Super User

Super User

أعلن الجيش المصري، فجر اليوم السبت، مقتل بعض منفذي الهجوم الإرهابي على مسجد بشمال سيناء شمال شرقي مصر، وتدمير سياراتهم عبر قصف جوي.

جاء ذلك بحسب بيان للمتحدث باسم الجيش المصري، العقيد تامر الرفاعي، في أول تعليق من القوات المسلحة على الهجوم الذي استهدف مسجد الروضة بمركز بئر العبد غربي العريش، بمحافظة شمال سيناء، أثناء صلاة الجمعة، وأسفر عن مقتل 235 شخصا وإصابة 109 آخرين، بحسب آخر إحصائية أعلنها التلفزيون الحكومي.

وأوضح الرفاعي، في البيان ذاته أن "القوات الجوية قامت بمطاردة العناصر الإرهابية واكتشاف وتدمير عدد (لم يحدده) من العربات المنفذة للهجوم الإرهابى الغاشم وقتل من بداخلها (لم يذكر عددهم) فى محيط منطقة الحدث".

وأضاف أنه "تم استهداف عدد من البؤر الإرهابية التى تحتوى على أسلحة وذخائر (..) بينما تقوم قوات إنفاذ القانون بشمال سيناء بالتعاون مع القوات الجوية بتمشيط بؤرا إرهابية أخرى".

وحتى الساعة لم تعلن أية جهة مسؤوليتها عن الهجوم الإرهابي المسلح الذي يعد الأضخم والأكثر دموية في تاريخ مصر الحديث، فيما أعلنت الرئاسة الحداد لمدة ثلاثة أيام في جميع أنحاء البلاد بدءا من أمس الجمعة.

ووفق مصادر متطابقة، تعرض المسجد لهجوم مزدوج عبر تفجير عبوات ناسفة خارجه، وإطلاق مسلحين النيران على المصلين داخله.

ويأتي الهجوم على المسجد بعد هدوء نسبي للعمليات المسلحة شمال سيناء ضد قوات الجيش والشرطة، ويعتبر تغييرا نوعيا غير مسبوق يتمثل في استهداف مسجد لاول مرة منذ انطلاق العمليات العسكرية ضد العناصر المسلحة بسيناء في العام 2013.

هل ولد الامام المهدی

 

تمهيـد
الحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

قال الله عزوجل في كتابه الكريم: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ1 بحثنا إن شاء الله تعالى في هذه المحاضرة يدور حول الامام المهدي، والبحث عن فكرة الامام المهدي ذات جوانب وجهات متعدّدة، وانتخبت لكم الحديث عن واحد من تلك الجوانب، وهو جانب ولادة الامام المهدی، لأقوم في محاضرتي هذه بإثبات الولادة ونفي التشكيك عن ذلك.

التشكيك في فكرة الإمام المهدي عليه السلام

التشكيك في فكرة الامام المهدي صلوات الله عليه يمكن إبرازه في بعدين:

البعد الاول :التشكيك في الفكرة من الاساس، فالامام المهدي سلام الله عليه لم يولد ولا يولد ويرفض القول بأنّه سوف يظهر في آخر الزمان رجل يتم إصلاح العالم على يديه، مثل هذا الشخص لم يولد ولا يولد ولا تتحقق مثل هذه الفكرة، هذا بُعد من التشكيك في فكرة الامام المهدي.

البعد الثاني: أن يسلّم بفكرة الامام المهدي صلوات الله وسلامه عليه في الجملة، ولكن يدّعى أنّ هذه الفكرة بعد لم تولد، وإنّما تولد فيما بعد، فشخص بعنوان الامام المهدي لم يتحقق بعد، وإذا كان هناك مصلح يتحقق على يديه إزالة الظلم فذلك يتحقق ويولد فيما بعد.

البعد الاوّل: التشكيك في أصل الفكرة
إذا لاحظنا البُعد الاوّل من التشكيك، أي: التشكيك في الفكرة من الاساس، فبالامكان أن نجد المسلمين متفقين تقريباً على بطلان مثل ذلك، فالامامية وغيرهم قد اتفقت كلمتهم على أنّه سيظهر في آخر الزمان رجلٌ يتم إصلاح العالم على يده المباركة، وقد دلّت على ذلك آيات كثيرة، كما دلّت على ذلك مجموعة كبيرة من الروايات.

الاستدلال بالايات في بطلان التشكيك
أمّا الايات فأتمكن أن أقول هي بين خمس إلى ست، طبيعي الايات التي لا تحتاج إلى تفسير من قبل أهل البيت سلام الله عليهم والتي هي ظاهرة بنفسها، وواحدة من تلك الايات ما تلوته على مسامعكم الشريفة: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بأَفْواهِهِمْ﴾، نور الله هو الاسلام ﴿وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ﴾، هذا إخبار من الله عزوجل بأنّ نوره سوف يتمّه على جميع الكرة الارضية، ومصداق ذلك لم يتحقق بعد، وحيث أنّه لا يحتمل في حقه سبحانه عز وجل الاخبار على خلاف الواقع، فلابد وأنّ إتمام النور سوف يتحقق يوماً من الايام، ولا يحتمل تحقّقه إلاّ على يد هذا المصلح وهو الامام صلوات الله عليه، هذه الاية بنفسها ظاهرة بلا حاجة الى تفسير روائي.

ومن هذا القبيل قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذّكْرِ أنَّ الارْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُون2 ، المقصود من الارض جميع الارض، ولحدّ الان لم يرث جميع الارض العباد الصالحون، ولابدّ وأن يتحقق هذا فيما بعد في المستقبل، ولا يحتمل تحققه إلاّ على يد الامام المهدي صلوات الله وسلامه عليه.

هاتان الايتان وغيرهما من الايات ـ طبيعي أنا لا أريد أن أقف عند هذا البعد من التشكيك، وإنّما أريد أن أمرّ عليه مرّ الكرام كتمهيد إلى البعد الثاني الذي هو أساس بحثي ـ ولكن أعود لاؤكد لكم من جديد أنّ هذه الايات لا تدلّ على أنّ هذا الشخص قد ولد الان وهو موجود الان وغائب عن أعيننا الان، هذه تدل على أنّه سوف يتحقق هذا الحلم وهذه الامنية في يوم من الايام، الارض يرثها العباد الصالحون ـ جميع الارض ـ ومن الممكن أنّ الامام لم يولد بعد وسوف يولد في المستقبل، وتتحقق هذه الامنية على يده في المستقبل من دون أن يكون مولوداً الان، فمثل هذه الايات لا تثبت ولادة الامام وأنّه غائب، بل من المحتمل أنّه سوف يولد مثل هذا الشخص في المستقبل.

الاستدلال بالروايات على بطلان التشكيك
الروايات أيضاً في هذا المجال ـ في أصل فكرة الامام المهدي، وأنّه سوف تتحقق هذه الامنية، ولو من دون دلالة على أنّ هذا الشخص مولود بالفعل ـ كثيرة وسلّم بها غير الامامية أيضاً، وألّفوا كتباً في جمع هذه الروايات الدالة على الامام المهدي وأنّه سوف يظهر في آخر الزمان شخص باسم المهدي، والذي اطلعت عليه أنا أكثر من ثلاثين كتاباً للاخوة من العامة غير الامامية في هذا المجال.

ومن باب المثال أقرأ لكم بعض الروايات
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجلٌ من أهل بيتي يواطىء إسمه إسمي"3.

حديث آخر: "لا تقوم الساعة حتى تملا الارض ظلماً وجوراً وعدواناً ثم يخرج من أهل بيتي من يملاها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً"4. وعلى هذا النسق روايات آخرى كثيرة موجودة.

وقد سلّم بهذه الروايات وبهذه الفكرة في الجملة غيرنا من الاخوة العامّة، بما فيهم ابن تيمية وابن حجر 5 بل في الاونة الاخيرة سلّم بها عبد العزيز بن باز كما ورد في مجلّة الجامعة التي تصدر من المدينة المنوّرة6 وذكر أنّ هذه الفكرة صحيحة والروايات صحيحة ولا يمكن إنكار هذه الفكرة. فالمسلمون إذن بشكل عام قد سلّموا بهذه الفكرة، للآيات والروايات.

وإذا كان هناك منكر فهو قليل، ويمكن أن يعدّ شاذاً، من قبيل ابن خلدون في تاريخه 7 وأبو زهرة في كتابه الامام الصادق 8 ومحمد رشيد رضا في كتابه تفسير المنار9 في قوله تعالي: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ10 ، فانه حينما يمرّ بها هناك يقول: الروايات ضعيفة، فهو يحاول تضعيف الروايات بمجرد دعوى ذلك لا أكثر. على أي حال أصل فكرة الامام المهدي وأنّه سوف يتحقق هذا الحلم وتتحقق هذه الامنية مسلّمة من قبل عامة المسلمين تقريباً إلاّ من شذّ، وقد دلّت عليها الايات كما قلت، والروايات الكثيرة التي جمعت في ثلاثين كتاب أو أكثر للاخوة العامة فقط.

البعد الثاني: التشكيك في الولادة
البعد الثاني للتشكيك هوالتشكيك في ولادة الامام سلام الله عليه، بمعنى أن يقال: نحن نسلّم بهذه الفكرة وأنّه سيظهر شخص، لكن هذا الشخص لا يلزم أن يكون هو الامام المهدي، ولا يلزم أن يكون مولوداً الان، ولا يلزم أن يكون قد غاب، ولعلّه يولد في المستقبل والان غير موجود، ولا توجد غيبة، فكيف نتمكن أن نثبت ولادة الامام المهدي الان وأنّه قد تحققت ولادته؟ إن المهم في محاضرتي هذه هو إثبات هذا الموضوع، وعنونت محاضرتي بعنوان "الامام المهدي سلام الله عليه بين التواتر وحساب الاحتمال" وسأحاول إن شاء الله إثبات ولادة الامام من خلال هذين الطريقين، أي: طريق التواتر مرّة، وطريق حساب الاحتمال أخرى.

أربع قضايا مهمّة

وقبل أن اشرع بالبحث أودّ أن أبيّن أربع قضايا كمقدمة لتحقيق الهدف:

القضية الاولى:
أي مسألة تاريخية إذا ما أردنا إثباتها فهناك طريقان لاثباتها:
أحدهما: التواتر.
ثانيهما: حساب الاحتمال.

والتواتر كما تعلمون يعني: أن يخبر بالقضية مجموعة كبيرة من المخبرين بحيث لا نحتمل اجتماعهم واتفاقهم وتواطئهم على الكذب، فإذا كان خبر من الاخبار جاء ثلاثمائة شخص أو مائتا شخص أخبرونا به، وكلّ واحد نفترضه من مكان غير مكان الاخر، في مثل هذه الحالة لا نحتمل تواطؤ الجميع واتفاقهم على الكذب، مثل هذا الخبر يقال له الخبر المتواتر. هذا طريق لتحصيل العلم بالقضية والمسألة التاريخية.

الطريق الثاني: أن نفترض أنّ الخبر ليس متواتراً، كما اذا أخبر به واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة من دون تواتر، ولكن انظمّت إلى ذلك قرائن من هنا وهناك، يحصل العلم بسببها على مستوى حساب الاحتمال.

فلنفترض أنّ هناك شخصاً مصاب بمرض عضال، وجاء شخص وأخبر بأنّ فلاناً قد شوفي من مرضه، يحصل احتمال أنّه شوفي بدرجة ثلاثين بالمائة مثلاً، لكن إذا انضمّت إلى ذلك قرائن فسوف ترتفع القيمة الاحتمالية من ثلاثين إلى أربعين وإلى خمسين وإلى أكثر، افترض أنّنا شاهدناه لا يستعمل الدواء بعد ذلك وكان حينما يحضر في مكان يستعمل الدواء، فهذا يقوّي احتمال الشفاء، وإذا كانت القيمة الاحتمالية للشفاء بدرجة ثلاثين الان ترتفع وتصير بدرجة أربعين مثلاً، وأيضاً شاهدناه يجلس في المجلس ضاحكاً مستبشراً، هذه الظاهرة أيضاً تصعّد من القيمة الاحتمالية لهذا الخبر، وهكذا حينما تنضمّ قرائن من هذا القبيل، فسوف ترتفع القيمة الاحتمالية للخبر إلى أن تصل الى درجة مائة بالمائة. هذا الخبر هو في الحقيقة ليس خبراً متواتراً، لكن لانضمام القرائن حصل العلم. فهنا حصول العلم يحصل بحساب الاحتمال، يعني بتقوّي القيمة الاحتمالية بسبب انضمام القرائن. إذن، حصول العلم بأي قضية تاريخيّة يتمّ من خلال أمرين:
1- من خلال التواتر.
2- ومن طريق حساب الاحتمال بتجميع القرائن.
هذه القضية الاولى التي أحببت الاشارة إليها.

