
Super User
اتقوا الله...وانظروا لغد
قال الله - عزّ وجلّ - في كتابه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾1"2.
مرّ معنا فيما مضى أن الإنسان حتى يكون خليفة لله، لا بدّ من أن لا يقصر عبادته على الواجبات الشعائرية، بل يجعلها شاملة لكل مناحي الحياة، خصوصًا المعاملاتية، من قبيل مراعاة عدم الأذية لعباد الله، لأن المسارعة إليه كمن يبارز الله - عزّ وجلّ - ويحاربه. وإن صدر من المرء أذية، فعليه المسارعة إلى التوبة والإصلاح قبل يوم القيامة، والمبادرة إلى كفّ الأذى الذي يُعتبر كلّ الأخلاق، حتى لا يكون من المفلسين، وقد خاب من حمل ظلمًا.
ما القواعد في حفظ حقوق الخلق؟
ما تأباه النفوس، وتنفر منه الأرواح، ولا ترتضيه العقول، هو التعرّض للأموال والأنفس والأعراض بغير وجه حقّ. وقد حُرّم ذلك في الشرائع والأديان السماوية وغيرها لعظيم خطره وجليل ضرره وآثاره المهولة على انتظام حياة الفرد والمجتمع، وحرمانه من أمنه الاجتماعي والنفسي.
وقد تجلّت هذه القواعد الإنسانية عبر الوصية الخالدة في حجّة الوداع، حين خطب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في يوم النحر قائلًا: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ3، قَالَ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فَأَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟"4.
وقد أكَّد صلى الله عليه وآله وسلم على هذه المسألة العظيمة عندما اسْتَنْصَتَ النَّاسَ5 بقوله "لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ"6، وهي الحذر من دماء المسلمين والتعرض لرقابهم والاعتداء عليهم، وسمّى صلى الله عليه وآله وسلم هذا كفراً كما ظهر لك في الحديث7.
وأكّد (روحي فداه) على هذه القضية مرَّات وكرَّات. ومن تأكيده عليها في حجّة الوداع قولُه: "الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المسلمون مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ8، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ9، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ10"11.
فالمؤمن إنّما يبلغ هذه الدرجة بعد صلته الوطيدة بربه (جلّ وعلا)، حينما يقوم بالفرائض ويُتبعها بالنوافل، فإنّه لا بدّ من أن يكون الناس آمنين من هذا الإنسان؛ لأنه لَمّا عظُمت صلته بربه، فهو يراقب الله في الناس، ولا يراقب أنظارهم لو هُيِّئ له أن يصل إلى أموالهم وإلى ما شاء من حقوقهم على غفلة منهم، وعلى خفاء من الأنظار، لكنه مع ذلك كله لا يقدم على هذا؛ لأنه يراقب ربّه (جلّ وعلا). ولذا عظَّم الله (جلّ وعلا) شأن الذين يخشونه بالغيب، وضاعَف أجورهم، كما دلَّت على ذلك نصوص الكتاب والسنّة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾12.
وهذه الدعوة هي عنوان صلاح مجتمعاتنا، ودليل سعادتها واستقرارها، إن تمّ رعاية هذا الجانب العظيم.
وما أيسر الاعتداء على الآخرين! وبتّ تلحظ في الأعوام الحالية يسرَ التجاوز لحدود الله - عزّ وجلّ -، ومن أعظمها:
إدخال الرعب على قلوب عيال الله
وهو ما نشهده في أعقاب زماننا الذي نحياه، في تساهل الكثير من الناس بالمشاعر والنفوس، وعدم مبالاتهم بالمحافظة على أمن الناس وأمانهم. وذكر بعض هذه الصور له فائدة. ليعلم المستخف بحمله للسلاح، وإطلاق النار بغير وجه حق، عظم ما في فعله من ترويع المؤمنين وتخويف الآمنين من عيال الله - عزّ وجلّ -، وإدخال الأذى على قلوبهم. ومن باب الذكرى نشير إلى النهي الوارد:
في ترويع المسلم مطلقًا:
سواء كان مازحًا أو قاصدًا، وقد عدّها بعضٌ من الكبائر. جاء في الرواية أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ، فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ13 مُسْلِمًا"14.
في إخافته مطلقًا:
كما في الرواية: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، يَقُولُ: "مَنْ أَخَافَ مُؤْمِنًا بِغَيْرِ حَقٍّ كَانَ حقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لا يُؤَمِّنَهُ مِنْ فْزَعِ15 يَوْمِ الْقِيَامَةِ"16.
عن التلويح إليه بحديدة لإخافته:
كما في الإشارة إليه بالسلاح، وحتى لو كان من أقرب الناس إليه، ولو ممازحًا. ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "منْ أشارَ إلى أخيهِ بحديدَةٍ، فإنَّ الملائِكةَ تَلْعَنُهُ حتّى يَنْزِعَ17، وَإنْ كانَ أخاهُ لأبيهِ وأمِّهِ"18.
وما ذُكر يدل على أن ترويع المؤمن أمر خطير، وظُلْم عظيم، يستَوْجِب إخافة فاعله يوم القيامة، وعدم تأمينه من أفزاع هذا اليوم الكثيرة. وحُرْمة الترويع متحقِّقة، ولو كان بمجرد النظرة التي قُصِد منها الإخافة. وتشتد الحرمة إذا كان الترويع إشارة بالسلاح أو بما أجريَ مجراه من الحديد أو نحوه، لِما يترتَّب على هذا من التسبُّب في إفزاع المؤمن بغير حق، وإيانا والاستخفاف بمثل هذه الأمور، ولننظر ما قدّمنا لغد.
هل الإعانة من الترويع؟
ولا شكّ في أن عبارة (آيس من رحمة الله)، التي أشارت إليها الروايات في موارد متعددة، إنّما كانت بخصوص المعيْن لهم على فعلهم. ونقتصر فيها على شاهدين بأن الأذية قد لا تقتصر على الإطار المباشر، بل الإعانة عليه:
في الإعانة على إخافة المؤمن:
في الرواية: عن أبي عبد الله عليه السلام: "من أعان على مؤمن بشطر كلمة لقى الله - عزّ وجلّ - وبين عينيه مكتوب: آيس من رحمة الله"19.
وحرمة الإخافة هذه تبدأ من مجرد النظرة التي ورد فيها العقاب الشديد يوم القيامة، كما في الحديث الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من نظر إلى مؤمن نظرة يخيفه بها أخافه الله تعالى يوم لا ظلّ إلا ظلّه"20.
في الإعانة على قتله:
ولصيانة النفس حرّم الإعانة على القتل، ومع أنها لا تكون بطريق مباشر كما ورد في الرواية عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: "من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة، جاء يوم القيامة بين عينيه مكتوب آيس من رحمة الله"21.
وقد ظهر لك أن مجرّد ترويع الآمنين مُحَرَّمٌ، ولو بمجرد النظرة المخيفة، فإن هذا يدل على أن ترويعَه بالأصوات المُنكَرة بما اشتملت- مفرقعات وغيره-، أو انتهاك حُرْمته، أو الاعتداء على نفسه، أو على عضو من أعضائه، أو على ذي قرابة منه، أو على ماله، أو على عمله، أشدّ حُرْمَة وإثمًا، وأنّ فاعله يستحق اللعن والوعيد الشديد الوارد في الأحاديث السابقة، لعِظَم جُرْمه وظُلْمه.
ما جزاءُ قتل المؤمن؟
الخلود واللعن، والغضب والعذاب:
قال الله - عزّ وجلّ -: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾22.
فقد ذكر أربع عقوبات عظيمة يستحقها من الله صاحب الجريمة: جهنم خالدًا فيها، وغضب الله عليه، ولعنه، وأعدّ له عذابًا عظيمًا.
ويقول سبحانه وتعالى وتقدّس: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾23.
يقول الراوي: كنا عند ابن عباس بعدما كفّ بصره، فأتاه رجل فناداه: يا عبد الله بن عباس، ما ترى في رجل قتل مؤمنًا متعمدًا؟ فقال: جزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا، قال: أفرأيت إن تاب وآمن عمل صالحًا ثم اهتدى؟ قال ابن عباس: ثكلته أمه، وأنى له التوبة والهدى؟! والذي نفسي بيده، لقد سمعت نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "ثكلته أمه قاتل مؤمن متعمدًا، جاء يوم القيامة آخذه بيمينه أو بشماله، تشخب أوداجه من قبل عرش الرحمن، يلزم قاتله بشماله وبيده الأخرى رأسه، يقول: يا رب، سل هذا: فيم قتلني؟"، وايم الذي نفسُ عبد الله بيده، لقد أُنزلت هذه الآية فما نسختها من آية حتى قُبض نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم، وما نزل بعدها من برهان24.
وفي الرواية عن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: "كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ، إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا، أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا"25.
أول ما يحكم بها يوم القيامة:
هي أول مسألة يحكم بها عند الله هي الدماء، فهي مكرمة محترمة ومصونة مقدرة، لا يحلّ سفكها، ولا يجوز انتهاكها، ولا زهقها النفس لاحترامها، كما في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أول ما يحكم الله فيه يوم القيامة الدماء، فيقف ابنا آدم فيفصل بينهما، ثم الذين يلونهما من أصحاب الدماء حتى لا يبقى منهم أحد، ثم الناس بعد ذلك حتى يأتي المقتول بقاتله فيتشخب في دمه وجهه، فيقول: هذا قتلني، فيقول: أنت قتلته؟ فلا يستطيع أن يكتم الله حديثًا"26.
ومن المؤلم أن يسمع المرء بين الحين والآخر ما تهتزّ له النفوس حزنًا، وما ترجف له القلوب أسفًا، وما يتأثر به المسلم عندما يسمع عن قتل نفس محترمة على أيدي آثمة سَفكت الدماء بغير حق، جريمة ترتعد منها الفرائص، وتنخلع لها القلوب، دون مراعاة من إيلام المقتول، وإثكال أهله، وترميل نسائه، وتيتيم أطفاله، وإضاعة حقوقه، وقطع أعماله بقطع حياته، مع ما فيه من عدوان صارخ للحرمات، وتطاول فاضح على أمن المجتمعات.
كأنما قتل الناس جميعًا:
ويقول سبحانه: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾27.
وفي شرح الآية الشريفة عن الإمام الباقر عليه السلام عند سؤاله، كيف كأنما قتل الناس جميعًا، فإنّما قتل واحدًا؟ فقال: "يوضع في موضع من جهنم، إليه ينتهى شدة عذاب أهلها، لو قتل الناس جميعًا (لكان إنما) يدخل ذلك المكان"، قلت: فإنه قتل آخر؟ قال: "يضاعف عليه"28.
هل ننتبه لتصرف منا يعين مستقبلًا عليه؟
ومن الأسباب التي تساعد على سهولة الاعتداء على الآخرين:
تربية الأبناء على الخصومات:
واعتبارها من البطولات، وأن عليه أن يأخذ حقه بيده قبل أن يأخذه له غيره، فتنتشر المضاربات، وتتحفز العداوات، وتتوطن في القلب الأحقاد، حتى تصل إلى القتل وإزهاق النفس المؤمنة على شيء أتفه من التافه.
سلاح الأزمات والاحتفالات:
بعضٌ يحمل معه في جيبه سكينًا صغيرة، وربما رأيت في سيارته العصا أو الحديد، وربما المسدس، بل ربما رشاش، لا لشيء سوى أنه يبرزه عند المضاربات والمخاصمات؛ لينتصر على الخصم. والشيطان أحرص ما يكون في أن تشتعل نار الفتنة ويشتدّ وهج العداوة، حتى تضغط الأنملة على زناد الخسران والندامة، لتنطلق طلقة تتعدى حدود الله، لتردي مسلمًا قتيلاً على الأرض، فتزهق روحه، ويزهق معها حرمة القاتل، وتحلّ مكانها الندامة والخسران في الدنيا والآخرة. فأيّ بطولة هذه التي تُزهَق النفسُ فيها من أجل كلمات غير مسؤولة، من شخص لا يبالي بالعواقب؟! أيّ بطولة هذه التي تُزهق نفسٌ من أجل دراهم معدودة، أو شيء من وسخ الدنيا؟! أيّ بطولة هذه التي يستحقّ صاحبها بعدها اللعن والطرد من رحمة الله والعذاب الأليم؟!
ما جزاء الاعتداء على أملاك المؤمن؟
تتعدّد مصاديق الاعتداء على الأموال منها:
السرقة، أو الغصب، أو الاختلاس، أو النهب، أو الطَّر، أو الخيانة، أو الجحد.
فالسرقة: أخذ مال الغير المحترم خُفيةً من حرزه.
والغصب: أخذ المال علانيةً قهراً بغير حق غالياً.
والاختلاس: أخذ المال بصفة لا يشعر بها المسروق منه.
والنهب: أخذ المال مغالبةً والناس ينظرون.
والطَّرَّار: هو النَّشَّال الذي يسرق من جيب الإنسان أو كمّه.
والنَّبَّاش: هو من ينبش القبر لأخذ ما فيه.
والخائن: هو الغادر الجاحد للمال.
والجاحد: هو المنكِر ما عنده لغيره.
ومن المعلوم شرعًا عدم جواز الاعتداء على حقّ الغير، أرضًا كانت أو غيرها، لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا﴾29.
وفي الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ"30.
وكأمثلة عملية نورد بعض الشواهد مع جزائها:
اقتطاع شيء من الأرض بغير حقّ:
وهو حاليًا ما يكون في اعتداء فعليّ على ملك الغير، بحيث يصبح الأمر واقعًا، فقد ورد فيه الوعيد الشديد، ففي الرواية عن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ أخذ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ بغير حقه، طَوَّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ31"32.
وفي رواية أخرى عن النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم: "أَيُّمَا رَجُلٍ ظَلَمَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ، طَوَّقَهُ اللَّهُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ من سَبْعِ أَرَضِينَ"33.
من غيَّر منار الأرض:
وهل تعلم ما منار الأرض؟ وما مقداره؟ فهو العلامات والحدود، وقل هي أعلامها التي تضرب على الحدود لتتميز بها الأملاك بين الجارين، فإذا غيّرت اختلطت الأملاك. وإنما يقصد مغيرها أن يدخل في أرض جاره، فكم يكون مقدارها؟ وكم عقابها؟ في الرواية عن أمير المؤمنين عَلِيٍّ عليه السلام قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "لعنة الله على من سرق مَنَارَ الْأَرْضِ"34.
الغصب35:
وقد يكون المغصوب عقارًا، أو منقولًا، وهو أخذ المال علانية. وأحكامه الأخروية واضحة، وهي استحقاق المؤاخذة والعقاب في الآخرة إذا تعدّى على حقوق غيره عالِمًا متعمدًا؛ لأن ذلك معصية كبيرة كما علمتَ. وأما أحكامه الفقهية من وجوب ردّ العين وضمانها، فمحلها في مجال أخر.
