الصالحة التي تعمر الأرض بطاعة الله تعالى، وهذا ما لا يحققه الزواج المسيار الذي لا يلتقي فيه الرجل والمرأة إلا عند عروض الشهوة.
الزواج العرفي
شاع منذ زمن غير بعيد في بعض البلاد الإسلامية كمصر ولبنان زواج اصطلح عليه بالزواج العرفي، والمقصود منه – حسب الظاهر – الزواج الشرعي المستكمل للشرائط، إلا أنه غير مسجّل قانونياً، وفي محاكم الدولة، ولكنه يقع بالصيغة الشرعية وأمام شاهدين.
وقد اختلف علماء السنة والمثقفون في أنه زواج شرعي ومحقق للشروط بأجمعها أم لا؟، فذهب جمع إلى أنه غير شرعي، لاشتراط موافقة الولي في العقد على المرأة، واشتراط الإشهار والإعلان، ولا يكفي في تحققه إعلانه وإشهاره بين الشاهدين اللذين حضرا مجلس العقد، وذهب آخرون إلى جوازه؛ لأنه واقع عن صيغة شرعية للعقد، والإشهار يكفي فيه إعلانه أمام الشاهدين، مع اعتبار إذن الولي.
وبقي هذا النمط من الزواج يشغل الشارع المصري بالخصوص، فمن جهة نجد كثرة من يقوم بهذا الزواج، وتغلغل كثيراً في الأوساط الجامعية والإدارات العامة بين المديرين والسكرتيرات، ومن جهة أخرى تناقضت آراء وفتاوى علمائهم بين الموافق والمخالف، والنافي والمثبت.
أما من وجهة نظر علماء الشيعة، فإذا كان هذا الزواج بعقد شرعي صحيح، وبإذن ولي المرأة إذا كانت بكراً، فلا إشكال في صحته، وترتب آثار الزوجية على الزوجين، فتستحق المرأة عليه السكنى والقسمة في حال تعدد الزوجات، والنفقة، كما يستحق الزوج الطاعة والتمكين وغير ذلك، وأما إذا لم يكن بعقد شرعي فهو باطل، ولا تترتب عليه آثار الزوجية.
وتسجيل الزواج قانونياً في محاكم الدولة أو عدمه ليس شرطاً في صحة الزواج ووجوده وعدمه لا يؤثر في ماهية الزواج.
لماذا الالتجاء إلى هذه الحلول؟
ويراودنا سؤال، وربما راود الكثيرين أيضاً، لماذا لجأ بعض العلماء في الدول الإسلامية إلى هذه الحلول، وهذه المسميات؟ فتارة يلجؤون إلى زواج المسيار، وأخرى إلى الزواج العرفي، وثالثة إلى غير ذلك؟ إن من الواضح لمن يلجأ إلى مثل هذه الحلول كثيراً، في الغالب لا يريد أن يفقد علاقته مع الله تعالى، ولذا فهو يحافظ قدر إمكانه على العقد الشرعي بضوابطه الميسورة، أما أولئك الذين انغمسوا في الظلمات، وأبعدتهم الذنوب عن الله، فخرج خوف الله من قلوبهم، فقد لجؤوا إلى الحرام من الزنا أو اللواط أو السحاق ـ والعياذ بالله ـ ، وعلى هذا فالمجتمع الإسلامي يعيش في مشكلة كبيرة، تحتاج إلى علاج واسع وكبير، وليست هي إلا المشكلة الجنسية التي تضغط على أعصاب الشباب، فيحاول أن يخفف من عنائه منها بهذه الطرق والأساليب، ففي بعض الدول الإسلامية تشكو النساء من العنوسة بسبب امتناع الرجال من الزواج بهن، فتلجأ إلى المسيار في الأعم الأغلب، لأنها لا تستطيع كبح غرائزها، وفي بعض الحالات تعيش تجربة مع زوجها فيموت أو تطلق فلا يرغب فيها أحد – في الغالب – فتلجأ لإرواء غريزتها إلى زواج المسيار، وهناك بعض الرجال يلجؤون إليه على الرغم من أنه متزوج وله أطفال، ولكن يعيش حالة الحاجة إلى زوجة أخرى، فيلجأ إلى مثل هذا.
