
Super User
بدء توافد قادة الدول إلى إسطنبول للمشاركة في "قمة القدس"
وصل زعماء قطر والكويت وفلسطين واليمن والصومال وإيران وأذربيحان وجمهورية شمال قبرص التركية ورئيس الوزراء الطاجيكي
بدأ قادة وممثلو الدول الإسلامية اليوم الثلاثاء، التوافد إلى تركيا للمشاركة في القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي حول القدس التي تعقد غدا في إسطنبول.
ووصل إلى إسطنبول كل من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، والرئيس الإيراني حسن روحاني، والرئيس الأذري إلهام علييف، والرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ورئيس الوزراء الطاجيكي قاهر رسول زاده.
كما وصل أيضا رئيس جمهورية شمال قبرص التركية مصطفى أقينجي، التي تشارك بلاده في القمة بصفتها دولة مراقبة.
وينتظر وصول كل من عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، ووزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي أفادت الوكالات الرسمية في دولتيهما أنهما توجها بالفعل إلى تركيا.
ويشارك في القمة ممثلو 48 دولة بينهم 16 زعيما على مستوى رؤساء أو ملوك أو أمراء من أفغانستان وأذربيجان وبنغلادش وإندونيسيا وفلسطين وغينيا وإيران وقطر والكويت وليبيا ولبنان والصومال والسودان وتوغو والأردن، واليمن، فضلا عن الرئيس التركي.
كما ستكون هناك مشاركة على مستوى رؤساء الوزراء من جيبوتي وماليزيا وباكستان، وعلى مستويات مختلفة من دول أخرى.
ويشارك في القمة أيضا الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الذي تحل بلاده ضيفا على القمة.
ويأتي توافد قادة الدول الإسلامية وممثليهم إلى تركيا تلبية لدعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لعقد مؤتمر قمة طارئة لدول منظمة التعاون الإسلامي غدا الأربعاء في مدينة إسطنبول، لبحث تداعيات القرار الأمريكي المتعلق بالقدس.
والأربعاء الماضي، أعلن ترامب اعتراف بلاده رسميا بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى المدينة المحتلة، وسط غضب عربي وإسلامي، وقلق وتحذيرات دولية.
ويشمل قرار ترامب الشطر الشرقي لمدينة القدس التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وهي خطوة لم تسبقه إليها أي دولة أخرى.
ويتمسك الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم المأمولة استنادا إلى قرارات المجتمع الدولي التي لا تعترف بكل ما ترتب على احتلال إسرائيل للمدينة عام 1967 ثم ضمها إليها عام 1980، وإعلانها القدس الشرقية والغربية "عاصمة موحدة وأبدية" له.
ومنظمة التعاون الإسلامي ومقرها الرئيس في جدة بالسعودية، هي ثاني أكبر منظمة حكومية دولية بعد الأمم المتحدة، وتضم في عضويتها 57 دولة عضوا موزعة على أربع قارات، وتتولى تركيا رئاستها في الدورة الحالية.
عشراوي للميادين: كلام نصر الله يشجّع الفلسطينيين وندعو العرب لسحب استثماراتهم من أميركا
عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي تقول إنه لا أحد يمتلك صلاحية إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، وتدعو الدول العربية بأن تلوّح بسحب استثماراتها من أميركا على أقلّ تقدير.
عشراوي: على الدول العربية أن تلوّح بسحب استثماراتها من أميركا على أقلّ تقدير
قالت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي إنه لا أحد يمتلك صلاحية إعلان القدس عاصمة لإسرائيل.
وقالت عشراوي في برنامج "حوار الساعة" على شاشة الميادين "سنلجأ إلى محكمة الجنايات الدولية بسبب إسرائيل وسنطالب المجتمع الدولي بالاعتراف بالقدس عاصمة لفلسطين"، وأكدت أنّ اتفاقية أوسلو انتهت بسبب الانتهاكات الإسرائيلية والأمر الواقع الذي تعمل على فرضه.
وإذ دعت عشراوي الدول العربية بأن تلوّح بسحب استثماراتها من أميركا على أقلّ تقدير، طالبت بحوار فلسطيني فلسطيني يفضي إلى صياغة مشروع وطني موحّد وإعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية.
وتعليقاً على مواقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حول القدس والمبادرة التي أطلقها تجاه فلسطين والقدس، قالت عشراوي إنّ الشعب الفلسطيني يستمع إلى كلامه ويجد فيه الكثير من التشجيع والمصداقية.
وأكدت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أنّ المنظمة ليست على عداء مع محور المقاومة بل على العكس، مضيفةً "نحن بحاجة لأي قوّة داعمة للقضية الفلسطينية".
كما لفتت عشراوي إلى أنّ إسرائيل هي العدو الأوّل للعالم العربي وتعمل على شرذمته وإضعافه كما حصل في العراق بحجة النووي، ورأت أنّ إسرائيل بمنطق القوة استطاعت إجراء تغيير ديمغرافي في القدس والضفة الغربية.
وأوضحت عشراوي أنه هناك كرة ثلج معاكسة لتوجهات إسرائيل تكبر، وأشارت إلى أنّ دولاً حليفة لأميركا رفضت قرار ترامب خوفاً من تعريتها أمام شعوبها.
قرار ترامب غبي وغير مسؤول ولم يقدّر الموقف العربي
عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أشارت في سياق مقابلتها على الميادين إلى أنّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس حصل على تطمينات من السعودية بأنّ المبادرة العربية لن تتغيّر.
كما استبعدت أن تكون هناك حكومات وأنظمة عربية قد قبلت بأن تكون القدس عاصمة لإسرائيل.
ووصف عشراوي قرار ترامب بغير المسؤول وقالت إنه قد يكون نتيجة لـ"غباء بعدم تقدير الموقف العربي"، لافتتاً إلى أنه يشكّل خطراً على العالم وهو يتّخذ قرارات أحادية دون أن يدرك خطورتها.
ووفقاً لعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير فإنّ المنظمة تدعم أي محاولة أو خطّة لتحرير فلسطين، منوهة إلى أنه لا يمكن إطلاق المقاومة المسلّحة في الضفّة، لكنها أكدت أنّ هناك وحدة حال في الميدان الفلسطيني بين كل الفصائل ويجب أن يُبنى على هذه الوحدة ويجب استغلالها.
أميركا وسياسة الازدراء
قرار ترامب الأخير فرصة لتلقين الولايات المتحدة درساً لن تنساه. هذا بالطبع من مصلحة أعدائها، أي الغالبية الساحقة من الشعوب العربية وقواها الوطنية الحيّة، لكنه قد يكون أيضاً، وبحدود معيّنة، من مصلحة حلفائها. فقط عندما تقتنع واشنطن بأنّ لسياسة الازدراء أثماناً فعلية، ستضطر إلى مراجعة حساباتها.
قدر هائل من الازدراء تجاه العرب، بمن فيهم حلفاء الولايات المتحدة، دفع الرئيس دونالد ترامب إلى الإقدام على خطوته الأخيرة بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقل سفارة بلاده إليها. عنصرية ترامب الفجّة وحماقته الواضحة قلّ نظيرهما بين الرؤساء الأميركيين المعاصرين. فحتى جورج بوش الابن، الرجل ذو الذكاء المحدود الذي دمّر العراق وأدمى الشرق الأوسط بحجّة إعادة صياغته، لم يجرؤ على اتخاذ القرار الذي اتخذه ترامب.
يعيد هذا الأخير تذكير العالم، وخاصة الشعوب العربية، بعد حقبة «الأوبامانيا»، أي الفاصل الذي وصل خلاله أسمر ذو أصول أفريقية «مثقّف ويعرف العالم» إلى مركز القرار، بالوجه الحقيقي والبشع جداً للولايات المتحدة. ترامب رئيس «شديد البياض» ويعدّ نفسه سليلاً للآباء المؤسسين وناطقاً رسمياً باسم أنجح مشروع استعماري في التاريخ العالمي المعروف، الولايات المتحدة، تمكّن من إبادة غالبية السكّان الأصليين، والاستيلاء على قارّة بأكملها مع ثرواتها الهائلة، والشروع بنهضة اقتصادية حقيقية بفضل العبودية أساساً، وباسم سياستها الخارجية القائمة على «غطرسة القوّة». هو التعبير الأكثر صلافة حتى الآن عن هذه الغطرسة وهي سمة من سمات السياسة الخارجية الأميركية وعمّا ينجم عنها من ازدراء للآخرين، أي بقية العالم، وبشكل خاص شعوب الجنوب، أو الملوّنين، التي «تخصصت الولايات المتحدة بشنّ الحروب عليهم وقتلهم منذ الحرب العالمية الثانية» كما تقول الكاتبة الهندية الموهوبة آرونداتي روي.
مع نهاية الثنائية القطبية، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، والحرب الأولى ضد العراق بحجّة تحرير الكويت عام 1991، أطلقت الولايات المتحدة ما يسمّى مسارَ السلام بين العرب والإسرائيليين في مؤتمر مدريد في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من السنة نفسها على قاعدة مبدأ «الأرض مقابل السلام». وقد شاركت جميع الأطراف الرسمية العربية المعنيّة مباشرة بالصراع مع إسرائيل في هذا المؤتمر ووافقت على المبدأ الذي عقد على أساسه: إعادة الأراضي العربية المحتلّة عام 1967 مقابل السلام. لو ألزمت الولايات المتحدة إسرائيل بهذا الانسحاب، أي الانسحاب من 22% من فلسطين التاريخية ومن الجولان المحتلّ، في ذلك السياق الدولي والإقليمي، لكنّا أمام قيام منظومة إقليمية مستقرّة نسبياً في ظلّ سلام أميركي (Pax Americana)، أي هيمنة على الإقليم وعلى موارده النفطية وعلى أنظمته السياسية واقتصاداته. لكن الولايات المتحدة لم تفعل وسمحت لإسرائيل بالمضي بسياسات الاستيطان والضمّ. السؤال الذي يفرض نفسه اليوم بعد 26 عاماً هو الآتي: لماذا «فوّتت» الولايات المتحدة هذه الفرصة التاريخية لترسيخ هيمنتها على المنطقة التي تسمّيها جميع أدبياتها الرسمية «منطقة مصالح وطنية حيوية»؟ الجواب الوحيد المقنع هو ازدراؤها الشديد للعرب، وفي الطليعة منهم حلفاؤها. هي لا تعتبر نفسها ملزمة بالإيفاء بأي من تعهّداتها تجاههم، ولا تقيم لهم أي وزن جدّي، وتغلّب أية اعتبارات أخرى، مصالح إسرائيل أو حساباتها الانتخابية الداخلية، على مصالحهم واستقرار أنظمتهم. وقد أظهرت التطورات اللاحقة أن هذه السياسات سمحت بين أسباب أخرى باشتداد عود قوى المقاومة في لبنان وفلسطين التي أضحت رقماً صعباً في المعادلة الإقليمية، وهو أمر يتناقض مع الأهداف العليا للاستراتيجية الأميركية.
محطّة ثانية شديدة الأهمية، تتجلّى فيها سياسات الازدراء، هي العدوان الأميركي على العراق عام 2003 والمشروع المعلن لإعادة صياغة الشرق الأوسط. هذا المشروع والحرب التي شُنّت في سياقه كشفا مرّة أخرى، الرؤية الأميركية للمنطقة، «دولاً وشعوباً»، باعتبارها فضاءً قابلاً للاستباحة والتفكيك وإعادة التركيب حسب ما ترغب واشنطن. وكانت الحرب على العراق كما سمّاها خبراء ومسؤولون أميركيون سابقون عارضوها «حرباً اختيارية» وليست «حرب ضرورة» كتلك التي شُنَّت على أفغانستان للردّ على عمليات 11 أيلول. لم يكن العراق المحاصر، برأي هؤلاء، يشكّل أي تهديد للمصالح الأميركية في المنطقة، أو لسيطرتها الاستراتيجية في تلك الفترة على جزء كبير منها. بل بإمكاننا الزعم أن الأوضاع بالنسبة إلى الولايات المتحدة قبل الحرب كانت أفضل منها بعدها. وقد عارض أغلب حلفاء أميركا العرب الحرب وحذّروا من نتائجها على الإقليم، لكن واشنطن مرّة أخرى لم تُعِرْ مواقفهم أي اعتبار.
قرار ترامب الأخير فرصة لتلقين الولايات المتحدة درساً لن تنساه. هذا بالطبع من مصلحة أعدائها، أي الغالبية الساحقة من الشعوب العربية وقواها الوطنية الحيّة، لكنه قد يكون أيضاً، وبحدود معيّنة، من مصلحة حلفائها. فقط عندما تقتنع واشنطن بأنّ لسياسة الازدراء أثماناً فعلية، ستضطر إلى مراجعة حساباتها.
عوامل تقوية العواطف في الأسرة عند أهل البيت عليهم السلام
موقع العائلة
إن الهدف الأساس لدين الإسلام هو تربية البشر وتأمين سعادتهم في جميع أبعاد الوجود وكافة مراحل الحياة. ولم يُبعث الأنبياء على وجه العموم نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم إلا لتحقيق هذا الهدف المقدس، وقد بذل جهده في هذا الخصوص وكان شديد الاهتمام والالتفات إلى حاجات وخصائص وعلائق البشر الفطرية والتي يساهم الاطلاع عليها في حسن أداء هذه المهمة. من هنا يمكن القول أن التعاليم التربوية للإسلام والثقافة الاحيائية لأهل البيت عليهم السلام تأتي في اطار التربية الفطرية للبشر.
وقد جعل الله تعالى العائلة المكان الأفضل لتربية أفراد البشر وجعلها البيئة الأكثر تناسباً لتربية الإنسان فاعتبرها آية من آياته حيث جاء في القرآن الكريم: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾1.
وبناءً على ما تقدم فالعائلة آية إلهية ومظهر من مظاهر عظمة الله تعالى. وأما تقوية هذه العائلة فيجري في خضم ثقافة الإسلام الغنية ومعارف أهل البيت عليهم السلام. ويتحقق الاستمرار على مستوى العلاقة القلبية بين الرجل وزوجته
من خلال العمل بارشادات المعصومين عليهم السلام.
سنحاول في هذا المقال الاطلالة على طريق تقوية العواطف بين أعضاء العائلة بناءً على سيرة وكلام أهل البيت عليهم السلام.
طرق تقوية العواطف في العائلة
1ـ الحوار العاطفي
إن الالتفات إلى الارتباط الكلامي هو أحد طرق استحكام أساس العائلة. ويساهم الكلام العاطفي واستعمال الكلمات اللينة والخطابات اللائقة التي تنمّ عن المحبة، في جذب المخاطب. عندما يشعر المخاطب برضاه عن المتكلم عند ذلك يميل نحوه ويصبح أكثر محبة له.
عندما يتوجه الزوج أو الزوجة إلى الآخر بكلمات جميلة فإنهم بذلك يعلمون الأولاد كيفية التخاطب بالإضافة إلى ما يتركه هذا الكلام من أثر في قلب الآخر. يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "اجملوا في الخِطاب تسمعوا جميل الجواب"2.
طبعاً لا يجب أن ننسي ما للكلمات الجميلة من أثر حيث لا ينساه الشخص الآخر إلى نهاية العمر. جاء عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "قول الرجل للمرأة إني أحبك لا يذهب من قلبها أبداً"3.
من جهة أخرى ينبغي على المسلم والمسلمة أن يتخاطبا بلسان جميل لأن فطرة الإنسان تميل عادة إلى العبارات الجذابة والعاطفية ـ فيستقر في قلبه حب صاحب تلك العبارات. يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "عَوِّد لسانك لين الكلام وبذل
السّلام يكثر محبوك ويقلّ مبغضوك"4. وهنا ينبغي التأكيد على ضرورة أن يمتاز الكلام بين الرجل والمرأة بأدب خاص. لأن التحدث بعبارات جميلة وجذابة شيء والتلفظ بالعبارات الرقيقة الفاسدة شيء آخر. وقد نهت الروايات عن التحدث بالعبارات القبيحة. يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "إياك ومستهجن الكلام فإنه يُوغر القلب"5.
وكما يترك الكلام الجميل آثاره على قلب المخاطب كذلك يترك الكلام القبيح آثاره أيضاً. يقول الشاعر:
جراحات السّنان لها التئام ولا يلتام ما جرح اللسان
2ـ التخاطب بأفضل الأسماء
إن مناداة الزوجة بالاسم الذي تحبه يؤدي إلى وجود حالة من الإلفة والأنس بين الزوجين. يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "ثلاث يُصفين وُدَّ المرء لأخيه المسلم، يلقاه بالبشر إذا لقِيهِ ويوسع له في المجلس إذا جلس إليه، ويدعوه بأحب الأسماء إليه"6.