أكل المال بالباطل (السرقة وغيرها):
أكل المال بالباطل يأتي على وجوه، منها:
الأول: أن يأكل أموال الناس بطريق التعدي والنهب، والسرقة وقطع الطريق، والظلم، والخداع والحيل. الثاني: أن يأكله بطريق اللهو كالقمار، والرهان كالمغالبة بعوض، والميسر بأنواعه، والمراهنات المشتملة على المخاطرة والغرر والجهالة. الثالث: ما كان من طريق الرشوة. الرابع: ما يأخذه الحاكم ونحوه من المحكوم. الخامس: أخُذ الغني والقادر القوي المكتسب المالَ الشرعي على قول. السادس: ما كان من الربا أو من عقوده، والأموال التي تكون منه وتتولد عنه. السابع: ما أُخذ عن طريق الغصب. الثامن: ما جاء عوضًا لكتم حق وإخفائه، أو لإظهار باطل وإعلانه، ونحو ذلك من المحرمات، وكل ما أعان على الصدّ عن طاعة الله - عزّ وجلّ -. التاسع: القضاء بين الناس بغير إعطاء صاحب الحقّ حقه المعين له في الشريعة. العاشر: ما لا تطيب به نفس مالكه. الحادي عشر: أكل أموال اليتامى، وأموال الأوقاف، والصدقات. الثاني عشر: جحد الحقوق، وما لا تقوم به بيّنة من الأمانات عن أربابها أو عن ورثتهم، وسائر الأموال التي إذا جحدها، حكم بجحوده فيها؛ كالودائع والعارية ونحوها. الثالث عشر: الغش والاحتيال، من مثل ما يقع من بعض السماسرة فيما يذهبون فيه من مذاهب التلبيس والتدليس؛ إذ يزيّنون للناس السلع الرديئة، والبضائع المزجاة، ويسوّلون لهم فيورّطونهم، وكل من باع أو اشترى مستعينًا بإيهام الآخر ما لا حقيقة له ولا صحة، بحيث لو عرف الخفايا وانقلب وهمه علمًا لما باع أو لما اشترى، فهو آكل لماله بالباطل. الرابع عشر: كل أجر يؤخذ على عبادة فهو أكل لأموال الناس بالباطل. الخامس عشر: ما لم يبح الشرع أخذه من مالكه. السادس عشر: الامتناع عن قضاء الدَّيْن، إذا امتنع منه من هو عليه، وكذا الامتناع عن تسليم ما أوجبه الله من المال الشرعي، وكذا النفقة على من أوجب الشرع نفقته. السابع عشر: الخيانة كخيانة الأمانة. الثامن عشر: أن يأكل أموال الناس من طريق الملاهي والمنكرات كالمخدرات. التاسع عشر: أكل أبدال العقود الفاسدة، كأثمان البيعات الفاسدة، وغيرها من وجوه أخر. العشرون: الحرابة: وهي سلب المال بالقوة عن طريق قطع الطريق وغيرها الخوة.
وقد ورد ذلك في قوله تعالى: ﴿لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾36, والأكل هو مطلق الأخذ بغير وجه الحق، فالذين يأكلون أموال الناس بالباطل، يحتالون، يغتصبون، يكذبون، يغشون؛ هؤلاء توهَّموا أن الدين في واد، وأن الحياة في وادٍ آخر.
وهي من أهم الموضوعات في الكبائر، ومن أبرزها. فحينما يأكل الإنسان أموال الناس بالباطل فكأنه يقيم حجاباً بينه وبين ربِّه، وكأن الطريق إلى الله ليست سالكة، عندئذٍ يصلي ولا يشعر أنه يصلي، يقرأ القرآن فيرى قلبه مغلقاً، يذكر الله فلا يرتعش جلده؛ السبب أنه محجوبٌ بالظلم.
أيها العزيز... تنّبه إلى أن هذا بعض مما هو في المال الخاص، فكيف بالمال العام!
* تذكرة لمن يخشى، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله بطاعته في جميع ما يأمركم به وينهاكم عنه، ولْتنظر نفس منكم فيما عملته من عمل، ولْترَ ما الذي قدّمته من عملها ليوم الحساب، أهو عمل صالح أو طالح، وهل عملُها الصالح صالح مقبول أو مردود. وقوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أمر بالتقوى ثانيًا، و﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ﴾ إلخ، تعليل له، وتعليل هذه التقوى بكونه تعالى خبيرًا بالأعمال، يشير إلى أن المراد بهذه التقوى المأمور بها ثانيًا هي التقوى في مقام المحاسبة، والنظر فيها من حيث إصلاحها وإخلاصها لله سبحانه، وحفظها عما يفسدها. وأما قوله في صدر الآية: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ فالمراد به التقوى في أصل إتيان الأعمال، بقصرها في الطاعات وتجنّب المعاصي. من هنا تبيّن أن المراد بالتقوى في الموضعين مختلف، فالأولى هي التقوى في أصل إتيان الأعمال، والثانية هي التقوى في الأعمال المأتية من حيث إصلاحها وإخلاصها.
2- سورة الحشر، الآية 18.
3- الأشهُر الحُرُم أربعة: رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرَّم؛ فشهر مفرد وهو رجب، والبقية متتالية وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرّم. والظاهر أنها سُمّيت حُرُمًا؛ لأن الله حرّم فيها القتال بين الناس، فلهذا قيل لها حُرُم، جمع حرام. قال الله جلّ وعلا-: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ سورة التوبة، الآية 36-، وقـال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ سورة البقرة، الآية 217-. قال الشيخ الطوسي: "ومعنى حُرُم - أنّه يعظم انتهاك المحارم فيها أكثر ممّا يعظم في غيرها. وكانت العرب تعظّمها حتى أنّ الرجل لو لقي قاتل أبيه لم يهجه؛ لحرمته. وإنّما جعل اللَّه تعالى بعض الشهور أعظم حرمة من بعض لما في ذلك من المصلحة في الكفّ عن الظلم فيها، فعظّم منزلتها ، وأنّه ربّما أدّى ذلك إلى ترك الظلم أصلًا؛ لانطفاء النائرة تلك المدّة وانكسار الحمية، فإنّ الأشياء تجرّ إلى أشكالها.
4- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج37، ص 113.
5- الإنصات والاستماع والإصغاء.
6- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج37، ص 114.
7- وهو ليس بالكفر المخرج من الدين، إلا أنه عمل ليس من خصال الإيمان، وليس من خلال أهل هذا الدين القويم، وإنما هو من خصال الكفر وأعمال الكافرين.
8- حصر وصف المسلم باللسان واليد لوجوه، منها:
الوجه الأول: أنه هنا وصف المسلم بهذا الوصف لأجل قلّة من يسلم المسلمون من ألسنتهم وأيديهم، فهو، وإن كان آتيا بالأركان، لكنه قلَّ من يكون بصاحب غيبة، أو وقوع في الأعراض، أو قذف، أو قد يعتدي بيده، أو أن يعتدي على أملاك الغير، أو أن يتصرف في أملاك الغير بغير إذنهم، إلى آخره؛ هذا قليل في المسلمين كما هو الواقع.
الوجه الثاني: أنه وصف المسلم بهذا الوصف لشدة الحاجة إليه، للتنبيه على أن هذا الوصف وهذا الواجب، وهو سلامة المسلمين من اللسان والْيَدِ، من واجبات الإسلام، ويجب أن يتعاهده المسلم؛ لأن المسلم الكامل هو من سلم المسلمون من لسانه ويده، وهذا جاء مبيَّنا في آيات كثيرة في الحضّ على أن المسلم يجب أن يسلم المسلمون من لسانه، كما قال جلّ وعلا - ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ سورة الحجرات، الآية12-، وقال أيضًا جلّ وعلا - ﴿لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ﴾ سورة النساء، الآية148-، وقال أيضًا جلّ جلاله ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا﴾ سورة الإسراء، الآية 53-.
9- الهجرة: هي مغادرة الإنسان ومفارقته لدار الكفر التي لا يستطيع فيها إقامة دينه إلى دار الإسلام التي يستطيع فيها إقامة شعائر دينه. وهناك نوع آخر وهو الذي يشير إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي هجرة الحال، فثمَّت هجرة المكان، وثمَّت نوع آخر من الهجرة، وهي هجرة الحال السيئة- حال الذنوب والعصيان-، فالمهاجر من هجر الخطايا والذنوب؛ ولذلك لَمَّا وجَّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا الخطاب للمهاجرين وللأنصار، ولأهل الإسلام في كل زمان ومكان، أن يَهجروا الخطايا والذنوب، فهذه أعظم هجرة يترحَّل بها المؤمن من حال الذنب والعصيان إلى حال طاعة الرحمن.
10- الجهاد الذي هو ذِروة سنام الإسلام، والذي له من الفضل في دين الإسلام ما لا يَخفى، إنما يكون ويتحقق، ويكون مرضيًّا عند الله إذا كان الإنسان قبل ذلك مجاهدًا نفسه في طاعة الله؛ لأن الطاعة ليست شيئًا سهلًا هيِّنًا، بل لا بدّ من مجاهدة، ولا بدّ من صبر ومصابرة؛ لأن فيها مخالفة الهوى، فمن استقام على هذه الجادة، فهو المجاهد على الحقيقة.
11- الديلمي، الحسن بن محمد، أعلام الدين في صفات المؤمنين، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، إيران - قم، لا.ت، لا.ط، ص 265.
12- سورة الملك، الآية 12.
13- بتشديد الواو، من الترويع. قال في القاموس: راع: أفزع، كروّع؛ لازم ومتعدّ.
14- أحمد بن حنبل، مسند أحمد، ج5، ص 362.
15- الفزَعُ: الذعر، وهو في الأصل مصدر، وربما جُمع على إفزاع.
16- الهيثمي، الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1408ه - 1988م، لا.ط، ج6، ص254.
17- يَنْزِعَ: ضُبط بالعين المهملة مع كسر الزاي، وبالعين المعجمة مع فتحها، ومعناهما متقارب، ومعناه بالمهملة: "يرمي"، وبالمعجمة أيضًا: "يرمي ويفسد"، وأصل النزع: "الطعن والفساد".
18- النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف الدمشقي، رياض الصالحين من حديث سيد المرسلين، دار الفكر المعاصر، لبنان - بيروت، 1411ه - 1991م، ط2، ص687.
19- الحر العاملي، الشيخ محمد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، 1414ه، ط2، ج12، ص 304، ح16366.
20- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج72، ص150.
21- المصدر نفسه، ج101، ص383.
22- سورة النساء، الآية 93.
23- سورة الفرقان، الآيات 68-70.
24- ابن كثير، عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، تفسير القرآن العظيم تفسير ابن كثير-، تقديم يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة للطباعة والنشر، لبنان - بيروت، 1412ه - 1992م، لا.ط، ج1، ص549.
25- ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي، تاريخ مدينة دمشق، علي شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1415، لا.ط، ج16، ص1.
26- الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 19، ص4.
27- سورة المائدة، الآية 32.
28- الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 29، ص10.
29- سورة النساء، الآيتان 29-30.
30- الفيض الكاشاني، الوافي، ج18، ص691.
31- المراد بالأرضين السبع هو المماثلة في العدد، فإنّه كما يوجد سبع سماوات كذلك يوجد سبع أرضين، والظاهر أنه قد أجمع المسلمون، ومنهم علماء التفسير من السنة والشيعة، على هذه المسألة، ولكن وقع الخلاف فيما بينهم في تحديد موقع الأرضين السبع وكيفية تشكلها ووجودها، وقد طرحت عدة أقوال منها:
القول الأول: - أنها سبع أرضين طباقًا؛ أي على شكل طبقات بعضها فوق بعض، كالسماوات، ويوجد في كل أرض مخلوقات خلقها الله تعالى كما شاء، وفوق تلك الأرضيين السبع توجد السماوات السبع.
القول الثاني: - أنها سبع أرضين طباقًا؛ أي على شكل طبقات بعضها فوق بعض، لكن يوجد فوق كل أرض سماء، فالأرض الأولى يوجد فوقها السماء الأولى، ويوجد فوق السماء الأولى الأرض الثانية، ويوجد فوق الأرض الثانية السماء الثانية، وهكذا إلى السابعة.
القول الثالث: - أنها سبع أرضين، والمراد بها الأقاليم السبع القارات السبع-، التي قسموا إليها المعمورة من سطح الأرض، والتي يفرق بينها البحار.
القول الرابع: - أنها سبع أرضين طباقًا ولكنها مطبقة بعضها فوق بعض مباشرة من غير فتوق.
القول الخامس: - أنها سبع أرضين طباقًا لكن الطبقات محيطة بعضها ببعض، منها الطبقة التي تجاور المركز مثلاً، ومنها الطبقة العليا والخارجية والتي نحن عليها.
القول السادس: - أنها سبع أرضين وكلٌّ منها يشبه الأرض التي نحن عليها شكلاً ونوعاً، وكل واحدة منها موجودة في أحد الأكوان.
القول السابع: - أن استعمال السبع هو كاستعمال السبعين، كلمة تدل على الكثرة، وهذا يعني وجود أكثر من سبع سماوات، كما يوجد أكثر من سبع أرضين.
32- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، المبسوط، تصحيح وتعليق السيد محمد تقي الكشفي، المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية، لا.م، 1387ه، لا.ط، ج3، ص59.
33- العلامة الحلي، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي، تذكرة الفقهاء ط.ق-، منشورات المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، لا.ت، لا.ط، ج2، ص277.
34- البروجردي، السيد حسين الطباطبائي، جامع أحاديث الشيعة، لا.ن، قم، 1399ه، لا.ط، ج19، ص20.
35- الغصب لغة: أخذ الشيء ظلمًا، ومعناه في اصطلاح الفقهاء: الاستيلاء على حقّ غيره قهراً بغير حقّ.
36- سورة البقرة، الآية 188.
قائد الثورة: الحج افضل فرصة للامة الاسلامية للاحتجاج على انتهاك الصهاينة للمسجد الاقصى
اعتبر قائد الثورة الاسلامية موسم الحج افضل فرصة لاعلان الامة الاسلامية احتجاجها على انتهاكات الكيان الصهيوني للمسجد الاقصى.
وخلال استقباله عددا من المسؤولين والمعنيين والمباشرين لشؤون الحج، قال آية الله العظمى سماحة السيد علي الخامنئي (حفظه الله)، ان الحج يتضمن اكبر فرصة معنوية واجتماعية؛ فالحج هو فرصة لإبداء عقيدة الامة الاسلامية.
