
Super User
ثمان مفاجات في كل بداية زواج
ان في بداية كل زواج توجد عدة مفاجات لمن لم يستعد لها او لمن لم يعرف حقيقه الزواج ومستقبله فكل واحد منا كان همه في البداية ان يتزوج ويستقر فلما تحقق هدفه بدا يكتشف امور كثيرة تشككه في نجاح زواجه واستمراره . لذلك هنالك ثمان مفاجات لابد ان يعرفها الزوج حتى يزداد سعادة واستقرار
*المفاجاة الاولى: يشعر المتزوج احيانا( بالوحدة ) على الرغم من وجود الطرف الاخر والاولاد في حياته وهذا امر طبيعي في كل حالات الزواج فلا يظن من يشعر ان زواجه غير سعيد او ان حياته خاطئه بل الشعور بالوحدة امر طبيعي .
*المفاجاة الثانيه : يشعر المتزوج احيانا بالفتور وعدم الشعور بالدافع القوي للحب تجاة الطرف الاخر وهذا كذلك امر طبيعي في كل حالات الزواج دوام المحبة بدرجاتها العالية امر مستحيل وللنفس اقبال وادبار والعلاقة العاطفية تمر بحالة مد وجزر .
*المفاجاة الثالثة: التغير الذي يطرا على احد الزوجين في الاهتمامات او الشكل او الهوايات او القراءة وهذا امر طبيعي في كل انسان وهذا دليل على تقدم الانسان بالعمر ونضجه بالحياة فلا ينكر احد الزوجين على الاخر هذا التغيير وانما هو امر طبيعي .
*المفاجاة الرابعة :ليس بالضرورة الاتفاق على كل شي في الحياة العائلية بين الزوجين فبعض الازواج يؤذية كثرة الخلاف في الاراء بين الزوجين وهذا امر طبيعي وموجود في كل حالات الزواج لان ذلك من طبيعة البشر ولكن السعادة في ان تتعلم كيفية التعامل معها .
* المفاجاة الخامسة : يصطدم الزوجان عندما يكتشفان ان ليس لكل مشكله حل وهذة مفاجات كبيرة بالنسبة لهما كانا يتوقعان ان لديهما القدرة على علاج كل المشاكل ونسيا ان الزمن في كثير من الاحيان هو جزء من العلاج
*المفاجاة السادسة : يتوقع كل زوج انه يستطيع ان يخفي الكثير عن الطرف الاخر ولكن المفاجاة تكون بان كل الحقائق والاسرار في الغالب يكشفها الطرف الاخر وهذة تكون غالبا في كل حالات الزواج .
*المفاجاة السابعة :يعتقد الزوجان ان ايام الزواج ولياليه كلها سعادة ومتعة وفرح ويصطدمان عندما يكتشفان ان الايام متقلبة بين الحلو والمر وهذة المرحلة يمر بها جميع الازواج.
*المفاجاة الثامنة : ان كل واحد من الزوجين يعتقد انه يضحي للاخر اكثر من الاخر وعندما يتحاوران يكتشفان ان كل واحد منهما يرى انه اكثر تضحية وهذة حاله يمر بها اغلب حالات الزواج فلا بد من التضيحة حتى يسعد الزوجان من بداية الزواج حتى نهايته فليس للتضحية عمر محدد .
دور المرأة في بناء المجتمع الإسلامي
في مرحلة البناء كان كلٌّ من الشعب والحكومة يحاولان تحقيق مسألة إعادة البناء مادياً واجتماعياً ومعنوياً إعادةً حقيقية في هذا البلد الإسلامي، وذلك بالاتكاء والاعتماد على الأيدي العاملة؛ فإذا أرادت أي دولة أن تحقق مسألة إعادة البناء وإعمار البلاد بصورته الحقيقية والمؤثرة، وجب أن يكون اهتمامها الأول بالأيدي العاملة في تلك البلاد.
وعندما نشير إلى اليد العاملة يجب أن نأخذ بنظر الاعتبار أن النساء يشكلن نصف عدد هذه الأيدي في البلاد، لذا نقول: إذا كانت هناك نظرة خاطئة للمرأة في المجتمع، فأنه لا يمكن تحقيق مسألة الاعمار وإعادة البناء الشامل.
يجب أن تتمتع النساء في بلادنا بالوعي الكامل والالمام الشامل لنظرة الإسلام للمرأة ومكانتها فيه ؛ لتستطيع أن تدافع عن حقوقها بالاتكاء والاعتماد على هذه النظرة السامية الرفيعة للمرأة.
يجب على كل أفراد المجتمع وعلى الرجال في البلاد الاسلامية، أن يعلموا أن دور المرأة في نظر الإسلام هو عبارة عن وجودها في كل مجالات الحياة، وتعلّمها وجدّها وسعيها في كل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية في المجتمع، ويجب أيضاً أن يعلموا ما هو دور المرأة وواجبها في محيط الاسرة وخارجه؟
إن للإسلام نظرة بيّنة وواضحة بالنسبة للمرأة، وإذا أردنا أن نقارن هذه النظرة مع نظرة الثقافات الأخرى كالثقافة الغربية، نجد أن النظرة الاسلامية لم تقطع اشواطاً كبيرة ومتقدمة فقط، بل إن لها تأريخاً قديماً يفوق ما هو عليه بالنسبة للرجل، وهذه النظرة الاسلامية الصحيحة للمرأة هي بسبب نجاح وتقدم البلاد الاسلامية، وارتقاء مستوى النساء فيها.
إن من يجب أن يكون له نشاط في هذا المجال (مجال شؤون المرأة) هن نساء مجتمعنا، وإذا كان هناك قصور في المرأة المسلمة في المجتمع الإسلامي، سواء كان في إيران أو بعض الدول الإسلامية، فباعتقادي أن جزءاً منه يرجع إلى النساء أنفسهن، والجزء الآخر يكون بسبب الرجال؛ لأن من يجب عليه أن يعرف حقوق المرأة في الإسلام وأن يدافع عنها، هي المرأة بالدرجة الأولى. يجب على النساء أن يعرفن ماذا يقول الله تعالى في القرآن الكريم عن المرأة، وماذا يريد منها، ويجب أيضاً أن يعرفن من الذي يحدّد مسؤولية المرأة حتى تستطيع أن تدافع عن حقها بما يقوله الإسلام وفي إطار الإسلام؛ وإذا كانت المرأة بعيدة عن هذه الأمور، فسوف تسمح لفاقدي القيم الإنسانية أن يمارسوا الظلم لها، كما نلاحظ في المجتمع الغربي الخاضع للأنظمة المادية، بالرغم من كل هذه الشعارات المرفوعة لمصلحة المرأة. حيث نجد أن أكثر الظلم الذي يقع على المرأة في هذه المجتمع هو من قبل الرجال، فنجد ظلم الأب لابنته والأخ لأخته والزوج لزوجته، ونجد حسب الإحصائيات والأرقام الموجودة على المستوى العالمي، أن نسبة كبيرة من الظلم للمرأة والتعدي عليها يمارس من قبل رجال هذه المجتمعات الغربية.
إذا لم تحلّ القيم المعنوية مكانها الطبيعي، وإذا لم تكن هي السائدة في نظام من الأنظمة، فسوف تخلو القلوب من القوة المعنوية الإلهية، وسيجد الرجل طريقة لظلم المرأة مستعيناً بقدرته الجسمانية المادية. إن الرادع الحقيقي لممارسة الظلم يتمثل في الله والإيمان والقانون، وأيضاً في معرفة المرأة لحقها الإنساني والإلهي والدفاع عنه وسعيها لتحقيقه بكل ما للكلمة من معنى.
إن الإسلام قد عيّن حدّاً وسطاً في مسألة حقوق المرأة خالياً من الإفراط والتفريط، حيث لم يعط للمرأة حق ممارسة الظلم، وفي نفس الوقت لم يغض النظر عن الطبيعة الحاكمة التي تميّز الرجل عن المرأة، إن الصراط المستقيم والقويم هو الصراط الإسلامي الذي حدّده الإسلام، ونحن أشرنا إليه بصورة مختصرة.
الإمام السيد علي الخامنئي حفظه الله
هنية يكشف عن إمكانية اعتراف واشنطن بيهودية إسرائيل وشطب حق العودة
رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يؤكد امتلاكه معلومات عن قرارات جديدة تنوي إدارة ترامب الإقدام عليها من بينها الاعتراف بيهودية إسرائيل وشطب حق العودة، والمجلس العسكري في قيادة كتائب القسام يؤكد أن التأسيس الحقيقي لمعركة تحرير فلسطين يمر عبر توحيد جهود الأمة وحشد طاقاتها نحو فلسطين والقدس والأقصى.
أكد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية امتلاكه معلومات بأنّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستقدم على قرارات جديدة ضد القضية الفلسطينية "أهمها الاعتراف بيهودية إسرائيل وشطب حق العودة".
وشدد هنية في كلمة بمؤتمر القدس العالمي الحادي عشر في غزة على أنّ ترامب لا يملك القدس كي يهديها لإسرائيل.
ودعا هنية إلى مراجعة شاملة لكل مسيرة التسوية وإنهاء العمل باتفاقية أوسلو والتنسيق الأمنيّ مع الاحتلال.
في غضون ذلك، قال المجلس العسكري في قيادة كتائب عز الدين القسام في مناسبة مرور 30 عاماً على تأسيس حركة حماس إن محاولات "أميركا والكيان الصهيوني وأذنابهما في المنطقة لتسريع عجلة التطبيع والهرولة نحو الكيان مصيرها الفشل".
وأضاف في بيان له بالمناسبة أن "ما آلت إليه الصراعات في أمتنا وما وصلت إليه من حالة تشرذّم وهو أن تؤكد من جديد صوابية ما ذهبنا إليه من النأي بأنفسنا وقضيتنا العادلة عن كل الصراعات الداخلية في محيط فلسطين العربي والإسلامي"، مؤكداً على ثبات هذا الموقف وبقاءه.
وجاء في البيان المذكور أيضاً أن "امتلاك أوراق القوة هي مهمتنا المقدسة وواجبنا الدائم الذي نسهر عليه ونسعى بكل طاقاتنا إليه، وإن سلاحنا هو شرف أمتنا وصمام الأمان لشعبنا وقضيتنا".
وأكدت "القسام" على أن "التأسيس الحقيقي لمعركة تحرير فلسطين يمر عبر توحيد جهود الأمة وحشد طاقاتها نحو فلسطين والقدس والأقصى"، مؤكدةً على استمرار العمل على حشد هذه الجهود والطاقات بكافة أشكالها.
كما لفتت القسام في كلمة مجلسها العسكري إلى أن "محاولات لمّ الشمل ورأب الصدع وتحقيق الحدّ المقبول من الوحدة والتوافق الفلسطيني الذي تسعى إليه حركتنا ونحن جزء منها هو صمام أمان لقضيتنا ومقاومتنا".