3 ـ القاء السلام
علمنا الإسلام أن المبادرة إلى السلام بصوت واضح ولحن عاطفي جذاب يؤدي إلى تقوية العلاقة بين الرجل وزوجته. ويساهم هذا الأمر في إزالة الأحقاد ويقوي المعنويات ويقرب القلوب ويضفي على الحياة العائلية نوعاً من النشاط والسرور.
يقول الإمام الصادق عليه السلام: "يُسلّم الرجل إذا دخل على أهله"7.
4ـ الاعلان عن المحبة
صحيح أن العلاقة بين الزوج والزوجة الشابين يقوم بشكل أساسي على العلاقة الداخلية والعاطفية إلا أن الإسلام يؤكد على اظهار واعلان هذه المحبة والعلاقة مما يترك آثاراً واضحة على بناء العائلة.
يقول الإمام الصادق عليه السلام: "إذا أحببت رجلاً فاخبره بذلك فإنّه أثبت للمودة بينكما"8.
من جهة أخرى فإن اظهار الزوجة حبها لزوجها من جملة خصوصيات العلاقة بينهما. وقد أوصى الإمام الصادق عليه السلام الزوجات بذلك: "ولا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال... واظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه"9.
5ـ المودة، الاستقبال، التوديع
العائلة مكان يقدم للإنسان الهدوء والراحة، وإذا كانت العائلة على هذا النحو فإن الرجل الذي يواجه في الخارج الكثير من المشكلات والمنغصات ويتعرض في سبيل الحصول على الكسب الحلال لأنواع الآلام والمشقات بالأخص الروحية منها، فإنه يرغب عند عودته إلى المنزل في أن يجد شخصاً بانتظاره يتودد إليه ويخفف عنه عناء اليوم.
وهو يرغب أيضاً أن يدخل منزله فيجد شخصاً يستقبله بلطف وابتسامة وهذا الشخص ليس سوى الزوجة الصالحة التي يمكنها وحدها أن تزيل عنه تعب اليوم وآلامه. ويترتب على عملها هذا ثوابٌ كبيرٌ.
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال له: "إن لي زوجة إذا دخلت تلقتني وإذا خرجت شيعتني وإذا رأتني مهموماً قالت لي: ما يهمك؟ إن كنت تهتم لرزقك
فقد تكفل لك به غيرك وإن كنت تهتم لأمر آخرتك فزادك الله هماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن لله عمالاً وهذه من عماله، لها نصف أجر الشهيد"10.
ويتحدث الإمام أمير المؤمنين حول سيدة نساء العالمين: "فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها من بعد ذلك على أمرِ حتى قبضها الله عزَّ وجلَّ إليه، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الغموم والأحزان بنظري إليها"11.
كانت السيدة الزهراء عليها السلامتعيش في بيت علي عليه السلام حياة ملؤها العشق والصفاء والمحبة وقد تحدثت في آخر لحظات حياتها مخاطبة زوجها، قالت عليها السلام: "يا بن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني. عند ذلك خاطبها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً: معاذ الله أنت اعلم بالله وأبرّ وأتقى وأكرم وأشدّ خوفاً من الله من أن أوبخك بمخالفتي"12.
كان أبو طلحة الأنصاري يحب ابنه حباً شديداً، فمرض فخافت أم سليم على أبي طلحة الجزع، حين قرب موت الولد، فبعثته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما خرج أبو طلحة من داره توفى الولد. فسجته أم سليم بثوب، وعزلته في ناحية البيت، ثم تقدمت إلى أهل بيتها وقالت لهم لا تخبروا أبا طلحة بشيء ثم أنها صنعت طعاماً. فجاء أبو طلحة من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما فعل ابني؟ فقالت له: هدأت نفسه، ثم قال: هل لنا ما نأكل؟ فقامت فقربت إليه الطعام... فلما اطمأن قالت له: يا أبا طلحة أتغضب من وديعة كانت عندنا فرددناها إلى أهلها؟ فقال: سبحان الله لا، فقالت: ابنك كان عندنا وديعة فقبضه الله تعالى. فقال أبو طلحة فأنا أحق بالصبر منك، ثم قام من مكانه فاغتسل وصلى ركعتين ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم
فأخبره بصنيعها فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل صابرة بني إسرائيل13.
6ـ التعاون في اختيار نوع الطعام
إن التعاون والتفاهم في اختيار نوع الطعام من جملة العوامل التي تساهم في استحكام العلاقة بين الزوجين وتضفي على العائلة حالة من المتانة والثبات. لا بل يساهم هذا التفاهم في حل العديد من الاشكالات المحتمل وقوعها. والزوج المسلم يتناول الطعام الذي تقوم زوجته باعداده من دون نفرة أو غضب أو ما شابه ذلك. يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "المؤمن يأكل بشهوة عياله والمنافق يأكل أهله بشهوته"14.
وجاء في سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يأكل الطعام الذي يتم اعداده من دون أن يكون متطلباً: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأكل كل الأصناف من الطعام وكان يأكل ما أحلّ الله له مع أهله وخدمه إذا أكلوا"15.
وفي هذا المجال أيضاً لا بد من تذكير الزوجات المسلمات أن اعداد الطعام اللذيذ... يترك أثراً كبيراً على ميل الزوج القلبي نحوها، فهي تزرع بذور المحبة في قلبه. ويشار إلى أن الإمام الصادق عليه السلام كان يتحدث عن خاصتين في الزوجات تجعلان منهن زوجات لائقات، يقول الإمام عليه السلام: "خير نسائكم الطيبة الريح الطيبة الطبيخ"16.
ويقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "خير نسائكم الطيبة الطعام"17.
7ـ تأمين مصاريف العائلة
لعل تأمين مصاريف العائلة من الرزق الحلال والذي هو من وظائف الرجل
المؤمن أهم من اعداد الطعام الطيب، فإذا بذل الرجل المؤمن جهوده في هذا الاطار فإنه سيحصل على مقام رفيع عند الله تعالى. وهؤلاء يردون على الله يوم القيامة بيض الوجوه.
يقول الإمام الباقر عليه السلام: "من طلب الرزق في الدنيا استعفافاً عن الناس وسعياً على أهله وتعطّفاً على جاره، لقي الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر"18.
ويقول الإمام الصادق عليه السلام: "الكاد على عياله من حلال كالمجاهد في سبيل الله"19.
ويقول الإمام الرضا عليه السلام: "الذي يطلب من فضل الله عزَّ وجلَّ ما يكف به عياله أعظم أجراً من المجاهد في سبيل الله عزَّ وجلَّ"20.
8 ـ التركيز على محبة علي عليه السلام
أثبتت التجربة أن الذين يكبرون مع الدين والشعائر الدينية ومحبة أهل البيت عليهم السلام، هم أشخاص منضبطون وكاملون يراعون حقوق الآخرين عند التعامل معهم ويبتعدون عن الظلم، فهم يتحركون نحو الكمال لارتباطهم بأكمل البشر حيث جعلوا أهل البيت عليهم السلام قدوتهم في حياتهم.
نقرأ في الزيارة الجامعة الكبيرة: "بموالاتكم عَلَّمَنا الله معالم ديننا وأصلح ما كان فَسَد من دنيانا وبموالاتكم أتلفت الفرقة".
9ـ تقديم الهدايا للزوجة
إن احترام الآخرين يزرع في قلوبهم العشق والمحبة، والهدية نوع من الاحترام، والذي يتلقى الهدية فإنه يظهر حبه للطرف الآخر ولهذا الأمر أهمية خاصة على
مستوى العلاقات الزوجية وللهدية أثر كبير في ايجاد حالة من الانس والالفة بين الزوجين. يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها على عياله كان كحامل صدقةٍ إلى قوم محاويج"21.
والهدايا تجعل القلوب صافية صادقة وتزيل عنها غبار الكدورات بالأخص إذا كانت الهدايا في مناسبات خاصة، لأن المناسبات الخاصة تجعل الهدايا خالدة وهذا يعني بقاء ودوام الأثر المطلوب منها.
يتحدث الإمام الصادق عليه السلام معدداً وظائف الرجل اتجاه زوجته ويقول: "ولا يكون فاكهة عامة إلا أطعم عياله منها، ولا يدَع أن يكون للعيدين من عيدهم فضلاً من الطعام ينيلهم من ذلك شيئاً لا ينيلهم في سائر الأيام"22.
عبد الكريم تبريزي كاتب وباحث إسلامي
هوامش
1- سورة الروم، الآية: 21.
2- غرر الحكم، ص436.
3- وسائل الشيعة، ج20، ص23؛ الكافي، ج5، ص569.
4- غرر الحكم، ص435؛ عيون الحكم والمواعظ، ص340.
5- المصدر نفسه، ص214.
6- أصول الكافي، ج2، ص643.
7- بحار الأنوار، ج76، ص2.
8- أصول الكافي، ج2، ص644.
9- بحار الأنوار، ج75، ص237، وتحف العقول، ص323.
10- وسائل الشيعة، ج20، ص32.
11- مناقب الخوارزمي، ص354.
12- بحار الأنوار، ج43، ص191.
13- بحار الأنوار، ج79، ص15.
14- جامع السعادات، ج2، ص145.
15- مكارم الأخلاق، الطبرسي، ص26.
16- المهذب البارع، ابن فهد الحلي، ج3، ص17.
17- الكافي، ج5، ص325.
18- التحفة السنية للجزائري، ص227.
19- من لا يحضره الفقيه، ج3، ص124؛ وسائل الشيعة، ج17، ص67.
20- الكافي، ج5، ص88.
21- أمالي الصدوق، ص672؛ وسائل الشيعة، ج21، ص514.
22- جامع المدارك، ج4، ص485؛ وسائل الشيعة، ج21، ص513.
التربية عند أهل البيت عليهم السلام
في تربية الطفل
عن النبي : (أحبوا الصبيان وارحموهم)
وقال الإمام الصادق : (إنّ الله ليرحم الرجل لشدة حبّه لولده).
وعنه أيضا : (بر الرجل بولده برّه بوالديه)
ولا يكفي أن نحمل الحبّ لأولادنا في قلوبنا، بل ينبغي من الوالدين إظهار لهم من خلال السلوك مثل تقبيلهم.
جاء في الحديث الشريف عن الإمام علي : (من قبّـل ولده كان له حسنه، ومن فرَّحه فرَّحه الله يوم القيامة)
وجاء رجل إلى النبي فقال: ما قبّـلت صبياً قط، فلما ولى قال النبي : (هذا رجل عندنا إنه من أهل النار)
وكذلك بإدخال الفرح إلى قلوبهم من خلال حمل الهدايا لهم والتوسعة عليهم.
قال النبي : من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور، فإنه من فرح ابنه فكأنما اعتق رقبة من ولد اسماعيل.
(ليس منّا من وسّع عليه ثمّ قتر على عياله).
الاهتمام بوجود الطفل
إنّ الطفل بحاجة أيضا في السبع السنوات الأولى من حياته إلى شعوره بأنه يحتل في قلوب والديه مكاناً مهماً سواءً أكان ذكراً أو أنثى، ذكياً أو بليداً، جميلاً أو قبيحاً.. وينبغي للوالدين الانتباه إلى هذه الناحية، مثل الإصغاء إليه حين يتحدث... وأخذ مشورته في القضايا العائدة إليه... واحترام رأيه حين يختار.. ونحن نلحظ أن المربي الإسلامي يوجهنا إلى هذه المعاني.. ففي قصة إبراهيم الذي جاءه الأمر الإلهي في الذبح، ومع أن الأمر الإلهي لا يتغير ولا يتبدل، لكن إبراهيم لا ينفذه إلا بعد المشورة: ﴿ يا بنيّ إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك، فانظر ماذا ترى﴾
كذلك سيدة النساء الزهراء تحرص على إسماع أبنائها دعاءها لهم في صلاة الليل مع استحباب إخفائه، والسبب واضح لتأكيد اهتمامها بهم وبأنّهم يحتلّون في قلبها مكاناً، الأمر الذي دعاهم إلى الاستغراب والتساؤل عن السبب في أن يكونوا في المرتبة الأخيرة في تعدادها للمؤمنين في ركعة الوتر، فتقول لهم : (الجار ثم الدار).
إنّ من المؤسف أن نجد بعض الآباء لا يهتمون بوجود الأبناء فيتجاهلونهم في وجود الضيوف، فلا يقدمون لهم الطعام ولا تعطى لهم فرصة في الحديث...الخ.
تمتّع الطفل بالحركة الكافية
لابدّ أن يحصل الطفل على الحرية في المرحلة الأولى من حياته، فلا بدّ أن يجد المكان المناسب له في لعبه وحركته وترتيب لوازمه دون تدخّل الكبار.. ولا بدّ أن يجد الحرية في الحركة دون تحذير.. وأن لا يجد من يعيد ترتيب ممتلكاته بعد أن رتبها بنفسه.. وأن يجد الحرية في ارتداء ما يعجبه من الملابس واختيار ألوانها... فما دام هو السيد في هذه المرحلة وهو الأمير فلا بدّ أن يكون ترتيب البيت بشكل يتناسب مع حركته ووضعه كذلك يجدر بالوالدين التحلي بالصبر للحصول على النتائج الحسنة.
مظاهر الغيرة عند الطفل وكيفية معالجتها
إنّ كثرة الأولاد ليست سبباً في شجار الإخوة فيما بينهم كما تتصور بعض الأمهات الكريمات.. بل الغيرة أحد أهم أسباب العراك بين أفراد الأسرة... والغيرة من الأمراض التي تدخل بيوتنا بدون إذن وتسلب راحتنا.. ولذا ينبغي الحرص على سلامة صحة الطفل النفسية في السبع سنوات الأولى من عمره أكثر من الاهتمام بصحته الجسدية.. وكثير من الأمراض الجسدية التي تصيب الطفل في هذه المرحلة تكون نتيجة لسوء صحته النفسية.. والغيرة من الأمراض النفسية الخطيرة التي تصيب الطفل في المرحلة الأولى من حياته نسبة إلى غيرها من الأمراض، كالكذب والسرقة وعدم الثقة بالنفس.. فالغيرة تسلب قدرة الطفل وفعاليته وحيويته كالسرطان للجسد.
ويمكن للوالدين تشخيص المرض عند أطفالهم من معرفة مظاهره ودلائله... فكما إن الحمى دليل التهاب في الجسم... كذلك للغيرة علائم بوجودها نستدل عليها وفي السطور القادمة سنتحدث عن مظاهر الغيرة عند الطفل.
إنّ الشجار بين الأخوة من أبرز معالم مرض الغيرة... وكذلك بكاء الصغير لأتفه الأسباب، فقد نجده في بعض الأحيان يبكي ويعلو صراخه لمجرد استيقاظه من النوم، أو لعدم تلبية طلبه بالسرعة الممكنة، أو لسقوطه على الأرض... أما العبث في حاجات المنزل فهو مظهر آخر للغيرة التي تحرق قلبه وبالخصوص حين ولادة طفل جديد في الأسرة... أما الانزواء وترك مخالطة الآخرين فهو أخطر مرحلة يصل إليها المريض في وقت يتصور فيه الوالدان أنه يلعب ويلهو ولا يودّ الاختلاط مع أقرانه، وإن له هواية معينة تدفعه إلى عدم اللعب معهم، أو إنه هادئ ووديع يجلس طوال الوقت جنب والديه في زيارتهم للآخرين.. ولا يعلم الوالدان إن الغيرة حين تصل إلى الحد الأعلى تقضي على مرحه وحيويته تاركاً الاختلاط مع الآخرين ومنطوياً على نفسه.
إن الغيرة وأي مرض نفسي أو جسدي لا بدّ أن يأتي عارضاً على سلامتنا، ولا يمكن أن يكون فطرياً... فالسلامة هي أصل للخلقة وهي من الرحمن التي ألزم الله بها نفسه عزّ وعلا ﴿ كتب ربّكم على نفسه الرحمة﴾
والغيرة تبدو واضحة للوالدين في الطفل في مرحلته الأولى... وتختفي مظاهرها (فقط) بعد السابعة، حيث يتصور الوالدان أن طفلهما أصبح كبيراً لا يغار، وهو خطأ.. فالطفل في المرحلة الثانية من حياته يقل اهتمامه واعتماده على والديه ويجد له وسطاً غير الأسرة بين أصدقائه ورفاقه في المدرسة أو الجيران... ولا تنعكس مظاهرها إلا في شجاره مع إخوانه في الأسرة... أما في المجتمع فله القسط الأوفر من آثار الغيرة التي يصاب بها الأبناء.