وشدد سماحة القائد على اننا لن ننسى أبدا الاحداث الكارثية التي وقعت في موسم الحج لعام 1436 هـ، وقال: ان الجمهورية الاسلامية الايرانية تطلب بشكل جاد ودائم، الحفاظ على امن جميع الحجاج وخاصة الحجاج الايرانيين وعزتهم ورفاهيتهم، وان أمن الحجاج هو من مسؤولية البلد الذي يوجد الحرمان الشريفان تحت تصرفه.
ووصف آية الله الخامنئي الحج بأنه فريضة هامة للغاية، وأشار الى الطاقات المعنوية لهذه الفريضة، وقال: يوجد في جميع اجزاء هذه الفريضة سواء الصلاة والطواف والسعي والوقوف والإحرام، طاقات عجيبة للارتباط المعنوي مع الله تعالى، ولابد من تقدير هذه الفرصة حق قدرها.
وعدّ قائد الثورة الاسلامية الحج بأنه يمتاز ايضا باعتباره فرصة اجتماعية فريدة، مؤكدا ان الحج مظهر لعظمة الأمة الاسلامية ووحدتها وتلاحمها وقوتها، وذلك من خلال أداء مناسك وظروف خاصة تؤدى كل عام في نقطة محددة دون انقطاع، مضيفا ان تعرف الحجاج على بعضهم ومن مختلف الجنسيات وتقارب القلوب وامتداد الايادي لبذل العون، هي من جملة الميزات الذاتية والاجتماعية للحج.. وبجميع هذه الميزات المعنوية والاجتماعية الفريدة، يعتبر افضل زمان ومكان لإبداء مواقف الامة الاسلامية بشأن قضايا العالم الاسلامي الهامة.
واعتبر قائد الثورة الاسلامية موضوع "البراءة من المشركين" الذي حظي بتأكيد مستمر من قبل الإمام الخميني (رض)، بأنه يشكل فرصة لإعلان المواقف في القضايا التي تؤمن بها الامة الاسلامية، وقال: ان أحد هذه القضايا، يتمثل في قضية المسجد الاقصىى، والتي تبرز بشكل أكبر هذه الايام بسبب صلافة ووقاحة الكيان الصهيوني.
وأكد سماحته أن قضية فلسطين لا ينبغي تجاهلها مطلقا، ووصفها بأنها المحور الرئيسي لقضايا العالم الاسلامي، وقال: ما المكان الافضل من بيت الله الحرام ومكة والمدينة وعرفات والمشعر ومنى لإبداء الرأي وتبيين مواقف الشعوب المسلمة تجاه فلسطين والمسجد الاقصى.
ورأى سماحته ان التدخل الاميركي وتواجدهم المثير للشر والفتن في الدول الاسلامية والمنطقة وكذلك إنشاء التنظيمات الارهابية التكفيرية، بأنه يشكل احدى القضايا الهامة التي يجب ان تتخذ الشعوب المسلمة مواقف بشأنها.. والأسوأ والأخبث من كل التنظيمات الارهابية، هي الإدارة الاميركية.
ولفت آية الله الخامنئي الى قرار المسؤولين الايرانيين بإرسال الحجاج، وقال: كانت هناك بعض المخاوف بهذا الشأن، الا ان ممثلي السلطات الثلاث في المجلس الاعلى للامن القومي قاموا بدراسة القضية بكل ابعادها، واتخذوا هذا القرار بأداء الحج.
وتطرق سماحة قائد الثورة الى ضرورة اهتمام الشعوب المسلمة بموضوع الوحدة، وقال، انه في حين يتم انفاق مليارات الدولارات على إثارة التفرقة والخلافات والعداء بين المسلمين، يتوجب على المسلمين الحذر لئلا يساعدوا على هذه الخلافات، لأن اي شخص من الامة الاسلامية يساعد في هذه المؤامرة سيكون شريكا في تبعات هذا الوزر العظيم.
وفي الختام، أوصى سماحة قائد الثورة الاسلامية جميع المسؤولين والحجاج، بالاهتمام بأداء الصلاة في اول اوقاتها وأداء المسؤولية كل من موقعه، وتحري الدقة من أجل إقامة مناسك الحج بعزة وعظمة.
هل تحرّركم القدس
إنّ إدانة الجامعة العربية المتأخرة جداً لإجراءات الاحتلال الإسرائيلي، والعبارات المكرورة عن كون القدس خطاً أحمر، تُضاف إلى آلاف الإدانات المحفوظة في أدراج المؤسسة العاطلة من العمل، إلّا إذا كانت موجّهة ضدّ الدول الأعضاء، خدمةً لأعداء العرب، وتدميراً للبلدان العربية، كما حدث للعراق وسوريا وليبيا واليمن، وهي لا تعني شيئاً في قاموس المقاومة وضروراتها.
أخذ المقدسيون والفلسطينيون زمام المبادرة، وسارعوا لنصرة الأقصى، ونجحوا في تحدّي إرادة وإجراءات الاحتلال
في ظلّ ردود الأفعال العربية والإسلامية المخجلة تجاه الجرائم الإسرائيلية بحقّ الأقصى والقدس والمقدسيين، يتساءل الإنسان هل يمكن لنا أن نعكس السؤال التقليدي حول تحرير القدس ومن يحرّرها ومن يلتزم بها؟ ونتساءل هل بدأت القدس تتصدى لمسؤوليات العرب والمسلمين جميعاً؟ وهل سنشهد يوماً تعلمنا فيه القدس وأهلها الميامين كيف ندحر أشرس احتلال عرفه التاريخ؟ وكيف نستعيد الكرامة المهدورة على أعتاب تولّي الأنظمة لألدّ أعداء العرب؟ وكيف نقف شامخين على هذه الأرض المقدّسة؟
إنّ إدانة الجامعة العربية المتأخرة جداً لإجراءات الاحتلال الإسرائيلي، والعبارات المكرورة عن كون القدس خطاً أحمر، تُضاف إلى آلاف الإدانات المحفوظة في أدراج المؤسسة العاطلة من العمل، إلّا إذا كانت موجّهة ضدّ الدول الأعضاء، خدمةً لأعداء العرب، وتدميراً للبلدان العربية، كما حدث للعراق وسوريا وليبيا واليمن، وهي لا تعني شيئاً في قاموس المقاومة وضروراتها.
كما أنّ الذين يدّعون أنهم حماة الإسلام، من أنظمة وأحزاب وحركات جهادية، قد سقطوا سقوطاً مريعاً للمرة الألف في تقديم أيّ عون للمقدسيين والفلسطينيين في معركتهم الوجودية والمقدسة. إذ إنّ معاناة المقدسيين لا تتوقف عند بشاعة إجراءات الاحتلال الأخيرة ولكنها تشمل قدرتهم على الحركة والسفر ونيل العلاج والحفاظ على بيوتهم وحارات أجدادهم، وكلّ هذا يتطلّب دعماً مادياً ومعنوياً، ودفاعاً عنهم في المحافل الدولية، وتقديم العون الملموس لهم ليتمكنوا من التمسك بديارهم وديار آبائهم وأجدادهم. ولولا بسالة المقدسيين وإصرارهم على تحدّي الاحتلال وجرائمه التي تجاوزت كلّ المقاييس، لما تحرّك أحد من عرب أميركا وأصدقاء إسرائيل، ولما صدر حتى بيان إدانة. في ظلّ كلّ هذا الواقع المخجل لأنظمة الخنوع والتبعية تصدّى الفلسطينيون بصدورهم المتحدّية، وبأجسادهم وأرواحهم وأبنائهم لأبشع الجرائم التي تُرتكب بحقّ أيّ شعب على وجه الكرة الأرضية، وقدّموا الشهداء والجرحى كي يعودوا إلى أقصاهم، ويصلّوا في رحابه، وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على أنّ الفلسطينيين أنفسهم هم حماة الأرض ومقدساتها، ولكنّه يدلّ في الوقت ذاته على شيء أهمّ، وهو أنّ الأمل الوحيد لهذه الأمة هو إرادة شعوبها، خاصة وأنّ الكثير ممن يُفترض أنهم يقودون منشغلون بحساباتهم الصغيرة ومخاوفهم الكبيرة على مكاسبهم ومواقعهم التي يُفترض أنهم يستخدمونها لحماية وتمثيل شعوبهم.
إذ لم يعد يخجل هؤلاء حين يرون الناس، العزّل من أيّ سلاح إلّا من إيمانهم بعروبتهم ودينهم وحقوقهم، يتقدّمون الصفوف، ويندفعون إلى الشهادة في سبيل القضية المقدّسة، بينما ينتظر المتخاذلون من الحكام تواصلاً ومحاباة مع سلطات معادية حتى النخاع للعرب تقضم من حريتهم وكرامتهم كلّ يوم. والحقّ يُقال إنّ العالم برمّته يعاني من أزمة قيادات؛ إذ إنّ معظم شعوب العالم لا تحظى بالقيادة المستنيرة التي تعتبر ذاتها مكرّسة لخدمة قضايا شعوبها.
وإذا ألقينا نظرة على ما يحدث اليوم في الولايات المتحدة وأوروبا وأميركا اللاتينية، إضافة طبعاً إلى الأمتين العربية والإسلامية، نرى أنّ أحد أهمّ أوجه الإرباك في العالم سببه غياب القيادات الرشيدة الممثلة فعلاً لأفضل ما أنتجته شعوبها من قيم وأخلاق، ولا نجد قيادات إلّا اللمم ممن هي متفانية فعلاً في خدمة قضايا هذه الشعوب، ولكن الحال الأسوأ يبقى للشعب الرابض تحت احتلال بغيض، فهنا يصبح غياب القيادة والوحدة الوطنية والرؤية المشتركة والإرادة الواحدة، يصبح كارثياً بالفعل.
في الأيام الأخيرة، وبشأن المسجد الأقصى، أخذ المقدسيون والفلسطينيون زمام المبادرة، وسارعوا لنصرة الأقصى، ونجحوا في تحدّي إرادة وإجراءات الاحتلال. فهل يصبح هذا الأنموذج سارياً لدى الشعوب الصابرة التي تنتظر الهداية والرؤى ممن يُفترض أنه يقودها؟ هل تتكرّر في العالم تجربة أبناء الحجارة التي انطلقت من فلسطين وأصبحت أنموذجاً للعالم برمّته؛ فهل تصبح إرداة الفلسطينيين في استعادة الأقصى أنموذجاً للشعوب التي تبحث عن حلول في غياب قيادات مخلصة وفاعلة؟ في الوقت الذي تأكدت قناعاتنا خلال ما تعرّض له عالمنا العربي من إرهاب تكفيري متحالف مع الصهيونية، تحت مسمّى «الربيع» بأنّ فلسطين هي البوصلة، وأنّ كل ما يخدم قضية فلسطين هو صحيح، وكلّ ما يلحق الضرر بها هو خطأ؟
فإننا نقول اليوم إنّ فلسطين هي الرائدة، وهي الأنموذج، وهي المشعل الذي يضيء الطريق لشعوب العالم أجمع. الصراع اليوم، وقبل كلّ شيء هو صراع إرادات، والمقولة القديمة الحديثة سارية اليوم كما كانت سارية حين كانت معظم شعوب العالم تحت نير الاحتلال: «إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلا بدّ أن يستجيب القدر». هل قدر فلسطين هو أن تقود وتضحّي، وأن تبذل الدماء كي تلقّن العالم درساً في الصمود والتحرّر. وهل ستحرّر القدس الأنظمة من الجبن والخوف والاستكانة بدلاً من الانتظار كي نحرّرها نحن من الاحتلال؟
بثينة شعبان
تنطلق اليوم .. ماذا تتضمن المرحلة الثانية من اتفاق المقاومة وجبهة النصرة
انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق التبادل بين المقاومة اللبنانية و"جبهة النصرة" في جرود عرسال بإشراف من الأمن العام اللبناني، والمرحلة الثانية تبدأ اليوم الإثنين وتشمل خروج آلاف المسلّحين مع عائلاتهم مقابل الإفراج عن أسرى المقاومة.
مصادر الميادين: وصول الحافلات التي ستقل المسلّحين إلى بلدة فليطة
أفادت مصادر ميدانية للميادين بانتهاء المرحلة الأولى لاتفاق التبادل بين المقاومة اللبنانية و"جبهة النصرة"، والتي شملت تسليم 5 جثامين لعناصر المقاومة مقابل تسليم 9 جثث لـ "النصرة"، مشيرة إلى أنّ المرحلة الثانية من هذا الاتفاق تنطلق صباح اليوم الإثنين.
وبحسب مصادر الميادين، فإنّ المرحلة الثانية من التبادل تتضمن خروج مسلّحي النصرة وعائلاتهم من مخيّمات وادي حميد والملاهي، والذين يُقدّرُ عددهم بـ 9000 آلاف شخص، مقابل الإفراج عن أسرى المقاومة.
ويمتد طريق خروج المسلّحين من مخيّمات وادي حميّد والملاهي عبر خط جرود عرسال، ثم صعوداً نحو فليطة وطريق دمشق حمص حتى إدلب.
كما أفاد مراسل الميادين ببدء وصول الحافلات إلى بلدة فليطة بالقلمون الغرب والتي يُقدّر عددها بـ 150 حافلة.
وذكرت مصادر للميادين بأن الدولة اللبنانية ترفض حتى الآن السماح بمغادرة إرهابيين من مخيّم عين الحلوة ضمن صفقة التبادل.
صلاة الطواف
وهي الواجب الثالث من واجبات العمرة.
يجب بعد الطواف صلاة ركعتين له ويتخيّر فيها بين الجهر والإخفات ، ويجب التعيين في النيّة كما تقدّم في نيّة الطواف وكذا القربة والإخلاص .
يجب أن لا يفصل بين الطواف وصلاته، وصدق الفصل وعدمه موكول إلى العرف .
صلاة الطواف كصلاة الصبح ، ويجوز أن يقرأ بعد الحمد أيّ سورة شاء إلاّ سور العزائم الأربع، ويستحب في الركعة الأولى أن يقرأ بعد الحمد سورة التوحيد وفي الثانية بعد الحمد سورة الجحد ﴿قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ﴾.
تجب الصلاة خلف مقام إبراهيم عليه السلام قريباً منه بشرط عدم مزاحمة الآخرين، فإن لم يتمكّن من ذلك صلّى في المسجد الحرام خلف المقام ولو بعيداً عنه ، بل لا يبعد الاجتزاء بإتيانها في أيّ موضع من المسجد الحرام.
إذا ترك صلاة الطواف عمداً بطل حجه، وأمّا إذا تركها سهواً فإن تذكرها قبل أن يخرج من مكّة المكرّمة ولم يكن العود إليها للإتيان بها في محلّها شاقّاً عليه رجع إلى المسجد الحرام وأتى بها في محلّها، وإن
تذكرها بعد ما خرج من مكّة المكرّمة أتى بها في الموضع الذي ذكرها فيه.
حكم الجاهل القاصر أو المقصّر في المسألة السابقة حكم الناسي .
