Super User

Super User

الخميس, 28 كانون1/ديسمبر 2017 11:27

حفتر يقبل إجراء انتخابات في ليبيا

أعلن المتحدث باسم القوات التي يقودها خليفة حفتر، اليوم الأربعاء، رسميا، قبولهم ودعمهم للانتخابات البرلمانية والرئاسية المزمع إجراؤها وفق خارطة طريق أممية.

جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقده المتحدث باسم قوات حفتر العميد أحمد المسماري، اليوم، في بنغازي شرقي ليبيا، خصصه للإعلان عن "موقف القيادة من عملية الانتخابات المتوقع انطلاقها في 2018".

وطالب المسماري، مجلس النواب الليبي المنعقد في طبرق (شرق)، بسرعة إصدار قانون الانتخابات.

وقال: "يجب أن يصدر قانون ترتيب الانتخابات قبل انطلاقها بوقت كافي".

وأشار إلى استعداد قواته لتأمين جميع مراكز الاقتراع خلال الانتخابات المقبلة.

واستدرك قائلا: "لكننا غير مسؤولين عن صناديق الاقتراع بعد خروجها من مراكز الاقتراع".

وطرح المسماري، شروط قوات حفتر، للاستمرار في دعم الانتخابات، والتي من أهمها أن "تجري الانتخابات بإشراف الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، والمجتمع الدولي لضمان نزاهتها.

والأسبوع الماضي، أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، تقدّم خطة العمل التي تبناها مجلس الأمن الدولي قبل 3 أشهر، والمرتكزة على إجراء انتخابات في ليبيا.

والسبت الماضي، قال المسماري، في تصريحات إعلامية، إن "القيادة (حفتر) ترحب بخيار الانتخابات، بشرط أن تكون حرة ونزيهة وبإشراف قضائي، وأن تخضع لمراقبة المجتمع الدولي".

يأتي ذلك عقب إعلان حفتر، نهاية صلاحية الاتفاق السياسي الليبي في 17 ديسمبر/ كانون أول الجاري، قبل أن يتراجع عن موقفه بإعلان قبول الانتخابات، بعد لقائه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، بمدينة بنغازي (شرق)، الخميس الماضي.

واختتمت، قبل أشهر، ثاني جولات مفاوضات تعديل الاتفاق السياسي بمشاركة لجنتي حوار من مجلسي النواب و"الأعلى للدولة" (هيئة استشارية نيابية)، برعاية البعثة الأممية بليبيا التي أطلقت في 20 سبتمبر/ أيلول الماضي خارطة طريق تقود، في نهايتها، نحو إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بالبلاد.

وتعتمد الخارطة التي طرحها المبعوث الأممي سلامة على 3 مراحل من المفترض أن تنتهي مرحلتيها الأولى والثانية خلال عام، بحسب الوعاء الزمني الموضوع في تلك الخارطة.

وتنص الخارطة في مرحلتها الأولى علي وجوب "تعديل الاتفاق" (اتفاق الصخيرات)، قبل الدخول بمرحلة ثانية تشمل عقد مؤتمر وطني يهدف لفتح الباب أمام أولئك الذين تم استبعادهم (من جولات الحوار السابق)".

ووقعت، في منتجع الصخيرات المغربية في 2015، وثيقة اتفاق سياسي بين أطراف النزاع السياسي الليبي، لإنهاء حالة الانقسام في البلاد، وتشكيل حكومة وفاق وطني، لكنها لم تحصل حتى اليوم على ثقة البرلمان، رغم الدعم والاعتراف الدولي واسع الذي تحظى به.

التقى رئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية "حسن روحاني"، مساء اليوم الاحد وعشية ذكرى ميلاد النبي عيسى المسيح (ع) وبدء العام الميلادي الجديد 2018، عائلة الشهيد الارمني "جورج كشيش هارطون".

وقدم رئيس الجمهورية حسن روحاني في هذا اللقاء تبريكاته بمناسبة ميلاد النبي عيسى (ع) الى جميع البشرية، معربا عن أمله في ان تتمكن شخصية المسيح (ع) وتعاليمه من قيادة الانسانية نحو السلام والهدوء والتعايش السلمي.

وثمن رئيس الجمهورية صبر وتضحيات آباء الشهداء الابرار، وقال: ان الشعب الايراني بأسره هو حافظ دماء الشهداء الاعزاء، الذين ضحوا بأرواحهم للدفاع عن ايران.

واوضح الرئيس روحاني ان جميع الاديان والطوائف والاعراق يعيشون في ايران جنبا الى جنبا ويتشاركون في الافراح والاحزان، مضيفا: ان شعبنا عاش دوما جنبا الى جنب وسيظل كذلك.

واشار رئيس الجمهورية الى ظروف المسيحيين في منطقة الشرق الاوسط، وقال: ان المسيحيين تكبدوا خسائر عديدة في العراق وسوريا ولبنان من قبل الارهابيين، كما ان هذه الظروف كانت سائدة بالنسبة للمسلمين، وبالتالي فإن الإرهابيين اوجدوا ظروفا ربطت مصير المسلمين والمسيحيين أكثر وأكثر، وفي مثل هذه الظروف من الضروري ان نتعاون فيما بيننا اكثر من السابق. 

وفي هذا اللقاء اعربت والدة الشهيد "جورج كشيش هارطون" واخواته عن سعادتهم لزيارة الرئيس روحاني، وتحدثوا عن ذكرياتهم عن الشهيد.

يذكر ان الشهيد "جورج كشيش هارطون" استشهد عام 1988 وفي سنة 26 عاما في منطقة كيلان غرب وعمليات مرصاد بمحافظة كرمانشاه، اثناء الحرب المفروضة التي شنها نظام صدام المقبور على ايران.

كما التقى رئيس الجمهورية "حسن روحاني" مساء اليوم وبنفس المناسبة، عائلة الشهيد "ادوين شاهميريان" الذي استشهد عام 1987 في سن 20 عاما في منطقة ميمك بمحافظة ايلام. واكد الرئيس روحاني في هذا اللقاء ان الارامنة يحظون بالاحترام ومكانة عالية لدى الشعب الايراني.

وقال: ان الشعب الايراني يقدر تضحيات الشهداء وصبر ومقاومة عوائل الشهداء الابرار.

وفي هذين اللقائين قدم مساعد رئيس الجمهورية ورئيس مؤسسة الشهيد وشؤون المضحين،سيد محمد علي شهيدي، شهادة تقدير من قبل الرئيس روحاني الى عائلتي الشهيدين.

غادر رئيس منظمة الحج والزيارة الايرانية "حميد محمدي" طهران ظهر اليوم الاربعاء متوجها الى السعودية على رأس وفد لاجراء محادثات مع مسؤولي الحج في هذا البلد.

وتأتي زيارة محمدي تلبية لدعوة من وزارة الحج والزيارة السعودية لاجراء محادثات حول مشاركة الحجاج الايرانيين في اداء فريضة الحج العام المقبل والمسائل المتعلقة بها.

وقال رئيس منظمة الحج والزيارة قبيل مغادرته طهران حول هدف هذه الزيارة: كل عام قبل بدء موسم الحج، يتم بحث برامج  ومتطلبات تنفيذ الحج مع مسؤولي الحج في السعودية والمؤسسات المعنية، وبالتالي يتم ابرام اتفاق حول التنسيق والتزامات الجانبين، وهذا العام ايضا مثل الاعوام السابقة.

واكد محمدي ان منظمة الحج والزيارة تسعى الى تلبية توقعات الشعب ومسؤولي البلاد حول اداء الحجاج الايرانيين لمناسك الحج بكل عزة واحترام.

واشار رئيس منظمة الحج والزيارة الى رضى الحجاج الايرانيين لظروف وخدمات الحج العام الماضي، معتبرا ان اهم اولوية للوفد الايراني تحقيق الظروف والارضية المطلوبة لضمان الامن وصون عزة وكرامة الحجاج الايرانيين، وكذلك تسهيل الخدمات الرفاهية وضمان راحتهم طيلة هذا السفر المعنوي، وموفقيتهم في اداء فريضة الحج.

واعرب محمدي عن أمله في ان يتمكن الوفد الايراني من تحديد آليات العمل في هذا المجال.

واضاف: من المؤكد ان احد المحاور الهامة في المفاوضات هي متابعة قضايا منى وشهداء منى وشهداء حادثة سقوط رافعة البناء في الحرم المكي في موسم حج عام 2015.

وحول عدد الحجاج الايرانيين، قال: ان تحديد عدد الحجاج للعام 2018 هي احد المواضيع التي سيتم بحثها في هذه المفاوضات، ومن الطبيعي فان عدد الحجاج سيكون على اساس الخطط التنفيذية اللاحقة للحج لعام 2018، وتقديم الخدمات بما في ذلك التأشيرات والاسكان والاطعام والنقل وغيرها من الامور، وسنسعى الى زيادة حصة ايران في موسم الحج العام المقبل مقارنة مع الموسم الماضي والذي كان 86 ألف شخص.

وتابع رئيس منظمة الحج والزيارة قائلا: ان المبادئ التي اكدت عليها الجمهورية الاسلامية الايرانية العام الماضي اي أمن وعزة وكرامة الحجاج، ستكون كذلك محل تأكيدنا الجاد.

وحول موعد اجراء المفاوضات، قال محمدي: ان مفاوضات الحج في العام الماضي اجريت متأخرة جدا، لكن الفترة المحددة للمفاوضات المقبلة، تعتبر مناسبة وتقريبا في فترة مبكرة.

يذكر ان مفاوضات مطولة حول الحج العام الماضي انجزت بنجاح بعد توقف عام عن ايفاد الحجاج الايرانيين، واستنادا الى الاتفاقية الموقعة العام الماضي فقد جرى اداء فريضة الحج بعزة وكرامة بحيث نالت رضى الحجاج والشعب والمسؤولين ومراجع الدين.

صادق مجلس الشورى الاسلامي بالاجماع على مشروع قرار يكلف الحكومة بدعم القدس الموحدة عاصمة ابدية لفلسطين.

وفي اجتماعهم اليوم الاربعاء صادق النواب على مشروع قرار بمادة واحدة وبصفة عاجلة جدا على اعلان القدس عاصمة ابدية لفلسطين.

ووفقا لمشروع القرار فان الحكومة مكلفة بدعم القدس الموحدة عاصمة ابدية لفلسطين.

وايد القرار جميع النواب الحاضرين في الاجتماع وعددهم 207 نواب من دون اي صوت معارض او ممتنع.

وكان النواب قد وافقوا في اجتماعهم يوم الاحد على دراسة هذا المشروع بصفة عاجلة جدا.

الأربعاء, 27 كانون1/ديسمبر 2017 06:39

معلومات عن أجمل المساجد فی العالم

هذه لمحة عن أجمل المساجد فی العالم التی قام القائمون علیها بجعلها فی اروع واجمل مظهر حضاری والتی تعد معلم ثقافی واجتماعی فی البلدان المتواجدة فیها.

 

* مسجد " ایا صوفیا " او " الحکمة المقدسة "

 

کان کنیسة بناها الامبراطور " جیستنیان " عام 326 م ولکن عندما دخل الحکم العثمانی أمر السلطان

" محمد الفاتح " بتحویل هذه الکنیسة الى مسجد عام 1453 م ثم فی العهد الاتاتورکی وفی عام

1935 م أمر " مصطفی کمال اتاتورک " بتحویل هذا المسجد الى متحف کبیر ویعد من اشهر المعالم

السیاحیة فی ترکیا.

 

مسجد الکریستال أو ما یسمى crystal mosque

 

یقع هذا المسجد الرائع فی مالیزیا بلد المساجد الرائعة والفریدة من نوعها فی العالم ویقع تحدیداً فی الحدیقة التراثیة فی منطقة ون مان ایلاند فی ولایة ترینغانو  تم بناء هذا المسجد بعد أمر من سلطان ترینغانو.

السلطان میزان زین العابدین وتم بنائه بین عامین 2006 و 2008 وتم افتتاح هذا المسجد الکریستالی الجمیل رسمیاًفی 8 فبرایر من عام 2008.

 

مسجد برونای الذهبی:

 

مسجد مصنوع من الذهب واسمه مــسجد عـــمر عـــلى ســـیف الدیــن شید على بحیرة صغیرة وسط العاصمة بندر سیری بیجاوان وهو، بدون شک، أجمل مسجد فی سلطنة برونای

 

مسجد السلطان أحمد أو المسجد الأزرق بترکیا

 

من أعظم المبانی سمى المسجد الأزرق لأنه مزین بقطع الخزف الأزرق من الداخل.

أراد المهندس الذى بناه أن یبنى ما هو أجمل من أیا صوفیا فکان له ما أراد هذا المسجد موجود فی مدینة " بورصة " وهی رابع المدن المهمه فی ترکیا بعد اسطنبول وانقره وازمیر.و یعتبر هذا المسجد من المساجد التاریخیه فی ترکیا وبنی عام 1379 م.

 

 مسجد العبودیة

 

یعد مسجد "العبودیة" من أجمل المساجد فی مالیزیا، وقد تم بناءه عام 1917 بعد أمر من سلطان بیراک إدریس مرشد الأعظم شاه بعد ندره ببناء مسجد إن شفاه الله من مرض کان یعانی منه.

