
Super User
وفاة السيدة زينب الكبرى (عليها السلام)(15 / رجب / السنة 62 هـ)
السيدة زينب الكبرى(عليها السلام)
هي حفيدة النبي(ص) ومنذ فجر الصبا كانت آية في ذكائها، فقد حفظت القرآن الكريم، والكثير من أحاديث جدها النبي(ص)، وخصوصاً ما يتعلق بأحكام الدين.
وقد بُهر أمير المؤمنين(ع) من فرط ذكائها، حينما قالت له: أتحبنا يا أبتاه؟،
فقال (ع): «وكيف لا أحبكم وأنتم ثمرة فؤادي». فأجابته - بأدب واحترام -: يا أبتاه إنّ الحب لله تعالى، والشفقة لنا([1]).
وقد روت عن أمها الزهراء(عليها السلام)([2]) أخباراً كثيرة([3])، وفي طليعتها خطبتها العظيمة في الاحتجاج على الخليفة الأول، وقد نقلها ابن أبي الحديد، عن أبي بكر الجوهري بأسانيد متعددة كلها تنتهي إلى زينب(عليها السلام)([4])، وروت أيضاً عن أبيها وأخويها الحسنين (عليها السلام)([5]). ولم تختزن العقيلة العلم لنفسها، بل أفاضت من معارفها ومروياتها على الأمة نساءً ورجالاً، فممن روى عنها ابن عباس الذي كان يفتخر بالرواية عنها، ويقول: حدثتنا عقيلتنا، وكان مع ما هو عليه من العلم يسألها عن المسائل التي لا يهتدي لحلها([6])، كما روى عنها غيره كثير([7]).
ويكفي لمعرفة نمير علمها، وعظيم معرفتها، ما شهده في حقها الإمام زين العابدين(ع) حيث قال لها: «يا عمة أنت - بحمد الله - عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة»([8]).
جهاد العقيلة زينب(عليها السلام)
يحقّ لنا القول بأنّ زينباً(عليها السلام) ورثت الجهاد منذ نعومة أظفارها عن أمها فاطمة(عليها السلام)، فكانت - كما ذكرنا - تقف إلى جانب أبيها بعد فقد أمها، وانتقلت مع أبيها إلى الكوفة لتواصل جهادها المقدس، كما أنها رجعت مع الحسنين، إلى المدينة بعد شهادة أبيها وخذلان الناس لأخيها الحسن، وكذلك عندما أعلن الإمام الحسين الثورة على يزيد كانت إلى جانبه وخرجت معه إلى كربلاء، ورأت بأمّ عينها مصرع أخيها وأبنائها وأبناء عمومتها وإخوانها، ولشدّة صبرها وعقيدتها برسالة الحسين(ع) جاءت إلى جثمانه الطاهر، ووضعت يديها تحته، وقالت: «اللهم تقبّل منا هذا القربان»([9]).
واصلت زينب مسيرة أخيها الحسين في مسيرة السبي من كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى الشام، موضّحة أهدافه، ومعرّفةً أنّ الذي قتله يزيد؛ هو الحسين ابن فاطمة بنت رسول الله وليسوا بخوارج، وقد أحدث خطابها في الكوفة اضطرابات خاف ابن زياد أن تتحوّل إلى ثورة فأسرع بتسريحها وسائر أفراد عائلتها إلى الشام، وقد خطبت في الشام خطاباً أفرغت فيه عن لسان أبيها أمير المؤمنين(ع) ، وبفعل هذا الخطاب، وخطاب الإمام زين العابدين كادت أن تندلع الثورة، فعجّل يزيد بتسريحهم إلى المدينة.
وفي المدينة أخذت تواصل الطريق الذي شقّه الحسين(ع) ، وكان لها الأثر البليغ في خروج الكثير عن بيعة يزيد، حتى كتب واليه إليه: «إن كان لك شغل بالمدينة فأخرج زينباً منها» فأخرجوا زينب (عليها السلام) من المدينة وتوجهت مع زوجها عبد الله بن جعفر إلى الشام، حيث كان عبد الله يملك أرضاً فيه، وبعد أن بقيت فيه مدة من الزمن انتقلت إلى جوار ربّها يوم الأحد 15/ رجب/ السنة 62هـ ودفنت في قرية رواية في غوطة دمشق بحسب القول المشهور، وقيل أنّها توفيت في مصر ودفنت فيها، وقيل أنها توفيت في المدينة ودفنت في البقيع وهو خلاف المشهور.
يا زائراً قبر العقيلة قف وقل |
|
منيّ السلام على عقيلة هاشم |
هذا ضريحك في دمشق الشام قد |
|
عكفت عليه قلوب أهل العالم |
([2]) معجم رجال الحديث، للخوئي 23: 19.
([3]) أدب الطف، لجواد شبر 1: 243.
([4]) شرح النهج، لابن أبي الحديد 16: 210-211.
([7]) راجع معجم رجال الحديث، للخوئي 23: 190، وأدب الطف 1: 238، ومقاتل الطالبيين: 91، وزينب الكبرى: 35، 37، وتراجم النساء: 119.
شُبهات وتساؤلات حول المرأة(10)
عاب بعضٌ على حكم الشريعة الإسلامية بتعدد الزوجات؛ بأنه إضرار بالزوجة وإرباك لحياتها، وأن التعدد ينافي وفاء الرجل لزوجته، كما أن هذه المسألة تعتبر تفريقاً بين الرجل والمرأة حيث جوّز الإسلام للرجل الزواج بأربع، قال تعالى: (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً)([1])، بينما حرّمه على المرأة.
* * * * *
كراهية النساء لتعدد الزوجات:
قبل الرد على ما تقدم لا بد من ذكر مقدمة، نذكر فيها سبب كراهية النساء وتنفرهنّ من تعدد الزوجات، فنقول: إن من أهم أسباب تنفر النساء من تعدد الزوجات كون الرجال في الغالب يتزوّجونَ من الثانية والثالثة؛ إما إعراضاً عن الأولى أو لمجرد ميل شهوي، ثم ركَّزوا اهتمامهم بالثانية وأهملوا الأولى، كما أنهم في كثير من الموارد قد تزوَّجوا مع عجزهم في أداء واجبهم في الإنفاق، فتركت هذه الأسباب رؤية اجتماعية خاطئة، فأصحبت المرأة التي ترد عليها الضرّة ينظر إليها نظرة ترحم وتحقير، بينما الإسلام إنما جوز الزواج الثاني أولاً لمن يقدر على الإنفاق بالمعروف، ثانياً يلتزم بالعدالة في القسم والإنفاق وسائر الجهات، مضافاً إلى أن الآية جعلت الزواج المتعدد للطوارئ، فقال: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَىَ فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَآءِ مَثْنَىَ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَىَ أَلاّ تَعُولُواْ...)([2]).
وبعد هذه المقدمة، نتابع السؤال المتقدم ذكره وهو لماذا شرع الإسلام تعدد الزوجات؟ إليك الجواب باختصار:
أولاً: لم يكن الإسلام المشرّع الأول لتعدد الزوجات، فقد شرّعته الأديان السماوية السابقة، وأقرّته القوانين الوضعية قبل الإسلام بقرون مديدة، يقول: (وستر مارك) في تاريخ الزواج: «إن تعدد الزوجات ـ باعتراف الكنيسة ـ بقي إلى القرن السابع عشر الميلادي، وكان يتكرر كثيراً في الحالات التي لا تحصيها الكنيسة والدول»، فلم يأت الإسلام ببدعة فيما أباح تعدد الزوجات، وإنما الجديد الذي أتى به أنه أصلح ما أفسدته الفوضى من الإباحية المطلقة عن كل قيد.