هناك من لا يتمكن من الزواج إلا في سنين متأخرة من شبابه، للضغط المعيشي، وغلاء البيوت والمهور، وتكاليف الزواج مما لا يبقى معه أمل لإرواء غريزته في القريب، فيلجأ إلى الزواج العرفي..
والمشكلة الكبيرة التي تهدد شبابنا بشكل فعلي شيوع الفساد والانحلال الخلقي، فماذا نتوقع من شاب في مقتبل الشباب، ويرى الفتاة وقد خرجت بكامل زينتها، وبأجمل ما عندها من ثياب، تُبرز مفاتنها، وما عساه أن يفعل أمام الكثيرات على هذه الشاكلة، كما أن أمامه شبكات فضائية له تنشر كل ما فيه دناءة وحقارة، مما يندى لهُ جبين الإنسانية، من وقائع وأفلام ظهر فيها الإنسان بتمام حيوانيته، وقد انسلخ عن جميع القيم والمبادئ والأعراف.
كما أن الاختلاط الكبير بين الفتيان والفتيات في المدارس، والجامعات والمعاهد على قدم وساق، قد أسقط معه الطرفان جميع الحواجز الشرعية والعرفية والأدبية، فلم تبق نظرة الحياء، ولا أدب الحوار، ولا خوف ولا حياء ولا رادع ولا ارتداع.
فبعد هذا كله، يبقى اللسان قاصراً عن بيان الواقع ماذا عساه أن يفعل؟ وماذا نتوقع منه في مثل هذه الأجواء المفعمة بالخلاعة والانحطاط؟. هنا نجد صراعاً كبيراً يعيشه هذا الشاب وتلك الفتاة بين وازع الغريزة الطبيعية التي توفرت لها الأجواء الملائمة والمناخ الخصب لهيجانها، وبين خوف الله تعالى الذي حرّم النظرة واللمسة والزنا، وبين بُعد الأمل في الزواج المقبول شرعاً وعرفاً، فهل يلجأ إلى الصيام؟؛ وقد جربه الكثير ولم ينتفع، لأن الصيام يكبح الشهوة إذا لم يكن هناك محرك خارجي يضرب بمطرقته، بل بمطارقه على الوتر الحساس، أم يهجر المجتمع ويتخلى عن دراسته أو عمله، ويقبع في حجرته منعزلاً عن كل مظاهر الحياة؟ أم نقول له: عليك بالصبر، وهو يرى أن لا طاقة له عليه، ومقتنع جداً في أنه أخفق مرات ومرات في التصبر.
إنه بحاجة إلى علاج جذري، فلذا ظن بعضٌ أن العلاج في أن يطلق العنان لنفسه دون خوف أو مراقبة من الله تعالى، تاركاً وراءه التدين والالتزام، وبين من يظن أن الزواج العرفي أو المسيار هو الحل الأنسب، والمتيسر في ظروفه التي يعيشها، وأعتقد أن في المستقبل ستولد أطروحات أخرى، طمعاً للوصول إلى الحل الذي يحافظ من خلاله الفرد على الالتزام والتدين، لكي يجد منه منفذاً لغرائزه التي خلقها الله تعالى في طبيعته.