إذا تذكر أثناء السعي أنّه ترك صلاة الطواف قطع السعي وأتى بها في محلّها ثم رجع وأتمّ السعي من حيث قطعه.
إذا كانت صلاة طواف الرجل بمحاذاة المرأة ، فإن كان الرجل متقدّماً عليها ولو مقداراً قليلاً فلا إشكال في صحة صلاتهما، وكذا إن كان بينهما فصل ولو بمقدار شبر.
مشروعية الجماعة في صلاة الطواف غير معلومة.
يجب على كلّ مكلّف أن يتعلّم الصلاة الصحيحة حتى يؤدّي تكليفه بشكل صحيح خصوصاً مَن يريد الحج .
شروط الطواف
الشروط سبعة وهي:
الأول: النيّة.
الثاني: الطهارة من الحدث.
الثالث: الطهارة من الخبث.
الرابع: الختان للرجال.
الخامس: ستر العورة.
السادس: الموالاة.
السابع: الموالاة.
الشرط الأول النيّة
وذلك بأن يقصد الإتيان بطواف العمرة أو الحج قربةً إلى اللّه تعالى، فلا يجزي الطواف بلا قصده ولو في بعض الشوط.
يشترط في النيّة القربة والإخلاص لله تعالى فيأتي بالعمل امتثالاً لأمر اللّه تعالى ، فإن فعله رياءً عصى وبطل عمله.
يشترط في النية تعيين أنّه طواف العمرة المفردة أو عمرة التمتع ، أو أنّه طواف الحج من حجة الإسلام أو الحج النذري أو الندبي، وإذا كان نائباً في ذلك قصدها أيضاً.
لا يجب التلفظ بالنية ولا الإخطار القلبي، بل يكفي الإتيان بطواف العمرة طاعةً لله وامتثالاً لأمره، وينبغي حال الطواف المواظبة والمداومة على الذكر والخشوع وحضور القلب وقراءة الأدعية الواردة فيه.
الشرط الثاني: الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر
يجب حال الطواف الواجب أن يكون طاهراً من الجنابة والحيض والنفاس، ويجب الوضوء للطواف أيضاً.
توضيح: الطواف الواجب هو الطواف الذي يكون جزءاً من أعمال العمرة والحج، ولذلك يعتبر الطواف في الحج والعمرة المستحبّين طوافاً واجباً.
إذا طاف المحدّث بالأكبر أو الأصغر لم يصحّ طوافه وإن كان جاهلاً أو ناسياً، بل يجب عليه تدارك الطواف وصلاته، حتى ولو كان الالتفات إلى فقد الطهارة بعد الفراغ من أعمال العمرة أو الحج.
لايشترط في الطواف المستحب الوضوء، ولكن لا يصحّ وضعاً على الأحوط الطواف حال الجنابة أو الحيض أو النفاس مضافاً إلى حرمة دخول المسجد الحرام تكليفاً على الجنب والحائض والنفساء.
توضيح: الطواف المستحب هو الطواف الذي يكون مستقلاً عن أعمال العمرة والحج، سواء كان يطوف عن نفسه أم نيابة عن الغير. وهذا العمل هو أحد المستحبّات في مكة، فالإنسان مهما أمكنه الطواف فهو حسن وموجب للأجر والثواب.
الشرط الثالث: طهارة البدن واللباس من الخبث
يجب حال الطواف أن يكون البدن واللباس طاهرين من الدم، والأحوط وجوباً طهارتهما من سائر النجاسات الأخرى. نعم لا تشترط الطهارة في مثل الجورب والمنديل والخاتم.
الدم الذي يكون أقلّ من درهم وكذا دم الجروح كما أنّه لا يوجب بطلان الصلاة فهو أيضاً لايوجب بطلان الطواف.
الشرط الرابع: الختان
وهو شرط في صحة طواف الرجال دون النساء ، فطواف الأغلف باطل ، سواء كان بالغاً أم لا.
الشرط الخامس: ستر العورة
يشترط في صحة الطواف ستر العورة على الأحوط وجوباً.
إذا لم تستر المرأة تمام شعر رأسها، أو كشفت عن بعض المواضع من بدنها أثناء الطواف، فطوافها صحيح وإن فعلت حراماً.
الشرط السادس: أن لا يكون اللباس مغصوباً حال الطواف
يشترط في صحة الطواف أن لا يكون اللباس مغصوباً، فلو طاف في اللباس المغصوب فالأحوط وجوباً بطلان طوافه.
الشرط السابع: الموالاة
تشترط الموالاة العرفية بين أجزاء الطواف على الأحوط وجوباً بمعنى أن لا يفصل بين الأشواط بما يخرجها عن صورة طواف واحد، ويستثنى من ذلك ما إذا قطع الطواف بعد تجاوز النصف ثلاثة أشواط ونصف لأجل الصلاة ونحوها.
كلمة سماحة السيد حسن نصر الله حول مجريات معركة جرود عرسال
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
حديثي هذه الليلة معكم له موضوع أساسي وهو المعركة الدائرة حالياً في جرود عرسال، وكانت في جرود فليطة، من باب التوصيف والتعليق والتوضيح ورسم المسار وإلى أين نحن ماضون؟ إلى أين سنصل؟ ما هي الخيارات الفعلية الآن؟ وماذا بعد؟
لكن قبل أن أدخل إلى الموضوع الأساسي في حديث الليلة اسمحوا لي أن أذكر بعض النقاط السريعة.
أولاً: من موقع المقاومين والمقاومة نتوجه بالتحية والإجلال والإكبار إلى المقدسيين، إلى أهل بيت المقدس، إلى المرابطين في بيت المقدس، إلى أهل القدس، وإلى أهل الضفة الغربية وإلى كل الفلسطينيين الذين تدفقوا إلى المدينة القديمة ليدافعوا عن المسجد الأقصى، عن هذا المكان المقدس، وليفرضوا انتصاراً جديداً في الحقيقة. ما شاهدناه هذه الأيام هو انتصار من المفترض أن يكتمل، أن يفرضوا على العدو إزالة البوابات الإلكترونية والإجراءات الجديدة التي تريد أن تفرض سيادة العدو الإسرائيلي على المسجد الأقصى بحضورهم، بصلواتهم، بتكبيراتهم، بقبضاتهم العزلاء، بصدورهم التي تواجه الرصاص والقنابل صنعوا هذا النصر، وهذه تجربة جديدة على كل حال من تجارب الخيارات المقاومة الشعبية سواءً في بُعدها العسكري أو في بُعدها المدني.
ثانياً: أود أيضاً أن أتوجه بالشكر، الأخ العزيز القائد السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي في خطابه قبل أيام أعلن وبوضوح وبدون مجاملة وقوفه وجميع المجاهدين والمقاومين والمقاتلين في اليمن المظلوم والغريب إلى جانب لبنان، إلى جانب سوريا، إلى جانب فلسطين في أي مواجهة مع العدو الإسرائيلي وفي هذا تأكيد لمعادلة القوة التي تريد أمتنا وشعوب أمتنا وحركات المقاومة في أمتنا أن تكرّسها وتؤكدها، له كل الشكر ولكل الأعزاء والصابرين والثابتين في اليمن الشريف، وطبعاً يجب الإشادة في الحقيقة، الآن نحن في لبنان كنا مشغولين قليلاً بجرود عرسال والوضع الأمني في البلد لا يسمح أن نقوم بتحركات شعبية لائقة ومناسبة بما يجري في القدس ولكن على امتداد العالم العربي والإسلامي هل وجدتم مسيرة تضامن مع القدس، مع الأقصى، مع الشعب الفلسطيني، مع المقدسيين؟ أضخم وأكبر وأهم من المسيرات الشعبية في اليمن، أنا دائماً أحب أن أذكر بهذا الموضوع وأدعو إلى إعادة النظر من كل من له موقف خاطئ في ما يجري في اليمن، أن يعيد النظر في موقفه.
ثالثاً: هذه الأيام هي أيام الذكرى السنوية لحرب تموز، لعدوان تموز، للانتصار العظيم، وطبعاً كلنا نواكب ونتابع ونحمل مشاعر هذه الأيام، لكن الليلة أنا لن أتحدث، فقط أحببت أن أشير وسأترك الكلام في هذه المناسبة العظيمة إلى الاحتفال الذي سيقيمه حزب الله إن شاء الله في مناسبة الرابع عشر من آب.
رابعاً: بعد أيام قليلة واحد آب عيد الجيش اللبناني، وبهذه المناسبة أيضاً، عيد الجيش، الذي هو شريك وعمدة المعادلة الذهبية والمعادلة الماسية، أتوجه إلى قيادة الجيش، إلى ضباطه ورتبائه وجنوده وشهدائه وأسراه وعائلاتهم جميعاً بالتهنئة والتبريك في هذا اليوم السعيد والعيد الكريم.
وكذلك هو عيد وطني للجيش العربي السوري الذي أيضاً أتوجه إلى قيادته وضباطه ورتبائه وجنوده وشهدائه وجرحاه وإلى كل المضحين بالتبريك بهذه المناسبة.
خامساً: أنا اليوم لن أرد على تصريحات الرئيس الأميركي ترامب وتصريحات المسؤولين في الإدارة الأميركية فيما يتعلق بحزب الله، تسهيلاً لعمل الوفد الحكومي الرسمي الموجود هناك ولعدم إحراجه، والأيام أمامنا قادمة، إن شاء الله يعود الوفد بسلامة وعندنا مناسبات نتكلم فيها ونُعلق فيها إن شاء الله.
والنقطة الأخيرة قبل الدخول إلى الموضوع، فيما سأعرضه في الموضوع الأساسي، أنا لا أريد أن أدخل في سجال مع أحد ولا أريد أن أدخل في نقاش عقيم مع أحد ونستهلك أنفسنا وأعصابنا ونستهلك أوقاتكم الكريمة، سأذهب إلى عرض القضايا بشكل إيجابي ومسؤول وهادئ، الآن هناك بعض الناس أكيد يكونون متوترين نتيجة بعض المواقف أو بعض الكلمات وبعض البيانات ويتوقعون هكذا باللغة الشعبية " أنو السيد الليلة بدو يفشّ لنا خلقنا"، أنا لا أريد أن "أفش خلق حدا" نحن لسنا في معركة "فش خلق"، نحن في معركة مسؤولة تنزف فيها دماء شريفة وتحصل فيها تضحيات ويُصنع فيها مصير بلد، فلنتكلم بمسؤولية.
إذاً الموضوع الأساسي هو المعركة الدائرة الآن في جرود عرسال وفليطة.
كالعادة أنا سأقسمها إلى عناوين:
العنوان الأول: هدف هذه المعركة. هدف المعركة الحالية، الدائرة الآن، هو إخراج المسلحين والجماعات المسلحة من المنطقة التي تسيطر عليها جبهة النصرة سواءً كان في جرود فليطة أو في جرود عرسال، يعني في الأرض السورية أو في الأرض اللبنانية. الآن لماذا نسعى إلى هذا الهدف؟ شرحنا كثيراً مخاطر تواجد هذه الجماعات المسلحة في هذه الجرود على لبنان وعلى سوريا وعلى الجميع، أنا لا أريد أن أعيد لأن هناك كثيراً من الكلام نريد أن نقوله، ولكن للذي ما زال عنده نقاش أو سؤال أو تردد أنا أُحيله ليسأل - لأن هذه معركة محقة، أنا أقول هذا حقٌ واضح بينٌ مشرقٌ لا لبس فيه، لا ريب فيه، هذه المعركة - يمكن لأي أحد متردد أن يذهب ويبدأ من الهرمل، يسأل أهل الهرمل الذي سقطت عليهم الصواريخ والسيارات المفخخة، يُكمل إلى قرى الهرمل يذهب إلى القاع، إلى الفاكهة، إلى رأس بعبلك، إلى عرسال، إلى اللبوة، إلى النبي العثمان، إلى البزالية، إلى مقنة، يونين، نحلة، الجمالية وصولاً إلى بعلبك ومن خلفها كل البقاع، ويسأل، يذهب إلى المناطق التي ضُربت بالسيارات المفخخة، التي سقط فيها شهداء وهناك جرحى ما زالوا يعانون الجراح، والمناطق التي كان يحضّر لاستهدافها على مدى السنوات والأشهر الماضية بعمليات انتحارية جديدة، يسأل هؤلاء وبعد ذلك يُجاوب نفسه، لماذا يجب أن نخرج لتحقيق هذا الهدف؟
هذا أولاً إذاً بهدف المعركة.
ثانياً، في توقيت المعركة. أساساً هذه العملية هي عملية مؤجلة من 2015، نحن في عام 2015 استعدنا جزءاً كبيراً من الجرود في الأراضي اللبنانية وفي الأراضي السورية، وصولاً إلى الحال الذي كنا عليه قبل يوم الجمعة الفائت، وتأجلت هذه المعركة التي كان ينبغي أن تحصل. السؤال هو ليس لماذا الآن؟ السؤال لماذا تأخرتم؟ طبعاً الذي أكد على هذه التوقيت هو ما انكشف في الأشهر الماضية من أنه فعلاً عادت الجرود تتحول إلى قواعد مجدداً تؤوي انتحاريين ويُعتمد عليها في تأمين الأحزمة الناسفة وفي العبوات الناسفة وفي السيارات المفخخة، بعد أن فشلت كل الخلايا التي شُكلّت في الداخل اللبناني ببركة جهود الجيش والأجهزة الأمنية الرسمية. هذا يشكل عندنا حافزاً أن هذا الموضوع لم يعد هناك مصلحة أن يؤجل، نحن اتخذنا هذا القرار. بالتأكيد بالنسبة للبعض هذا الموضوع إشكالي، أنا أحترم اختلاف وجهات النظر في هذه المسألة، لكن أحب أن أؤكد أن هذا ليس قراراً إيرانياً، ليست إيران التي قالت لحزب الله اذهب إلى جرود عرسال وفليطة، وليس قراراً سورياً أيضاً، حتى في فليطة. نحن اتصلنا بالقيادة السورية وتحدثنا معهم وطلبنا مساعدتهم في هذه المعركة، وإلا لو بقوا هم وأنفسهم فأولويتهم في القتال بأماكن أخرى وجاءوا معنا على القتال في الأرض السورية التي تحتلها جبهة النصرة.
