Super User

Super User

في أول أيام عيد النيروز وخلال لقائه الآلاف من زوار حرم الإمام علي بن موسى الرضا (ع) رأى قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي أنَّه ليس ثمة دافع لدى الأمريكيين للقضاء على تنظيم داعش الإرهابي حيث اعتبر سماحته إدعاء الأمريكيين مشاركتهم في القضاء على هذا التنظيم كذبٌ محض كما لفت سماحته إلى أن أمريكا تريد داعش أن يكون خاضعاً لها ويأتمر بأمرها وهي التي أوجدته ودعمته. 
وفي التفاصيل التقى قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي بعد ظهر اليوم الأربعاء 21 آذار 2018 والموافق لأول أيام العام الهجري الشمسي الجديد الآلاف من زوار حرم الإمام علي بن موسى الرضا عليه آلاف التحية والسلام. وخلال هذا اللقاء أشار سماحته إلى دور الجمهورية الإسلامية في ترسيخ عزة واقتدار الشعب الإيراني في المنطقة حيث قال سماحته: الجمهوريّة الإسلاميّة جعلت بيرق عزّة واقتدار الشعب الإيراني يخفق بقوّة في المنطقة خلال العام المنصرم.
وفي إشارة منه إلى دور الجمهورية الإسلامية في محاربة التنظيمات الإرهابية في المنطقة قال قائد الثورة الإسلامية: لقد كان للجمهورية الإسلاميّة دورٌ كبيرٌ في قصم ظهر التكفيريين في المنطقة وقد تمكنت من تقليص أشرار هؤلاء التكفيريين في جزء مهم من المنطقة وهذا ما كان عملاً مهماً للغاية.
ورأى قائد الثورة الإسلامية في المخططات الأمريكية أنها هي من كانت وراء إيجاد تنظيم داعش الإرهابي حيث قال سماحته متحدثاً عن القادة الأمريكيين: هم يكذبون عندما يدّعون مشاركتهم في القضاء على هذا التنظيم الإرهابي.
وفيما يخصّ تدخّل بعض القوى العالمية في المنطقة قال قائد الثورة الإسلاميّة: يعترض الفضوليّون الدوليّون؛ أولئك الذين يسعون للتدخّل في شؤون مختلف المناطق في العالم ويقولون: لماذا تتدخّل إيران في قضايا سوريا والعراق وتشارك فيها؟ حسناً وما علاقتكم أنتم بهذا الأمر؟!
وتابع سماحته: لقد تمكّنت الجمهوريّة الإسلاميّة من إبطال مفعول مخطّطات أمريكا في المنطقة... كانت المخططات الأمريكية تنصُّ على إيجاد الجماعات الظالمة والسفاحة والشريرة مثل تنظيم داعش لكي يتمكنوا من خلالها من إشغال أذهان الشعوب بالحروب الأهلية والقضايا والمشكلات الداخلية وعدم إتاحة الفرصة للشعوب للتفكير بالكيان الصهيوني.
وأكّد سماحته: المخططات الأمريكية هي التي أوجدت تنظيم داعش الإرهابي ونحن استطعنا بعون وتوفيق الله أن نُبطل هذه المخططات.
وحول الدور الأمريكي في إيجاد التنظيمات الإرهابية قال قائد الثورة الإسلامية: السياسة الأمريكية تتطلب امتلاكهم داعش، ولكن داعش المطيع الذي يكون دمية في أيديهم. طبعاً داعش وأمثاله تنظيماتٌ أوجدها الأمريكيون، ولكن الحفاظ عليها أمرٌ دونه الكثير من المشكلات والمصاعب؛ الأمريكيون يريدون أن تكون هذه التنظيمات تحت أمرهم، لا توجد لديهم أيّة رغبة للقضاء على أمثال هذه التنظيمات.
وأضاف الإمام الخامنئي: الأمريكيون يكذبون عندما يدّعون مشاركتهم في القضاء على هذا التنظيم الإرهابي.
وتساءل قائد الثورة الإسلامية عن سبب عدم تمكن الأمريكيين من توفير الأمن في أفغانستان بعد مضي أربعة عشر عاماً على دخولهم إليها حيث قال سماحته: مضى على دخول الأمريكيين أفغانستان 14 عاماً، أية حماقة كانوا يرتكبونها في هذا البلد حتى لم يستطيعوا توفير الأمان هناك؟!
وأردف سماحته: البعض يقولون لم يستطيعوا، والبعض الآخر يقولون لم يريدوا، أياً كان السبب فإنَّ من شأنه جعل إدعاء أمريكا وبريطانيا للتواجد في المنطقة إدعاءً باطلاً.
وفي إشارة منه لتواجد الجمهورية الإسلامية في بعض بلدان المنطقة أوضح الإمام الخامنئي: أينما ذهبنا كان سبب ذلك أنّ الشعوب والحكومات طلبت منّا ذلك، لم نمارس الإجبار والقوّة، لم نمارس الأمر والنّهي، كانوا يطلبون العون وقمنا بمساعدتهم، قمنا بالمساعدة انطلاقاً من دوافع عقلانيّة ومنطقيّة، لقد كانت كلّ مساعدة قُدّمت فيما يخصّ شؤون المنطقة مبنيّة على حسابات منطقيّة وعقلانيّة ولم يكن ذلك بناء على المشاعر، وهذا ما سيكون الأمر عليه بعد الآن.
وأعاد الإمام الخامنئي التأكيد على موقف الجمهورية الإسلامية الثابت فيما يتعلق بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبدان العالم حيث قال سماحته: لسنا ننوي التدخّل في شؤون بلدان العالم ولا شكّ في أنّ أمريكا لن تبلغ مآربها فيما يخصّ شؤون المنطقة.
وفي جزء آخر من كلمته عدّد الإمام الخامنئي شعارات وقيم الثورة الإسلامية بقول سماحته: شعارات وقِيم الثورة الإسلامية هي "الاستقلال"، "الحرية"، "السيادة الشعبية"، "الثقة بالنفس الوطنية"، "الإيمان بالذات الوطنية"، "العدالة" وفوق وأهم من كل ذلك "إجراء أحكام الدين والشريعة في البلاد".
ونوّه سماحته بالاستقلال الذي تتمتع به الجمهورية الإسلامية اليوم حيث اعتبر سماحته هذا الأمر وليد مشيئة عموم الناس مع انتصار الثورة الإسلامية والتي رأى فيها سماحته ردة فعلٍ أبداها الشعب الإيراني تجاه مئتي عامٍ من تسلط الأعداء على إيران.

وتابع سماحته: ليس هناك أي بلد في العالم يتمتع بالاستقلال الذي تتمتع به إيران اليوم. جميع شعوب العالم تراعي القوى العالميّة بشكل من الأشكال. الشّعب الإيراني هو الشعب الذي لا تتأثّر آراؤه بأيّ شعب من الشعوب.
كما لفت الإمام الخامنئي إلى الحرية الموجودة في الجمهورية الإسلامية وأكد سماحته أنَّ هذه الحرية مؤطرةٌ بالدستور المستخلص من الشريعة الإسلامية وأنّه ليس من الصواب تخيل أحدهم أن يكون حُرَّاً ويعمل خلاف القانون.
ورأى قائد الثورة الإسلامية في السيادة الشعبية واحداً من أصول نظام الجمهورية الإسلامية الأساسية وقال سماحته: خلال الأربعين عاماً الماضية، كان لدينا كل سنة أو سنتين استحقاق انتخابي شارك الناس خلاله بحرية وحماس وشوق ونتج عنه وصول حكومات ذات توجهات سياسية مختلفة إلى السلطة.

بمناسبة عيد النيروز وبداية السنة الإيرانية الجديدة وجَّه قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي كلمةً بارك من خلالها للشعب الإيراني بحلول السنة الجديدة وقيّم من خلالها السنة الماضية، كما أعلن سماحته عن شعار السنة الجديدة حيث قال سماحته: أعلن أن شعار هذه السنة هو  "دعم البضائع الإيرانية"  أي أنّ قضيتنا الرئيسية هذه السنة هي القضية الاقتصادية ومعيشة الناس. على الجميع أن يسعوا ويعملوا، والمحور هو الإنتاج الوطني. 
وفيما يلي الترجمة العربية للكلمة التي وجهها قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

يا مقلب القلوب والأبصار، يا مدبر الليل والنهار، يا محول الحول والأحوال، حول حالنا إلى أحسن الحال.