أمّا أسباب الغيرة عند الطفل في المرحلة الأولى من عمره، فهي كالتالي:
إنّ الكائن البشري صغيراً أم كبيراً، امرأة أو رجلاً أسود أو أبيض.. يمتلك قيمة وجودية من خلال سجود الملائكة له ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم﴾
إضافة إلى إن كل المخلوقات جاءت لتأمين احتياجاته ومسخرة لخدمته ﴿ وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه﴾
وفي الحديث القدسي: ﴿يا ابن آدم خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي﴾.
وقيمة أخرى إنّه يحمل نفحة من روح الله بخلاف الكائنات الأخرى ﴿ فإذا سويته ونفخت فيه من روحي﴾
ولأهمية وجود الكائن الإنساني اختصت به أحكام الإلهية منذ ولادته، مثل حرمة قتله ووجوب دفع الدية حين تعرضه لأيّ أذى مثل خدشه أو جرحه أو جنونه، وحتى الطريق الذي يسير فيه لا يجوز تعريضه للأذى فيه بأن ترمي الأوساخ فيه أو تقطع الطريق عنه بسيارة أو حاجة، حتى وقوفك للصلاة فيه... إلى غير ذلك من الأحكام الشرعية التي تعكس لنا مدى اهتمام الخالق بوجود الإنسان ووجوب احترامنا له.
وحين يتعرض الطفل إلى تجاهل الآخرين يبرز العناد كوسيلة دفاعية لما يتعرض له من أذى في عدم الاهتمام به... كذلك حين يهتم الوالدان بواحد ويتجاهلان الآخر.. ولقد رفض المربي الإسلامي هذا التعامل مع الأبناء لأنه يزرع الحقد في قلبه لأفراد أسرته وحتى لأبويه وللناس... فلقد أبصر رسول الله رجلاً له ولدان فقبّـل أحدهما وترك الآخر... فقال رسول الله : (فهلا واسيت بينهما)
هل تجب المساواة بين الأبناء ؟
إنّ التربية الإسلامية ترفض من الأبوين الاهتمام بطفل مقابل تجاهلهم الآخر.. ولكن لا بأس بالاهتمام بواحد أو أكثر من الأبناء الآخرين مع عدم تجاهل أحد منهم.. والقرآن الكريم حين يتعرض إلى قصة يوسف وإخوته الذين حقدوا عليه وألقوه في البئر، يقرّ إن نبي الله يعقوب كان يهتم ويحب جميع أبنائه ولكنه يخص يوسف بنصيب أكبر لما يجد فيه من خير يفوق إخوته... تقول الآية الكريمة عن لسان إخوة يوسف: ﴿إذ قالوا ليوسف أحبّ إلى أبينا منّا﴾
ولم يقل إخوة يوسف إن أباهم ينفرد بحبّ يوسف دونهم، لأن تفضيل الوالدين لطفل على آخر ـ مع عدم تجاهل أي أحد من الأبناء ـ يدفع بالجميع إلى منافسة الطفل الذي اختص بالعناية في الميزة التي لأجلها اكتسب الأفضلية في قلب والديه.. وتجعل الأبناء في حلبة السباق إلى فعل الخير.
ويجدر بالآباء أن يمتلكوا الحكمة في الميزة التي بها يتّم التفضيل بين الأبناء.. حين تكون للمعاني الحقيقية مثل الاستجابة لفعل الخير والبرّ بالآخرين وامتلاك صفة الكرم والصبر على الأذى.. فمن الصحيح أن يغدق الوالدان الحبّ لطفل أهدى لعبته المحبّبة لآخر مستضعف قبال إخوته الذين يحرصون على أشيائهم... إنّ هذا التفضيل يدفعهم إلى منافسته في هذا الفعل.. طبعاً التربية الإسلامية لا تشترط التفضيل، بل تراه صحيحاً.. فعن أحد الرواة قال:
سألت أبا الحسن عن الرجل يكون له بنون، أيفضّل أحدهم على الآخر ؟ قال : (نعم لا بأس به قد كان أبي عليه السلام يفضلني على عبد الله).
إنّ بعض الأمهات حين يفضلن طفلاً على آخر لامتلاكه صفة الجمال أو لأنه ذكر، فإن هذا النوع من التفضيل خطأ في المنظور الإسلامي، ذلك لأنّ الجمال أو الذكورة أو غيرها من المعاني لا يمكن التسابق فيها..
فلا يملك الطفل القدرة على أن يكون أجمل من أخيه الذي اكتسب الحظوة عند أبيه...وعندها لا يكون أمام الطفل إلاّ منفذ واحد للخروج من أزمته النفسية وهو الغيرة والحقد على من حوله في الأسرة والمجتمع.. (البحار:المتقين علي إنّه قال: (ما سألت ربّي أولاداً نضر الوجه، ولا سألته ولداً حسن القامة، ولكن سألت ربي أولاداً مطيعين لله وجلين منه، حتى إذا نظرت إليه وهو مطيع لله قرّت عيني).
المقارنة بين الأبناء
إنّ استخدام الوالدين المقارنة بين الأبناء اسلوب مزعج لهم.. فكما أن الزوجة تنزعج حين يطلب الزوج منها أن تكون مثل الجارة ماهرة في إعداد الحلوى... أو يزعجها أيضا تعنيفه لها رافضاً منها أن تكون مثل الجارة مهملة في ترتيب البيت... إضافة إلى الآثار الأخرى من انكماشها وعدم ارتياحها من الطرف الآخر المقارن معها.
أهمية الاحترام المتبادل بين أفراد الأسرة
قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وقال الله تبارك وتعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}، صدق الله العليُّ العظيم.
دور الاحترام في نمو شخصية الفرد:
لازال الكلام موصولاً حول بعض المبادئ الهامة التي يجب أن تُراعَى في النظام الأسري كي تكون الأسرة مثالاً لما يريده الإسلام، واستعرضنا فيما مضى بعض المبادئ الذي إذا توافرت أدت إلى النجاح في تماسك الأسرة، ولعل من أهم هذه العوامل -كما يُؤكد عليه العلماء- هو عامل الاحترام في وسط الأسرة بين الزوج وزوجته وبين الأب وأبنائه وكذلك أيضاً بين الأم وأبنائها. هذا الاحترام بين أفراد الأسرة ينطلق من مبدأ الكرامة الذي يشير إليه قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ }، فالله تبارك وتعالى خلق الإنسان كريماً، أي جعله مفطوراً على الكرامة، فإذا كان المحيط الأسري قائماً على مبدأ الكرامة في التعامل من خلال تنشئة ذلك البرعم الصغير على إبداء الاحترام لشخصه من لدُن أفراد أسرته فإنّ النتيجة المؤكدة هي تفتح هذا البرعم عن الورد والندى، بينما إذا وجد الطفل عدم الاحترام والامتهان لكرامته فإنّ النتيجة الطبيعية التي سوف يحصدها الأبوان أولاً والمجتمع ثانياً هي الشوك الذي سيكون عائقاً في تقدم المجتمع.
إذاً مراعاة القواعد العامة لاحترام الأفراد في الأسرة في غاية الأهمية ليس فقط في المحيط الأسري وحده بل حتى في تعامل الإنسان مع أخيه الإنسان. ولذا نجد أنّ النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل البيت عليهم السلام كانوا في غاية الرعاية والتجسيد الكامل لمبدأ الاحترام ليس فقط لمن يتعاملون معهم في كنف ووسط المحيط الأسري بل مع مختلف الناس.
دور الاحترام في تشكل شخصية الإنسان:
انطلاقاً من الآية المباركة التي أوردناها، وهي قوله تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، نجد أنها تُؤكد على مبدأ الكرامة الفطري في كُنْهِ وجود الإنسان وفي دخيلة نفسه من خلال عدم الاكتفاء بقول الحسن وإنما يتحرى الإنسان الأحسن ، فإذا سار على وفق هذه الطريقة المثلى في محيطه الأسري فإنّ وجدانه سوف يتشكل على احترام الغير، وبالتالي سوف يتعامل مع أي فرد من الأفراد بل حتى مع ألدِّ أعدائه من خلال مبدأ الاحترام والكرامة الإنسانية، وبالعكس من ذلك إذا امتُهِنَت كرامة الإنسان فإنّ ما يصدر من أقوال وأفعال ينم عن دخيلة وكُنْهٍ لوجود نفسي قد تشكل على الامتهان وعدم الاحترام لتلك الكرامة الذاتية، وبالتالي يترتب على ذلك آثار سلبية لا حد لها بحيث يصبح الإنسان وحشاً كاسراً في تعامله مع أفراد مجتمعه بل حتى في تعامله مع محيطه الأسري، ولذا يشير العلماء إلى أنه كلما رُوعيت كرامة الإنسان واُحترمت كلما قَويت واشتدت جذور الخير والصلاح في ذاته وانعكست على سلوكه .
الاحترام خُلق النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام:
وهذا الأمر الذي أكدناه ندركه من خلال التقاطع والتلاقي بين المجتمع والأسرة، إذ أنّ الأسرة هي الركيزة الأولى لتشكل ذلك الواقع الاجتماعي، الذي يتجلى بوضوح في أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل البيت عليهم السلام في تعاملهم مع الآخرين، وذلك في اتجاهين :
الأول : التعامل مع الأسرة.
فقد نقل المحدثون أنّ النبي صلى الله عليه وآله كان يتعامل بالاحترام الفذ مع ابنته الصديقة الزهراء ومع سبطيه الحسن والحسين، وهذا وإن كان له ربط بالجانب الغيبي في شخصيات هؤلاء العظماء، ولكن النبي صلى الله عليه وآله كان يُريد أن يُعلّم أمته الطريقة المثلى في التعامل مع البنت والأولاد بذلك الاحترام الجم وذلك السلوك السوي والتقدير الفائق.
الثاني : التعامل مع المجتمع .
وهذا نجده جلياً في تعامل النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل البيت عليهم السلام مع الناس.
الأول : سلوك النبي صلى الله عليه وآله مع الناس.
إنّ النبي صلى الله عليه وآله لا يحترم فقط أبناءه والمقربين لديه، بل نجد أنّ فائق الاحترام انعكس بشكل كبير من شخصيته صلى الله عليه وآله على كل فرد من أفراد المجتمع، ولذلك أصبح ذلك الاحترام مصدراً للجذب في شخصيته صلى الله عليه وآله. وهذا ما أكده المحدثون عندما ذكروا عدة مواقف :
الأول : أنّ النبي صلى الله عليه وآله كان يُكرم من يدخل عليه ويُؤْثره بالوسادة، أي إذا كان متكئاً على وسادة ودخل عليه شخص قدَّم له ذلك المتكأ، كي يعطي أعظم الدروس في احترام الآخرين .
الثاني : دخل أحد الأشخاص على النبي صلى الله عليه وآله في مسجده وكان المسجد خالٍ (فيه متسع) فتزحزح النبي صلى الله عليه وآله عن مكانه، فالتفت ذلك الداخل عليه وقال له: "يا رسول الله إنّ في المكان لمتسع" فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وآله وقال: (( إن حق المسلم على المسلم إذا رآه يريد الجلوس أن يتزحزح له))، أي يشعره بعناية واحترام وتقدير لشخصه، وبالتالي إذا تم تبادل هذا الاحترام بين الناس أصبحت مكارم الخُلق هي التي تسود علاقات المجتمع وأفراده.
الثالث : قضية توزيع غنائم حنين، فعندما قَسّم النبي صلى الله عليه وآله تلك الغنائم على زعماء قريش الذين دخلوا الإسلام حديثاً، ولم يُعطِ الأنصار شيئاً، فتأثروا من ذلك، لكونهم قدّموا الكثير للنبي صلى الله عليه وآله ولم يحصلوا على شيء. فهذا الموقف الذي اتخذه النبي صلى الله عليه وآله تجلَّى فيه حقيقة الاحترام لبعض الأفراد الذين يشعرون من خلال بعض المواقف عدم الاحترام لشخصياتهم، ولعل في ذلك الموقف عبرة ودرس عملي لمن أراد أن يتعامل مع أفراد المجتمع وفئات الناس المتعددة والمختلفة في طرق تفكيرهم، فقد كان النبي صلى الله عليه وآله يريد أن يجلب وُدَّ زعماء قريش الذين أسلموا حديثاً ، ومع أنّ الأنصار قد تلقوا عناية وتربية من لدُن النبي صلى الله عليه وآله ، إلا أنّ بعضهم رأى أنّ ذلك السلوك لا يتلاءم مع ما عوّدهم عليه النبي صلى الله عليه وآله ، فتصوروا أنه صلى الله عليه وآله يمارس العنصرية تجاههم فصدرت منهم كلمات لا تتناسب مع مقام النبي صلى الله عليه وآله ، فوقف صلى الله عليه وآله ، وبيّن لهم ما أسداه إليهم من الخدمات الكبيرة ثم قال: ((أما أنكم لو شئتم لقلتم مثل ما قُلت أيضاً بينتم إليّ ما أسدتموه من العطاء الكبير والفعل الجميل ولكنكم سكتم))، أي أنّ النبي لا يكتفي ببيان الخدمات التي أسداها لهم، بل دافع عن شخصياتهم وعوضهم عن ذلك العطاء المادي ثم قال لهم: ((ألا ترضون أن أفراد الناس يسيرون من عندي بالشاه والبعير وتسيرون أنتم بي))، أي جعل جزاءهم وجوده المقدس صلى الله عليه وآله حتى هَمِلَت عيونهم وذرفت دموعهم وتأثروا تأثراً بالغاً، وهذا ينم عن الاحترام الكبير لشخصيات الأنصار من قِبَلِه صلى الله عليه وآله.
الثاني : سلوك الأئمة عليهم السلام مع الناس.
وهكذا سار الأئمة من أهل البيت عليهم السلام على الاحترام الفذ والكبير لشخصيات الناس انطلاقاً من مبدأ الكرامة الذي شرحناه آنفاً. ففي إحدى الأيام كان الإمام علي عليه السلام مسافراً، وفي الطريق كان برفقته أحد النصارى، فسأل الإمام عليه السلام قائلاً : أين تذهب ؟ قال عليه السلام: أريد أن أذهب إلى الكوفة. فعندما وصل عليه السلام مع النصراني إلى مفترق طرق، رأى النصراني أنّ الإمام لم يتجه نحو الكوفة وإنما سار معه، فالتفت إليه ذلك النصراني قائلاً له: ألم تقل لي إنك تريد الكوفة ؟ قال الإمام عليه السلام ((بلى ولكن من حق الصاحب في الطريق أن يشيع احتراماً لشخصه))، فكان هذا السلوك الكريم من لدُن الإمام عليه السلام قد أحدث تأثيراً كبيراً في شخصية ذلك النصراني، فما كان منه إلا أن دخل في الإسلام.
قواعد الاحترام في التعامل مع الأبناء:
من هنا أيضاً نجد أنّ النبي صلى الله عليه وآله يُعطينا قواعد في الاحترام والسلوك السوي على مستوى المحيط الأسري في تعامل الأب والأم مع أبنائهما وأفراد أسرتهما. فالنبي صلى الله عليه وآله يوضح هذه القواعد في تعامل الأب مع أبنائه بقوله (( ولا يُرهقه ولا يخرق به))، وهاتان قاعدتان عظيمتان يحتاجان للتوضيح:
الأولى : (( ولا يُرهقه))، أي إذا كنت تتعامل مع ابنك لا تحاول أن تُثقل عليه بحيث ترهقه وتُحمِّله عبئاً ثقيلاً لا يستطيع أن يتحمله، بل تحاول أن تخفف عليه حتى تجعله يعتاد تحمل الأعباء الكبيرة بشكل تدريجي.
الثانية : ((ولا يَخرق به))، أي لا يتهمه بالخرق والسفاهة والجنون وبعدم الإدراك أو بعدم العقل، بل حتى إذا صدرت من الابن بعض الأفعال غير الطبيعية وغير المنسجمة مع السلوك السوي ينبغي أن يتحمل الأب الكثير، وأيضاً لابد أن يُبين للابن في بعض الأحيان خطأ أفعاله ولكن بشكل تدريجي ينسجم مع الاحترام والتقدير لشخصه، أما إذا سُفّهت آراؤه في كل حين فإنك بهذا تركز في شخصيته وفي عمق نفسه بأنه لا كرامة لذاته، وبالتالي سوف تكون الأعمال التي تصدر منه بشكل طبعي تتلاءم مع ما ركّزه الأب في شخصه. لذا علينا من خلال التعاليم الفذة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام أن نتعامل أولاً مع الزوجة بالاحترام الفذ والفائق لأنها مصدر ينعكس على الأبناء في تربيتها لهم، فإذا امتهن الزوج كرامة زوجه فإنّ تلك الكرامة الممتهنة تنعكس سلباً على الأبناء، وكذلك أيضاً في تعامل الزوجة مع زوجها، فإذا امتهنت الزوجة كرامة زوجها فإنه ينعكس هذا الامتهان للكرامة على الأبناء بشكل سلبي.