ميدانيات العراق: ما تبقى لداعش في أرض الرافدين
شهد الميدان العراقي خلال الفترة من أواخر الشهر الماضي، وحتى الآن فعاليات الفصل الأخير من فصول الحرب في مواقع تمركز وسيطرة تنظيم داعش، حيث استكملت خلال هذه الفترة الجزء الأول من المرحلة الثانية لعمليات تحرير الجزيرة والبادية، بتحرير وتطهير نحو 175 قرية في النطاق الصحراوي للجزيرة جنوبي قضاء الحضر وشمالي مدينة راوه، بمساحة تبلغ 14 الف كيلو متر مربع. ثم أطلقت الجزء الثاني من هذه المرحلة بهدف تأمين السيطرة على ما تبقى من قرى في الظهير الصحراوي جنوبي قضائي الحضر والبعاج غربي الموصل.
كان تقدّم القوات المشتركة في هذه المرحلة الأسرع مقارنة بعمليات راوه والقائم ومن قبلها عمليات الحويجة، حيث تقدمت وحدات الفرقة السابعة وفرقة المشاة الميكانيكية الثامنة والفرقة المدرعة التاسعة، بجانب وحدات من قيادة عمليات الجزيرة تعاونها قوات الحشد الشعبي، وتمكنّت خلال أيام قليلة من تحرير 90 قرية جنوبي البعاج وفي عمق الصحراء المحاذية للحدود مع سوريا بمساحة تبلغ 16 الف كيلومتر مربع، منها قرى الخرفان وأم قصب وأطماخيان ودحم وخشم ذبيان وتلول المعيني وذياب وشمر جربة وأصفيان والصخريات والمثاوبة وتل الريم وأبهيري و تل الضبع وأبو راسين وزوبع والدويم ومويخة والصالحية والمشرح والصخريات ونملة والنيلية والراوي والرسالة والمالحات ورجم العيار.
خلال هذه المرحلة، كان التركيز منصبّاً على خط الحدود بصفة أساسية، وحققت القوات الإنجاز الأهم بتحرير ست نقاط حدودية بجانب الشريط الحدودي المتبقي خارج السيطرة والبالغ طوله 55كم، والتقاء الوحدات المتقدمة من جنوبي معبر تل صفوك الحدودي غربي الموصل بالوحدات المتحركة شمالي قضاء القائم، ما جعل الحدود المشتركة والمخافر الحدودية والمعابر مع سوريا محررة بالكامل بطول يبلغ 240كم. وشرعت قوات الحشد الشعبي في تأمين هذا الخط الحدودي، وإنشاء نقاط للمراقبة عليه بالتعاون مع حرس الحدود العراقي، خاصة في المنطقة الواقعة في محيط معبر تل صفوك الحدودي غربي الموصل، الذي تعرّض لهجمات بالصواريخ المضادة للدروع خلال الأيام الماضية من الجانب الأخر من الحدود. بهذه النتيجة لم يعد متبقي لتنظيم داعش في العراق سوى قطاع صحراوي محاصر، يقع في المنطقة جنوبي قضاء الحضر وجنوب شرق قضاء البعاج، وهي منطقة باتت معزولة تماماً عن أي أمداد بعد السيطرة الكاملة على خط الحدود مع سوريا، ولن تستغرق عمليات تطهيرها وقتاً طويلاً.
على الرغم من هذا النجاح الميداني الكبير، لم تتوقف عمليات القوات المشتركة ضد المناطق التي تتواجد فيها خلايا داعش، حيث أطلقت قوات عمليات سامراء وصلاح الدين ودجلة، تعاونها قوات الحشد الشعبي، عمليات تطهير وتأمين في منطقتي مطيبيجة والحاوي الواقعتان شرقي سامراء، هذه المنطقة على الرغم من تطهيرها أبّان العمليات الهجومية شرقي قضاء الحويجة، إلاّ أنه لوحظ نشاط محدود لعناصر داعش فيها، وتنفيذهم عملية هجومية استهدفت نقطة تفتيش بمدخل قرية سموم الواقعة جنوبي تكريت وشمال سامراء، وعملية أخرى فردية في خربة عزيز بقضاء الحويجة، وعملية ثالثة استهدفت فيها سيارة مفخخة منطقة شارع الأطباء بتكريت، لذلك أطلقت القوات هذه العملية الخاطفة التي نتج عنها تطهير 24 قرية من الأنفاق والمواقع التي يتواجد فيها عناصر داعش، منها قرى الرمل وأحمد الجاسم والبوطلحة والحدادية وفرحان عايد وأم العصاري ومهاوش والماضي وداوود سلمان والشهرية وسلمان فاضل وعكلة والخربة الجديدة والعطشانة وجديده والبوطريمش والبورياش والعيف وشيخ احمد وشالخ عيد ويرغي وكرحة خناجير وكرحة غازان وخوايشجة.
أطلقت القوات العسكرية والأمنية أيضاً خلال هذه الفترة، عدة عمليات أمنية تستهدف تأمين وتطهير المناطق التي ربما يكون لتنظيم داعش خلايا بها، منها عمليات في بغداد شملت مناطق أبو غريب والطارمية والبتاويين، وهي عملية هامة جداً تأتي بعد هجوم دامٍ شنه انتحاريين أثنين ينتميان لتنظيم داعش على شارع الشمري الواقع بناحية النهراون التابعة لقضاء المدائن. كذلك تم تنفيذ عمليات تطهير ماثلة في قضاء الدبس وناحية الرشاد في كركوك، واعتقالات في حيّ الميثاق شرقي الموصل، وعملية مستمرة حتى الأن في طوزخرماتو بكركوك لمواجهة عمليات القصف بالهاون التي تنفذها مجموعات انفصالية وأخرى تابعة لداعش انطلاقاً من تلال حمرين ومناطق أخرى.
بالإضافة إلى تحدي "الذئاب المنفردة" الذي تواجهه القوات المشتركة، تواجه هذه القوات تحدي آخر يتعلق بالوضع في كركوك، عمليات القصف المدفعي الذي تشنه مجموعات انفصالية على مواقع الجيش، والهجمات التي طالت عدة مواقع عسكرية منها مقر لجهاز مكافحة الإرهاب، وكذا الوضع السياسي والميداني الحالي في السليمانية، التي تشهد احتجاجات شعبية واسعة، ربما تضغط على الجيش العراقي للدفع ببعض من وحدات شمالاً للسيطرة على الوضع المتدهور، وربما تكون قوات الفرقة 20 المتواجدة في عدة مناطق بكركوك هي القوات الأمثل لهذه المهمة إن اقتضت الضرورة.
محمد منصور
معنى الرفض شيخ الأزهري وبابا الكنَسي لقاء نائب ترامب
الأزهر الشريف يعلن على لسان الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور "أحمد الطيب" عن رفضه استقبال "مايك بنس" نائب الرئيس الأميركي، والكنيسة المصرية الأرثوذكسية تعلن بدورها على لسان البابا "تواضروس الثاني"، بطريرك الأسكندرية ورئيس الكرازة المرقسية، رفضها المُماثل لمقابلة "بنس"، رداً على إعلان الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" اعتبار القدس الموحدة عاصمة للكيان الصهيوني.
أعلن الأزهر الشريف على لسان الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور "أحمد الطيب" عن رفضه استقبال "مايك بنس" نائب الرئيس الأميركي، خاصة وأنه كان قد تم تحديد موعد اللقاء خلال زيارة "بنس" إلى القاهرة ضمن بلاد أخرى منها فلسطين المحتلة في آخر شهر كانون الأول _ديسمبر 2017، وجاء رفض الأزهر للمقابلة رداً على إعلان الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" باعتبار القدس الموحدة عاصمة للكيان الصهيوني، ونقل سفارة أميركا إلى القدس المحتلة، وفي نفس السياق أعلنت الكنيسة المصرية الأرثوذكسية على لسان البابا "تواضروس الثاني"، بطريرك الأسكندرية ورئيس الكرازة المرقسية، رفضها المُماثل لمقابلة "بنس".
هذا الرفض يتّفق تماماً مع الرفض الشعبي المصري بل والإسلامي بأسره، ليس لقرار ترامب فقط، ولكنه رفض عام للكيان الصهيوني بأسره، ويكفي أن السلام بين مصر وإسرائيل لم يتطرّق أبداً للضمير الشعبي في مصر، وظلّ سلاماً باهِتاً على المستوى السياسي حتى اليوم، من دون الوصول إلى ضمير الشعب المصري، كما أن الرفض الأزهر/الكنسي يتّفق مع الرؤية الإسلامية، ومع الرؤية الأرثوذكسية تماماً (كلمة أرثوذكسي تعني الصحيح أو المستقيم)، فالأزهر يمثل العالم الإسلامي السنّي المُعتدل، يرفض الوهّابية وينكر السلفية، والمفترض أنه يحمل على عاتقه التقريب بين المدارس الإسلامية المختلفة، وذلك منذ تأسيس دار التقريب بين المذاهب الإسلامية عام 1946، وهو يتّفق مع الرؤية الشيعية الجعفرية، وجميعها ترى أن الصهيونية خطر على الجنس البشري، وأن الصهيونية تتحالف مع الاستعمار العالمي والاستكبار الدولي ضد المسلمين، ونحن هنا لا نتحدّث برؤية أيديولوجية، فلا نتطرّق إلى رؤية عودة وظهور أو ميلاد الإمام المهدي ليحارب اليهود، ولكننا نكتفي بالنهج السياسي المتمثل في رؤية الأزهر السياسية، وإن كانت الرؤية السياسية مختلطة بالرؤى الدينية، وقد قمنا بتأليف كتاب "الأزهر الشريف والحوزة النجفية ... النشأة والتاريخ والتواصل"، وفيه كتبنا عن بعض التماثل بين الرؤيتين السياسية والدينية بين الحوزتين الإسلاميتين الكبيرتين تجاه الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، ومن هنا جاء قرار شيخ الأزهر بعدم لقاء نائب الرئيس الأميركي متفقاً مع الضمير الشعبي الديني، والوجدان السياسي الإسلامي عموماً، ولقد ظل الكيان الصهيوني يعتبر الأزهر وشيوخه جميعاً ضمن أعداء السامية، ولا ننسى عندما قابل شيخ الأزهر السابق الدكتور محمّد سيّد طنطاوي الحاخام الصهيوني مايكل مليكور عام 1998، وهاجمه الجميع إعلامياً، ولكن الإعلام الصهيوني قال إن شيخ الأزهر سيّد طنطاوي معادٍ للسامية، فلم تنسَ له أنه خصّص رسالته للدكتوراة في عام 1969، لكشف ما يمكن تسميته جذور العنف في التاريخ اليهودى، منذ دخولهم مصر، وخروجهم منها وتأسيس دولتهم، بعد أن أبادوا شعوباً بكاملها في سبيل ذلك، خلاصة القول جاء رفض الأزهر لمقابلة "بنس" صدمة لصانع القرار الأميركي؟.، وهو ما يهدّد زيارة نائب ترامب إلى المنطقة أو إلى مصر على وجه التحديد..