 

مسجد الشیخ زاید

 

مسجد الشیخ زاید یعتبر رابع أکبر مسجد فی العالم بمساحة تبلغ 412.22 متر مربع وهو یتسع لحوالی 40 ألف مصل.

الأربعاء, 27 كانون1/ديسمبر 2017 06:37

العُجب

وهو استعظام الانسان نفسه، لاتصافه بخلة کریمة، ومزیة مشرّفة، کالعلم والمال والجاه والعمل الصالح.ویتمیز العجب عن التکبر، بأنه استعظام النفس مجرداً عن التعالی على الغیر، والتکبر هما معاً.والعُجب من الصفات المقیتة، والخلال المنفّرة، الدّالة على ضعة النفس، وضیق الأفق، وصفاقة الأخلاق، وقد نهت الشریعة عنه، وحذّرت منه.

قال تعالى: «فلا تزّکوا أنفسکم هو أعلم بمن اتقى»(1)

وقال الصادق علیه السلام: «من دخله العُجب هلک»(2)

وعنه علیه السلام قال: «قال ابلیس لعنه اللّه لجنوده: اذا استمکنت من ابن آدم فی ثلاث لم أبال ما عمل، فإنه غیر مقبول منه، إذا استکثر عمله، ونسی ذنبه، ودخله العُجب»(3)

وقال الباقر علیه السلام: «ثلاث هن قاصمات الظهر: رجل استکثر عمله، ونسی ذنوبه، وأعجب برأیه»(4)

وقال الصادق علیه السلام: «أتى عالم عابداً فقال له: کیف صلاتک؟ فقال: مثلی یُسأل عن صلاته؟ وأنا أعبد اللّه تعالى منذ کذا وکذا، قال: فکیف بکاؤک؟ قال: أبکی حتى تجری دموعی. فقال له العالم: فإن ضحکک وأنت خائف خیر من بکائک وأنت مُدِل، إنّ المدل لا یصعد من عمله شیء»(5)

وعن أحدهما علیهما السلام، قال: «دخل رجلان المسجد أحدهما عابد والآخر فاسق، فخرجا من المسجد، والفاسق صدّیق، والعابد فاسق، وذلک: أنه یدخل العابد المسجد مدلاً بعبادته، یُدلّ بها، فیکون فکرته فی ذلک، ویکون فکرة الفاسق فی الندم على فسقه، ویستغفر اللّه تعالى لما ذَکَرَ من الذنوب»(6)

وعن أبی عبد اللّه عن آبائه علیهم السلام قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه علیه وآله: لولا أنّ الذنب خیر للمؤمن من العجب، ما خلّى اللّه بین عبده المؤمن وبین ذنب أبداً»(7)

والجدیر بالذکر: أنّ العُجب الذمیم هو استکثار العمل الصالح،والإدلال به، أما السرور به مع التواضع للّه تعالى، والشکر له على توفیقه لطاعتِه، فذلک ممدوح ولا ضیر فیه.

مساوئ العجب:

للعجب أضرار ومساوئ:

1- إنه سبب الأنانیة والتکبر، فمن أعجب بنفسه إزدهاه العُجب، وتعالى على الناس، وتجبّر علیهم، وذلک یسبب مقت الناس وهوانهم له.

2- إنه یعمی صاحبه عن نقائصه ومساوئه، فلا یهتم بتجمیل نفسه، وملافاة نقائصه، مما یجعله فی غمرة الجهل والتخلف.

3- إنه باعث على استکثار الطاعة، والإدلال بها، وتناسی الذنوب والآثام، وفی ذلک أضرار بلیغة، فتناسی الذنوب یعیق عن التوبة والانابة الى اللّه عز وجل منها، ویعرّض ذویها لسخطه وعقابه، واستکثار الطاعة والعبادة یکدّرها بالعُجب والتعامی عن آفاتها، فلا تنال شرف الرضا والقبول من المولى عز وجل.

علاج العُجب:

وحیث کان العُجب والتکبر صنوین من أصل واحد، وإن اختلفا فی الاتجاه، فالعجب کما أسلفنا استعظام النفس مجرداً عن التعالی، والتکبر

هما معاً، فعلاجهما واحد، وجدیر بالمعجب بنفسه، أن یدرک أن جمیع ما یبعثه على الزهو والاعجاب من صنوف الفضائل والمزایا، إنما هی نعم إلهیة یسدیها المولى الى من شاء من عباده، فهی أحرى بالحمد، وأجدر بالشکر من العجب والخیلاء.

وهی الى ذلک عرضة لصروف الأقدار، وعوادی الدهر، فما للانسان والعجب!!

ومن طریف ما نقل عن بعض الصلحاء فی ملافاة خواطر العجب:

قیل: إن بعضهم خرج فی جنح الظلام متجهاً الى بعض المشاهد المشرفة، لأداء مراسم العبادة والزیارة، فبینا هو فی طریقه إذ فاجأه العجب بخروجه سحراً، ومجافاته لذة الدفء وحلاوة الکرى من أجل العبادة.فلاح له آنذاک، بائع شلغم فانبرى نحوه، فسأله کم تربح فی کسبک وعناء خروجک فی هذا الوقت؟ فأجابه: درهمین أو ثلاث، فرجع الى نفسه مخاطباً لها علام العجب؟ وقیمة إسحاری لا تزید عن درهمین أو ثلاث .

ونقل عن اخر: أنه عمل فی لیلة القدر أعمالاً جمةً من الصلوات والدعوات والأوراد، استثارت عُجبه، فراح یعالجه بحکمة وسداد: فقال لبعض المتعبدین: کم تتقاضى على القیام بأعمال هذه اللیلة، وهی کیت وکیت. فقال: نصف دینار، فرجع الى نفسه مؤنباً لها وموحیاً الیها، علام العُجب وقیمة أعمالی کلها نصف دینار؟

الیقین:

وهو: الاعتقاد باُصول الدین وضروراته، اعتقاداً ثابتاً، مطابقاً للواقع، لا تزعزعه الشبه، فإن لم یطابق الواقع فهو جهل مرکب.

والیقین هو غرّة الفضائل النفسیة، وأعزّ المواهب الإلهیّة، ورمز الوعی والکمال، وسبیل السعادة فی الدارین. وقد أولته الشریعة اهتماماً بالغاً ومجّدت ذویه تمجیداً عاطراً، والیک طرفاً منه:

قال الامام الصادق علیه السلام: «إنّ الإیمان أفضل من الاسلام، وإنّ الیقین أفضل من الإیمان، وما من شیء أعزّ من الیقین»(8)

وقال علیه السلام: «إنّ العمل الدائم القلیل على الیقین، أفضل عند اللّه من العمل الکثیر على غیر یقین»(9)

وقال الامام الصادق علیه السلام: «من صحة یقین المرء المسلم، أن لا یُرضی الناس بسخط اللّه، ولا یلومهم على ما لم یأته اللّه، فإنّ الرزق لا یسوقه حرص حریص، ولا یردّه کراهیة کاره، ولو أن أحدکم فرّ من رزقه کما یفر من الموت، لأدرکه رزقه کما یدرکه الموت».

ثم قال: «إنّ اللّه بعدله وقسطه جعل الروح والراحة فی الیقین والرضا، وجعل الهمّ والحزن فی الشک والسخط»(10).وعنه علیه السلام قال: کان أمیر المؤمنین علیه السلام یقول: «لا یَجدُ عبد طعم الایمان، حتى یعلم أنّ ما أصابه لم یکن لیخطئه، وانّ ما أخطأه لم یکن لیصیبه، وان الضار النافع هو اللّه تعالى»(11)

وسُئل الامام الرضا علیه السلام عن رجل یقول بالحق ویسرف على نفسه، بشرب الخمر ویأتی الکبائر، وعن رجل دونه فی الیقین وهو لا یأتی ما یأتیه، فقال علیه السلام: أحسنهما یقیناً کالنائم على المحجة، اذا انتبه رکبها، والأدون الذی یدخله الشک کالنائم على غیر طریق، لا یدری اذا انتبه أیّهما المحجّة»(12)

وقال الصادق علیه السلام: إن رسول اللّه صلى اللّه علیه وآله صلى بالناس الصبح، فنظر الى شاب فی المسجد وهو یخفق ویهوی برأسه، مصفراً لونه، قد نحف جسمه، وغارت عیناه فی رأسه، فقال له رسول اللّه: کیف أصبحت یا فلان؟ قال: أصبحت یا رسول اللّه موقناً، فعجب رسول اللّه من قوله، وقال له: إن لکل یقین حقیقة، فما حقیقة یقینک؟

فقال: إنّ یقینی یا رسول اللّه هو الذی أحزننی، وأسهر لیلی، وأظمأ هواجری، فعزفت نفسی عن الدنیا وما فیها، حتى کأنی أنظر الى

عرش ربی، وقد نصب للحساب، وحُشر الخلائق لذلک، وأنا فیهم، وکأنی أنظر الى أهل الجنة یتنعمون فی الجنة ویتعارفون، على الأرائک متکئون، وکأنی أنظر الى أهل النار وهم فیها معذَّبون، مصطفون، وکأن الآن استمع زفیر النار یدور فی مسامعی.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه علیه وآله لأصحابه: هذا عبد نوّر اللّه قلبه بالایمان، ثم قال له: إلزَم ما أنت علیه، فقال الشاب: أدع اللّه لی یا رسول اللّه أن أرزق الشهادة معک، فدعا له رسول اللّه فلم یلبث أن خرج فی بعض غزوات النبی فاستُشهد بعد تسعة نفر وکان هو العاشر»(13)

خصائص الموقنین:متى ازدهرت النفس بالیقین، واستنارت بشعاعه الوهّاج، عکست على ذویها ألواناً من الجمال والکمال النفسیین، وتسامت بهم الى أوج روحی رفیع، یتألقون فی آفاقه تألق الکواکب النیرة، ویتمیزون عن الناس تمیز الجواهر الفریدة من الحصا.

فمن أبرز خصائصهم ومزایاهم، أنک تجدهم دائبین فی التحلی بمکارم الأخلاق، ومحاسن الأفعال، وتجنب رذائلها ومساوئها، لا تخدعهم زخاف الحیاة، ولا تلهیهم عن تصعید کفاءاتهم ومؤهلاتهم الروحیة لنیل الدرجات الرفیعة، والسعادة المأمولة فی الحیاة الاخرویة، فهم متفانون فی طاعة اللّه عز وجل، ابتغاء رضوانه، وحسن مثوبته، متوکلون علیه، فی سراء الحیاة وضرائها، لا یرجون ولا یخشون أحداً سواه، لیقینهم بحسن تدبیره وحکمة أفعاله.

لذلک تستجاب دعواتهم، وتظهر الکرامات على أیدیهم، وینالون شرف الحظوة والرعایة من اللّه عز وجل.

درجات الایمان:

ویحسن بی وأنا أتحدث عن الیقین أن أعرض طرفاً من مفاهیم الایمان ودرجاته، وأنواعه إتماماً للبحث وتنویراً للمؤمنین.

یتفاضل الناس فی درجات الإیمان تفاضلاً کبیراً، فمنهم المجلّی السباق فی حلبة الایمان، ومنهم الواهن المتخلف، ومنهم بین هذا وذاک کما صوّرته الروایة الکریمة:

قال الصادق علیه السلام: «إن الایمان عشر درجات، بمنزلة السُلّم، یُصعد منه مرقاة بعد مرقاة، فلا یقولن صاحب الاثنین لصاحب الواحد لَستَ على شیء، حتى ینتهی الى العاشرة، فلا تُسقط من هو دونک، فیسقطک من هو فوقک، وإذا رأیت من هو أسفل منک بدرجة فارفعه الیک برفق، ولا تحملن علیه ما لا یطیق فتکسره، فإنّ من کسر مؤمناً فعلیه جبره»(14)

أنواع الایمان:

ینقسم الایمان الى ثلاثة أنواع: فطری، ومستودع، وکسبی.

1- فالفطری: هو ما کان هبة إلهیة، قد فطر علیه الانسان، کما فی الأنبیاء والأوصیاء علیهم السلام، فانهم المثلُ الأعلى فی قوة الایمان، وسمو الیقین، لا تخالجهم الشکوک، ولا تعروهم الوساس.