اللهم اهدنا هدي المهتدين وارزقنا اجتهاد المجتهدين. (١)

أتقدم بالتبريك لكل أبناء الوطن الأعزاء في أيّ مكان من البلاد وفي أيّ مكان من العالم كانوا، كما أبارك لكل الشعوب التي تحيي عيد النيروز. وأبارك خصوصاً لعوائل الشهداء المُعززة، وللمعاقين الأعزاء وعوائلهم، وأبارك خصوصاً لشباب البلاد وناشئتها مبعث الأمل ومحرّكو المسيرة الوطنية في البلاد. أتمنى لكم [في رأس السنة الجديدة] عيداً بهيجاً طيّباً وسنةً زاخرةً بالخير والبركة. في هذا العام تزامن فصل ربيع الطبيعة مع فصل ربيع المعنوية؛ أي إنَّ أشهر فروردين وأرديبهشت وخرداد (١) تزامنت مع أشهر رجب وشعبان ورمضان. نتمنى أن يتحقق النماء الطبيعي والنماء المعنوي كلاهما لبلادنا ولشعبنا هذه السنة. يتبرعم في القلب الأمل بأن يكون النماء المعنوي إلى جانب النماء المادي ذخراً لهذا الشعب ولهذه البلاد وللمستقبل. نهدي سلامنا لحضرة سيدنا بقية الله (أرواحنا فداه) ونستذكر ونُحيّي الروح الطاهرة لإمامنا الخميني الجليل.

نذكر شيئاً عن عام ٩٦ وشيئاً عن العام ٩٧: لقد شهد عام ٩٦ مثل كل الأعوام مجموعةً من المنعطفات والأحداث الحلوة والمريرة. مثل كل فترات الحياة؛ لقد تجلّت حلاوة سنة ٩٦ بعظمة الشعب واقتداره، والمشاركة الوطنية من بداية السنة إلى نهايتها. بداية السنة شهدت مشاركة الشعب العظيمة والمذهلة في انتخابات رئاسة الجمهورية والمجالس البلدية، حيث شارك أكثر من أربعين مليوناً من سكان البلاد في الانتخابات، وقد كانت هذه مشاركة جيدة وزاخرة بالمعاني. ثم كانت مظاهرات يوم القدس في شهر رمضان المبارك، وفي نهاية العام كانت مظاهرات التاسع من دي [30 كانون الأول]، وفوق كل ذلك مظاهرات الثاني والعشرين من بهمن [١١ شباط ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في إيران] المُبهِرة لهذه السنة. طبعاً في التاسع من دي ونتيجة الاضطرابات التي حصلت ـ وسوف أشير لها ـ كانت للجماهير مسيراتهم العفوية التلقائية لعدة أيام متتابعة في مختلف مدن البلاد، وكل هذا يدلُّ على تواجد الشعب الإيراني الكبير وصاحب البصيرة والجهوزية والمبادرة في كل الساحات التي تستلزم تواجده.

المحطة المهمة والطيبة الأخرى في السنة الماضية شكلتها قدرة الجمهورية الإسلامية على تحويل التهديدات الإقليمية -التي كان أحد أهدافها على الأقل توجيه ضربةٍ للجمهورية الإسلامية- إلى فرصة. فالتهديدات لم تُلحق الضرر بالبلاد، بل تحولت إلى فرصةٍ لها. والخبراء في الشؤون الدولية يُدركون ذلك جيداً.

النقطةٌ الإيجابية الأخرى كانت في المساعي التي بُذلت لإحياء وتطبيق شعار السنة الماضية وهو «الإنتاج الوطني وفرص العمل» والذي تمَّ في إطار مشروع الاقتصاد المقاوم. أنجزت أعمالٌ جيدة لتوفير فرص العمل والإنتاج الوطني. وبالطبع فإن أعمالاً كثيرة أخرى لا تزال باقية ويجب إنجازها. لقد طُبِّق هذا الشعار إلى حدٍّ ما في البلاد، ولكن ينبغي استمرار العمل بشكل كامل حتى يتحقق هذا الشعار على أكمل وجه.

وقد كانت لنا أحداثٌ مريرةٌ في سنة ٩٦ ؛ أحداث الزلزال، والسيول، والطائرة، والسفينة، حيث قضى بعض أعزائنا نحبهم في هذه الأحداث، وكانت أحداثاً مُرّةً بالنسبة لنا. بالإضافة إلى ذلك كانت هنالك حالة جفاف في بعض مناطق البلاد ولا تزال مستمرة، ونتمنى أن يُعوّض عنها الفضلُ الإلهي في الربيع. وهنالك بعض المشكلات المعيشية لشرائح معينة، وهي مشكلات لا تزال مستمرة من الماضي وينبغي على الجميع السعي لمعالجتها، وسوف أشير لهذا الموضوع، وستُحلُّ هذه المشكلات إن شاء الله. طبعاً في الأشهر الأخيرة من السنة حيث وقعت حالات توتر في البلاد وفقاً لمخططات أعداء الشعب الإيراني، نزل الشعب الإيراني بنفسه إلى الساحة، وحتى الذين أراد الأعداء أن تُسجَّلَ الاضطرابات باسمهم نزلوا هم أنفسهم إلى الساحة ووقفوا بوجه مثيري الشغب، وبالطبع كانت حادثة حصلت ووقعت، وتجلَّت خلالها عظمة الشعب الإيراني.  

فيما يتعلَّق بالسنة الجديدة التي تبدأ منذ هذه اللحظة المهم هو أن يعمل الجميع بجدٍّ وكدّ. إنني في شعارات السنوات عادةً ما أخاطب المسؤولين، لكن الذين أخاطبهم هذه السنة هم كلُّ أبناء الشعب والمسؤولون من ضمنهم. أقول مقدماً إنَّ قضية الاقتصاد والثقافة والقضايا المختلفة كلها مطروحة ومهمة، لكنَّ قضيتنا الرئيسية هذه السنة هي القضية الاقتصادية ومعيشة الناس. على الجميع أن يسعوا ويعملوا، والمحور هو الإنتاج الوطني، بمعنى أن الجميع إذا تابعوا الإنتاج الوطني ـ بالتفاصيل التي سوف أذكرها في كلمتي (٢) إن شاء الله ـ فسوف يُعالج الكثير من مشكلات الناس الاقتصادية والمعيشية ومشكلة فرص العمل ومشكلة الاستثمار وباقي الأمور، وسوف تقلُّ الآفات الاجتماعية بدرجة كبيرة. أي إنَّ المحور هو الإنتاج الوطني. وعليه إذا تسارعت وتيرة الإنتاج الوطني فسوف تُعالج الكثير من المشكلات. وقد جعلتُ هذا محوراً لشعار هذه السنة. شعار هذه السنة هو «دعم البضائع الإيرانية». إنها سنة «دعم البضائع الإيرانية». وهذا الأمر لا يتعلق بالمسؤولين فقط، فكلُّ واحدٍ من أبناء الشعب يستطيع أن يساعد في هذا المجال، وأن ينزل إلى الساحة بالمعنى الواقعي للكلمة. وبالطبع فإنَّ لهذا الدعم أبعاده المختلفة من خمس أو ستّ جهات، وسوف أفصّل هذه الأبعاد في كلمتي إن شاء الله، وسأشرح وأطرح ما تستطيع شرائح الشعب المختلفة وجميع المسؤولين في البلاد القيام به.

أتمنى أن يمنّ الله تعالى بعونه، سواء على المسؤولين أو على الشعب، ليستطيعوا النهوض بواجباتهم على أفضل وجه ويحققوا هذا الشعار في هذه السنة وهو شعار «دعم البضائع الإيرانية» بالمعنى الحقيقي للكلمة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

شخصية الإمام علي الهادي(ع)

ولد الإمام علي الهادي(ع) في صريا([1])، وأكثر المؤرخين على أنه ولد في سنة (212هـ)([2])، وقيل في سنة (214هـ)([3])، وقد اختلفوا في الشهر واليوم الذي ولد فيهما، فبعض المصادر على أنها كانت في منتصف ذي الحجة([4])، والبعض الآخر منها على أنها في رجب، في اليوم الثاني منه أو في الخامس على الاختلاف، وقد صرّحت بولادته في رجب بعض الأدعية منها: «اللهم إني أسألك بحق المولودين في رجب محمد بن علي الثاني - الجواد - وعلي بن محمد المنتجب - الهادي -»([5]).

أبوه الإمام الجواد(ع)، وأمه السيدة القديرة سمانة المغربية التي اشتراها له محمد بن الفرج بسبعين ديناراً([6])، وتولى الإمام (ع)  تربيتها، فأقبلت على العبادة والطاعة، حتى كانت من القانتات المتهجّدات والتاليات لكتاب الله تعالى([7])، ويكفي في جلالتها أنها كانت المفزع للشيعة في نقل الأحكام الشرعية، في أيام الشدة([8]).