مقارنة بين الحلول المطروحة
كل ما ذكرناه من أنواع الزواج المطروح حالياً في المجتمع الإسلامي ما عدا الزواج المدني هو في الواقع يشبه الزواج المنقطع أو المؤقت في الفقه الجعفري، فنرى أن أنواع الزواج عند إخواننا أهل السنة الذي عرف عندهم تارة بالزواج بنية الطلاق([3]) وتارة بالزواج العرفي وتارة اشتهر بالزواج المسيار، يشبه كثيراً الزواج المؤقت وإن لم يسم بذلك، كما صرح بذلك كثيرون من علماء إخواننا أهل السنة، منهم: الدكتور القرضاوي والدكتور عبد العزيز في كتابه (الأنكحة الفاسدة) ([4]) وغيره من العلماء في العصر الحاضر والعصور السابقة.
قال الدكتور عبد العزيز في كتابه (الأنكحة الفاسدة) ما يلي: Sإن النكاح بنية التوقيت دون اشتراط التوقيت باللفظ صحيحR. وقد نقل ذلك أيضاً عن (نيل الأوطار) للشوكاني وكتاب الأم للشافعي، ثم نقل رأي الإمام مالك في ذلك، فقال: Sسئل مالك عن الرجل يتزوج المرأة وفي نفسه أن يطلقها بعد فترة وهي تعلم بمقصوده من غير أن يتلفظ به؟ فقال مالك: يجوز([5])R.
الإسلام والحل
يعتقد المسلمون أن الإسلام العظيم لم يترك مشكلة إلا ونظّر في حلها وعلاجها، فما من ملمة سواء أ على الصعيد الفردي كانت أم الاجتماعي، وسواء اقتصادية كانت أم اجتماعية أم فكرية أم سياسية، وسواء أ عملية كانت أم نظرية، إلا وقد أشبعها حلاً وعلاجاً، فلم يترك شيئاً إلا وتجسد فيه الخير والصلاح والسعادة.
ولمثل هذه المشكلة النازلة في شباب وشابات المجتمع الإسلامي، شرّع حلين:
الحل الأول: تيسير وتسهيل الزواج
فلو نظرنا إلى واقع المسلمين نجده قد أحيط بهالة من التقنين والتشريع البعيد بشكل أو بآخر عن روح الإسلام ومبادئه، فسنة الزواج تعرضت إلى متطلبات، دعا الإسلام إلى نبذها والتخلي عنها وهي:
أولاً- غلاء المهور: لقد تحول المهر في المجتمع الإسلامي من كونه هدية من الزوج إلى زوجته، وأنه عربون إخلاصه ومحبته لها إلى ثمن يخضع للزيادة والنقيصة، ويحكم في مسألة قبول الرجل زوجاً كأساس لا يقهر، ولا يتخلى عنه، فمن يدفع أكثر كان له شرف الفوز بالفتاة، وأما من لا يملك ذلك المقدار فلا يحق له طرق الباب والخطوبة، فضلاً عن الزواج.
ولقد لعب تزايد المهور وغلاؤها دوراً مهماً في التقليل من انتشار الزواج بشكل مبكر في الأوساط؛ لأن على الشاب بعد تخرجه أن يعمل سنوات لتحصيله وجمعه، هذا إن قدر له أن يجمعه.
ومع الأسف، فأولياء الأمر من الآباء والأمهات لا يتفهمون هذه المحنة، فيضربون بالأرقام الخيالية، ظناً منهم أن هذا يعزز من مكانة البنت، ويعلي جاهها وشرفها وسمعتها.
ولقد انتشرت هذه الظاهرة الغريبة في المجتمع الإسلامي إلى حد أن من يطلب لبنته مهراً معقولاً ومقدوراً، يظن الكثيرون في مجتمعه أن هذا دليل نقصها، أو وجود عيب فيها، أو أي شيء يشير إلى دونيتها.
بينما الإسلام ينادي إلى تقليل المهور ورحمة الشباب فيه، وهناك كم كبير من البيانات النبوية لمجتمع البشرية بتقليل المهور، فقد جاء عن النبي(ص) قوله: «خير الصداق أيسره»([6])، وقال(ص): «إن من يمن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمها»([7])، وقال: «أفضل نساء أمتي أصبحهن وجهاً وأقلّهن مهراً»([8])، إلى غير ذلك من الأخبار ، فأحد علاجات المشكلة المستعصية عند الشباب هذه التي دعا الإسلام إلى التساهل والتياسر فيها.