لذا، علينا أن نتعامل مع الأبناء من خلال هاتين القاعدتين اللتين رسمهما المصطفى صلى الله عليه وآله حتى نغرس في المجتمع نبتة صالحة يكون لها أبلغ الأثر في تقدم المجتمع المُطرد.
أسس وقواعد في تربية الأبناء.
قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } صدق الله العليُّ العظيم.
لازال الكلام موصولاً حول بعض الأسس والقواعد التي أولاها الإسلام عناية فائقة، لما لها من تأثير في السلوك التربوي على الأبناء، والمربي أو الوالدان إذا لم يتوجها لأهمية هذه القواعد فإنّ التربية قد تُصاب بإخفاق كبير، وبالتالي لا تستطيع تلك الأم وذلك الأب أن يحصدا تلك الثمار الطيبة من الجهد في التربية . ومن هذه القواعد التي ينبغي أن يلحظها المربي:
الأولى : حب الذات
حب الذات أمر فطري للإنسان، ينبثق منه الاعتماد على النفس، وهذا الحب للذات الذي غرسه الباري تبارك وتعالى بيد قدرته في كنه وجود الإنسان له جنبتان:
جنبة إيجابية : تعود على الإنسان بالنفع والخير العميمين.
جنبة سلبية : تُؤثر سلباً في سلوك الإنسان نحو الكمال.
وعلى المربي الناجح أن يرعى ذلك الجانب الإيجابي من حب الذات باعتبار - كما أشرنا آنفاً - أنّ خصال الخير الحميدة وبالذات فن الاعتماد على النفس ينبثق من حب الإنسان لذاته، وحتى ندرك أهمية حب الإنسان لذاته لابد أن نزيد هذا المطلب إيضاحاً، وذلك بأنّ نُؤكد على أنّ الإنسان يرى بوجدانه الحب والمودة لمن يُحسن إليه، كما أنّ من يسيء إليه يعتبره عدواً له، أي يبغض من يسيء إليه ويُحبُّ من يُحسن إليه، وهذا مبدأ عام، ينبثق أيضاً من قاعدة يشير إليها الفلاسفة والعلماء من المسلمين وغير المسلمين، وحتى أنّ الفيلسوف الكبير (جون ديوي) أشار لهذه القاعدة عندما قال: ((أنّ مسألة الحيازة على الاهتمام هي أهم محرك ودافع يدفع الإنسان إلى التألق والوصول إلى الكمال)) فهذا الفيلسوف يشير إلى أنّ الإنسان عالم عظيم ينطوي على الأهمية من خلال مسألة الحيازة، التي تساوق وتساوي حب الذات.
الثانية : أهمية مبدأ الإحسان إلى الآخرين
الإحسان قانون عام يتمثل في العطاء والتشجيع للإيصال إلى الكمال من غير أن يكون هذا العطاء مشوباً بالمن أو الإيذاء.ولذا، نجد أنّ الأئمة من أهل البيت عليهم السلام أبانوا مفصحين عن أهمية الإحسان غير المشوب بالمن والأذى، فالإمام الصادق عليه السلام يُبلور هذا المفهوم في طائفة من الأحاديث الواردة عنه التي يقول فيها ((جُبلت القلوبُ على حُب من نفعها وبُغض من ضرها))، وعنه عليه السلام: ((طُبعت القلوبُ على حُب من أحسن إليها وبُغض من أساء إليها)) وهكذا يُفصِّل الأئمة من أهل البيت عليهم السلام في طائفة من الأحاديث أهمية التعامل الإيجابي الذي يحصل عليه المربي من خلال العطاء وإضفاء الاحترام والتقدير على الغير، باعتبار أنّ ذلك الغير سيتولد في وجوده الحب الذي يبادلك به المشاعر والعواطف والأحاسيس، التي بدورها تجعل ذلك الولد كالأرض الصالحة القابلة لإنبات البذور الطيبة، وعلى العكس تماماً، إذا أساء الإنسان إلى الغير - وبالخصوص ذلك الولد أو تلك البنت – فإنه من المؤكد سوف يمس ذاته بأذى، وسيتولد من هذا المِساس بالإيذاء أو الامتهان للكرامة علاقة تبادلية، أي أنه في الأعم الأغلب من يُسيء إلى ذلك الولد فسوف يجد عدم الاحترام من قِبَله، طبعاً هذا في علاقاته العامة وينعكس هذا الأمر بنسبة أقل بين الابن وأبويه. من هنا يواجه الآباء مشكلة كبيرة، وبالخصوص الذين لديهم أولاد متعددون، يختلفون في المواهب والقدرات ونمط التفكير. فالقلوب جُبِلت على حُب من أحسن إليها، لذا، نجد بعض الأبناء يحسن لأبويه، لوجود علاقة تبادلية تجعل ذلك الحب المتدفق من الأبوين تجاه ذلك الابن البَّار والمُحْسن بشكل أكبر وأعظم، وبالتالي إذا ظهر ذلك الحب تجاه ذلك الابن سيولد مزيداً من التعنت لدى الابن الآخر الذي لا يُحسن لوالديه، لأنه يرى أنه لا يُبَادَل المشاعر والأحاسيس.
والروايات الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام بالإضافة إلى القواعد في هذا المجال - التي أولتها الدراسات الحديثة في علم التربية والنفس عنايةً فائقة - تدعو المربي أن يتأمل ملياً لوضع الدواء في المكان المناسب.
الثالثة : مبدأ التسوية والعدل بين الأولاد
إنّ مبدأ العدل والإحسان بشكل متساوٍ بين الأولاد ذو أهمية كبيرة في التعامل مع الأبناء، ولذا، ينبغي على الوالد الحكيم أن يُخفي ما يدعوه أن يُحسن كثيراً لأحد الأبناء دون الآخر- حتى إذا كان ذلك ناشئاً من بعض الميزات أو البِّر من قِبَل ذلك الابن – كي يساوي في تعامله بين أبنائه بما لا يعود بالضرر عليه أوعليهم. ولذا، نجد القرآن الكريم يُؤكد على أنّ تعامل الإنسان مع أخيه الإنسان يتم على أساس قواعد العدل والإحسان، وبغض النظر عن الانتماء الديني، قال تعالى :{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}، وكذلك النبي صلى الله عليه وآله ركّز على هذا المبدأ في مواقف متعددة، فنجده صلى الله عليه وآله - عندما رأى ذلك الرجل الذي قام بتقبيل أحد أولاده وترك الآخر- لم يرضَه هذا التصرف، وقال للأب ((فَهلّاَ ساويت بينهما؟))، ويقول صلى الله عليه وآله أيضاً في موقفٍ آخر: (( اعدلوا بين أولادكم كما تُحبون أن يعدلوا بينكم)) أو ((إليكم)).
فمن أهم طرق التعامل الإيجابي بين الأولاد هو التسوية بينهم في الحنان وتوزيع النظرات والابتسامات، ولذلك نجد أنّ الأئمة من أهل البيت عليهم السلام أبانوا بأنّ سورة يوسف ما جاءت إلا مِِثَالاً لتقويم السلوك التربوي والسير به في المسار الصحيح.
فالنتيجة التي نصل إليها هي أنّ الأضرار التي تترتب على عدم التسوية بين الأولاد ليس مقتصرة على البغضاء فقط، وإنما تُؤدي إلى عُقدة الحقارة والنقص كما يقول العلماء، فهذا الابن إذا لم يُبغض أبويه فإنه لن يصل إلى ما يصبو إليه ذلك الأب أو تطمح إليه تلك الأم من وصول ذلك الولد إلى الدرجة المثلى والمرتبة العالية .
طرق علاج سلوك الأبناء في مدرسة الأئمة عليهم السلام
إذا تتبعنا الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في طرق العلاج الناجعة والسليمة للأبناء نصل إلى الطرق والأساليب التالية :
الأول: المصانعة والمدارة .
يقول الباقر عليه السلام: ((والله لأُصانع بعضَ ولدي، وأُجلِسُهُ على فخذي، وأُ كثر له المحبة، وأُ كثر له الشكر، وإنّ الحقَ لغيره من ولدي، ولكن محافظةً عليه مِنه ومِن غيره، لئلا يصنع به ما فَعل بيوسف إخوتُه)) فبعض الأولاد لا يستحق المصانعة نتيجةً لاعوجاج سلوكه ولكن يضطر المربي الناجح لمصانعته، وإعطائه مزيداً من الحنان والمحبة، لئلا تتكرر في بيته قصة يوسف، بأن يكيدوا له إخوتَه وإما أن يكيد لهم، ولذلك، يقول الإمام عليه السلام: (( وأُ كثر له الشكر وإنّ الحقَ لغيره من ولدي، ولكن محافظةً عليه منه (من نفسه)))، فهو عليه السلام يُؤكد خوفه من حسد غيره من الأولاد الذين هم أولى منه، مع كونهم أكثر استحقاقاً منه للعناية والاهتمام، ولكنه يُحسن لهذا الولد كي لا يُسيء لإخوانه الذين يستحقون الإحسان. (( محافظة عليه منه ومن غيره لئلا يصنع به ما فعل بيوسف إخوته))، ثم يقول عليه السلام: ((وما أُنزلت سورة يوسف إلا أمثالاً لكي لا يحسد بعضنا بعضاً كما حسد يوسفَ إخوتُه، وبغوا عليه))، وهذا من روائع الأحاديث التي يشرحها أهل البيت عليهم السلام في كيفية التعامل بشكل حكيم ومدروس من لدن الأب أو الأم، أو حتى المربي الآخر الذي يتولى أيتاماً فيريد أن يُسبغ عليهم حناناً أو عاطفةً أو عطاءً مادياً، فيحاول أن يعدل في إسباغه لتلك النعم المادية والمعنوية على من يتولى رعايتهم.
الثاني : التصابي ومراعاة مستوى الابن
وهي من القواعد المهمة التي أولاها الأئمة من أهل البيت عليهم السلام عناية كبيرة، وتتجلى أهميتها في السلوك التربوي لانعكاس أثرها الطيب على نفسية الابن، والمقصود من التصابي هو أنّ الصبي ليس بمستوى الإدراك والعلم والثقافة والفهم والقدرات كما هو عليه الأب أو الأم، وبعض الناس يريد أن يتعامل مع أبنائه على حد تعامله مع الكبار، الذين طورتهم التجارب وأنمت خبراتهم بينما الطفل ليس كذلك، فتحتاج أن تنزل إلى مستواه كي يُتاح له أن يرتقي بشكل تدريجي إلى نوع من المستوى الذي يُؤهله لتعلم ما لديك.
وهذه قاعدة أشارت إليها الروايات بعنوان التصابي، أي أن تخفض مستواك لتجعل مستواك الثقافي والعلمي وخبراتك كأنك معه سيان، حتى ينفتح عليك وتنفتح عليه وشيئاً فشيئاً ترفع من مستواه. ولنلحظ ما ورد من الروايات في هذا المجال، يقول النبي صلى الله عليه وآله : ((من كان عنده صبيٌ فليتصابى له))، أي، إذا كان عندك ولد فاجعل نفسك بمستواه. وبعض العلماء تصور أنّ كلمة ((فليتصابى له))، تعني، فقط مسألة اللعب معه، بينما المسألة ليست في مقام اللعب مع الطفل، وإنما ترتبط بتنزيل مستوى القدرات التي وصل إليها ذلك الأب أو المربي إلى المستوى الذي عليه الولد، كي يُتاح له أن يوصل أفكاره وأخلاقه إلى سلوك ذلك الولد، وهذا الأسلوب الرائع له أهميته الفائقة في رفع مستوى الابن الإدراكي والعلمي والثقافي، ويقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: ((من كان له ولدٌ صَبَا))، يعني ليكن في مستواه، أي يكون صبياً كابنه.
الثالث : التآلف والتأديب
إنّ الولد في - الأعم الأغلب - لا ينسجم إلا مع من يماثله ومن هو على شاكلته، وبالخصوص إذا تفتَّحت مداركه، فيحتاج إلى أسلوب كي تجذبه إليك، أي إعمال بعض قواعد الإثارة وممارسة دوراً إعلامياً في جذبه إليك، وذلك من خلال التودد إليه وتقديم الهدايا وإعطاء بعض المعلومات المؤثرة التي يحبها، وبالتالي يبدأ في عملية تلاحم وتلاقي مع فكرك وهذا ما تشير إليه كلمة التآلف، الواردة في حديث النبي صلى الله عليه وآله عندما قال: ((رحم الله عبداً أعان ولده على برِّه بالإحسان إليه، والتآلف له، وتعليمه وتأديبه))، كما أنّ التأديب في الحديث لا يعني أن تجعله مؤدباً وتُسدي إليه النصيحة، وإنما التأديب في اللغة مثل الترويض وممارسة الرياضة، فالإنسان إذا أراد أن يتعلم فناً من فنون الرياضة فهو يحتاج إلى الممارسة المتكررة، والتأديب بنفس المعنى، أي تحاول أن تغرس ما تريد إيصال ذلك الولد أو تلك البنت إليه من خلال التكرار. فالنبي صلى الله عليه وآله لا يريد منا أن نُعلمه فقط وإنما يريد أن نُؤدبه بمعنى أن نُروض ذلك الولد كي يصل لتلك الدرجة التي نطمح الوصول إليها.
الرابع : إدخال السرور والفرح إلى الابناء
إنّ هناك رواية عن النبي صلى الله عليه وآله أشارت إلى معاني في غاية الدقة والأهمية للمربي وللأب والأم من أجل إيصال الأبناء إلى درجات من الكمال العلمي والسلوكي، يقول صلى الله عليه وآله : ((من فرَّح ابنته فكأنما أعتق رقبة من ولد إسماعيل، ومن أقرَّ عين ابنٍ له فكأنما بكى من خشية الله))، فهذه الرواية تشير إلى نقطتين هامتين تتعلقان بالبنت والابن:
الأولى : هي إدخال الفرح على البنت بالذات، باعتبارها مجموعة من المشاعر والأحاسيس التي قد تُصاب بضغوط طبيعية في الحياة، وتحتاج إلى من يمارس عملية التنفيس عن هذه الضغوط كي لا ترتد عكسياً على شخصية الفتاة، وللأب والأم الدور الأكبر في ذلك، ولذا، نجد النبي صلى الله عليه وآله يشرح عظمة هذا الدور عندما يَقرنُهُ بثواب عتق شخص من ولد إسماعيل، أي عندما تُدخل الفرح والبهجة على قلب تلك الفتاة فكأنك أعتقت أحد أولاد الأنبياء.
الثانية : هي جعل الابن قرير العين، أي تجعله مرتاح البال، هادئ النفس، مطمئناً في خطواته ولديه استقرار نفساني، هذا العمل الذي تقوم به تجاه ابنك يشير النبي صلى الله عليه وآله أنه يُوصلك إلى قمة العبودية وأعلى مراتب السلوك العرفاني، الذي يُحققه البكاء من خشية الله، فكما أنّ الخشية من الله والبكاء خوفاً منه وشوقاً إليه تجعل الإنسان في أعلى درجات الكمال العبودي كذلك إقرار عين الابن بهذه المثابة.
وهذه القواعد السلوكية التي أفصح عنها النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل البيت عليهم السلام تجعل الإنسان يدرك أنّ سيره في الاتجاه الصحيح الموصل للولد والبنت إلى الرقي والتقدم والمستقبل الباهر.
هذا فراق بيني وبينك
أما وقد ذهب رئيس الولايات المتحدة، المعروف بالتهوّر والتصهين المتطرّف، إلى هذه الخطوة التي هي مساس صارخ بأقدس مقدّسات العرب والمسلمين، فلا بدّ من وقفة حقيقية بعد ذلك خاصة وأنّ هذه الخطوة تلت قتل وتدمير وتهجير وإذلال الملايين من شعب فلسطين بأكمله، وأتت بعد حروب على بلدان عربية عديدة، وتفتيت بعضها، وقتل قادتها، والاستهانة بمصير الملايين من شعوبها.