وعلى الجانب الديني الآخر، نجد الكنيسة المصرية الأرثوذكسية تتّخذ نفس القرار الوطني الأزهري، وهو رفض ممتد منذ أن منع البابا السابق "شنودة الثالث" سفر المصريين الأقباط لزيارة القدس المحتلة، طالما ظل الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وقال نصاً "لن نذهب للقدس ونزور كنيسة القيامة وبيت لحم حيث كنيسة المهد، إلا وأيدينا بأيدي إخواننا المسلمين"، هذا القرار البابوي هو اللحمة المصرية للوحدة الوطنية في مصر، والتي أرادت الصهيونية الأميركية بثّ الفرقة بين أبناء الشعب المصري بحجّة عدم حصول الأقلية القبطية على كامل حقوقها، وهو ملف كان سيثيره "مايك بنس"، أثناء زيارته إلى مصر، وأثناء مقابلته لشيخ الأزهر وبابا الكنيسة والقيادة السياسية على السواء.
ويسير البابا تواضروس الثاني على نفس المنهج والرؤية، مع العلم أن الكنيسة المصرية تُعتبر أقدم كنائس العالم بأسره، فلم تبرّئ بني إسرائيل من دم المسيح كما روّجت الكنيسة الكاثوليكية، ونجد في حديث "الأنبا رافائيل" سكرتير المجمع المقدّس وأسقف وسط القاهرة، رؤية الكنيسة المصرية بأسرها، فقد قال "إن نبوءات بناء هيكل سليمان بالقدس فكر صهيوني تم تسريبه لبعض الكنائس، وإن إسرائيل خرّبت وانتهت وفق نبوءات المسيح ولن تقوم، وأن الإسرائيليين يكرهون الأقباط، والإسرائيليون قالوا "دمه علينا وعلى أولادنا"، وهي ليست عبارة بسيطة، فحتى اليوم نرى نتيجة فعلتهم، فهم شعب بلا وطن، ففي عام 70 ميلاده بعد صلب المسيح بـ37 سنة، تنبّأ المسيح بأن أورشاليم ستخرب، ثم جاء قائد روماني إسمه "تيطس" هجم على أورشاليم ودمّرها تماماً، وحرق الهيكل وقتل اليهود المتواجدين وقتئذ، ومنذ هذه الساعة لم تقم قائمة لليهود حتى الآن من الناحية الروحية، فلن يعرفوا أن يبنوا الهيكل، ولن يستمروا في أرض فلسطين، هذه هي رؤية الكنيسة المصرية لبني إسرائيل، تحترم اليهودية، وتكره وتهاجم الصهيونية، مثل المسلمين، الإسلام يعتبر اليهود أهل كتاب، ولكنه ينكر العنصرية الصهيونية، وينكر احتلالهم لأرض فلسطين، وهو ما ألهب الضمير الشعبي الإسلامي والمسيحي المصري، وهو ما فهمناه من الهبّة الأزهرية/الكنسية، وهو ما نقدّره عند الشباب الثائِر في أرض فلسطين في انتفاضته الرابعة، التي ستنتصر بإذن الله، لأن الحق دائماً ما ينتصر، ولو بعد حين.
علي أبو الخير
الحجّ.. الإجتماعُ الرائع
الكعبة حجر يتحوّل، في الوعي إلى معراج للروح. والبيت بيت للعبادة والتسليم والتعظيم، فيه الأمن والأمان وإليه شرّع سبحانه الحج:
- إنّ أوّلَ بيتٍ وُضِعَ للنّاسِ لَلّذي بِبَكّةَ مباركاً وهُدىً للعالمينَ * فيهِ آياتٌ بيّناتٌ مقامُ إبراهيمَ، ومنْ دَخَلَهُ كانَ آمناً، وللهِ على النّاسِ حِجُّ البيتِ مَنِ استطاعَ إليه سَبيلاً .
- وإذْ جعلْنا البيتَ مثابةً للنّاسِ وأمناً، واتّخِذوا منْ مَقامِ إبراهيمَ مُصلّى، وعَهِدْنا إلى إبراهيمَ وإسماعيلَ أنْ طهِّرا بيتَيَ للطّائفين والعاكِفينَ والرُّكّعِ السُّجود .
- وإذْ بوّأنا لإبراهيمَ مكانَ البيتِ أنْ لا تُشركْ بي شيئاً، وطهِّرْ بيتيَ للطّائفين والقائمين والرُّكَّعِ السُّجود .
- وأذّنْ في النّاسِ بالحَجِّ يأتوكَ رجالاً وعلى كلِّ ضامرٍ، يأتينَ منْ كلِّ فجٍّ عميق * ليشهدوا منافعَ لهمْ ويذكروا اسمَ اللهِ في أيّام معلوماتٍ على ما رزقَهمْ من بَهيمةِ الأنعام، فكُلُوا منها وأطعموا البائسَ الفقير * ثُمّ لْيقضوا تَفَثَهُمْ، ولْيُوفوا نذورَهمْ، وَلْيطَّوّفوا بالبيتِ العتيق * ذلكَ ومَنْ يُعظّمْ حُرماتِ الله فهوَ خيرٌ لهُ عِندَ ربِّهِ، وأُحِلّت لكمُ الأنعامُ، إلاّ ما يُتلى عليكمْ، فاجتنِبُوا الرّجسَ من الأوثانِ، واجتنبوا قولَ الزُّور .
- جَعَلَ اللهُ الكعبةَ البيتَ الحرامَ قياماً للنّاسِ والشّهرَ الحرامَ والهدْيَ والقلائدَ، ذلك لتعلموا أنّ اللهَ يعلمُ ما في السّماواتِ وما في الأرضِ وأنّ اللهَ بكلِّ شيءٍ عليم .
يعلّمنا القرآن
ومما نتعلّمه من هذه الآيات الشريفة:
1 ـ أنّ الربّ سبحانه هو الذي دلّ نبيه إبراهيم عليه السّلام على مكان البيت، حين أمره بإنزال إسماعيل وأمّه عنده، في هجرتهما القديمة. وكان آدم عليه السّلام قد وضع مِن قبل، قواعدَ بيت الله بأمر من الله عزّوجلّ.
2 ـ شرع إبراهيم وإسماعيل برفع القواعد والأسس القديمة وإعلائها، حتّى استوت بُنية حجرية مكتملة. وكان الرجلان ـ وهما يزاولان العمل البنائي العظيم ـ يشعران بضآلتهما إزاء عظمة الله تعالى، ويتطامنان رهبةً ورغبةً وخشوعاً، ويمتلئان
مناجاة ودعاة:
- ربّنا تقبّلْ منّا إنّكَ أنتَ السميعُ العليم .
3 ـ الكعبة أساس راسخ لعقيدة التوحيد، ومركز إشعاع لهذه العقيدة، ومنجاة من أشراك الوثنية والضلالة والجهالة، ففي علاقة الموحّد بالكعبة تتجلّى مظاهر وحدانية الله في الطاعة والعبادة، وحدة في الغاية، ووحدة في الطريق إلى الغاية:
- وإذْ بوّأنا لإِبراهيمَ مكانَ البيتِ أنْ لا تشركْ بي شيئاً .
4 ـ والكعبة، بهذا المعنى الايماني العظيم أوّل بنية شهدتها البشرية، أُنشئت لهذا الهدف، وأوّل بيت وُضع للنّاس من أجل العبادة، فقصدُ زيارته والحج إليه تزكيةٌ للنفس، وتطهير للقلب، وهو درب يهدي إلى الصراط المستقيم، ويغترف المرء من حجّه وقصد زيارته عظيمَ الأجر والثواب:
- وإذْْ جعلْنا البيتَ مَثابةً للنّاس .
سأل رجل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام عن البيت الحرام:
ـ أهو أوّل بيتٍ ؟
قال: ـ ( لا، قد كان قبله بيوت، ولكنه أوّل بيت وضع للناس مباركاً، فيه الهدى والرحمة والبركة ).
وقال عليه السّلام أيضاً:
[ كانت البيوت قبله، ولكنه كان أوّل بيت وضع لعبادة الله ].
5 ـ ومن ملامح الاقتداء بإبراهيم عليه السّلام والائتمام به وهو يخطوأمامنا في الطريق إلى الله، أن أمرنا ربّنا سبحانه أن نتخذ من مقام خليله إبراهيم ـ إذ كان يبني الكعبة ـ مصلّى لنا، نتوجّه فيه بالطاعة والذكر والشكر، فنشعر بجهود الخليل عليه السّلام إذ كان يتعب وينصب، فنكشر الله أن هيّأ لنا رجلاً نأتم به كإبراهيم. وربّما أراد ربّنا تبارك وتعالى أن يزيد من منزلة إبراهيم عنده ومن ثوابه لديه، بما يناله من الأجر في كلّ صلاة يصلّيها مصلّ في مقام إبراهيم. وفي الحديث عن الرسول الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يقرّر هذه الفكرة العامّة:
[ مَنْ سنَّ سنَّةً حسنةً فلهُ أجرها وأجر من عملَ بها إلى يومِ القيامة ].
6 ـ واستأهل بيت الله عزّوجلّ لما له من دلالات إيمانية عميقة، ورموز روحية شاخصة، ومن أثر في توحيد وجهة الموحدين، حرمةً خاصة، واحتراماً يناسب وظيفته ويلائم مهمته:
- جعلَ اللهُ الكعبةَ البيتَ الحرامَ قياماً للناس .
فالبيت له في النفوس تعظيم وقداسة، وجعل الله سبحانه من الناحية الزمنية أشهراً حُرماً، ووصل بين حرمة المكان وحرمة الزمان بصلة وثيقة، كالحج في شهر ذي الحجّة الحرام، وشرّع قضايا تناسب الحرمة كالهَدْي والقلائد.
وتتعدّد مصاديق احترام البيت الحرام وتعظيمه فيما نفعله من التوجّه في الصلوات شطر الكعبة المشرّفة، وفيما نصنعه من توجيه الذّبائح وتوجيه الأموات وجهة البيت الحرام، وكذلك فيما نتجنّب فيه استقبال القبلة واستدبارها من سيّئ حالاتنا، وفيما يخدش توقيرنا وتكريمنا لهذه البقعة المطهّرة الكريمة.
7 ـ ويرتبط بتعظيم البيت وتوقيره واحترامه ما يشيع فيه من أمن تشريعي ومن سلامة الانسان فيه وطمأنينته على دمه وعرضه وماله:
- وإذْ جعلْنا البيتَ مثابةً للنّاسِ وأمنا .
- إنّ أوّلَ بيتٍ وُضعَ للنّاسِ لَلذي ببكّةَ مباركاً وهُدىً للعالمين * فيه آياتٌ بيّناتٌ مقامُ إبراهيمَ، ومَنْ دخلهُ كانَ آمنا .
إنّ المرء ليشعر ـ وهو يعيش حالة الاحترام وحالة الأمن في البيت الحرام ـ بمعان من الجلال ومن الطمأنينة الشاملة، ويحس أنّ بيت الله تبارك وتعالى ملاذ الطريد، وملجأ الشريد، وحصن المضطهَد، وأمان الخائف، وهناءة المرعوب، فهنا في بيت الله ينبع السلام الدائم، وهنا في بيت الله يتحدّر الجلال الدائم.