القضية الثانية
لا يلزم في الخبر المتواتر أن يكون المخبر من الثقات، فان اشتراط الوثاقة في المخبر يلزم في الخبر غير المتواتر، كما إذا جاءنا شخص واحد أو اثنان أو ثلاثة وأخبرونا بقضية، هنا يشترط أن يكون المخبر ـ لاجل أن يكون هذا الخبر حجة ـ عادلاً، أما لو كانت القضية أخبر بها مائة أو مائتان أو ثلاثمائة، يعني العدد كان يشكّل التواتر فليس من الضروري عدالة المخبر؟ فالعدالة والوثاقة هي شرط في الخبر غير المتواتر.

وأرجو أن لا يحصل خلط في هذه القضية بين الخبر المتواتر وبين الخبر غير المتواتر، إذ البعض يتصور أنّ مسألة الوثاقة ومسألة عدالة الراوي يلزم تطبيقهما حتى في الخبر المتواتر، هذا غير صحيح، بل الذي نشترط فيه العدالة والوثاقة هو الخبر غير المتواتر.

لماذا لا نشترط في الخبر المتواتر العدالة والوثاقة؟
النكتة هي: أنّ الخبر المتواتر حسب الفرض يفيد العلم، لكثرة المخبرين، وبعد ما أفاد العلم لا معنى لاشتراط الوثاقة والعدالة، إذ المفروض أنّ العلم حصل، وليس بعد العلم شيء يُقصد، فلا معنى إذن لاشتراط الوثاقة والعدالة في باب الخبر المتواتر، وهذه قضيّة بديهيّة وواضحة في سوق العلم. وعلى أساس هذه القضيّة ليس من الحق وليس من الصواب أن نأتي إلى الروايات الدالة على ولادة الامام المهدي عليه السلام أو أي قضية ترتبط بالامام المهدي سلام الله عليه ونقول: هذه الرواية ضعيفة السند، الرواة مجاهيل، هذا مجهول أو ذاك مجهول، هذه الرواية الاولى إذن نطرحها، الرواية الثانية الراوي فيها مجهول إذن نطرحها، والثالثة كذلك، الرابعة هكذا و...

هذا ليس بصحيح، فان هذا صحيح لو فرض أنّ الرواية كانت واحدة أو اثنتين أو ثلاث أو أربع أو خمس أو عشر، أما بعد فرض أن تكون الروايات الدالة على ولادة الامام المهدي سلام الله عليه قد بلغت حدّ التواتر لا معنى أن نقول هذه الرواية الاولى ضعيفة السند، والثانية ضعيفة السند لجهالة الراوي والثالثة هكذا، فان هذه الطريقة وجيهة في الخبر غير المتواتر، أمّا في الخبر المتواتر فلا معنى لها.
هذه القضيّة الثانية التي أحببت الاشارة إليها.

القضية الثالثة
إذا فرض أنّ لدينا مجموعة من الاخبار تختلف في الخصوصيّات والتفاصيل، لكن الجميع يشترك في مدلول واحد من زاوية، كما لو فرضنا أنّه جاءنا مجموعة كبيرة من الاشخاص يخبروننا عن تماثل ذلك الشخص المريض للشفاء، لكن الشخص الاوّل جاء وأخبر بالشفاء في الساعة الواحدة، والثاني حينما جاء أخبر بالشفاء أيضاً لكن في الساعة الثانية، والثالث حينما جاء أخبر بشفائه لكن في الساعة الثالثة، فاختلفوا في رقم الساعة، لكن الكلّ متفق على أنّه قد شوفي، والخامس أو السادس جاء وأخبر بالشفاء لكن بهذا الدواء، والاخر قال بذلك الدواء، فكان الاختلاف بمثل هذا الشكل، أي: اختلاف في الخصوصيّات، لكن الكلّ متفق من زاوية واحدة، وهي أنّه قد شوفي.

في مثل هذه الحالة هل يثبت الشفاء؟
نعم أصل الشفاء يثبت بنحو العلم. والنكتة في ذلك، أنّ المخبر الاوّل في الحقيقة يخبر بخبرين لا بخبر واحد: الخبر الاول الذي يخبر به أنّه شوفي، والخبر الثاني أنّه شوفي في الساعة الاولى، الثاني حينما يخبر أيضاً يخبر بأنه شوفي، والثالث حينما يخبر أيضاً يخبر بأنّه شوفي، إذن هم متفقون في الاخبار الاول أنه شوفي، لكن يختلفون في الاخبار الثاني، إذن في الاخبار الاول التواتر موجود والاتفاق بين الجميع موجود.

ومن هنا نخرج بهذه النتيجة: أنّ الاخبار الكثيرة إذا اتفقت من زاوية على شيء معيّن فالعلم يحصل بذلك الشيء، وإن اختلفت هذه الاخبار من الجوانب الاخرى في التفاصيل . وبعد هذا فليس من حقّنا أن نناقش في روايات الامام المهدي عليه السلام ونقول: هذه مختلفة في التفاصيل، واحدة تقول بأنّ أم الامام المهدي اسمها نرجس والثانية تقول أنّ أم الامام اسمها سوسن والثالثة تقول اسمها شيء ثالث، أو أن واحدة تقول وُلد في هذه الليلة والثانية تقول وُلد في تلك الليلة أو واحدة تقول وُلد في هذه السنة والاخرى تقول في السنة الاخرى، فعلى هذا الاساس هذه الروايات لا يمكن أن نأخذ بها، وليست متواترة وليست مقبولة، لانها تختلف في التفاصيل، ولا تنفع في إثبات التواتر وفي تحصيل العلم بولادة الامام سلام الله عليه، لانها مختلفة ومتضاربة فيما بينها حيث اختلفت بهذا الشكل.

إنه باطل، لان المفروض أن كل هذه الاخبار متفقة في جانب واحد، وهو الاخبار بولادة الامام سلام الله عليه، ولئن اختلفت فهي مختلفة في تفاصيل وخصوصيات اُخرى، لكن في أصل ولادة الامام هي متفقة، فالعلم يحصل والتواتر يثبت من هذه الناحية، هذه القضية الثالثة.

القضية الرابعة
وهي الاخيرة التي أردت الاشارة إليها: ليس من حق شخص أن يجتهد في مقابل النص، فإذا كان عندنا نص صريح الدلالة وتام السند من كلتا الجهتين، فلا حق لاحد أن يأتي ويقول أنا أجتهد في هذه المسألة. فالله عزوجل يقول: ﴿وَأقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاة11 ، وهذه الاية بوضوح تدلّ على الطلب، غاية ما في الامر ليست صريحة في الطلب الوجوبي، لكن في أصل الطلب ـ طلب الصلاة وطلب الزكاة ـ دلالتها صريحة وسند القرآن لا مناقشة فيه.

فلا يحق لاحد أن يقول: أنا أريد أن أجتهد في هذه المسألة وأقول هي لا تدل على الطلب!! ليس له هذا الحق، وهذا يسمونه اجتهاد في مقابل النص. نعم إذا كان يجتهد في الدلالة ويقول لا تدل على الوجوب بل تدل على الاستحباب، فهذا جيد، لانّ الدلالة ليست صريحة على الوجوب، أمّا أن يجتهد في الدلالة على أصل الطلب ويقول أنا أجتهد وأقول لا تدل هذه على اصل الطلب في رأيي فهذا لا معنى له، لانّ دلالتها على الطلب صريحة والسند أيضاً قطعي.

على ضوء هذا أخرج بهذه النتيجة أيضاً: ليس من حق أحد أن يقول روايات الامام المهدي أنا اجتهد فيها كما يجتهد الناس في مجالات أخرى، هذا لا معنى له، لانّ الروايات حسب الفرض هي واضحة الدلالة صريحة وتامة غير قابلة للاجتهاد، وسندها متواتر، فالاجتهاد هنا إذن لا معنى له أيضاً، فان للاجتهاد مجالاً إذا فرض أنّ الدلالة لم تكن صريحة أو السند لم يكن قطعياً، أما بعد قطعية السند وصراحة الدلالة، فالاجتهاد لا معنى له، فانّه اجتهاد في مقابل النصّ، وهذه قضية واضحة أيضاً. هذه أربع قضايا أحببت الاشارة إليها في مقدّمة بحثي، والان أدخل في البحث وأريد أن أبيّن عوامل نشوء اليقين بولادة الامام المهدي سلام الله عليه، وسوف نلاحظ أن هذه العوامل إما تفيد التواتر، أو تفيد اليقين بحساب الاحتمال، كما أوضّح لكم فيما بعد.

عوامل نشوء اليقين بولادة الامام المهدي عليه السلام

العامل الاول
الاحاديث الكثيرة المسلّمة بين الفريقين الامامية وغيرهم، والتي تدلّ على ولادة الامام سلام الله عليه، ولكن من دون أن ترد في خصوص الامام المهدي وبعنوانه، فهي تدلّ على ولادة الامام من دون أن تنصب على هذا الاتجاه، وأذكر لكم في هذا المجال ثلاثة أحاديث:

الحديث الاول: حديث الثِقْلين أو الثَقَلَين، الذي هو حديث متواتر بين الامامية والاخوة العامة، ولا مجال للمناقشة في سنده، قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مواطن متعدّدة: في حجة الوداع، في حجرته المباركة، في مرضه، وفي...، فإذا رأينا اختلافاً في بعض ألفاظ الحديث فهو ناشيء من اختلاف مواطن تعدّد ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهذا الحديث:"إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، أحدهما أكبر من الاخر، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض"12.

لاحظوا: "ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض"، يعني أن الكتاب مع العترة، من البداية، من زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى أن يردا عليه الحوض. وهذا يدلّ على أنّ العترة الطاهرة مستمرة مع الكتاب الكريم، وهذا الاستمرار لا يمكن توجيهه إلاّ بافتراض أنّ الامام المهدي عليه السلام قد ولد ولكنه غائب عن الاعين، إذ لو لم يكن مولوداً وسوف يولد في المستقبل لافترق الكتاب عن العترة الطاهرة، وهذا تكذيب ـ استغفر الله ـ للنبي، فهو يقول: "ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض" هذا لازمه أنّ العترة لها استمرار وبقاء مع الكتاب الى أن يردا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا لا يمكن توجيهه إلاّ بما قلت: إن الامام المهدي سلام الله عليه قد ولد ولكنه غائب، وإلاّ يلزم الاخبار على خلاف الواقع.

وهذا حديث واضح الدلالة، يدل على ولادة الامام سلام الله عليه، لكن كما قلت هذا الحديث لم يرد ابتداءاً في الامام المهدي، وإنّما هو منصبّ على قضيّة ثانية: "وإنّهما لن يفترقا"، لكن نستفيد منه ولادة الامام بالدلالة الالتزامية.

وقد يقول قائل: لنفترض أن الامام عليه السلام لم يولد، ولكن في فترة الرجعة التي ستقع في المستقبل يرجع الامام العسكري عليه السلام، ويتولد آنذاك الامام المهدي عليه السلام، إن هذه فرضيّة ممكنة وعلى أساسها يتم التلائم بين صدق الحديث وافتراض عدم ولادة الامام عليه السلام. وجوابنا: أن لازم هذه الفريضة تحقق الافتراق بين العترة الطاهرة والكتاب الكريم في الفترة السابقة على فترة الرجعة، ففي هذه الفترة لا وجود للامام المهدي عليه السلام ولا وجود للعترة وقد تحقق فيها افتراق الكتاب الكريم عن العترة الطاهرة.

الحديث الثاني: حديث الاثني عشر، وهذا أيضاً حديث مسلّمٌ بين الفريقين، يرويه البخاري ومسلم وغيرهما من طرق أهل السنة، ومن طرقنا أيضاً قد رواه غير واحد كالشيخ الصدوق مثلاً في كمال الدين والحديث منقول عن جابر بن سمرة يقول:دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسمعته يقول: "إنّ هذا لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة"، ثم تكلّم بكلام خفي عليّ، فقلت لابي ما قال؟ قال: كلّهم من قريش 13. وهذا الحديث من المسلّمات أيضاً، وليس له تطبيق معقول ومقبول إلاّ الائمة الاثني عشرعليهم السلام.