كان الإمام الهادي(ع)  متوسط القامة، ذا وجه أبيض مشرّباً بالحمرة، وذا عينين كبيرتين، وحاجبين واسعين، وكانت أسارير وجهه تبعث على الفرح والسرور لكل من رآه.

تولى منصب الإمامة بعد شهادة أبيه الجواد(ع)  وكان عمره ثمان سنوات، وكان ذلك في سنة (220 هـ)، ودامت ثلاثاً وثلاثين سنة.

وقد ورد الكثير ممّا دلّ على إمامته، قال الشيخ المفيد: «الأخبار في هذا الباب كثيرة جداً... وفي إجماع العصابة على إمامة أبي الحسن(ع) ، وعدم من يدَّعيها سواه في وقته ممن يلتبس الأمر فيه غنى عن إيراد الأخبار بالنصوص على التفصيل»([9]).

ولنذكر نصاً واحداً منها، فقد قال الصقر بن دُلف: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا(ع)  يقول: «إنَّ الإمام بعدي ابني علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمامة بعده في ابنه الحسن»([10]).

يكنى الإمام الهادي(ع)  بأبي الحسن الثالث، ويلقّب بالناصح، والتقي، والمرتضى، والفقيه، والعالم، والأمين، والطيب، والعسكري، والرشيد، والشهيد، والوفي، والخالص، وأشهر ألقابه الهادي([11]).

عاصر الإمام الهادي ستة من خلفاء بني العباس، وهم المعتصم والواثق والمتوكل، والمنتصر، والمستعين، والمعتز، وله مع كل واحد منهم قضايا لا يتسع المقام لذكرها أجمع.

إِشخاص الإمام الهادي(ع)  إلى سامراء

لقد مارس المتوكل العباسي نفس الأسلوب الذي رسمه المأمون، ثم أخوه المعتصم من إشخاص أئمة أهل البيت(عليهم السلام) من مواطنهم، وإجبارهم على الإقامة في مقر الخلافة، وجعل العيون والحرّاس عليهم، حتى يطّلعوا على دقيق شؤونهم.

وكان المتوكل من أشدّ الخلفاء العباسيين عداءاً لعلي وآله، فبلغه مقام علي الهادي بالمدينة، ومكانته بين أهلها، وميلهم إليه، فخاف على نفسه منه، خصوصاً وقد كتب له بريحة العباسي - أحد أنصاره وأزلامه - إن كان لك بالحرمين حاجة فأخرج منها علي بن محمد، فإنّه قد دعا الناس إلى نفسه، وتبعه خلق كثير([12]).

فدعى يحيى بن هرثمة، وقال له: اذهب إلى المدينة وانظر في حاله وأشخصه إلينا.

قال يحيى: فذهبت إلى المدينة، فلمّا دخلتها ضجَّ أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله، خوفاً على علي الهادي، وقامت الدنيا على ساق، لأنه كان محسناً إليهم، ملازماً للمسجد، لم يكن عنده ميل إلى الدنيا.

قال يحيى: فجعلت أسكِّنهم وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه، وأنه لا بأس عليه، ثم فتشت منزله فلم أجد فيه إلاّ مصاحف وأدعية وكتب العلم، فعظم في عيني، وتولّيت خدمته بنفسي، وأحسنت عشرته، فلما قدمت به بغداد، بدأت بإسحاق بن إبراهيم الطاهري، وكان والياً على بغداد، فقال لي: يا يحيى إنّ هذا الرجل قد ولده رسول الله، والمتوكل من تعلم، فإن حرّضته على قتله، كان رسول الله خصمك يوم القيامة، فقلت له: والله ما وقعت منه إلاّ على كل أمر جميل، ثم صرت إلى (سر من رأى)، فلما دخلت على المتوكل وأخبرته بحسن سيرته وسلامته وورعه وزهادته، وأني فتشت داره فلم أجد فيها إلا المصاحف وكتب العلم، وأنّ أهل المدينة خافوا عليه، فأمر المتوكّل به فأنزلوه في خان يقال له خان الصعاليك، ليوهن الإمام ويقلل من شأنه، فأقام فيه الإمام يومه، ثم تقدم المتوكل فأفرد له داراً، فانتقل إليه، وكان تحت رقابة شديدة([13]).

ولكن مع هذه الرقابة الشديدة، وعلى الرغم من أنّ الإمام يعيش في نفس بلد المتوكل، إلاَّ أنه وشي به إلى المتوكل بأنّ في داره كتباً وسلاحاً من شيعته، وأنه عازم على الوثوب على الدولة، فبعث إليه جماعة من الأتراك، فهاجموا داره ليلاً فلم يجدوا فيها شيئاً، ووجدوه وعليه مدرعة من صوف، وهو جالس على الرمل والحصى، متوجه إلى الله تعالى يتلو آيات القرآن، فحملوه على هذه الحالة إلى المتوكل، وكان الأخير جالساً في مجلس الشرب، والكأس في يده، فلما أدخلوه عليه ناوله الكأس، فقال (ع) : «والله ما خامر لحمي ودمي قط فاعفني»، فأعفاه، ثم قال له: أنشدني شعراً! فقال (ع) : أنا قليل الرواية للشعر: فقال: لابد، فأنشده (ع) :

باتوا على قلل الأجيال تحرسهم

 

غُلْب الرجال فما أغنتهم القلل

واستنزلوا بعد عزّ من معاقلهم

 

وأسكنوا حُفراً يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد دفنهم

 

أين الأسرة والتيجان والحلل؟

أين الوجوه التي كانت منعّمة

 

من دونها تضرب الأستار والكلل؟

فأفصح القبـر عنهم حين ساءلهم

 

تلك الوجوه عليها الدود يقتتل

قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا

 

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا

فبكى المتوكل حتى بلّت لحيته دموع عينه، وبكى الحاضرون([14]).

اهتمامات الإمام الهادي(ع)  

اهتم الإمام (ع)  في نشر الثقافة الإسلامية، والدفاع عن فكر الإسلام، ومحاربة المفوّضة والمجبّرة، وإثبات العدل والمنزلة بين المنزلتين، وله رسالة في ذلك أوردها الحرّاني في (تحف العقول).

كما اهتم بتفسير القرآن الكريم كثيراً، ورفع غوامضه، كما عمل على إرشاد الضالين، والإجابة على جميع التساؤلات الواردة من مختلف بقاع العالم الإسلامي، كما كان حلّالاً لمعضلات المتوكل وغيره من الخلفاء، وبسبب إلتفاف الأمة حوله عمد المتوكل إلى زجّه في سجن مظلم وبحذاه قبر محفور، ولكن كل ذلك لم يوهن من عزم الإمام على مواصلة طريق أجداده، وفي النهاية وجدوا أن الطريقة الوحيدة للتخلص من كل ما يعانونه إطفاء نور الله، فدسّ المعتز السم إليه، فاستشهد(ع)  في رجب سنة (254هـ)، ودفن في داره في سامراء([15]).

فالسلام على علي الهادي يوم ولد، ويوم أدّى رسالته، ويوم استشهد، ويوم يبعث حياً.

 

([1]) صريا: قرية أسسها الإمام موسى بن جعفر(ع) تبعد من المدينة ثلاثة أميال، جوهرة الكلام: 151.

([2]) أصول الكافي 1: 497، والإرشاد 2: 368.

([3]) الإتحاف بحب الأشراف: 7.

([4]) على رواية الشيخ المفيد في الإرشاد.

([5]) مفاتيح الجنان: أدعية رجب.

([6]) تاريخ الخميس 2: 321، ودلائل الإمامة: 216

([7]) أئمتنا 2: 213.

([8]) جوهرة الكلام: 151.

([9]) الإرشاد 2: 297.

([10]) المصدر السابق، وبحار الأنوار 12: 127.

([11]) قبسات من سيرة القادة الهداة 2: 202.

([12]) أعيان الشيعة 2: 37.

([13]) الإرشاد 2: 298، وإعلام الورى: 348.

([14]) مروج الذهب، للمسعودي 4: 11.

([15]) سيرة الأئمة، للبيشوائي: 455.

مولده ونسبه الشريف:

ولد الإمام محمد الباقر(ع) يوم الجمعة - وقيل الاثنين - في غرة رجب سنة (57هـ)، وهناك من قال بأن ولادته كانت في الثالث من صفر، أبوه الإمام الهمام علي بن الحسين(ع)  زين العابدين وسيد الساجدين، وأمه فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى(ع)

وعلى هذا فيعتبر الإمام الباقر(ع)  أول فاطمي من فاطميين، وأول من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين.