سأل مندوب روسيا لدى مجلس الأمن في مداخلته المتعلقة بقرار ترامب نقل سفارة واشنطن إلى القدس الإدارةَ الأميركية عن الأسباب التي ساقتها إلى اتخاذ هذا القرار، وقال لقد استوضحنا من الإدارة الأميركية عن أسباب هذا القرار، ولكننا لم نتلقّ جواباً. وكيف له أن يتلقّى جواباً من مبعوثة الولايات المتحدة التي حفلت مداخلتها بالمغالطات؛ فقد شدّدت على معاداة الأمم المتحدة لإسرائيل، مع أنّ الأمم المتحدة هي التي أصدرت القرار /181/، والذي أعطى الصهاينة الأوروبيين أرضاً ليست أرضهم، وحرمت المدنيين من الفلسطينيين من وطنهم ودولتهم، وأنزلت الولايات المتحدة بهم داخل السجن الإسرائيلي. ولكن، مع ذلك يبقى سؤال المندوب الروسي جديراً بأن يُطرح، وحتى وإن عجزت عن الإجابة عليه الإدارة الأميركية، فمن المفيد أن نبحث في الأسباب التي قادت ترامب إلى اتخاذ هذا القرار في هذا التوقيت. والبحث لا يقتصر على أروقة البيت الأبيض أو وزارة الخارجية الأميركية أو البنتاغون، بل يجب البحث أيضاً في العوامل الأخرى ذات الصلة بهذا القرار. كما يجب العودة في التاريخ إلى متغيّرات هذا الصراع، والطريقة والمقاربات المختلفة للأطراف.
ولكن مثل هذه العودة والمكاشفة تتطلّب إيماناً وجرأة وثقة بالنفس والمستقبل، كما تتطلّب التخلّي عن أساليب عمل ما زال البعض يعمل على اجترارها منذ عقود، رغم أنها أثبتت عدم جدواها، بل وفشلها المطلق.
الميت موجود ومعروف وموصوف، ولكن لا أحد يريد دفنه. الميت في هذه الحال هي آليات وأساليب العمل التي اتبعها العرب منذ أن بدأ تآمر الصهاينة للاستيلاء على فلسطين وقصور هذه الآليات وفشلها أصبح معروفاً لدى غالبية العرب، خصوصاً إذا ما قورنت بالتخطيط المسبق والتفكير الممنهج والعمل الدؤوب الذي قام به أعداؤنا ليقلبوا الحقّ باطلاً والباطل حقّاً في عيون وضمائر العالم، لا بل والعمل المخابراتي للاستيلاء على حكم العديد من الدول العربية، وخاصة في الجزيرة العربية عبر عملائها من الخونة. ولكن، ولأنّ تاريخنا مليء بالمجاملات والألوان الرمادية، فنحن لم ندرّس أبناءنا التاريخ الحقيقي، وبقينا على مدى عقود نستوعب النكسة بعد النكبة، ونضع اللوم على العدوّ والمؤامرة من دون أن نفتح دفاترنا نحن لنكتشف أين أخطأنا وأين أصبنا، ولنحاول على الأقلّ تجنّب العثرات التي قادتنا إلى الخطأ والخيبة.
أما وقد ذهب رئيس الولايات المتحدة، المعروف بالتهوّر والتصهين المتطرّف، إلى هذه الخطوة التي هي مساس صارخ بأقدس مقدّسات العرب والمسلمين، فلا بدّ من وقفة حقيقية بعد ذلك خاصة وأنّ هذه الخطوة تلت قتل وتدمير وتهجير وإذلال الملايين من شعب فلسطين بأكمله، وأتت بعد حروب على بلدان عربية عديدة، وتفتيت بعضها، وقتل قادتها، والاستهانة بمصير الملايين من شعوبها، وقبيل إعلان قراره العنصري بمنع العرب من بلدان عربية دخول الولايات المتحدة، علماً أنّ هذه الدول التي هي تقارع الإرهاب مما يعتبر انحيازاً كاملاً لتعريف إسرائيل للإرهابيين على أنهم عرب ومسلمون ومقاومون للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية.
هذه القرارات المتزامنة تعني أننا كعرب قد وصلنا نهاية هذا الطريق الذي سلكناه منذ مئة عام، والنهاية بشعة ومذلّة ومخزية للعرب جميعاً، فإما أن نستدير استدارة حقيقية وجريئة واعية ومدروسة، ونعلن الفراق مع كلّ مداهنات التاريخ الماضي، ونبدأ بداية سليمة على الأسس العلمية التي جربتها الشعوب المنتصرة، وإما أن نكون في مرحلة تيهٍ لا نعلم إلى أين ستؤدي بنا.
إنّ الاستمرار بأساليب الماضي أمر محكوم عليه بالفشل سلفاً، وهو معروف النتائج قبل أن يبدأ: غضبٌ، فتحركاتٌ شعبية، وصمتٌ رسمي مع بياناتٍ مقتضبة، فعودةٌ إلى المنازل والعيش مع القرار ونتائجه، إلى أن يتوصّل أعداؤنا إلى ما هو أسوأ منه، فننتفض ثانيةً لأيام، ونستوعب الصدمة، ونمضي وكأنّ شيئاً لم يكن!
هذه الردود الآنية الارتجالية لم تعد تجدي نفعاً، ولا تصنع تاريخاً، ولا تعيد حقوقاً، كما أنّ كيل التهم للآخر بالعنصرية والإجرام والإرهاب والعدوان لا يعيد الحقوق المسلوبة، بل يجب أن نعيد قراءة ما فعله العرب في المحطات الأساسية، ونعيد تقييمه، ونتخذ موقفاً منه وممن صنعه، وننطلق في طريق آخر يخطّط له الاستراتيجيون الشرفاء، ويرسمون معالمه الأساسية عقوداً قبل أن يبدأ. لقد كان اتفاق سيناء 2 بين مصر وإسرائيل، وملحقاته بين إسرائيل والولايات المتحدة أكبر خطرٍ على العرب من نكسة 67، ومع ذلك، نادراً ما يتمّ تسليط الضوء على هذا الاتفاق في كتب التاريخ، وكان كامب ديفيد كارثياً على العرب، أما اتفاق أوسلو فقد فتح باب العلاقات الدولية بين إسرائيل ودول العالم على مصراعيه، إذ اعتبرت عشرات الدول أنّ السلام قد حلّ بين إسرائيل والفلسطينيين، وأقامت علاقات مع إسرائيل، أي أنّ اتفاق أوسلو قد كسر عزلة إسرائيل الدولية ورفع عدد الدول التي تقيم العلاقات معها إلى أرقام لم تكن تحلم إسرائيل أن تنجزها بعد مئة عام.
إنّ أعداءنا يخططون ويولون اهتماماً كبيراً لعاملين اثنين أغفلهما العرب على مدى تاريخهم، ألا وهما التخطيط المسبق وعامل الزمن. فالإسرائيليون يخططون لمئة عام قادمة، بينما تتصف أعمالنا بردود الأفعال، كما أنهم يقيمون للزمن وزناً خاصاً، فلا تريّث ولا تأجيل ولا إهمال.
إذا أردنا أن نفهم لماذا وصل الأمر إلى هنا، فعلينا أن نفهم جيداً أساليب العمل التي استهدفتنا، وأساليبنا في الردّ عليها، وأن نجري تقييماً دقيقاً لكلا الحالتين، وأن نضع الخطط التي تردم الثغرات وتزيل الهنات والعثرات.
إذاً قرار ترامب اليوم، وهو المعروف بصهيونيته المتطرّفة وعدائه للعرب، متعلّق بالوضع العربي المتردّي، تماماً كما هو متعلّق بنشاط الصهاينة في البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع والكونغرس، ومستند إلى موافقة حكّام السعودية ودول الخليج، وربما دول عربية أخرى معروفة بتبعية حكامها للغرب، والتي حصل عليها سلفاً قبل الإعلان. كي نتمكّن من أن نجعل هذا القرار حبراً على ورق، ومن قرار منع مواطني دولنا من دخول الولايات المتحدة فضيحة عنصرية يندى لها جبين الولايات المتحدة، علينا أن نعلن الفراق مع أساليب العمل البائسة، ونعتمد أساليب عمل جديدة صادقة وفعّالة، وذات رؤية مستقبلية مع مواعيد محدّدة البدء ومحدّدة الانتهاء ومحدّدة الأهداف.
علينا أن نقول لأساليب العمل العربية الماضية: هذا فراق بيني وبينك، وننتج أساليب وآليات عمل قادرة على مواجهة التحدّيات، وآخذة بعين الاعتبار قدرة الأعداء وأساليبهم، ومتسلّحة بالحقّ والعلم والعمل الدؤوب القادر الهادف، وليس بالحقّ وحده والتهليل له دون امتلاك أدوات إثباته وتثبيته على أرض الواقع.
لقد بلغ السيل الزبى، وبلغ الطغيان منتهاه، ولا سبيل اليوم لمقارعته إلا بعقل وإرادة وأسلوب جديد وجدير برسم سبل غير معهودة لنصرة الحقّ وإرساء دعائمه في قلوب وضمائر الأجيال واستعادته ولو بعد حين.
كلمة السيد حسن نصر الله حول القرار الأميركي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد أبن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته
موضوع حديثي هذه الليلة هو القرار الأمريكي الأخير الذي أعلن عنه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بالأمس حول اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، بين هلالين، للكيان الصهيوني لكن قبل البدء لابد ونحن ما زلنا في أجواء الذكرى العطرة أن أوجه التحية والتبريك إلى جميع مسلمي العالم في هذه الأيام ذكرى ولادة رسول الله الأعظم خاتم النبيين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك الذكرى العطرة لولادة حفيده الإمام جعفر الصادق عليه السلام.
أيها الإخوة والأخوات: نحن وكما قيل بالأمس في أكثر من مكان في العالم العربي والإسلامي نشعر أننا أمام وعد بلفور جديد، وعد بلفور ثانٍ.
هي صدفة أو محسوبة أنه بعد مئة سنة من وعد بلفور الأول جاءنا وعد بلفور الثاني.
أنا أود أن أتكلم بثلاثة عناوين في هذا الموضوع، طبعاً باختصار ممكن رغم كثرة النقاط التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان.
العنوان الأول: إدراك المخاطر، مخاطر هذا القرار الأمريكي، والإضاءة على بعض هذه المخاطر.
العنوان الثاني: في بعض دلالات هذا القرار الأمريكي، هذا ماذا يعني، وعلى ما يدل وماذا يحوي.
العنوان الثالث: في الموقف المطلوب وخاتمة.
أولاً: في إدراك مخاطر القرار الأمريكي:
عندما ندرك حجم المخاطر المترتبة على هذا القرار، هذا سيشكل حافزاً لدينا جميعاً، سيشكل حافزاً للجميع للحركة ولتحمل المسؤولية، وأيضاً من جهة أخرى لعدم الإصغاء للأصوات التي ستنطلق خلال الأيام القليلة المقبلة، بعد يوم يومين ثلاثة، عندما كل واحد يعبر عن رأيه، أنا أتوقع سنسمع أصواتاً في العالم العربي والإسلامي تقول ما حصل ليس له أهمية وليس له قيمة ولا يوجد شيء وبالتالي تهوين أهمية ها القرار وخطورة هذا القرار.
بالعودة إلى المخاطر مقدمة صغيرة كلنا يعلم بأن العدو الإسرائيلي، أن هذا الكيان وقادة هذا الكيان هم أساساً لا يحترمون القرارات الدولية، وهذا أمر مثبت عندما نستعرض كل القرارات الدولية، ولا يحترمون مواثيق دولية ولا يحترمون اتفاقيات دولية ولا يحترمون حتى الاتفاقيات التي وقعوها هم. مصلحتهم هي الأعلى وهي الحاكمة ولا يحترمون حتى ما يسمى بالمجتمع الدولي أو الإرادة الدولية، لا يهمها ماذا تقول الدول العربية أو تقول الدول الإسلامية أو تقول الدول الأوروبية حتى الأوروبية أو روسيا أو الصين أو أمريكا اللاتينية أو كندا أو أستراليا.
بالنسبة لهذا الكيان ما يعنيه بشكل أساسي هو الولايات المتحدة الأمريكية والموقف الأمريكي. هذا معلوم.
وبالتالي لعقود من الزمن الماضي كانت حكومات العدو المتعاقبة تحاول أن تهوّد القدس، أن تصادرها بكل الأبعاد، بشرياً وعلى مستوى السكن وعلى مستوى المقدسات وعلى كل صعيد.
لكن كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة أيضاً، تحت عنوان أنها هي راعية السلام وهي المشرفة على المفاوضات وهي المعنية بأن توازن بين دول المنطقة وإسرائيل وحلفاءها العرب وما شاكل، كانت أحيانا تسمح بحدود وأحياناً تمنع الخطوات الإسرائيلية في القدس.
مثلاً مسيرة تهجير الفلسطينيين من القدس رويداً رويداً، أحيانا تغض أمريكا النظر وتعطيهم كما يقال عندنا "قبة باط" تعود وتمنع وتتخذ موقفاً. كله كان يسير بهذا السياق.
في موضوع بناء المستعمرات أيضا رويداً رويداً، أحياناً تمنع، أحياناً تسهّل، وأحياناً تغض النظر في موضوع مصادرة بيوت وأملاك الفلسطينيين. نفس الأمر في موضوع الاقتراب تدريجياً من المسجد الأقصى.
فإذا الموقف الاميركي كان يشكل حاجزاً أو مانعاً بشكل أو بآخر دون الاندفاعة الإسرائيلية للهيمنة والسيطرة المطلقة وتنفيذ كامل البرنامج الصهيوني في القدس.
إذا التفتنا إلى هذه المقدمة نفهم خطورة القرار الأميركي الجديد، لأنه ماذا قال لهم ترامب؟ قال لهم هذه القدس كلها، غربية وشرقيها، هذه القدس لكم، هذه أرضكم، هذه عاصمتكم، هذه تخضع لسيادتكم. حسناً، الحاجز الأميركي التكتيكي الذي كان له علاقة بالدبلوماسية وبالإدارة السياسية للمفاوضات وبالتوازن ودوزنة المواقف بين الكيان الصهيوني والدول العربية والإسلامية، هذا كله سقط بالأمس بالضربة القاضية.
الآن حكومة العدو نتنياهو وجماعته، هم ليس هناك الآن حاجزاً أمامهم بعد هذا الموقف الأميركي، وهذا يدخلنا إلى بعض التفصيل للمخاطر، أبدأ تدريجياً وأصعد إلى أعلى:
أولاً: السكان الفلسطينيون في القدس الشرقية، ما هو مصيرهم بعد هذا القرار الاميركي، هل تفرض عليهم الجنسية الاسرائيلية؟ يعني يكون مصيرهم مثل فلسطينيي الـ 48؟ أم يتم تهجيرهم، أم أم أم، ما هو مصيرهم؟ إذا كان في السابق يوجد تحفظات حول تهجير الفلسطينيين من القدس، يعد هذه القرار الأبواب باتت مفتوحة.
ثانياً: ما هو مصير أملاك الفلسطينيين في القدس؟ في السابق كنا نشاهد على وسائل الإعلام مسرحيات إسرائيلية، يصادر (العدو) بيتاً هنا، وبيتاً هناك، يدمر بيتاً هنا وبيتاً هناك، تارة بحجة مخالفة القانون أو لا يوجد مستند قانوني أو إجازة بناء من البلدية، أو أو أو، الآن ما هو مصير هذه الأملاك، تُصادَر تُهدَم؟ الآن انتهى، لأنه من خلال السيادة لا يوجد مانع أميركي، والإسرائيلي سيتصرف بسيادة كاملة. إذاً املاك الفلسطينيين، بيوتهم، وممتلكاتهم، حقولهم أراضيهم في القدس (ما مصيرها؟).
ثالثاً: في السابق إذا كان (العدو) يبني مستوطنة 100 بيت أو 200 بيت، يعلو صوت الأوروبيين والأميركيين، يقولون لهم اسكتوا ولنصبر قليلاً، الآن سوف نشهد ظاهرة استيطان هائلة، وسريعة وبلا ضوابط وبلا حدود في داخل القدس الشرقية وفي كل محيط القدس.
رابعاً: ستتسع القدس أكثر باتجاه الضفة الغربية تحت عنوان القدس الكبرى، غداً كل ما يضم إلى القدس أصبح كالقدس! أصبح جزءاً من القدس الكبرى، وهذا يخرج من المفاوضات، هذا إذا بقي هناك مفاوضات، وعلى هذا الصعيد، يعني في موضوع السكان والأملاك والبيوت والمستعمرات والاستيطان، ما قام به الإسرائيليون منذ عقود سيقومون بما هو أعظم منه خلال فترة زمنية وجيزة جداً، وهذه هي الخطورة.
