
Super User
الدعاء مفاتيح الفلاح
عن أمير المؤمنين (عليه السلام):"الدُّعَاءُ مَفَاتِيحُ النَّجَاحِ ومَقَالِيدُ الْفَلَاحِ, وخَيْرُ الدُّعَاءِ مَا صَدَرَ عَنْ صَدْرٍ نَقِيٍّ, وقَلْبٍ تَقِيٍّ وفِي الْمُنَاجَاةِ سَبَبُ النَّجَاةِ وبِالإِخْلَاصِ يَكُونُ الْخَلَاصُ, فَإِذَا اشْتَدَّ الْفَزَعُ فَإِلَى اللَّه الْمَفْزَعُ".
من سعةِ رحمةِ اللهِ عزّ وجلّ بعبادهِ أن فتحَ لهم أبوابَ مناجاتِهِ، فلم يجعلْ بينه وبينهم حجاباً، يسمعُ أصواتَهم ويحثُّهم على التُّوجه بطلبِ ما يحتاجونه إليه، بل إنّ اللهَ عزّ وجلّ يجعلُ عنايتَهُ على عبدٍ يخلو في جوفِ الليلِ المظلمِ منقطعاً عن هذه الدنيا متوجهاً إلى اللهِ عزّ وجلّ بذكرهِ ومناجاتِه، ففي الروايةِ عن رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله):"إنّ اللهَ جلّ جلالُهُ أوحى إلى الدنيا: أتعبي مَن خدمَكِ واخدُمِي مَن رفضَك، وإنّ العبدَ إذا تخلّى بسيّدِه في جوفِ الليلِ المظلمِ وناجاهُ أثبتَ اللهُ النّورَ في قلبِه، فإذا قال: يا رب! ناداهُ الجليلُ جلّ جلالُه لبّيكَ عبدِي سَلْنِي أُعطِكَ، وتوكّل عليَّ أَكفِكَ. ثمّ يقولُ جلّ جلالُه للملائِكةِ: ملائكتِي! انظروا إلى عبدي قد تَخَلّى بي في جوفِ الليلِ المظلمِ، والبَطَّالُونَ لاهونَ، والغافلونَ ينامونَ، اشهدوا أَنّي قد غَفَرتُ لهُ".
وكَمَا وردَ الحثُّ على المناجاةِ وردتْ عن أئمّةِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) العديدَ من المناجاةِ التي فيها دلالةٌ وإرشادٌ إلى أدبِ الحديثِ بين العبدِ وربِّه، ففي الصحيفةِ السجّاديّةِ للإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام) خمسةَ عشرةَ مناجاةً ترشدُ الإنسانَ إلى وسائلِ الرقيِّ المعنويِّ في علاقتِه بربِّه مبيّنةً بأسمائِها خمسةَ عشرةَ حالةً من حالاتِ العبادِ والمتمثّلة بالتائبينَ، الشاكينَ، الخائفينَ، الراجينَ، الراغبينَ، الشاكرينَ، المطيعينَ، المريدينَ، المحبّينَ، المتوسلينَ، المفتقرينَ، العارفينَ، الذاكرينَ، المعتصمينَ، الزاهدينَ.
وعلى الإنسانِ أن يستغنمَ الفرصةَ في أشهرٍ خصَّها اللهُ بالفضلِ ومنها شهرُ رجب فيزيدُ من ساعاتِ مناجاتِهِ بربِّهِ وتوجّهه إليه، ويبيّن الإمامُ الخامنئي (حفظه المولى) أهميةَ الاستفادةِ من شهرِ رجب من جهتين:
1ـ شهرُ رجب موسمُ دعاءٍ ومناجاةٍ: يقولُ الإمام الخامنئي:"شهرُ رجب عيدُ أولياءِ اللهِ، وهو شهرٌ كريمٌ ومباركٌ، ويُعدُّ هو وشهرُ شعبان وشهرُ رمضان عيداً لأولياءِ اللهِ وعبادِهِ الصالحينَ؛ لأنّها موسمُ المناجاةِ والتضرُّعِ والتوجُّهِ إلى ربِّ الأربابِ. فالإنسانُ، في أيّةِ برهةٍ زمنيةٍ وفي أيِّ شأنٍ من شؤونِهِ الاجتماعيّةِ، بحاجةٍ إلى الارتباطِ باللهِ والدعاءِ والتوجّهِ والتضرّعِ. وهذه حاجةٌ أساسيةٌ إذ إنّه بدونِ الارتباطِ باللهِ يبقى خاوياً لا جوهرَ لهُ ولا مضمون".
2ـ شهرُ رجب نعمةٌ يجبُ أن نشكرَ اللهَ عزّ وجلّ عليها: يقولُ (حفظه المولى): "شهرُ رجب فرصةٌ للتقرُّبِ إلى القيمِ الإلهيةِ والتقرُّبِ إلى الذاتِ الإلهيةِ المقدّسةِ وفرصةٌ لبناءِ الذاتِ".
هذه الأيامُ التي ذُكِرَتْ في رواياتِنا وأحاديثِنا على أنّها أيامٌ مميزةٌ، هي كلّها فرصٌ، وكلُّ فرصةٍ نعمةٌ، وكلُّ نعمةٍ بحاجةٍ إلى شكرٍ وثناءٍ. والشكرُ والثناءُ على النعمةِ يتحقّقانِ بمعرفةِ تلكَ النعمةِ والتصرّفِ بمقتضى تلك النعمةِ والاستفادةِ منها ومعرفةِ أنها من اللهِ عزَّ وجلَّ، واستخدامِها في سبيلِ اللهِ، وشهرُ رجب من جملةِ هذه النعمِ. ومن بعدِه شهرُ شعبان، وهو بدورهِ نعمةٌ أخرى، وهذان الشهران من وجهةِ نظرِ أهلِ الكمالِ والتوحيدِ والمعنى، مقدمةٌ لشهرِ رمضان، وشهرُ رمضان شهرُ العروجِ والتعالي والمعراجِ، وشهرُ التزكيةِ والنقاوةِ، و كلُّنا بحاجةٍ لهذه الأحوال. قدّروا شهرَ رجب واعرفوا قيمتَه، وزيدوا فيه ما استطعتَم من توسُّلِكُم بخالِقِ العالمِ، واذكروا اللهَ، واعملوا الأعمالَ تقرّباً إليهِ. هذه الجهودُ التي تَبذلونَها والمساعي التي تُكابدونَها اجعلوها في سبيلِ اللهِ وقربةً إليه.
السباق إلى المواجهة مع الكيان الإسرائيلي
إن ميلنا الضروري إلى عدم اعتماد تصريحات العدو ووسائل إعلامه، لا يجعلنا نهمل هذه الجوانب من الأحداث والتصريحات التي تثبت بطريقة أو بأخرى وقوف كيان العدو في كل ركن لاستثمار التوتر الكبير بين فتح وحماس وافتعاله حيناً وتأجيجه حيناً آخر.
قد يبدو في العنوان بعض التفاؤل والإيجابية، ولكن الأمر ليس كذلك. وكأن السؤال ليس مَن مِن الفلسطينيين يجب أن يضرب الكيان الإسرائيلي أولاً، وإنما مَن هو الهدف الأول للعدوان الأميركي-الصهيوني. وفي مطلق الأحوال لا مفرّ من التصعيد في الأشهر المقبلة ولا مناصَ من أن هذا التصعيد أصبح شأناً من شؤون وجود المقاومة وبقاء فلسطين، وهو محكوم بالإيجاب قطعاً مهما كانت النتائج قياساً إلى تصفية القضية.