وجاء البعض وحاول تطبيقه على الخلفاء الراشدين واثنين أو ثلاثة من بني أميّة واثنين أو ثلاثة من بني العباس. إن هذا تطبيق غير مقبول، وكلّ شخص يلاحظ هذا الحديث يجده إخباراً غيبي من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قضية ليس لها مصداق وجيه ومقبول سوى الائمة صلوات الله عليهم الاثني عشر. وهذا الحديث بالملازمة يدلّ على ولادة الامام المهدي سلام الله عليه، إذ لو لم يكن مولوداً الان، والمفروض أنّ الامام العسكري توفي، ولم يحتمل أحد أنه موجود، إذن كيف يولد الامام المهدي من أب هو متوفى.

فلابدّ وأن نفترض أنّ ولادة الامام عليه السلام قد تحقّقت، وإلاّ هذا الحديث يعود تطبيقه غير وجيه. فهذا الحديث بالدلالة الالتزامية يدل على ولادة الامام صلوات الله وسلامه عليه. الحديث الثالث الذي أريد أن أذكره في هذا المجال، حديث أيضاً مسلّم سنداً بين الفريقين، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة"14، هذا أيضاً يرويه أهل السنة، ويرويه الشيخ الكليني في الكافي، فهو مسلّم عند السنّة والشيعة. فإذا لم يكن الامام المهدي عليه السلام مولوداً الان، فهذا معناه نحن لا نعرف إمام زماننا، فميتتنا ميتة جاهلية. فالحديث يدلّ على أنّ كلّ زمان لابدّ فيه من إمام، وكلّ شخص مكلّف بمعرفة ذلك الامام ومكلّف بأن لا يموت ميتة جاهلية، فلو لم يكن الامام مولوداً إذن كيف نعرف إمام زماننا؟ . هذه أحاديث ثلاثة، وإن لم تكن منصبّة على الامام المهدي صلوات الله عليه مباشرة، ولكنّها بالدلالة الالتزامية تدلّ على أنّ الامام سلام الله عليه قد ولد وتحققت ولادته.


العامل الثاني
إخبار النبي والائمة صلوات الله عليهم بأنّه سوف يولد للامام العسكري ولد يملا الارض قسطاً وعدلاً ويغيب، ويلزم على كلّ مسلم أن يؤمن بذلك. هذه الاحاديث كثيرة، فالشيخ الصدوق في كمال الدين جعلها في أبواب:
باب ما روي عن النبي في الامام المهدي، ذكر فيه خمسة وأربعين حديثاً.
ثم بعد ذلك ذكر باب ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في الامام المهدي.
ثم باب عن الزهراء سلام الله عليها وما ورد عنها في الامام المهدي عليه السلام، ذكر فيه أربعة أحاديث.
ثم عن الامام الحسن عليه السلام، ذكر فيه حديثين.
ثم عن الامام الحسين عليه السلام، ذكر فيه خمسة أحاديث.
ثم عن الامام السجاد عليه السلام، ذكر فيه تسعة أحاديث.
ثم عن الامام الباقر عليه السلام، ذكر فيه سبعة عشر حديثاً.
ثم عن الامام الصادق عليه السلام، ذكر فيه سبعة وخمسين حديثاً.
وقد جمعتُ الاحاديث فكانت مائة وثلاثة وتسعين حديثاً.


هذا فقط ما يرويه الشيخ الصدوق في الاكمال15، ولا أريد أن أضمّ ما ذكره الكليني في الكافي، والشيخ الطوسي، وغيرهما16، وربما آنذاك يفوق العدد الالف رواية. وتبرّكاً وتيمّناً أذكر حديثاً واحداً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحديثين عن الامام الصادق سلام الله عليه.

أمّا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:فهو ما رواه ابن عباس قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "... ألا وإنّ الله تبارك وتعالى جعلني وإيّاهم حججاً على عباده، وجعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري، ويحفظون وصيّتي، التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي أمتي، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله، يظهر بعد غيبة طويلة..." إلى آخر الحديث17. وبهذا المضمون أو قريب منه أحاديث كثيرة، وبعض الاحاديث تذكر أسماء الائمة صلوات الله عليهم.

وأمّا عن الامام الصادق عليه السلام:فهو ما رواه محمد بن مسلم بسند صحيح متفق عليه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها" 18. وحديث آخر عن زرارة يقول: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم، يا زرارة وهو المنتظر، وهو الذي يشك في ولادته"19. فمسألة التشكيك في الولادة أخبر بها الامام الصادق عليه السلام من ذلك الزمان، فكان أوّل من شكك في الولادة جعفر عمّ الامام المهدي عليه السلام، لعدم اطلاعه على الولادة، ووجود تعتيم إعلامي قوي على مسألة ولادة الامام المهدي عليه السلام، نتيجة الظروف الحرجة المحيطة بالامامة في تلك الفترة، حتى أنّه لم يجز الائمة التصريح باسم الامام المهدي، فجعفر ما كان مطّلعاً على أنّ الامام العسكري عليه السلام له ولد باسم الامام المهدي، لذلك فوجئ بالقضية وأنكر أو شكّك في الولادة، فهو اوّل من شكك.

ثم تلاه في التشكيك ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والاهواء والنحل، شكّك في مسألة الولادة فقال: وتقول طائفة منهم أي من الشيعة ـ أنّ مولد هذا يعني الامام المهدي الذي لم يخلق قط في سنة ستين ومائتين، سنة موت أبيه 20. وتبعه على ذلك محمد اسعاف النشاشيبي في كتابه الاسلام الصحيح، يقول: ولم يعقب الحسن ـ يعني العسكري سلام الله عليه ـ ذكراً ولا أنثى21. على أي حال مسألة التشكيك في الولادة أخبر بها الامام الصادق عليه السلام، وكانت موجودة من تلك الفترة، فالامام يقول لزرارة: "وهو المنتظر وهو الذي يشك في ولادته، منهم من يقول مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول أنّه ولد قبل موت أبيه بسنتين..." إلى أن يقول الامام: "يا زرارة إذا أدركت ذلك الزمان فادعوا بهذا الدعاء: "اللّهم عرّفني نفسك فانّك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيّك، اللّهم عرّفني رسولك فانّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف جحتك، اللّهم عرّفني حجتك فانّك إن لم تعرّفني حجتك ضللت عن ديني" 22. واقعاً الانسان والعياذ بالله فجأةً يضلّ عن الدين من حيث لا يشعر، فالدعاء بهذا ضروري للبقاء بالتمسّك بهذا المذهب الصحيح: "اللّهم عرّفني حجتك فانّك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني".

ومن الاشياء التي لا تنبغي الغفلة عنها الادعية المعروفة عن أهل البيت صلوات الله عليهم، ومنها هذا الدعاء: "اللّهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كلّ ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً"23. ومن الطبيعي أنّ الائمة صلوات الله عليهم يذكرون هذا الدعاء ليعلّموا شيعتهم، ومِنْ تعبيرهم بالحجة فقط يعلم مدى حالة الكتمان والتكتم، حتى أنّ الوارد في الدعاء المتقدم "اللّهم كن لوليك فلان ابن فلان" كتماناً للاسم المبارك.

هذه جملة من الاحاديث، وهي بهذا الصدد كثيرة، رواها الكليني في الكافي والشيخ في الغيبة وغيرهما، وهي تشكّل في الحقيقة مئات الاحاديث في هذا المجال. وبعد هذه الكثرة فهي من حيث السند متواترة لا معنى للمناقشة فيها، وهي واضحة غير قابلة للاجتهاد، وإلاّ لكان ذلك اجتهاداً في مقابل النص. هذا هو العامل الثاني من عوامل نشوء اليقين بولادة الامام المهدي سلام الله عليه.

العامل الثالث
رؤية بعض الشيعة للامام المهدي عليه السلام، كما حدّثت به مجموعة من الروايات الاخرى، وهذه الروايات التي سأذكرها هي غير الروايات التي ذكرها الشيخ الصدوق في كمال الدين. فرغم التعتيم الاعلامي بالنسبة الى اسم الامام وولادته عليه السلام الذي قام به الائمة عليهم السلام، السلطة اطلعت من خلال إخبار النبي وأهل البيت أنّه سوف يولد شخص من ذرّية الامام العسكري يملا الارض قسطاً وعدلاً وتزول على يده المباركة السلطات الظالمة، انهم كانوا مطلعين ويراقبون الاوضاع، كما اطلع فرعون على مثل هذه القضية وكان يراقب الاوضاع ويراقب النساء ويراقب القوابل، ونفس القضية اتبعها بنو العباس في زمان المعتمد العباسي، فكانوا يراقبون الاوضاع، ولذلك كانت القضيّة تعيش كتماناً شديداً من هذه الناحية.

حتى أنّ الامام الهادي سلام الله عليه يروي عنه الثقة الجليل أبو القاسم الجعفري داود بن القاسم الرجل العظيم الثقة الجليل ويقول: سمعت أبا الحسن ـ يعني الامام الهادي عليه السلام ـ يقول: "الخلف من بعدي الحسن ابني، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟" فقلت: ولم جعلني الله فداك؟ فقال: "إنّكم لا ترون شخصه ولا يحلّ لكم ذكره باسمه"، فقلت: فكيف نذكره؟ قال: "قولوا الحجة من آل محمّد"24.

على اي حال، رغم هذا التعتيم الاعلامي الذي حاول الائمة عليهم السلام أن يقوموا به رأى الامام المهدي عليه السلام جماعة من الشيعة. ينقل الشيخ الكليني عن محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى جميعاً عن عبد الله بن جعفر الحميري.

وهذا السند في غاية الصحة والوثاقة، فالشيخ الكليني معروف إذا حدّث هو مباشرة بكلام يحصل من نقله اليقين، ومحمد بن عبد الله هو محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري من الثقات الاجلّة الاعاظم، ومحمّد بن يحيى العطار هو استاذ الشيخ الكليني من الاعاظم الاجلّة، فاثنان من أعاظم مشايخ الكليني الكبار ينقل عنهم، وعبد الله بن جعفر الحميري معروف بالوثاقة والجلالة.

يقول عبد الله بن جعفر الحميري: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو 25 (رحمه الله)عند احمد بن اسحاق 26، فغمزني أحمد بن اسحاق أن أساله عن الخلف، فقلت له: يا ابا عمرو إني أريد أن أسالك عن شيء وما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه، فإنّ اعتقادي وديني أنّ الارض لا تخلو من حجّة،.... ولكن أحببت أن أزداد يقيناً، فانّ إبراهيم عليه السلام سأل ربه عزوجل أن يريه كيف يحيي الموتى فقال: أولم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئنّ قلبي، وقد أخبرني أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن ـ يعني عن الامام الهادي عليه السلام ـ قال: سألته وقلت: من أعامل؟ وعمّن آخذ وقول من أقبل؟ فقال: "العمري ثقتي، فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي، وما قال لك عنّي فعنّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون"، وأخبرني أبو علي أنّه سأل ابا محمّد عليه السلام ـ يعني الامام العسكري عليه السلام ـ عن مثل ذلك؟ فقال: "العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك فعنّي يؤدّيان وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنهما الثقتان المأمونان"، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك، قال: فخرّ أبو عمرو ساجداً وبكى ثم قال: سل حاجتك، فقلت له: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمد؟ ـ يعني من بعد العسكري ـ فقال: إي والله.... فقلت له: فبقيت واحدة، فقال لي: هات، قلت: الاسم؟ قال: محرّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، وليس لي أن أحلّل ولا أحرم، ولكن عنه عليه السلام، فإنّ الامر عند السلطان أنّ أبا محمد مضى ولم يخلّف ولداً وقسّم ميراثه... فاتقوا الله وامسكوا عن ذلك"27.