2- المستودع وهو: ما کان صوریّاً طافیاً على اللسان، سرعان ما تزعزعه الشبه والوساوس، کما قال الصادق علیه السلام: «إن العبد یصبح مومناً، ویمسی کافراً، ویصبح کافراً، ویمسی مؤمناً، وقوم یعارون الایمان ثم یلبسونه، وُیسمون المُعارین»

وقال علیه السلام: «إن اللّه تعالى جبَل النبییّن على نبوتهم، فلا یرتدّون أبداً، وجَبَل الأوصیاء على وصایاهم فلا یرتدون أبداً، وجبل بعض المؤمنین على الایمان فلا یرتدون أبداً، ومنهم من أعیر الایمان عاریة، فاذا هو دعا وألح فی الدعاء مات على الایمان»(15)

وهکذا تعقب الامام الصادق علیه السلام على حدیثیه السالفین بحدیث ثالث بجعله مقیاساً للتمییز بین الایمان الثابت من المستودع، فیقول: إنّ الحسرة والندامة والویل کله لمن لم ینتفع بما أبصره ولم یدر ما الأمر الذی هو علیه مقیم، أنفع له أم ضرّ، قلت (الراوی) فَبِم یُعرف الناجی من هؤلاء جعلت فداک؟

قال: «من کان فعله لقوله موافقاً، فأثبت له الشهادة بالنجاة، ومن لم یکن فعله لقوله موافقاً، فإنما ذلک مستودع»(16)

3- الکسبی: وهو الایمان الفطری الطفیف الذی نمّاه صاحبه واستزاد رصیده حتى تکامل وسمى الى مستوى رفیع، وله درجات ومراتب.

والیک بعض الوصایا والنصائح الباعثة على صیانة الجزء الفطری من الایمان، وتوفیر الکسبی منه:

1- مصاحبة المؤمنین الأخیار، ومجانبة الشقاة والعصاة، فإن الصاحب متأثر بصاحبه ومکتسب من سلوکه وأخلاقه، کما قال الرسول الأعظم صلى اللّه علیه وآله: «المرء على دین خلیله، فلینظر أحدکم من یخالل».

2- ترک النظر والاستماع الى کتب الضلال، وأقوال المضلین، المولعین بتسمیم أفکار الناس وحرفهم عن العقیدة والشریعة الاسلامیتین، وإفساد قیم الایمان ومفاهیمه فی نفوسهم.

3- ممارسة النظر والتفکر فی مخلوقات اللّه عز وجل، وما اتصفت به من جمیل الصنع، ودقة النظام، وحکمة التدبیر، الباهرة المدهشة «وفی الأرض آیات للموقنین، وفی أنفسکم أفلا تبصرون»(17)

4- ومن موجبات الایمان وتوفیر رصیده، جهاد النفس، وترویضها على طاعة اللّه تعالی، وتجنب معاصیه، لتعمر النفس بمفاهیم الایمان، وتشرق بنوره الوضّاء، فهی کالماء الزلال، لا یزال شفافاً رقراقاً، ما لم تکدره الشوائب فیغدو آنذاک آسناً قاتماً لا صفاء فیه ولا جمال. ولولا صدأ الذنوب، وأوضار الآثام التی تنتاب القلوب والنفوس، فتجهم جمالها وتخبئ أنوارها، لاستنار الأکثرون بالایمان، وتألقت نفوسهم بشعاعه الوهّاج. «ونفس وما سوّاها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زکّاها، وقد خاب من دسّاها»(18)

وقال الصادق علیه السلام: «إذا أذنب الرجل خرج فی قلبه نُکته سوداء، فان تاب إنمحت، وإن زاد زادت، حتى تغلب على قلبه فلا یفلح بعدها أبداً»(19)

المصادر :

1- النجم: 32

2- الوافی ج 3 ص 151 عن الکافی

3- البحار م 15 ج 3 موضوع العجب بالأعمال عن الخصال للصدوق

4- البحار م 15 ج 3 موضوع العجب بالأعمال عن الخصال للصدوق

5- الوافی ج 3 ص 151 عن الکافی

6- الوافی ج 3 ص 151 عن الکافی

7- البحار م 15 ج 3 بحث العجب عن أمالی أبی علی ابن الشیخ الطوسی

8- البحار م 15 ج 2 ص 57 عن الکافی

9- البحار م 15 ج 2 ص 60 عن الکافی

10- الوافی ج 3 ص 54 عن الکافی

11- الوافی ج 3 ص 54 عن الکافی

12- سفینة البحار ج 2 ص 734 عن فقه الرضا

13- الوافی ج 3 ص 33 عن الکافی

14- الوافی ج 3 ص 30 عن الکافی

15- الوافی ج 3 ص 50 عن الکافی

16- الوافی ج 3 ص 50 عن الکافی

17- الذاریات /20 - 21

18- الشمس/7 - 10

19- الوافی ج 3 ص 167 عن الکافی

الأربعاء, 27 كانون1/ديسمبر 2017 06:33

تساؤلات مهدوية

ليس المهدي تجسيدأ لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب ، بل هو عنوان لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها ، وصياغة لإلهام فطري ، أدرك الناس من خلاله ـ على الرغم من تنوع عقائدهم ووسائلهم إلى الغيب ـ أن للإنسانية يومأ موعودأ على الأرض ، تحقّق فيه رسالات السماء بمغزاها الكبير ، وهدفها النهائي ، وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مر التاريخ استقرارها وطمأنينتها ، بعد عنا طويل.

بل لم يقتصر الشعور بهذا اليوم الغيبي والمستقبل المنتظر على المؤمنين دينيأ بالغيب ، بل امتد إلى غيرهم أيضأ وانعكس حتى على أشد الإيديولوجيات والاتجاهات العقائدية رفضأ للغيب والغيبيات ، كالمادية الجدلية التي فشرت التاريخ على أساس التناقضات ، وآمنت بيوم موعود ، تصفّى فيه كل تلك التناقضات ويسود فيه الوئام والسلام . وهكذا نجد أن التجربة النفسية لهذا الشعور التي مارستها الإنسانيه على مر الزمن ، من أوسع التجارب النفسية وأكثرها عمومأ بين أفراد الإنسان.

وحينما يدعم الدين هذا الشعور النفسي العام ، ويؤكد أن الأرض في نهاية المطاف ستمتلى قسطأ وعدلأ بعد أن ملئت ظلما وجوراً ، يعطي لذلك الشعور قيمته الموضوعية ويحوله إلى إيمان حاسم بمستقبل المسيرة الإنسانية ، وهذا الإيمان ليس مجرد مصدر للسلوة والعزاء فحسب ، بل مصدر عطاء وقوة. فهو مصدر عطاء ؟ لأن الإيمان بالمهدي إيمان برفض الظلم والجور حتى وهو يسود الدنيا كلها ، وهو مصدر قوة ودفع لا تنضب ؛ لأنه بصيص نور يقاوم اليأس في نفس الإنسان ، ويحافظ على الأمل إلمشتعل في صدره مهما ادالفت الخطوب وتعملق الظلم ؟ لأن اليوم الموعود يثبت أن بإمكان العدل أن يواجه عالمأ مليئأ بالظلم والجور فيزعزع ما فيه من أركان الظلم ، ويقيم بناءه من جديد (1) ، وأن الظلم مهما تجبز وامتد في أرجاء العالم وسيطر على مقدراته ، فهو حالة غير طبيعية ، ولا بد أن يهزم . وتلك ا الهزيمة الكبرى المحتومة للظلم وهو في قمة مجده ، تضع الأمل كبيرأ أمام كل فرد مظلوم ، وكل أفة مظلومة ، في القدرة على تغيير الميزان وإعادة البناء.

وإذا كانت فكرة المهدي أقدم من الإسلام وأوسع منه ، فإن معالمها التفصيلية التي حددها الإسلام جاءت أكثر إشباعأ لكل الطموحات التي انشدت إلى هذه الفكرة منذ فجر التاريخ الديني ، وأغنى عطاء وأقوى إثارة لأحاسيس المظلومين والمعذبين على مر التاريخ. وذلك لأن الإسلام حؤل الفكرة من غيب إلى واقع ، ومن مستقبل إلى حاضر ، ومن التطلع إلى منقذ تمخض عنه الدنيا في المستقبل البعيد المجهول إلى الإيمان بوجود المنقذ فعلاً ، واكمال كل الظروف التي تسمح له بممارسة دوره العظيم. فلم يعد المهدي فكرة ننتظر ولادتها ، ونبوءة نتطلع إلى مصداقها ، بل واقعأ قائمأ ننتظر فاعليته ، وإنسانأ معئنأ يعيش بيننا بلحمه ودمه ، نراه ويرانا ، ويعيش مع آمالنا وآلامنا ، ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا ، ويثمهد كل ما تزخر به الساحة على وجه الأرض من عذاب المعذبين وبؤس البائسين وظلم الظالمين ، ويكتوي بكل ذلك من قريب أو بعيد ، وينتظر بلهفة اللحظة التي يتاح له فيها أن يمذ يده إلى كل مظلوم ، وكل محروم ، وكل بائس ، ويقطع دابر الظالمين.

وقد قدر لهذا القائد المنتظر أن لا يعلن عن نفسه ، ولا يكشف للآخرين حياته على الرغم من أنه يعيش معهم انتظارأ للحظة الموعودة.

ومن الواضح أن الفكرة جمهذه المعالم الإسلامية ، تقرّب الهوّة الغيبية بين المظلومين كل المظلومين والمنقذ المنتظر ، وتجعل الجسر بينهم وبينه في شعورهم النفسي قصيرأ مهما طال الانتظار.

ونحن حيما يراد منا أن نؤمن بفكرة المهدي ، بوصفها تعبيرأ عن إنسان حيّ محدد يعيش فعلاً كما نعيش ، ويترقب كما نترقب ، يراد الإمجاء إلينا بأن فكرة الرفض المطلق لكل ظلم وجور التي يمثلها المهدي ، تجشدت فعلاً في القائد الرافض المنتظر ، الذي سيظهر وليس في عنقه بيعة لظالم كما في الحديث (2) ، وأن الإيمان به إيمان بهذا الرفض الحي القائم فعلاً ومواكبة له.

وقد ورد في الأحاديث الحث المتواصل على انتظار الفرج ، ومطالبة المؤمنين بالمهدي أن يكونوا بانتظاره. وفي ذلك تحقيق لتلك الرابطة الروحية ، والصلة الوجدانية بينهم وبين القائد الرافض ، وكل ما يرمز إليه من قيم ، وهي رابطة وصلة ليس بالإمكان إمجادها ما لم يكن المهدي قد تجسد فعلاً في إنسان حيّ معاصر .

وهكذا نلاحظ أن هذا التجسيد أعطى الفكرة زخماً جديداً ، وجعل منها مصدر عطاء وقوة بدرجة أكبر ، إضافة إلى ما يجده أي إنسان رافض من سلوة وعزاء وتخفيف لما يقاسيه من آلام الظلم والحرمان ، حين يحسّ أن إمامه وقائده يشاركه هذه الآلام ويتحسّس بها فعلاً بحكم كونه إنسانأ معاصرأ ، يعيش معه وليس مجرد فكرة مستقبلية.

ولكن التجسيد المذكور أدى في نفس الوقت إلى مواقف سلبية تجاه فكرة المهدي نفسها لدى عدد من الناس ، الذين صعب عليهم أن يتصوروا ذلك ويفتر ضوه.

فهم يتساءلون !

إذا كان المهدي يعبّر عن إنسان حيّ ، عاصركل هذه الأجيال المتعاقبة منذ أكثر من عشرة قرون ، وسيظل يعاصر امتداداتها إلى أن يظهر على الساحة ، فكيف تأتى لهذا الانسان ان أن يعيش هذا العمر الطويل ، وينجو من قوانين الطبيعة التي تفرض على كل إنسان أن يمز بمرحلة الشيخوخة والهرم ، في وقت سابق على ذلك جدأ ، وتؤدي به تلك المرحلة طبيعيأ إلى الموت ؟ أو ليس ذلك مستحيلاً من الناحية الواقعية ؟

ويتساءلون أيضاً !

لماذا كل هذا الحرص من الله ـ سبحانه وتعالى ـ على هذا الإنسان بالذات ؟ فتعطّل من أجله القوانين الطبيعية ، وتفعل المستحيل لإطالة عمره والاحتفاظ به لليوم الموعود ، فهل عقمت البشرية عن إنتاج القادة الأكفاء ؟ ولماذا لا يترك اليوم الموعود لقائد يولد (3) مع فجر ذلك اليوم ، وينمو كما ينمو الناس ، ويمارس دوره بالتدريج حتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاًکما ملئت ظلما وجوراً ؟

ويتساءلون أيضاً !

إذا كان المهدي اسما لشخص محدّد هو ابن الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام الذي ولد سنة (256 هـ) (4) وتوفي أبوه سنة (260 هـ) ، فهذا يعني أنه كان طفلاً صغيراً عند موت أبيه ، لا يتجاوز خمس سنوات وهي سن لا تكفي للمرور بمرحلة إعداد فكري وديني كامل على يد أبيه ، فكيف وبأي طريقة يكتمل إعداد هذا الشخص(5) لممارسة دوره الكبير ، دينياً وفكرياً وعلمياً ؟

ويتساءلون أيضاً!

إذا كان القائد جاهزاً ، فلماذا كلّ هذا الانتظار الطويل مئات السنين ؟

أوَليس في ما شهده العالم من المحن والكوارث الاجتماعية ما يبرّر بروزه على الساحة وإقامة العدل على الأرض ؟

ويتساءلون أيضأ!