ثانياً: لقد أثبتت الإحصائيات وعلى مرّ العصور أن النساء في الغالب أوفر عدداً من الرجال، ويعود ذلك لأسباب أساسية وهي تكفي لتكون مسوغاً ومجوّزاً لتعدد الزوجات:
منها: أن الرجال أكثر تعرضاً لأخطار العمل، وأحداث الوفاة من النساء، وذلك لممارستهم الأعمال الشاقة الخطيرة المؤدية إلى ذلك.
منها: قد أثبت علماء الحياة أن الرجال أضعف مناعة من النساء، وأكثر إصابة بعدوى الأوبئة والأمراض، مما يجعلهم أقلّ عدداً منهنّ.
منها: أن الحروب التي دارت في الأرض وتدور بشكل مستمر تفني أعداداً ضخمة من الرجال، وتسبب هبوط نسبتهم عن النساء هبوطاً مريعاً، يكفي أن تقرأ ما أفنته الحرب العالمية الأولى والثانية من الرجال، لتذعن بالهبوط السحيق لأعداد الرجال عن النساء.
ثالثاً: هناك حالات غير طبيعية تحدث في المجتمع بشكل واضح وملحوظ تعتبر بحق من أعظم المشاكل، وأكثر الأزمات لولا جواز تعدد الزوجات، ومن هذه الحالات:
1) أن الرجل ـ غالباً ـ صاحب طاقة جنسية عارمة لا تكفي لإشباعها امرأة واحدة.
2) إصابة المرأة بالعقم والحرمان من نعمة النسل والإنجاب.
3) إصابة المرأة بمرض جسمي تعجز من خلاله عن أداء واجبها الزوجي، ولا تستطيع أن تلبي رغبات الزوج، ورعاية الأسرة والأبناء.
وأمام هذه القضايا والحوادث لا يجد الرجل أمامه مخرجاً منها إلاّ بأحد الاقتراحات التالية:
1ـ أن يطلّق زوجته ويأتي بزوجة جديدة، فتکون المطلقة تقاسي شدائد الحياة ووحشة الانفراد.([3])
2ـ أن يترك الزوج على حاله محروماً يعاني مرارة الحرمان من تمتعات الزوجية، ويغدو عرضة للتردي في مهاوي الرذيلة والإثم.
3ـ أن يمارس علاقات غير مشروعة مع امرأة أخرى يكون بها خراب دينه وآخرته ويغدو عرضة للتردي في مهاوي الرذيلة والإثم.
4ـ أن يبقي زوجته الأولى، ويتخذ زوجة أخرى تلبي رغباته، وتلم شعث الأسرة وتنجب له الأولاد.
ومن الواضح أنه لو تركنا الحكم بذلك إلى العقل والوجدان، فإنهما يختاران الحل الرابع بدون أدنى تردد.
رابعاً: أنه قد تفقد المرأة زوجها وهي في مقتبل الحياة، كما في زوجات قتلى الحرب، ويرغبن في الزواج، ولا يتيسر لهن أن يجلبن اهتمام نظر الرجال إلى أنفسهن كزوجة أولى، فإذا لم يكن قانون تعدد الزوجات مشروعاً، فهذا يعني بقاء هؤلاء النساء بلا أزواج.([4])
فالزواج المتعدد حل لعدد من النساء في المجتمع كما هو حل لعدد من الرجال فيه، ولا يصح أن يقال بأنه ظلم للمرأة، لأنه حل لشريحة منهن لا يجدن الحل من دونه، فلو لم يكن الزواج المتعدد حلاً للمرأة لما قبلت الثانية أو الثالثة أو الرابعة أن تتزوج من رجل متزوج.
كما يجب الالتفات إلى الآثار المجتمعية السلبية التي تولدت في المجتمعات الغربية بسبب شعار (رفض التعدد). فانتشار الزنا والخيانة الزوجية وتعبئة المرأة باتجاه حقها في حريتها بأن تحقق رغباتها من دون ضوابط الزواج... إلخ.
فإذا اعتبرت المرأة نفسها مظلومة بنظام التعدد، أو أنها لا تتحمل مشاركة زوجها لأحد معها، فبإمكانها الاشتراط في عقد الزواج بأن تكون وكيلة عن زوجها في طلاق نفسها إذا تزوج عليها من دون موافقتها، وبذلك تكون قد تحللت من هذا الارتباط عندما يشكل إزعاجاً لها، فرغبتها محترمة مع الاشتراط، وحقها محفوظ ضمن الضوابط الشرعية، وليس لها أن توجد أزمة مع عدم الاشتراط، إذ ليس من حقها المنع.
لقد أكد الإسلام حق الزوج في التعدد، واعتبره غير قابل للإلغاء، إذ لا يمكن الاشتراط في عقد الزواج على إلغاء حق الزوج في ذلك، ولو تم الاشتراط فالشرط باطل وعقد الزواج صحيح، إنما يمكنها اشتراط أن تكون وكيلة عنه في طلاق نفسها لحل عقد الزوجية بينها وبينه أو أي شرط آخر محلل ربطاً بالتعدد أو بغيره.
وليعلم أنه حين شرّع الإسلام التعدد لم يطلقه جزافاً، فقد اشترط فيه العدل والمساواة بين الأزواج صيانة لحقوق المرأة وكرامتها، بيد أن ذلك العدل مشروط في مستلزمات الحياة المادية، كالمطعم والملبس والمسكن، ونحوها من المآرب الحسيّة المتاحة للإنسان، والداخلة في نطاق وسعه وقدرته؛ وضمان تحقق العدالة هو إيمان وتقوى الرجل وعلمه ومعرفته بالأحكام الشرعية وأداء متطلبات المرأة واحتياجاتها المعنوية والمادية.
أما العدالة في النواحي الوجدانية والعاطفية كالحب والميل النفسي، فإنها خارجة عن نطاق قدرة الإنسان واختياره، ولا يستطيع أحد العدل فيها والمساواة؛ لأن الرجل بسبب من الأسباب تتفاوت ميول قلبه وحبه إلى نسائه، وإذا كانت لهذه أسباب عقلية وشرعية، فلا يضر هذا التفاوت بعدالته؛ لأن العدالة القلبية ليست مطلوبة، وهذا معنى قوله تعالى: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ)([5]).
تعدد الأزواج للمرأة...؟!
أما بشأن ما يقوله بعضٌ، من أنه لماذا لا يجوز للمرأة أن تتزوج عدة أزواج في وقت واحد مثل الرجل؟! والجواب:
أولاً: لم نجد في الشرائع السماوية ولا في القوانين الوضعية ولا في الأزمنة الغابرة التزويج من هذا النوع. (إلا النوادر من الشعوب المتخلفة عن ركب الحضارة).
ثانياً: أن الأسباب السابقة غير متوفرة على الأغلب في المرأة.
ثالثاً: أن الميل الجنسي لدى الرجال أقوى وأشد بأضعاف من النساء، فالغالب أن الرجل الواحد يكفي المرأة، ولا عكس.
رابعاً: أن تعدد الزوجات للرجال لا ينطوي على أية مشاكل اجتماعية وحقوقية، في حين أن السماح بتعدد الأزواج للنساء يسبب مشاكل كثيرة، أبسطها ضياع النسب، إذ لا يعرف في هذه الحالة إلى من ينتسب الولد، ولا شك أن مثل هذا الولد المجهول الأب لن يحظى باهتمام أي واحد من الرجال، ولا يجد مكانته في المجتمع.