ثانياً- المتطلبات غير المعقولة: يطلب من الشاب في أيامنا هذه عندما يتقدم للزواج مبالغ طائلة لشراء ما يصطلحون عليه من لبس بدن الزوجة، وغرفة النوم، وحلي في الخطوبة والعرس و.. و... وكأن الشاب مطلوب منه أن يقدم على حتفه رغم أنفه في العمل المتواصل لتوفير هذه المبالغ، أو يترك الزواج إلى أن يرتب كل هذه المتطلبات، ولو أدى إلى أن يتقدم به العمر إلى أن يذوي شبابه.
فهل هذه متطلبات الحياة الزوجية؟ وهل هذه هي السعادة الواقعية للمرأة؟ أم أن الدين والخلق هما الميزان ومقياس السعادة في الحياة الزوجية، قال رسول الله)(ص): «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه([9])، (إِلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)، وقال الإمام الرضا (ع): «إن خطب إليك رجل رضيت دينه وخلقه فزوجه، ولا يمنعك فقره وفاقته؛ قال الله تعالى: (إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ)([10]).
إذاً فالحل الأمثل لرفع تلك المشاكل التي حدت بالشباب تارة إلى الفساد والانحلال، أو الانخراط في المعصية والضلال، وأخرى إلى زيجات تخلصهم من تبِعة النفقات والتكلفات والتعقيدات، والحل الأمثل هو الرجوع إلى أصالة الشريعة في تزييف كل ما يعيق من الإقبال على الزواج الشرعي المقبول عرفاً، بتيسير المهور، وتخفيض المتطلبات الخارجة عن مقدرة شبابنا.
الحل الثاني الزواج المنقطع
وهو الزواج الذي شرّعه الله (عز وجل) للمسلمين، وقد أجمع المسلمون على مشروعيته، ومجيء القرآن به؛ حيث قال تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ فَرِيضَةً)([11]).
حيث اتفق المفسرون وأئمة الحديث على أنها نزلت في النكاح المنقطع، وقد روى الفريقان أحاديث كثيرة، تؤكد مشروعية هذا النكاح وجوازه مطلقاً، وإنما جاء الخلاف بينهم في نسخ هذه الآية أو نهي النبي(ص) عنه بعد ذلك، فذهبت الإمامية إلى بقاء مشروعيته لعدم ثبوت النسخ، مع أنه لو كان لبان وعرف ووصل إلينا، وكذا روايات الفريقين تؤكد أن هذا النوع من النكاح بقي واستمر إلى أن نهى عمر بن الخطاب عنه، منها ما جاء عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر أو الدقيق لأيام على عهد رسول الله(ص)، وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث([12])، والحادثة معروفة ومشهورة.
وحقيقة هذا النكاح أن المرأة الحرة الكاملة تزوِّج نفسها، أو يزوِّجها وكيلها، أو وليّها لرجل لا يكون بينها وبينه مانع شرعي، بمهر معلوم إلى أجل مسمى بالرضا والاتفاق، وتبين عنه بانقضاء الأجل، أو بأن يهب الرجل ما بقي من المدة لها، وتعتد المرأة منه بحيضتين إن دخل بها، إذا لم تكن يائسة.
ولا توارث بينهما ولا قسمة ولا نفقة إلا مع الشرط، ولا يحتاج هذا الزواج إلى طلاق، بل تبين عنه كما قلنا بانتهاء الأجل المضروب أو هبته المدة، وهو كالنكاح الدائم بحاجة إلى الصيغة الشرعية من إيجابها وقبوله، وهو عقد ينشر الحرمة كالدائم، فإن المتمتع بها تحرم أمها على زوجها، وكذا ابنتها وبنات أولادها، ولا يجمع فيه بين الأختين، كما أن الولد المتولد منه ولد شرعي تجب على الزوج حضانته، ونفقته والاعتراف به أبداً، كالعقد الدائم، ولكن مرت على هذا النوع من الزواج مجموعة من التساؤلات والشبهات.