كيف نستطيع أن نؤمن بوجود المهدي ، حتى لو افترضنا أن هذا ممكن ؟ وهل يسوغ لإنسان أن يعتقد بصحة فرضية من هذا القبيل دون أن يقوم عليها دليل علمي أوشرعي قاطع ؟ وهل تكفي بضع روايات تنقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا نعلم مدى صحتها (6) للتسليم بالفرضية المذكورة ؟

ويتساءلون أيضأ بالنسبة إلى ما أعدّ له هذا الفرد من دور في اليوم الموعود!

كيف يمكن أن يكون للفرد هذا الدور العظيم الحاسمم في حياة العالم ؟! مع أن الفرد مهما كان عظيما لا يمكنه أن يصنع بنفسه التاريخ ، ويدخل به مرحلة جديدة ، وإنما تختمر بذور الحركة التاريخية وجذوتها في الظروف الموضوعية وتناقضاتها ، وعظمة الفرد هي التي ترشحه لكي يشكل الواجهة لتلك الظروف الموضوعية ، والتعبير العملي عما تتطلبه من حلول ؟

ويتساءلون أيضأ!

ما هي الطريقة التي يمكن أن نتصور من خلالها ما سيتمُّ على يد ذلك الفرد من تحوّل هائل وانتصار حاسم للعدل ورسالة العدل على كل كيانات الظلم والجور والطغيان ، على الرغم مما تملك من سلطان ونفوذ ، وما يتواجد لديها من وسائل الدمار والتدمير ، وما وصلت إليه من المستوى الهائل في الإمكانات العلمية والقدرة السياسية والاجتماعية والعسكرية ؟

هذه أسئلة قد تتردد في هذا المجال وتقال بشكل وآخر ، وليست البواعث الحقيقية لهذه الأسئلة فكرية فحسب ، بل هناك مصدر نفسي لها أيضأ ، وهو الشعور بهيبة الواقع المسيطر عالمياً ، وضآلة أي فرصة لتغييره من الجذور ، وبقدر ما يبعثه الواقع الذي يسود العالم على مز الزمن من هذا الشعور ، تتعمق الشكوك وتترادف التساؤلات. وهكذا تؤدي الهزيمة والضآلة والشعور بالضعف لدى الإنسان إلى أن يحسّ نفسياً بإرهاق شديد ، لمجرد تصور عملية التغيير الكبرى للعالم التي تفرغه من كل تناقضاته ومظالمه التاريخية ، وتعطيه محتوىً جديداً قائماً على أساس الحق والعدل ، وهذا الإرهاق يدعوه إلى التشكك في هذه الصورة ومحاولة رفضها لسبب وآخر.

كيف تأتّى للمهدي هذا العمر الطويل ؟

هل بالإمكان أن يعيش الإنسان قروناً كثيرة كما هو المفترض في هذا القائد المنتظر لتغيير العالم ، الذي يبلغ عمره الشريف فعلاً أكثر من ألف ومائة وأربعين سنة ، أي حوالي 14 مرة بقدر عمر الإنسان الاعتيادي الذي يمرّ بكل المراحل الاعتيادية من الطفولة إلى الشيخوخة ؟

كلمة الإمكان هنا تعني أحد ثلاثة معاني : الإمكان العملي ، والإمكان العلمي ، والإمكان المنطقي أو الفلسفي .

وأقصد بالإمكان العملي : أن يكون الشيء ممكناً على نحو يتاح لي أو لك ، أو لإنسان آخر فعلاً أن يحققه ، فالسفر عبر المحيط ، والوصول إلى قاع البحر ، والصعود إلى القمر ، أشياء أصبح الا إمكان عملي فعلاً . فهناك من يمارس هذه الأشياء فعلاً بشكل وآخر .

وأقصد بالإمكان العلمي : أن هناك أشياء قد لا يكون بالإمكان عمليأ لي أو لك ، أن تُمارسها فعلاً بوسائل المدنية المعاصرة ، ولكن لا يوجد لدى العلم ولا تشير اتجاهاته المتحركة إلى ما يبرر رفض إمكان هذه الأشياء ووقوعها وفقاً لظروف ووسائل خاصة ، فصعود الإنسان إلى كوكب الزهرة لا يوجد في العلم ما يرفض وقوعه ، بل إن اتجاهاته القائمة فعلاً تشير إلى إمكان ذلك ، وإن لم يكن الصعود فعلاً ميسورأ لي أو لك ؟ لأن الفارق بين الصعود إلى الزهرة والصعود إلى القمر ليس إلأ فارق درجة ، ولا يمثل الصعود إلى الزهرة إلأ مرحلة تذليل الصعاب الإضافية التي تنشأ من كون المسافة أبعد ، فالصعود إلى الزهرة ممكن علمياً وإن لم يكن ممكنأ عمليأ فعلاً (الكلام في وقته دقيق علمياً ، فهو يقول : إنه ممكن علمياً ، ولكنه لم يكن قد تحقق فعلاً ، والواقع أن كثيراً من الإنجازات في عالم الفضاء ، وتسيير المركبات الفضائية إلى كواكب وتوابع الأرض وغيرها قد أصبح حقائق في أواخر القرن العشرين.) . وعلى العكس من ذلك الصعود إلى قرص الشمس في كبد السماء فإنه غير ممكن علمياً ، بمعنى أن العلم لا أمل له في وقوع ذلك ، إذ لا يتصور علمياً ، وتجريبيأ إمكانية صنع ذلك الدرع الواقي من الاحتراق بحرارة الشمس ، التي تمثل أیونأ هائلأ مستعرأ بأعلى درجة تخطر على بال إنسان.

وأقصد بالإمكان المنطقي أو الفلسفي : أن لا يوجد لدى العقل وفق ما يدركه من قوانين قَبْلية ـ أي سابقة على التجربة ـ ما يبرر رفض الشيء والحكم باستحالته .

فوجود ثلاث برتقالات تنقسم بالتساوي وبدون كسر إلى نصفين ليس له إمكان منطتي ؟ لأن العقل يدرك ـ قبل أن يمارس أي تجربةـ أن الثلاثة عدد فردي وليس زوجاً ، فلا يمكن أن تنقسم بالتساوي ؟ لأن انقسامها بالتساوي يعني كونها زوجاً ، فتكون فردأ وزوجاً في وقت واحد ، وهذا تناقض ، والتناقض مستحيل منطقيأ. ولكن دخول الإنسان في النار دون أن يحترق ، وصعوده للشمس دون أن تحرقه الشمس بحرارتها ليس مستحيلاً من الناحية المنطقية ، إذ لا تناقض في افتراض أن الحرارة لا تتسرب من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة ، وإئما هو مخالف للتجربة التي أثبتت تسرب الحرارة من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة إلى أن يتساوى الجسمان في الحرارة.

وهكذا نعرف أن الإمكان المنطقي أوسع دائرة من الإمكان العلمي ، وهذا أوسع دائرة من الإمكان العملي.

ولا شک في أن امتداد عمر الإنسان آلاف السنين ممكن منطقيأ ؟ لأن ذلك ليس مستحيلاً من وجهة نظر عقلية تجريدية ، ولا يوجد في افتراض من هذا القبيل أي تناقض ؟ لأن الحياة كمفهوم لا تستبطن الموت السريع ، ولا نقاش في ذلك.

كما لا شكّ أيضأ ولا نقاش في أن هذا العمر الطويل ليس ممكنأ إمكانأ عمليأ ، على نحو الإمكانات العملية للنزول إلى قاع البحر أو الصعود إلى القمر ، ذلك لأن العلم بوسائله وأدواته الحاضرة فعلاً ، والمتاحة من خلال التجربة البشرية المعاصرة ، لا تستطيع أن تمدد عمر الإنسان مئات السنين ، ولهذا نجد أن أكثر الناس حرصأ على الحياة وقدرة على تسخير إمكانات العلم ، لا يحتاح لهم من العمر إلاّ بقدر ما هو مألوف.

وأما الإمكان العلمي فلا يوجد عملياً اليوم ما يبرر رفض ذلك من الناحية النظرية. وهذا بحث يتصل في الحقيقة بنوعية التفسير الفسلجي لظاهرة الشيخوخة والهرم لدى الإنسان ، فهل تعبز هذه الظاهرة عن قانون طبيعي يفرض على أنسجة جسم الإنسان وخلاياه ـ بعد أن تبلغ قمة نموها ـ أن تتصلب بالتدريج وتصبح أقل كفاءة للاستمرار في العمل ، إلى أن تتعطل في لحظة معينة ، حتى لو عزلناها عن تأثير أي عامل خارجي ؟ أو أن هذا التصلب وهذا التناقص في كفاءة الأنسجة والخلايا الجسمية للقيام بأدوارها الفسيولوجية ، نتيجة صراع مع عوامل خابىجية كالميكروبات أو التسمم الذي يتسرب إلى الجسم من خلال ما يتناوله من غذاء مكثف ؟ أو ما يقوم به من عمل مكثف أو أي عامل آخر ؟

وهذا سؤال يطرحه العلم اليوم على نفسه ، وهو جاد في الإجابة عنه ، ولا يزال للسؤال أكثر من جواب على الصعيد العلمي.

فإذا أخذنا بوجهة النظر العلمية التي تتجه إلى تفسير الشيخوخة والضعف الهرمي ، بوصفه نتيجة صراع واحتكاك مع مؤثرات خارجية معينة ، فهذا يعني أن بالإمكان نظرياً ، إذا عُزلت الأنسجة التي يتكون منها جسم الإنسان عن تلك المؤثرات المعيّنة ، أن تمتد بها الحياة وتتجاوز ظاهرة الشيخوخة وتتغلب عليها نهائياً.

وإذا أخذنا بوجهة النظر الأخرى ، التي تميل إلى افتراض الشيخوخة قانوناً طبيعياً للخلايا والأنسجة الحيّة نفسها ، بمعنى أنها تحمل في أحشائها بذرة فنائها المحتوم ، مروراً بمرحلة الهرم والشيخوخة وانتهاءً بالموت.

أقول :

إذا أخذنا بوجهة النظر هذه ، فليس معنى هذا عدم افتراض أي مرونة في هذا القانون الطبيعي ، بل هو ـ على افتراض وجوده ـ قانون مرن ؛ لأننا نجد في حياتنا الاعتيادية ؟ ولأن العلماء يشاهدون في مختبراتهم العلمية ، أن الشيخوخة كظاهرة فسيولوجية لا زمنية ، قد تأتي مبكرة ، وقد تتأخر ولا تظهر إلأ في فترة متأخرة ، حتى إن الرجل قد يكون طاعنأ في السن ولكنه يملك أعضاء لينة ، ولا تبدو عليه أعراض الشيخوخة كما نصّ على ذلك الأطباء (يؤكد الأطباء والدراسات الطبية على هذه الملاحظة ، وأن لديهم مشاهدات كثيرة في هذا المجال ، ولعل هذا هو الذي دفعهم إلى إجراء محاولات وتجارب لإطالة العمر الطبيعي للإنسان ، وكالمعتاد كان مسرح التجربة في البداية هي الحيوانات لميسورية ذلك ، وعدم وجود محاذير اخرى تمنع إجراء مثل تلك التجارب على الإنسان ).

بل إن العلماء استطاعوا عمليأ أن يستفيدوا من مرونة ذلك القانون الطبيعي المفترض ، فأطالوا عمر بعض الحيوانات مئات المرات بالنسبة إلى أعمارها الطبيعية ؟ وذلك بخلق ظروف وعوامل تؤجل فاعلية قانون الشيخوخة .

وبهذا يثبت عملياً أن تأجيل هذا القانون بخلق ظروف وعوامل معيّنة أمر ممكن عملياً ، ولئن لم يتح للعلم أن يمارس فعلاً هذا التأجيل بالنسبة إلى كائنٍ معقد معين كالإنسان ، فليس ذلك إلاّ لفارق درجة بين صعوبة هذه الممارسة بالنسبة إلى الإنسان وصعوبتها بالنسبة إلى أحياء أخرى . وهذا يعني أن العلم من الناحية النظرية وبقدر ما تشير إليه انجاهاته المتحركة لا يوجد فيه أبداً ما يرفض إمكانية إطالة عمر الإنسان ، سواء فشرنا الشيخوخة بوصفها نتاج صراع واحتكاك مع مؤثرات خارجية أو نتاج قانون طبيعي للخليّة الحيّة نفسها يسير بها نحو الفناء.

ويتلخص من ذلك : أن طول عمر الإنسان وبقاءه قروناً متعددة أمر ممكن منطقياً وممكن عملياً ، ولكنه لا يزال غير ممكن عملياً ، إلاّ أن اتجاه العلم سائر في طريق تحقيق هذا الإمكان عبر طريق طويل.

وعلى هذا الضوء نتناول عمر المهدي عليه الصلاة والسلام وما أحيط به من استفهام أو استغراب ، ونلاحظ :

إنه بعد أن ثبت إمكان هذا العمر الطويل منطقياً وعلمياً ، وثبت أن العلم سائر في طريق تحويل الإمكان النظري إلى إمكان عملي تدريجأ ، لا يبقى للاستغراب محتوىً إلاّ استبعاد أن يسبق المهدي العلم نفسه ، فيتحول الإمكان النظري إلى إمكان عملي في شخصه قبل أن يصل العلم في تطوره إلى مستوى القدرة الفعلية على هذا التحويل ، فهو نظير من يسبق العلم في اكتشاف دواء ذات السحايا أو دواء السرطان.