لهذه الأسباب لا يكون السماح للمرأة بتعدد الأزواج أمراً منطقياً في حين أنه بالنسبة للرجال ـ ضمن الشروط المذكورة سابقاً ـ أمر منطقي وعملي أيضاً.
[1] ـ النساء: 3.
[2] ـ النساء: 3.
[3] ـ راجع أخلاق أهل البيت، للعلامة محمد مهدي الصدر:292
[4] ـ الأمثل في تفسير کتاب الله المنزل 3: 89.
[5] ـ النساء: 129.
مصير الحركة الإسلامية في السودان.. البقاء أم الحل؟
تقف تجربة ما يُعرف بـ "الإسلام الحركي" أو "التنظيمات الإسلامية" في السودان على إرث تاريخي ممتد، إذ بدأ نشاطهم المنظم عام 1954، وكان ينحصر في تنظيمات طلابية أسسها سودانيون أوفدوا للدراسة الجامعية في مصر.
ومنذ ذلك التاريخ، سميت "الحركة الإسلامية السودانية" التي تعد المرجعية الفكرية لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، بعدد من المسميات، وهي تحتفظ باسمها الحالي منذ عام 2004.
ومنذ "ثورة الإنقاذ" لتي قادها العقيد، آنذاك، عمر البشير، وتسلمه السطة في 1989، وتأسيس حزب المؤتمر عام 1991، تمثل هذه الفترة أطول فترة حكم للإسلاميين في السودان، وربما في المحيط الإقليمي.
غير أن الحركة التي أثرت في مجريات الحياة السياسية، تشهد حاليا نزاعا داخل أروقة عضويتها بين الدعوة إلى حلها والإبقاء عليها.
المنادون بخيار الحل يبررون دعوتهم بأن الحركة لم تعد ذات جدوى، فلديها حزب حاكم يمسك بزمام السلطة منذ 29 عاما، بل إن بعض المتشددين يرون أن وجود الحركة يمثل تراجعا، إذ أنشئت الحركة لتؤسس وتربي جماعة من الناس للوصول إلى الحكم، وهو ما حدث.
فيما يرى فريق آخر أن الحركة هي المرجعية الفكرية للحزب الحاكم، ولا يمكن الاستغناء عنها.
** واشنطن وعواصم عربية
وبحسب مراقبين، فإن دعوات الحل ترتبط بالمتغيرات التي يشهدها المحيط الإقليمي من ثورات مضادة للربيع العربي، وبروز تيارات جديدة في دول عربية مناهضة للحركات والأحزاب الإسلامية، وكذلك صعود تيارات اليمين المتطرف في الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية.
في سبتمبر / أيلول 2017، أبدى علي الحاج محمد الأمين العام لحزب "المؤتمر الشعبي" (مشارك في الحكومة)، أسسه الراحل حسن الترابي (1932 ـ 2016)، مخاوفه من احتمال دفع الحركة الإسلامية لـ "ثمن ما" مقابل رفع العقوبات الأمريكية.
وعقب رفع العقوبات والحظر التجاري في 6 أكتوبر / تشرين الأول 2017، سرى حديث بين بعض القيادات الإسلامية في السودان عن وضع واشنطن شروطا لرفع اسم السودان من "قائمة الدول الراعية للإرهاب"، بينها حل الحركة الإسلامية.
وهو ما نفاه البشير بقوله، في نوفمبر / تشرين الثاني الماضي: "لا يمكن حظر الحركة الإسلامية في البلاد، وأنا حركة إسلامية"، مشددا على أن "السودان لا تفرض عليه السياسات، وهو قادر على تقييم المواقف الصحيحة ليتخذها".
وفي ندوة عقدت مؤخرا بالخرطوم، اتهم القيادي في حزب المؤتمر الشعبي أبو بكر عبد الرازق، دولا عربية سماها "دول الاعتدال الجديدة"، بدفع، ولو بوسائل خفية، بعض قيادات الحركة الإسلامية في السودان إلى اتخاذ قرار حلها.
وتشهد دول عربية تحركات مناهضة للحركات الإسلامية، لا سيما منذ الإطاحة في 3 يوليو / تموز 2013، بمحمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في مصر.
** النهج والتطبيق
وفق مراقبين فإن الحركة الإسلامية حادت عن نهجها عقب الوصول إلى السلطة، ولم تجد مناهجها حظا من التطبيق.
وقال حسن عثمان رزق النائب السابق للأمين العام للحركة الإسلامية، نائب الأمين العام لحركة "الإصلاح الآن" (مشاركة في الحكومة)، إن "الحركة أصبحت ترفع شعارات دون تطبيق، وسط مطالبات بأن يكون الحديث عن النهج الإسلامي في المساجد والمنابر الدينية فقط".
وسخر رزق من تلك الدعاوى، مشددا خلال حديثه في ندوة الخرطوم، على أن الحركة "لن تكون محصورة على الدعوة فقط، بل ستواصل مسيرتها، وستظل كما أردنا لها أن تكون (مصحفا وسيفا)".
وتواجه الحركة الإسلامية أيضا اتهامات بعدم ممارسة سلطتها الفكرية على منتسبي الحزب الحاكم، كما يواجه بعض القيادات الحكومية اتهامات بتحجيم دور الحركة.
بيد أن القيادي بحزب المؤتمر الوطني الحاكم، عضو الحركة الإسلامية مجاهد الطيب العباسي، رأى خلال الندوة أن "التنظيمين (الحركة والحزب) يسيران في تناسق تام في ما بينهما".
وبواقع العمل يُعتبر جميع أعضاء حزب المؤتمر الوطني أعضاء في تنظيم الحركة الإسلامية، غير أن هناك جزءا مقدرا من أعضاء الحركة لا ينتمون إلى الحزب الحاكم.
وفي عام 1998، حدث انقسام في السلطة الحاكمة بين البشير ومجموعته وزعيم الإسلاميين حينها، الترابي، الذي أسس بعدها المؤتمر الشعبي.
ومنذ ذلك العام تواصلت محاولات لرأب الصدع وجمع الإسلاميين تحت شعار "وحدة الإسلاميين"، لكن جميعها باءت بالفشل.
بل إن الانقسام تواصل داخل الحركة الإسلامية نفسها، وأحدث مظاهره خروج المستشار السابق للبشير غازي صلاح الدين، وتأسيسه "حركة الإصلاح الآن" عام 2013.
ويترأس البشير حزب المؤتمر الوطني والهيئة القيادية العليا للحركة الإسلامية، في حين يتولى نائبه بكري حسن صالح منصب نائب الأمين العام للحركة.
** الحركة والسلطة
يحتفظ الشارع السوداني بمقولة نقدية للترابي، مفادها أن عناصر الحركة الإسلامية تربوا على العمل خارج منظومة الحكم، لكن السلطة جرفت بعضهم عن المسار والنهج.
رأي الترابي، وإن كان صادما، لكنه يجد قبولا عند أغلب الإسلاميين في السودان.
وغالبا ما يرتبط النقد الموجه إلى الحركة بطريقة وصولها إلى الحكم، والتي جاءت بانقلاب عسكري، وتعطيل الدستور، وحظر نشاط الأحزاب السياسية المعارضة حينها.
لكن النائب السابق للأمين العام للحركة عثمان رزق، اعتبر أن الانقلاب جاء لضرورات حتمية ارتبطت بحياة ووجود الإسلاميين داخل البلاد.