ويروى أنه كان كثير الشبه بجده المصطفى محمد(ص)، ولذا كان يلقّب بالشبيه، وكان ربع القامة، رقيق البشرة، جعد الشعر، أسمر اللون، له خال على خده، وكان يكنّى بأبي جعفر، ويلقّب بالشاكر لله، والهادي، والأمين، وأشهر ألقابه على الإطلاق ما لقبّه به جدّه رسول الله(ص): أي (الباقر)، فقد روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري: أنّ النبي(ص) قال له: «يوشك أن تبقى حتى تلقى ولداً لي من الحسين، يقال له محمد، يبقر علم الدين بقراً، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام»([1]).

وجاء في معاجم اللغة، أن الباقر هو المتبحر بالعلم، المستخرج غوامضه ولبابه، وأسراره، والمحيط بفنونه، ومغازيه.

النص على إمامته:

جرت عادة الأئمة (عليهم السلام) أن ينصّ المتقدم منهم على المتأخر، ويشير السابق على اللاحق، قطعاً للمعاذير، وإقامة للحجة، وقد نصّ الإمام علي بن الحسين(ع)  على إمامة ولده في مواضع متعددة، فمنها قوله (ع) : «ألا وإنه الإمام أبو الأئمة، معدن العلم يبقره بقراً، والله لهو أشبه الناس برسول الله»(ص) ([2])، وقد تواترت النصوص على إمامته، ونقلها العامة كالمسعودي والزهري، فضلاً عن الخاصة([3]).

جوانب من شخصية الإمام الباقر(ع)

1- الجانب الروحي: المتتبع لحياة الأئمة (عليهم السلام)  يجدها حلقات متصلة في العبادة، وهي كلها لله وفي الله وإلى الله تعالى، والإمام الباقر(ع)  واحد من هؤلاء الأئمة، والذي كان له السبق في سلّم العبادة والتعلق المطلق بذات الله تعالى، فقد ارتقى فيه حتى بلغ ذروته.

 يقول الإمام الصادق(ع)  في حقه: «كان أبي كثير الذكر، لقد كنت أمشي معه وإنّه ليذكر الله، وآكل معه الطعام وإنّه ليذكر الله، ولقد كان يحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر الله، وكنت أرى لسانه لازقاً بحنكه، يقول: لا إله إلا الله، وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس، ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منّا، ومن كان لا يقرأ أمره بالذكر»([4]).

وقال أفلح - مولى للإمام الباقر -: «خرجت مع محمد بن علي (الباقر(ع) ) حاجاً، فلما دخل المسجد، نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته، فقلت: بأبي أنت وأمي إنّ الناس ينظرون إليك فلو رفقت بصوتك قليلاً، فقال لي: «ويحك يا أفلح، ولم لا أبكي، لعل الله ينظر إليّ برحمة فأفوز بها عنده غداً»، ثم طاف بالبيت، ثم جاء حتى ركع عند المقام، (أي صلّى ركعات) فرفع رأسه من سجوده فإذا موضع سجوده مبتل من دموع عينيه»([5]).

2- الجانب الاجتماعي: كان الإمام الباقر(ع)  - كسائر أئمة أهل البيت(عليهم السلام)  - أباً عطوفاً للأمة بأسرها، فعنده محط محتاجهم، وإلى كنفه منتهى مكروبهم، وبفناء داره شفاء مغمومهم، فقد روي عن الأسود بن كثير: شكوت إلى أبي جعفر(ع)  الحاجة، وجفاء الإخوان، فقال (ع) : «بئس الأخ يرعاك غنياً ويقطعك فقيراً». ثم أمر غلامه فأخرج كيساً فيه سبعمئة درهم، فقال: «استنفق هذه فإذا فرغت فأعلمني»([6]).

وقالت سلمى - مولاة أبي جعفر -: «كان يدخل عليه أصحابه، فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيب، ويكسوهم الثياب الحسنة، ويهب لهم الدنانير، فأقول له في ذلك ليقلل منه فيقول (ع) : «يا سلمى ما حسنة الدنيا، إلا صلة الإخوان والمعروف»([7]).

وعن أبي عبد الله(ع)  قال: «دخلت على أبي يوماً وهو يتصدق على فقراء أهل المدينة بثمانية آلاف دينار، وأعتق أهل بيت بلغوا أحد عشر مملوكاً»([8]).

3- الجانب العلمي والثقافي: لا نشكّ أبداً أنّ هدف الأئمة(عليهم السلام)  هو: بثّ روح العلم والثقافة في أرجاء العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه، ولكن كل إمام يحقق من هذا الهدف ما تسنح له الظروف، غير أن الإمام الباقر(ع)  قد سنحت له الظروف أن يبثّ الكثير الكثير من علوم الدين والثقافة الإسلامية بما لم تسمح لغيره منهم(عليهم السلام) ، فقد أدى تمادي معاوية في قتل الصحابة والتشنيع بهم، وكذلك أدى قتل يزيد للحسين وأهل بيته(عليهم السلام)  وأصحابه، وواقعة الحرة.. واستباحة المدينة المنورة ورميه الكعبة بالمنجنيق و... أدّى كل ذلك إلى تدهور أوضاع الدولة الأموية، حتى وصلت إلى حافة الانهيار في عهد هشام بن عبد الملك، حيث بدأت دعوة العباسيين بـالثورة للقضاء على الدولة الأموية، داعين إلى الرضا من آل محمد(عليهم السلام)  ظاهراً فاستغلّ الإمام الباقر هذا الظرف لفتح مدرسته، وليتخرج منها المئات من العلماء، الذين انتشروا في مختلف البقاع ليبثّوا الدين والفكر والثقافة على مذهب آل محمد(عليهم السلام) ، هكذا شاء الله وكان.

قال جابر الجعفي: «حدثني أبو جعفر سبعين ألف حديث»([9])، وقال محمد ابن مسلم: ما شجر في رأيي شيء إلا سألت عنه أبا جعفر(ع)  حتى سألته عن ثلاثين ألف حديث([10]).

ونقل بعض من شاهد الإمام (ع)  في الحج: انثيال الناس عليه يستفتونه عن المعضلات، ويستفتحون أبواب المشكلات، فلم يرم حتى أفتاهم في ألف مسألة ثم نهض يريد رحله([11]).

واليوم، وبعد مضي ثلاثة عشر قرناً على تأسيسه (ع)  لهذه المدرسة العظيمة، لا يزال الفقه والحديث والتفسير وغيرها من العلوم معوّلاً عليها، تستمد من منهلها العذب، وتغترف من معينها الفيّاض.

أما تلامذته: فقد قال ابن شهر آشوب:.. وقد روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة، ووجوه التابعين، ورؤساء فقهاء المسلمين، فمن الصحابة: جابر عبد الله الأنصاري، ومن التابعين: جابر بن يزيد الجعفي، وكيسان السختياني صاحب الصوفية، ومن الفقهاء نحو: ابن المبارك، والزهري، والأوزاعي، وأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وزياد بن المنذر النهدي، ومن المصنفين نحو: الطبري، والبلاذري، والسلامي، والخطيب في تواريخهم، وفي الموطأ، وشرف المصطفى والإبانة، وحلية الأولياء، وسنن أبي داود، والالكاني، ومسندي أبي حنيفة، والمروزي، وترغيب الأصفهاني، وبسيط الواحدي، وتفسير النقاش والزمخشري، ومعرفة أصول الحديث، ورسالة السمعاني، فيقولون: «قال محمد ابن علي، وربما قالوا: قال محمد الباقر»([12]).

4- منفاه وسجنه وشهادته:

كان الإمام الباقر(ع)  في وجوده وحركاته وسلوكه، وجميع تصرفاته في المدينة يشكّل خطراً ضد الجهاز الأموي الحاكم آنذاك، المتمثل بهشام بن عبد الملك، والإمام (ع)  وإن تخلى عن الجهاد والكفاح المسلح، وعمد إلى التغيير الفكري، وترويج الثقافة والمعرفة، ولكن مع ذلك فقد كان الجهاز الحاكم يعتبر ذلك مخالفاً لسلطته وجهاداً ضد حكومته، فعزم هشام على استقدام الإمام إلى الشام، فحُمل مع ولده الصادق(ع)  إليها، ومبالغة في إذلاله حُبس عن لقاء هشام ثلاثة أيام لم يأذنوا له بالدخول عليه، وأنزلوهم في دار الغلمان.

ثم أذن له بالدخول، فسلم الإمام على الجميع وجلس، دون أن يخصه بالسلام، فقال له هشام:

يا محمد بن علي لا يزالُ الرجل منكم قد شقَّ عصا المسلمين، ودعا إلى نفسه، وزعم أنه الإمام سفهاً وقلة علم.