وإذا كانت المسألة هي أنه كيف سبق الإسلام ـ الذي صمّم عمر هذا القائد المنتظر ـ حركة العلم في مجال هذا التحويل ؟

فالجواب : أنه ليس ذلك هو المجال الوحيد الذي سبق فيه الإسلام حركة العلم.

أوليست الشريعة الإسلامية ككل قد سبقت حركة العلم والتطور الطبيعي للفكر الإنساني قروناً عديدة ؟

أوَلم تناد بشعارات طرحت خططاً للتطبيق لم ينضج الإنسان للتوصل إليها في حركته المستقلة إلاّ بعد مئات السنين ؟

أوَلم تأت بتشريعات في غاية الحكة ، لم يستطع الإنسان أن يدرك أسرارها ووجه الحكة فيها إلأ قبل برهة وجيزة من الزمن ؟

أوَلم تكشف رسالة السماء أسراراً من الكون لم تكن تخطر على بال إنسان ، ثم جاء العلم ليثبتها ويدعمها ؟

فإذا كنا نؤمن بهذا كله ، فلماذا نستكثر على مرسل هذه الرسالة ـ سبحانه وتعالى ـ أن يسبق العلم في تصميم عمر المهدي ؟

وأنا هنا لم أتكلم إلأ عن مظاهر السبق التي نستطيع أن نحسّها نحن بصورة مباشرة ، ويمكن أن نضيف إلى ذلك مظاهر السبق التي تحذثنا بها رسالة السماء نفسها. (7)

ومثال ذلك أنها تخبرنا بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أسري به ليلأ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وهذا الإسراء إذا أردنا أن نفهمه في إطار القوانين الطبيعية ، فهو يعبز عن الاستفادة من القوانين الطبيعية بشكل لم يتح للعلم أن يُحقّقه إلأ بعد مئات السنين ، فنفس الخبرة الربانية التي أتاحت للرسول صلى الله عليه وآله وسلم التحرك السريع قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك ، أتاحت لآخر خلفائه المنصوصين العمر المديد ، قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك.

نعم ، هذا العمر المديد الذي منحه الله تعالى للمنقذ المنتظر يبدو غريبأ في حدود المألوف حتى اليوم في حياة الناس ، وفي ما أنجز فعلاً من تجارب العلماء ، ولكن!

أو ليس الدور التغييري الحاسم الذي أُعدّ له هذا المنقذ غريبأ في حدود المألوف في حياة الناس ، وما مزت جمعهم من تطورات التاريخ؟

أو ليس قد أنيط به تغيير العالم ، وإعادة بنائه الحضاري من جديد على أساس الحق والعدل ؟

فلماذا نستغرب إذا اتّسم التحضير لهذا الدور الكبير ببعض الظواهر الغريبة والخارجة عن المألوف كطول عمر المنقذ المنتظر ؟ فإن غرابة هذه الظواهر وخروجها عن المألوف مهما كان شديداً ، لا يفوق بحال غرابة نفس الدور العظيم الذي يجب على اليوم الموعود إنجازه. فإذا كنا نستسيغ ذلك الدور الفريد تاريخيأ على الرغم من أنه لا يوجد دور مناظر له في تاريخ الإنسان ، فلماذا لا نستسيغ ذلك العمر المديد الذي لا نجد عمرأ مناظرأ له في حياتنا المألوفة ؟

ولا أدري!

هل هي صدفة أن يقوم شخصان فقط بتفريغ الحضارة الإنسانية من محتواها الفاسد وبنائها من جديد ، فيكون لكل منهما عمر مديد يزيد على أعمارنا الاعتيادية أضعافاً مضاعفة ؟

أحدهما مارس دوره في ماضي البشرية وهو النبي نوح ، الذي نصّ القرآن الكريم (8) على أنه مكث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً ، وقدّر له من خلال الطوفان أن يبني العالم من جديد .

والآخر يمارس دوره في مستقبل البشرية وهو المهدي الذي مكث في قومه حتى الآن أكثر من ألف عام وسيقدّر له في اليوم الموعود أن يبني العالم من جديد .

فلماذا نقبل نوح الذي ناهز ألف عام على أقل تقدير ولا نقبل المهدي ؟

السؤال موجّه إلى المسلمين المؤمنين بالقرآن الكريم وبالحديت النبوي الشريف ، وقد روى علماء السنّة لغير نوح ما هو أكثر من ذلك (9) ، ولايصخ أن يشكل أحد بأن ذاك أخبر به القرآن فالنمق قطعي الثبوت ، وهو يتعلق بالنبى المرسل نوح عليه السلام ، أما هنا فليس لدينا نصّ قطعي ، ولا الأمر متعلق بنبيّ .

والجواب : أن المهمة أولأ واحدة ، وهي تغيير الظلم والفساد ، وأن الوظيفة كما أوكلت إلى النبي ، فقد اوكلت هنا إلى من اختاره الله تعالى أيضأكما هو لسان الروايات الصحيحة. قال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم : « لَوْ لَمْ يَبِقْ مِنَ الدنيا إلاّ يومٌ لطوّل اللهُ ذلك اليَوم حتّى يَبعثَ رَجُلاً مِنْ أهلِ بيتي يملأ الأرضَ قِسْطاً وَعدلاً ...»(10).

المصادر:

1- التاج الجامع للأصول 5 : 343.

2- الاحتجاج / الطبرسي 2 : 545 .

3- التاج الجامع للأصول 5 : 360 ا

4- الشيخ المفيد في الإرشاد : ص 346 ، والشيخ السعران في اليواقيت والجواهر ج 2 / المبحث 65 ، الأصول العامة للفقه المقارن / العلامة محمد تقي الحكيم / بحث حجية السنّة : ص 145 وما بعدها.

5- التاج الجامع للأصول 5 : 341 ـ 343.

6- التاج الجامع للأصول 5 : 361.

7- تساؤولات يثيرها الشهيد السيد محمد باقر الصدر رضي الله عنه لتقريب المفهوم .

8- الآية المباركة : (فَلَبثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً) العنكبوت : 14.

9- تهذيب الأسماء واللغات / النووي 1 : 176

10- التاج الجامع للأصول 5 : 343

أعرب رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، الثلاثاء، عن التزام حكومته بإجراء الانتخابات النيابية والمحلية في موعدها المحدد في 15 أيار/مايو 2018.

ورفض بذلك العبادي مطالب غالبية القوى السنية، التي اشترطت عودة النازحين إلى مناطقهم، مقابل الموافقة على إجراء الانتخابات في موعدها.

وقال العبادي خلال مؤتمره الصحفي الأسبوعي عقب اجتماع لحكومته ببغداد، إن "الحكومة ملتزمة بالاستحقاقات الدستورية، وإجراء الانتخابات في موعدها المحدد".

وأضاف العبادي، أن "المفوضية (المفوضية العليا المستقلة للانتخابات) أكدت استعدادها، لإجراء الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات المحلية في يوم واحد".

ونزح 5.4 مليون عراقي من منازلهم منذ اجتياح تنظيم "داعش" الإرهابي ثلث مساحة العراق في 2014، ومن ثم الحرب الطاحنة التي امتدت 3 سنوات وانتهت مؤخرًا بخسارة التنظيم لتلك الأراضي، وإعلان الحكومة الانتصار عليه.

وتقول الحكومة العراقية إن نصف النازحين عادوا إلى مناطق سكناهم (إجمالي سكان البلاد نحو 37 مليون نسمة)، فيما يتوزع الباقون على مخيمات للنزوح وبقية محافظات البلاد، لا سيما في إقليم شمالي البلاد.

الأربعاء, 27 كانون1/ديسمبر 2017 06:14

الانفاق

مشكلة الفقر ، والفقير لا تقل خطورة عن بقية المشاكل التي تهدد كيان المجتمع و تنخر فيه ، ولذلك تصدى الاسلإِم لها ، فأولاها اهتماماً خاصاً ، فوضع لها حلولاً دقيقة ليجنب الافراد ويلات الفقر ، فإن البطون أذا جاعت ، و الحاجة أذا الحت فقد يخرج الإنسان عن طوره ، ويصبح كالوحش الكاسر لا تقف أمامه أي عقبة من العقبات.

( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع علِيم ).(1)

( والذين يكنزون الذهب و الفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشّرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهروهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ).(2)

لقد تناول المشرع الإسلامي هذه المسأله فرسم لها الخطوط العريضة واعتمد فيها على الأسس الرصينة ليخفف بذلك الضغط عن الطبقات الضعيفة بأن جعل لهم حقأ في أموال الأغنياء .. ويتمثل هذا الحق بجعل الضرائب الإلزامية و النفقات التطوعية كما سنجد ذلك بنحو من التفصيل في بحوث هذا الكتاب مستمداً من القرآن الكريم و من السنة الشريفة.

وبتطبيق هذا القانون لم يبق فقير يعاني ما يخلفه الفقر من مصاعب وحرمان.

وموضوع بحثنا ليس هو الفقير المتوسل الذي يتخذ التكفف حرفة ومكسباً يكيف به حياته اليومية يلاحق الناس بيد ممدودة من شارع إلى آخر ، ومن زقاق إلى زقاق.

ليس هذا الإنسان موضوع بحثنا لأنه إنسان لايستحق أن يبحث عن مشكلته ، بل موضوع بحثنا هو الفقير العاجز عن العمل ، أو القادر الذي لم تساعده الضروف على حصول عمل يؤمن له معاشه ، أو من يعول به. هذا الإنسان العاجز هو الذي يشكل خطراً على المجتمع لو ترك على هذا الحال ، ولم تؤخذ مشمكلته بعين الاعتبار ... ذلك لأن مثل هذا الإنسان قد لا يطيق صبراً ليواجه هذا النوع من الحرمان ، فيضطر بالأخير إلى إرتكاب الجرائم ليحصل من وراء ذلك على المال ، ولقمة اللعيش ، ولسنا بحاجة لذكر الكثير من المشاهد التي تمثل الفقر ، والتي تكون السبب في إشاعة الفوضى ، والجريمه من فتى عاطل ، وقد غُلقت في وجهه الأبواب ، أو كبير أقعدته الأيام أو أم فقدت كفيلها بعد أن ترك لها رعيلاً من الصغار.

أو فتاة تحافظ على عفافها ، ولكنها تواجه من لا يرحمها إلا بتقديم أعز ما لديها هديه رخيصه إليه.

وقد تستقبل أرصفة الشوارع صنوفاً ألفوا إليها يفترشونها أذا داهنهم الليل يلقون بين منعطفاتها أجساداً أنهكها التسول تاركين لعيونهم أن يداعبها الكرى وطائف يطوف عليهم يناغيهم بصوت ألفوا نغماته في مثل هذا الوقت من الليل وهو يقول ..

نامي فأن لم تشبعي / من يقظة فمن المنام

هذا الحشد من المساكين ماذا نقول لهم لو أقدموا على الجريمه فسرق بعضهم وباع كرامته آخر وتطاول ثالث فقتل نفساً محترمة.

عندها نجد أنفسنا تؤمن شاءت أم أبت بالحديث الذي يقول :

« كاد الفقر أن يكون كفراً ».

ولكن سرعان ما تتلاشى هذه الصور إذا ما استجاب الموسرون لنداء القرآن ، والسنة فأدوا ما عليهم من الحقوق إلى الفقراء والمستحقين ، وأقرضوا الله قرضاً حسناً ، وأنفقوا في سبيل الله ـ وفي هذه الحالة ـ لا يبقى مجال الجريمة ، بل يعود الجميع إلى حضيرة الإسلام ، وهم يطبقون تعاليمه ، وبذلك يؤمنون لمجتمعهم السعادة ، والرفاه ، وبعدها يقف الإسلام في وجه من تسول له نفسه أن يرتكب الجريمة لينزل به العقوبات الصارمه لأن الجريمة في هذه الصورة لاتكون وليدة الحاجة ليعذر في بعض الصور من يرتكبها لو خاف على نفسه من الوقوع في التهلكة ، بل هي وليدة النفوس الشريرة الخبيثة ، ولذلك لا ترحم القوانين السماوية ، والوضعية مثل هؤلاء ، بل تلاحقهم لتستأصل مادة الفساد بأقتلاع جذور الجريمة.

ملكية الفرد للمال :

من الأمور المهمة التي تبناها الإسلام كأساس للنظام الإجتماعي في هذه الحياة هي نقطة الاعتدال ، والأخذ بالحد الوسط في كل شيء يخص الفرد من أعمال وشؤون ، وقد ساق القرآن الكريم مثالاً لهذه الصورة فقال سبحانه :

( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً ) (3).

فلا إسراف ولا تقتير بل أمر وسط بين أمرين ، والآية الكريمة وإن كان موردها الصرف والانفاق ، ولكن آيات القرآن دستور لا يخصص المورد فيها الوارد بل الوارد فيها فقرة من فقرات الدستور الإسلامي تؤخذ تلك الفقرة كحكم أو كقاعدة تعم جميع الموارد وفي جميع العصور إلا أن يدل دليل من آيات أخرى ، أو من السنة الكريمة على الاختصاص وعدم الشمول.