وتابع: "لو لم نقم بالانقلاب لفُعل بنا مثل ما فعله الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر (1956 ـ 1970) بقيادات الإخوان المسلمين في مصر، وما حدث للإسلاميين في العراق في تلك الفترة".
وبرر رزق انقلاب 1989 بقوله: "كنت أحد الذين شاركوا في اجتماع الحركة الذي أقر تنفيذ الانقلاب، حيث توصلنا إلى معلومات مؤكدة تفيد بوجود ثلاث محاولات انقلابية تقف وراءها تنظيمات علمانية، هدفها بعد الوصول إلى الحكم تصفية القيادات الإسلامية، لذا قررنا الوصول إلى الحكم قبلهم، لأنهم إن وصلوا فلن يكون لنا وجود".
** الحل.. شبه مستحيل
يجيز دستور الحركة الإسلامية السودانية حلها في أي وقت، لكن المادة التي تقر ذلك تبدو أقرب إلى المستحيل عند التطبيق على أرض الواقع.
تنص المادة 32 من دستور الحركة على أنه "يجب أن يجتمع 80 % من عضوية الحركة، وأن يوافق 75 % من المجتمعين على حلها".
وتشير تقديرات إلى تجاوز عضوية الحركة مليوني شخص.
ووفق القيادي بحزب المؤتمر الشعبي أبو بكر عبد الرازق، فإن "الحركة ستكون موجودة (ستستمر)، لكن بريقها سيخفت، لأنها مرتهنة بتقديرات الممسكين بزمام الأمور في الحكومة، الذين يرون أنها أصبحت عبئا ثقيلا عليهم، لنهجها الذي يتعارض مع المتغيرات الإقليمية والدولية".
ماذا ينتظر "اسرائيل" على الحدود في الأيام المقبلة؟!
لا يمكن لأحد أن يتكهّن ماذا سيحصل على الحدود الفلسطينية يوم الجمعة المقبلة 30 مارس، الذي يتزامن مع "يوم الأرض"، هذا اليوم الذي يقلق الإسرائيلي كثيراً منذ عدة سنوات، وبالتحديد بعد العام 2011، العام الذي هبّت فيه الجموع الفلسطينية ومن تضامن معها من غزة والضفة الغربية والقدس والأردن ولبنان وسوريا ومصر ضمن مسيرة سلميّة شعبيّة مليونيّة فلسطينية نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتخشى "إسرائيل" ما تخشاه أن يتكرر هذا المشهد بعد يوم غد.
المسيرة الشعبية ستنطلق لا محالة يوم الجمعة المقبل ومن غزة لوحدها سيتحرك 100 ألف فلسطيني بدعم من حركة حماس ضمن مسيرة العودة نحو السياج الفاصل على الحدود الشرقية مع الكيان الإسرائيلي، وستستمر هذه الفعاليات حتى ذكرى النكبة في الـ 15 من مايو المقبل، بالتزامن مع تحرك سياسي واسع إقليمياً ودولياً.
لماذا تخشى القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية هذه التحركات؟!
أولاً: الأوضاع في الداخل الإسرائيلي ليست على ما يرام وهناك فوضى كبيرة داخل الحكومة الإسرائيلية سببها رئيس الحكومة نفسه، وتأتي هذه الفوضى على خلفية الاتهامات الموجهة لـ"نتنياهو" في قضايا فساد قد تطيح بالحكومة بأي لحظة، ولكن لا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يتعدى ذلك إلى أسباب أخرى، منها فقدان الثقة بالحكومة نظراً لما يعانيه المجتمع الإسرائيلي من خلل في بنيته الداخلية نتيجة لـ"فقدان القيم" كما قال رئيس الموساد السابق "تامير باردو" لصحيفة "يديعوت أحرنوت" يوم أمس وأشار إلى أنّ القيم لدى القيادة الإسرائيليّة الحالية ذهبت إلى غير رجعة، وإذا ذهبت القيم فإننّا سنذهب كلّنا معها بحسب قوله، ولفت باردو إلى أنّ القائد يجب أنْ يكون نموذجاً للمجتمع، ولكن ما يجري اليوم في إسرائيل هو حالة مُستعصيّة، ليس فقط في المجال الجنائيّ.
هذا التشاؤم والقلق الذي عبّر عنه باردو تجاه مستقبل "اسرائيل" شاطره فيه خمسة رؤساء سابقين لجهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي "الموساد"، حيث أعرب هؤلاء عن خشيتهم الكبيرة من الطريق الذي تسلكه "اسرائيل" منذ بداية العقد الثامن على إقامتها، وحمّلوا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المسؤولية في تعريض مستقبل البلاد للخطر، ودعا القادة الستة السابقون إلى الإطاحة برئيس الحكومة الإسرائيلية، مبررين ذلك بأن الدولة "عليلة" وفي وضع صحي حرج تحت قيادة زعيم حزب الليكود.
ثانياً: الوضع في غزة على شفا انفجار خطير نظراً للضغوط التي تمارس على القطاع من قبل الكيان الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية، فاليوم غزة تعاني من نقص حاد في المواد الغذائية والكهرباء والماء، فضلاً عن البطالة بين صفوف الشباب والتي تهدد المجتمع الغزاوي، وحتى الذين يعملون في القطاعات الحكومية لا تصل إليهم الرواتب بعد أن تم توقيفها من قبل السلطة نظراً لوقف التمويل للسلطة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، كل هذه الأسباب وغيرها ستجعل الأمور تتجه نحو التصعيد مع الإسرائيلي، فأهل غزة لم يعد لديهم ما يخسرونه، لذلك نحن نعتقد بأنهم سيستمرون في هذه المسيرات حتى 15 مايو المقبل وسيكون لهذا الأمر انعكاسات خطيرة على الداخل الإسرائيلي وحكومته المهترئة.
ثالثاً: من حق الإسرائيلي اليوم أن يخاف أكثر من أي وقت مضى وهو يعلم ذلك جيداً ويدرك أن الأمور في غزة وصلت إلى طريق مسدود، لذلك فإن الإسرائيليين يتوقعون أن يحدث انفجار في أي لحظة نظراً للضغط الذي يتعرّض له القطاع، وما زاد الطين بلة هو قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها، في ظلّ ما يُحكى عن"صفقة القرن"، التي يقابلها تقليص الدعم الأمريكي والدولي لـ"الأونروا".
وعن خطورة المرحلة المقبلة تحدث "غادي ايزنكوت"، رئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي، في لقاء مع صحيفة "هآرتس"، قائلاً: " إن ما يحدث في المناطق الفلسطينية حالياً، يثير كثيراً من القلق لديه في الوقت الحالي"، وأضاف: "إن إسرائيل لا تلاحظ لدى أعدائها نية لشن حرب، ولكن التطورات المحلية يمكن أن تقود إلى التصعيد غير المتوقع.
وتابع "أيزنكوت": سيكون الواقع معقداً بشكل خاص لدى الفلسطينيين خلال الأشهر القريبة، حيث ستلتقي معاً مناسبات يوم الأرض ويوم النكبة واستقلال إسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاقتراب من نهاية عهد أبو مازن، وعملية المصالحة العالقة وحقيقة أن حماس في غزة تواجه ضائقة صعبة. وقال إن "الشرق الأوسط يشهد تطورات مشحونة وحساسة، وخاصة لدى الفلسطينيين. وسنواجه تحديات كبيرة جداً في فترة احتفالات الاستقلال السبعين". ووصف رئيس الأركان الواقع الاقتصادي والمدني في غزة بأنه صعب جداً، لكنه يؤكد أن الأمر لم يصل بعد إلى أزمة إنسانية.