لاتبدو تصريحات محمود عباس هذا المساء في حق حركة حماس على خلفية محاولة تفجير موكب رئيس حكومة التوافق الحمدالله مجرّد ردّ فعل أهوج رغم التوتّر الحاد الذي ظهر في نبرته وفي مضمون تصريحاته، بل اقتناص لفرصة ذهبية للنفاذ إلى ما وراء المصالحة بصرف النظر عن المصالحة ذاتها. وبالمقابل، لاتبدو التصريحات المُضادّة التي وردت في بيان حركة حماس قبل حين خالية من رؤية مُسبقة على خلفية ضرورة وقف صفقة القرن بصرف النظر عن المصالحة. وبالتالي فإننا أميل إلى ترجيح احتمال تسابق كليهما أي فتح وحماس، في ظلّ الاستحالة العملية للمصالحة بعرقلة إقليمية ودولية صهيونية، تسابق كليهما نحو استخدام أقصى ما يستطيعه الآخر من أجل الاشتباك مع العدو الصهيوني والأطراف الساعية لإجبار الفلسطينيين غصباً على القبول بصفقة القرن. هو سباق نحو الدفع إلى الاشتباك فرضته الضرورة وانسداد الأفق فلسطينياً وإقليمياً ودولياً وليس استراتيجية نابعة من إرادة سياسية واضحة.
أما إذا أردنا أن نذهب إلى ما وراء حماس من جهة وما وراء فتح من جهة أخرى ، فسنجد تسابقاً آخر على طرفي النقيض بين مَن يدفع مع حماس لمواجهة صفقة القرن مقاومياً ومَن يقف مع عباس لتلطيف صفقة القرن والذهاب بها إلى تسوية مع العدو الصهيوني. هذا ولا يبدو لنا من الصواب اتّهام أحدهما بالقبول بهذه الصفقة. إذ يتمثّل الفارق بينهما في مدى ابتلاع الطُعم، طُعم الحلول المرحلية مع كيان العدو، وهو أمر دابت عليه فتح خاصة بعد أوسلو وانتقل إلىِ حماس بعد سنوات السلطة على غزّة وبعد وثيقتها الأخيرة التي تعترف مرحلياً بحدود 1967.
في الواقع، تُدرك فتح كما تُدرك حماس أنه لن يبقى أحد للقدس إذا لم يتقدمّ الفلسطينيون للمواجهة. ويُدرك كلٌ منهما أن الساعة اقتربت: مسيرات العودة الكبرى ثم ذكرى النكبة (العودة) وتاريخ احتلال سنة 1948 وإعلان الصهاينة كيانهم وهو التاريخ الذي سيتطابق مع الضغط الأميركي بإجراءات نقل سفارته إلى القدس المحتلة.
قبل يوم كان وزير الحرب الصهيوني ليبرمان يقول على القناة الثانية العبرية إن محمود عباس يدفع نحو تفجير الوضع مع حماس وجرّ جيش الاحتلال إلى هذه المواجهة، بعد ذلك تمّ ضبط موظّف قنصلي فرنسي بصدَد تهريب أسلحة إلى الضفة الغربية، هذا من دون اعتبار التقديرات الصهيونية اليومية بحتميّة تصاعُد العمليات ضد الكيان وتحميل الصهاينة حماس كل شيء، ورغم تأكيد جيش الاحتلال من ناحية وحماس من ناحية ثانية عدم رغبتهما في التصعيد، رغم أن الإعلام الصهيوني يقول إن المخابرات المصرية سرّبت استعداد حماس لقصف الكيان بالصواريخ لمدة 6 أشهر متتالية.
إن ميلنا الضروري إلى عدم اعتماد تصريحات العدو ووسائل إعلامه، لا يجعلنا نهمل هذه الجوانب من الأحداث والتصريحات التي تثبت بطريقة أو بأخرى وقوف كيان العدو في كل ركن لاستثمار التوتر الكبير بين فتح وحماس وافتعاله حيناً وتأجيجه حيناً آخر.
ثم إن آخر التصريحات القادمة من واشنطن عن اجتماع بن سلمان وترامب واتهامهما المستمر لإيران، وأكثر من ذلك ولأول مرة، حشر روسيا أكثر فأكثر في الملف السوري والملف اليمني بالذات، يشي بأن أمراً ما يُحضّر لغزّة أيضاً.
صلاح الداودي كاتب وأستاذ جامعي تونسي، منسق شبكة باب المغاربة للدراسات الإستراتيجية.
تكتّل غربي ضدّ روسيا: طرد عشرات الدبلوماسيين وموسكو تتعهد الرد بالمثل
البيت الأبيض يؤكّد أن واشنطن لن تغلق أيّاً من الأبواب بشأن فرض عقوباتٍ على شخص الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين، في وقت تدرس فيه موسكو خيار الرد بالمثل على الإجراءات الأميركية الأوروبية بطرد عشرات الدبلوماسيين الروس في إطار ما سمته هذه الدول خطوة تضامنية مع لندن.
أعلنت الولايات المتحدة ودول في الاتحاد الأوروبي الإثنين طردها لعشرات الدبلوماسيين الروس من أراضيها في قرار متزامن يأتي ضمن إطار "التضامن مع لندن" في قضية محاولة اغتيال الجاسوس الروسي السابق "سكريبال" باستخدام مواد كيميائية.
وتحمّل بريطانيا موسكو المسؤولية عن محاولة الاغتيال.
وتعقيباً على هذه الخطوة، أعلنت الخارجية الروسية عزمها "الرد بالمثل خلال أيام على الدول الغربية التي طردت الدبلوماسيين الروس"، واعتبرت أن "طرد الدبلوماسيين الروس خطوة غير ودودة سيتم الرد عليها".
في وقت عاد البيت الأبيض ليعلن استعداد واشنطن للعمل مع روسيا في مجال مكافحة الإرهاب بصرف النظر عن طرد الدبلوماسيّين الروس.
ورداً على سؤال عن إمكانية فرض عقوبات على شخص الرئيس الروسي بوتين، قال نائب المتحدث باسم البيت الأبيض "لن نغلق أياً من الأبواب بشأن فرض عقوباتٍ على شخص الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين".
وقال متحدث باسم الكرملين إنّ الرد الروسي سيكون متكافئاً وأنّ القرار النهائي سيتخذه الرئيس فلاديمير بوتين، مؤكداً أنّ موسكو لا علاقة لها بقضية سكريبال، ومن الضروري تحليل الوضع حول القرارات المتعلقة بطرد الدبلوماسيين الروس.
وقال مجلس الاتحاد الروسي إنه يجب على موسكو أن ترد بالمثل على قرارات دول الاتحاد الأوروبي طرد دبلوماسيين روس.
ونقلت وكالة إنترفاكس للأنباء عن نائب رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي فلاديمير دجاباروف، قوله إن موسكو ستطرد 60 على الأقل من أفراد البعثة الدبلوماسية الأميركية رداً على قرار واشنطن طرد دبلوماسيين روس.
بوتين وأمير قطر يبحثان التعاون بمجالات الدفاع والطاقة والاقتصاد
بحث الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مساء الإثنين، مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، سبل توطيد علاقات التعاون الثنائي بين البلدين.
جاء ذلك خلال الاجتماع الذي عقده الزعيمان، بقصر الكرملين، لبحث العلاقات الثنائية في مجالات الدفاع والطاقة والاقتصاد والاستثمار وملفات إقليمية في إطار الأزمة السورية، حسب بيانين منفصلين للكرملين، ووكالة الأنباء القطرية الرسمية (قنا).
وأشار بوتين خلال اللقاء، إلى دخول العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وقطر، عامها الثلاثين، وأعرب عن ارتياحه حيال التعاون التجاري المتصاعد بين البلدين.
من جانبه، لفت، أمير قطر خلال اللقاء إلى أن روسيا تتمتع بدور هام في العالم العربي.
ومضى قائلًا: "أود أن أوكد أن روسيا تلعب دورًا هامًا في حل المشكلات التي تشهدها بعض دول المنطقة".