 فأقبل القوم الذين في مجلس هشام على توبيخه - تنفيذاً لما طلبه هشام منهم قبل دخول الإمام عليه -، فلما سكت الجميع نهض الإمام (ع)  وقال: أيها الناس أين تذهبون، وأين يراد بكم، بنا هدى الله أولكم، وبنا يختمُ آخركم، فإن يكن لكم ملكٌ معجّلٌ فإن لنا ملكاً مؤجّلاً، وليس بعد مُلكِنا مُلكُ، لأنا أهل العاقبة بقول الله عز وجل: «وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»   ([13]).

 فأمر هشام بسجنه، ولكن لم يمضِ وقت طويل حتى تناقلت الأخبار إلى هشام بأنّ الإمام قد استطاع بأخلاقه وعلمه وعبادته أن يأسر قلوب السجّان إليه، فخاف انقياد أهل الشام إليه، فأمر بإعادة الإمام إلى المدينة([14]).

 وحين خرج(ع)  من القصر يريد المدينة، وإذا براهب قد اجتمعت حوله الناس من النصارى والمسلمين، وكان من كبار رهبانهم في الشام، فلما وقع بصره على الإمام سأله عن معضلات فأتى الإمام على آخرها، مما جعل الراهب يقول للناس: «جئتم بأعلم مني كي يفضحني، لعمري ما رأيت بعيني قط أعلم من هذا الرجل، لا تسألوني عن حرف وهذا بالشام، فكل ما أردتم تجدوه عنده حاضراً»، فسرّ المسلمون وأخذوا يتناقلون الحديث عن الإمام (ع).

اشتعل هشام حقداً وحنقاً على الإمام إثر هذه الحادثة، فأرسل إليه أن يعجل بالذهاب إلى المدينة، كما أرسل إلى عامله على المدينة أن يبلّغ الناس أنه لا يحق لأحد أن يتحدث مع محمد بن علي وابنه، فإنهما وردا عليّ، ولما صرفتهما إلى المدينة مالا إلى القسيسين والرهبان، وأظهرا لهم ميلاً، ومرقا من الإسلام إلى الكفر، وتقرّباً إليهم بالنصرانية، فكرهت أن أنكّل بهما لقرابتهما، فإذا قرأت كتابي هذا، ووصلا إليكم فناد في الناس: برئت الذمة منهما([15]).

وبعد هذا فقد أخذ عامل هشام يُضيّق على الإمام مدة من الزمان، حتى ختم ذلك بدسه السم إليه بأمر من هشام بن عبد الملك، فقضى (صلوات الله عليه) شهيداً، ودفنه ولده الصادق(ع)   في البقيع أمام عمه الحسن، وأبيه علي ابن الحسين(عليهم السلام). فسلام على الإمام الباقر(ع)  يوم ولد، ويوم أدّى رسالته، ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.

 

([1]) تاريخ اليعقوبي 2: 63.

([2]) كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر: 98.

([3]) راجع في النص على إمامته (إثبات الوصية: 142).

([4]) أعيان الشيعة 4: 48.

([5]) الفصول المهمة: 197، وصفة الصفوة 2: 63.

([6]) مطالب المسؤول 2: 53، وكشف الغمة: 211.

([7]) نور الأبصار 2: 7.

([8]) بحار الأنوار 11: 86.

([9]) أعيان الشيعة 4: 28.

([10]) رجال الكشي: 109.

([11]) المناقب لابن شهر آشوب 2: 275.

([12]) المصدر السابق 2: 284.

([13]) سورة الأعراف: الآية 128.

([14]) الكافي 1: 471، (بتصرف).

([15]) دلائل الإمامة: 105-107.

الخميس, 22 آذار/مارس 2018 15:39

مناسبات أيام شهر رجب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على شمس الهداية نبينا محمد(ص)، وعلى الأقمار المضيئة الأئمة الطاهرين(عليهم السلام).

جعل الله تعالى لعباده رحمة بهم مواقيت زمانية ومكانية، بغية تعميق العلاقة والارتباط بخالقهم والتفرغ فيها عمّا سواه.ومن هذه المواقيت شهر رجب وشعبان ورمضان، حيث جعلها الله تعالى موعداً للقاءه والقرب منه والزلفى إليه، مثلما جعل شهري رجب وشعبان بوابة لشهر رمضان، كما جعل أرض عرفة بوابة لدخول حرمه المقدس، فعلى المؤمن أن يبدأ فيهما بتهذيب نفسه، والتخلّق بأخلاق ربّه، والسّعي الدؤوب لتذليل كل شيء في ذات الله، وجلببته بثوب العبودية والفقر لله تعالى، ليأتي عليه شهر رمضان المبارك، وهو طاهرٌ من درن الذنوب والخطايا، قد نفض عن قلبه ونفسه وعقله غبار التعلق بغيره تعالى.

ويعتبر شهر رجب من أكثر الشهور مناسبات، وأيام الله فيه كثيرة، ومن تلك المناسبات ولادة المعصومين: أمير المؤمنين(ع) ، والأئمة الباقر والجواد والهادي(عليهم السلام).، وشهادة الإمامين الكاظم والهادي(ع) ، ووفاة السيدة زينب (عليها السلام) .

ومن أيام الله المشهودات في هذا الشهر المبارك الإسراء والمعراج ويوم المبعث، والأيام البيض، وهي (11-12-13) من الشهر، ويوم النصف منه إذ يحظى باهتمام خاص من لدن أئمتنا(عليهم السلام)...ففي منتصف رجب ليلة ونهاراً يطلبه الغسل وزيارة الحسين والصلاة والدعاء بزيارة يا مذل كل جبار، ودعاء أم داود على ما ذكر في (مفاتيح الجنان ص194) من أعمال شهر رجب.

وقد وصف الرسول الأعظم (ص)، شهر رجب فقال: «إن رجباً شهر الله وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي، فمن صام من رجب يوماً، استوجب رضوان الله الأكبر»([1]).

وفي هذا الشهر  أعمال مهمةً موزّعة على أيامه ولياليه، أهمها الصوم، والصدقة، والصلوات، والغسل، والدعاء بالمأثور، والاجتهاد في طلب الحوائج من الله تعالى. وخصّ من الشهر اليوم الأول بأعمال أهمها الصدقة والصيام وزيارة الحسين(ع)  حيثما تكون.

والليلة الخامسة والعشرون ويومها، حيث ذكرى وفاة الإمام موسى الكاظم(ع) .

وليلة السابعة والعشرون منه باعتبارها بعثة الرسول الأكرم (ص)،.

وفي اليوم الأخير من الشهر يستحب الغسل والصيام.

نسأل الله العلي القدير أن يوفقنا جميعاً للفوز ببركات هذا الشهر، ونيل رضاه، إنه ولي السداد والتوفيق.

 

([1]) مستدرك الوسائل 7: 534.

قال رئيس "اتحاد روهينغا أراكان"، واكادر أودين، إن صور الانتهاكات التي عُرضت على وسائل الإعلام تعكس جزءا بسيطا من الحقيقة، وأن البوذيين ومسؤولي الحكومة الميانمارية يحتفلون بشرب الشمبانيا بينما يتابعون تلك الصور.

جاء ذلك في تصريح أدلى به لمراسل الأناضول، خلال مشاركته في فعالية خاصة بأزمة مسلمي الروهينغا، بولاية قونيا (وسط تركيا)، تطرق خلاله إلى معاناة الروهينغا في أقليم أراكان بميانمار.

وأفاد أودين أن الحكومة الميانمارية والعصابات البوذية ترتكب جرائم وحشية بحق الروهينغا.

وأضاف أن "عدد المسلمين في البلاد حوالي 3 ملايين، عدد من يتعرض منهم للظلم نحو 500 ألف، حيث يجبرون نتيجة ضغوطات الحكومة على مغادرة أراضيهم".

وأردف أن ممارسات الحكومة الميانمارية ترقى إلى درجة الإبادة الجماعية، إذ تسعى لطمس الهوية الروهينغية، من خلال تقليل أعداد الروهينغا والقضاء على معالمهم التاريخية.

وأشار إلى أن "السلطات الميانمارية تغلق دور العبادة الخاصة بالروهينغا، ولا تسمح للمسلمين بالعبادة، كما حوّلت جامعا تاريخيا بالمنطقة يعود إلى القرن السابع عشر، إلى معبد بوذي، وإنها تسعى من خلال هذه الممارسات لتطهير أقليم أراكان من المسلمين وتحويل المنطقة برمتها إلى بوذية".