إذاً هذه قرار ذاتي داخلي ليس له علاقة بأي جهة إقليمية ولم يُدرس ولم يُناقش ولم يُخطط ولم يُقرر في أي مكان آخر. من أجل المحللين السياسيين، أنا أريد أن أقدم وقائع، ونحن أيضاً كنا نعد لهذه المعركة منذ الشتاء الماضي. تكلمنا بها كفكرة، بدأنا بالتخطيط نظرياً مع بداية الربيع، الاستطلاع وجمع المعلومات، التحضير اللوجستي، التحضير البشري، وأيضاً إنجاز الخطط، وكنا أيضاً بين خيارين: إما قبل شهر رمضان واحتمال أن تتمدد لشهر رمضان، واحتمال بعد شهر رمضان، ففضلنا أن نلجأ الى الخيار الثاني، لذلك، التوقيت ليس له علاقة لا بجنيف ولا بمؤتمر استانا وأيضاً ليس بلقاء بوتين وترامب وأيضاً لا بالعلاقات الايرانية الامريكية ولا بمناطق تخفيف التوتر وايضاً ليس بدرعا وليس بالأزمة الخليجية القطرية، وأيضاً ليس بما يجري في القدس وليس له علاقة بشيء، لأنه سابق على كل هذه الأحداث، لذلك يجب أن يريحوا أعصابهم ونحن نقدم لهم حقائق ووقائع. وفي جميع الأحوال، الشخص الذي لديه أدنى معرفة بالرؤية العسكرية وشؤون القتال يعلم أن هذه المعركة لا يؤخذ بها قرار قبل يومين وتصعد القوات للقتال ويحققون هذا الإنجاز بسرعة. لذلك فإن هذه المعركة تحتاج إلى تحضير على مدار أشهر بالحد الأدنى، وهذا يؤكد أنها غير مرتبطة بأي وقائع وأحداث وتطورات سياسية حصلت في الآونة الأخيرة.
ثالثاً: في مجريات المعركة، طبعاً نحن منذ البداية قلنا إن الميدان سيتحدث عن نفسه، ولذلك طوال الأيام الماضية لم أظهر ولم يظهر أحد من المعنيين ليشرح على التلفزيون او لكي يقوم بعقد مؤتمر صحافي، الميدان وما كان يصدر عن الجهات الاعلامية المعنية كان يقدم الحقائق والوقائع دون أن يقدم أي تحليلات ولا تفسيرات ولا شيء من هذا النوع.
اسمحوا لي في هذا العنوان لأن هذا العنوان مهم جداً أن أدخل إلى تفاصيل في مجريات المعركة:
اولاً: في ميدان المعركة الجغرافي: الجميع شاهد على الشاشات، لأننا لا نتكلم عن جبهة غير مرئية، الناس جميعهم يستطيعون الجلوس أمام التلفزيون ويشاهدون المنطقة التي دارت بها هذه المعركة، هي منطقة في المساحة ما يقارب المئة كيلومتر، الأرض التي كانت تسيطر عليها جبهة النصرة سواءً في جرود فليطة أو في جرود عرسال، هذه المئة كيلومتر مربع، هذه المساحة ليست سهل، وليست صحراء، هذه منطقة جبلية تصل فيها بعض الجبال إلى علو ألفين متر وأكثر. يوجد بها جبال وتلال عالية ووديان وهي جرداء. والذي لديه أدنى معرفة عسكرية يعلم أن القتال في هذه المنطقة هو من أصعب أنواع القتال على الإطلاق.
النقطة الثانية في هذه الجبال وفي هذه الوديان وفي هذه التلال، يوجد عدو في وضعية دفاع ومحصن، وبالتالي الشخص الذي يكون في وضعية الدفاع والتحصين له نوع من الأرجحية، خصوصاً انهم سكنوا سنوات في هذه الجبال التي يوجد بها عدد من الكهوف والأنفاق.
أصلاً الوضع الطبيعي فيها تضاريس طبيعية أكبر من أي متراس أو خطوط دفاعية يمكن أن يعملوها ويستحدثوها وطبعاً ليس لديهم أدنى مشكلة بالعديد وايضاَ ليس بالوضع المعنوي والنفسي.
هذه عائلاتهم بالقرب منهم في المخيمات يستطيعون النزول والصعود، وهم مرتاحون، ولديهم السلاح والذخيرة وإمكانات ومواد غذائية وطبية، وهذا بحث يطول.
ثالثاً: الإخوان المقاومون هم في موقع الهجوم، وبالتالي هم الذين سيتحركون وهم مكشوفين ومستهدفين، والعدو يستحكم وكما ذكرنا جبال ومناطق جرداء وصعبة، وبالتالي يجب أن تمشي سيراً على الاقدام، وكما شاهدتم على التلفاز، يصعدون إلى الجبال سيراً على الاقدام، وينزلون الى الوديان سيراً على الأقدام. أغلب المنطقة ستكون سيراً على الاقدام، ومن بعدها يمكن الاعتماد على بعض الاليات عندما نصل الى أماكن معينة. هذه ايضاً من الصعوبات التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.
كذلك لم يكن عامل المفاجأة موجوداً، لأننا منذ أشهر قلنا ونقول ونخطب ونتكلم ونعرض تسوية، وأيضاً نعرض معالجة الموضوع من خلال تسوية معينة تُنهي وجود المسلحين في الجرود وتضمن حقوق النازحين وتخرج المسلحين إلى إدلب في سوريا بالتوافق مع القيادة السورية، وإلا سوف نذهب إلى خياراتنا، وهذا لم يكن سراً في البلد. وهذه نقطة مهمة.
لكن بفضل الله سبحانه وتعالى ومن مجموعة عوامل سوف أذكر بعضها وفي الأيام القادمة سوف أذكر البعض الآخر، منها الخطة، حيث كان هناك خطة محكمة وجيدة ومدروسة ومحسوبة جيداً بالاستفادة من كل التجارب التي خاضها قادتنا العسكريون ومجاهدونا حتى اليوم والالتزام بالخطة، أيضاً القيادة العسكرية والميدانية التي لديها تجربة متقدمة كان عندها هدوء بإدارة المعركة. أيضاً شجاعة وإقدام المقاتلين وروحيتهم العالية وانضباطهم، والملفت هو الحماس الشديد، الحماس العالي و"الأريحية": يمزحون ويضحكون ويتكلمون وببركة تضحياتهم وعلى رأسهم الشهداء والجرحى الأعزاء والكرام، طبعاً هناك عوامل سوف أعود اليها بعد قليل.
آن الاوان أن اتكلم معكم، أستطيع القول إننا بتنا أمام انتصار عسكري وميداني كبير جداً، وتحقق في الحقيقة خلال 48 ساعة، يعني في أول يومين أصبح هناك تحوّل كبير في الجبهة، وبعدها أصبحنا نتقدم قليلاً قليلاً. هذا الانتصار طبعاً فاجأ الجميع. هذه المنطقة الصعبة والتي تكلمت عنها قبل قليل والذي تحقق بهذه السرعة وبأقل كلفة ممكنة على مستوى الشهداء والجرحى، وبهذه الدقة، طبعاً، هذا إنجاز كبير ومهم جداً يجب التوقف عنده.
النقطة الرابعة في عنوان مجريات المعركة، في جرود فليطة المعركة كانت مشتركة، يعني نحن والجيش العربي السوري قاتلنا هناك كتف الى كتف وسقط لنا ولهم شهداء وجرحى وتم تحرير كامل جرود فليطة، ونستطيع القول في الارض السورية لم يعد هناك تواجد لجبهة النصرة.
بطبيعة الحال في بعض الوديان إلى هذه اللحظة هناك إشكال حولها ما إذا كانت سورية او لبنانية، يعني لا يوجد فرز للحدود. بشكل عام لكن يستطيع المرء أن يتحدث عن هذه النتيجة.
النقطة الخامسة في الأراضي اللبنانية، ما قام به الجيش اللبناني أيضاً في محيط عرسال وجرود عرسال وعلى امتداد خط التماس كان أساسياً جداً في صنع هذا الانتصار وفي صنع هذا الانجاز.
أريد أن أتحدث عن الوقائع: الجيش اللبناني ضمن مسؤولياته القانونية موجود على خط طويل من التماس مع الجماعات المسلحة.
في البداية نريد ان نتحدث بما يبين ثمرة هذا الجهد، وهو إقفال خط التماس. في كل المنطقة ممنوع نزول المسلحين من الجرود وممنوع الصعود إلى الجرود من خلال خطوط ونقاط ومواقع الجيش اللبناني ولذلك أي مجموعات حاولت أن تتقدم باتجاه عرسال أو باتجاه خطوط تواجد الجيش اللبناني كان يتصدى لها ويقوم بضربها.
ثانياً بمعزل عن هذه الحركة، الجيش وخلال بيانات متعددة أعلن أنه ضرب أهدافاً للمسلحين في تلك المنطقة انطلاقاً من حيثيات معينة ولذلك شعر المسلحون أنهم ليسوا في أمان. والمعركة ليس فقط مع المقاومة.
ثالثاً، الحماية الأمنية التي قدمها الجيش اللبناني لبلدة عرسال ولكل البلدات على خط التماس، لكن عرسال مميزة لأنها قريبة من الجبهة، وبالتالي تطمين أهلها واتخاذ الاجراءات والتواصل وعملية العلاقات العامة التي قام بها الجيش داخل بلدة عرسال ولدت جواً كبيراً من الاطمئنان، سواءً فيما يتعلق بأهل البلدة أو فيما يتعلق بالنازحين السوريين الموجودين في هذه البلدة، وبالتالي تحييد بلدة عرسال عن أي اشتباك أو إشكال، أراح البلدة وحماها، وكذلك البلدات الأخرى. هذا كان عاملاً أساسياً وحاسماً وقطع الطريق على كل مثيري الفتن الذي كانوا يراهنون على استخدام بلدة عرسال أو استخدام أحد ما في عرسال في هذه المعركة.
وفي هذه المواجهة أيضاً الجيش اللبناني قام بحماية النازحين السوريين ومخيمات النازحين وساعدهم، حتى المخيمات التي هي خارج سيطرته بوادي حميد وفي مدينة الملاهي فإنه حماها بجهوده وبتصديه الناري لأي حركة من جبهة النصرة باتجاهها. كما استطاع تأمين شكل من أشكال الحماية لها ومنع المسلحين من الاقتراب منها سواءً كانت داخل سيطرته أو خارج منطقة تواجده.
اذاً الجيش اللبناني من خلال وجوده وتحمل مسؤولياته وسهره في الليل والنهار استطاع ان يؤمن هذا السد المنيع وهذه الحماية المطمئنة ويهدئ كل النفوس ويجعل الجميع يتوجهون إلى المعركة الحقيقية.
النقطة السادسة بالمجريات يجب أن نتوقف ـلأننا نحن نحترم من يتصرف بمسؤولية ـ يجب أن نتوقف أيضا أيضا عند السلوك العقلاني والمسؤول لسرايا أهل الشام. هناك فصيل ـ لمن لا يعرف التفاصيل ـ هناك فصيل كان موجوداً وما زال موجوداً في جرود عرسال، كان موجوداً أيضاً وله مواقع في الخطوط الأمامية اسمه سرايا أهل الشام.
باليوم الأول هم شاركوا في القتال، وحدث قتال بيننا وبينهم كما حصل مع جبهة النصرة، ولكن لأنهم تصرفوا بعقلانية واستجابوا لنداء العقل وفهموا تماماً أن هذه معركة ليس لها أفق في الوقت الذي فتح الباب أمام حل وأمام تسوية تحقن دماءهم ودماءنا وتحمي الجميع وتنصف الجميع.
اتخذوا قراراً باليوم الثاني أن ينسحبوا من الخطوط الأمامية إلى مخيمات النازحين في وادي حميد وفي مدينة الملاهي ويتحملوا هم مسؤولية حماية أهلهم وعيالهم ومخيمات النازحين هناك، ونحن سهّلنا لهم هذا الانسحاب وأيضا توثقوا منا لأن نحن لدينا التزام ـ سأعود وأؤكد عليه بعد قليل ـ أن مخيمات النازحين في وادي حميد وفي مدينة الملاهي لن تمس ولا تمس، ومع ذلك وجودهم هم لحمايتها وحراستها كان عاملاً إضافياً في طمأنة النازحين ـ وهم بالآلاف ـ الموجودين هناك، لأن هذه المخيمات هي خارج نطاق تواجد ومسؤولية وسيطرة الجيش اللبناني.
هذا التصرف العاقل والمسؤول طبعاً يُشكرون عليه ويُحمدون عليه، ونحن لدينا التزام تجاههم، وأنا أؤكد علناً ـ لأن هذا التزام حصل كلامياً ـ أنه في أي توقيت نحن جاهزون، وتحدثنا مع القيادة السورية منذ مدة وهم موافقون على هذا الأمر، أنه في أي توقيت يجدونه مناسباً نحن ننسّق مع الدولة اللبنانية ومع الدولة السورية لخروج مسلحي سرايا أهل الشام بكرامتهم وبكل ما يلزم بما يتناسب مع التفاصيل التي يُتفق عليها ومع عائلاتهم وإخوانهم وأهلهم إلى حيث يحبون، وطبعاً إلى حيث تقبل الدولة السورية من خلال التنسيق معها، وهذا ليس فيه مشكلة.
نحن لدينا التزام على هذا الصعيد وحاضرون له في أي ساعة. الأمر يعود إليهم.
النقطة السابعة: في مجريات المعركة فيما يتعلق بجبهة النصرة للأسف قادة هذه الجبهة ومسؤولوها لم يصغوا إلى كل النداءات السابقة وانفتح لهم هذا الباب ونحن كنا جديين في هذا الموضوع وكان هذا هو الحل الأفضل والحل الأنسب.
نحن ـ وربما يقول بعض الناس أنتم مصرون على القتال لتصنعوا نصراً وتفتخرون به ـ نحن لا ينقصنا انتصارات أبداً، لا ينقصنا. نحن تضحيات الشباب ودماؤهم وأرواحهم وتحمّل الناس بالمنطقة أغلى عندنا من أي اعتبارات من هذا النوع.
لذلك نحن كنا جديين وعرضنا بالعلن والسر، لكن هم تصرفوا بعنجهية وبروح غير مسؤولة وربما أيضا ببعض تحليلاتهم الخاطئة اعتبروا أن كل هذا حرب نفسية لا يوجد معركة ولا قتال ولا من يحزنون.
ولذلك فوّتوا على أنفسهم هذه الفرصة. حتى عندما بدأت المعركة هم راهنوا، لأن أي عسكري يشاهد هذه المنطقة ربما يخرج برهان كهذا. هذا رهان ليس غير عقلائي عقلائي. الآن هناك معركة وهؤلاء شباب حزب الله قادمون، لكن هناك جبال وتلال وكهوف وأنفاق ومنطقة صخرية وجرداء إلخ.. نقاتلهم، نلحق بهم خسائر فادحة ونلحق هزيمة بحزب الله ونفشل هذه المعركة، ربما لأنه بطبيعة الحال ـ كما قلت قبل قليل ـ المعركة هناك صعبة.
بكل الأحوال، عندما سارت مجريات المعركة وسقطت المواقع الأمامية كلها وسرعان ما انهارت أعلى الجبال والتلال وأعقد العقد وأصعب الوديان، هم بدأوا بالانكفاء وبدأوا يخسرون الأرض، وفوق خسارة الأرض والمواقع وغرف العمليات والمقرات الأساسية هناك قتلى، وجرحى، وارتباك وتخبط بطبيعة الحال.