8 ـ وإذ يفرغ إبراهيم عليه السّلام هو وابنه إسماعيل من إقامة الكعبة الشريفة، يبدأ التكليف الإلهي للناس أن يقصدوا بيت الله ويشدّوا الرحال إلى حجّه وزيارته، فيُسمَع صوت النبي إبراهيم عليه السّلام مؤذّناً في الناس بفريضة الحج:
- وأذِّنْ في النّاسِ بالحجِّ يأتوكَ رجالاً، وعلى كلِّ ضامر، يأتينَ منْ كلِّ فجٍّ عميق .
- وللهِ على الناسِ حِجُّ البيتِ مَنِ استطاعَ إليهِ سبيلاً .
إنّ الله عزّوجلّ إله البشرية وربّ البشرية، وقد انبثق الناس جميعاً من يد القدرة الإلهية الخالقة العظيمة؛ من أجل أن يبدأوا رحلة الحياة في السير نحو الله تعالى، وفي التوجّه نحو المصدر الذي انبثقوا منه، بنمط خاصّ من التعبّد، وطراز فريد من الطاعة والتسليم:
- وما خلقتُ الجِنَّ والإِنسَ إلاّ ليعبدونِ * ما أُريدُ منهمْ منْ رِزق وما أُريدُ أن يُطعمونِ * إنّ اللهَ هوَ الرزّاقُ ذُو القوّةِ المَتين .
وها هو ذا صوت النبيّ إبراهيم ينادي بالناس كافّة بالحجّ، فالحجّ مظهر راقٍ من مظاهر الطاعة، والبشر ما خُلقوا إلاّ ليخطوا في طريق الطاعة.
9 ـ وآية الأذان بالحج:
- وأذِّنْ في النّاسِ بالحجِّ يأتوكَ رجالاً، وعلى كلِّ ضامرٍ يأتينَ منْ كلِّ فجٍّ عميق .
تدلّ على أنّ أذان الرسول في الناس بالحج سيُقابَل بالاجابة، وأنّ صوته الذي يجهر بالدعوة إلى قصد البيت وزيارته سيجد آذاناً صاغية وقلوباً واعية، تتخطّى المسافات، وتتجاوز المفاوز والعقبات والسبل البعيدة الشائكة، لتلبّي دعوة الله التي جرت على لسان رسوله الكريم. فالقادرون من الموحّدين ـ كانوا وما يزالون وسيظلون ـ يسمعون أذان الخليل ونداءه بالحجّ، ويلبّون هذا النداء ويُيمّمون وجوههم شطر المسجد الحرام، ماشين على أقدامهم، رغم بُعد الشقة، ورغم الفراسخ والأميال، أو يقصدون البيت راكبين نياقاً قد أرهقها السفر، وأضناها المسير، حتّى وصلت إلى مكّة متعبة مكدودة مهزولة ضامرة. وجموع الحجيج هذه من القبائل والعشائر والأفراد المنقطعين تتطلّع كلّها إلى مكّة المشرّفة، تلبّي النداء الشريف، وتجيب بنبرة تتكسّر، وترقّ، وتسمو، وتشفّ عمّا بها من تخشّع، وهيبة، وسكينة، وعبودية نقية صافية:
[ لبّيكَ اللّهمّ لبّيك، لبّيكَ لا شريكَ لَكَ لبّيك. إنّ الحمدَ والنعمةَ لكَ والمُلك. لا شريكَ لكَ لبّيك ].
10 ـ ويشهد البيت الحرام، ومكّة المشرّفة جموعاً بشريةً كبيرةً متلاحقة لا تنقطع، فهي محط الرحال وموضع الآمال، ولا تكاد تخلو كعبة الله جلّ وعلا لحظة من قاصد للحجّ أو للزيارة، بل إنّ البيت ليموج بحركة الناس وازدحامهم في الطواف حول الكعبة، أو في تقبيل الحجر السود المبارك وفي استلامه، أو في السعي بين الصفا والمروة، أو في غير ذلك من شعائر الحج أو العمرة. ومن أجل هذه الكثافة البشرية الهائلة التي تتجمّع في أرض مكّة ومن أجل هذه الحركة العبادية الدائمة، كان لمكّة اسم آخر، ينبثق من هذا المعنى هو «بكّة»:
- إنّ أوّلَ بيتٍ وُضعَ للنّاسِ لَلّذي بِبَكّةَ مباركاً وهدىً للعالمين .
يقول الإمام الصادق عليه السّلام وهو يفسّر لفظة «بكّة»:
[ سُمّيت بكّة؛ لأنّ الناس يبكّون فيها، أي يزدحمون ].
وتشهد بصدق ذلك حقائق التاريخ، كما يشهد الواقع الحي الذي نعيشه كلّ عام في موسم الحجّ ومواسم الاعتمار.
11 ـ ومن أجل تحقّق النقاء الكامل، والنظافة الشاملة، أمر الله سبحانه نبيّه بالتطهير: تطهير البيت من الأقذار الماديّة والأنجاس المعنويّة، ليتسنّى لمواكب الحجيج التي لا تنقطع أن تتقدّم إلى بارئها بمراسم العبودية ومظاهر التوحيد والتأليه بقصد القرب منه والزُلفى لديه:
- وعَهِدْنا إلى إبراهيمَ وإسماعيلَ أن طهِّرا بيتيَ للطّائفينَ والعاكفينَ والرُّكّعِ السُّجود .
- وإذْ بوّأنا لإبراهيمَ مكانَ البيتِ أن لا تشركْ بي شيئاً، وطَهّرْ بيتيَ للطائفينَ والقائمينَ والرُّكّعِ السُّجود .
وتطهير البيت إنّما يتحقّق بجعله بيتاً للتوحيد الصافي من لوثة الوثنية وأرجاس الجاهلية، بأن يعلّم إبراهيم عليه السّلام الناس الطريق إلى العبودية الطاهرة، فالعبادة فيه عبادة خالصة لوجه الله لا تشويها شائبةُ شرك أو دنس أو انحراف، كما حدث فيما بعد أيّام الجاهلية الأولى.
وتطهير البيت كذلك تطهيره من كلّ ما لا يليق بحرمة هذا البيت الشريف وقداسته.
12 ـ بناء الكعبة، ومظاهر العبادة الخاصّة التي تُزاوَل فيها، والمناسك التي تأتيها الألوف بعد الألوف من الناس، والملايين بعد الملايين، والمعاني والأسرار المتصلة بالحج والبيت الشريف وبمكّة عامّة، كلّ ذلك علامات دالة وإشارات معبّرة، توصل ـ في نهاية المطاف، أو في أوّل المطاف ونهايته ـ إلى الله جلّ وعلا، وتحكي جليل مقامه سبحانه وعظيم سلطانه، إنّها آيات وعلامات تكون لذوي البصائر بمثابة البوّابات إلى الصراط: موقف إبراهيم عليه السّلام، حرم آمن يأمن مَن دخله، مناسك وعبادات على نمط فريد، الاستمرار على مدى الليالي والأيّام، الألوف عقب الألوف، والملايين بعد الملايين، ما يحسّه المرء من هيمنة روحية مدهشة. أي شيء من هذه الأمور الرائعة لا يكون علامة تدل على الله سبحانه ؟! وأي شيء من هذه المظاهر لا تذكّر بجلال الله وتفرده بالالوهيّة والربوبيّة ؟!
إنّ في البيت لآيات وعلامات، وإنّها لبيِّنات في الوقت نفسه، توصل إلى الله من أقرب طريق صادق، وتُفضي إلى الحقّ من أيسر وجهة صحيحة: فيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ: مَقامُ إبراهيمَ، ومَنْ دخلهُ كان آمِناً .
فلسفة الحجّ وأسرار مناسكه
إنَّ البحث في مسألة الحجّ ومكانته في الشريعة الإسلامية وإن بدا مختصراً وموجزاً، وكذلك البحث في موقعه من الأحكام والفرائض الإسلامية والاهتمام البالغ الذي أبداه الوحي والقرآن والسنّة تجاه الحجّ، ودراسة ماهية وعمق أحكام الحجّ وشعائره
والقدم التأريخي الذي يتمتّع به الحجّ، والعلاقة الوثيقة والصّحيحة الّتي تربط الحجّ بأصل التوحيد، كلّ ذلك يمكنه أن يوضّح لنا الخلفيّة لأفق الفلسفة الواسعة الّتي يمتلكها الحجّ، وبحور أسراره العميقة والأغوار المكنونة في مضمون هذه الشعيرة والعبادة.
لاشكّ في أنّ الحجّ هو أحد أكبر الفرائض الإسلامية( 1)، وأعظم شعائر الدين( 2)، وأفضل الأعمال التي يُراد بها التقرّب إلى الله تعالى( 3)، وهو ركنٌ من أركان الدين( 4)، وتركه ارتكابٌ لكبيرة من الكبائر( 5)، ممّا يتسبّب في خروج المرء عن جادّة الإسلام والمسلمين( 6)، ويؤدّي إلى كفره( 7).
ذلكم هو الحجّ الذي يكافح ويناضل المسلم في سبيل أداء مناسكه، ويتمرّغ على تراب الذُلّ ويُحمِّلُ نفسه مشقّة وتعباً عظيمين، ويعاني مرارة الغُربة والهجران، ويمسك عن جميع ميوله ولذّاته، ويمتنع عن كثير من عاداته وطبائعه، باذلا القدر الأكبر من مصاريفه لذلك، ويتحمّل أعباءَ حجّة مهما بلغت صعوبتها من أجل تنفيذ أمر من أوامر الباري عزّوجلّ( 8).
ومع أنَّ الحجَّ يبدو وكأنّه عبادة من العبادات الأخرى، إلاّ أنَّ هذه العبادة تجمع في جنباتها- في الواقع- عبادات كبيرة عِدّة( 9)، ولايمكن لأيّ عبادة أن توازيه في ذلك( 10)، ولا ثواب لهذه الفريضة سوى حيازة رضوان الله ودخول جنّته( 11)، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «لو أنفقتَ في سبيل الله بحجم جبل أبي قُبيس ذهباً، فإنّك لن تصل مرتبة الحاجّ وما يحوزه من القَدر»( 12).
إنّه الحجّ الذي يُزيح عن كاهل المؤمن الكثير من المعاصي الكبيرة بأدائه هذه الفريضة، يمحو عن قلبه كلّ صَدإ سبّبته سيئاته فيكون كمن ولدته أمّه توّاً( 13)، ولا تكتب ضدّه سيئة أخرى حتّى مرور أربعة أشهر ما دام الحاجّ لم يرتكب كبيرة إثر ذلك، وتكتب له عوضاً عن ذلك حسنات كثيرة( 14).