في الختام؛ كل الظروف مهيّأة لأن تتجه الأمور نحو التصعيد داخل الأراضي المحتلة، ويخشى الجيش الإسرائيلي أن يسقط عدد كبير من الشهداء يوم الجمعة ما سيؤدي إلى احتمالية اندلاع حرب مع كيان الاحتلال ستكون أشرس من جميع الحروب السابقة نظراً للظرف السياسي والدولي الذي تمر به فلسطين خاصة والمنطقة عامةً، والكيان الإسرائيلي سيحاول عدم الانجرار إلى هذه الحرب لكن لا أحد يستطيع أن يتكهّن بحدوثها من عدمه.
برنامج حزب الله: رؤية نحو إعادة بناء الدولة
منظور برنامج الحزب يأخذ بقراءة لدور الدولة يعزّ البحث أو حتى الحوار فيه بعد أن أطاحت الموجة النيوليبرالية بالأسس البديهية لدور الدولة في عقر الدول الديمقراطية. فالآفات التي تحطّم دور الدولة هي في سياق خارجي ومحلي في الآن عينه، من دون فصل اعتباطي كما تعمد دوائر المصالح الدولية التي تصب كافة جهودها على الجانب المحلي في فساد السلطة لتعزيز الفساد الخارجي الأكبر.
البرنامج الذي عرضه الأمين العام لحزب الله بمناسبة الحملة الانتخابية، يتجاوز المألوف من البرامج الانتخابية في بعض البلدان الأوروبية حيث لا يزال هيكل الدولة قائماً على الرغم من تراجع دورها بخضوع صلاحياتها إلى مراكز ومؤسسات النفوذ المالية والتجارية. وهو يفترق من موقع النقيض عن برامج الدعاية الانتخابية للمرشحين الذين يسهبون في تعداد المطالب والوعود العرقوبية في سوق الأحلام الوردية، كما يعجّ الموسم في لبنان.
القوى والجمعيات التي يحلو لها الانتماء إلى الاصلاح وتيارات المجتمع المدني، ترى نفسها بديلاً مناوئاً للطبقة السياسية في عرض ما يلهج به معظم الناس رفضاً لتفشّي الفساد والصفقات والفقر وأزمات الكهرباء والنفايات وغيرها. لكن معظم هذه القوى والجمعيات تعوم على ضفاف الموسم الانتخابي أرحب ما عندها هو فضائل أشخاصها من دون برنامج أو حتى من دون التعب في السعي لإعادة اعتبار معقول للسياسة التي بات يمقتها معظم الناس بمعاني الألاعيب وتسويق المصلحة الشخصية الضيقة.
حزب الله الذي تناول في برنامجه موضوع مكافحة الهدر والفساد وأخذه البعض بمثابة ترويج انتخابي مع المروّجين، لم تكن مقاربته الأهم في البرنامج مطالب ووعوداً شعبية بعينها. إنما هي مقاربة رؤية ليست آنية ولا انتخابية بل تفتح أبواب ورشات العمل بعد الانتخابات نحو أسس إعادة بناء الدولة من قاعدة الهرم الاجتماعي إلى أخمص رأسه.
لم يتبنَّ حزب الله مقولات الإصلاح المدرجة في الخطاب السياسي ردحاً طويلاً من الزمن، بشأن إلغاء المحاصصة الطائفية وتغيير النظام السياسي وما شابه. فهو قد تعرّض للتحريض الطائفي والانقسام المذهبي على شفا الحرب الأهلية بتهمة المساس بالمقدسات لمجرد دعوته لجمعية تأسيسية وإصلاحات دستورية. ولم يقف عند الحائط المسدود بل وجد بداية منفذاً آخر لرؤية الإصلاح في المسألة الاجتماعية لإصلاح دور الدولة وصلاحياتها وليس إصلاح شكل الحكم فقط وتقاسم السلطة.
منظور برنامج الحزب يأخذ بقراءة لدور الدولة يعزّ البحث أو حتى الحوار فيه بعد أن أطاحت الموجة النيوليبرالية بالأسس البديهية لدور الدولة في عقر الدول الديمقراطية. فالآفات التي تحطّم دور الدولة هي في سياق خارجي ومحلي في الآن عينه، من دون فصل اعتباطي كما تعمد دوائر المصالح الدولية التي تصب كافة جهودها على الجانب المحلي في فساد السلطة لتعزيز الفساد الخارجي الأكبر. وهو ما يحطّم دول العالم الثالث بل يقضّ مضاجع كافة الدول العريقة في أوروبا بالفساد وعدم الاستقرار الاجتماعي وبانفجار العنف والفاشية، على الرغم من توالي إصلاحات السلطة.
والحال أن برنامج الحزب يدرج في إطار عدم الفصل الاعتباطي "الإنماء ومحاربة الفساد". فهو لا يستخدم عبارة التنمية التي تعني في واقعها وحقيقتها استفحال التبعية الاقتصادية والسياسية، وتعني أيضاً استفحال فساد الطبقة السياسية المحلية نتيجة الرشوة في تسهيل الخوصصة والتوقيع على اتفاقيات التجارة الحرة وفتح الأسواق وغيرها.
في هذا الصدد يجذّف حزب الله عكس الأسس المؤسسة للهدر وفساد الطبقة السياسية المحلية، وهي الديون والقروض أيقونة البنك الدولي وما يسمى "المؤسسات المانحة" والهيئات الدولية وغيرها. فالبرنامج ينحو إلى قراءة أخرى تضع الحقوق الإنسانية الأولية في أواليات دور الدولة فيما باتت تسمه دوائر النفوذ الدولية بالتخلف وهو دولة الرعاية للصحة والتعليم ورعاية قطاعات الانتاج الزراعي والصناعي من خلال الدعم والحماية، نقيضاً لوصايا مؤسسات السوق الدولية وشركات الغزو الاقتصادي.
على الضفة المقابلة لبرنامج حزب الله نحو إعادة بناء الدولة، أطروحات تجري كالنار في الهشيم من كل حدبٍ وصوب بشأن الانفتاح على مؤسسات الديون "للتنمية" وتشجيع الاستثمار وأوهام خلق فرص عمل تحت وصاية المجتمع الدولي ومؤسسات التجارة الحرة. وهي تجري بدعوى دور الدولة ووعود السلام والازدهار والاستقرار. وفي كل بلد من بلدان العالم الثالث التي انصاعت لهذه الوصايا، موسوعة للدلالة على التفتيت الاجتماعي والسياسي وعلى انهيار الدولة.
حزب الله ينتقل في هذه الرؤية من الركون إلى سلاح واحد في مواجهة العدو والدفاع عن أرضه وشعبه، إلى سلاحين حربي واجتماعي يكمل أحدهما الآخر في "الحماية والبناء". فالحزب يتعهّد بإنشاء إطار خاص لإعادة بناء الدولي كالإطار الخاص بالمقاومة. وقد تعهّد السيد نصرالله بالإشراف شخصياً على هذا الإطار لأهميته في معركة البناء. وهو إطار ورشات عمل منتجة للرؤى والأفكار بعد الانتخابات، قد تكون طارئة صعبة على تقاليد خطابات المنابر، وعلى طقوس استهلاك الرؤى وأفكار المؤسسات الدولية، وعلى عادات الندب والنق تعبيرأ عن الوجود المميّز.
البرنامج يدعو إلى وزارة تخطيط فاعلة "تستفيد من مراكز الدراسات وتقدّم رؤى واضحة للدولة اللبنانية". فمن لا يحب الصعود والارتقاء إلى الأعلى يعش أبد الدهر بين الحفر.