فهل هذه الرواية قابلة للاجتهاد من حيث الدلالة؟
انها من حيث الدلالة صريحة، ويتمسّك بها الاصوليّون في مسألة حجيّة خبر الثقة، وقد ذكر السيد الشهيد الصدر في أبحاثه أنّ هذه الرواية لوحدها تفيدنا اليقين ـ وقد ذكر ذلك لا بمناسبة الامام المهدي، بل بمناسبة حجية خبر الثقة ـ اذ هناك إشكال يقول ان هذه الرواية هي خبر واحد فكيف نستدل بها على حجيّة خبر الواحد؟ ما هذا إلاّ دور في هذا المجال، وكان السيد الشهيد يريد أن يثبت أنّ هذه الرواية تفيد اليقين، لانّ الشيخ الكليني كلّما ينقل ويقول: أخبرني، فلا نشك في اخباره، والذي أخبره هو محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى العطار، وهما من أعاظم الشيعة لا نحتمل في حقّهم أنّهم كذبوا أو أخطأوا ويحصل القطع من نقلهما، وهما ينقلان عن عبد الله بن جعفر الحميري الذي هو من الاعاظم، وهو ينقل مباشرةً عن السفير الاول للامام سلام الله عليه، والسفير يقول: أنا رأيت الخلف بعيني.

فهذه الرواية لوحدها يمكن أن يحصل منها اليقين، وهي واضحة في الدلالة على أنّه قد رئي الامام صلوات الله وسلامه عليه. وهناك رواية أخرى تنقل قصة حكيمة بنت الامام الجواد سلام الله عليه، وهذه القصة مشهورة، ولكن لا بأس أن أشير إلى بعض مقاطعها، وهي مذكورة في كتاب كمال الدين وغيره.

تنقل حكيمة: بعث إليّ أبو محمد سلام الله عليه سنة خمس وخمسين ومائتين في النصف من شعبان وقال: يا عمّة اجعلي الليلة إفطارك عندي فإنّ الله عزوجل سيسرّك بوليّه وحجّته على خلقه خليفتي من بعدي، قالت حكيمة: فتداخلني لذلك سرور شديد وأخذت ثيابي عليّ وخرجت من ساعتي حتى انتهيت إلى أبي محمد عليه السلام وهو جالس في صحن داره وجواريه حوله، فقلت: جعلت فداك يا سيدي الخلف ممّن هو؟ قال: من سوسن ـ في بعض الروايات سوسن، وفي بعضها نرجس، وفي بعضها شيء آخر ـ وقلت أنّ هذه الاختلافات لا يمكن أن يتشبّث بها شخص ويقول هذه الروايات مردودة لانّها مختلفة، فان هذا ليس له أثر ـ فأدرتُ طرفي فيهنّ فلم أرَ جارية عليها أثر غير سوسن، قالت حكيمة: فلمّا صلّيت المغرب والعشاء أتيت بالمائدة فأفطرت أنا وسوسن وبايتّها في بيت واحد، فغفوت غفوة ثم استيقظت، فلم أزل مفكرة فيما وعدني أبو محمد من أمر ولي الله، فقمت قبل الوقت الذي كنت أقوم في كلّ ليلة للصلاة، فصلّيت صلاة الليل حتى بلغت الى الوتر، فوثبت سوسن فزعة وخرجت فزعة واسبغت الوضوء، ثم عادت ـ يعني امّ الامام المهدي عليه السلام ـ فصلّت صلاة الليل وبلغت الوتر، فوقع في قلبي أنّ الفجر قد قرب، فقمت لانظر فإذا بالفجر الاول قد طلع، فتداخل قلبي الشك من وعد أبي محمدعليه السلام فناداني من حجرته: "لا تشكّي وكأنّك بالامر الساعة"، قالت حكيمة: فاستحييت من أبي محمد وممّا وقع في قلبي ورجعت إلى البيت خجلة، فإذا هي قد قطعت الصلاة وخرجت فزعة، فلقيتها على باب البيت فقلت: بأبي أنت وأمي هل تحسّين شيئاً؟ قالت: نعم يا عمّة إنّي لاجد أمراً شديداً، قلت: لا خوف عليك إن شاء الله، وأخذت وسادة فألقيتها في وسط البيت وأجلستها عليها وجلست منها حيث تقعد المرأة من المرأة للولادة، فقبضت على كفي وغمزت غمزةً شديدة ثم أنّت أنّة وتشهّدت ونظرت تحتها فإذا أنا بولي الله صلوات الله عليه متلقّياً الارض بمساجده 28.

ونقل الشيخ الطوسي أيضاً في الغيبة حديثاً ظريفاً فقال: جاء أربعون رجلاً من وجهاء الشيعة اجتمعوا في دار الامام العسكري ليسألوه عن الحجة من بعده، وقام عثمان بن سعيد العمري فقال: يابن رسول الله أريد أن أسالك عن أمر أنت أعلم به منّي، فقال له: إجلس يا عثمان، فقام مغضباً ليخرج، فقال: لا يخرجنّ أحد، فلم يخرج منّا أحد، إلى أن كان بعد ساعة فصاح عليه السلام بعثمان فقام على قدميه فقال: أخبركم بما جئتم؟ قالوا: نعم يا بن رسول الله، قال: جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي؟ قالوا: نعم، فاذا غلام كأنّه قطعة قمر أشبه الناس بأبي محمد، فقال: هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وانّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتمّ له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا الى أمره، واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والامر إليه" 29. هذه اربع روايات نقلتها لكم، والروايات في هذا الصدد كثيرة جدّاً، وحسبنا ما روي في رؤية الامام الذي هو في الحقيقة يمكن أن يشكّل مقدار التواتر.

العامل الرابع
وضوح فكرة ولادة الامام المهدي عليه السلام بين الشيعة، فالذي يقرأ التاريخ ويقرأ الروايات يفهم أنّ الشيعة من الزمان الاول كانوا يتداولون فكرة الامام المهدي وأنّه يغيب، وكانت قضية واضحة فيما بينهم، ولذلك نرى أنّ الناووسية ادعت أنّ الامام الغائب هو الامام الصادق عليه السلام، ولكن بعد وفاة الامام الصادق اتضح بطلان هذه العقيدة، والواقفيّة ادعوا أنّ الامام المهدي الذي يبقى هو الامام موسى بن جعفر سلام الله عليه، والفت النظر الى ان هذا لا ينبغي سبباً لتضعيف فكرة الامام المهدي، بل بالعكس، هذا عامل للتقوية، لانّ هذا يدل على أنّ هذه الفكرة كانت فكرة واضحة بين الاوساط، ولذلك ينسبون إلى بعض الائمة نسبة غير صحيحة وان هذا هو الامام المهدي أو ذاك. وإذا راجعنا كتاب الغيبة للشيخ الطوسي نجده يذكر بعنوان الوكلاء المذمومين عدّة، منهم: محمد بن نصير النميري، أحمد بن هلال الكرخي، محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني، وغير ذلك إلى عشرة أو أكثر من الذين أدعوا الوكالة والسفارة عن الامام كذباً وزوراً وخرجت عليهم اللعنة وتبّرأ منهم الشيعة. وهذا العامل أيضاً لا يكون سبباً لتضعيف فكرة الامام المهدي وولادته وغيبته، بل هذا في الحقيقة عامل للتقوية، اذ يدلّ على أنّ هذه الفكرة كانت واضحة وثابتة، لذلك ادعى هؤلاء الوكالة كذباً وزوراً، وخرجت البراءة واللعنة في حقهم. إذن هذا العامل الرابع من عوامل حصول اليقين بفكرة الامام المهدي عليه السلام.

العامل الخامس
ان قضية السفراء الاربعة وخروج التوقيعات بواسطتهم قضيته واضحة في تاريخ الشيعة، ولم يشكك فيها أحد من زمان الكليني الذي عاصر سفراء الغيبة الصغرى ووالد الشيخ الصدوق علي بن الحسين والى يومنا، انه لم يشكك أحد من الشيعة في جلالة هؤلاء السفراء ولم يحتمل كذبهم، وهم أربعة:

الاول: عثمان بن سعيد أبو عمرو، الذي قرأنا الرواية المتقدمة عنه، وكان عثمان بن سعيد السمّان يبيع السمن في الزقاق، وكانت الشيعة توصل له الكتب والاموال فيضعها في الزقاق، حتى يخفي القضية ثم يوصلها الى الامام، وكان هذا وكيلاً عن الامام الهادي وعن الامام العسكري وبعد ذلك عن الامام الحجة صلوات الله عليهم.
الثاني: محمد بن عثمان بن سعيد.
الثالث: الحسين بن روح.
الرابع: علي بن محمد السمري.

هؤلاء أربعة سفراء أجلّة، خرجت على أيديهم توقيعات ـ استفتاءات ـ كثيرة، نجد جملة منها في كمال الدين، وفي كتاب الغيبة، وكتب أخرى. ان هذه السفارة والسفراء الذين ما يحتمل في حقّهم الكذب، وخروج هذه التوقيعات الكثيرة بواسطتهم هو نفسه قرينة قويّة على صحة هذه الفكرة، أي: فكرة ولادة الامام المهدي، وعلى أنّه غائب صلوات الله وسلامه عليه.

العامل السادس
صرّف السلطة، فان تاريخ الاماميّة وغيرهم ينقل أنّ المعتمد العباسي بمجرّد أن وصل إلى سمعه أنّه ولد للامام مولود أرسل شرطته إلى دار الامام وأخذوا جميع نساء الامام واعتقلوهنّ حتى يلاحظوا الولادة ممّن؟ طبيعي بعض التاريخ ينقل أنّ القضية كلها كانت بإرشاد جعفر عمّ الامام المهدي، وهذا غير مهمّ، فان نفس تصرّف السلطة قرينة واضحة على أنّ مسألة الولادة ثابتة، وإلاّ فهذا التصرف لا داعي إليه.

العامل السابع
ان كلمات المؤرّخين وأصحاب التاريخ والنسب من غير الشيعة واضحة في ولادة الامام المهدي، منهم: ابن خلكان قال: أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري، ثاني عشر الائمة الاثني عشر على اعتقاد الامامية، المعروف بالحجة، كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين 30. والذهبي قال: وأما ابنه محمد بن الحسن الذي تدعوه الرافضة القائم الخلف الحجة، فولد سنة ثمان وخمسين، وقيل: سنة ست وخمسين 31. وابن حجر الهيتمي قال: ولم يخلّف ـ يعني الامام العسكري ـ غير ولده أبي القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين32. وخير الدين الزركلي قال: ولد في سامراء، ومات أبوه وله من العمر خمس سنين 33. إلى غير ذلك من كلمات المؤرخين العامة، وهي تشكّل قرينة على صحة هذه القضية.

العامل الثامن
تباني الشيعة واتفاقهم من زمان الكليني ووالد الشيخ الصدوق وإلى يومنا هذا على فكرة الامام المهدي عليه السلام وغيبته، وفي كل طبقات الشيعة لم نجد من شكك في ولادة الامام وفي غيبته، وهذا من أصول الشيعة وأصول مذهبهم.

حساب الاحتمال

هذه عوامل ثمانية لنشوء اليقين، وقبل أن أختم محاضرتي أقول: نحن إمّا أن نسلّم بكثرة الاخبار وتواترها ووضوح دلالتها على الغيبة، ومعه فلا يمكن لاحد أن يجتهد في مقابلها، لانّه اجتهاد في مقابل النص. أو لا نسلّم التواتر، ولكن بضميمة سائر العوامل إلى هذه الاخبار ـ التي منها: تباني الشيعة، وكلمات المؤرخين، ووضوح فكرة الامام المهدي وولادته بين طبقات الشيعة من ذلك التاريخ السابق، وتصّرف السلطة، ومسألة السفارة والتوقيعات، وغير ذلك من العوامل ـ يحصل اليقين بحقانية القضية.

إذن نحن بين أمرين:
امّا التواتر، على تقدير التسليم بكثرة الاخبار وتواترها.
أو اليقين، من خلال ضم القرائن على طريقة حساب الاحتمال.
نسأل الله عزّوجلّ بحقّ محمّد وآل محمّد أن يهدينا إلى الصراط المستقيم 34.