لقد كان الحجّ فريضة مفروضة في أولى الشرائع الإلهيّة، وأدّاه الملائكة وآدم وحوّاء وأنبياء الله جميعاً على أكمل وجه( 15) وأدخَلَ إبراهيم إمام الموحّدين تعديلات عليه وَجدَّده( 16) وأُمِرَ إسماعيل بالتمهيد لإقامة تلك الشعيرة المقدّسة( 17)، وقد أدّى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) شعائر هذه الفريضة مرّات عديدة رغم كلّ الصعوبات الّتي واجهته( 18) وسعى مدى سنوات طوال لتثبيت هذه الفريضة، وتهيئة المسلمين لإقامة الحجّ الحقيقي. ووُفّق أخيراً وبعد الحوادث المريرة، والغزوات المتعدّدة. وبعد جهاد بالنّفس والمال والرّوح، وبذل أغلى الشهداء والأعزّاء، وقادة وروّاد الإسلام، وُفِّقَ بالدخول إلى مكّة في السنة الثامنة من الهجرة، وتمّ فتحها من قِبَلِ المسلمين، فأدّى (صلى الله عليه وآله) حجة الوداع بعد ذلك في السنة التاسعة للهجرة بصحبة آلاف مؤلّفة من المسلمين والصحابة( 19)، بكلّ إجلال وأبّهة في جوٍّ تملأه المعنويات الطاهرة، والإخلاص التامّ ممزوجاً بالقُدرة والسلطان الكبيرين للإسلام( 20).
ومع وجود نفي الإكراه في الدّين( 21)، وطبقاً لسيرة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) المبيّنة على أساس ترك إجبار النّاس على فعل يكرهونه( 22)، وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) الواضح في هذا المجال وهو «لستُ أرى أن أجبر أحداً على عمل يكرهه»( 23)، فإنّ الوالي والحاكم بإمكانه اجبار جماعة بالفعل; ذلك من أجل إحياء حجّ بيت الله الحرام( 24).
حقّاً إنَّ الحجَّ اختبارٌ كبير لعباد الله( 25)، إذ يتعامل الإنسان في الحجّ مع الحجارة والصحراء والصخور والحصى الّتي لاتضرّ ولاتنفع( 26) وظلّت الأعمال الّتي يمارسها الحاجّ موضع دهشة الكثير من العقائد الضالّة( 27).
الحجّ هو زيارة بيت الله الحرام( 28)، البيت الذي يبدو وكأنّه يُعبد كما تلوح به الأعمال في الحجّ( 29)، ومثابة للناس وأمناً وقبلةً يتوجّه نحوها الجميع في عباداتهم( 30)، وشعبة من جنّة الرضوان( 31)، والطريق المؤدّي إلى غفران الله( 32) ومجمع عظمته وجلاله( 33)، وأوّل بقعة خُلقت في الأرض( 34).
وكان إبراهيم خليل الرحمن (عليه السلام) المنادي للحجّ( 35) حيث لبّت نداءَه كلّ النّطف الطاهرة عبر التأريخ( 36) وكانت الملائكة تؤدّي ذلك قبل آدم أبي البشر بآلاف السنين الطويلة( 37).
ويجذب الحجّ نحوه، كما هو الحال مع متشابه آي القرآن مقارنة مع محكمه، كلّ الأفكار عِبْرَ زوايا ومنعطفات وأبعاد مختلفة، فيخلّف وراءه الخلود والأثر البالغ والتهذيب والحداثة الدائمة في بؤر التأريخ المندثرة.
وليس الحجّ لغةَ عقيدة معيّنة، أو دستوراً مُحدّداً أو قيماً متفرّقة فحسب، بل هو مرآةٌ تعكس وجهات النظر لكلّ المدارس والمذاهب، وصورة مُصغّرة لكلّ ما يحتويه الإسلام، ذلك الإسلام الذي خرج بشكل قرآن مجيد مُبيّن الكلمات، وواضح الأسلوب، وتجلّى في قالب الإمام والإمامة فصار حركات وملامح تمثّلت في الحجّ. ويبدو أنّ كلَّ ما أراد الله تلقينه للبشر وتفهيمه إيّاه، قد صبّه في قالب يُدعى الحجّ.
ذلكم هو الحجّ الذي يسير فيه مخلوق في منتهى الصِغر نحو اللاّنهاية عِبر سَفَر لاينتهي، فتجسّد خلاله فلسفة خَلق بني آدم فيصوغه مشابهاً للتاريخ والعقيدة والأمّة، والُمخرج لكلّ تلك الأحداث هو الله سبحانه، ولغة التمثيل هي الحركة، وشخصياتها وأبطالها هم آدم وإبراهيم الخليل وهاجر وابنها إسماعيل، ومن ثمّ إبليس الذّليل، والماكياج والملابس هما الإحرام، والممثل في المشهد الفردي ذاك الذي هو قطرة في وسط اليمّ هو أنتَ أيّاً كنتَ( 38).
نعم، إنَّ الحجّ هو انموذجٌ مصغّر من هيكل الإسلام ككلّ، كما سمّـاه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ووصفه بأنّه الممثّل الوحيد لكلّ شريعة الإسلام( 39).
ومعَ أنَّ كلا مسؤولٌ عمّا انفق( 40)، وصرف في يوم يُحاسبُ فيه حتّى الأنبياء( 41)، إلاّ أنّه لايُسئل عن المال المصروف في سبيل تأدية الحج وإقامة شعائره( 42)، ذلك لأنَّ ترك هذه الفريضة يؤدّي إلى بروز الفِتن وتسعيرها( 43) وإيجاد المهلكة والفجائع بصورة عامّة( 44).
فالحجّ تفسيرٌ( 45) لآية ﴿ففرّوا إلى الله إنّي لكم نذيرٌ مبين﴾ ( 46) وبيانٌ ومصداقٌ( 47) لـ﴿ربّ لولا أخّرتني إلى أجل قريب فاصَّدَّق﴾ ( 48) وأخيراً فهو ﴿قياماً للناس﴾ ( 49) ورمز قوّتهم وعزّتهم( 50).
وهكذا، فلا يمكن للحجّ أن يكون مجرّد عمل عاديّ، وعبادة بسيطة، وشعيرة ظاهرية بحتة. إنَّ سبر أغوار ما ذكر من الأمور سابقاً يُجسّد لنا هذه الحقيقة وهي: أنَّ الحجّ يمتلك روحاً وعقلا وفلسفة عميقة وراقية، وله أسرارٌ وحكمٌ ولطائف قيّمة جمّة وأهد
اف وفوائد ونتائج حياتية كبيرة، ألقت بظلالها على حياة الإنسان في البعدين المادّي والمعنويّ، وبالنفوذ ببصيرة إلى أعماق تلك الأعمال الظاهرية. وبالوصول إلى باطن تلك الأعمال يمكننا تفهّم إشاراتها والمشار إليه فيها على السّواء. ﴿إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السّمع وهو شهيد﴾ ( 51).
مصادرنا في الحصول على فلسفة الحجّ وأسراره:
إنَّ ميزة التفكّر والتعقّل اللتين هما رسول الإنسان في باطن وجوده، وإن كانتا غير عاجزتين عن البحث في فلسفة الحجّ وأسراره المعقدة والعميقة، والآثار الحياتية الكبيرة له وأهدافه في مختلف أبعاده، وكذلك بواسطة تحليل منطقي بعد التنبّه إلى ماهية هذه المراسيم والمناسك والعناصر الأساسية المُشَكِّلة لها، والعلائق والكنايات والإشارات الخاصّة به، كلّ ذلك سوف يمكّننا حتماً من التعرّف على الكثير من هذه الحكم والأسرار. ولكن ونظراً لكون المعطيات والنتائج الحاصلة من ذلك هي عقلية بحتة، لاتخلو أن تكون تلك المعطيات ملوّثة بالإشكالات والهفوات و«دين الله لا يصابُ بالعقول»( 52)، ولذا فإنّنا اتّبعنا خطّ سير أكثر أماناً للحصول على فلسفة الحجّ وأسراره، وسنقوم ببحث وتقصّي أحكام وأسرار الحجّ بالاعتماد على نفس المصادر الّتي استخرجنا منها أحكامه ومناسكه.
ولحسن الحظّ فإنّ الوحي (الكتاب والسنّة) لم يتركانا سدًى في هذا المجال، حيث وضّحا لنا قسماً كبيراً من أسرار هذه العبادة وآثارها وأهدافها السامية في الحياة الإنسانية.
ولن نستند في بحثنا هنا- فيما يتعلّق بفلسفة الحجّ وأسراره- على النظرة العقلية والتفسير والتوجيه العقلانيّين، بل سنسعى إلى توضيح جزء من بحر لطائف وأسرار وأهداف ونتائج الحجّ الواسع مستفيدين من النّصوص الّتي بحوزتنا والمستخرجة
من آيات الكتاب، ومتون الأحاديث ونتعرّف على جانب من روح وعقل هذه العبادة الجماعية.
عباس علي عميد الزنجاني
________________________________________
1 «ليس شيء أفضل من الحجّ إلاّ الصلاة، وفي الحجّ هنا صلاة»، علل الشرايع: 156، وسائل الشيعة 8: 77، الحديث2.
2 جواهر الكلام 17: 214.
3 جواهر الكلام 17: 214.
4 قال الباقر (عليه السلام) : «بُني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة و
الحجّ والصوم والولاية». وسائل الشيعة 1: 7 و8، أُصول الكافي 1: 315، المحاسن للبرقي: 286.
5 تحرير الوسيلة 1: 370، وسائل الشيعة 8: 19، 21.
6 المصدر نفسه.
7 «قال الصادق (عليه السلام) في تفسير قول الله عزّوجلّ: (ومن كفر فإنّ الله غني عن العالمين) يعني من ترك»، وسائل الشيعة 8: 20.
8 جواهر الكلام 17: 214.
9 جواهر الكلام 17: 214.
10 «قال الصادق (عليه السلام) : ما يعدله شيء»، وسائل الشيعة 8: 77 و
78، الحديث 3 و7.
11 مستدرك الوسائل كتاب الحجّ، الباب 24، الحديث 22 و24، صحيح مسلم 4: 107.
12 وسائل الشيعة 8: 79، الحديث1، التهذيب 1: 451.
13 ثواب الأعمال: 27، وسائل الشيعة 8: 83، الحديث 15.
14 المصدر نفسه: 79، الحديث1.
15 من لا يحضره الفقيه 1: 159، علل الشرايع: 399- 406.
16 (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السميع العليم)، البقرة: 127.
17 (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطائفين والعاكفين والركّع السجود)، البقرة: 125.
18 في صحيح البخاري: «حجّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قبل النبوّة وبعدها، ولم يعرف عددها ولم يحجّ بعد الهجرة إلاّ حجّة الوداع». وفي الكافي عن الإمام الصادق (عليه السلام) : حج رسول الله (صلى الله عليه وآله) عشرين حجّة مستقرة.
19 سفينة البحار 2: 306.
20 نقل الكليني في الكافي والطوسي في التهذيب والشيخ العاملي في وسائل الشيعة خبر حجّة الوداع عن الإمام الصادق (عليه السلام) ، وكذلك نقله مسلم وأبو داود وابن ماجه والدارمي والنسائ والترمذي في صحاحهم وسننهم عن الجابر عن الإمام ال
صادق (عليه السلام) .
21 (لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيّ)، البقرة: 256.
22 فروغ أبديّت (باللغة الفارسية): 388.
23 نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة 5: 359.
24 فروع الكافي 1: 237- 241، علل الشرايع: 138، التهذيب 1: 452.
25 و نهج البلاغة، الخطبة رقم 192.
26 علل الشرايع: 403.
27 وسائل الشيعة 8: 6، سورة الحجّ: 27.