وناقش الطرفان خلال اللقاء سبل تعزيز التعاون في مجال تنظيم بطولة كأس العالم، وتبادل الخبرات، لا سيما التي ستستضيفها روسيا 2018 وقطر 2022.
وتستضيف روسيا في يونيو/حزيران القادم مونديال 2018، فيما تستضيف قطر البطولة التي تليها عام 2022.
وعقب اللقاء، جرى توقيع اتفاقية تعاون في مجال العلوم والتربية بين شركة النفط الروسية "روس نفط"، و"مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع".
وعقب المباحثات أشار أمير قطر على حسابه بموقع "تويتر"، إلى أنه أجرى محادثات مع بوتين "ناجحة ومعمقة تناولت العلاقات الثنائية وتحديات إقليمية ودولية"، وقال إن هذه المحادثات "ستمنح علاقات بلدينا دفعة جديدة".
وخلال مأدبة عشاء أعقبت الاجتماع، ناقش أمير قطر والرئيس الروسي نتائج عمل اللجنة القطرية الروسية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والفني وآفاق تعزيزها، إضافة إلى بحث سبل تطوير التعاون العسكري بين البلدين.
وغادر أمير قطر، موسكو، مساء اليوم، مختتمًا زيارة عمل، استمرت يومين.
صراع الإرادات!!
ما يحاول الأميركيون والأتراك فعله اليوم في سوريا هو استكمال للمخطط الفاشل الذي بدأه الإرهابيون في مناطق عدّة في البلاد. وإذا كانوا لم يتعلموا ولم يوقنوا إلى حدّ اليوم، أن السوريين سيدافعون عن كرامة بلدهم، وعن قرارهم المستقل ضد أي قوة طاغية تحاول مصادرته. إذا لم يتيقنوا من ذلك إلى حدّ الآن، فسوف يدفعون ثمن غفلتهم مستقبلاً، وسوف يعلمون أي منقلب سينقلبون.
بعد الضجة التي أثاروها حول الغوطة الشرقية، والتي فشلت فشلاً ذريعاً، ستعود غوطة دمشق لتصدّر إلى العالم مربى المشمش، والقمر الدين، والموبيليا الجميلة، وسيبني أهل الغوطة بلداتهم، وستستمر الحياة في دمشق لعشرة آلاف عام قادمة لأنها مهد الإنسانية والحضارة والديانات، ولأنّ أهلها لا يعرفون بما يدين صديقهم حتى يقرأوا النعوة ليعرفوا إن كانت التعازي ستقام في كنيسة أو جامع. هذا الإيمان بالله والوطن، وحقّ الآخر هو سرّ استمرار سوريا، وهو سرّ عصيانها على كلّ المؤامرات والمخططات، والحروب مهما عظُمت ومهما كلفت.
لكنّ الآخرين لا يقرأون التاريخ، ولا يتعلمون دروسه فما إن بدأت الغوطة تعود إلى أهلها حتى بدأتَ تسمع أسئلة وماذا عن عفرين، وإعزاز، وجرابلس، وشرق الفرات، والتنف؟ والجواب: كلها مصيرها واحد، وهو أن تتحرر من رجز الإرهاب والمحتلين، وأن تعود إلى أهلها الحقيقيين، وأن يهنأ بالها تحت علم واحد يرفرف في كلّ مكان على الأرض السورية. ويبقى السؤال لماذا كلّ هذه الحرب الهمجية على هذا البلد الصغير الآمن المسالم؟ ولماذا تتكاتف كلّ هذه القوى الإقليمية، والدولية، وتهدر كل هذه المليارات من الدولارات، وتزهق مئات الآلاف من الأرواح البريئة؟ لا شك في أن المخطط فشل، وأنهم سوف يغادرون هذه التربة المقدسة عاجلاً أو آجلاً. ولكنّ السؤال يبقى لماذا؟ لماذا كلّ هذا الاستهداف الوحشي الذي لم يأبه بحياة الأطفال والنساء والرجال؟ ولم يقم وزناً لإنسانية الإنسان، ولا لقدسية المدن، والقرى المطمئنة الآمنة فحولّها إلى ساحة حرب من طرف واحد تتلقى قذائف الإرهابيين وجرائمهم ومن يقف وراءهم. علّ الجواب على هذا السؤال يكمن في استنباط ما تنضح به الساحة العالمية اليوم من استعباد واستصغار لبعض الدول، وشنّ الهجمات العسكرية والدبلوماسية ضد دول أخرى. وذلك في محاولة لتكون الدول كلها جميعاً مؤتمرة بامرة أبناء الكابوي، وكي تصبح مصادر الثروات في الشرق، والغرب لهم فقط يتحكمون بها كما يشاؤون. فيما يعاني أهلها وأصحابها من فقر، وجوع، وإهمال. وعلّ منظر الرئيس ترامب وهو يملي على محمد بن سلمان كم عليه أن يدفع من دون ايّ ذرة احترام لموقعه كرئيس أو لضيفه أو للبلد الذي يمثله أو لشعبه ،كان منظراً بائساً بكلّ المعايير مُنح بعده بن سلمان مكافأة بمقابلة على برنامج ل 60 دقيقة ترويجاً له لتنصيبه ملكاً على السعودية ربما في القريب العاجل كي يفي بالعهدة الترامبية، ويرسل كلّ ما يريدونه من مال من دون جزاء أو شكور. هذا هو النوع المطلوب من الدول بالنسبة للولايات المتحدة، والهيمنة الاستعمارية الغربية: يريدون دولاً ذليلة، وقادة أذلاء لينهبوا الثروات، ويعبّروا عن احتقارهم لمالكي الثروات، وحقهم المشروع في نهبها.
لذلك نراهم يناصبون العداء لكلّ صاحب قرار مستقلّ، ولكل قائد أو زعيم حريص على بلده وشعبه، وغير مهادن للخصوم على قراره المستقل وسيادة بلاده، وكلّ ما يدعم، ويؤكد هذه السيادة. ومن هذا المنطلق بالذات هم يناصبون العداء اليوم لروسيا، والصين، وإيران بأشكال مختلفة، ولا يوفرون أي فرصة يستخدمون من خلالها العقوبات، والتشهير في محاولات مستمرة للانقضاض على سيادة هذه الدول وقرارها المستقل. ولذلك وبالرغم من عقد اتفاق نووي مع إيران، فإن الولايات المتحدة لا تبرح تختلق الأزمة تلو الأخرى مع إيران في محاولة للتنصل من هذا الاتفاق ولإكراه إيران على القبول بمفاهيمهم، وأساليبهم. ومن هذا المنطلق بالذات يمكن فهم الحملة التي شنتها المملكة المتحدة البريطانية ضد روسيا بذريعة تسميم العميل المزدوج، ودأبت بريطانيا بعد ذلك على استخدام دول لا تملك قرارها المستقل كي تحذو حذوها في ممارسة إجراءات غير لائقة ضد روسيا. كلّ هذا وذاك لأنّ الرئيس بوتين أثبت أنه رئيس وطني يعمل على إعادة هيبة، ومكانة بلده بعد كلّ التواطؤ الذي تعرّض له هذا البلد، ومحاولات الإذلال والإضعاف. ومن هذا المنطلق بالذات بدأوا بإجراءتهم الاقتصادية العقابية ضد الصين. لكنّ القادة الغربيين غافلون عن مسيرة التاريخ اليوم ففيما يحررّ الجيش السوريّ وحلفاؤه غوطة دمشق، يدفعون بقواتٍ إضافية لهم لدعم قاعدة الاحتلال التي أنشأوها في حقل العمر في شمال-شرق سوريا، كما قام وفد من وزارة الخارجية الأميركية بزيارة الإدارة المدنية في منبج، وريفها لمناقشة الوضع بشكل عام.