ولفت إلى أن جذور الروهينغا في أراكان ترجع إلى القرن السابع الميلادي، وأن هذا الأمر موثّق في الكثير من المراجع التاريخية.

وأوضح أن المجتمع الدولي يريد للروهينغا أن يعيشوا كمواطنين من الدرجة الأولى في بلادهم بشكل يتلاءم مع حقوق الإنسان وسط أجواء الأمن والاستقرار.

وكشف عن أن مسلمي الروهينغا يتعرضون لظلم كبير في السنوات الأخيرة، إذ "يتم تدمير قراهم بالجرافات التي هُدمت 266 قرية".

واستطرد "إن الانتهاكات التي تشهدها أراكان اليوم شبيهة جدا بعملية الإبادة الجماعية التي تعرضت لها البوسنة والهرسك سابقا، حيث تم الكشف هناك عن مقابر جماعية، كما هو الحال في أراكان، حيث تتضمن الكثير من المقابر الجماعية".

وأردف أن "إقليم أراكان شهد قصصا أليمة للغاية، فالجرائم التي طالت النساء والفتيات والأطفال، هي من النوع الذي يندى له الجبين".

وبّين أودين أن عدد اللاجئين الروهينغا في المخيمات يبلغ نحو 700 ألف شخص، قرابة 60 بالمئة منهم أطفال، وأنهم يعيشون في ظروف صعبة جدا وُيصابون بالأمراض نتيجة نقص الأغذية.

وأكد على أن الحكومة الميانمارية لا تمنح حق الحياة لمسلمي الروهينغا، حيث قال في هذا الصدد "تجبرهم على وضع أسماء بوذية، وتريد طمس هويتهم، وتعيق زواجهم، فلو أراد أحد الروهينغيين الزواج فإن مدة حصوله على الإذن تصل إلى 10 سنوات".

وأضاف أن السلطات الميانمارية تفرض "حد الطفلين" على عائلات الروهينغا، وإذا ما أنجبت عائلة طفلا ثالثا فإنها تجبرها على الهجرة.

وأشار إلى أن "السلطات تسلب من الروهينغا أراضيهم وحقولهم، وتقوم بالاعتقالات والتعذيب والإعدامات".

هل ستحصل الانتخابات النيابية في لبنان؟ سؤال غريب طرِح قبل أيّام قليلة، والغرابة ليست فقط في مضمون السؤال، إنّما هي أيضاً من المصدر الذي انطلقَ منه، أي من واشنطن. وأمّا صاحب السؤال فهو شخصية لبنانية تشغل موقعاً وظيفياً فيها ومهمّاً في إحدى المؤسسات الأميركية الكبرى القريبة جداً من موقع القرار في الإدارة الأميركية.

هذه الشخصية، تواصلت هاتفياً من الولايات المتحدة مع شخصية لبنانية في باريس، تربطهما علاقة وثيقة. الشخصية اللبنانية ظنّت بدايةً أنّ هدف صاحب السؤال، هو الاستفسار عن مصير الانتخابات، فردّ على سؤاله بما حرفيتُه: "أكيد ستجري الانتخابات، ولا شيء يمكن أن يمنع إجراءها، وجميع السياسيين اللبنانيين يلتقون على هذا التأكيد.. وقبل أيّام أقفل باب الترشيحات ودخل البلد في مرحلة إعداد اللوائح الانتخابية، والأمور تجري بشكل طبيعي".

لكنّ صاحب السؤال لم يعِر اهتماماً لِما قالته الشخصية اللبنانية، بل إنّه عقّبَ على ما قالته بسؤال جعلَ الشخصية اللبنانية تتيقّن من أنّ خلف سؤاله أمراً ما، حيث قال " .. وهل أنتَ متأكّد من ذلك؟".

إرتابت الشخصية اللبنانية من هذا الكلام، فحاولت الاستفسار، لكنّها لم تتمكّن من انتزاع أيّ توضيح. حول هذا "الأمر ما"، أو ما إذا كان السؤال ملغوماً ويستبطن تفصيلات أبعد منه، أو معلوماتٍ ما تناهت إلى صاحب السؤال من بعض المستويات الاميركية. بل إنّ الشخصية اللبنانية ازدادت إرباكاً وحيرةً عندما قالت لصاحب السؤال: متى سنراك في لبنان؟ فأجاب "كنتُ سآتي لتمضيةِ عطلة الفصح، لكنّني فكّرتُ وعدلتُ عن ذلك في الوقت الحاضر!"، وهنا انتهى الاتصال.

في تقييم هذا السؤال لبنانياً، ثمّة وجهات نظر متعدّدة:

الأولى، تستخفّ بالسؤال وتعتبره بلا أيّ معنى، وفاقداً لقيمته أمام الإجماع اللبناني والإقليمي والدولي على إتمام الانتخابات النيابية في موعدها. ومن دون أيّ تأخير.

الثانية، تجده جديراً بالتوقف عنده، إذ قد يكون مكمّلاً للأسئلة التي ما زالت تُطرَح في لبنان من قبَل شريحة واسعة من اللبنانيين حول مصير الانتخابات وتشكّك بإجرائها.

الثالثة، تجده باعثاً لحذرٍ جدّي، إذ ربّما يكون هذا السؤال وربّما التشكيك بإجراء الانتخابات متداوَلاً به بجدّية سواء في واشنطن أو في أيّ مِن العواصم الغربية.

الرابعة، تجده مبرّراً، في ظلّ الغموض الذي يسود كلَّ ساحات المنطقة المفتوحة أصلاً على شتّى الاحتمالات والمفاجآت والتطوّرات، بما فيها لبنان.

وجهة النظر الرابعة يتبنّاها أحد الخبراء في السياسة الأميركية، الذي يحدّد جملة شواهد باعثة على القلق، بحيث يصبح معها السؤال مشروعاً ليس فقط عن مصير الانتخابات في لبنان، بل عن مصير منطقة الشرق الأوسط بشكل عام:

- الأوّل، التغييرات المتتالية التي تشهدها الإدارة وآخرُها إخراج وزير الخارجية الاميركية ريكس تيلرسون بالإقالة المهينة، وتعيين مدير وكالة الاستخبارات المركزية "سي أي آيه" مايك بومبيو بدلاً منه، وكذلك تعيين "السجانة" صاحبة سجلّ التعذيب في تايلاند جينا هاسبل على رأس الـ "سي أي ايه"، والتي تعكس توجّهاً جدّياً لإيكال زمام الأمور في الادارة الى "الصقور" في المعسكر الجمهوري الحاكم، مع ما قد يَعنيه ذلك من متغيّرات في السياسة الخارجية، ومع ما يعنيه ايضاً من خيارات جديدة من شأنها أن تقود إلى إضرام النار تحت الملفات الحساسة في العالم، وتأجيج المزيد من الحروب المشتعلة أصلاً... أو ربّما فتح جبهات جديدة عابرة للحدود والقارّات.

- الثاني، وضعُ الاتفاق النووي الإيراني على مقصلة الإعدام الاميركية، فقد كان تيلرسون من بين الأطراف المؤثّرة على دونالد ترامب للتريّث في تنفيذ شعار حملتِه الانتخابية المرتبطة بالانسحاب من "تسوية فيينا". إلّا أنّ وزير خارجيته الجديد قد يكون أكثرَ تناغماً مع الرئيس الأميركي، خصوصاً في ما يتعلق بهذا الملف بالذات، وتحديداً على أعتاب نهاية المهلة التي حدّدها ترامب لإعلان خيارهِ بشأن الانسحاب من الاتفاق النووي بحلول شهر أيار المقبل.

ومعلوم هنا أنّ بومبيو يوصَف بأنه "عدوّ متهوّر" لـ "التسوية النووية"، لا بل إنه "معارض شرس" لإيران الدولة والنظام، وليس للاتفاق النووي فحسب، خصوصاً أنه يتحرّك تحت مظلّة اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة، ويشكّل الذراع الطولى لنائب الرئيس الاميركي مايك بنس، الذي يُعتبر الأكثر قرباً والأكثر ولاءً سياسياً وأيديولوجياً لإسرائيل.

من هنا، فإنّ الشهرين المقبلين سيكونان مفصليَّين في حسمِ شكلِ العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران، والقرار الأميركي بشأن الاتفاق النووي، مع أنّ كلّ المؤشرات باتت تشي بعودة التماهي بين الوجهتين الأميركية والإسرائيلية تجاه "تسوية فيينا".