1-الصف: 8.
2-الانبياء: 105.
3-مسند أحمد 1: 377 ح 3563، ونحوه الصواعق المحرقة: 249.
4-مسند أحمد 3: 36 ح 10920، كنز العمال 14: 271 ح 38691، وفيه: "رجل من عترتي".
5-الصواعق المحرقة: 249.
6-مجلة الجامعة الاسلامية العدد 3 من السنة الاولى 161 ـ 162.
7-تاريخ ابن خلدون 1: 199.
8-كتاب الامام الصادق: 199.
9-تفسير المنار 10: 393، سورة التوبة، وله مناقشات حول روايات الامام المهدي (عليه السلام) راجع 9: 499 ـ 507.
10-التوبة: 32.
11-البقرة: 43.
12-راجع: المستدرك للحاكم 3: 109، المعجم الكبير للطبراني 5: 166 ح 4969، تاريخ بغداد 8: 442، حلية الاولياء 1: 355، مجمع الزوائد 9: 164، وغيرها كثير جداً.
13-كمال الدين: 272، والغيبة للطوسي: 128.
14-وانظر صحيح البخاري 9: 729 كتاب الاحكام باب الاستخلاف، وصحيح مسلم 3: 220 ح 1821 كتاب الامارة، ومسند أحمد 5: 90.
15-كمال الدين: 409 ح 9، المناقب لابن شهر آشوب3: 217، ونحوه الكافي 1:377 ح3، وفي مسند الطيالسي: 259، وصحيح مسلم 3: 239 ح 1851 عن عبد الله بن عمر: "...من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة".
16-كمال الدين: 256 ـ 384.
17-الكافي 1: 328 ـ 335، والغيبة للطوسي: 157، البحار 51: 65 ـ 162.
18-كمال الدين: 257 ح 2، كفاية الاثر: 10.
19-الكافي 1: 340 ح 15، الغيبة للطوسي: 161 ح 118.
20-كمال الدين: 342 ح 24.
20-الفصل 3: 114.
21-الاسلام الصحيح: 348.
22-كمال الدين: 342 ح 24.
23-الكافي 4: 162.
24-الكافي 1: 328، كمال الدين: 381 ح 5.
25- عمرو بن عثمان بن سعيد العمري السمّان.
26-احمد بن اسحاق القمي الاشعري المعروف بالوثاقة.
27-الكافي 1: 329 ح 1، الغيبة للطوسي: 243 ح 209.
28-الغيبة للطوسي: 234 ح 204.
29-الغيبة للطوسي: 357 ح 319.
30-وفيات الاعيان 4: 176 رقم: 562
31-تاريخ الاسلام 19: 113 رقم: 159.
32-الصواعق: 255 و 314.
33-الاعلام 6: 80.
34-الشيخ محمد باقر الإيرواني.

 

 

هل بالإمكان أن يعيش الإنسان قروناً كثيرة كما هو المفترض في هذا القائد المنتظر لتغيير العالم، الذي يبلغ عمره الشريف فعلاً أكثر من ألف ومئة وأربعين سنة، أي حوالي (14) مرة بقدر عمر الإنسان الاعتيادي الذي يمرّ بكل المراحل الاعتيادية من الطفولة إلى الشيخوخة؟

كلمة الإمكان هنا تعني أحد ثلاثة معان: الإمكان العملي، والإمكان العلمي، والإمكان المنطقي أو الفلسفي.

وأقصد بالإمكان العملي: أن يكون الشيء ممكناً على نحو يتاح لي أو لك، أو لإنسان آخر فعلاً أن يحقّقه، فالسفر عبر المحيط، والوصول إلى قاع البحر، والصعود إلى القمر، أشياء أصبح لها إمكان عملي فعلاً. فهناك من يمارس هذه الأشياء فعلاً بشكل وآخر.
 
وأقصد بالإمكان العلمي: أنّ هناك أشياء قد لا يكون بالإمكان عملياً لي أو لك، أن نمارسها فعلاً بوسائل المدينة المعاصرة، ولكن لا يوجد لدى العلم ولا تشير اتّجاهاته المتحركة إلى ما يبرّر رفض إمكان هذه الأشياء ووقوعها وفقاً لظروف ووسائل خاصة، فصعود الإنسان إلى كوكب الزهرة لا يوجد في العلم ما يرفض وقوعه، بل إنّ اتّجاهاته القائمة فعلاً تشير إلى إمكان ذلك، وإن لم يكن الصعود فعلاً ميسوراً لي أو لك, لأنّ الفارق بين الصعود إلى الزهرة والصعود إلى القمر ليس إلاّ فارق درجة، ولا يمثل الصعود إلى الزهرة إلاّ مرحلة تذليل الصعاب الإضافية التي تنشأ من كون المسافة أبعد، فالصعود إلى الزهرة ممكن علمياً وإن لم يكن ممكناً عملياً فعلاً. وعلى العكس من ذلك الصعود إلى قرص الشمس في كبد السماء فإنّه غير ممكن علمياً، بمعنى أنّ العلم لا أمل له في وقوع ذلك، إذ لا يتصوّر علمياً وتجريبياً إمكانية صنع ذلك الدرع الواقي من الاحتراق بحرارة الشمس، التي تمثّل أتّوناً هائلاً مستعراً بأعلى درجة تخطر على بال إنسان.

وأقصد بالإمكان المنطقي أو الفلسفي: أن لا يوجد لدى العقل وفق ما يدركه من قوانين قبليّة - أي سابقة على التجربة - ما يبرّر رفض الشيء والحكم باستحالته.

فوجود ثلاث برتقالات تنقسم بالتساوي وبدون كسر إلى نصفين ليس له إمكان منطقي, لأنّ العقل يدرك - قبل أن يمارس أي تجربة - أنّ الثلاثة عدد فردي وليس زوجاً، فلا يمكن أن تنقسم بالتساوي, لأنّ انقسامها بالتساوي يعني كونها زوجاً، فتكون فرداً وزوجاً في وقت واحد، وهذا تناقض، والتناقض مستحيل منطقياً. ولكن دخول الإنسان في النار دون أن يحترق، وصعوده للشمس دون أن تحرقه الشمس بحرارتها ليس مستحيلاً من الناحية المنطقية، إذ لا تناقض في افتراض أنّ الحرارة لا تتسرّب من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة، وإنّما هو مخالف للتجربة التي أثبتت تسرب الحرارة من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة إلى أن يتساوى الجسمان في الحرارة.

وهكذا نعرف أنّ الإمكان المنطقي أوسع دائرة من الإمكان العلمي، وهذا أوسع دائرة من الإمكان العملي.

ولا شكّ في أنّ امتداد عمر الإنسان آلاف السنين ممكن منطقياً, لأنّ ذلك ليس مستحيلاً من وجهة نظر عقلية تجريدية، ولا يوجد في افتراض من هذا القبيل أي تناقض, لأنّ الحياة كمفهوم لا تستبطن الموت السريع، ولا نقاش في ذلك.

كما لا شكّ أيضاً ولا نقاش في أنّ هذا العمر الطويل ليس ممكناً إمكاناً عملياً، على نحو الإمكانات العملية للنزول إلى قاع البحر أو الصعود إلى القمر، ذلك لأنّ العلم بوسائله وأدواته الحاضرة فعلاً، والمتاحة من خلال التجربة البشرية المعاصرة، لا يستطيع أن يُمدّد عمر الإنسان مئات السنين، ولهذا نجد أنّ أكثر الناس حرصاً على الحياة وقدرة على تسخير إمكانات العلم، لا يتاح لهم من العمر إلاّ بقدر ما هو مألوف.

وأما الإمكان العلمي فلا يوجد علمياً اليوم ما يبرّر رفض ذلك من الناحية النظرية. وهذا بحث يتصل في الحقيقة بنوعية التفسير الفسلجي لظاهرة الشيخوخة والهرم لدى الإنسان، فهل تعبّر هذه الظاهرة عن قانون طبيعي يفرض على أنسجة جسم الإنسان وخلاياه - بعد أن تبلغ قمّة نموّها - أن تتصلّب بالتدريج وتصبح أقل كفاءة للاستمرار في العمل، إلى أن تتعطّل في لحظة معيّنة، حتى لو عزلناها عن تأثير أي عامل خارجي؟ أو أنّ هذا التصلب وهذا التناقض في كفاءة الأنسجة والخلايا الجسمية للقيام بأدوارها الفسيولوجية، نتيجة صراع مع عوامل خارجية كالميكروبات أو التسمّم الذي يتسرّب إلى الجسم من خلال ما يتناوله من غذاء مكثّف؟ أو ما يقوم به من عمل مكثّف أو أي عامل آخر؟

وهذا سؤال يطرحه العلم اليوم على نفسه، وهو جادّ في الإجابة عنه، ولا يزال للسؤال أكثر من جواب على الصعيد العلمي.

فإذا أخذنا بوجهة النظر العلمية التي تتّجه إلى تفسير الشيخوخة والضعف الهرمي، بوصفه نتيجة صراع واحتكاك مع مؤثرات خارجية معيّنة، فهذا يعني أنّ بالإمكان نظريّاً، إذا عزلت الأنسجة التي يتكوّن منها جسم الإنسان عن تلك المؤثّرات المعيّنة، أن تمتدّ بها الحياة وتتجاوز ظاهرة الشيخوخة وتتغلّب عليها نهائياً.

وإذا أخذنا بوجهة النظر الأخرى، التي تميل إلى افتراض الشيخوخة قانوناً طبيعيّاً للخلايا والأنسجة الحيّة نفسها، بمعنى أنها تحمل في أحشائها بذرة فنائها المحتوم، مروراً بمرحلة الهرم والشيخوخة وانتهاءً بالموت.

أقول:
إذا أخذنا بوجهة النظر هذه، فليس معنى هذا عدم افتراض أي مرونة في هذا القانون الطبيعي، بل هو - على افتراض وجوده - قانون مرن, لأننا نجد في حياتنا الاعتيادية, ولأنّ العلماء يشاهدون في مختبراتهم العلمية، أنّ الشيخوخة كظاهرة فسيولوجية لا زمنيّة، قد تأتي مبكّرة، وقد تتأخر ولا تظهر إلاّ في فترة متأخرة، حتى أنّ الرجل قد يكون طاعناً في السن ولكنه يملك أعضاء ليّنة، ولا تبدو عليه أعراض الشيخوخة كما نصّ على ذلك الأطباء. بل إنّ العلماء استطاعوا عمليّاً أن يستفيدوا من مرونة ذلك القانون الطبيعي المفترض، فأطالوا عمر بعض الحيوانات مئات المرّات بالنسبة إلى أعمارها الطبيعية, وذلك بخلق ظروف وعوامل تؤجل فاعلية قانون الشيخوخة.

وبهذا يثبت علمياً أنّ تأجيل هذا القانون بخلق ظروف وعوامل معيّنة أمر ممكن علمياً، ولئن لم يتح للعلم أن يمارس فعلاً هذا التأجيل بالنسبة إلى كائن معقّد معيّن كالإنسان، فليس ذلك إلاّ لفارق درجة بين صعوبة هذه الممارسة بالنسبة إلى الإنسان وصعوبتها بالنسبة إلى أحياء أخرى. وهذا يعني أنّ العلم من الناحية النظرية وبقدر ما تشير إليه اتجّاهاته المتحرّكة لا يوجد فيه أبداً ما يرفض إمكانية إطالة عمر الإنسان، سواء فسّرنا الشيخوخة بوصفها نتاج صراع واحتكاك مع مؤثّرات خارجية، أو نتاج قانون طبيعي للخليّة الحيّة نفسها يسير بها نحو الفناء.

ويتلخّص من ذلك: أنّ طول عمر الإنسان وبقاءه قروناً متعدّدة أمر ممكن منطقياً وممكن علمياً، ولكنه لا يزال غير ممكن عملياً، إلاّ أنّ اتّجاه العلم سائر في طريق تحقيق هذا الإمكان عبر طريق طويل.
وعلى هذا الضوء نتناول عمر المهديّ عليه الصلاة والسلام وما أحيط به من استفهام أو استغراب، ونلاحظ:

إنه بعد أن ثبت إمكان هذا العمر الطويل منطقياً وعلمياً، وثبت أنّ العلم سائر في طريق تحويل الإمكان النظري إلى إمكان عملي تدريجاً، لا يبقى للاستغراب محتوىً إلاّ استبعاد أن يسبق المهديّ العلم نفسه، فيتحوّل الإمكان النظري إلى إمكان عملي في شخصه، قبل أن يصل العلم في تطوّره إلى مستوى القدرة الفعلية على هذا التحويل، فهو نظير من يسبق العلم في اكتشاف دواء ذات السحايا أو دواء السرطان.
وإذا كانت المسألة هي أنه كيف سبق الإسلام - الذي صمّم عمر هذا القائد المنتظر - حركة العلم في مجال هذا التحويل؟

فالجواب: إنه ليس ذلك هو المجال الوحيد الذي سبق فيه الإسلام حركة العلم.