28 وسائل الشيعة 8: 6، سورة الحجّ: 27.
29 (وإذ جعلنا البيت مثابةً للنّاس وأمناً)، البقرة: 125. (فلنولينّك قبلةً ترضاها)، البقرة: 144.
30 «فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدّي إلى غفرانه منصوب على اسواء الكمال ومجمع العظمة والجلال خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام». فروع الكافي 1: 219.
31 «فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدّي إلى غفرانه منصوب على اسواء الكمال ومجمع العظمة والجلال خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام». فروع الكافي 1: 219.
32 «فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدّي إلى غفرانه منصوب على اسواء الكمال ومجمع العظمة والجلال خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام». فروع الكافي 1: 219.
33 «فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدّي إلى غفرانه منصوب على اسواء الكمال ومجمع العظمة والجلال خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام». فروع الكافي 1: 219.
34 سورة الحجّ: 27.
35 وسائل الشيعة 8: 5، الحديث9.
36 المصدر نفسه، الحديث6.
37 نقلا عن كتاب الحجّ، للدكتور علي شريعتي.
38 «والخامسة الحجّ وهي الشريعة». علل الشرايع.
39 (ولنسئلنَّ المرسلين)، الأعراف: 67.
40 (ثمّ لتسئلنّ يومئذ عن النعيم)، التكاثر: 8.
41 بحار الأنوار 99: 5.
42 المصدر نفسه.
43 «قال عليّ (عليه السلام) : لا تتركوا حجّ بيت ربّكم فتهلكوا»، ثواب الأعمال: 212.
44 تفسير القمّي: 448، معافي الأخبار: 222، بحار الأنوار 99: 6.
45 الذاريات: 50.
46 تفسير القمّي: 682، بحار الأنوار 99: 6.
47 المنافقون: 10.
48 المائدة: 97.
49 «قال الصادق (عليه السلام) : لا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة»، الكافي 4: 271، الحديث24، «فرض الله الحجّ تقوية للدين»، نهج البلاغة، المواعظ والحكم، رقم 244.
50 سورة ق: 37.
51 بحار الأنوار 3: 303، الحديث41.
52 مستدرك الوسائل 2: كتاب الحجّ، الباب 17، الحديث5، سفينة البحار 2: 71.
أضواء من أسرار الحجّ
إنّ جميع الأنبياء قد بعثوا لمحاربة الشرك، وعبادة الأصنام، ولفهم هذا الأمر بشكل واضح يكفينا مطالعة هذه الآية الشريفة:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾(1).
إنّ هذه الآية المباركة توضح وبشكل جليٍّ، بأن من أهم واجبات الأنبياء إزالة مظاهر الشرك بأنواعه كافة في كلّ آن ومكان.
من هنا ومن خلال أخذ هذا الأصل بنظر الاعتبار، فإنّ بعض الأعمال في الصلاة ومراسم الحج تبدو في ظاهر الحال وكأنها لا تتلائم مع مبدأ التوحيد; من قبيل: التوجه نحو الكعبة أثناء الصلاة، وما هي سوى أحجار وطين، أو لمس (الحجر الأسود)باليد الذي لا يعدو كونه جماداً ليس إلاّ، أو السعي بين جبلي (الصفا)و (المروة)وغيرها من الأعمال. وعليه يفرض هذا التساؤل نفسه، ما هو السرّ الكامن في هذه الأعمال والواجبات؟ وما هو وجه الاختلاف بينها وبين أعمال المشركين؟
وقبل البدء في بيان أسرار هذه الأعمال، نُشير إلى أن هذا التساؤل سبق أن طرح قديماً. ففي عصر الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) حضر ابن أبي العوجاء ـ رئيس الماديين آنذاك ـ مع جماعة من أصحابه عند الإمام الصادق(عليه السلام)، وتوجّه له بالسؤال التالي: (يا أبا عبد الله! إنّ المجالس أمانات، ولابد لكلّ من به سعال من أن يسعل أتأذن لي في الكلام؟
فقال: تكلّم، فقال: إلى كم تدوسون هذا البيدر، وتلوذون بهذا الحجر، وتعبدون هذا البيت المعمور بالطوب والمدّر، وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر، إن مَن فكّر في هذا وقدّر علم أن هذا فعلٌ أمسه غير حكيم ولا ذي نظر. فقل فإنك رأس هذا الأمر وسنامه وأبوك أسّه وتمامه فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إنّ مَن أضلّه الله وأعمى قلبه استوخم الحق، ولم يستعذبه، وصار الشيطان وليّه وربّه وقرينه، يورده مناهل الهلكة ثمّ لا يصدره. وهذا بيت استعبد الله به خلقه; ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثّهم على تعظيمه وزيارته، وجعله محلّ أنبيائه، وقبلة للمصلّين إليه، فهو شعبة من رضوانه، وطريق يؤدي إلى غفرانه، منصوب على استواء الكمال، ومجمع العظمة والجلال، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام فأحقّ من أطيع فيه أمر، وانتهى عما نهى عنه وزجر الله المنشئ للأرواح والصور(2).
فمن خلال المنطق القويم والحديث الحكيم، كشف الإمام الصادق (عليه السلام)النقاب عن بعض أسرار الحج. حيث سننقل نفحات ورشحات من حديثه المبارك وسائر أئمة الهدى، الوارد في الإجابة عن هذا السؤال: والهدف المتوخى من وراء هذا النقل، الإشارة إلى قِدَمِ هذا السؤال، ليتّضح لنا بأن هذه التساؤلات، كان لها حضورٌ في أذهان الناس.
1 ـ سرّ التوجّه إزاء الكعبة أثناء الصلاة:
على العكس ممّا كان يجول في ذهن ابن أبي العوجاء، المادي المعروف في عصر الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، فانّ الهدف من التوجه نحو الكعبة أثناء الصلاة، لا يعني عبادة الكعبة أو حجرها وطينها. فإنّ جميع المصلّين يعبدون الله تعالى، وحال توجههم نحو الكعبة، فإنّ الجميع يخاطب الله الواحد الأحد بقوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾والعلة في توجهنا نحو الكعبة حال الصّلاة، تكمن في أن الكعبة تعدّ أقدم معبد وبيت للتوحيد، بني بأيدي أنبياء الله العظام للموحّدين من أهل الأرض، ولا يسبقه في هذا القِدَم أيّ معبد آخر، كما يقول القرآن الكريم:
﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴾(3).
إنّ الشريعة الإسلامية المقدّسة، ومن أجل إيجاد الوحدة بين المصلّين، وتوحيد صفوف المتوسّلين، أوجبت على الجميع أداء الصلاة بلغة واحدة، والتوجّه إلى أقدم المعابد حال الصلاة، لتحفظ من خلال هذا السبيل وحدتهم حال العبادة والتعبّد; أي أن يتفوّه ملايين البشر في آن واحد بكلام واحد، ويتّجهون نحو نقطة واحدة. وأن يعلنوا وحدتهم واتّحادهم بشكل واضح وعلني. وبناءً على ذلك، فإنّ التوجّه نحو هذا المعبد ليس بمعنى عبادته، بل بمعنى جعله رمزاً لوحدتهم واتّحادهم حال العبادة.
لقد كان المسلمون في صدر الإسلام، يقيمون الصلوات جماعة، وصلاة الجماعة من المستحبّات المؤكدة في الإسلام. فلو أراد جمعٌ أداءَ فريضة ما معاً، عليهم أن يتوجهوا جميعاً إلى وجهة واحدة، وبغير هذه الصورة لا يمكن أداء الفريضة.
إنّ نبي الإسلام والمسلمين جميعاً، ظنّوا يصلّون لفترة من الزمن متّجهين في صلاتهم تلك نحو (المسجد الأقصى)إلاّ أنّه وبعد سبعة عشر شهراً من تاريخ الهجرة، جاء الأمر بأن يتّجه المسلمون نحو المسجد الحرام والكعبة حيثما كانوا، لأسباب وعلل ذكرت في محلّها قال الله ـ عزّ وجلّ ـ: ﴿…فولّوا وجوهكم شطره…﴾(4).
لقد ذكّر الإمام الصادق (عليه السلام)هذا المعترض المادي في عصره بواحدة من أسرار التوجه نحو الكعبة حال الصّلاة وقال: (وهذا البيت استعبد الله به خلقه; ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثّهم على تعظيمه وزيارته، وجعله محلَّ أنبيائه، وقبلة للمصلّين إليه. فهو شعبة من رضوانه، وطريق يؤدي إلى غفرانه.
2 ـ لماذا نستلم الحجر الأسود باليد؟
يستفاد من الأحاديث الإسلامية، أن بناء الكعبة كان موجوداً، قبل عصر سيّدنا إبراهيم(عليه السلام)، وأن جداره تهدم على أثر طوفان نوح (عليه السلام). وبعد أن أُمِرَ النبيّ إبراهيم بإعادة بناء الكعبة، وَضَعَ (الحجر الأسود)وهو جزءٌ من جبل (أبو قبيس، وضعه بأمر الله تعالى في جدارها. والآن يطرح هذا السؤال: لماذا نستلم هذا الحجر بأيدينا؟ وما هو الهدف من هذا العمل؟).
وجواب ذلك: أنّ استلام الحجر ووضع اليد عليه، يعدّ نوعاً من العهد والبيعة مع سيدنا إبراهيم; لمحاربة مظاهر الشرك وعبادة الأوثان بأنواعها كافة، أسوةً ببطل التوحيد، وأن لا ننحرف عن الحنيفية، ولا نخرج عن جادة التوحيد في مظاهر الحياة كافة.
وتتم البيعة مع الفرد أحياناً، بمصافحة يده وغمزها، أو بمسك طرف الثوب، وأحياناً أُخرى تتم بشكل أو بآخر. ونقرأ في التاريخ عندما نزلت الآية المباركة ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا…﴾(5)، فإنّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله) أمر بإحضار إناء فيه ماء، ووضع يده المباركة فيه، ثمّ أخرجها من الماء وقال: مَنْ أرادت منكنّ أن تبايعني، فلتضع يدها في الماء، وتبايعني على ما في هذه الآية. ومن هنا فإنّ مبايعة رسول الله تمت عن طريق وضع اليد في شيء وضع هو يده فيه. ومسألة استلام (الحجر الأسود)من هذا القبيل أيضاً.
فالهدف إذن، أن نبايع بطل التوحيد ونبيّنا الأكرم (صلى الله عليه وآله) على صيانة التوحيد. لذا يقول الإمام الصادق (عليه السلام): وقل عند استلامك الحجر:
(أمانتي أدّيتها وميثاقي تعاهدتُه لِتَشْهَد لي بالمؤافاة)(6).
يقول ابن عباس: (واستلامه اليوم (أي الحجر) بيعة لمن لم يدرك بيعة رسول الله (صلى الله عليه وآله)(7).
وبناءً على ذلك فإنّ الهدف من تقبيل الحجر واستلامه، تجسيدٌ لميثاق قلبي مركزه روح الإنسان. وحقيقة الأمر، فإنّ زائري بيت الله بعملهم هذا، يجسّدون ذلك الميثاق القلبي على هيئة أمر ملموس ومحسوس.