قاسم عزالدين
طهران وباكو توقعان 8 وثائق ومذكرات تفاهم للتعاون
وقعت الجمهورية الاسلامية الايرانية وجمهورية اذربيجان، اليوم الأربعاء، 8 وثائق ومذكرات تفاهم للتعاون المشترك، بحضور الرئيسين الايراني والاذربيجاني، تزامنا مع زيارة الأول الى باكو.
وبعد المحادثات المكثفة بين الرئيسين حسن روحاني وإلهام علييف وبحضورهما، وقع كبار المسؤولين الايرانيين والاذربايجانيين اليوم، هذه الوثائق ومذكرات التفهم بهدف تنمية العلاقات بين طهران وباكو أكثر مما مضى.
والوثائق الثمانية التي تم توقيعها بين الجانبين هي: البرنامج التنفيذي لمذكرة التفاهم للتعاون في مجال المرأة والأسرة، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال الرياضة والشباب، وبرنامج التبادل الثقافي بين ايران وجمهورية اذربيجان، ومذكرة تفاهم للتعاون الصحي والعلاجي، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال التنمية المشتركة لقطاعات التنقيب عن النفط في بحر قزوين، ومذكرة تفاهم في مجال تعزيز التعاون الصناعي، ومذكرة تفاهم للتعاون الاقتصادي واتفاقية للاستثمار المشترك في إنشاء خط السكك الحديد بين رشت وآستارا.
ووصل رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية، ظهر اليوم الأربعاء، الى باكو على رأس وفد رفيع المستوى، تلبية لدعوة رسمية من نظيره الاذربيجاني، الهام علييف، قادما من العاصمة التركمانية عشق آباد.
وخلال زيارة الرئيس الايراني الى عشق آباد، وقع كبار المسؤولين الايرانيين والتركمانستانيين 13 وثيقة ومذكرة تفاهم للتعاون المشترك.
ومن الفقرات الاخرى لزيارة روحاني الى باكو، افتتاح مصنع "آذرماش – ايران خودرو" المشترك لصناعة السيارات، وافتتاح مشروع سكك حديد آستارا - آستارا، وافتتاح محطة للكهرباء.
ومن المقرر ان يوقع الجانبان ايضا على وثيقة للتعاون بين البلدين في مجال النفط والغاز في بحر قزوين، وهي وثيقة هامة في إطار تنمية العلاقات الاقتصادية بين طهران وباكو.
ويرافق الرئيس الايراني في زيارته الى باكو، كل من وزير الخارجية محمد جواد ظريف، ووزير النفط بيجن زنكنة، ووزير الطرق وبناء المدن عباس آخوندي، ووزير الصناعة والمناجم والتجارة محمد شريعتمداري، ووزير الطاقة رضا اردكانيان، ووزير الرياضة والشباب مسعود سلطاني فر، ومساعد الرئيس في الشؤون الاقتصادية محمد نهاونديان، ومساعدة الرئيس في شؤون المرأة والأسرة معصومة ابتكار، ومدير مكتب الرئيس محمود واعظي.
الحزب الحاكم بالجزائر يشكل لجنة لحصر حصيلة حكم بوتفليقة
شكل حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم بالجزائر، اليوم الأربعاء، لجنة خاصة لإعداد حصيلة فترة حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، منذ 1999، وذلك تحسبا لعرضها مع نهاية ولايته الحالية في 2019.
وأشرف جمال ولد عباس، الأمين العام للحزب بالمقر الوطني بالعاصمة الجزائر، على تشكيل هذه اللجنة التي تضم قيادات عديدة في الحزب، بينهم وزراء سابقون، بحسب ما أعلنه في مؤتمر صحفي.
وحسب ولد عباس، ستقوم هذه اللجنة باستقبال حصيلة كل ولاية من الولايات الـ48 للبلاد، لإعداد ملف كامل حول مرحلة حكم بوتفليقة منذ 1999 سيتم عرضه مطلع العام القادم.
ويرجح أن تنظم انتخابات الرئاسة القادمة في الجزائر خلال أبريل/ نيسان أو مايو/ أيار 2019.
ودخلت الولاية الرابعة لبوتفليقة (81 سنة) عامها الأخير، حيث وصل الحكم في 1999 وفاز قبلها بثلاث ولايات متتالية.
وكان بوتفليقة قد أعلن لدى وصوله الحكم في 1999، أن أهم نقطتين في برنامجه هي: إنهاء الأزمة الأمنية التي كانت تعيشها البلاد في عقد التسعينات، وتحسين صورتها في الساحة الدولية بعد حصار غير معلن بسبب الحرب الأهلية الداخلية.
ولم يُظهر الرئيس الجزائري أو محيطه، مؤشرات واضحة حول نيته في مغادرة الحكم، لكن بعض أنصاره من حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، وحتى من اتحاد الزوايا، وهو أكبر تجمع لمنظمات صوفية، ينوون إطلاق حملة قريبا لدعوته للترشح لولاية خامسة.
ورفض جمال ولد عباس، اليوم، الحديث عن مسألة ترشح بوتفليقة من عدمها لولاية خامسة، مكتفيا بالقول: "الرئيس بوتفليقة، هو رئيس الحزب، والقرار في 2019 بين يديه.. مازال أمامنا 14 شهرا ولا يمكن الحديث عن مرشحين".
ورغم اعترافها بدوره في تجاوز الأزمة الأمنية في البلاد، ترى المعارضة أن فترة حكم بوتفليقة شهدت انفرادا بالحكم، و"فسادا كبيرا" بعد صرف قرابة تريليون دولار من مداخيل النفط دون أن تنعكس على اقتصاد البلاد ومعيشة السكان.
ورد الأمين العام للحزب الحاكم، اليوم، على هذه الاتهامات بالقول: "ليعلموا أن الجزائر صرفت أكثر من ألف مليار (تريليون) خلال 20 عاما في إنجاز البنى التحتية".
البشير يمدّد وقف إطلاق النار في 3 مناطق بالبلاد لثلاثة أشهر
قرر الرئيس السوداني، عمر البشير، اليوم الأربعاء، تمديد وقف إطلاق النار في مناطق الصراع الثلاث مع حركات التمرد المسلحة غربي وجنوبي البلاد، لثلاثة أشهر إضافية.
وأفادت وكالة الأنباء السودانية الرسمية، بأن البشير أصدر قرارا جمهوريا يقضي بتمديد وقف إطلاق النار المعلن في البلاد حتى تاريخ 30 يونيو/ حزيران 2018، دون مزيد من التفاصيل.
وكان الرئيس السوداني قد أعلن وقف إطلاق النار في مناطق الصراع الثلاث (دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق) بتاريخ 18 يونيو/ حزيران 2016، لمدة 4 أشهر، لإتاحة الفرصة للحركات المتمردة للحاق بالحوار الوطني.
وتم تمديد القرار بعد ذلك عدة مرات، كان آخرها في 4 يناير/ كانون الثاني الماضي، عندما أعلن البشير تمديد وقف إطلاق النار لمدة 3 شهر، قبل أن يعيد تجديد القرار اليوم.
ومنذ العام 2003، تقاتل ثلاث حركات متمردة الحكومة السودانية في إقليم دارفور، غربي البلاد.
كما تتصارع الحركة الشعبية / شمال المتمردة مع القوات الحكومية، منذ يونيو/ حزيران 2011، في ولايتي جنوب كردفان (جنوب) والنيل الأزرق (جنوب شرقي).