أو َليست الشريعة الإسلامية ككلّ قد سبقت حركة العلم والتطوّر الطبيعي للفكر الإنساني قروناً عديدة؟
أولم تنادِ بشعارات طرحت خططاً للتطبيق لم ينضج الإنسان للتوصل إليها في حركته المستقلة إلاّ بعد مئات السنين؟
أولم تأتِ بتشريعات في غاية الحكمة، لم يستطع الإنسان أن يدرك أسرارها ووجه الحكمة فيها إلاّ قبل برهة وجيزة من الزمن؟
أولم تكشف رسالة السماء أسراراً من الكون لم تكن تخطر على بال إنسان، ثمّ جاء العلم ليثبّتها ويدعمها؟

فإذا كنا نؤمن بهذا كله، فلماذا نستكثر على مرسل هذه الرسالة - سبحانه وتعالى - أن يسبق العلم في تصميم عمر المهديّ؟وأنا هنا لم أتكلم إلاّ عن مظاهر السبق التي نستطيع أن نحسّها نحن بصورة مباشرة، ويمكن أن نضيف إلى ذلك مظاهر السبق التي تحدّثنا بها رسالة السماء نفسها.

ومثال ذلك أنها تخبرنا بأنّ النبيّ صلى الله عليه واله قد أسري به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهذا الإسراءإذا أردنا أن نفهمه في إطار القوانين الطبيعيّة، فهو يعبّر عن الاستفادة من القوانين الطبيعية بشكل لم يُتح العلم أن يحقّقه إلاّ بعد مئات السنين، فنفس الخبرة الربانية أتاحت للرسول صلى الله عليه واله التحرك السريع قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك، أتاحت لآخر خلفائه المنصوصين العمر المديد ، قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلك.

نعم، هذا العمر المديد الذي منحه الله تعالى للمنقذ المنتظر يبدو غريباً في حدود المألوف حتى اليوم في حياة الناس، وفي ما أنجز فعلاً من تجارب العلماء.

ولكن! أوَليس الدور التغييري الحاسم الذي أعدّ له هذا المنقذ غريباً في حدود المألوف في حياة الناس، وما مرّت بهم من تطورات التاريخ؟
أوَليس قد أنيط به تغيير العالم، وإعادة بنائه الحضاري من جديد على أساس الحق والعدل؟
فلماذا نستغرب إذا اتّسم التحضير لهذا الدور الكبير ببعض الظواهر الغريبة والخارجة عن المألوف، كطول عمر المنقذ المنتظر؟ فإنّ غرابة هذه الظواهر وخروجها عن المألوف مهما كان شديداً، لا يفوق بحال غرابة نفس الدور العظيم الذي يجب على اليوم الموعود إنجازه. فإذا كنا نستسيغ ذلك الدور الفريدتاريخياً على الرغم من أنه لا يوجد دور مناظر له في تاريخ الإنسان، فلماذا لا نستسيغ ذلك العمر المديد الذي لا نجد عمراً مناظراً له في حياتنا المألوفة؟

ولا أدري!
هل هي صدفة أن يقوم شخصان فقط بتفريغ الحضارة الإنسانية من محتواها الفاسد وبنائها من جديد، فيكون لكلّ منها عمر مديد يزيد على أعمارنا الاعتيادية أضعافاً مضاعفة؟
أحدهما مارس دورا في ماضي البشرية وهو النبيّ نوح، الذي نصّ القرآن الكريم على أنه مكث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً، وقدّر له من خلال الطوفان أن يبني العالم من جديد.
والآخر يمارس دوره في مستقبل البشرية وهو المهديّ الذي مكث في قومه حتى الآن أكثر من ألف عام، وسيقدّر له في اليوم الموعود أن يبني العالم من جديد.
فلماذا نقبل نوح الذي ناهز ألف عام على أقل تقدير ولا نقبل المهديّ؟.


 1- بحث حول المهدي / الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر .

صرح قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي الخامنئي بان الشباب المؤمن قضى على الغدة السرطانية داعش التي زرعها الاعداء في المنطقة.

وخلال استقباله صباح اليوم الاربعاء حشدا من قادة ومنتسبي منظمة التعبئة بمناسبة أسبوع التعبئة في إيران قال سماحة القائد، أنه وبعد مضي 38 عاماً على انتصار الثورة الإسلامية في إيران، لمن معاجز الثورة الاسلامية في ايران تواجد الشباب هكذا في الساحة وتاثيرهم في المنطقة وهم الذين لم يروا الامام ولا انتصار الثورة ولا مرحلة الدفاع المقدس.

وقال سماحته ان العدو شدد من عدائه من كل جانب للقضاء على المقاومة الناهضة من الفكر الثوري والاسلامي في المنطقة الا ان الشباب والرجال المؤمنين والصامدين بعزم وثبات قد اركعوا الاعداء بقضائهم على الغدة السرطانية التكفيرية واثبتوا للجميع مفهوم "اننا قادرون".

واضاف، ان الجمهورية الاسلامية وبعد 38 عاما من عداء الاستكبار والصهيونية والرجعية لها هي اليوم اكثر تقدما واقوى مئات ولربما آلاف المرات مقارنة مع بدايات الثورة وهو ما يعني الاجر الدنيوي للثبات والصمود.

واعتبر تاثير جيل الشباب والمؤمن بالبلاد في المنطقة رغم انه لم ير بداية الثورة والامام والدفاع المقدس، بانه من معاجز الثورة الاسلامية واضاف، لقد تمكنتم انتم الشباب من اركاع ودحر اميركا المستكبرة.

واعتبر قائد الثورة الاسلامية الروح والشعور التعبوي بانه العنصر الحقيقي في القضاء على الغدة السرطانية داعش واضاف، لقد سعى الاعداء بواسطة هذا التنظيم التكفيري اللاانساني للتصدي للتاثير على تيار المقاومة الا ان الشباب المؤمن دخلوا ساحة الجهاد بحافز ولهفة واركعوا العدو.

وانتقد سماحته الذين يبثون اليأس ويدعون للمحاباة امام القوى الكبرى واضاف، ان عدة مؤامرات متتالية لاميركا والصهيونية والرجعية في المنطقة تم اجهاضها باقتدار الجمهورية الاسلامية احداها القضاء على داعش، الا يثبت هذا الامر "اننا قادرون" ؟.

واعتبر آية الله الخامنئي القضاء على هذا التنظيم التكفيري اللاانساني بهمم الشباب والرجال المؤمنين وجهود الذين يقبلون بالمقاومة، انجازا عظيما جدا واضاف، انه في بعض الدول الجارة لم يكن هنالك الايمان متوفرا بامكانية القضاء على داعش ولكن حينما دخلوا الساحة راوا الانتصار باعينهم وايقنوا برسالة الثورة الاسلامية وهي "اننا قادرون" كما ان الثورة اثبتت بانها توصل الى الشعوب عملانيا رسائلها البديعة والتي تحمل في طياتها الحلول.

واعتبر سماحته "اسقاط النظام الملكي المستبد والعميل" و"ايجاد عوامل وعناصر تقدم واقتدار الجمهورية الاسلامية" و"القدرة على النفوذ في افكار الشعوب" من ضمن الامثلة الكثيرة لقدرة الشعب الايراني واضاف، انه من الان فصاعدا وبتوفيق من الباري تعالى ستواصل الثورة الاسلامية حركتها في مسار تحقيق اهدافها اعتمادا على الجيل الشاب والمؤمن.

واشار آية الله الخامنئي الى اهداف الثورة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والسياسية والثقافية واضاف، انه وبفضل الباري تعالى ستصل ايران العزيزة في المستقبل غير البعيد الى جميع اهدافها وسيقوم جيل الشباب بحل المعضلات الاقتصادية ومضاعفة الانجازات العلمية وتحقيق المفاهيم والمضامين الثقافية والقرآنية في المجتمع.

واوصى قائد الثورة الاسلامية باليقظة امام الاعداء واضاف، انه على القوى المبدعة والمؤمنة الاستعداد للتصدي لاحابيل واساليب الاعداء الجديدة وان تعمل بمسؤوليتها عبر الوقاية والرد المناسب.

في مرحلة ما، كان المحور المقابل يعاني من غياب شريك فاعل في الساحة الإسلامية "السنية" يدحض التفاهم معه مذهبية الصراع في المنطقة. وبالرغم من محاولة إيران الرهان على حركة "الإخوان المسلمين" في مصر تحديدًا إبّان حكم محمد مرسي، إلا أنّ تجربة الإخوان في علاقاتها الخارجية عكست غياب الرؤية لديها داخليًا، ولم تُحسن إلتقاط الفرصة.

يُنقل عن دبلوماسي أميركي "عريق" معروف بقربه من إسرائيل قوله إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب "سعيد برؤية بنيامين نتنياهو و محمد بن سلمان يتوليان القيادة" وملء الفراغ الذي خلّفه الإنسحاب الأميركي من الشرق الأوسط، وتحديدًا من سوريا. هكذا يردّ الدبلوماسي الأميركي على التحليلات القائلة بأن الرياض وتل أبيب يسعيان لإعادة النفوذ الأميركي إلى المنطقة.

تطرق أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في كلمته التلفزيونية قبل الأخيرة إلى قاعدة تحكم المشهد الإقليمي: "إسرائيل لا تعمل عند السعودية بل عند الولايات المتحدة وعند مصالحها وإسرائيل لن تذهب إلى حرب مع لبنان إلا إذا كانت سريعة".

قبل حرب تموز 2006، كان التقدير السائد أن إسرائيل تحكمها عوامل أخف قيداً عند دراسة قرار الحرب. بعد حرب تموز/ يوليو، بات التقدير أنّ إسرائيل لا تذهب إلى حرب من دون ضوء أخضر أميركي بالكامل.

ما القواعد الحاكمة الآن؟ هل بمقدور السعودية إقناع اسرائيل بشنّ حرب في المنطقة وإلى أي مدى بمقدور دول وجهات عربية لا تسير في الفلك السعودي أن تشكلّ عنصر توازن في وجه محاولات "مذهبة" الصراع؟

تُجمع التقديرات العسكرية الإسرائيلية، والأميركية، على إكتساب حزب الله لخبرات نوعية نتيجة الحرب في سوريا. لكن بُعدًا أخراً يتم إدراجه في حسابات الحرب: الإستنزاف. تعتقد العديد من الدراسات المرموقة، البعيدة عن العناوين الإعلامية البرّاقة، أنّ حزب الله قد وجد نفسه يقاتل "مسلمين" مثله في سوريا. ترتبط هذه الفكرة من منظور إسرائيلي بما تعتبره تل أبيب فرصةً لإضفاء طابع مذهبي على الصراع بالإستناد إلى آلة إعلامية محترفة تدفع بهذا الإتجاه. في الإتجاه نفسه، يكاد مصطلح "الدول السنية المعتدلة" لا يغيب عن أدبيات القادة والإعلام الإسرائيليين منذ حرب تموز 2006.

في مرحلة ما، كان المحور المقابل يعاني من غياب شريك فاعل في الساحة الإسلامية "السنية" يدحض التفاهم معه مذهبية الصراع في المنطقة. وبالرغم من محاولة إيران الرهان على حركة "الإخوان المسلمين" في مصر تحديدًا إبّان حكم محمد مرسي، إلا أنّ تجربة الإخوان في علاقاتها الخارجية عكست غياب الرؤية لديها داخليًا، ولم تُحسن إلتقاط الفرصة.

وبعد أن بدأت إرهاصات الإتفاق النووي مع إيران تلوح في الأفق، ضغطت إسرائيل أكثر باتجاه تقديم العالم العربي على أنه خاسرٌ من الإتفاق، مع أنّ مضمونه يعكس بوضوح إشارات للسلام الدولي والإقليمي ورغبةً إيرانية في فكّ الحصار. يمكن تحميل إيران وحلفائها مسؤولية محددة في هذه المسألة لناحية طريقة تقديم الإتفاق النووي للمحيط العربي إعلاميًا وسياسيًا، ما ساهم عن غير قصد في تعزيز "بروباغندا" الدول والجهات التي وجدت نفسها خاسرة منه؛ وفي مقدمها السعودية وإسرائيل.