وفي الكثير من بلدان العالم، يقدّس الجنود أعلام بلدانهم، ويقفون أمامها بإجلال وإكبار مجددين العهد باليمين. ومن المسلم به، أن العَلَم بضعة أمتار من القماش ليس إلاّ. إلاّ أنّه يمثل رمز استقلال البلد، وعنوان إرادته الوطنية والشعبية. وفي هذه الحالة، فإنّ الجندي بدلا من مصافحة أيدي الناس أو القادة وغمزها، فإنّه يشير إلى العلم ويؤدي اليمين والعهد. وستقرأ في الجزء الآخر من الجواب، بأن الهدف من بعض مراسم الحج، هو تجسيدُ نوع من الحقائق، التي جسّدت نفسها عن طريق أعمال الحج.
3 ـ ما الهدف من السعي بين الصفا والمروة؟
إنّ حجاج بيت الله، ومن خلال السعي بين الصفا والمروة، يجسّدون حالة السيدة هاجر أمّ إسماعيل (عليه السلام). وبشهادة التأريخ، فإنّها ـ ومن دون أن تيأس من رحمة الله تعالى ـ سعت في تلك الصحراء العارية من الزرع والماء، سبع مرّات بين ذنيك الجبلين بحثاً عن الماء، وفي نهاية المطاف شملها لطف الله تعالى، ونالت مقصودها، وبعد أن فار الماء تحت أقدام إسماعيل (عليه السلام) نجت هي وابنها من العطش.
ويستفاد من بعض الأحاديث، بأنّ الشيطان قد تجسّد لسيّدنا إبراهيم(عليه السلام)في هذا المكان، وأخذ يعقّبه في سعيه، ليبعده عن حرم بيت الله. وبأدائنا لهذا العمل، إنّما نجسّد ذلك العمل المعنوي(8).
وبذبح القرابين في صحراء منى، فإنّنا نحيي ذكرى فداء سيّدنا إبراهيم(عليه السلام)الذي ضحّى بكلّ شيء في سبيل الله حتى ولده.
4 ـ ما الهدف من رمي الجمرات؟
إنّ حجاج بيت الله الحرام يرجمون في أيام العاشر والحادي عشر والثاني عشر، أعمدة معيّنة في أرض منى (قرب مكّة) بالحجر. وبهذا العمل فإنّهم يرمون في الظاهر نقطة معيّنة بالحجر، إلاّ أنّهم يرجمون الشيطان في باطنهم.
والأحاديث الإسلامية بيّنت ماهية هذا العمل بقولها: إنّ الشيطان قد تجسّد لسيدنا إبراهيم (عليه السلام) في الأماكن الثلاثة هذه، ورجمهُ إبراهيم بالحجر ليظهر تنفّره منه. وبقي عمل إبراهيم هذا سنّةً إلهية في أعمال الحج.
إنّ حجاج بيت التوحيد، وإظهاراً لنفرتهم من الشيطان والشياطين، يرجمون تلك النقطة بالحجر تعبيراً عن إبراهيميتهم. وبهذا الشكل فإنّهم يعبرون عن غضبهم من كلّ موجود شرير خبيث ونجس. وإن النفرة من النجاسة وهي أمر معنوي وقلبي، يعبرون عنها بهذه الطريقة بشكل ملموس ومحسوس.
واليوم فإنّ الشعوب المستضعفة، التي تعاني من الظلم والجور، تقوم بإحراق أعلام الدول المستكبرة السلطوية، والعلم ليس أكثر من بضعةِ أمتار من القماش الملوّن. إلاّ أنّ الشعوب ـ ومن أجل إظهار غضبها تجاه الفضائع والجرائم التي ترتكبها القوى العظمى ـ تقوم بإحراق رموزهم، وكأنهم قاموا بإحراقهم وإبادتهم والقضاء عليهم، وعلى الأقل فإنّ هذا العمل يبيّن انزعاجهم الشديد من أولئك الظّلمة.
وخلاصة القول: فإنّ الذي يتأمل في تاريخ فرائض الحج، يتلمس الحقيقة التالية: وهي أنّ الكثير من هذه الأعمال، الغرض منها تجسيد طائفة من الذكريات البنّاءة من حياة وسيرة سيّدنا إبراهيم (عليه السلام)، ومجموعة من الأمور المعنوية والأخلاقية، التي تؤدّى بسلسلة من الأعمال بشكل نموذجي ومنظّم، وليس الغرض منها عبادة الحجر والطين
والجبل مطلقاً.
سماحة الشيخ جعفر السبحاني
1– الأنبياء: 25.
2– الكافي 4: 197 ح 1.
3– آل عمران: 96.
4– البقرة: 144.
5– الممتحنة: 12.
6– وسائل الشيعة 9: 400 باب 12 ح 1.
7– وسائل الشيعة 9: 406 باب 12 ح 15 أبواب الطواف.
8– وسائل الشيعة 9: 512 ح 12 أبواب السعي.
فلسفة الحج الاجتماعية.. رحلة بناء الإنسان
يقول الله تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً، وعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَميقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ، ويَذْكُروا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعلومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعامِ، فَكُلوا مِنْهَا وأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ) (الحج: 27، 28).
جعل الله لعباده في أيامه أعيادًا ومواسم، يتذكرون فيها نَعماءه، ويشكرون آلاءه، ويحمدونه أثناءه على توفيقه لهم في ميادين الطاعة والعمل الصالح، والصفة الغالبة على هذه الأعياد والمواسم، هي أن الحقَّ ـ تبارك وتعالى ـ قد جعلها مناسبات لتجميع الأمة، وتأليف قلوبها، وتوحيدها في وجهتها وطريقتها، وحركاتها وسكناتها، وآلامها وآمالها، والتسامي نحو الوحدة التي يريد الله لعباده وأوليائه أن تكون متحققة فيهم على الدوام،( وإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون: 52)، كما يريد سبحانه لهذه الأمة أن تكون متكافلة متضامنة، تبدو كتلة واحدة إذا تحركت بأجمعها؛ لأن كل جزء منها ملتئم مع بقية الأجزاء ومرتبط بها، ومن هنا صَوَّرَ الرسول ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ الأمة بهذه الصورة الرائعة فقال: “مثل المؤمنين في توادِّهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحُمَّى والسَّهَر”، كما قال: “المؤمن للمؤمن كالبُنيان يشدُّ بعضُه بعضًا”.
وأكبر عيد تبدو فيه الأمة المؤمنة مجتمعة متلاقية هو عيد الحج الأكبر، الذي يمثل المؤتمر الإسلامي الأعظم، حيث تخرج الألوف بعد الألوف، من مشارق الأرض ومغاربها، ساعين إلى ربّهم، متحمّلين وَعثاء السفر ومشقّات الرحلة، ليتلاقَوا فيتعارَفُوا ويتآلَفًوا، ويتدارَسُوا ويتباحثوا، ويطلبوا الحلول لمشكلاتهم المختلفة، وليشهدوا منافع لهم، وليذكروا اسم الله في أيام معدودات، وليوفوا نذورهم، وليطّوّفوا بالبيت العتيق أول بيت وضع للناس…
وقد شرع الله الحجّ ليكون رحلة خالصة مخلصة لوجهه وفي سبيله، تتوافر فيها رياضة الحسّ والوجدان، وحمل النفس على التجرُّد من زينة الحياة، والإقبال بها على طاعة الرحمن؛ ولذلك كان في الحج انتقال وارتحال، وإعداد للزاد، واحتمال لمشاقِّ السفر وتغير الأجواء، وتجرد من متاع الحياة، حتى في الثياب المألوفة والملابس المعروفة، وإقبال على الله بالحسّ والنفس، والعمل والقول، والذكر والفكر، فشعار المسلم منذ إحرامه هو نداؤه ودعاؤه:” لَبّيكَ اللهمّ لَبيْكَ، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك”.
ولذلك كان من أول ما يلزم للحجِّ هو النيّة الطاهرة الصادقة، التي يعزم فيها المسلم على الرحيل إلى ربه بنفس مؤمنة، وذات تائبة، وهمّة معرضة عن الشهوات والملذات، مقبلة على الطاعات والقربات؛ لأنه سيحل ضيفًا على ربه عزّ وجلّ، حول بيته الذي جعله الله مباركًا وهدى للعالمين.
وبيت الله كما علَّمنا الإسلام يحتاج في زيارته إلى طهارة المظهر والمخبر، وقد روى الإمام القرطبي عن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:” إن الله أوحى إليَّ: يا أخا المنذرين، يا أخا المرسلين، أنذر قومك ألا يدخلوا بيتًا من بيوتي إلا بقلوب سليمة، وألسنة صادقة، وأيدٍ نقية، وفروج طاهرة، وألا يدخلوا بيتًا من بيوتي ما دام لأحد عندهم مظلمة، فإني ألعنه ما دام قائمًا بين يديّ، حتى يردّ تلك الظلامة إلى أهلها، فأكون سمعَه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويكون من أوليائي وأصفيائي، ويكون جاري مع النبيّين والصديقين، والشهداء والصالحين”.
واذا كان هذا يقال في حق أي بيت من بيوت الله، فكيف بالبيت الحرام الذي يقول فيه بديع السموات والأرض: (وإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثابَةً للنّاسِ وأَمْنًا، واتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى، وعَهِدْنا إِلَى إِبْراهِيمَ وإسماعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ للطّائِفينَ والعَاكِفِينَ والرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة: 125).
ويقول تبارك وتعالى: (جَعَلَ اللهُ الكَعْبةَ البَيْتَ الحَرَامَ قِيامًا للنّاسِ والشَّهْرَ الحَرَامَ والهَدْيَ والقَلائِدَ، ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَواتِ ومَا فِي الأَرْضِ، وأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَليمٌ) (المائدة: 97).
كما شرع الله الحجَّ ليعلم عباده كيف يترفَّعون عن الأحقاد والأضغان، ويتناسَون الشحناء والبغضاء، ويزهقون رُوح الخصومة والمعاداة؛ ولذلك جعل الله موسم الحج فرصة للإخاء والصفاء، والتنزه عن الخلاف والاعتساف، حتى في الكلام والحوار، والتطهر من كل أسباب التمرد والانحراف؛ ولذلك يقول أصدق القائلين سبحانه: (الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعلوماتٌ، فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلَا رَفَثَ ولاَ فُسوقَ ولاَ جِدالَ فِي الحَجِّ، ومَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْه اللهُ، وتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوَى، واتَّقونِ يا أُولِي الألْبابِ) (البقرة: 197).
وموسم الحجّ موسم أمان وسلام، يأمن فيه كل فرد على نفسه ومتاعَه، وكلّما تطلَّع المسلم إلى بيت الله الكريم قال، كما كان يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحينا ربَّنا بالسلام”.