استحقاق جديد بعد الانتخابات.. كيف سيفي صادق الوعد بوعوده
في خطوة قلّ نظيرها في بلاد الأرز أطلّ الأمين العام لحزب الله منذ أيام، معلناً عن برنامج الحزب للانتخابات النيابية اللبنانية المزمع عقدها في أيار المقبل. برنامج متكامل انتظره حلفاء الحزب كما الخصوم، وأنصت إلى كلماته جمهور المقاومة حرفاً حرفاً، فصادق الوعد في ميادين القتال، يستحيل أن تغيّره زواريب السياسة، أو أن ينجرّ مع سيل الشعارات الانتخابية.
فما جديد برنامج الحزب الانتخابي؟ ما الذي يميّزه عن سائر البرامج؟ وكيف تلقّاه الشارع اللبناني؟
أكد السيد نصر الله أن "البرنامج الانتخابي للحزب في الانتخابات القادمة يركز على العديد من العناوين التي يريد من خلال وجوده البرلماني أن يعمل على تحقيقها"، مشيراً إلى أن "الانتخابات النيابية في لبنان تشكل فرصة جدية لإعادة إنتاج سلطة وطنية"، معتبراً أنه "صار لزاماً على الجميع أن يتعاطوا مع قضية مكافحة الفساد في جميع مؤسسات الدولة باعتبار الموضوع أحد أهم أسباب دفع البلد إلى الكارثة".
حرب على الفساد
من الواضح أن هذا الكلام يخفي بين طياته إعلاناً للحرب على الفساد الداخلي، فالحزب الذي لم يدخل حرباً إلا وخرج منتصراً، قرر اليوم، على لسان أمينه العام، وبتوقيت الانتخابات اللبنانية، أن يدخل في حرب الفساد، وينظف زوايا الدولة، علّه يستطيع أن يعيد بناء بعض ركامها.
وكان لكلام السيد نصر الله وقع كبير في الداخل اللبناني، فغاص كثيرون في تحليل أبعاده، ليرى البعض أن محتوى الورقة التي قدّمها الأمين العام لحزب الله، تحت عنوان البرنامج الانتخابي أكبر بكثير من مواصفات برنامج انتخابي. واعتبروها "وثيقة اقتصادية اجتماعية" لا تقل أهمية عن "الوثيقة السياسية" التي أطلقها عام 2009 لتقديم رؤيته السياسية المتعلقة بلبنان كوطن نهائي. والوطن النهائي يستلزم "اجتماعاً نهائياً" "اقتصاداً نهائياً" و"عدلاً نهائياً" و"تربية نهائية"، وإلا فلا دولة ولا وطن. فأي دولة وأي وطن يمكن أن يقام دون اجتماع واقتصاد وعدل وتربية، وكل ذلك لا يمكن بناؤه في ظل فساد منتشرٍ، وعدل غائب. طارحين السؤال الأهم: ما قيمة المقاومة المسلحة إذا طردت المحتل من الباب فدخل من الشباك.
كلام بعيد عن الشعارات الانتخابية
وحول تأكيد السيد نصر الله التزام الحزب ببقائه "تنظيماً وحزباً نظيفاً وغير متورط بأي فساد أو هدر"، ومطالبته كل مَن لديه أي معطيات أو شكوك حول تورط أي مسؤول في حزب الله بفساد، أن يقدّم الأدلة، لأن "الحزب مصمم على الحفاظ على نقاء مسيرته"، وتصريحه أنه سيتابع إطار مكافحة الفساد "بشكل شخصي" لأن لبنان اليوم أمام مرحلة خطرة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً، وتحذيره من أن "هذا الخطر يؤثر على وجود الدولة والبلد إذا استمر الوضع على هذا النحو"، رأى مهتمّون أن الحزب الذي تناول في برنامجه موضوع مكافحة الهدر والفساد وأخذه البعض بمثابة ترويج انتخابي مع المروّجين، لم تكن مقاربته الأهم في البرنامج، مطالب ووعود شعبية بعينها. إنما هي مقاربة رؤية ليست آنية ولا انتخابية بل تفتح أبواب ورشات العمل بعد الانتخابات نحو أسس إعادة بناء الدولة من قاعدة الهرم الاجتماعي إلى أخمص رأسه.
كذلك اعتبروا أن حزب الله لم يتبنَّ مقولات الإصلاح المدرجة في الخطاب السياسي ردحاً طويلاً من الزمن، بشأن إلغاء المحاصصة الطائفية وتغيير النظام السياسي وما شابه. فهو قد تعرّض للتحريض الطائفي، والانقسام المذهبي على شفا الحرب الأهلية بتهمة المساس بالمقدسات لمجرد دعوته لجمعية تأسيسية وإصلاحات دستورية. ولم يقف عند الحائط المسدود بل وجد بداية منفذ آخر لرؤية الإصلاح في المسألة الاجتماعية لإصلاح دور الدولة وصلاحياتها وليس إصلاح شكل الحكم فقط وتقاسم السلطة.
دولة رعاية وعناية
وتحت عنوان السياسات الاقتصادية والمالية يتطلّع الحزب إلى دولة رعاية وعناية، لا دولة جباية وسيطرة، دولة تقلّص الفوارق بين فئات المجتمع وتوفر الخدمات الأساسية والاجتماعية على أسس شفافة وعادلة، دولة تعتمد نظاماً اقتصادياً قائماً على العمل والإنتاج، لا على الريع والمضاربة، وترفع القدرة على المنافسة خارجياً.
ختاماً.. يمكن القول إن اللافت في الانتخابات المقبلة هو قرار حزب الله، عدم الزهد بتمثيله في الحياة السياسية اللبنانية، وإدراكه جيداً أن المقاومة التي حرّرت يجب أن تحافظ على إنجازاتها وتحصل على تمثيل يتيح لها الدفاع عن حقوق شعبها فهي لطالما كان همّها الدائم الحفاظ على كرامته وحمايته. ولا شك أن صادق الوعد الذي أثبت لجمهوره كفاءته في قيادة الميادين، سيبقى على عهده معهم، وسنشهد لبناناً جديداً في المستقبل القريب في ظل برنامج انتخابي كهذا. لكن كيف سيستطيع الحزب أن يفي بكل هذه الوعود؟ وهل ستولّد سياسته الجديدة خصوماً جدداً في الداخل اللبناني؟
ثقافة الأشهر الثلاثة (رجب، شعبان وشهر رمضان)
تلتقي برامج التثقيف الاسلامي عند محور مركزي يمثل الدورة الثقافية السنوية الأم التي تتفرع عنها وتتماهى معها كل برامج السنة والعمر. إنها دورة الأشهر الثلاثة رجب وشعبان وشهر رمضان.
ويكشف التأمل في منظومة برامج أعمال كل من شهري رجب وشعبان عن تمهيد رجب لشعبان وتمهيد الشهرين لشهر رمضان لتظهر الشخصية الواحدة لهذه الأشهر من خلال خصائص الدورة الثقافية الواحدة التي تمتد من بداية أول ليلة من رجب إلى ما بعد توزيع الجوائز في يوم العيد.
وقد ورد التعبير بالجوائز في الحديث الشريف عن الإمام الباقر عليه السلام عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا طلع هلال شوال نودي المؤمنون: أن اغدوا إلى جوائزكم».