وفيما يلي عرض موجز لهذه الشبهات والرد عليها:
الشبهة الأولى
إن الزواج المؤقت يُعدُّ امتهاناً للمرأة، لأن المرأة في النكاح المنقطع تعتبر مستأجرة، وهو نوع من استئجار الإنسان للإنسان وتصبح المرأة وسيلة، ولعبة بيد الرجل تباع وتشترى!!
والجواب عن هذه الشبهة من ثلاث جهات:
أولاً: أن قيمة المرأة بإنسانيتها وإيمانها وشرفها وعفتها، والزواج المؤقت لا ينافي كل ذلك، بل على العكس تماماً، فإن المرأة التي تختار الطريق الشرعي في إشباع غرائزها، وقضاء حوائجها، لأجل أن تحصن نفسها، وتدفع عن نفسها الحرام والسفاح والفساد، فتلك المرأة لا تخرج بذلك عن شرفها وعفتها وعزتها وكرامتها، أضف إلى ذلك أن عقد النكاح المؤقت لا يختلف عن العقد الدائم في الاحتياج إلى رأيها وإرادتها، فلا يفرض عليها، ولا تقهر عليه حتى تكون مستأجرة أو ألعوبة بيد الرجال، ومن أراد أن يشاهد استئجار المرأة وعبوديتها وامتهانها فعليه أن يقوم بجولة في الدول الغربية، أو حتى الشرقية ليتعرف إلى معنى امتهان المرأة، وكيف يستخدم جمالها وجسدها وصورتها، وفنها كوسيلة منحطة لتضليل المجتمع، وكيف يستأجرون جسدها، ومفاتنها لتضليل الشباب والبنات دونما شعور أو إحساس بالنكبات والعواصف التي يشرّقون بها ويغرّبون.
وثانياً: لم يشرّع النكاح المنقطع لخدمة الرجل فحسب، حتى يعتبر تحقيراً واستئجاراً للمرأة، بل هو في صالح المرأة كما في صالح الرجل، لقد شرّعه الإسلام خدمة للنوع البشري، فكما أن الرجل يمتلك غرائز في طبيعة خلقه ومن حقه إشباعها بالشكل المشروع، ويخاف من أن توقعه في الحرام، ولا يجد مجالاً للزواج الدائم لما يحمل من كلفة وتكاليف، فكذلك المرأة تحمل غرائز من حقها إشباعها، وتخاف على نفسها من الوقوع في الحرام، فمصلحة هذا النكاح للرجل والمرأة على حد سواء.
وثالثاً: أن مفتاح هذا النكاح كالنكاح الدائم بيد المرأة، فهي الموجبة لهذا العقد والرجل هو القابل، فما لم تقل: (زوّجتك نفسي)، لا يحق للرجل منها شيء، فهي إن شاءت عقدت لنفسها، وإن شاءت لم تعقد، فأين الاستئجار واللعب؟!
الشبهة الثانية
أن الزواج المؤقت قد يُحدث فوضى في الأنساب أولاً، وقد يُحدث الخلاف على الأولاد ثانياً، فماذا بعد ذلك؟!
ويجاب عن ذلك، بأن الإسلام أوجب على المتزوجة بالزواج المنقطع العدة، ولا يجوز لها أن ترتبط بآخر إلا بعد إكمال العدة، وبتمامها تعرف خلوها من الحمل، وعلى هذا، فلا اختلاط في المياه ولا فوضى في الأنساب.