ما يحاول الأميركيون والأتراك فعله اليوم في سوريا هو استكمال للمخطط الفاشل الذي بدأه الإرهابيون في مناطق عدّة في البلاد. وإذا كانوا لم يتعلموا ولم يوقنوا إلى حدّ اليوم، أن السوريين سيدافعون عن كرامة بلدهم، وعن قرارهم المستقل ضد أي قوة طاغية تحاول مصادرته. إذا لم يتيقنوا من ذلك إلى حدّ الآن، فسوف يدفعون ثمن غفلتهم مستقبلاً، وسوف يعلمون أي منقلب سينقلبون.
هدف الحرب على سوريا منذ عام 2011 ومنذ عقود أيضاً بأشكال مختلفة، هو مصادرة قرارها المستقل، وكذلك هو هدف كل الإجراءات الغربية ضد روسيا، والصين، وإيران، وحزب الله. لكنّ الواقع يدحض أوهامهم ودعاياتهم، ويثبت أننا نحن الباقون، والمنتصرون، وأنهم هم المندحرون عن أرضنا وبلادنا. ما يشهده العالم اليوم انطلاقاً من أرض سوريا ووصولاً إلى روسيا، والصين، وإيران هو صراع إرادات بين مستعمر يحاول الإبقاء على هيمنته وسيطرته على ثروات الغير، وبين إرادات دول وشعوب رفضت الهيمنة وقررّت الدفاع بكلّ ما تملك لصيانة قرارها المستقل، ووضع مستقبل شعوبها وفق إرادة هذه الشعوب. والسائرون بركب الغرب، والتابعون له سوف يكتشفون قريباً أن مركبهم آخذ في الغرق، وأن الفرق شاسع بين مسرحة الأحداث على الشاشات، وبين الواقع الصلب الذي يفرض ذاته ومجرياته، والذي سوف يشكّل مستقبل البشرية هو وحده .
بثينة شعبان مفكرة عربية
مصر.. إغلاق مراكز الاقتراع في اليوم الأول بانتخابات الرئاسة
أغلقت مراكز الاقتراع بانتخابات الرئاسة المصرية، مساء الإثنين، أبوابها، في نهاية اليوم الأول من التصويت بالداخل، وفق التلفزيون الحكومي.
ويتنافس على منصب الرئيس مرشحان، الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي يسعى إلى فترة ثانية من 4 سنوات، ورئيس حزب الغد (ليبرالي) موسى مصطفى موسى، الذي أعلن سابقًا تأييده للأول، بينما يغيب عن المنافسة سياسيون بارزون لأسباب متعلقة بالمشهد السياسي والقانوني في البلاد.
وتحدثت الحكومة و"الهيئة الوطنية للانتخابات" (مستقلة)، عن "إقبال كثيف" في اليوم الأول، في مقابل "تشكيك" من معارضين.
وتبدأ عملية الاقتراع، من التاسعة صباحا (7:00 تغ) إلى التاسعة مساء (19:00 ت.غ)، لمدة 3 أيام، وتتم تحت إشراف قضائي كامل، وفق الهيئة.
وقال المتحدث باسم "هيئة الانتخابات" محمود الشريف، خلال مؤتمر صحفي عقب إغلاق التصويت، إن الشواهد تقول إن الشعب المصري "لم يستجب لدعوات المقاطعة".
وتحفظ الشريف، على ذكر نسبة المشاركة في اليوم الأول. مشيرًا إلى أن "التشكيك في العملية الانتخابية بدأ منذ انطلاقها".
كما أشار إلى وفاة مواطن عقب إدلائه بصوته داخل إحدى مراكز الاقتراع بمحافظة سوهاج (جنوب)، من دون تحديد سبب الوفاة.
وسبق أن قال الشريف، خلال مؤتمر صحفي عصر اليوم، إن 5 محافظات، من أصل 27، شهدت تصويتاً "كثيفًا"، خلال اليوم الأول.
وأشار إلى أن المحافظات هي القاهرة، والجيزة، إلى جانب الإسكندرية والقليوبية (شمال)، وشمال سيناء (شمال شرق).
وأكد أشرف سلطان، المتحدث باسم مجلس الوزراء، في تصريحات متلفزة، مساء اليوم، عدم وجود مشكلات أو معوقات في مراكز الاقتراع.
وأشار سلطان إلى أن "هناك نسبة إقبال كبيرة على التصويت في اليوم الأول للانتخابات الرئاسية، واحتفال خارج اللجان".
ووفق لقطات بثتها فضائيات محلية، بدأ توافد الناخبين على مراكز الاقتراع، التي تشهد تأمينات شرطية وعسكرية بشكل واسع.
وفي المقابل، شكك معارضون، عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام مناهضة في نسب المشاركة وسط سخرية من مشاهد "رقص" أمام مراكز الاقتراع.
ومن بين المشككين جماعة "الإخوان المسلمين"، التي تعتبرها السلطات "إرهابية"، إلى جانب "حركة 6 أبريل" المعارضة، حيث اعتبرتا أن مراكز الاقتراع بدت "خاوية"، خلال اليوم الأول.
ويبلغ عدد مراكز الاقتراع 13 ألفًا و687، تحت إشراف 18 ألفًا و678 قاضيًا، بمعاونة 103 آلاف موظف.
وستجرى عملية فرز الأصوات في اليوم الثالث والأخير للانتخابات، التي يحق فيها لنحو 59 مليون مواطن داخل البلاد، التصويت بجميع محافظات البلاد.
يشار أن تصويت الناخبين في الخارج جرى في الفترة بين 16 و18 مارس/آذار الجاري، وسط حديث رسمي عن "إقبال جيد"، دون الإعلان عن نسبة المشاركة، على أن تُعلن بعد عمليات الفرز بالداخل.
ومن المقرر أن تعلن الهيئة الوطنية للرئاسيات النتيجة النهائية للانتخابات في 2 أبريل/نيسان المقبل.
ومن المتوقع الإعلان رسمياً عن النتائج أول مايو/أيار المقبل، مع ترجيح كفة فوز السيسي بولاية ثانية بسهولة، واستبعاد إجراء جولة إعادة.
يوم تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران (1/ نيسان/ 1979م = 12/ فروردين/ 1358 هـ. ش)
في هذا اليوم من عام 1979م، صوّت الشعب الإيراني بأغلبية 98.2% لصالح الجمهورية الإسلامية في أحد أكثر الانتخابات نزاهة وحرية وديمقراطية في تاريخ إيران، وعلى أثر هذا تمّ إقرار الدستور بنفس الطريقة، كما جرى انتخاب نواب مجلس الشورى الإسلامي، وقد جاء هذا الحدث بعد سلسلة من الأحداث التاريخية التي جرت في نفس العام بدأت في (8/شباط/1979م) عندما بايع أفراد القوة الجوية الإمام الخميني(قدس سره) في مكان إقامته (المدرسة العلوية في طهران)، وصار جيش الشاه على أبواب السقوط الكامل. إضافة إلى ذلك قام الكثير من جنود وضباط الجيش المؤمنين استناداً لفتوى الإمام الخميني(قدس سره) بترك معسكراتهم والالتحاق بصفوف الشعب الأبيّ.
وفي يوم (20 بهمن = 9 شباط) انتفض أفراد القوة الجوية في أهم قاعدة جوية في طهران، فتوجهت قوات حرس الشاه المخلوع لقمعهم، فنزل الشعب إلى الميدان لحماية هذه القوات الثورية.
وفي (21 بهمن = 10 شباط) سقطت مراكز الشرطة والمراكز الحكومية بيد الشعب، وبهذا النحو تحطمت آخر مقاومة لنظام الشاه، وفي صباح (22 بهمن = 11 شباط) طلعت شمس انتصار ثورة الإمام الخميني(قدس سره) الإسلامية، ونهاية عهد سلطة الملوك الظالمة الجائرة في إيران.