واذاَ فالآية الكريمة تشير إلى أن التوازن نقطة أساس لابد من المحافظة عليها وأن الاخلال بها يضر المجتمع ، ويجر عليه الويلات.

ومن هذا المنطق تنظر الشريعة المقدسة إلى حرية الفرد في التملك والصرف ، والأخذ ، والعطاء.

فهي لا تترك الفرد يتمتع بحرية مطلقة في نطاق التملك ، والحصول على الثروة كيف يشاء ، ومن أي طريق كان ليكون هو المالك الوحيد ، ولا حق فيه لغيره يملك ما يشاء ، ينفق حسب ما يريد من دون قيد أو شرط.

ولكنها في الوقت نفسه لا تحرمه من حقه الطبيعي فتسلب منه الملكية الفردية ، وتجعل ما يحصل عليه ملكاَ لغيره ، وخاضعاّ للسلطة بحيث يكون الفرد عاملاً لا يملك لنفسه إلا ما يقيم له حياته المعاشية في أبسط أنواعها.

لا هذا ولا ذاك بل حد وسط بين الأمرين.

الإسلام يحترم الفرد ويأخذ بعين الاعتبار ما يحقق له كرامته ولكن في نطاق المجموعة وحدود المجتمع الذي يعيش فيه لأنه كما يلحظ المصلحة الخاصة كذلك يضع في حسابه المصالح العامة ، بل قد تقدم المصالح العامة في بعض الموارد على المصلحة الخاصة لو أقتضت الضرورة لمثل هذا الاجراء ومن ذلك.

١ ـ لو أسر الكفار بعض المسلمين : وجعلوهم في الصف الأول ، وفي الخط الأمامي من المعركة ليكونوا عقبة في طريق زحف المسلمين ، فإن الشارع المقدس يأمر المسلمين بالتقدم ، ولو أقتضى ذلك قتل هؤلاء المسلمين الأسارى وحينئذ فلهؤلاء الجنة ، ولورثتهم الدية تستحصل من بيت المال.

٢ ـ الاحتكار : وهو حبس السلعة والامتناع عن بيعها لأنتظار

زيادة القيمة مع حاجة المسلمين إليها وعدم وجود الباذل لها.

وهذا العمل حرام من حيث المبدأ ، ويجبر المحتكر على البيع من دون أن يعين له السعر.

نعم إذا كان السعر الذي إختاره مجحفاً بالعامة أجبر على الأقل (4).

ولسنا في صدد تعين ما يختص به هذا الحكم من الأجناس ، والحاجيات ، فهل هو كل ما يحتاج إليه المسلمون من السلع أم أنها مختصة بالحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والزيت لا غير ، ويستحب في الباقي ؟ فلذلك مورده الخاص من كتب الفقه.

بل المهم هو بيان أن الاحتكار ، ولو في بعض الحاجيات من موارد تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.

٣ ـ حق المارة : ويتمثل ذلك في الأثمار المتدلية في بعض البساتين على الطريق فإن لم يكون مرورها عليها لا بنحو القصد إليها أن يتناول في ذالك الثمر بشروط تتعرض لها مصادر الفقه.

وهناك كثير من هذا الموارد لاحظ الشارع المقدس فيها المصلحة العامة فقدمها على المصلحة الخاصة.

ومن هذا القبيل ما نحن فيه ، وبالنسبة إلى ما يحصل عليه الفرد من الثروة والتصرف فيه فإن الإسلام يبيح له ذلك ليعمل طاقاته في سبيل الإنتاج ، ولكن لا ينافي هذا أن يضع له مقاييس خاصة لابد من رعايتها حفاظاً منه على التوازن وعقبة في طريق التضخم

الذي ينشأ من جراء هذه الحرية بدون قيد أو شرط ، ولئلا ينعم بعضهم على حساب الآخرين أو يتخم بعضهم ، ويجوع آخرون.

وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق عليه‌السلام :

« ولو أن الناس أدوا حقوقهم لكانوا عايشين بخير » (5).

ومن هذا العرض نخلص إلى أن الفرد في حياته المعاشيه حر ومقيد.

حر : في التملك والتصرف في قبال الأنظمة والتي تسلبه الحرية ، وتجعله أداة لغيره.

ومقيد : بالنسبة إلى بعض أسباب التملك ، أو بالقيود التي توضع عليه بعد التملك رعاية للمصالح التي تقتضيها طبيعة المعايشة في المجتمع الإسلامي.

وقد نواجه ونحن نقول بهذه الازدواجية من التملك والتصرف المقيدين باشكال يقول فيه بعضهم :

ان جعل المقاييس من قبل الشارع المقدس ضابطاً لحفظ التوازن ينافي ما تقرره القاعدة المشهورة ، التي يتفق عليها كلهم من أن الناس مسلطون على أموالهم ، إذ من الواضح أن تقييد الحرية المذكورة في التملك والصرف معناه الحد من هذه السلطة التي أقرها الشارع ، التي بها يتمكن الفرد من التصرف بما عليه كيف يشاء !.

والجواب عن ذلك :

ان الإنسان قد يتصور انه عندما يحصل على شيء ، أو يستولي عليه بأحد الطرق المشروعة أنه هو المالك الحقيقي لذلك الشيء ، وليس لأحد أن يتدخل فيما يعود لحرية التصرف فيه ، وهذا لحدٍ ما صحيح وأن القاعدة المشهورة من الناس مسلطون على أموالهم أيضاً معترف بها ، ولكن علينا أن نعرف قبل كل شيء أن هذه السلطة ، وهذه الملكية هما بالنسبة إلى ما يعود إلى الناس فيما بينهم ، وأما بالنسبة إلى الفرد مع خالقه فالقضية تأخذ طابعاً آخر وشكلاً جديداً.

ذلك لأن الملكية الحقيقية إنما هي لله وحده من غير شريك ، وأن السلطة الكبرى له من غير منازع ، وإنما للإنسان من الملكية ما هو محدود له من قبل الله سبحانه.

وعندما يرزق الله أحداً مقداراً من المال فقد يتخيل الإنسان أن ما حصل له كله ملك له. إلا أن ذلك خيال محض وتصور فارغ بل هو يملك المقدار المخصص له لا غير.

وعلى سبيل المثال لو حصل الإنسان على مقدار عشرة دنانير ، وقلنا ان للفقراء اثنين من هذه العشرة حقاً شرعياً فمعنى ذلك أنه من أول الأمر كان قد ملك ثمانية لا أكثر اما ملكه لتمام العشرة فهو ملك صوري ، وإنما الحقيقي هو الثمانية لا غير.

وليس في هذا أي جور على الفرد فإن من أعطاه المال قيده بهذا النحو من العطاء اعطاه مقداراً خاصاَ والزائد ليس له ، وغير مسلط عليه.

ان المال كله هبة من الله ، وهو مال الله حتى بعد حصول العبد عليه ، وفي هذا الصدد تقول الآية الكريمة :

( وآتوهم من مال الله الَّذي آتاكم ) (6).

فهو من مال الله ، ولذ أمر بأعطائه منه ، ولو لم يكن ماله لما أمر باعطائه إذ لا معنى لأن يأمر الله بإعطاء ما ليس له ، بل الحقيقة باقية حتى بعد وصوله إلى الأفراد.

ويقول سبحانه في آية أخرى :

( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) (7).

وإذا كانت معاملة الله لعبده على المال معاملة الاستخلاف فهو اذاً أمين على ذلك فلماذا يتضايق الإنسان من الضوابط التي يجعلها المالك الحقيقي على ما إستخلف عليه.

ولماذا نقتصر في الملكية على هذا التقييد بل المال ، ومن وصل إليه ، والأرض والسماوات وما فيها كل ذلك مملوك لله.

( لله ملك السماوات والارض وما فيهن وهو على كل شيءٍ قدير ) (8).

فكل شيء في هذا الوجود بسمائه ، وأرضه ، وما فيها ، وما بينهما مملوك له ملكية مطلقة وغير محدودة بحدود ، ولا مقيدة بقيود.

وبعد هذا العرض فلا منافاة بين القول بتسلط الفرد على ماله ، وبين القيود والضوابط التي يجعلها الله على الأموال تملكاً وتصرفاً.

( مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ) (9).

المصادر :

1- سورة البقرة : الآية ٢٦١

2- سورة التوبة الآية ٣٤ ـ ٣٥

3- سورة الاسراء / آية ٢٩.

4- منهاج الصالحين للسيد الخوئي ـ ج ٢ / ١٤ ـ ١٥ الطبعة الثامنة.

5- وسائل الشيعة ٦ / ٣.

6- سورة النور / آية : ٣٣.

7- سورة الحديد / آية : ٧.

8- سورة المائدة / آية : ١٢٠.

9- سورة آل عمران / آية : ٢٦.

نسبه الشریف :

هو الإمام الحادی عشر والمعصوم الثالث عشر والد الامام المهدی المنتظر (عجل الله فرجه الشریف) ، المصباح الوضی ، والنور الجلی ، الإمام الزکی المؤتمن ، أبو محمد الحسن بن علی بن محمد بن علی بن موسى بن جعفر بن محمد بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب سلام الله تعالى علیهم أجمعین .
فنسبه لأبیه هو نسب الأئمة الأطهار ، على ما عرفت فی سیرة المعصومین المتقدمین ، صعوداً من والده أبی الحسن الثالث ، الإمام العاشر على الهادی (علیه السلام) حتى ینتهی إلى امیر المؤمنین على وزوجته الطاهرة فاطمة الزهراء سلام الله تعالى علیهم .
أما امه فهی أم ولد تسمى شکل النوبیة ، ویقال سوسن المغربیة ، ویقال منغوسة ، وحدیثة ، ووحدیث ، وحربیة ، وریحانة ، وغزال المغربیة ، وسلیل وهذا هو الأصح . وکان زوجها الإمام الهادی (علیه السلام) یقول فی حقها أنها مسلولة من الآفات والعاهات والأرجاس والنجاس ، وقد کانت جلیلة جداً ، وکانت من العارفات الصالحات .

مولده الشریف علیه السلام :

ولد الإمام العسکری (علیه السلام) فی سامراء على قول ، والصحیح أن ولادته کانت بالمدینة المنورة ، لیوم الجمعة العاشر من شهر ربیع الثانی من سنة اثنتین وثلاثین ومائتین للهجرة الشریفة ، وهذا - اعنی العاشر من شهر ربیع الثانی - مختار الشیخ الکفعمی والسید بن طاووس والشیخین (المفید والطوسی ) والشیخ الملکی التبریزی ، والشیخ عباس القمی .
نعم هناک روایة تقول بأنه ولادته (علیه السلام) یوم الثامن من شهر ربیع الثانی ، لکنها غیر ناهضة فی قبال هذه الروایة لکون هذه الروایة هی المشهورة عند غیر الإمامیة ، وإن کان هناک من یقول بها من الإمامیة کالشیخ الطبرسی ، والشیخ المجلسی ، وکذلک فإن لیلة الثامن من شهر ربیع الثانی تصادف ذکرى استشهاد الصدیقة الزهراء (سلام الله علیها) على روایه أنها قبضت بعد استشهاد والدها بعد أربعین یوماً ، فلا یلیق القیام بذکرى المولد فی قبال الأستشهاد ، وروایة الأربعین یوماً معتبرة .

کنیته وألقابه علیه السلام :

یکنى (علیه السلام) بأبی محمد ، وقیل " أبو الحسن " أیضاً .
أما القابه : العسکری ، والزکی ، والتقی ، والهادی ، والمرضی ، والخالص ، والصامت ، والسراج ، والرفیق ، والمهتدی ، والنقی ، والمشفع ، والموقی ، والمولى ، والسخی ، والمستودع .
وکان هو وأبوه وجده (علیهم السلام) یُعرف کلُّ واحد منهم فی زمانه بلقب " ابن الرضا "

سنوات عمره ومجمل حیاته علیه السلام :

کان عمر الإمام الهادی (علیه السلام) عند ولادة ابنه الإمام العسکری (علیه السلام) تسع عشر سنة وتسعة شهور وثمانیة أیام ، ولما أشخص الإمام الهادی (علیه السلام) إلى العراق سنة ست وثلاثین ومائتین أشخص الإمام العسکری (علیه السلام) معه ، وکان له یومئذٍ من العمر أربع سنین وأشهر.
وقد عاش الإمام العسکری (علیه السلام) بعدئذٍ مع أبیه الإمام الهادی (علیه السلام) حتى شهادته فی سامراء ، وکان للإمام العسکری (علیه السلام) یومئذٍ إثنتان وعشرون سنة وشهران وثلاثة وعشرون یوماً .
وعاش بعد والده (علیه السلام) مدة إمامته خمس سنوات وثمانیة أشهر وخمسة أیام ، قضاها فی سامراء أیضاً ، فکانت مدة حیاته (علیه السلام) الشریفة على نحو التدقیق - سبعاً وعشرین سنة وعشرة أشهر ، وثمانیة وعشرین یوماً .