نحن نعتقد أن إصرارهم الذي كان على عدم الاستجابة للنداءات كان أمرا خاطئاً ولا أريد توصيفه بأكثر من هذا.
وبكل الأحوال الآن هم عملياً الآن، كما تحدثنا قبل قليل، خرجوا من جرود فليطا، بالمنطقة التي كانوا يتواجدون فيها من جرود عرسال، عملياً خسروا غالبية المنطقة، وتبقّى لهم عدة كيلو مترات مربعة، ولا أود الدخول بحسابات دقيقة 4 5 6 كيلو أقل أكثر، لأنه بالحقيقة لا يملك أحد جهاز مساحة ويمسح الأرض بدقة، لذلك ترون بعض التعليقات متفاوتة، لكن عملياً الآن هم أصبحوا في مكان ضيق: هنا يوجد وادي حميد ومدينة الملاهي، ومن ثلاث جهات: جهة لديهم حزب الله الذي يقاتلهم وما زال يعرض عليهم التسوية، ومن جهة لديهم الجيش اللبناني الذي يمنعهم من الدخول إلى المخيمات أو إلى عرسال أو إلى البلدات اللبنانية، ومن جهة ثالثة لديهم داعش التي ترفض أن تعينهم أو أن تستقبلهم إلا بعد إذلالها لهم، لأنه ـ كما تعرفون ـ بأدبيّاتهم النصرة يعتبرون داعش خوارج وكلاب أهل النار وقتلاهم في النار وما شاكل.
شرط داعش الأول، وهناك شروط أخرى، لكن شرطها الأول هو البيعة، مبايعة الخليفة البغدادي، وهذا طبعا مذلّ جدا لمقاتلي جبهة النصرة. وبكل الأحوال هم الآن وضعوا أنفسهم في هذا المكان الصعب.
النقطة الثامنة بمجريات المعركة: رغم ضراوة وصعوبة المعركة، قصف ومدافع وصواريخ وقتال واشتباكات وآليات واقتحامات، بقيت بلدة عرسال في مأمن، وطبعا هذا الفضل للجيش اللبناني، لكن حتى بالخطأ ـ لا أحد يتعمد أي شيء تجاه عرسال ـ المعركة بهذا الحجم وكان هناك سعي لئلا يُرتكب أي خطأ، وأي خطأ يمكن أن يحدث، بالنهاية تتحدث عن معركة وجبال وأودية وصواريخ ومدافع وقذائف كما يقال "إلا ما تشيح قذيفة يمنة وقذيفة يسرة" لكن هذا كان هناك حرص شديد أن لا يحدث ذلك.
وكذلك الحال فيما يتعلق بالمخيمات وفيما يتعلق بعرسال أنا أحب اليوم وأعيد وأؤكد ولا يوم من بداية الأحداث من سنوات ويوم كانت عرسال مستهدفة، ولا يوم كان أهل عرسال مستهدفين على الإطلاق، ولا يوم.
حاول البعض إثارة فتنة مذهبية ويا غيرة الدين ويا أهل السنة ويا أهل ما بعرف شو لكن كل هذا كان ظلماً واتهاماً غير صحيح على الإطلاق. والدليل مسار الأحداث خلال كل السنوات. حزب الله ومجاهدو حزب الله وشهداء حزب الله لا يريدون لعرسال ولأهل عرسال إلا الخير والأمن والأمانة والسلامة والكرامة، وإن شاء الله بأسرع وقت عندما تنتهي هذه المعركة نحن جاهزون، كل هذه الأرض التي تم استعادتها من الأرض اللبنانية جاهزون من اليوم الثاني ـ إذا تطلب قيادة الجيش اللبناني وتكون جاهزة لتسلم كل المواقع وكل الأرض ـ أن نسلمها إلى الجيش اللبناني.
نحن لا نريد أن نكون سلطة ولا نودّ خلق نفوذ وحضور عسكري ولا نريد فرض حالنا على أحد.
نحن أردنا أن نطرد هؤلاء المسلحين لما يشكّلونه من إرهاب وتهديد وخطر، وبالتالي نأمل ونحن نأمل أيضاً من قيادة الجيش اللبناني إن شاء الله في أقرب وقت ممكن أن تتحمل هذه المسؤولية، وأنا أعلن أننا نحن جاهزون لتسليم كل الأرض وكل المواقع التي دخلنا إليها حتى يتاح لاحقاً لأهل عرسال الكرام أن يعودوا إلى بساتينهم وإلى كسّاراتهم وإلى مقالعهم وإلى جرودهم.
أحببت التأكيد والطمأنة بهذه النقطة، كذلك في موضوع مخيمات النازحين لن نسمح أن تكون هدفاً، لن يقترب منها أحد، لن نسمح لأحد ان يقترب منها. هؤلاء وإن اختلفنا معهم بالسياسة أو لم نختلف لكن من الناحية الإنسانية والأخلاقية والدينية والشرعية وبكل الموازين لا يجوز التعرض لهم بسوء تحت أي سبب وتحت أي عنوان، حتى ولو كان هذا العنوان ظروف المعركة القاسية.
وأنا في كل يوم واليوم أيضا بالتحديد أبلغت الإخوة أنه يجب التشدد في هذه النقطة لأننا نخشى من دخول أحد على الخط لا سمح الله والقيام باستهداف النازحين وبالتالي تحويل هذا الموضوع في وجه المقاومة أو في وجه الجيش اللبناني وأخذ الأمور باتجاهات سيئة.
هذه في مجريات المعركة نعود للتسلسل الأساسي، كنا ثالثا.
رابعاً: الآن ماذا يجري وإلى أين نحن ماضون، لأن هذا هو السؤال الأهم. الآن كلّ ما تحدثنا به قبل قليل هو توصيف وعرض للواقع بالحد الأدنى من وجهة نظرنا. الآن ماذا يجري وإلى أين نحن ماضون.
في الوضع الحالي من أجل إنجاز الهدف لأن الهدف لا تنسوا بدأنا به بداية وهو إخراج كل المسلحين من هذه المنطقة التي كانت تسيطر عليها جبهة النصرة، العمل جارٍ على خطين:
الخط الأول في الميدان والخط الثاني في المفاوضات.
أولاً في الميدان: يستمر التقدم ولكن وهذا نتيجة إصراري أنا على الإخوة، وإلا تعرفون العسكر عادة يعتمدون عادة الفرص المتاحة والاندفاع ولديهم من الشجاعة ما يكفي ومن مشاهدة الميدان، ليس مثلي أنا البعيد، لكن بحسابات أخرى أنا أكدت على الإخوة أن يسيروا ويتقدموا بشكل مدروس ومحسوب وأن لا يعجلوا.
السبب في ذلك، السبب الرئيسي في ذلك هو الذي كنا نتحدث عنه قبل قليل، لما بقية جبهة النصرة، من بقي منها من مسؤولين وقادة ومقاتلين الآن باتوا محصورين في مساحة ضيقة جداً، وهذه المساحة هي قريبة جداً من مخيمات النازحين في وادي حميد ومدينة الملاهي، وهؤلاء يحاولون الإلتجاء إلى هذه المخيمات. بالتالي هنا العمل هنا يجب أن يكون دقيقاً جداً، حتى بعض أنواع الأسلحة التي كان يمكن أن تستخدم الآن بات استخدامها يجب أن يكون فيه احتياط إما ممنوع أو احتياط شديد لأننا لا نريد أن يحدث أي خطأ تجاه النازحين وباتجاه المدنيين. هذا يتطلب مسؤولية عالية في مقاربة المعركة بدقة وبحساسية وبشكل مدروس.
وأيضا نحن لسنا مستعجلين على شيء. عندما نسير بشكل مدروس وبشكل محسوب حتى الآن، نحن أنجزنا، مجاهدونا وقادتنا في الميدان أنجزوا انتصاراً وانجازاً عسكرياً وميدانياً كبيراً جداً بأقل خسائر ممكنة أو مفترضة أيضاً.
إذاً هذا الخط الأول هو خط العمليات، وهو متواصل وليس متوقفاً، متواصل في الليل وفي النهار، وأمره إلى الميدان، مع الأخذ في عين الاعتبار هذه الملاحظة.
هنا أريد أن ألفت وسائل الاعلام خصوصا المحبين والمتحمسين والمؤيدين، أن لا يحددوا لنا سقفاً زمنياً، لأننا منذ البداية لم نحدد سقفاً زمنياً، الآن صحيح الإخوة في غرفة العمليات قالوا إن المعركة شارفت على نهايتها، صحيح ، شارفت على نهايتها، ولكن هذا لا يعني بأن تعدوا لنا الدقائق والساعات والايام، وكأننا بتنا "محشورين"، كلا، نحن وقتنا معنا، لا ينبغي أن نستعجل، دماء إخواننا غالية علينا جميعاً، وحتى إعطاء فرصة، يعني هذا أحد الأسباب أيضاً لأن نأخذ وقتنا وأن نعمل بشكل مدروس، لأنه إذا أخذنا بعض الوقت للتوصل إلى تسوية من خلال المفاوضات تقضي بخروج هؤلاء المسلحين، طبعاً، ضمن شروط معينة وتفاصيل معينة، هذا أفضل.
نحن جماعة من البداية، من قبل يوم الجمعة واليوم وغداً وبعد غد، نريد أن نأكل العنب لا نريد أن نقتل الناطور، ولذلك طالما يوجد إمكانية أن تأكل العنب دون أن تقتل الناطور، لا يوجد داع للعجلة، ولا يحشرنا أحد.
يا إخواننا يا أحباءنا يا أصدقاءنا، إعلاميين سياسيين جمهور، اتركونا على راحتنا ودعوا الاخوة يديروا هذه المعركة بعيداً عن أي ضغط، من موقع المسؤولية والحرص على الدماء والإنجاز الأفضل والأسرع ما أمكن.
اثنين، إذا ذهبنا إلى خط المفاوضات، أمس بدأت مفاوضات جدية، قبلها كان كلام ليس له علاقة لا بالأرض ولا بالميدان، يعني أناس يتكلمون بعالم آخر، لكن أستطيع القول بأنه أمس، بدأت مفاوضات جادة. طبعاً، الذي يتولى المفاوضات هي جهة رسمية لبنانية، هي تتصل ضمن قنواتها، معنا لا تحتاج الى قنوات، وتتصل بمسؤولي جبهة النصرة الموجودين في جرود عرسال، من بقي منهم، وتقود مفاوضات ونقاشات لأنه في نهاية المطاف، هناك شيء ستقبل به الدولة اللبنانية ويوجد شيء ستقبل به الدولة السورية ويوجد شيء نحن معنيون أن نقبل به، لأننا نحن موجودون بالجبهة وفي الميدان، فلذلك الذي يقود المفاوضات الآن هي جهة رسمية لبنانية. يوجد جدية أفضل من أي وقت مضى، أنا شخصياً، أمس واليوم، لأول مرة أشعر بأنه هناك جدية ويوجد شيء من التقدم، لكن يوجد القليل من البعد عن الواقع، يعني قيادة جبهة النصرة، سواءً كانت في جرود عرسال أو في ادلب يجب أن تعرف أن الوضع الميداني الآن في جرود عرسال لا يجعل جبهة النصرة في موقع من يفرض الشروط، يعني هذه ملاحظة أساسية بناءً على الوقائع والميدان، وبالتالي الفرصة التي أضاعوها يوم الجمعة، الآن لا تزال متاحة، لكن الوقت ضيق، يعني اننا نفاوض والشباب يتقدمون، من يسبق الآخر؟ أنا لا اضمن شيء في هذا الموضوع، ولذلك الوقت غير متاح، الوقت غير مفتوح، والفرصة الآن متاحة إذا كانت جبهة النصرة سواءً في جرود عرسال او في ادلب مكان وجود قيادتهم حقيقةً جدية. يعني هؤلاء القادة والمسؤولون والأمراء والمقاتلون، عائلاتهم لا يقترب منهم أحد حتى لو كانوا أي أحد، يعني الذين قتلونا وأرسلوا لنا السيارات المفخخة وذبحوا جنود الجيش اللبناني، لا دخل لنا، لا بعيالهم ولا نسائهم ولا أطفالهم ولا أعراضهم، أبدا، نحن لسنا مثل غيرنا، لكن اذا كانوا حريصين على هؤلاء، الآن الفرصة متاحة والوقت ضيق، ولذلك هم مدعوون إلى جدية اعلى وأفضل مما شهدناه أمس وصباح هذا اليوم وطوال اليوم. طبعا التفاوض يجب أن يستمر مع الجهة الرسمية، نحن لسنا معنيين مباشرة بالتفاوض.
إذاً هذا الذي يجري الآن وهذا ما نحن ذاهبون اليه، الماضون اليه هو تحقيق الهدف وإنجاز المهمة.
الطريق الموصل الآن، هناك طريقان، من الأول كان هناك طريقان، لكن هم أغلقوا الطريق الاخر، الميدان والمفاوضات للتسوية، الآن الطريقان سالكان، ونحن نحاول أن نراعي بينهما على أمل أن نصل إلى النتيجة المطلوبة.
حسناً في كل الأحوال، أيها الإخوة والأخوات، أيها اللبنانيون جميعاً، وإلى كل من يسمع في عالمنا العربي والإسلامي، والى كل من يعنيه ما يجري عندنا في بلدنا لأنه ينعكس على بلدنا وعلى بلدان وشعوب المنطقة، أود أن أختصر وأقول نحن الآن أمام انتصار كبير ومنجز، وسيكتمل إن شاء الله، يعني لا زال لدينا هذه الخطوات الاخيرة، المسار هو مسار اكتمال بعونه تعالى وبتوفيق من الله عز وجل، إما بالميدان وإما بالتفاوض، وستعود كل هذه الأرض إلى أهلها، ستعود بساتينها وكساراتها ومقالعها وجرودها وسيأمن الناس جميعاً، من الهرمل إلى بعلبك إلى بريتال إلى النبي شيت إلى زحلة، إلى كل الأرض اللبنانية التي كانت هذه الجرود منطلقا للإرهابيين وللانتحاريين وللأحزمة الناسفة، وستطوى الصفحة العسكرية نهائيا لجبهة النصرة من لبنان، أقول عسكرية لأنه بالنهاية هم اسمهم تنظيم القاعدة في بلاد الشام.