ويعتبر ذلك الحدث من أهم التحولات التي شهدتها الساحة الإيرانية، بعد انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني(قدس سره) ، الذي أعطى نموذجاً رائعاً للقيادة، عندما منح الشعب الفرصة ليبدي رأيه بحرية في نوع النظام الذي يختاره، مع أن الشعب قد أعطى رأيه للجمهورية الإسلامية في مسيرة عاشوراء وتاسوعاء كما نصّ عليه الإمام (قدس سره) وإنما عمد الإمام للاستفتاء من قبل الشعب كتباً كي يبقى سنداً وحجة على الشعب وعلى الآخرين، وهذا يكشف عن الفكر الديمقراطي الحقيقي.
وتأتي أهمية هذا الحدث، من خلال إجراء هذا الاستفتاء النزيه ولم يكن قد مضى على انتصار الثورة إلا حوالي شهرين، في حين تمر الثورات الأخرى بفترات نقاهة اجتماعية قد تصل إلى عشرات من السنين دون أن تجد في نفسها القدرة على استفتاء شعوبها، لكي تختار الطريق الأسلم، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على توق الشعب الإيراني إلى إقامة نظام إسلامي على أرضه يعطي للأمة دورها الحقيقي في البناء والتطوير، مما شكل ضربةً قوية في وجه القوى الاستكبارية.
وقد كان الشعب الإيراني حاسماً في اختياره حيث قطع الطريق على كل الطروحات التوفيقية الأخرى، ومن الطريف أن بعض العناصر الليبرالية توسل إلى الإمام (قدس سره) كي يضيف كلمة (الديمقراطية) مثلاً ليصار التصويت على (الجمهورية الديمقراطية الإسلامية) إلا أن الإمام رفضها بحسم قائلاً بكل حزم: «الجمهورية الإسلامية الإيرانية.. لا كلمة تزيد ولا تنقص..»، وقد سار الشعب الإيراني المسلم كله خلف خيار (الجمهورية الإسلامية) الذي تبناه الإمام الراحل(قدس سره).
معالم الحكومة الإسلامية:
أثبتت الأيام صحة وصواب الخيار الشعبي على الإسلام الحقيقي كنظام يقود البلاد، إذ تحولت الجمهورية الإسلامية إلى قلعة من قلاع الإسلام الحر والأصيل، تقف في وجه كل المؤامرات الاستكبارية، وتدعم كل القوى الخيرة التي تتوق للعدالة والحرية والاستقلال.
وما ذلك كله إلا بفضل الفهم العميق للإمام الراحل(قدس سره) لمعالم الحكومة في تعاليم الإسلام المحمدي الأصيل الذي وضع الدستور للجمهورية الإسلامية على أساس تلك المعالم.
ولاية الفقيه أو الحكومة الإسلامية:
وضّح الإمام الراحل(قدس سره) في كتابه (الحكومة الإسلامية)، نظرة الإسلام المحمدي الأصيل بالنسبة إلى الحكم، وهذا الكتاب عبارة عن مجموعة محاضرات ألقاها الإمام (قدس سره) في الفترة ما بين 13 ذي القعدة إلى 2 ذي الحجة سنة 1389هـ، أيام إقامته في النجف الأشرف، ووزعت في تلك الأيام بأشكال مختلفة، كمجموعة كاملة أو على نحو دروس منفصلة. وفي خريف سنة 1970م طبعت من قبل أنصار الإمام في بيروت بعد مراجعتها من قبله وإعدادها للطبع، ومن ثم أرسلت إلى إيران بشكل سري كما أرسلت إلى عدد من المناطق الأخرى.
وكان كتاب الإمام (قدس سره) كسائر آثاره على رأس لائحة الكتب الممنوعة في نظام الشاه، ومع ذلك انتشر بطريقة مذهلة.
وميزة هذا الكتاب أنه (قدس سره) تطرّق إلى مسألة الولاية بكثير من الاهتمام والتركيز وخصوصاً في مجال الحكومة وجوانبها السياسية، حيث يشير كذلك إلى مخططات الأعداء التي تنفذ من أجل القضاء على الإسلام. ويرد على الشبهات المثارة حول عدم قدرة الإسلام على إدارة المجتمع والدولة في العصر الحديث، وذلك بأسلوب استدلالي علمي معمق.
كما عرّف الإمام (قدس سره) بشكل دقيق معالم الحكومة الإسلامية الحقيقية، ومواضع الافتراق بينها وبين سائر أشكال الحكم.
وقام (قدس سره) بإثبات ولاية الفقيه بمعنى التصدي للحكومة من خلال الإتيان بالروايات والاستدلال بها.
وعرض (قدس سره) رؤاه حول تطوير الحوزات وإصلاحها والنهوض بالتعليم والتوجيه وإزالة آثار الاستعمار كلها.
وقد وفّق الإمام الراحل(قدس سره) للتطبيق العملي لنظريته حول ولاية الفقيه والحكومة الإسلامية من خلال قيامه بالثورة الإسلامية وتولّيه قيادة المجتمع والدولة في إيران الإسلام بعد انتصار الثورة، حيث أثبت كفاءة نادرة في هذا المجال وقدرةً بارعةً في الإدارة، وفق تعاليم الإسلام المحمدي الأصيل والسير في ضوء الولاية، وقد استمرّ خليفته بالحق الإمام الخامنئي (دام ظله) في هذا الفكر والنهج من خلال قيادته للجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد رحيل الإمام الخميني(قدس سره).
أحاديث في السياسة والحكومة:
1- حسن السياسة (الإدارة):
قال الإمام علي(ع) : «حسن السياسة يستديم الرئاسة»([1]).
وعنه (ع) : «رأس السياسة استعمال الرفق»([2]).
2- العدالة: قال الإمام علي(ع) : «ملاك السياسة العدل»([3]).
وعنه (ع) : «ثبات الدول بإقامة سنن العدل»([4]).
3- حسن التعامل مع الناس (الشعب):
قال الإمام علي(ع) : «من سما إلى الرياسة صبـر على مضض السياسة»([5]).
وعنه (ع) : «من كثر جميله أجمع الناس على تفضيله»([6]).
4- ممارسة الرقابة على حسن أداء الحكومة:
قال الإمام علي(ع) : «من دلائل الدولة قلة الغفلة»([7]).
5- حسن الاختيار:
قال رسول الله(ص): «من استعمل رجلاً من عصابة، وفيهم من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين»([8]).
ولادة الإمام علي بن أبي طالب(ع) ( 13 / رجب / السنة 23 قبل الهجرة)
قال يزيد بن قعنب: كنت جالساً مع العباس بن عبد المطلب وفريق من عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين (ع) وكانت حاملة به لتسعة أشهر، وقد أخذها الطلق، فقالت: «رب إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل، وإنه بنى البيت العتيق، فبحق الذي بنى هذا البيت، وبحق المولود الذي في بطني لما يسرت عليّ ولادتي».
قال يزيد بن قعنب، فرأينا البيت وقد انفتح من ظهره، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا، والتزق الحائط، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أن ذلك أمر من أمر الله عز وجل.
ثم خرجت بعد الرابع، وبيدها أمير المؤمنين (ع)، ثم قالت: ... فلما أردت أن أخرج هتف بي هاتف، يا فاطمة سميه علياً..([1]).
وقد ولد بمكة في البيت الحرام يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، (23 عاماً قبل الهجرة)([2]).
الطفولة وإحضان النبي(ص)
عاش الإمام علي (ع) منذ نعومة أظفاره في كنف محمد رسول الله (ص) حيث نشأ وترعرع في ظل أخلاقه السماوية السامية، ونهل من ينابيع مودته وحنانه، ورباه (ص) وفقاً لما علمه ربه تعالى، ولم يفارقه منذ ذلك التاريخ.