وكذلك في حالة الحمل والولادة من النكاح المؤقت، فالولد لأبيه وأمه، ولو أنكره فللمرأة حق الترافع إلى الحاكم الشرعي، فتثبت بما تمتلكه من دلائل وبينات زواجها منه، ونسبة الولد إليه، ولو كانت لا تمتلك بينات ودلائل، فيوجه القاضي اليمين إليه لنفي الزواج منها، وإذا تجرأ الزوج وحلف، وهذا ممكن الحدوث، فالله تعالى أولى بهما، لكن هذا ليس إشكالاً في النكاح المنقطع فحسب، بل قد يحصل في النكاح الدائم إذا لم تكن عند المرأة أدلة على ثبوته.
الشبهة الثالثة
يعتقد بعضٌ أن النكاح المؤقت شيء يستقبحه العرف، والنفس تستهجنه، وقد استند في ذلك على أن لا أحد يرضى أن يُستمتع بابنته وأخته.
قبل أن نرد على هذه الشبهة ينبغي أن نقدم مقدمة، وهي: أنّا كثيراً ما نشاهد شخصاً يكره شيئاً، ولكنه لا يكون صائباً فيما يكره، وكثيراً ما نراه يحب شيئاً وأيضاً يكون مخطئاً في ذلك، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة بقول الله تعالى: (وَعَسَىَ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لّكُمْ وَعَسَىَ أَن تُحِبّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرّ لّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)([13]).
وهذا تأكيد واضح أن الحب والبغض، والقبول والرفض ليسا معياراً للصواب، ولا ميزاناً للحق، وبالتالي فهما إذاً ليسا مورداً لاختلاف التشريع باختلافهما، وعليه فليس كل ما لا يقبله العرف ينبغي أن يحرّمه الشرع.
وعليه، فعدم قبول هذا النوع من النكاح عند بعضٍ لا يبرز عدم مشروعيته، ويكفي إقرار النبي (ص)والأئمة وهم سادة العقلاء به، وقيام كبار الصحابة به، فهو خير دليل على مشروعيته.
الشبهة الرابعة
أن الزواج المنقطع يوجب انهدام العوائل والأسر، وتفكيك الترابط بين الزوج وزوجته الدائمة لو اطلعت على أنه قد عقد على أخرى عقداً منقطعاً، فهو إزعاجٌ للأسرة وإرباكٌ للعلائق.
والجواب عن ذلك أنه من الواضح جداً أن الرجل لو تزوج ثانية بعقد دائم فيؤدي هذا - في الأعم الأغلب - إلى مشاكل واضطرابات بينه وبين زوجته الأولى، ومع ذلك لم يحرّم الإسلام الزواج الدائم من الثانية، ولم ينكر أحد الزواج الدائم بالثانية أو الثالثة.
أضف إلى ذلك أن الزواج المؤقت أقل خطراً على الزوجة الأولى من الزواج الدائم بالثانية، لأن المتمتع بها ليست شريكة كاملة، حيث إنها لا ترث ولا تجب لها نفقة، ولها مدة تنتهي زوجيتها بانتهائها وهكذا.
نحن لا ندعو المتزوج إلى إقامة الزواج المنقطع ما دام سعيداً في حياته الزوجية، وتتوفر له جميع متطلباتها، وبينه وبين زوجته الوئام والتفاهم، ولكن نطرح حلاً إسلامياً لمن لا يتمكن من الزواج الدائم، ولا يتمكن من الجهة المادية والاقتصادية من تأسيس حياة زوجية مستقرة، فهنا بدلاً من ضياع دينه، وضلاله وانحرافه بسبب توقّد الرغبة عنده، يلجأ إلى هذا الزواج، كحل مؤقت لمشكلته حيثما يمكنه الزواج الدائم.