ملوک عصره علیه السلام :

عاصر الإمام العسکری (علیه السلام) خلال عمره القصیر ، المعتز بن المتوکل ، بقیة أیامه - بعد شهادة الإمام الهادی (علیه السلام) - وبعده المهتدی بن الواثق ،الذی حکم أحد عشر شهراً ، ثم المعتمد احمد بن المتوکل الذی حکم ثلاثاً وعشرین سنة ، وکانت شهادة الإمام العسکری (علیه السلام) فی أوائل حکم المعتمد .

إمامته علیه السلام :

کثرت النصوص من الإمام الهادی (علیه السلام) على إمامة ولده العسکری (علیه السلام) بمحضر من جماعتة فی المدینة وسامراء ، وکان (علیه السلام) کثیراً ما یقول على ما روی : إن صاحب هذا الأمر بعدی هو ابنی " أبو محمد "( علیه السلام) دون بقیة أولادی ، وإن عنده ما تحتاجون إلیه ، یقدم ما یشاء الله ، ویؤخر ما یشاء الله قال تعالى (( ما ننسخ من آیة أو ننسها نأتِ بخیر منها أو مثلها )) و الإمام بعده ابنه القائم (عجل الله له الفرج) الذی یملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، بعدما مُلئت ظلماً وجورا .
وروى عبدالله بن محمد الأصفهانی عنه (علیه السلام) " صاحبکم بعدی الذی یصلی علیَّ ، قال : ولم نعرف أبا محمد قبل ذلک ، قال : فخرج أبو محمد فصلى علیه "
وروى عن الإمام الهادی (علیه السلام) أبو بکر الفهفکی قال : کتب إلی أبو الحسن علیه السلام : أبو محمد ابنی أنصح آل محمد غریزة وأوثقهم حجة ، وهو الأکبر من ولدی ، وهو الخلف وإلیه ینتهی عُرى الإمامة وأحکامها ، فما کنت سائلی فسله عنه ، فعنده ما یحتاج إلیه .
وعن علی بن مهزیار قال : قلت لأبی الحسن علیه السلام : إن کان کونٌ - واعودُ بالله - فإلى من ؟ قال : عهدی إلى الأکبر من ولدی .
وعن أحمد بن محمد بن رجاء صاحب الترک قال : قال أبو الحسن علیه السلام : الحسن ابنی القائم من بعدی .
إلى غیر ذلک من المرویات والنصوص على إمامته (علیه السلام) .


نُوابُه علیه اسلام :
عمرو بن سعید العمری رضى الله تعالى عنه .

نقش خاتمه :

الله ولیَّ . وعن الکفعمی ( رض ) :أنا لله شهید . وعن ابن الصباغ المالکی : سبحانه مَنْ له مقالید السماوات والأرض .

زوجاته وأولاده :

تروی کتب السیرة الشیعیة أن علی الهادی بعث أحد خواص أصحابه وکان نخاساً لشراء أمة رومیة معینة وصف له أوصافها، واسمها نرجس بنت یشوعا بن قیصر ملک الروم، وتعود فی نسبها إلى شمعون الصفا أحد حواری عیسى، فاشتراها النخاس وسلمها إلى الامام الهادی علیه السلام، الذی سلمها بدوره إلى أخته حکیمة لتعلمها أحکام الإسلام، وهکذا بقیت نرجس عند حکیمة حتى تزوجها الامام الحسن العسکری علیه، فأنجبت له محمد المهدی بن الحسن علیهم السلام، وهو الابن الوحید الذی خلفه الامام الحسن العسکری علیهلاسلام، وانه اخفى الله بمعجزة منه بطن السیدة نرجس حتى لایعلم العباسیون بحملها و ولدت الإمام المهدی الذی غاب الغیبة الصغرى عندما کان فی السابعة من عمره و من ثم الغیبة الکبرى و لازال غائبا حتى یومنا هذا.
وقد جاء فی المصادر فی کرامات هذه السیدة الجلیلة إن رسول الله (ص) خطبها له فی المنام ، وبشرها بأنها تلد له ولداً یملک الدنیا شرقاً وغرباً ، ویملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، بعدما ملئت ضلماً وجورا ، وإن المسیح (علیه السلام) زوجه أیاها فی المنام .
وکان الإمام الهادی (علیه السلام) والد الإمام العسکری (علیه السلام) قد اشترى السیدة نرجس فی الیقظة ، وملکه إیاها .
وهی مدفونة بظهر قبر زوجها الإمام العسکری (علیه السلام) فی سامراء .
ولم یخلف الإمام العسکری (علیه السلام) من الأولاد سوى الإمام القائم الحی محمد بن الحسن المهدی (عج) الموجود منذئذٍ إلى یومنا هذا ، وهو الحجة الغائب المنتظر المستتر عن الابصار ، علیه وعلى آبائه المعصومین الطاهرین صلوات الله الملک الجبار .

أوصافه وأخلاقه وتعالیمه علیه السلام :

کان لون وجه الإمام العسکری (علیه السلام) بین السمرة والبیاض ، وکان فی اخلاقه - کأبائه الأطهار - المثل الأعلى والقدوة التی تحتدى ، ومع ان مدة إمامته (علیه السلام) کانت - کما علمت - قصیرة فقد ظهرت منه (علیه السلام) من العلوم ونشر الأحکام الإلهیة وبث المعالم النبویة ما بهر العقول وحیر الألباب .
وکان (علیه السلام) کثیراً ما یأمر بمراعاة قربتة من رسول الله (ص) وأمیر المؤمنین علی (علیه السلام) وإعانة ذریتهما بکل ما أمکن .
وکذلک کان (علیه السلام) حسب أخبار عدیدة وروایات کثیرة یأمر ویتشدد بوجوب قیام العلماء بوظائفهم ، وتعلیم من لیس له حظ من العلم من الشیعة ، فإن یتم العلم أشد من یتم الیتیم الذی مات عنه أبوه ، فیجب على العلماء ، وبخاصة فی زمان غیبة إمامهم إرشادهم وهدایتهم وتعلیمهم أحکام الله تعالى ورسوله (ص)

کراماته ومعجزاته وعلومه (علیه السلام) :

أما معجزاته (علیه السلام) وغرائب شأنه ، ومعالی أموره ، وأنباؤه بالمغیبات ، واخباره بجواب سؤال من أراد سؤاله (علیه السلام) قبل اظهاره ما فی ضمیره ، وما برز على لسانه الشریف من العلوم الغریبة والمحاجات الکثیرة فی المواقع العدیدة مع طوائف کثیرة ، حتى اذعن الأخصام بل حتى الأعداء بفضله ، وأرغمت معاطس المخالفین بعلو شأنه ، وذلت رقاب الجاحدین والحاسدین والمعاندین لسمو مقامه وعظیم براهینه وبلیغ بیاناته ، تطرقنا بشئ من التفصیل علی هذا الوقع (راسخون )لکرامات الامام علیه السلام فارجو مراجعة ذلک . ولعمری لو لم یکن على إمامته وخلافته (علیه السلام) عن جده رسول الله (ص) دلیل ولا برهان ، ولا عصمته وطهارته یشامخ مقام الولایة والوراثه عن آبائه المعصومین (علیه السلام) نص ولا بیان ، لکفى فی اثبات کل ذلک ما ظهر منه (علیه السلام) من العلوم والحکم ، مضافاً إلى المعاجز غیر المحصورة والفضائل المشهورة المذکورة فی الکتب المشروحة ولعلک تری قطرة من بحار علومه بمراجعة علومه فی الکتب المعروفة .
ومن معجزاته الخارقة للعادة ، مارواه الشیخ الکلینی (قدس) عن جماعة من أصحابنا ، عن بعض فصادی العسکر من النصارى : ان أبا محمد (علیه السلام) بعث إلیه یوماً فی وقت صلاة الظهر ، فقال : أفصد هذا العرق ، قال : فناولنی عرقاً لم أفهمه من العروق التی تفصد ، فقلت فی نفسی ما رأیت أمراً أعجب من هذا ، یأمرنی ان أفصده فی وقت الظهر ولیس بوقت الفصد ، والثانیة عرق لا افهمه . قال : ثم قال انظر وکن بالدار ، فلما امسى دعانی وقال لی : سرِّح الدم فسرحته ، ثم قال لی : أمسک ، فأمسکت ، ثم قال لی : کن فی الدار ، فلما کان نصف اللیل أرسل إلیَّ ، فقال لی : سرَّح الدم ، فتعجبت أکثر من عجبی الأول ، فکرهت أن أسأله ، قال : فسرَّحتُ الدمَ ، فخرج دمٌ أبیض کأنه الملح ، قال : ثم قال لی اجلس فجلست وقال لی : کن فی الدار . فلما أصبحت ، أمر قهرمانه أن یعطینی ثلاثة دنانیر فاخذتها .
فخرجت حتى أتیت بختیشیوع النصرانی فقصصتُ علیه القصة قال: فقال لی : ما أفهم ما تقول ، ولا أعرفه فی شیئ من الطب ، ولا قرأته فی کتاب ، ولا أعلن فی دهرنا أعلم بکتب النصرانیة من فلان الفارسی ، فاخرج إلیه ، قال : فاکتریت زورقاً إلى البصرة وأتیت الأهواز ، ثم صرت إلى فارس إلى صاحبی ، فأخبرته الخبر ، قال : فقال لی : أنظرنی أیاماً فانظرته ، ثم أتیت متقایضاً ، قال : فقال لی : إن هذا الذی تحکیه من أمر هذا الرجل فعله عیسى بن مریم (علیه السلام) فی دهره مرة واحدة ، ولقد حسده الناس على هذا الفضل الباذخ والمقام الشامخ ، ولقد أخبر بذلک إلى أخیه جعفر الکذاب لمقابلة جعفر الصادق (علیه السلام) .
واضافة إلى معرفته لما فی الضمائر ، تنقل المصادر روایات عجیبة عن إخباره بالمغیبات ، مثل اخباره شیعته قبل خلع المستعین بثلاثة أیام بواقعة خلعه بقوله : بعد ثلاث یأتیکم الفرج .
وبالجملة فمناقب هذا الحجة المعصوم وفضائل هذا الإمام المظلوم (علیه السلام) لا تنقص فضلاً عن اسلافه الطیبین الطاهرین وأجداده المعصومین صلوات الله علیهم أجمعین ، ولا غرابة فی ذلک فإن جمیعهم من نور واحد ، وکلهم ثمرات الشجرة الطیبة النبویة ، وفروع الأغصان الزاکیة العلویة ، ونتائج الأغراس الظاهرة الفاطمیة ، على أولهم واخرهم صلوات رب البریة .


مواقف الإمام العسکری (علیه السلام) اتجاه أحداث عصره :
جاء الإمام العسکری (علیه السلام) إلى مقام الإمامة بعد أبیه بأمر الله تعالى ، وحسب ما أوصى به أجداده الکرام . وطوال مدة خلافته التی لا تتجاوز الست سنین ، کان ملازماً التقیة ، وکان منعزلاً عن الناس حتى الشیعة ولم یسمح إلا للخواص من أصحابه بالأتصال ، ومع کل هذا ، فقد قضى زمناً طویلاً فی السجون .

والسبب فی کل هذا الأضطهاد هو :