وقد أشار الإمام علي (ع) إلى أبعاد التربية التي حظي بها من لدن أستاذه ومربيه النبي الأكرم (ص) ومداها وعمق أثرها، وذلك في خطبته المعروفة بالقاصعة:
«... وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ الله (ص) بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ وَمَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ وَلاَ خَطْلَةً فِي فِعْلٍ وَلَقَدْ قَرَنَ الله بِهِ (ص) مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ وَمَحَاسِنَ أَخْلاَقِ الْعَالَمِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلاَقِهِ عَلَماً وَيَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ وَلاَ يَرَاهُ غَيْرِي وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الْإِسْلاَمِ غَيْرَ رَسُولِ الله (ص) وَخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ (ص) فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله مَا هَذِهِ الرَّنَّةُ فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَتَرَى مَا أَرَى إِلاَ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ وَلَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وَإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ..»([3]).
قدوم الإمام علي بن أبي طالب (ع) إلى الكوفة واتخاذها مقراً لخلافته (12 / رجب/ السنة 36 هـ)
بعد أن أنهى أمير المؤمنين علي(ع) حرب الجمل، وهدأت الأوضاع في البصرة تحرّك(ع) نحو الكوفة ليتخذها مقرّاً له بعد أن بعث برسالة أوضح لأهل الكوفة فيها تفاصيل الأحداث([1]).
وكان لاختيار الإمام (ع) الكوفة عاصمةً جديدةً للدولة الإسلامية أسباباً عديدة منها:
1- توسّع رقعة العالم الإسلامي، ولابد أن تكون العاصمة الإدارية والسياسية للدولة في موقع يُعين الحكومة في التحرك نحو جميع نقاط العالم، وموقع الكوفة استراتيجي إلى حد كبير بالنسبة إلى هذه الجهة.
2- تقع الكوفة في تماس مع ولاية الشام التي يتحصّن فيها معاوية بن أبي سفيان معلناً التمرّد دون باقي أقطار العالم الإسلامي، فيكون وجود الإمام (ع) في الكوفة ضرورياً لقمع تمرد الشام، وللتهيئة السريعة أمام أي اعتداءٍ محتمل من قبل الشام.
3- إن الثقل الأكبر الذي وقف مع الإمام (ع) في القضاء على فتنة أصحاب الجمل هم كبار شخصيات العراق ووجهاء الكوفة وجماهيرها، فكان (ع) يرى فيهم مادةً صالحة لمجتمع إسلامي سليم وقويّ بإمكانه أن يربيهم لينطلق بهم إلى العالم أجمع.
4- إن الظروف السياسية المتوتّرة والناجمة عن مقتل عثمان، وحرب أصحاب الجمل جعلت الإمام يستقر في الكوفة ليعيد الأمن والاستقرار للمنطقة التي يحكمها، وخاصة العراق ويمنع من حدوث انشقاقات محتملة في المجتمع الإسلامي بشكل عام.
وبمناسبة قدوم أمير المؤمنين (ع) إلى الكوفة نتعرض إلى معطيات حكومته العادلة.
معطيات حكومة الإمام علي(ع)
سيرة الإمام علي(ع) متعدّدة الأبعاد والجوانب، فمن العسير بمكان الإلمام بها جميعاً غير أننا اخترنا جانباً مهماً، وبعداً عميقاً في شخصيته المباركة ألا وهو معطيات حكومته التي أسسها على أنقاض من سبقه، حيث أنّ الاضطرابات السياسية والاقتصادية عصفت بالمسلمين إلى أن ثاروا على ولاتهم، وبعدها اتجه الناس بكلهم نحو الإمام علي(ع) ، يطالبون إستخلافه ويصرّون على مبايعته إلا أنّ علياً(ع) كان يرفض لما أيقن - نتيجة لابتعاد الناس و انفصالهم الكبير عن خط الإسلام الحقيقي الأصيل بأنه من الصعب جداً ممارسته الحكم بعد ذلك الفساد والانحراف الكبيرين اللذين عصفا بالأمة الإسلامية، وقد لا يحتمل الناس وخاصة كبار القوم تعديلاته وإصلاحاته التي يرمي إليها، ولا يطيقون عدالته، ولهذا رفض الخلافة عندما عرضت عليه.
عاش الناس مدة خمسة أيام بعد مقتل عثمان فوضى عارمة، وضياعاً كبيراً كان خلالها الناس يراجعون الإمام أفواجا تلو أفواجاً، والإمام يبعد الخلافة عن نفسه، إذ يرى الظروف غير مناسبة لقبولها، وأنّ الحجة لم تتم عليه بهذا الاقتراح، فقال لهم: «دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول، وإن الآفاق قد أغمت والحجة قد تنكرت، واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإنّ تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً»([2]).
غير أنّ الناس ترابضوا على داره وتكاثروا على مراجعته، وقد وصف(ع) شغف الناس وإقبالهم وإصرارهم عندما طالبوه بالبيعة في مواضع عديدة من النهج منها: «فتداكوا عليّ تداك الإبل الهيم يوم وردها، وقد أرسلها راعيها وخلعت مثانيها حتى ظننت أنهم قاتلي، أو بعضهم قاتل بعض ولدي، وقد قلّبت هذا الأمر بطنه وظهره حتى منعني النوم»([3]).
وقال (ع) : «فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إليّ، ينثالون عليّ من كلّ جانب حتى لقد وطىء الحسنان، وشقّ عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم»([4]).
ولولا أن تمّت الحجة على الإمام علي(ع) لما قبلها، فقد قال (ع) :
«أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز»([5]).
هذا الحكم الذي مارسه علي(ع) على الرغم من قصر عمره إلا أنه كان نموذجاً كاملاً للحكومة الإسلامية التي أشاد صرحها النبي )ص) في المدينة، وعلى الرغم من أنه (ع) لم يصل إلى كافة أهدافه الاصلاحية التي نادى بها، نتيجة المؤامرات الداخلية التي حيكت ضده إلا أنه استطاع بدون شك أن يطرح نموذجاً ناجحاً للحكومة، وفق تعاليم الإسلام ومعاييره.
وفيما يلي لمحة سريعة للخطوط العريضة والمعطيات العامة لسيرته (ع) في الحكم:
1- من خلال أقواله الكثيرة في (نهج البلاغة) يؤكد الإمام علي(ع) أنّ قبوله للخلافة فقط لأجل إجراء العدالة الاجتماعية في المجتمع، ومكافحة الفوارق الطبقية التي تجذّرت في نفوس الناس، نتيجة للحكم السابق، فقد قال (ع) :
«أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا.. ما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها»([6]).
وقال (ع) عندما رد على المسلمين قطائع عثمان: «والله لو وجدته قد تزوّج به النساء وملك به الإماء لرددته، فإنّ في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق»([7]).
2- يرى أمير المؤمنين(ع) أنّ الحكم والمنصب ليس إلا وسيلة يستخدمها الحاكم لخدمة الناس و إحقاق الحق، ودحض الباطل لا أنه غاية لدرّ الأرباح، وقد إلتزم الإمام بهذه الرؤية إلى أبعد الحدود حتى نراه يجتنب عن إعطاء المهام الحساسة كالولاية وبيت المال إلى المتعطّشين للسلطة كطلحة والزبير، ولهذا السبب فقد أجّجوا نائرة الفتن، ورفعوا لواء العصيان ضد الإمام (ع) ، وقال (ع) لما عاتبه البعض على التسوية بين المسلمين: «أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه؟! والله ما أَطُورُ به ما سَمَرَ سمير وما أمّ نجم في السماء نجماً، ولو كان المال لي لسوّيت بينهم، فكيف وإنما المال مال الله»([8]).
وقال (ع): «اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الاصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك»([9]).
3- كانت لأمير المؤمنيين(ع) رؤيا عميقة في زهادة الحاكم وعيشة البساطة والعزوف عن الدنيا ذلك كي لا يؤثر هوى على هداية، وباطلاً على حق، ولا تغرّه الدنيا فيقضم مال الله، ويجعله دولاً ويتخذ من عباد الله خولاً.