إيجابيات وسلبيات الزواج المؤقت
قد يثير الزواج المؤقت بعض المشاكل التي تتأثر بها الحياة العائلية أو الحياة الاجتماعية، ولكنها ليست بالدرجة التي تنسف الحياة العائلية، أو تسبب فوضى اجتماعية، وهذا أمر طبيعي، كما أن الزواج الدائم نفسه قد يخلق مشاكل شتّى؛ فيما إذا اضطر الزوج لاختيار أكثر من زوجة، وهذه المشاكل والسلبيات هي في الواقع مشاكل، وصعوبات في كيفية تطبيق الحكم وتنفيذه، لا في نفس الحكم. والزواج المؤقت من الأحكام التي تكون ايجابياتها أكثر من سلبياتها، ولكن أُسيئ استخدامها وتطبيقها، فأصبحت في أعين الناس قبيحة، ولا ينظرون إلى هذا الزواج إلاّ بعين النقد، ولا يبحثون إلاّ عن سلبياته مع قلتها، ولا ينظرون إلى إيجابياته على كثرتها، فتراهم لا يستغربون من الزنا كاستغرابهم من زواج المتعة،مع أنّه الحل الإسلامي الجذري للمشكلة الجنسية التي يعاني منها الشباب، والتي تهدد الإنسانية بالانحلال والانهيار الكامل، فالمتعة أو الزواج المؤقت الذي شرّع في الإسلام مع ما فيه من بعض السلبيات الجانبية هو الحل الأمثل بل الحل الوحيد (بعد الزواج الدائم) لهذه المشكلة مع عدم القدرة على الزواج الدائم بشرط عدم الإساءة في التطبيق.
ومن الملاحظ أن جميع من أنكر المتعة، أو طعن فيها أو تحامل عليها، أو كتب ضدها أو تكلم عنها بما لا يليق بها، ويخرجها عن كونها نكاحاً، إنّما وقع فيما وقع بسبب عدة أمور:
منها ـ الجهل بها وبأحكامها، والغاية من تشريعها، والغفلة عن شروطها وآدابها وحدودها، والناس ـ كما قال الإمام أمير المؤمنين(ع): ـ أعداء ما جهلوا.
ومنها ـ مشاهدة بعض الآثار والعواقب السيئة لبعض التطبيقات المشوهة لها.
ومنها ـ رؤية بعض الاستعمالات الخاطئة واللامسؤولة؛ البعيدة كل البعد عن روحها وحقيقتها.
مما أحدث لهؤلاء المنكرين... صدمة شديدة وردّة فعل عكسية قاسية ضدها دفعتهم للنيل منها، وانتقاصها والتهجم عليها، علماً أن حالها حال أي تشريع وقانون جميل قد يساء استخدامه وتطبيقه، فيظهر بصورة قبيحة وسيئة.
لكن لأي سبب كان مما ذكرنا، فليس ذلك مبرراً للتحامل عليها أو بطلانها، لأن سنن الله وتشريعاته غير متوقفة على رأي الإنسان ورغباته، وإنما متوقفة على المصلحة العامة وأمن المجتمع.
إيجابيات الزواج المنقطع
وفي عصرنا هذا تظهر الفائدة والمصلحة العامة، والحاجة إلى هذا النوع من النكاح أكثر من العصور السابقة، بسبب كثرة الفسق والفجور، والاختلاط والسفور في المجتمع، ومن هنا تظهر أهمية الزواج المؤقت أكثر من ذي قبل، فنرى أن هذا النوع من الزواج ليس الهدف منه فقط قضاء الشهوة بل هو زواج شرعي أقل مسؤولية من الزواج الدائم، ولذا نرى أن هذا الزواج يحل مشكلة طلاب العلم والمعرفة، الذين يريدون أن يصلوا إلى المراحل العالية من العلم، وربما يكون الزواج الدائم يحول بينهم وبين تحقيق طموحاتهم، لكثرة مؤونته، ويحل مشكلة المسافر الذي يستغرق سفره مدة طويلة، وهو بعيد من زوجته، كما أنه يحل مشكلة المرأة الأرملة والمطلقة والعانس، وأمثالهن من النساء اللاتي لا يرجون الزواج الدائم بسبب ظروفهن الخاصة، أو غير ذلك من الحالات التي يكون فيها الزواج المنقطع رحمةً للناس، لئلا يدخلوا في ما حرم الله. وعندها يبقى المجتمع الإسلامي سالماً وسليماً من كل الشوائب والأمراض الجسمية والنفسية، ويحافظ على الأعراض والأنساب.