أولاً : کان قد وصل عدد الشیعة إلى حد یلفت الأنظار ، وإن الشیعة تعترف بالإمامة ، وکان هذا الأمر واضحاً جلیاً للعیان ، وإن أئمة الشیعة کانوا معروفین ، فکانت الحکومات أنذاک تتعرض للأئمة (علیه السلام) وتراقبهم وکانت تسعى للإطاحة بهم وإبادتهم بکل الوسائل الخفیة ، کما هو الحال فی یومنا هذا .
ثانیاً : اطلعت الدولة العباسیة على أن الخواص من الشیعة تعتقد أن للإمام الحادی عشر ولداً ، طبقاً للروایات الواردة عن الأئمة عن النبی (ص) ویعتبرونه الإمام الثانی عشر لهم .
لذلک یمکن تقسم مواقف الإمام العسکری (علیه السلام) تجاه الأحداث إلى أربعة مواقف :
الموقف الأول : موقفه من الحکم والحکام : فقد کانت سیاسة العباسیین تجاه الأئمة (علیه السلام) من أیام الإمام الرضا (علیه السلام) وتلخصت بالحرص على دمج إمام أهل البیت وصهره فی الجهاز الحاکم ، وضمان مراقبتهم الدائمة له ـ ومن ثم عزله عن قواعده وموالیه .
ولذا کان الإمام العسکری کوالده (علیه السلام) مجبراً على الإقامة فی سامراء ، مکرهاً على الحضور لبلاط الخلیفة کل یوم اثنین وخمیس .ولکن الإمام (علیه السلام) کآبائه فی موقفه من الحکام ، وقف موقفاً حذراً ومحترساً فی علاقته بالحکم ، دون أن یثیر أی أهتمام أو أن یلقی بنفسه فی أضواء الحکم وجهازه ، بل کانت علاقته بالحکم روتینیة رتیبة ، تمسکاً بخط أبائه (علیه السلام) تجاه السلطة العباسیة ، وقد أکسب هذا الموقف الإمام (علیه السلام) الأحترام والمنزلة الرفیعة أمام الحکام .
الموقف الثانی : موقفه (علیه السلام) من الحرکة العلمیة والتثقیف العقائدی :
وتمثلت مواقفه العلمیة بردوده المفحمة للشبهات الإلحادیة ـ وإظهاره للحق باسلوب الحوار والجدل الموضوعی والمناقشات العلمیة ، وکان یردف هذا النشاط بنشاط آخر باصداره البیانات العلمیة وتألیفه الکتب ونحو ذلک .
وهو بهذا الجهد یُموِّن الأمة العقائدیة شخصیتها الرسالیة والفکریة من ناحیة ومقاومة التیارات الفکریة التی تشکل خطراً على الرسالة ، وضربها فی بدایات تکوینها من ناحیة أخرى وللإمام (علیه السلام) من علمه المحیط المستوعب ، ما یجعله قادراً على الأحساس بهذه البدایات وتقدیراً أهمیتها ومضاعفاتها والتخطیط للقضاء علیها .
ومن هنا جاء موقف الإمام العسکری (علیه السلام) واهتمامه وهو فی المدینة المنورة بمشروع کتاب یضعه الکندی أبو یوسف یعقوب بن اسحاق " فیلسوف العراق فی زمانه " ، حول متناقضات القرآن إذ اتصل عن طریق بعض المنتسبین إلى مدرسته واحبط المحاولة وأقنع مدرسة الکندی بأنها خطأ ، وجعله یتوب ویحرق أوراقه إلى غیر ذلک .
الموقف الثالث : موقفه (علیه السلام) فی مجال الإشراف على قواعده الشعبیة وحمایة وجودها وتنمیة وعیها ، ومدها بکل أسالیب الصمود والإرتفاع إلى مستوى الطلیعة المؤمنة .
وکان یساعدهم اقتصادیاً وإجتماعیاً ، ویحذرهم ، وکان (علیه السلام) یأمر أصحابه بالصمت والکف عن النشاط ریثما تعود الأمور إلى مجاریها وتستتب الحوادث . وکانت تُجبى إلیه (علیه السلام) أموال کثیره من الحقوق ، من مختلف المناطق الإسلامیة التی تتواجد فیها قواعده الشعبیة ، وذلک عن طریق وکلائه المنتشرین فیها ، وکان (علیه السلام) یحاول جاهداً وبأسالیب مختلفة أن یخفی هذا الجانب إخفاءً تاماً على السلطة ، ویحیطه بالسریة التامة .
الموقف الرابع : موقفه (علیه السلام) من التمهید للغیبة :
إن الإمام العسکری (علیه السلام) حین یعلم بکل وضوح تعلق الإرادة الإلهیة بغیبة ولده من أجل إقامة دولة الله فی أرضه وتطبیقها على الإنسانیة أجمع ، والأخد بید المستضعفین فی الأرض لیبدل خوفهم أمناً 000 یعبدون الله لا یشرکون به شیئاً .
یعرف أن علیه مسؤولیة التمهید لغیبة ولده ، وذلک لأن البشر إعتادوا الإدراک والمعرفة الحسیة ، ومن الصعب على الإنسان المعتاد على المعرفة الحسیة فقط أن یتجاوز إلى تفکیر واسع .
والنصوص المتواترة الصحیحة عن النبی (ص) لها أثرها الکبیر والفاعل فی ترسیخ فکرة إنتظار المهدی (عج) فی نفوس المسلمین بشکل عام ، وهذه الروایات عون للإمام العسکری (علیه السلام) لکی یقنع الناس بالإیمان بالغیبة من ناحیة ، ویبرهن للناس تجسید الغیبة فی ولده المهدی من ناحیة أخرى .
والأمر الأصعب الذی تحمل مسؤولیتة الإمام العسکری (علیه السلام) بصفته والداً للمهدی (علیه السلام) هو اقناع الناس بفکرة حلول زمان الغیبه وتنفیدها فی شخص ولده الإمام المهدی وهو أصعب بالنسبة للفرد العادی ، إذ انه سوف یفاجأ ویصدم إیمانه بفکرة الغیبة ، فإن هناک فرقاً کبیراً فی منطق إیمان الفرد العادی بشکل مؤجل لا یکاد یحس الفرد بأثره فی الحیاة ، وبین الإیمان بالغیب مع الاعتقاد بتنفیده فی زمان مغایر .
هذه الحقیقة ، کانت تلح على الإمام أن یبذل جهداً مضاعفاً لتخفیف وقع الصدمة وتذلیلها ، وتهیئة أذهان الناس لاستقبالها دون رفض أو انکار ، وتعوید أصحابه وقواعده على الالتزام بها ، وخاصة أنه (علیه السلام) یرید تربیة جیل واعٍ یکون النواة الأساسیة لتربیة الأجیال الأتیة ، والتی ستبنی بجهدها تاریخ الغیبتین ، الصغرى والکبرى .
اضف إلى ذلک أن الظروف والمعاناة التی عاشها الإمام العسکری (علیه السلام) ، من قبل الدولة ، وضرورة العمل والتبشیر بفکر المهدی الموعود ، والتی کانت تعتبر فی منطق الحکام ، أمراً مهدداً بکیانهم ، وخروجاً على سلطانهم .
لذا فقد اتجه نشاط الإمام العسکری (علیه السلام) فی تحقیق هذا الهذف إلى ثلاث أعمال رئیسیة ممهده لهذا الهذف :
العمل الأول : حجب الإمام المهدی (علیه السلام) عن اعین الناس مع إظهاره لبعض خاصیته.
العمل الثانی : تکثیف حملة توعیة لفکرة الغیبة ، وافهام الناس بضرورة تحملهم لمسؤلیاتهم الإسلامیة وتعویدهم على متطلباتها ، وقد اتخد الإمام (علیه السلام) بتصدیر بیاناته وتعلیماته عن المهدی ، کحلقة متسلسلة للنصوص التی بشر بها الرسول (ص) والإئمة (علیه السلام) من بعده ، وقد اتخذ الإمام العسکری (علیه السلام) فی بیاناته اشکالاً ثلاثة :
الشکل الأول : بیان عام ، کالتعرض لصفات المهدی (علیه السلام) بعد ظهوره وقیامه فی دولته العالمیة .
الشکل الثانی : توجیه النقد السیاسی للأوضاع القائمة ، وذلک بقرنها بفکرة المهدی (عج) وضرورة تغییرها .
الشکل الثالث : توجیه عام لقواعده وأصحابه یوضح فیها (علیه السلام) لهم أبعاد فکرة الغیبة ، وضرورة التکیف لها من الناحیة النفسیة و الأجتماعیة تمهیداً لما یعانونه من غیبة الإمام (علیه السلام) وانقطاعه عنهم .
العمل الثالث : اتخد الإمام العسکری (علیه السلام) موقفاً یمهد فیه للغیبة ، عندما احتجب بنفسه عن الناس ، إلا عن خاصة أصحابه ، وذلک باسلوب المکاتبات والتوقیعات ، ممهداً بذلک إلى نفس الأسلوب الذی سوف یسیر علیه ابنه المهدی (علیه السلام) فی غیبته الصغرى ، وهو فی احتجابه وإیصاله للتعلیمات .
وقد یبدو الأمر غریباً مفاجئاً للناس لو حدث هذا بدون مسبقات وممهدات کهذه . ولهذا کان هذا الأسلوب لتهیئة أذهان الأمة وتوعیتها ، لکی تتقبل هذا الأسلوب وتستسیغه دون استغراب ومضاعفات غیر محمودة .
وکان نظام الوکلاء الذی اتبعه الإمام العسکری (علیه السلام) مع قواعده الشعبیة کان اسلوباً أخراً من أسالیب التمهید لفکرة الغیبة .
وکذلک أیضاً فإن نظام الأحتجاب والوکلاء هو الأسلوب نفسه الذی یکون ساری المفعول فی غیبة الإمام الصغرى ، بعد ان اعتاد الناس علیه فی مسلک الإمامین العسکریین علیهما السلام ، وخاصة الإمام الحسن العسکری (علیه السلام) .

قصص من حیاته(علیه السلام) :
عظمة أبدان ألأنبیاء(علیهم السلام)
روی عن علیّ بن الحسن بن سابور، قال : قحط الناس ب (سرّمن رأى) فی زمن الحسن العسکری (علیه السلام ) فامر الخلیفهٌ الحاجب، وأهل المملکة أن یخرجوا إلى الاستسقاء، فخرجوا ثلاثة أیام متوالیة الى المصلّى ویدعون فما سقوا.
فخرج الجاثلیق فی الیومِ الرابع الى الصحراء، ومعه النصارى والرهبان وکان فیهم راهب کلمّا مدّ یده هطلت السّماء بالمطر فشک أکثر الناس وتعجـّبوا وصَـبُـوا إلى دین النصرانیة، فانفذالخلیفة الى الحسن العسکری ( علیه السلام ) ـ وکان محبوساًـ فاستخرجه من حبسه وقال: إلحق أمّة جدّک فقد هلکت، فقال: انی خارج فی الغد ومزیل الشک إنشاء الله تعالی .
فخرج الجاثلیق فی الیوم الثالث والرهبان معه وخرج الامام الحسن(علیه السلام) فی نفرٍ من أصحابه فلما بصر بالراهب وقد مد یده أمر بعض ممالیکه ان یقبض على یده الیمنى ویأخذ ما بین إصبعیه، ففعل، وأخذ من بین سّبابتیه عظماً، فاخذه الحسن (علیه السلام) بیده ثم قال له: إستسقِ الان، فاستقى وکان السّماء متغـیّماً فتقشـّعت وطلعت الشمس بیضاء .
فقال الخلیفه: ماهذا العظم یا أبا محمد؟ قال: (علیه السلام): هذا رجل مرّ بقبر نبیّ من الانبیاء فوقع إلى یده هذا العظم، وما کشف من عظم نبیّ الا وهطلت السماء بالمطر .

استشهاده علیه السلام :

المعتمد العباسی دس له السم، حیث جاء فی روایة الصدوق فی الإکمال بسنده إلى أبی الأدیان أنه قال:
«أخدم الحسن بن علی العسکری وأحمل کتبه إلى الأمصار فدخلت إلیه فی علّته التی توفى فیها فکتب کتباً وقال: تمضی بها إلى المدائن، فخرجت بالکتب وأخذت جواباتها ورجعت إلى - سُرَّ من رأى - یوم الخامس عشر فإذا أنا بالداعیة فی داره، وجعفر بن علی بباب الدار والشیعة حوله یعزونه ویهنئونه. ثم خرج عقید الخادم فقال: یا سیدی قد کفن أخوک فقم للصلاة علیه فدخل جعفر والحاضرون فتقدم جعفر بن علی (وهو أخ العسکری) لیصلی علیه فلما همَّ بالتکبیر خرج صبی بوجهه سُمرة وشعره قطط وبأسنانه تفلیح فجذب رداء جعفر بن علی وقال: (تأخر یا عم أنا أحق منک بالصلاة على أبی، فتأخر جعفر وقد أربد وجهه فتقدم الصبی فصلى علیه ودُفِنَ إلى جانب قبر أبیه حیث مشهدهما کعبة للوافدین وملاذاً لمحبی أهل البیت الذی أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهیراً یتبرکون به ویتوسلون إلى الله سبحانه بحرمة من دفن فی ثراه أن یدخلهم فی رحمته ویجعلهم على الحق والهدى.»
لقد تعرض الإمام العسکری (علیه السلام) لما تعرض له أباؤه الأطهار (علیه السلام) من بطش الحکام وإئتمارهم لقتلهم ، بل ربما یزید الإمام العسکری (علیه السلام) عن ابائه وأجداده (علیهم السلام) تعرضاً للأذى ، لأن الحکام فی عصره کانوا یتخوفون مما بلغهم من کون الحجة المهدی (علیه السلام) منه (علیه السلام) لذا حبسوه عدة مرات ، وحاولوا قتله فکان ینجو من محاولاتهم .
حتى جاء عهد المعتمد (لعنه الله) فتمکن من سم الإمام الحسن (علیه السلام) فی السنة الخامسة من حکمه ، وقد سُقیَ (علیه السلام) ذلک السم فی أول شهر ربیع الأول من سنة ستین ومائتین ، وظل (علیه السلام) سبعة أیام یعالج حرارة السم ، حتى صار یوم الجمعة الثامن من شهر ربیع الأول من سنة ستین ومائتین ، حیث انتقل إلى جوار ربه ، فی سامراء ، ولم یصل عمره الشریف إلى ثمانیة وعشرین سنة . ولما استشهد الإمام العسکری (علیه السلام) ضجت لفقده " سر من رأى " ضجة عظیمة وحمل أهلها النعش المقدس ، بتجلیل واهتمام بالغین .

المصدر
: تحقیق راسخون
أصول الحدیث وأحکامه ص 19 للعلامة المُحقق آیة الله الشیخ السبحانی
حیاة الإمام الحسن العسکری لباقر شریف القرشی طبع بیروت ، عام 1996 م.
کتاب الامام الحسن العسکری سیرة وتاریخ علی موسی الکعبی.
بحار الانوار 50/270 للعلامة المجلسی .