خامساً: وهنا أيضاً نكون نرتقي بالأهمية، مصير المقدسات الاسلامية والمسيحية.
حسناً، في السابق كان أنّ القدس في وضع خاص ومعترف فيه دولياً وإلخ...
الآن أين يوجد وضع خاص؟ السيادة على المقدسات الإسلامية والمسيحية بحسب الاعتراف الأميركي هي للإسرائيليين، وهم أحرار في أن يفعلوا ما يشاؤون، ونحن نسمع منذ البداية وفي السنوات القليلة الماضية، أصواتاً تتعالى أنه هذه هي الفرصة التاريخية لإعادة بناء الهيكل وتنفيذ النوايا الصهيونية على هذا الصعيد، يمكن بعد هذا الإعلان بصراحة أن نقول نعم، المقدسات الإسلامية والمسيحية في خطر شديد ويجب أن ندق ناقوس الخطر ولكن ما هو خطر أعظم وأدهى هو نفس المسجد الاقصى، الذي في يوم من الأيام، لا يستغرب أحد بعد الذي يحصل في العالم أن نستيقظ صباحاً ويقال لنا إنه كان يوجد حفريات تحت المسجد الأقصى ولا أحد يعرف ماذا حصل، قاموا بحفر نفق أو هدموا حائطاً فانهار المسجد ولا تؤاخذوننا يا جماعة، هذا يمكن أن يحصل في أي ليلة وفي أي لحظة، إذاً مصير المقدسات المسيحية والاسلامية خصوصا المسجد الأقصى (في خطر).
سادساً: مصير القضية الفلسطينية برمتها، يعني القدس هي قلب القضية الفلسطينية، هي مركز القضية الفلسطينية، محور القضية الفلسطينية، جوهر القضية الفلسطينية. عندما يتم إخراج القدس من هذه القضية، ماذا بقي؟ لم يبقَ شيء، اليوم ترامب ماذا يقول للفلسطينيين وللشعب الفلسطيني وللأمتين العربية والإسلامية والعالم: لم يعد هناك قضية فلسطينية، هذا الأمر انتهى، يوجد أناس فلسطينيون، بعضهم موجود داخل اسرائيل في تعبيره، بعضهم موجود خارجها، علينا أن نجد لهم حلاً، أين نسكنهم وماذا نعطيهم، أنأخذهم إلى الأردن أو إلى سيناء، نعطيهم حكماً ذاتياً؟ ماذا نفعل بهم في غزة، الموضوع بهذا الحجم، أما قضية فلسطينية وقلب وجوهر القضية الفلسطينية وهو القدس بالنسبة الى اميركا، أمس انتهى هذا الامر، وهذا حتى برسم الذين يؤمنون بالمفاوضات، فضلاً عن مصير الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، حسناً، أين يوجد بعد قدس عند الاميركي؟ لحتى انت تفاوض، يجمع الفلسطينيون بمعزل عن من يطالب من النهر إلى البحر أو يقبل بال 67 دائما أو يقبل بها مؤقتا، أن عاصمة دولتهم الفلسطينية أيا يكن حجمها يجب أن تكون القدس الشرقية. اليوم الاميركي شطب على هذا الأمر بشكل نهائي، إذا كان الأميركي الذي هو الراعي والضامن، يعني راعي المفاوضات وضامن الاتفاقات إذا حصلت، يقول لنا جميعاً وللفلسطينيين، القدس خارج المفاوضات، خلاص، هذا ليس موضوعاً قابلاً للمفاوضات، ولا للتفاوض ولا للحديث، نتحدث بشيء آخر، الذي يريد أن يتفاوض فلنتحدث بأشياء أخرى، ولكن لن نتحدث عن القدس، هذا ماذا يعني؟ بالنسبة للذين يعنيهم أمر المفاوضات وما يسمى بعملية السلام بكل وضوح وصراحة بعضهم قال هذا، بالأمس، أطلق ترامب الرصاصة الأخيرة على هذه العملية، بل قال البعض أصلا هي عملية ميتة ولكن ترامب كان لديه الجرأة للإعلان عن موتها، ولكن قد يكون هناك في العالم العربي من يصر على انها ما زالت على قيد الحياة.
أيضا من المخاطر، أختم بهذا البند، لمن هو خارج القدس، عندما تتجرأ أميركا على ما هو أعز عند الفلسطينيين وعند العرب والمسلمين والمسيحيين والعالمين العربي والاسلامي، وتأخذها وهو القدس، فإذاً ما هو مصير الضفة الغربية؟ وما هو مصير الجولان؟ مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وأي شيء آخر؟ عندما يتجرأ على ما هو أعز عندك وأقدس لديك ولا يخاف من شيء ولا يعمل حساب شيء على الإطلاق، فهو فيما هو لا يوازيها بالقداسة والأهمية والبعد الحضاري والوجداني والديني كيف يتصرف، ولذلك كل القضايا الأخرى التي هي موضع صراع مع العدو الاسرائيلي ستكون مهددة خصوصاً اذا تم السكوت عن هذا القرار الخطير.
هذه بعض المخاطر على عجالة، وإلا إذا تأملنا قليلاً، ويأخذ الشخص وقتاً أكثر، يعني 48 ساعة أو يومين ثلاثة، ويفكر مجموعة من الناس بالأمر، سوف نكتشف الكثير من المخاطر المترتبة على هذا القرار وخصوصاً إذا تم السكوت عليه، لأنه أبعد مما هو الصراع العربي الإسرائيلي. من أهم الخاطر هو الاستباحة الاميركية لكل شيء في العالم العربي والعالم الإسلامي، لأن الأمة التي تسكت عن اغتصاب القدس واقتطاعها من تاريخها وحضارتها وقلبها وعقلها وروحها ووجدانها هي أمة يمكن أن تتخلى عن أي شيء آخر له علاقة بالصراع العربي الإسرائيلي أو أي شيء تطمع فيه الإدارة الاميركية او تتطلع إليه.
ثانياً: في بعض الدلالات، يعني أمس ترامب وهو يعلن هذا القرار ويوقع بهذا المشهد وما رافقه وحوله وقبله ومعه بعض الدلالات، بحسب الظاهر بأن دول العالم كلها ترفض هذا القرار ولا تؤيده باختلاف اللهجة. بحسب الظاهر أيضاً أن جميع الدول العربية والإسلامية ترفض هذا القرار ولا تؤيده. حسناً، هذا معناه أن العالم ودول العالم كله تقول لترامب نحن نرفض هذا القرار وهذه الخطوة، بعضه يقول نرفض، بعضه يقول نأسف، بعضه يقول لا نؤيد، بعضه يشجب، بعضه يدين على اختلاف اللغة وأدبيات الموقف، فإذا به لا يصغي لأحد ولا يقبل من أحد، ولا يحترم أحداً، لا حلفاؤه الاوروبيين، ولا حلفاؤه بالعالم العربي والاسلامي، ولا ما يسمى بالمجتمع الدولي، إذا كل هذه الدول ليست مجتمع دولي، يعني من هو المجتمع الدولي؟ واشنطن؟ وتعرفون أن الأميركيين دائما، أحياناً يشنون حروباً على شعوب وعلى حكومات تحت عنوان أنها لا تحترم إرادة المجتمع الدولي، فأين احترامهم لإرادة المجتمع الدولي؟ أين احترامه للإرادة الدولية؟ أين احترامه لدول العالم؟ ما شهدناه بالأمس هو استهانة واستخفاف بكل دول العالم، بكل عواصم العالم، بكل حكومات العالم من أجل إسرائيل - نأتي لها بالأخير.
حسناً، هذا واحد. أيضاً هو يعرف والأميركيون في إدارته يعرفون، أن في هذا إهانة، ليس استهانة فقط، أن في هذا إهانة واعتداء على مشاعر مليار وأربعمائة أو خمسمائة مليون مسلم في الحد الأدنى في العالم، ومعهم مئات الملايين أيضاً من المسيحيين الذين لا يوافقون على هذه الخطوة ويشعرون بالإهانة وبالاستفزاز. حسناً، لا نريد أن نجمع الآن عدداً كبيراً، مئات الملايين من المسلمين والمسيحيين بالأمس شعروا بالإهانة أن المدينة المقدسة لديهم، أن المدينة التي تحتوي مقدساتهم وتحمل هويتهم الدينية والحضارية وتمثل تاريخهم الطويل والمجيد تم إعطاؤها هكذا لدولة صهيونية مصطنعة، ومصادرة كل هذا التاريخ وكل هذه القيم وكل هذه المعاني. إذاً نحن أمام رجل وأمام إدارة لا يعنيها لا كرامات ولا مشاعر ولا عواطف ولا وجدان ولا قيم مليارات أو مئات الملايين من الناس الذين يعيشون في هذه المنطقة وفي العالم.
أيضاً من الدلالات، وخصوصاً في قضية مقدسة من هذا النوع، من الدلالات، لأن هذا قيل أمس أيضاً من قبل حكومات ودول وسياسيين كبار حتى من قبل السلطة الفلسطينية وآخرين، أن ما فعله ترامب هو خرق للقرارات الدولية وللمواثيق الدولية وللاتفاقات الموقعة والتي تم رعايتها من قبل الأميركيين أنفسهم، هذا أيضا ًمن الدلالات، وهذا يعني أننا أمام إدارة أميركية لا تحترم القرارات الدولية وهي تريد من العالم أن يحترمها، ولا تلتزم بالاتفاقيات الدولية وتنسفها ساعة تشاء وتنسحب منها ساعة تشاء وتضربها بعرض الحائط ساعة تشاء، ثم تحارب دولاً وشعوباً وحكومات بحجة أنها خرجت على قرارات دولية أو مواثيق دولية. هذه أميركا التي تحاول اليوم أن تفرض نفسها على العالم، إذاً نحن أمام إدارة لا تشكل أي ضمانة، لا التزامها ولا عهودها ولا مواثيقها ولا اتفاقياتها ولا ضماناتها، ولا رعايتها ولا التزاماتها، كل ما تلتزم به إدارة أميركية قد تأتي إدارة أخرى أو يأتي رئيس آخر وفي ليلة وضحاها ينسف كل شيء ولا يحترم وليس لديه أي قيمة لما يسمى قرارات دولية واتفاقات أو مواثيق أو عهود أو عقود أو ما شاكل وهذا يعني أنه لم يعد هناك أمن وأمان في هذا العالم، أصبح العالم محكوماً بشريعة غاب وبأهواء الرجل الذي يسكن في البيت الأبيض.
من جملة الدلالات أيضاً، وهذه نقطة مهمة جداً، أنه ما هي قيمة حلفاء أميركا لأميركا؟ حلفاؤها في الدول العربية، حلفاؤها في الدول الإسلامية، هذه الدول العربية والدول الإسلامية أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية ودول كبيرة وعظيمة ومهمة، ماذا تعني للإدارة الأميركية؟ ماذا تعني لترامب؟ وفي قضية حساسة من هذا النوع؟ لا شيء، لا شيء. سمعنا قبل إعلانه للقرار أنه فلان الملك وفلان الأمير وفلان الرئيس وفلان الزعيم وفلان اتصل وحذر ونبّه ورفض وشجب، ألم يقال ذلك في وسائل الإعلام؟ هل أصغى لأحد؟ هل احترم أحداً؟ هل قدّر أحداً؟ يعني يجب على جميع حكام العرب والمسلمين وجميع الدول العربية والإسلامية وجميع الشعوب العربية والإسلامية أن تفهم جيداً من خلال هذه التجربة أنها لا تساوي شيئاً على الإطلاق بالنسبة للرئيس ترامب والإدارة الأميركية وأميركا، وفي قضية بهذا المستوى من القداسة وهذا المستوى من الحساسية، هذا يجب أن يبقى في البال. والذين نظّروا خلال السنوات الماضية للذهاب أبعد ما يمكن إلى الولايات المتحدة الأميركية بدعوى تراجع أهمية إسرائيل، تعرفون كان هناك نظريات بالعشر سنوات الماضية بأن إسرائيل تراجعت قيمتها عند الأمريكان وتراجعت أهميتها والأمريكان الآن أصبحوا يرون بعينين وليس بعين واحدة، ويراعون كل المصالح، تبيّن أن هذا كله كلام فارغ وأن كل ما عدا إسرائيل في المنطقة ليس له أي قيمة ولا يتم الوقوف لا عند خواطره ولا عند مشاريعه ولا عند مصالحه ولا عند تمنياته ولا حتى عند توسلاته وأن الأول في المنطقة بالنسبة لأمريكا هو إسرائيل والتي تقدم مصلحتها على كل المصالح وكرامتها على كل الكرامات وأمنها على كل الأمن وموقعها وقوتها على كل المواقع هي إسرائيل.
لذلك نحن أمام عدوان أميركي سافر على القدس وعلى أهلها وعلى مقدساتها وعلى هويتها الحضارية وعلى فلسطين وشعبها وقضيتها وعلى كل الأمة، حكومات وشعوب وتاريخ وحضارة، ونحن أمام ما قام به ترامب بالأمس، أمام منكر عظيم وظلم تاريخي كبير للمقدسات وللأمة وأمام استعلاء واستكبارٍ وعتوٍ قلّ نظيره مما يرتب على الجميع مسؤوليات في المواجهة.
ثالثاً: في الموقف: نحن أمام هذا العدوان الأميركي السافر على مقدساتنا، على مدينتنا المقدسة، على شعبنا الفلسطيني، على أمتنا العربية والإسلامية، على حضارتنا وتاريخنا، نحن معنيون لأن نتحمل المسؤولية.
حسناً، أيضاً في الموقف، هناك مقدمة يجب أن أقولها، بالأمس سمعنا وقبل الأمس محللين - الآن لا أقول مسؤولين - محللين إسرائيليين كبار كانوا قادة أمنيين وعسكريين وسياسيين وبعضهم صحافيون ولكنهم قريبون من رئيس حكومة العدو، ماذا قالوا؟ يعني مفيد نحن الأمة، الشعوب العربية، اللبنانيين، الفلسطينيين، كل شعوب المنطقة، نسمع هؤلاء ماذا قالوا. قالوا إن كل ما يقال عن ردات فعل أو مواقف أو تداعيات لقرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل بين هلالين ونقله للسفارة من تل أبيب إلى القدس ليس له قيمة، لن يحصل شيء في العالم العربي والإسلامي، لن يحصل شيء، لن تكون هناك ردات فعل، لأن - أيضاً انتبهوا لنفهم كل شيء حصل من 2011 لليوم - لأن الشعوب العربية والإسلامية نسيت فلسطين وتخلت عن فلسطين وتخلت عن القدس وعن الفلسطينيين وكل بلد مشغول بنفسه ولا أحد لديه الوقت ليتخذ موقفاً أو يقوم بردة فعل، هذا قالوه وبكل وقاحة قالوه، يعني ليست معلومات خاصة، هذه على التلفاز بوسائل الإعلام الإسرائيلية، وبالتأكيد هناك مراكز تقدير الموقف الأميركي والإسرائيلي لأنه هم قالوا إن هذا نوقش بشكل مباشر ومشترك، في مراكز تقدير الموقف، يمكن عندهم تقدير الموقف هو هذا ولذلك كان لديهم هذه الجرأة في اتخاذ هذا القرار الذي كما قلت يعبر عن استهانة خطيرة وكبيرة جداً للعالمين العربي والإسلامي وبكل المجتمع الدولي، وأنه ليس هناك شيء، وإذا أحد تكلم، هم متوقعون أنه لا أحد يتكلم، لا أحد لديه وقت ليتكلم، لا أحد له قابلية ليتكلم، لكن إذا تكلموا؟ يتكلمون ليوم أو يومين وثلاثة وهؤلاء الناس هكذا، يصرخون يومين ثلاثة وانتهى الموضوع ويعود كل شيء كما كان قبل إعلان قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، يعني نعود إلى ما كنا عليه قبل هذا الإعلان ولن يتغير شيء في المنطقة لا في فلسطين ولا في المنطقة ولا في العالمين العربي والإسلامي، هذا التقدير الأميركي الإسرائيلي والذي شجعهم وجرّأهم ودفعهم إلى القيام بهذه الخطوة المجنونة، هذا أيضاً يرتب أن المسؤوليات الملقاة على عاتق الجميع اليوم هي مسؤوليات عالية جداً.