في الحقيقة، التهديد الأمني سيظل قائماً ولا يمكن لأحد أن ينفيه، وهم حاولوا أن يعملوا عبر المطار، وأن يرسلوا أناساً من بلدان اخرى، ومثل ما رأيتم بالإعلام: يمنيين وخليجيين والى آخره، لكن الصفحة العسكرية ستطوى بشكل نهائي إن شاء الله، وهذا النصر المنجز والمحقق والذي ننتظر اكتماله يهديه مجاهدونا وجرحانا وعوائل شهدائنا، يهدونه إلى كل اللبنانيين، مثل العادة نحن هكذا، من ال 2000 وال 2006، إلى كل اللبنانيين وإلى كل شعوب المنطقة التي عانت وتعاني من الإرهاب التكفيري، من الإرعاب التكفيري، من الوحشية التكفيرية على امتداد منطقتنا، إلى المسيحيين بكل مذاهبهم وإلى المسلمين بكل مذاهبهم وطوائفهم، واسمحوا لي أن أقول وأن أذكر بأن من المسلمين الذين عانوا أكثر ما عانوا من هذا الارهاب التكفيري ومن حماقة هذا الارهاب التكفيري ومن مجازر ووحشية هذا الارهاب التكفيري هم أهلنا أهل السنة، سواءً في العراق أو في سورية أو في أفغانستان وباكستان.
كان الإرهابيون يدخلون إلى مسجد مليىء بالمصلين، إمام سني ومصلون سنة ويدخل انتحاري ويفجر نفسه، ويسقط 100 شهيد ومئات الجرحى. ويوجد أماكن 300 شهيد، وحصل كثيرا في باكستان والهند لأنه يوجد حشود كبيرة عادة بالمساجد أو بمراسم دينية وما شاكل.
على كلٍّ، نحن في معركة الارهاب، نعتقد إننا نقوم بواجبنا، لا نتوقع شكراً من أحد ولا تقديراً من أحد، إذا جُلدنا ببعض السياط، لا مشكل، نحتسبها عند الله سبحانه وتعالى، حسبنا أننا نقوم بواجبنا أمام ربنا وأمام أمتنا وأمام شعبنا وأمام أهلنا الذين يستحقون كل هذه التضحيات.
خامسا، بالعنوان الأساسي، ماذا بعد الانتهاء من ملف جبهة النصرة، هذا سؤال مطروح الآن، فيما يرتبط ببقية الجرود، لأنه لدينا بقية جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع وبقية المنطقة. سأدع الكلام في هذه النقطة إلى حينه إن شاء الله تعالى حينما ننتهي من ملف جبهة النصرة نعود ونتكلم.
سادساً قبل الأخير، يجب التوقف عند المستوى العالي والواسع من التأييد التي حظيت به هذه المعركة المحقة من القادة السياسيين، والدينيين، والأحزاب، والشخصيات الرسمية، وغير الرسمية، ووسائل الإعلام، والنخب الإعلامية، والثقافية، والإجتماعية، والفنية، وعلى المستوى الشعبي، والجماهيري، وأشكال التعبير المختلفة، التي شهدناها من شبكات التواصل الإجتماعي، من التبرع بالدم، من تقديم أشكال الدعم المختلف، البيانات، المواقف، التصريحات، الزيارات، زيارة أضرحة الشهداء.
على كل حال، لكل من أيد، وساعد، ودعم بكلمة، أو خط يد، أو دعاء، أو "هزة رأس"، أو إبتسامة، أو رضا قلب، لكل هؤلاء بدون إستثناء كل الشكر والتقدير.
أخيراً، إلى المضحين ـ الأن أريد منكم أن تسمحوا لي قليلاً، انا في حرب تموز تماسكت نفسي قليلاً، الأن أشتغلت جيداً قبل أن أخرج لكي أتكلم لأمسك نفسي، لأنني أتحدث كل شيء من القلب ولكن هنا أتحدث بمشاعر مختلفة ـ إلى المضحين كلهم، إلى الشهداء، أرواح الشهداء، عوائل الشهداء، الجرحى، عائلات الجرحى، المجاهدين، المقاومين في هذا الميدان، وفي كل ميادين المقاومة، والقتال، والتضحية، والفداء، ليس فقط الموجودين الأن في جرود عرسال، هذا خطاب إلى كل المقاومين، والمقاتلين، في كل الساحات وفي كل الميادين.
انا بحثت جيداً من أجل أن أقول خطاب كلمتين للجميع سوياً، تذكرت إننا في زيارة أئمتنا من أهل بيت النبي صلى الله عليه واله وسلم، نقول لهم في الزيارة فيما نقول في مقطع من الزيارة نصل إلى مكان ونقول لهم "بأبي أنتم وأمي ونفسي كيف أصف حسن ثنائكم وأحصي جميل بلائكم وبكم أخرجنا الله من الذل وفرج عنا غمرات الكروب وأنقذنا من شفا جرف الهلكات" وأنتم جميعاً ـ الخطاب إلى الشهداء، إلى الجرحى، إلى المقاتلين، إلى المقاومين، إلى كل أب، وأم، وزوجة، وعزيز، لهؤلاء ـ وأنتم ورثة هؤلاء الأئمة أنتم أحبائهم، أنتم السائرون على نهجهم، في كل إمرأة، وسيدة منكم، تسكن روح زينب عليها السلام، التي كانت تقول بعد كربلاء "ما رأيت إلا جميلاً".
في رجالكم إيثار العباس الذي رفض أن يشرب الماء وقال على شط الفرات " يا نفس من بعد الحسين هوني وبعده لا كنت أن تكوني"، وفيكم روح أبي عبد الله الحسين عليه السلام الذي عندما حاصره العالم ووضعه بين خيارين، بين الثلة، والذلة، قال كلمته للتاريخ وللقيامة "هيهات منا الذلة".
لذلك، لأنكم أنتم هكذا، إسمحوا لي أن أقول لكم: بأبي أنتم وأمي ونفسي، كيف أصف حسن ثنائكم، اللسان عاجز عن مدحكم، بماذا نمدحكم؟ بأي كلمات؟ بأي جمل؟ بأي بلاغة؟ بأي أدبيات؟ بأي أبيات شعر يمكن أن تحصي وتصف ما أنتم عليه، وما أنتم فيه، وأنتم النجباء، الطيبون، الكرام، الذين ما بخلتم بيوم من الأيام لا بدم، ولا بفلذة كبد، ولا بمال، ولا بصبر، ولا بصمود، ولا بتأييد، وأحصي جميل بلائكم، بلائكم الإمتحانات التي مررتم بها منذ البداية، سيصبح لنا أربعون عاما سوياً بالحد الأدنى هذه تجربة حزب الله، جميل بلائكم وفوزكم في كل هذه الإمتحانات والصعاب، وبكم أخرجنا الله من الذل ـ كما نقول لأئمتنا نقول لكم ـ بكم أنتم أخرجنا الله من الذل، بدمائكم، بتضحياتكم، بشهدائكم، بجرحاكم، بدموعكم، بصبركم، بصمودكم، بإيثاركم، بشهامتكم، بشجاعتكم، أخرجنا الله من الذل، من ذل الإحتلال بالمقاومة، من ذل الهوان، من ذل الضعف، من ذل الخوف، من ذل الهزيمة، من ذل الإحتقار، ومن كل ذل.
وفرج عنا بكم، فرج عنا غمرات الكروب، هذه الهموم أنتم، أبنائكم، فرسانكم، كشفوا هذه الكروب وهذه الهموم عن وجوه هذا الشعب الذي كان مهدداً بالإحتلال وكاد أن يضيع وطنه وأرضه، والمهدد بالتكفير، والمهدد بالغم، والهم، والإذلال، والقتل، والذبح، والسبي، هذه من أعظم الكروبات، هذه من أعظم الهموم، لكن بكم كشف الله عنا غمرات الكروب، وأنقذنا من شفا جرف الهلكات فبات شعبنا يعيش امناً على إمتداد هذه الأرض، وعلى إمتداد هذه الحدود، وفي كل القرى، وفي كل البلدات، امناً، مطمئناً، عزيزاً، كريماً، واثقاً، قادراً على مواجهة كل الصعاب، وكل التحديات والمخاطر، لا يخاف تهديد أحد، لا ترامب، ولا أوباما، ولا بوش يعني بمفعول رجعي، ولا نتنياهو، ولا شارون، ولا وايزمان، ولا أحد، بكم بكم أنتم.
أيها المضحون الشرفاء جازاكم الله عن أهلكم، وشعبكم، ووطنكم، وأمتكم، أحسن الجزاء الثواب في الآخرة، وحفظكم الله، ونصركم في الدنيا، وبيض الله وجوهكم في الدنيا والآخرة، وتقبل الله منكم. إلى مزيد إن شاء الله من تحمل المسؤولية، ومن النصر، ومن العز، ومن الأمن والامان، بتعاون الجميع، ووحدة الجميع، وتحمل الجميع المسؤولية.
مجدداً لكل من أيد، ودعم، وساند، وبارك، كل الشكر، وكل التقدير، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بين (ناصر) ونصر الله.. قواسم العزّة !
كاتب ومفكر قومى من مصر. رئيس مركز يافا للدراسات والأبحاث القاهرة. دكتوراه فى فلسفة العلوم السياسية من جامعة القاهرة – 1987. صدر له ثلاثون مؤلفاً وموسوعة عن الإسلام السياسى والصراع العربى الصهيونى
لقد اشترك الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والسيد حسن نصرالله في قضية أساسية استراتيجية وهي العداء الجذري للعدو الصهيوني وفي الإيمان بقدرة (الشعب العربي) على الانتصار عليه، وفي أن الأيدي المُرتعشة (كما قال عبدالناصر) في مواجهة هذا العدوان لن تقوى على حمل السلاح، فلابدّ إذن من أيدٍ قوية ومؤمنة، وهو عين ما آمن به (نصرالله). وإن أردنا أن نوجز المقارنة بين (ناصر) و(نصرالله)، فإننا نقول قِيَم العزّة والكرامة والثقة في الله، كانت هي القواسم المشتركة بين الزعيمين، ونحسبها هي التي كتبت لهما الخلود في قلوب الملايين من أبناء أمّتهم العربية والإسلامية، ومن تحمله (القلوب)، لن تستطيع السيوف، وبخاصة سيوف الفتنة، اقتلاعه أبداً، والله أعلم.
قبل أن يغادرنا شهر يوليو (تموز)، دعونا نتذكّر رمزين سياسيين وعربيين ارتبطا بهذا الشهر، كل بطريقته، وكل في زمانه، إلا أن ما يجمع بينهما تجاوز الزمن، ليصبّ في الواقع ويثبت في الأرض مهما باعدت بينهما الأيام والتجارب.
إنهما الزعيم الراحل جمال عبدالناصر والمجاهد الرمز السيّد حسن نصرالله، لقد شغلتني كثيراً فكرة المقارنة بينهما منذ سنين مضت وحاولت أن أبحث في القواسم المشتركة بينهما، وما السرّ الذي يدفع الناس في بلادنا إلى التعلّق بهما حتى لو اختلفوا معهما؟ ولقد وجدت الإجابة، سأقولها باختصار في سطور هذا المقال، الذي يأتي في ذكرى حدثين كبيرين الأول هو ثورة يوليو 1952 التي قادها الأول (جمال عبدالناصر) وأعادت ترتيب الأمّة والمنطقة من جديد، والثاني هو حرب تموز (يوليو 2006) التي استمرّت لأكثر من شهر من العدوان المُجرم الدامي من قِبَل العدو الصهيوني في مواجهة لبنان شعباً ومقاومة، والتي كان يقودها الثاني (السيّد حسن نصرالله) بنُبل وشجاعة استحق عليها الانتصار والمجد.
حول الرمزين اللذين جمعا القلوب حولهما، وأثارا الدنيا وشغلاها، ورحلة البحث عن القواسم المشتركة بينهما نسجّل ما يلي:
أولاً: يُحدّثنا التاريخ، أن عبدالناصر أقام (ثورة) أحدث بها زلزالاً هزّ المنطقة العربية وأعاد بها مفهوم العروبة إلى الصدارة وقاوم بها الاستعمار والصهيونية، وأخاف من خلال ثورته عروش الملوك التابعين للعرب بخاصة آل سعود، ويُحدّثنا التاريخ أيضاً أنه رغم تعثّر ثورته في بعض مشاريعها ورغم الانكسارات والمؤامرات الدائمة طيلة حكمه (18 عاماً) إلا أنه انتصر بالمعنى الاستراتيجي لكلمة الانتصار في مواجهة ثالوث (الفقر – الاستعمار والهوان).
لقد بذر ناصر في سنوات حكمه، وعبر سياسات ومشاريع قومية وإسلامية تحريرية، بذور العزّة، والمساواة والعدل، والثورة، فأينعت عبر الكلمة والأغنية والحركات الشعبية من المحيط إلى الخليج. لقد جاء (ناصر) بالفعل في موعده تماماً مع (القدر)، حين مثّلت تجربته الرائدة، التي لاتزال حيّة، روح التمرّد والتغيّر نحو مجد الأمّة العربية ووحدتها، لقد اتّسم عصره بالعزّة رغم التحديات الجِسام، والحرية رغم حملات التشويه والهدْم، والعدل رغم تكالب مصالح الإقطاعيين والرجعية العربية، لقد كان ناصر مشروعاً للكرامة والعزّة، في مواجهة مشاريع للتبعية والاستبداد والإفقار، وهذا ليس معناه أن ننسى أو نتجاهل الأخطاء والانكسارات، لكن الإيجابي كان أكبر وأعمق وأبعد أثر، وهذا ما جعل بقاء ناصر وتجربته جلياً حتى اليوم وبعد رحيله بـ47 عاماً! في حين نسي الناس الحُكّام الآخرين بمجرّد موتهم.
ثانياً: بالمقابل.. كان (نصرالله) الذي تولّى موقع الأمين العام لحزب الله عام (1992) مثالاً للقائد الصلب المجاهد والمضحّي حتى بأقرب الناس إلى قلبه (لا ننسى استشهاد ابنه هادي عام 1997 في الخطوط الأمامية مع العدو الصهيوني) وقدّمت تجربة السيّد حسن نصرالله الممتدّة من (1982) حين كان أحد القادة المؤسّسين لحزب الله وأحد أبناء وتلامذة السيّد موسى الصدر بحركته الثورية الرائدة (حركة المحرومين) إنه الوارث الحقيقي لتراث الصدر وليس أولئك الساسة ذوي الكرافتات والبزنس حتى داخل الطائفة الشيعية، وقدّم نصرالله عبْر تجربته من (1982-2017) أمثلة رائدة في قيادة الكفاح المُسلّح ضدّ العدوان الصهيوني لينتصر عليه مرتين الأولى (في مايو عام 2000) والثانية (في يوليو 2006) وطيلة تلك السنوات التي تجاوزت الـ 35 عاماً كان (نصرالله) يُصرّ على أن يغرس الأمل والعزّة في نفوس شعبه وجنوده، لم ييأس قط ولم يتراجع قيد أنملة في عقيدته الثابتة ضدّ العدو الصهيوني وأن صراعه معه صراع وجود – تماماً كما آمن ودعا من قبل (جمال عبدالناصر)، وأن إسرائيل ليست قوية فهي لديه (أوهن من بيت العنكبوت)، فقط تحتاج مقاومتها إلى رجال أولي بأس شديد، وقد كانوا ممثّلين في الرجال الذين قاتل معهم نصرالله في الثمانينات، ثم تولّى لاحقاً قيادتهم في مرحلة ما بعد استشهاد السيّد عباس الموسوي، لقد كان نصرالله في كل مسيرته العطرة والممتدة حتى اليوم نموذجاً للعزّة والكرامة التي لا تلين أمام الصعاب، وكان أيضاً مثالاً للوعي بأبعاد الصراع مع العدو الصهيوني وأن مقاتلة تنظيمات الإرهاب والتكفير في سوريا والعراق (على سبيل المثال) هو الوجه المكمّل لمقاتلة العدو الصهيوني، فالاثنان مشروع واحد لتدمير الأمّة وحَرْف البوصلة بعيداً عن فلسطين، ونحسب أن عبدالناصر، الذي فارق الدنيا قبل تشكيل حزب الله بـ(13 عاماً)، كان أيضاً واعياً لهذه المعادلة، وحين قاتل الإرهاب الداعشي السعودي (وقت الستينات في اليمن والإرهاب الإخواني في داخل مصر) كان يعتبر ذلك امتداداً للمشروع الصهيوني.