الثالث، إدخال الأزمة السورية في منعطفات خطيرة، عبر العقلية الحربية الجديدة، التي قد تحكم أو تتحكّم بالادارة الاميركية. حيث إنّ هذه العقلية التي أسّست وتؤسس لها التغيرات التي تشهدها الإدارة الأميركية لا بدّ من أن تنعكس بدورها على الملف الشديد الحساسية في السياسة الخارجية الأميركية، والمتمثّل في الحرب السورية. والتي يبدو أنّ معسكر الصقور الجديد متعطّش لعملٍ عسكري يعيد للولايات المتحدة ما يَعتبره «فرصة ضائعة» في الشرق الأوسط. كما لا بدّ من أن تنعكس، أو هي بدأت بالانعكاس على العلاقات الاميركية الروسية.

في رأي خبيرِ السياسة الأميركية، أنّ هيمنة "الصقور"، على وزارة الخارجية، بالتوجّه الحربي الجديد، يشي بأنه قد يدفع بالعلاقات مع روسيا إلى أقصى درجات التوتر، وحول العديد من الملفات الدولية، كما قد يدفع بالتوازي واشنطن الى محاولة تشديد الضغوط السياسية الدولية على روسيا، لوقفِ اندفاعتِها المرشّحة لمزيد من التصاعد مع بدءِ الولاية الرابعة للرئيس فلاديمير بوتين.

ويلفت الخبير إلى أنّ نُذر هذا التوتر في العلاقة الأميركية مع الروس، بدأت تطلّ من البوّابة الفرنسية أوّلاً بالتهديد المتواصل للرئيس الفرنسي بتوجيه ضربةٍ عسكرية لسوريا على خلفية الملف الكيميائي، وكذلك من البوابة البريطانية بالتصعيد الأميركي - البريطاني الأخير ضدّ روسيا، على خلفية الحادثة المثيرة للريبة بشأن «الهجوم الكيميائي، الذي استهدف الجاسوس الروسي المنشقّ سيرغي سكريبال في بريطانيا، ومسارعة واشنطن ولندن الى اتّهام موسكو والشروع في محاولة اتخّاذِ خطوات عدائية، لعزلِ روسيا دولياً.

كما بدأت نُذر هذا التوتّر تطلّ من البوّابة السورية، حيث بات جليّاً أنّ فترة التفاهمات التي شهدتها العلاقات الأميركية - الروسية حول الملف السوري قد باتت صفحةً من الماضي.

وبهذا السياق أيضاً، يقول الخبير، يمكن إدراج الكثير من التحرّكات الأميركية الأخيرة في الميدان السوري، بدءاً بتحريك الملف الكيميائي مجدداً، مروراً باستمالة الأتراك، من بوّابة منبج وعفرين، وصولاً إلى التشويش على كلّ آفاق الحلّ السياسي في سوريا، سواء تعلّقَ الأمر بجنيف أو بأستانا وسوتشي.

لكن ما ينبغي التوقّف عنده ملياً وقراءة أبعادِه بتعمّق،على ما يقول الخبير، هو أنّ التهديدات الأميركية بعمل عسكري مباشر ضدّ الجيش السوري، قابَلها تأكيد روسي بأنّ أيّ خطوة أميركية متهوّرة ستستتبع "الرد المباشر على مصادر النيران". ولقد سبقَ للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن حذّر بشكل واضح، من أنّ أيّ اعتداء "باليستي" على روسيا أو حلفائها سيُعدّ بمثابة هجوم نووي، يَستدعي بالتالي الرد، باستخدام أحدثِ الأسلحة الاستراتيجية».

هذه اللوحة كما يرسمها الخبير، تشِي بمخاطر وتداعيات إنْ حصَل اشتعال في أيّ ملفّ، سواء الملف النووي وآثاره، والتهديد بعمل عسكري أميركي ضد سوريا، وما يُحكى عن تغطية أميركية لحرب إسرائيلية على سوريا. كلّ ذلك من شأنه أن يضَع المنطقة كلّها أمام أفق مجهول، وأمام حرب لا حدود لها، ومِن غير المنطقي في هذه الحالة أن يقالَ إنّ لبنان سيكون بمنأى عنها.

نبيل هيثم

في مرحلة ما، كان المحور المقابل يعاني من غياب شريك فاعل في الساحة الإسلامية "السنية" يدحض التفاهم معه مذهبية الصراع في المنطقة. وبالرغم من محاولة إيران الرهان على حركة "الإخوان المسلمين" في مصر تحديدًا إبّان حكم محمد مرسي، إلا أنّ تجربة الإخوان في علاقاتها الخارجية عكست غياب الرؤية لديها داخليًا، ولم تُحسن إلتقاط الفرصة.

يُنقل عن دبلوماسي أميركي "عريق" معروف بقربه من إسرائيل قوله إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب "سعيد برؤية بنيامين نتنياهو و محمد بن سلمان يتوليان القيادة" وملء الفراغ الذي خلّفه الإنسحاب الأميركي من الشرق الأوسط، وتحديدًا من سوريا. هكذا يردّ الدبلوماسي الأميركي على التحليلات القائلة بأن الرياض وتل أبيب يسعيان لإعادة النفوذ الأميركي إلى المنطقة.

تطرق أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في كلمته التلفزيونية قبل الأخيرة في 10/11/2017 إلى قاعدة تحكم المشهد الإقليمي: "إسرائيل لا تعمل عند السعودية بل عند الولايات المتحدة وعند مصالحها وإسرائيل لن تذهب إلى حرب مع لبنان إلا إذا كانت سريعة".

قبل حرب تموز 2006، كان التقدير السائد أن إسرائيل تحكمها عوامل أخف قيداً عند دراسة قرار الحرب. بعد حرب تموز/ يوليو، بات التقدير أنّ إسرائيل لا تذهب إلى حرب من دون ضوء أخضر أميركي بالكامل.

ما القواعد الحاكمة الآن؟ هل بمقدور السعودية إقناع اسرائيل بشنّ حرب في المنطقة وإلى أي مدى بمقدور دول وجهات عربية لا تسير في الفلك السعودي أن تشكلّ عنصر توازن في وجه محاولات "مذهبة" الصراع؟

تُجمع التقديرات العسكرية الإسرائيلية، والأميركية، على إكتساب حزب الله لخبرات نوعية نتيجة الحرب في سوريا. لكن بُعدًا أخراً يتم إدراجه في حسابات الحرب: الإستنزاف. تعتقد العديد من الدراسات المرموقة، البعيدة عن العناوين الإعلامية البرّاقة، أنّ حزب الله قد وجد نفسه يقاتل "مسلمين" مثله في سوريا. ترتبط هذه الفكرة من منظور إسرائيلي بما تعتبره تل أبيب فرصةً لإضفاء طابع مذهبي على الصراع بالإستناد إلى آلة إعلامية محترفة تدفع بهذا الإتجاه. في الإتجاه نفسه، يكاد مصطلح "الدول السنية المعتدلة" لا يغيب عن أدبيات القادة والإعلام الإسرائيليين منذ حرب تموز 2006.

في مرحلة ما، كان المحور المقابل يعاني من غياب شريك فاعل في الساحة الإسلامية "السنية" يدحض التفاهم معه مذهبية الصراع في المنطقة. وبالرغم من محاولة إيران الرهان على حركة "الإخوان المسلمين" في مصر تحديدًا إبّان حكم محمد مرسي، إلا أنّ تجربة الإخوان في علاقاتها الخارجية عكست غياب الرؤية لديها داخليًا، ولم تُحسن إلتقاط الفرصة.

وبعد أن بدأت إرهاصات الإتفاق النووي مع إيران تلوح في الأفق، ضغطت إسرائيل أكثر باتجاه تقديم العالم العربي على أنه خاسرٌ من الإتفاق، مع أنّ مضمونه يعكس بوضوح إشارات للسلام الدولي والإقليمي ورغبةً إيرانية في فكّ الحصار. يمكن تحميل إيران وحلفائها مسؤولية محددة في هذه المسألة لناحية طريقة تقديم الإتفاق النووي للمحيط العربي إعلاميًا وسياسيًا، ما ساهم عن غير قصد في تعزيز "بروباغندا" الدول والجهات التي وجدت نفسها خاسرة منه؛ وفي مقدمها السعودية وإسرائيل.

لم تكن المفاوضات حول النووي الإيراني قد وصلت إلى مرحلة الإتفاق، حين بدأ اللبنانيون يتهامسون في الصالونات السياسية أنباءَ عن مداورة في موقع الرئاسات الثلاث، فضلًا عن إتفاق لتحويل حزب الله إلى ما يشبه "الحرس الثوري" للجمهورية اللبنانية. لم تكن هذه الأنباء بريئة، بل كانت إحدى خطوات التأجيج المذهبي والطائفي في لبنان، نظرًا لحساسية أي حديث يدور حول تغيير في شكل النظام المعتمد منذ عشرات السنين. بالتوازي، كان وزير الخارجية السعودي "عادل الجبير" يتنقل بين العواصم، ومن بينها بغداد، ناقلًا "تمنيات" بحصول حرب أميركية – إسرائيلية على إيران و حزب الله، مع أن السياق الأميركي وقتها كان قد بدأ بإعادة التموضع في الشرق الأوسط مع إقتراب نهاية ولاية باراك أوباما، وتصاعد الحديث في أروقة واشنطن حول الحاجة لنقل الإهتمام إلى الشرق الأدنى.