الأشهر الثلاثة والشخصية الواحدة:
ورد الحديث عن الشخصية الواحدة للأشهر الثلاثة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما في الحديث الشريف الآتي: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن من عرف حرمة رجب وشعبان، ووصلهما بشهر رمضان شهر الله الأعظم شهدت له هذه الشهور يوم القيامة، وكان رجب وشعبان وشهر رمضان شهوده بتعظيمه لها، وينادي مناد: يا رجب يا شعبان ويا شهر رمضان كيف عمل هذا العبد فيكم وكيف كانت طاعته لله عز وجل؟ فيقوم رجب وشعبان وشهر رمضان: يا ربنا ما تزود منا إلا استعانة على طاعتك واستمدادا لمواد فضلك، ولقد تعرض بجهده لرضاك، وطلب بطاقته محبتك. فقال للملائكة الموكلين بهذه الشهور: ماذا تقولون في هذه الشهادة لهذا العبد؟ فيقولون يا ربنا صدق رجب وشعبان وشهر رمضان، ما عرفناه إلا متقلبا في طاعتك، مجتهدا في طلب رضاك، صائرا فيه إلى البر والاحسان، ولقد كان يوصله إلى هذه الشهور فرحا مبتهجا. أمل فيها رحمتك، ورجا فيها عفوك، ومغفرتك وكان مما منعته فيها ممتنعا وإلى ما ندبته إليه فيها مسرعا لقد صام ببطنه وفرجه و سمعه وبصره، وساير جوارحه ولقد ظمأ في نهارها ونصب في ليلها، وكثرت نفقاته فيها على الفقراء والمساكين، وعظمت أياديه وإحسانه إلى عبادك، صحبها أكرم صحبة، وودعها أحسن توديع أقام بعد انسلاخها عنه على طاعتك، ولم يهتك عند إدبارها ستور حرماتك، فنعم العبد هذا. فعند ذلك يأمر الله تعالى بهذا العبد إلى الجنة فتلقاه ملائكة الله بالحباء و الكرامات، ويحملونه على نجب النور، وخيول النواق، ويصير إلى نعيم لا ينفد، ودار لا تبيد، لا يخرج سكانها، ولا يهرم شبانها، ولا يشيب ولدانها، ولا ينفد سرورها وحبورها، ولا يبلى جديدها، ولا يتحول إلى الغموم سرورها لا يمسهم فيها نصب ولا يمسهم فيها لغوب، قد أمنوا العذاب، وكفوا سوء الحساب وكرم منقلبهم ومثواهم»[1].
محور العمر كله:
يؤكد هذا الحديث الشريف ست حقائق:
1- شهادة هذه الأشهر لمن عمل فيها بطاعة الله تعالى.
2- شهادة خاصة من الملائكة لمن انتظر هذه الشهور وأحسن صحبتها.
3- الخطوط العامة للعمل في هذه الدورة – المسابقة.
4- المحافظة على روح هذه الدورة ومواد العمل فيها، بعد انقضاء أشهرها. (ولم عند إدبارها ستور حرماتك).
5- النعيم الخاص وكفاية سوء الحساب، ويعني الأخير عدم المداقة في الحساب وهو في بابه فوز عظيم.
والحديث حول دوام روح هذه الأشهر وعدم هتك سترها عند إدبارها، حديث عن محورية هذه الدورة الثقافية العبادية في البناء الثقافي العقيدي والعبادي للسنة كلها. ثم إن تكرارها السنوي يجعلها محور العمر كله.
ومن الأهمية بمكان أن يلحظ في هذا السياق بالتحديد العلاقة بين ليلة قدر هذه الدورة التربوية الإلهية وبين ليلة الجمعة. ليلة الجمعة ليلة قدر الأسبوع كما هي ليلة القدر التي تقع في نهايات دورة الأشهر الثلاثة، ليلة قدر السنة.
حرمة رجب وليلته الأولى:
ولابد من التنبه أيضاً في خصائص الأشهر الثلاثة أنها تبدأ بأحد الأشهر الحرم وهو شهر رجب.
في خطبة النبي (صلى الله عليه وآله) عام حجة الوداع.. إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً: منها أربعة حرم: ثلاثة متوالية رجب مضر الذي بين جمادي وشعبان[2].
شاء الله تعالى أن يكون الشهر الأول من أشهر دورة السنة التأهيلية شهراً حراماً وأن تختم بالشهر الذي لا يضاهي فضله شهر، وهو شهر رمضان. وما بينهما شهر خاص – وبامتياز- برسول الله: «ألا إن شعبان شهري، فرحم الله من أعانني على شهري»[3].
كما شاء سبحانه أن تكون الليلة الأولى من هذا الموسم السنوي ودورته الإلهية التأهيلية، من الليالي التي يستحب إحياؤها بالعبادة.
عن الإمام الرضا عن أبيه الإمام الكاظم عن أبيه الإمام الصادق عن أبيه الإمام الباقر (عليه السلام): «أن علياً عليه السلام كان يعجبه أن يفرغ الرجل نفسه في أربع ليال من السنة: ليلة الفطر، وليلة النحر (الأضحى) وليلة النصف من شعبان، وأول ليلة من شهر رجب»[4].
فرادة البرامج:
لدى التأمل في برامج الأشهر الثلاثة المتنوعة والشاملة، تتجلى فرادة المنهج الإسلامي المعتمد في بناء الشخصية المؤمنة. إن الواجبات التي حدد لها وقت معين، ووفرة الأعمال المستحبة الموزعة على الأشهر الإثني عشر، والتي تشكل أعمال الأشهر الثلاثة منها القلب والجوهر، سواء أكانت هذه الأعمال ذكراً أم دعاءً أم صلاة أم صياماً، أم زيارة عن قرب أو بعد – ينبغي أن ينظر إليها جميعاً، الواجبات والمستحبات – باعتبارها تظهيراً فريداً لمفاهيم الثقافة الإسلامية التي عقد المسلم القلب عليها حين اعتقد بالأصول بالدليل والبرهان.
لابد للمنتمي إلى خط فكري أن يتواصل على الدوام مع الفكر الذي انتمى إليه، وليست هذه الأعمال المبثوثة في كل مفاصل الزمن إلا تجسيد رعاية منهج التوحيد للقلب الذي استضاء بنوره، حتى لا يخبو هذا النور لفرط ما يواجه من رياح الظلام والأعاصير.
كما يلتزم القانون اعتماداً على المختص، يجب التعامل مع الثابت من المستحبات والمكروهات اعتماداً على من أظهرهم الله تعالى على الحقائق والأسرار. ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾[5].
ولتثبيت حقيقة أن التعامل مع القانون الإلهي ومنه المستحبات والمكروهات، هو من سياق التزام القانون ثقة بالمختص، نجد في روايات المستحبات عموماً وروايات رجب بالخصوص التأكيد مكرراً على أن هذا الثواب الكثير وهذه النتائج المرجوة رهن اليقين. فهل نُقبل على موسم الأشهر الثلاثة ودورتها الأم، بملء اليقين؟
في بيان خطورة نقص اليقين، يقول الإمام الخميني قدس سره: "إن مصدر جميع الخطايا والمعاصي التي تصدر من الإنسان، هو النقص في اليقين والإيمان، وإن مراتب اليقين والإيمان مختلفة على مستوى لا يمكن عدها وبيانها. وإن اليقين الكامل والاطمئنان التام الذي يحظى به الأنبياء، والحاصل من المشاهدة الحضورية هو الذي يعصمهم من الآثام".
رزقنا لاله تعالى اليقين وأن نقرن القول بالعمل.
* سماحة الشيخ حسين كوراني
[1] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 94 - ص 38
[2] الخصال - الشيخ الصدوق - ص 487.
[3] إقبال الأعمال - السيد ابن طاووس - ج 3 ص 288.
[4] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 94 ص 39.
[5] سورة الملك / 14.