لقد كان عزوفه عن الدنيا وزخارفها من أبرز خصائصه الذاتية، وسيرته الحكومية فقد كتب إلى عامله على البصرة عثمان بن حنيف، وقد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها، فقال له:
«ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ثوبين خرقين، ومن طعامه بقرصيه، …. فو الله ما كنزت من دنياكم تبـراً، ولا ادخرت من غنائمها وفراً، ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً - أي ثوباً آخر-، ولا حزت من أرضها شبـراً، ولا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرةٍ، ولهي في عيني أوهى من عفصة مِقرَة … ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القزّ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة، ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع، أوَ أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى، وأكباد حرى، أو أكون كما قال القائل:
وحسبك داء أن تبيت ببطنة |
|
وحولك أكباد تحنُّ إلى القدِّ |
أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش»([10]).
4- لم يكن أمير المؤمنين على منوال الزعماء والرؤساء حيث عندهم الغاية تبرر الوسيلة، إذ لم يتوصل إلى أهدافه الإلهية النبيلة بوسائل غير شرعية، ولهذا لم يقرّ معاوية من اليوم الأول لخلافته على ولاية الشام، على الرغم من أنّ البعض اقترح عليه إقراره إلى حين، ثم عزله في وقت أمكن لعلي عزله إلا أنّ علياً(ع) لم يكن ليداهن الباطل على الحق، ولا يتوسّل به عليه، وقد كتب إلى معاوية بعد ما طلب الأخير إبقاءه على الشام، قال (ع) :
«.. وحاشى لله أن تلي للمسلمين بعدي صدراً أو ورداً، أو أجري لك على أحد منهم عقداً أو عهداً»([11]).
5- كان (ع) يراعي الأصول والضّوابط في تعامله مع أعدائه ومخالفيه، دون أن يصادر حرياتهم، إلا إذا فعلوا ما يستوجب ذلك، ففي الأشهر الأولى من خلافته همّ طلحة والزبير بالخروج، من المدينة، بعد أن يئسا منه في الحصول على الولاية، وأقبلا على الإمام، وقالا: إنا نريد العمرة. فأذن لهما بالخروج فقال (ع) لبعض أصحابه: «والله ما أرادا العمرة، ولكنهما أرادا الغدرة»([12]).
يعكس هذا النص التاريخي أنّ الإمام لم يصادر حريتهما قبل أن يرفعا لواء العصيان على الرغم من علمه بما يضمران له.
وأيضاً لمّا خالف الخوارج إمامهم وأميرهم(ع) ، إثر جهلهم وعنادهم، وسوء فهمهم إعتزلوا معسكر الإمام (ع) حين رجوعهم من صفين، وأقاموا معسكراً في النهروان، فخاطبهم الإمام (ع) بعد أن كانت مخالفتهم سياسية، ولم تتعدى القيام بعمليات عسكرية بقوله:
«أما أنّ لكم عندنا ثلاثاً ما صحبتمونا، لا نمنعكم من مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تبدؤونا»([13]).
وبهذه الطريقة فقد سايرهم الإمام (ع) من منطلق القوة، إلى أن قاموا بنشر الرعب والخوف والإخلال بالأمن حينها اضطر الإمام إلى استعمال القوة بغية القضاء على فتنتهم.
6- على الرغم من أن الإمام (ع) كان ينصب عمالاً وولاةً صالحين وكفوئين، إلا أنه كان لا يحرمهم من نصائحه ومواعظه، على الرغم من انشغاله في الحوادث المتكاثرة عليه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً، كما كان له عيون على الولاة في مناطقهم ينقلون إليه كل مخالفة ولو جزئية للوالي فسرعان ما يبدأ بالتقريع والتوبيخ والتهديد في بعض الأحيان لقمعها ومعالجتها، راجع قسم الكتب في (نهج البلاغة) ترى ما كتبه لمالك الأشتر، ولمحمد بن أبي بكر، وعثمان بن حنيف، ولزياد بن أبيه، ولغيرهم.
هذه بعض معطيات خلافة الإمام علي(ع) التي ما عرف المسلمون بعد رسول (ص) مثلها أبداً وكانت جميع الثورات التي ثارت على الدولتين الأموية والعباسية للوصول إلى حكومة الإمام علي(ع) ، والى عدالته التي تذوّقها المسلمون فترة من الزمن، ثم غابت عنهم شمسها لتقصيرهم وجهلهم.
([3]) المصدر السابق: الخطبة: 54
ولادة الإمام محمد الجواد(ع) (10/ رجب / السنة 195 هـ)
شخصية الإمام الجواد(ع)
ولد الإمام الجواد في المدينة المنورة سنة (195هـ)، والمشهور بين المؤرخين أن ولادته في (19 رمضان)([1])، وذهب بعضهم إلى أنها في (رجب)([2])، وقد صرّحت بعض الأدعية بالأخير، فقد جاء: «اللهم إني أسألك بالمولودين في رجب محمد ابن علي الثاني، وابنه علي بن محمد المنتجب»([3]).
أبوه الإمام علي بن موسى الرضا(ع)، وأمه سبيكة، وكان اسمها درّة، وقد سمّاها الإمام الرضا بعد ذلك بـ(خيزران)([4])، وهي - على ما قيل - من آل مارية القبطية زوج النبي(ص)([5]).
وكانت امرأة فاضلة تمتعت بفضائل أخلاقية سامية، وكانت أفضل نساء عصرها([6])، حتى قال الإمام الرضا(ع) في حقها: «قُدست أمّ ولدته - أي الجواد - قد خلقت طاهرة مطهرة»([7]).
كانت ملامحه (ع) كملامح آبائه التي تحكي ملامح الأنبياء، فأسارير التقوى بادية على وجهه الكريم، وقد وصفته بعض المصادر بأنه كان أبيضاً معتدل القامة([8]).
يكنّى بأبي جعفر الثاني تمييزاً له عن جده الإمام الباقر الذي كان يكنّى بأبي جعفر أيضاً، ولقّب بالجواد، لكثرة ما أسداه من الخير والبر والإحسان إلى الناس، كما لُقِّب بالتقي، والمرتضى، والرضي، والمختار، والمتوكل، والزكي، وباب المراد، وقد عُرف بالأخير بين عامة المسلمين لقناعتهم بأنه باب من أبواب الرحمة الإلهية([9]).
تولّى منصب الإمامة بعد شهادة أبيه الرضا(ع)، وكان في الثامنة أو السابعة من عمره، وكان ذلك في سنة (203هـ)، وكانت ظاهرة الإمامة المبكرة لأهل البيت غير مألوفة للشيعة، فضلاً عن غيرهم فأوجبت إمامته بهذا السن المبكر اضطراباً بين بعض رجالات الشيعة، فأظهر الله المعجزات القاطعة، والبراهين الساطعة والحجج الباهرة، والبينات النيرة، مما قوي به موقف الفكر الإسلامي، فأجلّه وسلّم بفضله جميع من عرفه فضلاً عن شيعته ومحبيه.
وقد نقل الشيخ المفيد روايات كثيرة ومتواترة في النص من الإمام الرضا(ع) على إمامته، وبعد أن ذكر عدداً من رواة النص قال: «في جماعة كثيرة يطول بذكرهم الكتاب»([10]).
عاصر الجواد(ع) في تمام فترة إمامته خليفتين عباسيين، هما (المأمون 193-218هـ) و(المعتصم 218-227هـ)، وقد دامت إمامته (17 سنة).
استشهد(ع) في آخر ذي القعدة سنة (220هـ) ببغداد متأثراً بسم دسه إليه المعتصم على يد زوجته أم فضل، ودفن في مقابر قريش في بغداد إلى جانب قبر جده الإمام الكاظم(ع)([11]).