لم تكن المفاوضات حول النووي الإيراني قد وصلت إلى مرحلة الإتفاق، حين بدأ اللبنانيون يتهامسون في الصالونات السياسية أنباءَ عن مداورة في موقع الرئاسات الثلاث، فضلًا عن إتفاق لتحويل حزب الله إلى ما يشبه "الحرس الثوري" للجمهورية اللبنانية. لم تكن هذه الأنباء بريئة، بل كانت إحدى خطوات التأجيج المذهبي والطائفي في لبنان، نظرًا لحساسية أي حديث يدور حول تغيير في شكل النظام المعتمد منذ عشرات السنين. بالتوازي، كان وزير الخارجية السعودي "عادل الجبير" يتنقل بين العواصم، ومن بينها بغداد، ناقلًا "تمنيات" بحصول حرب أميركية – إسرائيلية على إيران و حزب الله، مع أن السياق الأميركي وقتها كان قد بدأ بإعادة التموضع في الشرق الأوسط مع إقتراب نهاية ولاية باراك أوباما، وتصاعد الحديث في أروقة واشنطن حول الحاجة لنقل الإهتمام إلى الشرق الأدنى.

ناهيك عن أنّ المصلحة الفعلية الأميركية والإسرائيلية كانت حتى تلك اللحظة في الإستمرار في "إشغال" حزب والله وإيران في سوريا. فما الحاجة للذهاب إلى حرب إقليمية ما دامت سوريا "تستنزف" أعداء إسرائيل، بحسب تقديراتها؟

أما وقد انتهت ورقة "داعش" العسكرية، وباتت "النصرة" محاصرةً في جيب جغرافي سهل التعامل معه نسبيًا، فإنّ "الإستنزاف" الذي كانت تحسبه إسرائيل ورقة رابحة قد إنتفى، وهناك حاجة لتثبيت اركان نظرية "الدول السنية المعتدلة" التي تنادي بها تل أبيب منذ أكثر من عقد من الزمن.

في هذه اللحظة، إرتكبت السعودية خطأ استراتيجيًا لا يمكن فهمه سوى بأنه نتيجة إنفعال وتسرّع "الحاكمون الجدد" في المملكة، من خلال إستعداء قطر وشرخ التحالف الخليجي الهش.

هذا الإستعداء أثار بطبيعة الحال شهية الإدارة الأميركية للمال عملًا بسياسة الإبتزاز الرسمية التي نجح دونالد ترامب في جعلها منهجًا لسياسة واشنطن الخارجية، في ظلّ صمت إسرائيلي حيال الأزمة تخرقه بين الحين والأخر تحذيرات من تطور الخلاف العربي – العربي !

عند هذه النقطة، تبحث الرياض وتل ابيب مرة جديدة عن التقاء المصالح. ليس من مصلحة السعودية وجود أصوات عربية معارضة لتزعمها وقيادتها العالم العربي. وليس من مصلحة إسرائيل وجود "دول سنية غير معتدلة". لذا، ستجد المقاومة الفلسطينية نفسها محاصرة وسط هاتين المصلحتين، وليس مستبعدًا أن تقع إسرئيل في حسابات خاطئة عند جبهتها الجنوبية نتيجة إلتقاء المصالح مع السعودية. لهذا حذر أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير المقاومة الفلسطينية من مخاطر المرحلة المقبلة، ولهذا أيضاً أشار بوضوح إلى عمل الحزب على نقل السلاح النوعي إلى فلسطين المحتلة.

الخميس, 23 تشرين2/نوفمبر 2017 15:51

حزب الله نصرُ العرب والإسلام

وصف وزراء خارجية الأنظمة العربية حزب الله بالإرهابي، وتعهّدوا بمُلاحقته ومُلاحقة أنصار الله، وبالتأكيد أضمروا مُلاحقة حماس والجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية. هؤلاء لا يخيفون أحداً، ولا يُعتدّ بقراراتهم، وأعجز من أن يكونوا أهل حرب أو أهل سلام.

وزراء خارجية العرب كما الذين نصَّبوهم شهوانيون يلهثون وراء مصالح خاصة تافهة تأتي على صاحبها بالوبال. فقط اعترضت دولتان وفق ما قرأنا في الإعلام وهما لبنان والعراق. وأين أهل فلسطين؟ أين وزير خارجية سلطة الحُكم الذاتي الفلسطيني الذي من المفروض أن يشعِل جلسة هؤلاء الوزراء؟ لم نسمع منه شيئاً عِلماً أن حزب الله يقف من أجل فلسطين. لقد أنهى حزب الله احتلال لبنان إلى حد كبير من قِبَل الصهاينة والإرهابيين، وبقيت فلسطين التي تنتظر أهلها ليثأروا لها.

حزب الله ليس إرهابياً، وإنما تنظيم يقاتل من أجل الحرية، حرية العرب والمسلمين، وحرية الديار المُقدّسة في فلسطين، وسينتقل يوماً نحو تحرير الأراضي المُقدَّسة. الإرهابيون هم الكيان الصهيوني وأعوانه من الأنظمة العربية التي يجسِّدها وزراء الخارجية. الكيان الصهيوني هو رأس الإرهاب. هو كيان قام على الإرهاب وقَتْل الفلسطينيين وتهجيرهم من أجل أن تخلو له الأرض. وقد ساعدت الأنظمة العربية الصهاينة قبل عام 1948 للاستيلاء على فلسطين وتشريد شعبها بدعم من بعض القادة العرب وبعض القيادات الفلسطينية المقدسية والإقطاعية.

الاحتلال بالتعريف إرهاب، والكيان الصهيوني هو مصدر الإرهاب الأول في المنطقة والعالم، ولولا وجوده لما تطوّرت تنظيمات إرهابية أساءت إلى العرب والمسلمين.

حزب الله هو الذي أثبت قدرته وجدارته في الدفاع عن الأمّة. إنه تنظيم لم يشهد له التاريخ مثيلاً من حيث الالتزام والانتماء والشجاعة والتدريب والتنظيم والتضحية والفداء والإقدام. لقد هزم الكيان الصهيوني مرتين، وقدَّم خدمات جليلة للمقاومة الفلسطينية التي صدَّت الجيش الصهيوني في ثلاث حروب متتالية. لا يحق لمن طوَّعوا الأمّة ذليلة لأعدائها أن يتطاولوا على حزب الله وقائده السيّد حسن  الله. السيّد حسن هو القائد العربي الفذّ الذي من المفروض أن يقود الأمّة العربية، ولولا بعض أبناء لبنان التابعين لأنظمة عربية يعرقلونه ويضعون الأشواك في طريقه لتصدَّر لبنان المشهد العربي من دون مُنازِع. حزب الله هو الذي سيقود المعركة ضدّ الكيان الصهيوني، وهو الذي سيسجلّه التاريخ في ألمع صفحاته البيضاء. أما حُكّام العرب فسيحكم عليهم التاريخ بما هم أهل له.

ضرب حزب الله مثلاً عالمياً أعلى في الأدب والقِيَم الأخلاقية. لقد طوَّر منظومة أخلاقية سامية يتحلَّى بها أفراده وعناصره ومناصروه، وقد أثبتوا جميعاً المستوى الرفيع في ميادين المعارك. وإذا كان هناك مَن يُقاوِم الإرهاب فهو حزب الله. ولا غرابة أن تقف أنظمة العرب التي زوَّدت الإرهابيين بالمال والسلاح من أجل تدمير دول عربية أن تقف ضدّه.

عبد الستار قاسم

الرؤساء الروسي والإيراني والتركي يعقدون مؤتمراً صحافياً في ختام سوتشي، والرئيس الروسي يقول إن الزعماء الثلاثة يحددون الخطوات الأولى لإطلاق حوار شامل في سوريا، في وقتٍ اعتبر فيه نظيره الإيراني أن الهدف الرئيسي للقمة هو تهيئة الحوار السوري بمشاركة كل مكونات المجتمع بما فيها الحكومة والمعارضة، بينما شدد إردوغان على أن "استبعاد الجماعات الإرهابية من العملية السياسية في سوريا أولوية بالنسبة لتركيا".

صدر البيان الختامي للقمة الروسية الإيرانية التركية في مدينة سوتشي الروسية ، وفي مؤتمر صحافي عقده رؤساء روسيا وايران وتركيا، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن الزعماء الثلاثة يحددون الخطوات الأولى لاطلاق حوار شامل في سوريا، وقد اتفقنا على الاستمرار في الجهود للقضاء على داعش والنصرة".

وإذّ اعتبر أن الانتصار على الإرهاب يفتح آفاقاً جديدة للحل السياسي، كشف بوتين "أننا نجحنا في الحيلولة دون تقسيم سوريا وظهرت فرصة حقيقية لوضع حد للحرب الدائرة منذ سنوات".

بدوره، أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني "نستطيع اليوم اتخاذ القرارات المؤثرة في عملية إعادة الاستقرار إلى سوريا، مشيراً إلى أنه "لا يمكن استخدام الارهاب كآلية لأي دولة ويتحول إلى خطر كبير على الدول".

وشدد روحاني على أن "الهدف الرئيسي للقمة هو تهيئة الحوار السوري بمشاركة كل مكونات المجتمع بما فيها الحكومة والمعارضة"، الذي يجب أن يؤسس للإصلاح الدستوري والانتخابات العامة".

أمّا الرئيس التركي رجب طيب إردوغان فكشف عن البحث في "الخطوات التي يجب اتخاذها لتجاوز الأزمة السورية، وأن الخطوة الرئيسية تكمن في إنشاء مناطق خفض التصعيد ودعم العملية السياسية في سوريا".

وأضاف إردوغان أن "من أولويات مهامنا عدم دعم أي طرف يتحالف مع الارهاب"، لافتاً إلى أن "التوصل إلى حل في عفرين سيكون خطوة حاسمة في حل الأزمة السورية".

وأكد أن "استبعاد الجماعات الإرهابية من العملية السياسية في سوريا أولوية بالنسبة لتركيا".

 أعمال القمة الثلاثية الروسية الإيرانية التركية والتي تبحث في الحلّ السياسي للأزمة السورية انطلقت ظهر اليوم الأربعاء في سوتشي..

وأكد موفد الميادين أن القمة الثلاثية الروسية الإيرانية التركية سيصدر عنها بيان مشترك يتضمن مبادئ الانتقال إلى العمل السياسي فيما يخص حلّ الأزمة في سوريا.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال خلال افتتاح القمة الثلاثية إنّ اللقاء الروسي مع إيران وتركيا يهدف إلى تعزيز وتطوير "التغييرات الإيجابية" في سوريا.

وبحسب بوتين فإنّ الأعمال القتالية الواسعة النطاق ضد الإرهابيين في سوريا "تشارف على الإنتهاء"، مضيفاً أنّه من دون الدورين التركي والإيراني ما كان هناك وقف للعمليات القتالية في سوريا.

وطالب بإضفاء الطابع الرسمي على التسوية السياسية في سوريا في إطار عملية جنيف.

وأشار إلى أنّ الشعب السوري عليه أن يحدد مستقبله والعملية ليست بالسهلة وتتطلب "تنازلات بما في ذلك من قبل الحكومة السورية"، قائلاً "واثق من أن الحوار خلال لقاء سوتشي سيكون مثمراً والاتفاقيات ستسمح بتعزيز وحدة أراضي سوريا".

ولفت إلى أنّ الجانب الإنساني والمساعدات للسكان وإزالة الألغام ومساعدة اللاجئين للعودة، أمور هامة للتسوية في سوريا.

وقال بوتين "نجحنا في الحيلولة دون تقسيم سوريا وظهرت فرصة حقيقية لوضع حد للحرب الدائرة منذ سنوات".

بدوره، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إنّه توجد فرصة حقيقية لإحلال السلام في سوريا ويجب استثمارها، مشيراً إلى أنه "يجب الاستمرار في العمل حتى استئصال آخر خلايا الإرهاب في سوريا".

وأكد أنه يجب القضاء على الاٍرهاب التكفيري في سوريا والمنطقة.

ولفت روحاني إلى أنه لا توجد أي مبررات لوجود قوات ـجنبية في سوريا من دون موافقة دمشق، مضيفاً أنّ إيران مستعدة لتقديم المساعدات لدول المنطقة في محاربة الإرهاب.

كما ذكر أنّ بعض الدول لا تتخلى عن استخدام الإرهاب لتحقيق أهدافها قصيرة النظر.

 أما الرئيس التركي رجب طيب إردوغان فقال خلال كلمة له إنّ "هذا اللقاء تاريخي من أجل مناقشة القضية السورية"، وذكر أنّ "روسيا وإيران وتركيا تسعى إلى إيجاد حلول جذرية للأزمة السورية".