إنه الوعي بالأعداء، والصمود في مواجهتهما والصبر على المكاره وتقديم القدوة والمثال في المواجهة، هكذا كان (نصرالله) و(ناصر).
ثالثاً: كان كل من (ناصر ونصرالله) يتميّزان بالكاريزما السياسية وبفن الخطابة والقدرة الفذّة على التأثير في المُستعمين والجمهور، والمُتأمّل لبعض من خُطَب لعبدالناصر (وهي قليلة بالمناسبة نظراً لأن التكنولوجيا التلفزيونية لم تكن حاضرة وبقوة مثل هذه الأيام) يلحظ قدرته الفذّة على اكتساب تعاطف الجماهير وقدرته أيضاً على تحريك مشاعرها في الاتجاه الصحيح، نفس الأمر يُقال عن السيّد حسن نصرالله، ورغم أن (لبنان) كدولة ليست في جغرافيا وتاريخ ودور مصر، إلا أن مقاومة شعبها ومقاومة حزب الله وغيره من المقاومات الوطنية جعل من هذا البلد (أيقونة) رائعة ومؤثّرة من أيقونات المقاومة العربية، وجاء زمن (حسن نصرالله) وجهاده ليُضفي على تلك الأيقونة تأثيراً ومذاقاً عروبياً وإسلامياً خاصاً ومتميّزاً يذكّرنا تماماً بتأثير عبدالناصر وزمانه رغم اختلاف الزمن، وأدواته ومعاركه !.
أخيراً .. لقد اشترك (ناصر) و(نصرالله) في قضية أساسية استراتيجية وهي العداء الجذري للعدو الصهيوني وفي الإيمان بقدرة (الشعب العربي) على الانتصار عليه، وفي أن الأيدي المُرتعشة (كما قال عبدالناصر ذات يوم) في مواجهة هذا العدوان لن تقوى على حمل السلاح، فلابدّ إذن من أيدٍ قوية ومؤمنة، وهو عين ما آمن به (نصرالله).
وإن أردنا أن نوجز المقارنة بين (ناصر) و(نصرالله)، فإننا نقول قِيَم العزّة والكرامة والثقة في الله، كانت هي القواسم المشتركة بين الزعيمين، ونحسبها هي التي كتبت لهما الخلود في قلوب الملايين من أبناء أمّتهم العربية والإسلامية، ومن تحمله (القلوب)، لن تستطيع السيوف، وبخاصة سيوف الفتنة، اقتلاعه أبداً، والله أعلم.
رفعت سيد أحمد
بعد تهديد بوتين... موسكو تطلب من واشنطن تقليص عدد موظفي بعثتها
الخارجية الروسية تطلب من واشنطن تقليص عدد موظفي بعثتها الدبلوماسية في روسيا إلى 455 شخصاً، بعد إعلان الرئيس الروسي ردّاً على العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على بلاده أن موسكو ستكون مضطرة إلى الردّ على وقاحة واشنطن، لكنّ شكل هذا الردّ وتوقيته يتوقفان على الصيغة النهائية للعقوبات الجديدة ضدّ روسيا الذي يجري حالياً بحثه في الكونغرس الأميركي.
أعلنت الخارجية الروسية، اليوم الجمعة، أن موسكو تترك لنفسها حق التعامل بالمثل ردّاً على عقوبات واشنطن ضدها، مؤكدة أن الرد سيؤثر على المصالح الأميركية.
وأضافت الخارجية أن "الجانب الروسي يجمد استعمال السفارة الأميركية في روسيا اعتبارا من 1 آب/ أغسطس جميع المستودعات الواقعة في شارع دوروجني بموسكو ومبنى في منطقة سيريبرني بور".
كما اقترحت موسكو على واشنطن تقليص عدد موظفي بعثتها الدبلوماسية في روسيا الى 455 شخصا، قبل 1 أيلول/ سبتمبر
وكان الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين أعلن أنّ بلاده ستكون مضطرة إلى الردّ على وقاحة الولايات المتحدة لكنّ شكل هذا الردّ وتوقيته يتوقفان على الصيغة النهائية للعقوبات الجديدة ضدّ روسيا الذي يجري حالياً بحثه في الكونغرس الأميركي.
وخلال مؤتمر صحافيّ مع نظيره الفنلنديّ ساولي نينيستي عقب محادثات ثنائية بينهما في فنلندا الخميس، قال بوتين إنّ تبنّي السلطات الأميركية العقوبات ضدّ روسيا سيمثّل محاولة واضحة لاستفادة الولايات المتحدة من مواقعها الجيوسياسية لضمان تنفيذ مصالحها الاقتصادية على حساب حلفائها.
وأضاف بوتين "نتعرض ومنذ فترة طويلة لأعمال استفزازية مستمرة، وقاموا بطرد عدد كبير من دبلوماسيينا دفعة واحدة ومن دون توضيح أي أسباب، وثم صادرو ممتلكاتنا الدبلوماسية، الأمر الذي يخرج عن المنطق لأنه يتناقض مع جميع مبادئ القانون الدولي في مجال العلاقات الدبلوماسية".
واعتبر أن العقوبات الجديدة أيضاً تعد "غير شرعية على الإطلاق من وجهة نظر القانون الدولي، وهي تنتهك مبادئ التجارة الدولية وقواعد منظمة التجارة العالمية".
وكان ديمتري بيسكوف الناطق باسم الكرملين إن الردّ على قرار العقوبات الأميركية سيتخذه الرئيس بوتين.
يذكر أن مجلس النواب الأميريكي تبنى الثلاثاء الماضي، مشروع قانون ينص على توسيع العقوبات، التي سبق أن فرضتها الولايات المتحدة على روسيا.
ومن المقرر أن تتم إحالة الوثيقة قريباً إلى مجلس الشيوخ ليجريحال مواقفته عليها، تسليمها للرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وفي حال تبني المشروع بشكله الحالي، ستصبح الحزمة الجديدة من العقوبات الأميركية ضد روسيا الأوسع نطاقاً منذ العام 2014.
هذا وكان الاتحاد الأوروبي قد وصف العقوبات الأمبريكية المقترحة بأنها "خطوة أحادية" من جانب واشنطن.
وأعربت المفوضية الأوروبية في بيان لها عن قلقها بعد تبني مجلس النواب الأميركي العقوبات. وأبدت المفوضية تخوفها من جهة "للتبعات الممكنة لهذه العقوبات على استقلالية الاتحاد الأوروبي على صعيد الطاقة"، ومن جهة أخرى "إزاء انعكاساتها السياسية السلبية المحتملة"، مذكرة بأهمية "تنسيق سياسة العقوبات بين دول مجموعة السبع كافة".
وردّت كلّ من إيران وروسيا على العقوبات وأكدتا أنهما لن تتركا العقوبات الأميركية بلا رد. الرئيس الإيراني حسن روحاني قال إنها عقوبات مكررة ولم تعد فاعلة وأنه من المنطقي الرد عليها. أما نائب وزير الخارجية الروسي فأكد أن موسكو لن تترك العقوبات بلا ردّ وان واشنطن أصبحت خطراً على بلاده.
برلين: العقوبات على روسيا تضر بالشركات الألمانية
من جهتها، عبّرت برلين عن غضبها من واشنطن بسبب العقوبات ضد روسيا.
وقالت وزيرة الاقتصاد الألمانية بريجيت زيبريز إن العقوبات الأميركية الجديدة ضد روسيا تضر بالشركات الألمانية، وبالعلاقات بين برلين وواشنطن.
وأضافت زيبريز، بحسب ما نقلته وكالة "رويترز" عنها خلال مقابلة لها مع قناة ألمانية إن "الولايات المتحدة خرجت عن المسار المشترك مع الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالعقوبات ضد روسيا"، مضيفة أن عدم التنسيق مع الاتحاد بشأن هذه المسألة قد يضر بالشركات الألمانية.
العامل التركي المتوتر في الشمال السوري.. السيناريوهات والآفاق
خرق تصريح رئيس هيئة الأركان الأميركية جوزيف دانفورد الأخير جدار البرودة في العلاقة الأميركية – التركية على خلفية المصالح في الشمال السوري، من دون أن يُقدم حلولًا لإشكالية المتمثلة بدعم واشنطن لميليشيات سوريا الديموقراطية.
قال دانفورد إنّ أي حل سياسي أو عسكري في سوريا "سيُأخذ بعين الاعتبار أمن تركيا على المدى البعيد"، من أن يوضح السبيل لذلك.
موقف دانفورد هو الموقف الرسمي الأول الذي يمكن اعتباره إيجابياً بعدما نشرت وكالة أنباء الأناضول التركية معلومات – اعتبرها البنتاغون حساسة – إزاء قواعد عسكرية سرية في سوريا.
الرغبة الأميركية بتهدئة مخاوف الحليف التركي وإحتوائه تتزامن مع تواتر الأنباء عن قرار تركي غير محدد التوقيت بتنفيذ عملية "سيف الفرات"، التي لم تتضح معالمها النهائية في ظل الحديث عن تفاهم مع روسيا حول ترتيب ملف الشمال السوري؛ الأمر الذي تسعى أنقرة لاستثماره لتحقيق مكاسب أكبر من موقعها الذي يُراعي المصلحة الأميركية أيضاً.
وتلعب عوامل أخرى دوراً في الحسابات التركية، إذ يمكن إيجازها بالتالي:
- اغفال المصالح التركية أثناء تحرير الموصل – كما الرقة السورية ما أدّى إلى تراجع الوزن الإستراتيجي للموقع التركي إقليمياً.
- عدم وضوح الموقف الأميركي النهائي من قوات سوريا الديموقراطية بعد تحرير الرقة. و إن كانت واشنطن قد أعلنت حتى الساعة أنها لن تبقي السلاح الثقيل مع هذه القوات إلا أن الأداء الأميركي تاريخياً في الشرق الأوسط لا يطمئن الحلفاء عادة.
- التوتر التركي الأوروبي والتركي الأطلسي عموماً الذي أججّته أنقرة بتعزيز علاقتها مع روسيا.
- تصنيف تركيا كخصم مباشر بالنسبة للسعودية وحلفائها الخليجيين بعدما وقفت بوضوح مع دولة قطر في الأزمة الراهنة؛ الأمر الذي يمكن أن يؤثر على الحسابات الخليجية في سوريا بحسب ما تشي سياقات الأزمات السابقة في المنطقة.
على أنّ العملية التركية المرتقبة كانت لتحمل زخماً أكبر من نظريتها السابقة "درع الفرات" نظرًا لتقاطع المصالح الدولي على إيجاد حلّ نهائي لمحافظة إدلب، بعد الإنتهاء من الرقة، لولا وجود العقدة الكردية التي تغضب أنقرة و ترسم حدوداً لإندفاعتها.
وأمام هذه العقدة، والتباين التركي – الأميركي تبدو روسيا الرابح الأكبر بعدما نجحت في تثبيت خطوط التواصل مع تركيا وإنشاء مسار مشترك وأجبرت واشنطن على الإعتراف أخيرًا بدورها السوري.
بناءاً على ما تقدم، تتأرجح العملية العسكرية التركية المرتقبة بين ثلاثة سيناريوهات:
المضي قدماً في تنفيذ عملية عسكرية تعتمد على الجيش الحر، علمًا أن التعزيزات العسكرية التركية لم تتوقف منذ أسابيع إلى الشريط الحدودي مع سوريا.
- الرضوخ للرغبة الأميركية بالتمهل إلى حين الإتفاق النهائي مع روسيا على مصير إدلب، لكن هذا السيناريو قد يحمل في طيّاته احتمال تكرار تجربة الجنوب السوري حيث تعتبر إسرائيل نفسها خاسرة من التفاهم الروسي – الأميركي. فهل تكون تركيا هي أقل الأطراف ربحًا من تسوية مماثلة شمال سوريا؟
- غض النظر عن العملية العسكرية بالكامل نتيجة ضمانات أميركية أعلى من سقف استرجاع السلاح من قوات سوريا الديموقراطية بعد انتهاء عملية الرقة. وهنا لا تبدو الخيارات الأميركية بالتقديمات الممكنة لتركيا لإرضائها كثيرة، خاصةً بعدما تحولت القضية الكردية هاجساً في الخطاب الرسمي التركي يفوق بخطره خطر داعش، بحسب حسابات أنقرة.
السيناريوهات الثلاثة تتقاطع في نقطة مركزية: سلة المكاسب التركية لن تكون أبدًا بوزن أحلام رجب طيب أردوغان التاريخية في سوريا، ذلك أنّ تركيا لم تعد صاحبة القرار الوحيد في الشمال السوري، وبات عليها التفاوض والتنازل بعد أن بدأ مسلسل تراجعها الفعلي يوم خسرت حلب بالكامل، مع الإقرار بأن الورقة الكردية لن تكون في النهاية بغير مصلحتها مع رفض جيران سوريا مجتمعين فكرة قيام كيان كردي مستقل.
أمام هذا الواقع، يبدو مرجحًا إلى حد كبير أن يشتدّ التنافس بين مختلف الأفرقاء ومن بينهم تركيا فور إنتهاء معركة الرقّة. وقد لا يبقى هذا التنافس ضمن حدود الشمال السوري بل قد يمتدّ ليعيد خلط الأوراق في بقع جغرافية أخرى، خاصة و أنّ الوكلاء المحليون للقوى الإقليمية والدولية لا يزالون يحتفظون بإمكاناتهم ولا تزال الحرب في مرحلة إختبار الهدن المتنقلة.