حسناً، بالموقف، أنا بالحقيقة الذي أقترحه بعض الأمور لكن قسمتهم إلى قسمين:
القسم الأول، الاحتجاج: كل شيء عنوانه احتجاج وإدانة واستنكار وتنديد وشجب وإعلان رفض لهذا العدوان الأميركي السافر ولهذه الخطوة الخطيرة ومن جهة أخرى إعلان التضامن والتأييد والوقوف إلى جانب فلسطين وشعب فلسطين وقضية القدس وأنها تهمنا جميعاً وأنها مسؤوليتنا وأنها تعنينا من جهة أخرى، هذا العنوان مطلوب، هذا أضعف الإيمان، يعني ممكن أحد أن يقول يا أخي الآن ماذا نستفيد من الكلام، لا، يجب أن نتكلم، هذا أضعف الإيمان، لا يستهين أحد ولا يستخف أحد لا بالموقف ولا بالبيان ولا بالخطاب ولا بكل أشكال الشجب والاحتجاج التي سأتحدث عنها بعد قليل. هذا مطلوب طبعا مطلوب ما هو أكثر منهم ولكن إن لم يقم البعض بما هو أكثر فلا يسقط هذا الواجب الحقيقي الملقى على عاتقنا جميعاً. كل أشكال الاحتجاج والإدانة والاستنكار والشجب والتنديد يجب أن تسمعه الإدارة الأمريكية وأن يشعر به الكيان الغاصب على امتداد العالمين العربي والإسلامي بل على امتداد العالم.
إذا أخذنا بعض الأمثلة اليوم مثلا مواقع التواصل الاجتماعي واحد يجلس في منزله لن يطلق النار عليه كمن يطلق عليه النار من يتظاهر في داخل فلسطين، ولا ستمطر عليه الدنيا ولا شيء. أضعف شيء، أبسط شيء، كل من يعنيهم هذا الأمر كل إنسان حر وشريف في العالم وليس فقط في العالم العربي والإسلامي وعلى مدى أيام بل على مدى أسابيع إذا يوميا كل من يجلسون على مواقع التواصل الاجتماعي يدينون ترامب وما قام به ويؤكدون على أن القدس عاصمة أبدية لدولة فلسطين ويرفضون تهويد القدس وا وا وهذا التعبير عن هذا الموقف، نشر مئات ملايين التغريدات، مثلاً مئات ملايين المواقف على مواقع التواصل الاجتماعي وخلال أيام وخلال أسابيع هذا عندما ينعكس على الإدارة الأمريكية وعلى الكيان الصهيوني سيحول الفرحة إلى غم وسيدركون أنهم يواجهون رأياً عاماً كبيراً وعظيماً جداً، وهنا نحن ما الذي نفعله لا نزلنا تحت المطر ولا فتحنا صدرنا للرصاص، بكل بساطة، بكل بساطة، وهذا أقول من أضعف الإيمان ومن أقل الواجب. إن كل رجل، كل امرأة، كل شاب، كل صبية على امتداد العالمين العربي والإسلامي وعلى امتداد العالم فقط كل يوم يتخذ موقفاً ويعبر عن موقف على مواقع التواصل الاجتماعي.
هذه واحدة من الفرص التي توفرها اليوم مواقع التواصل ولا تستطيع إدارة المواقع أن تغلق حسابات عندما تجد مئات الملايين، عشرات الملايين بالحد الأدنى، هذا الأمر ممكن، نعم هذا الأمر متاح.
الليلة، غداً، خلال أيام، كل ساعة، هذا الأمر متاح ويجب أن يتصرف كل شاب وكل شابة وكل رجل وكل امرأة أن هذا واجب عليه وأن هذا أقل واجب عليه.
في هذه الأيام من أجل القدس إصدار البيانات والمواقف على امتداد العالم العربي والإسلامي، أشخاص، شخصيات، جهات معنوية، علماء، مفكرون، إعلاميون، نخب، مهن حرة، نقابات، مدارس، جامعات، مؤسسات، كل شيء، كل شيء، لدينا أطر، أحزاب، حركات، قوى سياسية، كل شيء، لدينا أطر ومؤسسات اجتماعية وثقافية وإعلامية وسياسية على مستوى العالم والعالمين العربي والإسلامي، يجب أن تصدر بيانات، ويجب أن تعبر عن موقفها، ولا يجوز لها أن تسكت، ولا يتعاطى أحد بأنه لا أنا إذا تحدثت هذا ماذا يقدم وماذا يؤخر؟ إذا تحدثت بمفردك، ربما إذا أنا تحدثت بمفردي ربما، لكن إذا تحدثنا جميعا وكلنا أدنّا، وكلنا احتججنا وكلنا شجبنا وكلنا رفضنا وكلنا أكدنا على الهوية الحضارية الحقيقية للقدس، فالأمر سيكون له قيمة عظيمة جداً وعالية جداً. إذاً البيانات المواقف عقد اللقاءات والاجتماعات والندوات والمؤتمرات والمهرجانات للتعبير عن الموقف.
إقامة الاعتصامات والتظاهرات، واليوم الشعب الفلسطيني من أمس قبل اليوم، هناك مواجهات وجرحى ولا اعلم أن كان هناك شهداء، عندما نتظاهر نحن وتتظاهر أنت ويتظاهر فلان وفلان وفي العالم العربي وفي العالم الإسلامي بل أيضا في عواصم العالم، الجاليات العربية والإسلامية، ينظر ترامب هكذا، ويقول أنا إلى أين دخلت، بأي زجاج بأي حائط؟ هؤلاء الذين قالوا لي لن يكون هناك أي ردة فعل في العالم. من قال بأن هذه التظاهرات التي إن خرجت وستخرج إن شاء الله في أماكن كثيرة أنها ليس لها رسالة؟ لها رسالة قوية في مواجهة العدوان ولها رسالة تضامن قوية للشعب الفلسطيني الذي يقف اليوم في خط الدفاع الأول عن القدس وعن المقدسات وعن فلسطين.
أيضاً من جملة أشكال الاحتجاج، لن نقول للدول العربية والإسلامية اقطعوا علاقاتكم مع أميركا، يوجد سقف كلام عالٍ، لن نتحدث بسقف مرتفع، سوف نتحدث بالمعقول وبالممكن.
بالحد الأدنى الدول العربية والإسلامية ـ جيد الجميع أصدر بيانات والجميع عبر عن رأيه ـ ويوجد خطوة شكلية ولكنها مهمة ومؤثرة أن يتم استدعاء السفراء الأميركيين في كل عواصم العالمين العربي والإسلامي حيث يوجد، والى وزارات الخارجية وإبلاغهم احتجاجاً رسمياً، وهذا يسجل ويدون، هذا للتاريخ وللحاضر وللمستقبل، هذا شكل من أشكال الاحتجاج السياسي والمعنوي والمؤثر.
وليس فقط إصدار بيان وانتهت الحكاية، كلا استدعِ السفير وأفهمه أن رئيسك وإدارتك أقدمت على عمل خطير وعلى ظلم كبير وعلى إهانة عظيمة ووضعت المنطقة أمام مخاطر ليست معلومة النتائج وأمام تداعيات. أنتم إاستهنتم بهذه التداعيات، هذا شكل من أشكال الاحتجاج.
هذه بعض العناوين، لكن العنوان العريض دعونا نسميه: كلنا مسؤولون ألا نسكت. أعيد واقول لماذا؟ لأنه سيخرج اليوم أيضا في العالم العربي والاسلامي من يُنّظر ويقول "يا اخي شو في بينفع الحكي" ماذا ينفع في تغريدة التويتر وفي البيان والاعتصام والمظاهرة والندوة واستدعاء السفير. كلا، هذا كله مطلوب على كل حال، وهو ينفع بالتأكيد، هو ينفع طبعاً، ليس حاسماً صح، ولكنه مفيد ومهم ومؤثر معنوياً في جبهة الصديق وأيضاً معنوياً في جبهة العدو.
العنوان الثاني الذي هو إجراءات وتدابير لتحصين الموقف وللضغط على الإدارة الأميركية للتراجع عن هذا القرار ولتجميد هذا القرار، ولا يقولنّ أحد أن هذا مستحيل، لا يوجد مستحيل عند الاميركيين، الاميركيون يعملون لمصالحهم، الاميركيون برغماتيون تهمهم مصالحهم، أحياناً تسبّهم وتشتمهم وأيضاً تقاتلهم وفي الآخر "يفتحون معك خط" ليعملوا معك تسويات في حال كنت قوياً وإذا كنت محترماً، يتهمونك بالإرهاب ويفتشون عن خطوط ليفتحوا ويتكلموا معك ويبعثوا لك الرسائل ويتفاوضوا معك.
الدليل انه هناك الكثير من القرارات أخذوها والاتفاقات وقعوها وانسحبوا منها وخرجوا منها عندما اقتضت مصالحهم شيئاً آخر.
وأيضاُ للضغط على الكيان الإسرائيلي حتى لا يندفع في اتجاه ترتيب الآثار على هذا القرار الذي اسمه عاصمة إسرائيل الأبدية سواء فيما يعني السكان أو فيما يعني الأملاك أو فيما يعني المقدسات أو فيما يعني الاستيطان وما شاكل.
بالإجراءات والتدابير أيضاً لن نأتي ونقول أن تقطعوا العلاقات مع اميركا "يا ريت" لكن بالحد الأدنى الموضوع الإسرائيلي.
ترامب ماذا قال؟ قال هذه الخطوة هي في مصلحة إسرائيل، يجب أن تثبتوا له أنها ضد مصلحة إسرائيل التي تحرص عليها أنت.
قال إن هذا من مصلحة عملية السلام بين هلالين، يجب أن تثبتوا له أن هذا نقيض مصلحة عملية السلام ويجب أن نضغط ليتم التراجع عن هذا القرار.
ما هي الإجراءات والتدابير وتحصين وضغط وأيضاً استفادة من تحويل التهديد إلى فرصة؟ وقف كل الاتصالات مع العدو الاسرائيلي سواء من قبل فلسطينيين أو من قبل دول عربية أو دول إسلامية، السرية والعلانية، تحت الطاولة وفوق الطاولة. أما إذا استمرت هذه الاتصالات علناً أو سراً يعني ماذا نقول لترامب وماذا نقول لنتانياهو؟ نقول خذوا القدس وحبة مسك أيضاً.
قطع العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل وإغلاق السفارات وطرد السفراء، هذا أضعف الإيمان، هذه القدس، يعني هذا آخر الخط، هذا آخر شيء كان يمكن أن يتوقعه العالمان العربي والإسلامي.
وقف كل خطوات التطبيع التي بدأت في أكثر من بلد عربي وإسلامي وخليجي، بالتحديد بمواقع التواصل وبالزيارات وباللقاءات وبوسائل إعلام، هذا كله يجب أن يتوقف.
وأي شكل وأي خطوة من خطوات التطبيع اليوم هي أعظم خيانة للقدس بعد الذي حصل بالأمس.
إحياء جميع قنوات المقاطعة العربية والتشدد في تنفيذها في لبنان وفي غير لبنان، هذا التساهل فلان ذاهب الى فلسطين المحتلة، فلان يريد أن يقوم بتصوير فيلم، وفلان التقى مع صحافيين إسرائيليين، هذا كله يجب أن يعاد التشدد فيه على مستوى كل العالم العربي والإسلامي.
من جملة الاقتراحات المهمة جداً إعلان فلسطيني وعربي عن انتهاء المفاوضات لمن يؤمن بالمفاوضات حتى التراجع عن القرار، لأن ترامب ماذا يقول؟ يقول إن هذا يخدم عملية السلام يعني أنت ماذا فعلت؟ أنت فجرت عملية السلام، يجب أن يقال له أنت أنهيت، أعدمت، قتلت عملية السلام. نحن لا نؤمن بهذا الطريق أصلاً لكن أتكلم بالخيارات المتاحة للجميع، عندما يقال لترامب لا عودة لطاولة مفاوضات دون التراجع عن قرار اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، بالأصل كم هي المدة التي هي المفاوضات مجمدة فيها؟ تبقى مجمدة وتلغى أصلاً سنة واثنين وثلاثة واربعة وخمسة.
لأن ما يتطلع اليه ترامب أننا انتهينا من القدس، تعالوا يا شباب لنكمل المفاوضات ونقبل بحل الدولتين، إذا قبل بها الطرفان أيضاً.
يجب، وهذا أعتقد من المواقف المطلوبة والممكنة، هنا لا نتكلم عن قطع علاقات مع أميركا، هنا نتكلم عن موقف طبيعي جداً جداً جداً، وفي حال لم يؤخذ هذا الموقف يعني على القدس السلام، يعني أن يأتي الفلسطينيين والعرب ويقولون: انتهى، لا يوجد مفاوضات، انتهت المفاوضات، إذا أردت أن نعود الى المفاوضات يجب أن ترجع عن قرارك يا ترامب باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل.
أيضاً من الخطوات الممكنة والقوية برأيي طالما أنه يوجد اجتماع لوزراء الخارجية العرب يوم السبت، المطالبة بعقد قمة عربية، ويوجد قمة تعاون إسلامي دعت اليها تركيا باعتبارها هي رئيسة منظمة التعاون الإسلامي، الاقتراح على هاتين القمتين أو المؤسستين ما يلي: أن يصدر قرار واضح وملزم لجميع أعضاء الجامعة العربية وأعضاء منظمة التعاون الاسلامي يعتبر القدس عاصمة أبدية لدولة فلسطين وليست قابلة للتفاوض فضلاً عن التنازل، أي تفاوض سيحدث لاحقاً القدس ليست على جدول أعماله، هذا يجعله يعيد النظر ويرجع بقراره.
من جملة التداعيات المهمة جداً هو ما دعا إليه بالأمس أيضاً قادة كبار فلسطينيون، نحن نؤيد هذه الدعوة، الدعوة إلى انتفاضة فلسطينية جديدة، الذي يفترض أن الشعب الفلسطيني تعب وخلص لا يسأل لا عن قدس ولا عن ضفة غربية ولا دولة فلسطينية ولا مستقبل ويقبل بالفتات كما يتوقع ترامب. الانتفاضة الفلسطينية الجديدة وتصعيد عمل المقاومة ضمن ما يراه الفلسطينيون أنفسهم داخل فلسطين هو أكبر وأهم وأخطر رد على القرار الاميركي.
لكن هنا نحن لا نريد أن نلقي التبعات فقط على الفلسطينيين، وإنما أريد أن أضيف وأن يقدم العالم العربي والإسلامي كامل الدعم المعنوي والسياسي والمالي والمادي والتسليحي لشعب فلسطين في انتفاضته الجديدة اذا قرر هذا الشعب أن
يقوم بهذه الانتفاضة. لن يترك الشعب الفلسطيني لوحده ليدافع عن القدس، ولن يقف العالم العربي والإسلامي كله.
اليوم في نفس الوقت الذي كان يعلن فيه ترامب عن هذا القرار، في نفس اليوم كان مجلس النواب الأميركي وبالإجماع يأخذ قراراً أو كان يوافق على مسودة قرار تقول بوقف المساعدات للسلطة الفلسطينية لأنها تقدم تمويلاً لعائلات الشهداء ـ أنا من يقول الشهداء ـ أو لعائلات محكومين من قبل القضاء الإسرائيلي.
هذا يرتب مسؤوليات على كل الدول العربية والإسلامية، الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في انتفاضته، عدم التخلي عنه وعدم طعنه في الظهر، وعدم خيانته في الحد الأدنى، وعدم بيعه في سوق النخاسة السياسية، أكبر رد وأهم رد يمكن أن يكون هو انتفاضة فلسطينية جديدة، وقمة إسلامية تقرر أن القدس عاصمة أبدية لدولة فلسطين غير قابلة للتفاوض والتنازل.
التوحد حول خيار المقاومة وتقديم كل الدعم لهذا الخيار، هذا يجب أن يراه أيضاً الأميركي والإسرائيلي.
أنا أعتقد أن هذه بعض الاقتراحات، وأنا أعتقد أن القيام بخطوات من هذا النوع بالتأكيد سوف تجعل ترامب يندم، وبالتأكيد ستجعل إدارته تندم، وتعيد النظر في نهاية المطاف أو تجمد مفاعيل وتداعيات الديبلوماسية والسياسية وغيرها لهذا القرار، وإن كان المطلوب ليس تجميد المفاعيل وإنما إلغاء القرار، وصد هذا العدوان وإحباط هذا العدوان وإفشال أهداف هذا العدوان.