[1] ـ سيأتي تعريف زواج المسيار في الصفحات الآتية.
[2] ـ الأحزاب: 36.
[3]ـ هو الزواج الذي يكون مؤقتاً من جانب الرجل ودائماً من جانب المرأة، وعند انتهاء المدة التي أضمرها الزوج في نفسه دون علم أحد غيره فيها، يفاجئ زوجته بالطلاق.
[4]ـ الأنكحة الفاسدة: 2: 644ط عمان 1983م.
[5]ـ فتح المعلى: 1: 415.
[6] ـ كنز العمال: 44707، 44721، 44731.
[7] ـ نفس المصدر.
[8] ـ نفس المصدر.
[9] ـ الكافي 5: 347.
[10]ـ النور: 32.
[11] ـ النساء: 24.
[12] ـ صحيح مسلم: 4: 131.
[13] ـ البقرة: 216.
مصر قلقة من التصعيد في سوريا وتطالب بـ"تحقيق شفاف"
أعربت جمهورية مصر العربية عن بالغ قلقها من التصعيد العسكري الراهن على الساحة السورية، لما ينطوى عليه من آثار على سلامة الشعب السوري الشقيق، ويهدد ما تم التوصل إليه من تفاهمات حول تحديد مناطق خفض التوتر.
وأكدت وزارة الخارجية المصرية فى بيان، رفضها القاطع لاستخدام أية أسلحة محرمة دوليا على الأراضي السورية، مطالبة بإجراء تحقيق دولي شفاف في هذا الشأن وفقا للآليات والمرجعيات الدولية.
وعبرت جمهورية مصر العربية عن تضامنها مع الشعب السوري الشقيق في سبيل تحقيق تطلعاته للعيش في أمان واستقرار، والحفاظ على مقدراته الوطنية وسلامة ووحدة أراضيه، من خلال توافق سياسى جامع لكافة المكونات السياسية السورية بعيدا عن محاولات تقويض طموحاته وآماله، لتدعو المجتمع الدولي والدول الكبرى لتحمل مسئولياتها في الدفع بالحل السلمي للأزمة السورية بعيدا عن الاستقطاب، والمساعدة فى ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحاصرين والمتضررين من استمرار النزاع المسلح.
زعيم "العمال" البريطاني: الضربات الثلاثية على سوريا "عمل مشكوك في شرعيته"
وصف جيرمي كوربن، زعيم حزب العمال البريطاني المعارض، اليوم السبت، الضربات العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة ضد النظام السوري، بمشاركة بلاده وفرنسا، بأنها "عمل مشكوك في شرعيته".
وقال "كوربن"، في تصريحات نقلتها صحيفة "إندبندنت" المحلية، إن "هذا العمل المشكوك في شرعيته، ينذر بتفاقم الصراع، ويقلل فرص المحاسبة على ارتكاب جرائم الحرب واستخدام الأسلحة الكيميائية".
وأضاف: "كان يتعين على رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، الحصول على موافقة البرلمان أولًا، بدلًا من مجرد اتباع الولايات المتحدة".
وتابع: "ينبغي على بريطانيا الاضطلاع بدور قيادي في وضع حد للصراع، بدلًا من تلقي التعليمات من واشنطن، وتعريض أرواح جنودنا للخطر".
وشدد كوربن أن "القنابل لن تنقذ الأرواح، ولن تجلب السلام".