ناهيك عن أنّ المصلحة الفعلية الأميركية والإسرائيلية كانت حتى تلك اللحظة في الإستمرار في "إشغال" حزب والله وإيران في سوريا. فما الحاجة للذهاب إلى حرب إقليمية ما دامت سوريا "تستنزف" أعداء إسرائيل، بحسب تقديراتها؟

أما وقد انتهت ورقة "داعش" العسكرية، وباتت "النصرة" محاصرةً في جيب جغرافي سهل التعامل معه نسبيًا، فإنّ "الإستنزاف" الذي كانت تحسبه إسرائيل ورقة رابحة قد إنتفى، وهناك حاجة لتثبيت اركان نظرية "الدول السنية المعتدلة" التي تنادي بها تل أبيب منذ أكثر من عقد من الزمن.

في هذه اللحظة، إرتكبت السعودية خطأ استراتيجيًا لا يمكن فهمه سوى بأنه نتيجة إنفعال وتسرّع "الحاكمون الجدد" في المملكة، من خلال إستعداء قطر وشرخ التحالف الخليجي الهش.

هذا الإستعداء أثار بطبيعة الحال شهية الإدارة الأميركية للمال عملًا بسياسة الإبتزاز الرسمية التي نجح دونالد ترامب في جعلها منهجًا لسياسة واشنطن الخارجية، في ظلّ صمت إسرائيلي حيال الأزمة تخرقه بين الحين والأخر تحذيرات من تطور الخلاف العربي – العربي !

عند هذه النقطة، تبحث الرياض وتل ابيب مرة جديدة عن التقاء المصالح. ليس من مصلحة السعودية وجود أصوات عربية معارضة لتزعمها وقيادتها العالم العربي. وليس من مصلحة إسرائيل وجود "دول سنية غير معتدلة". لذا، ستجد المقاومة الفلسطينية نفسها محاصرة وسط هاتين المصلحتين، وليس مستبعدًا أن تقع إسرئيل في حسابات خاطئة عند جبهتها الجنوبية نتيجة إلتقاء المصالح مع السعودية. لهذا حذر أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير المقاومة الفلسطينية من مخاطر المرحلة المقبلة، ولهذا أيضاً أشار بوضوح إلى عمل الحزب على نقل السلاح النوعي إلى فلسطين المحتلة.

علي شهاب

أجرى وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي مباحثات مع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني في العاصمة طهران التي وصلها مساء الجمعة، تركّزت على آخر التطورات الإقليمية والدولية.

بن علوي الذي سيلتقي غداً الأحد نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، أكّد أنّ إيران دولة صديقة وشريكة لسلطنة عمان، واصفاً إياها بالجار الموثوق ومقدّراً دورها في توفير الاستقرار والأمن للمنطقة.

وأكد الوزير العماني عقب لقائه بشمخاني أنّ الاستفادة من الأدوات العسكرية لتنفيذ الأجندات السياسية "سلوك غير مقبول"، وأنّ تجارب السنوات الماضية التي أظهرت هدر الثروات الإنسانية والمالية لدول المنطقة تُثبت أنه يجب انتهاج "الحوار والتفاهم بدل العنف والعسكرة".

من ناحيته أكّد شمخاني أنّ أمن الخليج(الفارسي) والمنطقة يكمن في التعددية والابتعاد عن أي خلق للتوتر والتركيز على المشاركة الإقليمية المسؤولة.

وإذ شدد شمخاني على أنّ تعزيز العلاقات البنّاءة على جميع الصعد مع جوار إيران وفق المصالح المشتركة هو أبرز أولويات السياسة الخارجية لبلاده، أوضح أيضاً أنّ سياسة إيران في تعزيز العلاقات مبنية على التعاون والتفاهم وضبط النفس.

ورأى أمين المجلس الأعلى للأمن القومي أن بعض دول المنطقة ابتعدت عن "الحكم الرشيد وباتت تنهج سلوكاً متسرّعاً وتطلق تصريحات متكبّرة"، وأنها جعلت إدارة أزمات المنطقة تواجه مشكلات جدية.

 

تطابق في المواقف بين طهران ومسقط حول سبل حل الأزمة اليمنية

ولفت شمخاني إلى أن بلاده قلقة من استمرار قتل النساء والأطفال في اليمن، ومواصلة السعودية والإمارات قصف هذا البلد، مشدداً على أن مواقف طهران ومسقط مشتركة بشأن أزمة اليمن وهي وقف الحرب سريعاً وتثبيت وقف إطلاق النار ورفع الحصار وإرسال المساعدات الإنسانية وانطلاق حوار يمني – يمني لتأسيس هيكليات سياسية جديدة حسب إرادة الشعب اليمني.

وتابع شمخاني "لا حلّ عسكريّ للأزمة اليمنية والطريق الوحيد لإعادة الأمن والاستقرار إلى اليمن هو الاستفادة من الحلول وإشراك المجموعات اليمنية السياسية والقومية ذات الأرضية الشعبية في الهيكلية السياسية المستقبلية".

 

تحذير إيراني لأوروبا..والبرنامج الصاروخي مستمر بطبيعته الردعية

وتطرّق شمخاني إلى ما تمّ تسريبه إعلامياً حول عقوبات أوروبية محتملة على بلاده فيما يتعلٌّ بالاتفاق النووي الإيراني وقال إنّ عدم التزام أميركا بعهودها وسلوكها غير القانوني حيال الاتفاق النووي وموقف أوروبا "المنفعل من ذلك" هو دليل واضح على ضرورة تركيز دول المنطقة جهودها على "الحلول المحلية" لحل الأزمات والمشكلات.

وبحسب شمخاني فإنّ إيران ستردّ بشكل مناسب وفي الوقت المناسب على نقض أميركا المكرّر لعهودها في الاتفاق النووي، مؤكداً أن طهران لن تقبل أي تغيير أو خطوة تحدّ جديدة من الاتفاق النووي.

وحذّر المسؤول الإيراني أوروبا "من اللعب في أرض أميركا وإسرائيل والردّ بإيجابية على ابتزازها بحجة الحفاظ على الاتفاق النووي".

شمخاني الذي أوضح أنّ قدرات إيران الدفاعية خاصة البرنامج الصاروخي هو ذو "طبيعة ردعية" ومبنية على أساس ضرورات الأمن القومي، قال إنّه البرنامج سيتواصل بجدية وأنّ "الضوضاء السياسية والإعلامية" لن تؤثر في استمراره.

بدأت وزارة العمل السعودية، اليوم الأحد، تطبيق قرار قصر العمل في منافذ تأجير السيارات في مناطق المملكة كافة على السعوديين، لتوفير 21 ألف وظيفة للمواطنين.

وقالت الوزارة في بيان، إن القرار يأتي لرفع مستوى مشاركة الكوادر الوطنية البشرية في سوق العمل، من خلال توفير حلول نوعية تعزز التوطين المنتج والمستدام لسوق العمل.

وأكد المتحدث الرسمي للوزارة خالد أبا الخيل في البيان، أن "المهن المشمولة بقرار توطين منافذ تأجير السيارات هي: المحاسبة، والإشراف، والمبيعات، والاستلام والتسليم".

وتعتمد السعودية وبقية دول الخليج، بشكل كبير على العمالة الأجنبية.

بلغ عدد المشتغلين في السعودية بنهاية الربع الثالث 2017، نحو 13.76 مليون فردا، 10.69 ملايين منهم أجانب (77.7 بالمائة)، مقابل 3.06 ملايين سعوديين (22.3 بالمائة).

كانت السعودية كثفت خلال العامين الماضيين من توطين العمالة المحلية في عديد القطاعات الاقتصادية، واشترطت عمالة محلية فقط في قطاعات عدة كالتأمين والاتصالات والمواصلات، مع بلوغ نسب بطالة الموطنين في المملكة 12.8 بالمائة.

وستقصر الحكومة السعودية، العمل في منافذ البيع لـ 12 نشاطا ومهنة معظمها بقطاع التجزئة، على السعوديين والسعوديات فقط، بدءا من 11 سبتمبر/ أيلول المقبل.