بل إن الحَمَام نفسه – وهو طائر رقيق ضعيف – يأمن على نفسه، فهو يطير هنا وهناك، وينتقل من مكان إلى مكان، لا يخشى عند الحرم أذى أو عدوانًا، وكيف يخشى ذلك وهو في الحرم، وحول البيت الحرام، وفي البلد الحرام، وفي الموسم الحرام، حيث لا يكون اعتداء أو انتقام؟
وهذا رسول الله ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ يقول عن مكة يوم الفتح: “إن هذا البلد حرمه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة، لا يُعضد شوكه – أي لا يقطع – ولا ينفَّر صيده، ولا تلتقط لُقَطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها” (أي لا يقطع نباتها الرطب الرقيق ما دام رطبًا).
وهؤلاء هم ضيوف الله حول بيته، كأنهم في صلاة ممتدة الأجل طويلة الأمد، فهم يتحركون ويذهبون ويجيئون، وذكر الله هو الشغل الشاغل لهم، وتصفية قلوبهم هو الأمر المسيطر عليهم، وتطهير نفوسهم هو المقصد الأسمى من رحلتهم، حتى يتحقق فيهم ومنهم الحج المبرور الذي يجعل المرء وكأنه قد ولد من جديد، مصداقًا لقول رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: “ليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة”. ولعل هذا لا يبعد عن مجال الحكمة في أن يطوف المسلم حول الكعبة طاهرًا متوضِّئًا كأنه في الصلاة.
وقد جاء في الحديث “الطواف بالبيت مثل الصلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير”، ألا ما أجملها من رحلة، وما أكرمها من ضيافة، وما أعظمها من نعمة وما أجلَّه من فوز مبين.
يذهب المسلم الصادق إلى الحج، فإذا وفقه مولاه جل علاه لتأدية الفريضة على الوجه الأكمل، فقد وصل إلى جملة أغراض وعدة مقاصد: إنه يسهم أولا بشخصه مع إخوانه في الله، في تطبيق الوحدة على أوسع نطاق مستطاع، وهو يزور الأماكن الطيّبة المقدسة صاحبة الذكريات الدينية المجيدة، والنفحات الإلهية العديدة، فيكون له من هذه الذكريات نور وضياء، ومن هذه النفحات غذاء ودواء، ومن التدبر والتفكر وإيقاظ وإحياء، والذكرى تنفع المؤمنين.
وهو يرى المشاعر الحرام فيزداد لدين الله إجلالاً، وعلى ربه إقبالاً، وهو يرى بعينه كيف انبعث دين الإسلام الهادي من جوف الصحراء، ومن واد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم، ومع ذلك عمر هذا الإسلام دنيا الناس بالخيرات والبركات، وزانها بالطيّبات الصالحات، وأخرج من رمال الفيافي ومن جوف الخيام رجالاً صاروا فرسان النهار ورُهبان الليل، فعلموا الدنيا كيف تكون القيادة الرشيدة، والعبادة المجيدة، والجهاد من أجل الحق والخير والعدالة والإخاء.
إن الحج فريضة تُوجِد في الإنسان إذا أدّاها بصدق وإخلاص كثيرًا من مقومات الشخصية الاجتماعية المنشودة للمجتمع الحي الدؤوب، فهي تأخذه أولاً بالتوبة، والتطهر من المآثم والمظالم، وتعلمه الرحلة في سبيل العقيدة، والتعب في سبيل المبدأ، وهي تعلمه أيضًا كيف يلتئم وينسجم مع إخوانه في مؤتمر عام ضخم، وهي تعوّده كيف تنبسط يده بالبرِّ والإحسان، وتعوّده على التضحية والبذل، وحبَّذا لو فقهت ملايين المسلمين هذه الفريضة الجليلة على هذا الوضع، حتى تتضاعف الثمرات من أداء الحج في كل عام.
د.أحمد الشرباصي (رحمه الله) أمين سابق للفتوى في الأزهر الشريف، توفي في عام 1980م
معنى أن تكون مقاوِماً فلسطينياً وليس ضحيّة تستدرِج العطف
يربح الفلسطيني ويربح كل شعب محتل معركته ضد الاحتلال بخلع ثياب "اللجوء" و"الضحية" وارتداء ثياب المقاومة والامتناع عن خلعها إلى أن يرحل المحتل هو وديمقراطيته وقضاؤه وأخلاقه وعاداته وتقاليده مرة واحدة وإلى الأبد.
شاهدنا في الأيام الأولى لانتفاضة القدس، جنوداً إسرائيليين يبطحون فتى فلسطينياً قاصِراً على الأرض ويثبت أحدهم سبطانة بندقية أميركية أم 16 على رقبته فيما الكاميرا تصوِّر المشهد، على مقربة نصف متر أو أقل. ليس هذا الحادث فريداً من نوعه، فقد شاهدنا من قبل عشرات الحوادث التي طالت فلسطينيين من أعمار مختلفة. كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية والعالمية تنقل تفاصيلها لحظة بلحظة، بل أحياناً تنقل تفاصيل قتل متظاهر كما هي الحال مع الطفل الشهيد محمّد الدرّة خلال انتفاضة الأقصى مطلع هذه الألفية.
لم يسبق أن طرح السؤال حول غاية سلطات الاحتلال من السماح بتصوير هذه اللقطات التي يفترض أنها تُدين المحتل. فهل يريد إدانة نفسه بنفسه ؟ وهل هو عاجز عن منع المصوّرين من مواكبة أعمال القمع ؟ أم أن المحتل ديمقراطي إلى حد لا يمكنه منع وسائل الإعلام من إظهار وحشيّته؟ أم أن سبباً أو أسباباً أخرى تقف وراء هذه المشهدية القذرة؟
ما من شك في أن المحتل ليس مازوشياً لكي يتيح صوَراً تُدين قمعه للشبّان الفلسطينيين، فقد منع ويمنع دائماً تصوير المشاهد التي تضعف معنويات الإسرائيليين أو يمكن استخدامها في المحاكم الدولية لإدانة المحتل، وفرض عقوبات عليه وهذا يعني أنه قادر على المنع والسماح بالتصوير وفق حساباته ومصلحته.
أما القول بأن الديمقراطية الإسرائيلية تحول دون المنع فلا قيمة له، لأنها لا تعصم المحتل عن ارتكاب المجازر بحق الفلسطينين والعرب في مناسبات عديدة ومعروفة. أما لجان التحقيق في المجازر المرتكبة فهي من باب التأكيد على "ديمقراطية المحتل" وبالتالي قطع الطريق على محاسبته دولياً وهو لم يُحاسَب أبداً عن المجازر التي ارتكبها وأشهرها صبرا وشاتيلا في بيروت عام 1982.
أحسب أن اندراج هذا النوع من الممارسات في مشهديّة يريد الصهيوني فرضها على مخيّلة الفلسطينيين وتثبيتها في لا وعيهم، وتقوم على حصرهم في صورة الضحية، وحملهم على التصرّف كما يتصرّف الضحايا الذين يستدرِجون العطف. ومن جهة أخرى نقل صورة إلى المجتمع الإسرائيلي تعكس علاقة القوّي بالضعيف والسيّد بالضحية. بعبارة أخرى تأكيد نظرة الإسرائيلي لنفسه بوصفه سيّدا قوّياً يقمع ويصوّر قمعه ويرفع معنويات شعبه بمواجهة عدوّه الوجودي، ناهيك عن الظهور أمام المجتمع الدولي بصفة مَن يقمع ويتيح المُقاضاة والعقاب وفق القوانين وليس بحسب شريعة الغاب.
بالمقابل من الصعب علينا أن نرى صوَراً صهيونية لجنود أذّلاء وهم يبكون خلال حرب العام 2006 ويسارع الصهاينة على الفور إلى اخلاء ساحات المعارك من آثار تدلّ على هزيمتهم، أو انسحابهم أو تراجعهم، فإذا كان التصوير الحر هو جزء لا يتجزّأ من "الديمقراطية" المزعومة لماذا لا تسلّط الأضواء على الجنود الباكين أو الذين يتبوّلون في ملابسهم أو الذين يرتكبون أعمال قتل وحشية أو يسرقون أو يغتصبون ... الخ
بعيداً عن هذا الهراء الديمقراطي الإسرائيلي يبدو لي أن المقصود هو تثبيت صورة الضحية في ذهن الفلسطيني وحمله على التصرّف ككل الضحايا الذين لا يلوون على شيء غير التظلّم والشكوى وطلب العدالة، كما أن الصورة نفسها تؤكّد على هرمية الاحتلال بين "سيّد" صهيوني قوّي وفلسطيني ضعيف يتطلّع إلى عدالة ما محلية أو عالمية تنصفه من عسف الاحتلال وظلمه.
لطالما سمعت عبارات من فلسطينيين تحت الاحتلال يقولون " الصهاينة كلاب بس عندهم قانون يحترمونه بتعرف من خلاله وين الك ووين عليك".. هذا القول خطير للغاية لأنه يعكس الصورة التي أحاول رسم معالمها للضحية الفلسطينية والتي يسعى المحتل لتثبيتها ، وإذ ينجح فإنه يطيح بمعادلة المُغتصِب الذي لا شرعية له ولا لقوانينه ولا رابط بينه وبين ضحاياه غير الاقتلاع ، فإما أن يثبت وجوده الغريب الذي ينفي وجود أصحاب الأرض أو أن يرحل مع كل مزاعمه.
عندما تقبل بالتقاضي مع المحتل في محكمته أو في محاكم أخرى فأنت تعترف بوجوده وبكونه جديراً بالتحكيم معك بوصفك ضحية وليس صاحب أرض. هذه المعادلة رفضها المقاومون في جنوب لبنان في كل مراحل التفاوض مع المحتل ولم يوقّعوا أوراقاً واتفاقات معه ، وعندما طرح عليهم الأمر كانوا يقولون هم جاؤوا إلى بلادنا وعليهم أن يرحلوا كما جاؤوا بلا قيد أو شرط.
لتبيان خطورة منطق الضحية لابدّ من التذكير بتعريفها في القواميس المُتداوَلة حيث نرى أن الضحية "الشخص أو الجماعة التي تتعرّض لأذى أو لضرر مادي أو أخلاقي أو لسوء معاملة أو لاغتصاب جنسي أو جرّاء كارثة طبيعية ... الخ " و لكل ضحية " الحق في الذهاب إلى القضاء أو طلب المساعدة من الدولة أو طلب التعويض أو توفير الحماية أو التمتّع بالعطف من طرف المُعتدي ".
وإذا ما أضفنا إلى هذا التعريف وصف "لاجىء" فلسطيني أي إنه لجأ ولم يقتلع من أرضه واستقرّ حيث هو كغيره من ضحايا الكوارث أو المعاملة السيّئة، إذا أضفنا هذا الوصف إلى وصف الضحية ينتفي فعل الاقتلاع ومعادلة الوجود بالوجود ، وبالتالي خوض صراع وجودي بين أن يكون الصهيوني أو أن يكون الفلسطيني على أرض فلسطين. ويحلّ محلّ الفعل المقاوِم، التقاضي أمام المؤسّسات الدولية وطلب الحق من محاكم الدول التي زرعت الكيان الصهيوني في أرض فلسطين باعتبارها أرضاً "محتلة" من طرف المسلمين و"تحرّرت" على يد البريطانيين والفرنسيين في العام 1916 خلال الحرب العالمية الأولى
فيصل جلول