طبعاً في هذه المناسبة التي تشعر فيها الأمة كلها بهذا العدوان السافر والظلم الكبير، ايضاً يجب أن لا يفوتنا أن نوجه دعوةً حريصة جداً إلى جميع الحكومات وإلى جميع الدول وإلى جميع القوى وإلى جميع الأطراف في العالمين العربي والإسلامي، إلى وقف الحروب ووقف التقاتل ووقف الصراعات الداخلية، وقف الحرب على اليمن ووقف القتال في سوريا وفي ليبيا، الآن في العراق قد انتهى، في كل الأماكن والبحث عن حلول سياسية وعن معالجات سياسية.
الصراعات التي عُمل على تشديدها في السنوات القليلة الماضية، خصوصاً في السنوات الماضية، على أكثر من محور وعلى أكثر من صعيد وبين أكثر من دولة عربية وإسلامية، البحث عن مخارج والبحث عن حلول والبحث عن التلاقي، لأن مقدساتكم، لأن قدسكم، لأن قضيتكم المركزية هي في خطر شديد أمام هذا الإجراء، الذي لا نعرف ما هي الإجراءات التي ستتبعه أيضاً.
في لبنان، أيها الإخوة في نهاية الكلام، نحن جميعاً لأن هذه الحمد لله هذه نقطة إجماع في لبنان، ولا أعتقد أنه يوجد أحد يخالف، وكونها نقطة إجماع وطني. يعني بالأمس وبشكل مبكر سواء فخامة رئيس الجمهورية أخذ موقفاً واضحاً وكبيراً وقوياً، دولة رئيس مجلس النواب ودولة رئيس الحكومة، مجلس النواب كما عرفنا أيضاً سوف يجتمع غداً في جلسة استثنائية لهذا الموضوع، والمواقف السياسية لمختلف القوى السياسية في لبنان.
إذاً هذه نقطة إجماع وليست نقطة خلاف، ولا نقطة للنأي بالنفس، ولا تدخّل في الشؤون الداخلية، هذا شأن يعني كل لبنان وكل عربي وكل مسلم وكل مسيحي وكل شريف وكل حر لأن هذه قضية عدالة وقضية إنسانية وقضية مقدسات وقضية حضارية، فجميعنا معنيون أولاً بالمواكبة لهذا الحدث التاريخي وتطوراته، حتى كل واحد يتحمل مسؤوليته، ومعنيون كلٌ من موقعه بالشكل الذي يراه مناسباً للقيام بالفعاليات التي تُعبر عن احتجاجه وعن تضامنه، سواء كانت اعتصامات، الآن هنا طلاب الجامعات والمدراس والنقابات والمهن والجمعيات والأحزاب والقوى السياسية والعلماء والندوات واللقاءات والمؤتمرات، يعني لا يجوز أن يقتصر الأمر على بيان أو على خطوة شعبية معينة وكفانا المولى، كلا، نحن أمام مواجهة حقيقية وأمام حدث تاريخي خطير جداً وأمام عدوان أميركي كبير جداً، يجب أن نتصرف بهذا المستوى ومن جملتها طبعاً التظاهر في أكثر من مدينة وفي أكثر من مكان وفي أكثر من يوم وفي أكثر من مناسبة، وفي هذا السياق، أنا أدعو الجميع، نحن الآن من طرفنا ندعو إلى تظاهرة شعبية كبرى للاحتجاج وللتنديد بهذا العدوان الأميركي والقرار الأميركي العدواني والظالم، وأيضاً للتعبير عن تضامننا مع الشعب الفلسطيني ومع المقدسات الإسلامية والمسيحية ومع مدينتنا المقدسة وقضيتنا المقدسة يوم الإثنين، كان باستطاعتنا أن نعملها غداً، لكن نحن حريصون على أكبر حضور، لأن اليوم الأميركي والإسرائيلي أيضاً يريدون أن ينظروا إلى الفعل وإلى حجم الفعل وإلى حجم الحضور.
يقولون لك الآن سوف ينزلون عشرة أو مئتين أو ألف على الشارع، ما هي القصة؟ أنت تتكلم عن مئات ملايين، أين التعبير عن الموقف؟ الآن نحن بالذي علينا، يوم الإثنين بعد الظهر إن شاء الله في المكان وفي الساعة التي تُحدد من خلال الدعوة، الآن 3 أو 3 ونص هم الإخوان يحددون الدعوة، انا أدعو الجميع هنا سوف تكون مظاهرة في الضاحية الجنوبية، كتظاهرة أولى وسوف نرى لاحقاً في أماكن أخرى ماذا سوف ندرس نحن وبقية الأصدقاء والحلفاء والمعنيين، في الضاحية الجنوبية في يوم الإثنين بعد الظهر إن شاء الله أدعو الجميع، الرجال والنساء والصغار والكبار، وأهلنا في الضاحية وفي بيروت وفي المحيط ولكل من يرغب أن يأتي من أي مكان في لبنان، وأيضاً أهلنا في المخيمات الفلسطينية إخواننا وأهلنا وحبايبنا، أدعو الجميع إلى الحضور في هذه التظاهرة تحت عنوان الدفاع عن القدس والدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية والتضامن مع الشعب الفلسطيني، مع الانتفاضة الفلسطينية ومع المقاومة الفلسطينية، وللتعبير عن الرفض والشجب والاستنكار والتنديد لهذه الجرأة ولهذا الاستكبار والاستهتار والعلو والعنجهية الأميركية التي عبر عنها بالأمس ترامب في قراره العدواني باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، هذا طبعاً أضعف الإيمان وبداية خطوات يجب أن تتراكم ويجب أن تتواصل في هذه المواجهة.
هنا اود أن أختم بتوجيه التحية إلى الشعب الفلسطيني سواء في الداخل أو في مخيمات الخارج في الشتات، ولكن بالخصوص إلى أولئك الذين نزلوا في الأمس ونزلوا اليوم، سوف نراهم في الميادين وفي الساحات، رجال ونساء وشباب وصبايا، صغار وكبار، وهم يعلمون ويجب أن ينتبه كل العالم العربي والإسلامي أن الشعب الفلسطيني اليوم داخل فلسطين هو خط الدفاع الأول، هو الذي يواجه بصدره في الدرجة الأولى الرصاص والقنابل المسيلة للدموع والمخاطر والاعتقال والتعذيب والضرب والإهانة والشدائد والصعوبات، يجب أن نقف جميعاً إلى جانب هذا الشعب ، يجب أن نكبر جهاده ونكبر تضحياته، ليس مثل ما كان يحاول البعض في الأسابيع الماضية تجاه الفلسطينيين، أن نحيي انتفاضته ووقفته وشجاعته وأن نراهن عليه وأن ندعمه وأن نقف إلى جانبه إلى الآخر.
اسمحوا لي في الختام، أن أقول على طريقتنا أيضاً وعلى فهمنا وعلى ثقافتنا القرآنية "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم".
نحن أمة ونحن شعوب لدينا القدرة على تحويل التهديد إلى فرصة، وعلى تحويل الخطر إلى إنجاز، وعلى ما يبدو في الظاهر هزيمة وانتصار للعدو أن نقلب المشهد ليصبح انتصاراً لأمتنا وهزيمة لأعدائها، لكن هذا يحتاج إلى إرادة ويحتاج إلى عمل ويحتاج إلى حضور، وكل ما قام به العدو منذ البدايات إلى الآن كانت مجرد أعمال حمقاء تنقلب عليه وتؤدي إلى عكس أهدافه، لكن كله كان بفعل الثبات والصمود والتضحيات والصبر والتحمل والوفاء وأداء الأمانة وعدم الخيانة وعدم الطعن في الظهر.
اليوم ما قام به ترامب هو تهديد كبير يستطيع الفلسطينيون وشعوب أمتنا العربية والإسلامية وكل شرفاء العالم أن يحولوه من أكبر تهديد إلى أعظم فرصة يمكن أن تحقق لشعوبنا ولمقدساتنا ولأمتنا مصالحها الكبرى.
قرار دونالد ترامب بشأن القدس الشريف إهانة مخزية للقادة العرب والمسلمين
ظهر سيد البيت الأبيض يوم الأربعاء الموافق 6 كانون الأول/ ديسمبر 2017، مزهوّاً بصلاحياته السياسية والإدارية من داخل البيت الأبيض هو ونائبه السيد مايك بينيس، ليلقي على العالم بضع كلمات مسمومة اعتاد أن يرددها بهوس على جمهوره وأتباعه في داخل الولايات المتحدة الأميركية وعلى مجتمع النخبة السياسية في عالمينا العربي والإسلامي للأسف. وقال إنه جاء إلى البيت الأبيض ليصحح مسار قرارٍ اتخذه الكونغرس الأميركي بتاريخ 23 تشرين الأول/ أكتوبر 199 بشأن نقل سفارته من تل أبيب العاصمة السياسية للكيان الصهيوني للدولة العبرية الصهيونية إلى مدينة القدس الشريف التي اعتبرها ترامب عاصمةً فعلية واقعية للكيان الإسرائيلي، وردد أكثر من مرة نقده اللاذع للرؤساء الأميركيين الذين سبقوه ولم يستطيعوا تنفيذ القرار منذ ذلك الحين وحتى اليوم، في حين أنهُ -أي ترامب- هو الرئيس الشجاع الذي نفّذ ذلك القرار السيئ السمعة والأثر ليس على مستوى أهلنا بفلسطين وحدهم، وإنما على مستوى العالم.
صحيح أن القرار المُتّخذ من أكبر راعٍ و داعم للدولة الصهيونية في العالم و "وسيط السلام"!!! ينطبق عليه القول إنه "وعد من لا يملك لمن لا يستحق"، مثله مثل وعد "بلفور" وزير خارجية بريطانيا عام 1917 تماماً، مع اختلاف الأزمنة والظروف والحلفاء والأفرقاء وغيرها، ذلك القرار الذي أجمع ساسة العالم على نقده وإدانته وعدم الاعتراف به، بمن فيهم القادة العرب والمسلمون الذين احتضنتهم مدينة الرياض تحت سقف واحد مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أيار/ مايو 2017، وهم القادة الذين احتفوا به وأكرموه إكرام الباذخ السخي في عطائه، وعاد إلى واشنطن عبر تل أبيب ومعه صفقة القرن التي أُعلن عنها يوم ذاك -أنها تجاوزت الـ 600 مليار دولار- وهي عبارة عن عقود لشراء الأسلحة وأمور أُخرى.
لكن السؤال الأبرز الذي رَدّدهُ مواطنو العالم الإسلامي والعربي:
مقابل ماذا يتم الدفع بسخاء لرجلٍ مهووس، أتى من شريحةٍ ناخبةٍ أميركية شعبوية عنصريةٍ تكره وتحتقر المُخالف لهم لوناً وديناً وسلوكاً، وعلى رأس من يكرهون هم المسلمون بكل أطيافهم؟!
أم أنهم دفعوا له حفاظاً على عروشهم؟
أو من أجل صفقة القرن كما يرددون، وهي تصفية القضية المركزية للشعوب الإسلامية كافة، وهي قضية فلسطين العزيزة؟
السيد دونالد ترامب رجل أعمال ناجح جداً ويكفي أنه من شريحة المليارديرات في أميركا، والمتابع لسيرته غير العطرة يجده إنساناً مغامراً تناسبه الصفقات التجارية، وحياته مليئة بالمجون والترف الفاضح، ومنتجعاته الفارهة تؤوي لياليه الحمراء، وهذه حال الأثرياء في العالم إلّا فيما ندر. لكن أن يجمع كل زعماء المسلمين تقريباً تحت خيمة واحدة ويكافئهم بصفعة مدوّية في وجوههم، بالقرار الذي أصدره يوم الأربعاء الأسود حول قدسنا الشريف، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسولنا الأعظم محمد عليه الصلاة والسلام، فهذا شيء مُختلف عن كل الصفعات الماضية وعن كل الإهانات التي وجّهها لهم سابقاً، وهي إهانة لا سابق لها يوجّهها لهم أمام شعوبهم أولاً، وأمام شعوب العالم قاطبةً.. إنها "إهانة القرن" بكل تفاصيل المشهد.
صحيح أن هناك بوناً شاسعاً بين الشعوب الإسلامية العظيمة وتلك النخب السياسية الفاسدة التي تساقطت وتناثرت أمام "جبروت" رجل الكاوبوي الأميركي وغطرسته عليهم في مدينة الرياض والذي لم يكن لهم أدنى مراتب الاحترام حينما ودّعهم بالجملة واتجه مباشرةً من مطار الرياض الدولي إلى مطار بن جوريون في تل أبيب عاصمة الكيان الصهيوني، ولسان حاله يقول أيها القادة العرب والمسلمون السُذَّج، إنني أهنتكم في أرض الحرمين الشريفين وأخذت ملياراتكم، وبينما علّمتم ابنتي الحلوة ماري إفانكا ترامب شُرب القهوة العربية على يد أحد أمرائكم، علمتكم معنى الطاعة والإذعان للسيد الأميركي؛ لكنني في الوقت ذاته لم ولن أغيّر قناعاتي كأميركي متصهين تجاه حماية إسرائيل وشعبها المقدس.
اليوم الرئيس دونالد ترامب يقول في تصريحه المقتضب قُبيل توقيعه على قرار نقل السفارة، إنني تشاورت يا مسلمي العالم مع (زعيمتكم السعودية) وقد أعطت الضوء الأخضر لقرار نقل السفارة والبدء بتنفيذ فصول "صفقة القرن" أي تصفية القضية الفلسطينية برُمّتها.
إذاً ماذا بعد كل ما سُرد وما حُكي عن تلك المؤامرة القذرة التي حاكها عددٌ من شيوخ دول مجلس التعاون الخليجيّ وأمرائها ضد شعوبنا وأقطارنا العربية، الذين يردّدون في كل نشرة إخبارية من امبراطوريات إعلامهم:
- أنَّ العدو الإسرائيلي لم يعد عدواً، وأنَّ العدو قد أصبح إيران "الرافضية".
- وأنَّ العداء لم يعد عداءً بين المسلمين والفكر الصهيوني المغتصب لفلسطين؛ بل أن العداء قد تحوّل إلى عداءٍ بين مذهبي السنّة والشيعة.
- وأنَّ قتال العدوّ الإسرائيليّ حرامٌ، لكنَّ قتال الروافض - (من شيعة لبنان والعراق وسوريا وزيود اليمن "الروافض")- حلالٌ أجازته كتب الفرقة الوهابية المتطرفة ومراجعها .
- وأن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أصبحت إرهابيةً، إلى آخر ذلك من تُرّهات علماء الفرقة الوهابية الإرهابية.
إذاً لم يتبقّ شيء يتجاوز حدود العقل والمنطق، سوى القول للأجيال إن الشمس تشرق من الغرب ولا تصدقوا حركة الأرض ودورانها! هذه هي المعجزات التي يطلّ بها علينا منظّرو ومفكرو وساسة دول مجلس التعاون الخليجيّ ومرتزقتهم، التي كنا نردد ذات يوم في مدارسنا حينما كنا تلاميذ، أنها دول رجعية متخلّفة عميلة للاستعمار الغربي، أو أنها ذيل للولايات المتحدة الأميركية. ألم يَكشف الأرشيف الأميركي أن التآمر على المصالح العربية قد بدأ منذُ تأسيس الدولة السعودية الثالثة، أي في عهد مؤسس الدولة السعودية السلطان عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، حينما كتب بخط يده أنه يتنازل عن فلسطين لليهود المساكين!!!، وتبعه نجله الملك فيصل بن عبدالعزيز ملك السعودية حينما وجّه رسالة إلى الرئيس الأميركي ليندون جونسون قبيل نكسة حزيران/ يونيو 1967، يطالبه فيها بأن يساعد دولة الكيان الصهيوني للانقضاض العسكري الخاطف على جمهورية مصر في عهد الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، والجمهورية العربية السورية، والجمهورية اللبنانية، والمملكة الأردنية الهاشمية، وأن تكون حرباً خاطفة لاحتلال أجزاء من كل هذه الأقطار، أي من دول الطوق.
إذاً لماذا نستغرب ما حدث بالأمس من قبل المؤسسين الأوائل، ألا نتذكر معاً وجمهور المتابعين للشأن العام وعبر القنوات الفضائية، أن حركة التطبيع السريع قادها سموّ الأمير تركي الفيصل آل سعود، رئيس جهاز المخابرات السعودي السابق وسفير المملكة لدى واشنطن سابقاً، وكذلك الجنرال أنور عشقي، المُكلّف بملف التطبيع مع الكيان الصهيوني، وربما هناك مساعدون آخرون من أمراء ورجال دين يقومون بهذه المهمة القذرة.
هذه هي السيرة المعلنة للمملكة السعودية، وما خفي كان أعظم! إنه التاريخ الذي يوثّق و لا يرحم؛ والله أعلم منّا جميعًا.
د. عبد العزيز بن حبتور