وأمل أردوغان التوصل في سوتشي لاتخاذ قرارات حاسمة حول سوريا، منوهاً إلى أنّ مفاوضات أستانة صبت في مصلحة منطقة الشرق الأوسط بأكملها.

وفي هذا الإطار، شدّد على أنّ "اللقاء الثلاثي هام لوقف حمام الدم في سوريا" وأنّ "قرارات حيوية ستتخذ اليوم لحل الأزمة".

وذكر  أردوغان أنّ وزراء خارجية إيران وتركيا وروسيا عقدوا اجتماعا تحضيريًا قبل لقاء الرؤساء، "وسنقوم باتخاذ قرارات تاريخية وأتمنى أن يكون هذا الاجتماع وسيلة لإيجاد حلول للأزمة السورية".

وأضاف "لقد وصلنا إلى نقطة جيدة بما يتعلق بالشأن السوري، ولكنها بالطبع غير كافية، وما زلنا نسعى من أجل إيجاد حلول جذرية للأزمة السورية".

وكان الرئيسان التركي والإيراني وصلا مدينة سوتشي الروسية وعقدا قمة ثنائية بحضور وزراء ومسؤولين عن البلدين.

ووصف الإعلام التركي القمة بالهامة وقد عُقدت بعيداً عن الإعلام.

الرئيس الإيراني وقبيل مغادرته لطهران قال إنّ اجتماع سوتشي اليوم الأربعاء "مهم" وينعقد بين حدثين مهمَين، الأول القضاء على داعش، والثاني الاجتماعات السورية السورية التي سترسم مستقبل سوريا.

وأكّد روحاني أن قمة سوتشي يجب أن تلبي وجهات نظر الشعب السوري.

كما رأى روحاني أن ظهور الجماعات الإرهابية في المنطقة، كان جزءاً من مشروع القوى الغربية الكبيرة وإسرائيل وأميركا، لتنفيذ مشروع "الشرق الأوسط الكبير" إلا أن تيار المقاومة ألحق بهم الهزيمة كما قال.

ويعقد رؤساء روسيا وتركيا وإيران قمة في سوتشي ضمن سلسلة من اللقاءات الدولية التي تهدف إلى إيجاد تسوية سياسية، بعد أن اقتربت الحرب على تنظيم "داعش" من نهايتها.

 وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد استقبل أمس الثلاثاء نظيره السوري بشار الأسد الذي وصل سوتشي في زيارة غير معلنة، واستمر اللقاء لعدة ساعات أكّد فيه الرئيس الروسي أنّ موسكو تعوّل على مشاركة الأمم المتحدة بشكل فعّال في المرحلة النهائية من التسوية، كما أعلن الرئيس السوري استعداد دمشق للحوار مع كل المهتمين بالتسوية السياسية في سوريا.

قال عبد اللطيف الهميم، رئيس ديوان الوقف السُني في العراق (مؤسسة رسمية تعنى بتنظيم الأمور الدينية للسُنة)، اليوم الأربعاء، أن مناهج التعليم في الديوان خالية من مفردات الطائفية أو التحريض.

جاء ذلك في كلمة له على هامش مؤتمر "مناهضة الغلو والتطرف والإرهاب"، الذي نظم بمقر الديوان وسط العاصمة العراقية بغداد.

وأعلن الهميم، بدء مرحلة جديدة من الإصلاح والتحديث.

وقال الهميم، إن "الحملة الوطنية لمواجهة الغلو والتطرف الديني مبنية على أساس تفكيك الخارطة الذهنية والمعرفية للإرهاب، ومعالجة كل مفردة من مفرداتها".

وأضاف: "نستطيع اليوم أن نقول إن مفردة واحدة تسيء إلى دين أو مذهب أو طائفة أو تحرض على الكراهية أو العنف أو القتل أو التكفير، لا توجد في مناهج التعليم الأول والمتقدم".

وتابع: "دخلنا مرحلة جديدة على مستوى التعليم، هي مرحلة التحديث والإصلاح للانتقال إلى صياغة عالِم يجيد التعامل مع الواقع وشروطه".

من جهته، قال فاضل البدراني، رئيس الحملة الوطنية لمناهضة الغلو والتطرف والإرهاب في كلمته، إن "الإرهاب والتطرّف والغلو أمر بالغ الخطورة، يستهدف المجتمع والشباب بصورة خاصة، لذا يتطلب من المؤسسة الإعلامية الوقوف بجد للتصدي لظاهرة الغلو والتطرف".

بدوره، قال المستشار في الرئاسة العراقية، عبد ذياب العجيلي، خلال المؤتمر، إن "الحملة الوطنية لمناهضة الغلو والتطرف والإرهاب أسهمت في تضييق الخناق على الإرهاب بعد أن تبنت الحملة محاربة الفكر المتشدد، ووضحت المفاهيم الخاطئة المنتشرة في المجتمع".

وأضاف العجيلي: "العراق يحتاج في المرحلة الحالية وقفة الجميع ضد الفكر المتطرف ونبذ الكراهية خصوصًا بعد القضاء على تنظيم داعش الإرهابي".

وأمس الثلاثاء، أعلن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، القضاء على "داعش" من الناحية العسكرية، وأشار إلى قرب انتهاء عمليات التطهير الجارية في صحراء الأنبار غربي البلاد.

وخسر "داعش" الأراضي التي كان سيطر عليها في 2014، والتي كانت تقدر بثلث مساحة العراق، إثر حملات عسكرية متواصلة منذ ثلاث سنوات بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري يقول عقب خلوة جمعته بالرئيس ميشال عون إنّ الأخير تمنّى عليه "التريث للتشاور" في أسباب استقالته ويؤكد أنه أبدى تجاوباً مع طلب الرئيس اللبناني.

أكّد رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري أنّه تجاوب مع طلب الرئيس ميشال عون "التريث للتشاور" في أسباب استقالته التي أعلنها قبل 3 أسابيع من الرياض.

وقال الحريري في كلمة مقتضبة له من قصر بعبدا "لقد عرضت اليوم استقالتي على فخامة الرئيس وقد تمنى عليّ التريث في تقديمها والاحتفاظ بها لمزيد من التشاور في أسبابها وخلفياتها السياسية فأبديت تجاوبي مع هذا التمنّي آملاً أن يشكّل مدخلاً جدياً لحوار مسؤول

يجدد التمسك باتفاق الطائف ومنطلقات الوفاق الوطني ويعالج المسائل الخلافية وانعكاساتها على علاقات لبنان مع الأشقاء العرب".

وأضاف "إنني أتطلع في هذا اليوم إلى شراكة حقيقية من كل القوى السياسية، في تقديم مصلحة لبنان العليا على أي مصالح أخرى وفي الحفاظ على سلامة العيش المشترك بين اللبنانيين وعلى المسار المطلوب لإعادة بناء الدولة".

"لبنان أمانة غالية أودعها الشعب اللبناني في ضمائر كل الأحزاب والتيارات والقيادات" بحسب الحريري.

إن وطننا الحبيب يحتاج في هذه المرحلة الدقيقة من حياتنا الوطنية إلى جهود استثنائية من الجميع لتحصينه في مواجهة المخاطر والتحديات. وفي مقدمة هذه الجهود، وجوب الالتزام بسياسة النأي بالنفس عن كل ما يسيء إلى الاستقرار الداخلي والعلاقات الأخوية مع الأشقاء العرب.

وجدد الحريري "وجوب الالتزام بسياسة النأي بالنفس عن الحروب وعن الصراعات الخارجية والنزاعات الإقليمية وعن كل ما يسيء إلى الاستقرار الداخلي والعلاقات الأخوية مع الأشقاء العرب".

ولفت رئيس مجلس الوزراء إلى التعاون التام مع عون، كما شكر رئيس مجلس النواب نبيه بري وحكمته وتمسكه بالدستور.

وأمل الحريري بعد لقائه رئيس الجمهورية في بعبدا أن يشكل موقفه مدخلاً جديّاً لحوار مسؤول لمعالجة المسائل الخلافية.

وأكّد الحريري الالتزام التام بالتعاون مع الرئيس عون لحماية لبنان من "الحروب والحرائق المحيطة" في المنطقة.

ويأتي تصريح الحريري عقب "خلوة" جمعته مع الرئيس اللبناني في القصر الرئاسي في بعبدا.

وأفاد مراسل الميادين نت أنّ الخلوة أتت بعد اجتماع ثلاثي ضمّ عون والحريري وبري عقب انتهاء العرض العسكري الاحتفالي بعيد الاستقلال في لبنان.

وكان الرئيس اللبناني ترأس العرض العسكري في جادة شفيق الوزان في بيروت لمناسبة الذكرى الرابعة والسبعين للاستقلال بحضور رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري ووزراء ونواب لبنانيين وشخصيات سياسية وعسكرية.

ووصل رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري ليل أمس الثلاثاء إلى العاصمة بيروت بعد غيابه عنها 3 أسابيع وتقديم استقالته من الرياض.

 

الحريري لمناصريه: أنا باق معكم

الحريري: أنا باق معكم وسنكمل سوياً لنكون خط الدفاع عن لبنان

وفي لقاء مع مناصريه وسط بيروت قال الحريري "أنا باق معكم وسنكمل سوياً لنكون خط الدفاع عن لبنان واستقراره وعروبته".

وأضاف الحريري في خطابه "إنها لحظة لن أنساها بلقائي معكم مع الرفاق والأهل".

وخاطب رئيس مجلس الوزراء المحتشدين في ساحة بيت الوسط "نحن أهل الاعتدال والاستقرار".

وبحسب مراسل الميادين فإنّ الحريري كان مرتاحاً ومتحمساً في خطابه ودون ملاحظة وجود إجراءات أمنية مشددة جداً.

 

قبرص تطرح مبادرات تهدف لـ "استقرار لبنان"

من جهتها أعلنت قبرص اليوم أنّها ستحاول طرح مبادرات للمساعدة في نزع فتيل الأزمة بلبنان وذلك بعد أن زيارة غير معلنة للحريري إلى قبرص  الليلة الماضية.

وقال نيكوس كريستودوليدس المتحدث باسم الحكومة القبرصية "هدفنا المشترك هو استقرار لبنان واستقرار منطقتنا. وفي هذا السياق... سيطرح رئيس الجمهورية بعض المبادرات تحديداً لمؤازرة هذا الهدف: استقرار لبنان".

وكان الحريري قد التقى بالرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس في مطار لارنكا لحوالي 45 دقيقة مساء أمس في طريق عودته إلى لبنان.

وصل رئيس الوزراء اللبناني المستقيل، سعد الحريري، في الساعات الأولى من يوم الأربعاء 22 نوفمبر 2017، إلى مطار رفيق الحريري الدولي في العاصمة اللبنانية بيروت.

جدير بالذكر أن الرئيس اللبناني ميشال عون، تلقى السبت 18 نوفمبر، اتصالا هاتفيا من رئيس مجلس الوزراء المستقيل سعد الحريري بعد وصوله إلى باريس مع زوجته، وأعلمه فيه أنه سيحضر إلى لبنان، للمشاركة في الاحتفال بعيد الاستقلال يوم الـ22 نوفمبر/تشرين الثاني.

وكان الحريري قد غادر السعودية، التي أعلن منها استقالته منذ أسبوعين، إلى فرنسا بعد تلقيه دعوة من الرئيس إيمانويل ماكرون.

من المهم الإشارة إلى أن الرئيس اللبناني اتهم السعودية باحتجازها الحريري والضغط عليه، قائلا إنه رفض استقالته بانتظار عودة صاحب الشأن.

تجدر الإشارة إلى أن الحريري أعلن في الـ4 نوفمبر ، في خطوة مفاجئة اتخذها خلال زيارته إلى السعودية، عن استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية.

وهاجم الحريري بشدة، في كلمة متلفزة ألقاها من الرياض وبثتها قناة "العربية"، كلا من إيران و"حزب الله"، معتبرا أن الأجواء الحالية في لبنان تشبه تلك التي سبقت اغتيال والده، رفيق الحريري.

وكان الحريري يقيم هو وعائلته منذ استقالته وحتى توجهه إلى فرنسا في الرياض، وذلك وسط غموض يكتنف ملابسات الأحداث الأخيرة وورود تقارير متباينة يقول بعضها إنه أجبر على الاستقالة وإنه محتجز في العاصمة السعودية من قبل سلطات المملكة، الأمر الذي تحدث عنه حتى الرئيس اللبناني، ميشال عون، على الرغم من إصرار الحريري على أنه "حر طليق"