نشأة ظاهرة الإمامة المبكرة عند الشيعة:
كان الإمام الجواد(ع) أول إمام يبلغ الإمامة في طفولته، فمن الطبيعي أن يكون مثاراً للتساؤل والجدل بين صفوف الشيعة، وغيرهم من المسلمين، حيث كيف يمكن لحدث أن يتحمل مسؤولية ومهمة إمامة وقيادة المسلمين الحساسة والكبيرة؟! ويُشبع الساحة فكرياً وسياسياً ودينياً، فهل يمكن أن يبلغ إنسان وهو بذلك العمر إلى الكمال الذي يجعله خليفة رسول الله؟!
يتبين من خلال دراسة حياة الأئمة أنهم كانوا يواجهون هذا الأمر، ولا سيما في عهد الجواد(ع)، وكانوا يدحضون التشكيكات بما نصّ عليه القرآن الكريم من نبوة يحيى وهو صبي، قال تعالى: «يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» ([12]).
ونبوة عيسى وهو في المهد، قال تعالى:« قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا» ([13]).
وفي هذا الصدد ننقل ثلاث روايات:
الرواية الأولى: عن علي بن أسباط قال: قدمت المدينة، وأنا أريد مصر، فدخلت على أبي جعفر محمد بن علي الرضا(ع)، وهو إذ ذاك خماسي، فجعلت أتأمّله لأصفه لأصحابنا بمصر، فنظر إليّ، وقال: يا علي إنّ الله أخذ في الإمامة كما أخذ في النبوة، فقال سبحانه في يوسف:« وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً» ([14]).
وقال عن يحيى:« وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» ([15])([16]).
الرواية الثانية:يقول بعض أصحاب الإمام الرضا(ع): كنت واقفاً بين يدي أبي الحسن الرضا بخراسان، فقال له قائل: يا سيدي إن كان كون فإلى من؟ قال: إلى أبي جعفر ابني. فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر(ع)، فقال أبو الحسن(ع): «إن الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم رسولاً نبياً صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر»([17]).
الرواية الثالثة: قال الإمام الرضا(ع)، لمعمر بن خلاد: Sهذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي: وصيّرته مكاني، إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابـرنا القذة بالقذةR([18]).
أدّى صغر سن الإمام الجواد(ع) إلى كثرة المناظرات والحوارات معه، وقد كان لبعضها صدى كبيراً جداً، لما كان يدحض فيها من الشبهات التي كانت تثار في ذلك الوقت مع الكثير من المعتزلة، وقد كان الكثير من الناس بما فيهم بعض الشيعة يطرحون عليه أسئلة معقّدة وغامضة ظناً منهم أنه لا يتمكن من الإجابة عليها، ولكنه (ع) كان يجيب عن آخرها، بل ويضيف بعض الشقوق ويكثر في تعميق التساؤلات وتعقيدها بحيث لا يتسطيع أن يدرك إجابتها جميع المناظرين، ثم يجيبهم عن بكرتها بجواب يشفي الغليل، ويبرد قلب الحبيب.
مناظرة يحيى بن أكثم
لما قدم المأمون بغداد أشخص الجواد(ع) إليها، واقترح عليه الزواج بابنته أمّ الفضل، وكان غرضه من هذا الزواج التخفيف من وطئة الظروف السياسية الحرجة التي سببها انكشاف قتلة الإمام الرضا(ع) عند العلويين، فثار غضبهم وانزعجوا من ذلك كثيراً، فلاحظ المأمون أنّ هناك خطراً آخر قد يهدد حكمه، وهو وجود الإمام الجواد وإلتفاف الشيعة حوله فعمد إلى تزويج الجواد من ابنته ليتقرب بنفسه إلى أهل البيت(عليهم السلام)، ويخمد ثائرة الثائرين من العلويين([19])، وتنقل له ابنته عن قرب جميع ما يجري على الساحة الشيعية. وعلى كل حال فقد واجه المأمون معارضة شديدة في ذلك من العباسيين حتى قالوا له: إن هذا الفتى - وإن راقك منه هديه - فإنه صبي لا معرفة له ولا فقه.
فقال المأمون: ويحكم إني أعرف بهذا الفتى منكم، وإنّ أهل هذا البيت علمهم من الله تعالى ومدده وإلهامه، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبيّن لكم به ما وصفت لكم من حاله.
فاختار بنو العباس يحيى بن أكثم من بين جميع العلماء لشهرته العلمية، وقد جاء يحيى ومعه وفود العلماء فقال له يحيى: ما تقول في محرم قتل صيداً؟
فقال الإمام الجواد(ع): Sقتله في حلِّ أو حرم؟ عالماً كان المحرم أو جاهلاً؟ قتله عمداً أو خطأً؟ حراً كان المحرم أو عبداً؟ صغيراً كان أو كبيراً؟ مبتدئاً بالقتل أو معيداً؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد أم من كبارها؟ مصرّاً على ما فعل أو نادماً؟ في الليل كان قتله للصيد أم في النهار؟ محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرماً؟R.
فتحيّر يحيى بن أكثم من كلّ هذه الفروع التي فرّعها الإمام على هذه المسألة، وبان في وجهه العجز والانقطاع ولجلج وتعتع في الكلام حتى عرف جميع أهل المجلس أمره.
فطلب المأمون من الجواد(ع) أن يجيب عن جميع هذه الشقوق، فأجاب عنها، فقال المأمون: الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي، ثم نظر إلى أهل بيته، فقال: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرون([20]).وله (ع) الكثير من هذه النماظرات فمن رام الاطلاع فليراجع([21]).
رجوع الإمام إلى المدينة
ثم إنّ أبا جعفر(ع) بعد أن أقام في بغداد هاجر إلى المدينة وسكن فيها مدة، كان خلالها المأمون يترصد تصرفاته وتحركاته من ابنته أم الفضل، ولما توفي المأمون وبويع لأخيه المعتصم لم يزل المعتصم متفكراً في أبي جعفر يخاف من اجتماع الناس حوله، ووثوبه على الخلافة، ولأجل ذلك مارس نفس السياسة التي مارسها أخوه المأمون، فاستقدم الإمام الجواد إلى بغداد سنة (220هـ)، وبقي فيها حتى دس إليه السم فقتله وعمره 25 سنة([22]).
([1]) أصول الكافي 1: 492، والإرشاد: 316.
([3]) مفاتيح الجنان: أدعية شهر رجب.
([5]) أصول الكافي 1: 315، والمناقب لابن شهر آشوب 4: 379.
([6]) إثبات الوصية، للمسعودي: 209.
([8]) الإرشاد: 356، والفصول المهمة: 252، ولكنه خلاف المعروف من وصفه بالسمرة لا البياض.
([9]) قبسات من سيرة القادة الهداة 2: 166.
([10]) الإرشاد للمفيد 2: 274- 275.
([13]) سورة مريم: الآيات 30-32.
([16]) مرآة العقول، للمجلسي 4: 250.
([17]) أصول الكافي 1: 322 و 384، والإرشاد: 319، وروضة الواعظين: 261.
([18]) كشف الغمة 3: 141، وبحار الأنوار 50: 21، وأصول الكافي 1: 320.
([19]) سيرة الأئمةG، للبيشوائي: 496.
([20]) قصة معروفة ومشهورة راجعها في الإرشاد: 319-321، وإعلام الورى: 352، وإثبات الوصية: 216، والاختصاص: 99.
([21]) راجع فتاوى الإمام في القضاء وفشل فقهاء البلاط: تفسير العياشي 1: 320، والبرهان في تفسير القرآن 1: 471، ووسائل الشيعة 18: 490، (أبواب حد السرقة: ب4)، ,راجع أجوبته في فضح وضاع الأحاديث: الاحتجاج 2: 247-248، وبحار الأنوار 50: 80-83.