
Super User
قدوم الإمام علي بن أبي طالب (ع) إلى الكوفة واتخاذها مقراً لخلافته (12 / رجب/ السنة 36 هـ)
بعد أن أنهى أمير المؤمنين علي(ع) حرب الجمل، وهدأت الأوضاع في البصرة تحرّك(ع) نحو الكوفة ليتخذها مقرّاً له بعد أن بعث برسالة أوضح لأهل الكوفة فيها تفاصيل الأحداث([1]).
وكان لاختيار الإمام (ع) الكوفة عاصمةً جديدةً للدولة الإسلامية أسباباً عديدة منها:
1- توسّع رقعة العالم الإسلامي، ولابد أن تكون العاصمة الإدارية والسياسية للدولة في موقع يُعين الحكومة في التحرك نحو جميع نقاط العالم، وموقع الكوفة استراتيجي إلى حد كبير بالنسبة إلى هذه الجهة.
2- تقع الكوفة في تماس مع ولاية الشام التي يتحصّن فيها معاوية بن أبي سفيان معلناً التمرّد دون باقي أقطار العالم الإسلامي، فيكون وجود الإمام (ع) في الكوفة ضرورياً لقمع تمرد الشام، وللتهيئة السريعة أمام أي اعتداءٍ محتمل من قبل الشام.
3- إن الثقل الأكبر الذي وقف مع الإمام (ع) في القضاء على فتنة أصحاب الجمل هم كبار شخصيات العراق ووجهاء الكوفة وجماهيرها، فكان (ع) يرى فيهم مادةً صالحة لمجتمع إسلامي سليم وقويّ بإمكانه أن يربيهم لينطلق بهم إلى العالم أجمع.
4- إن الظروف السياسية المتوتّرة والناجمة عن مقتل عثمان، وحرب أصحاب الجمل جعلت الإمام يستقر في الكوفة ليعيد الأمن والاستقرار للمنطقة التي يحكمها، وخاصة العراق ويمنع من حدوث انشقاقات محتملة في المجتمع الإسلامي بشكل عام.
وبمناسبة قدوم أمير المؤمنين (ع) إلى الكوفة نتعرض إلى معطيات حكومته العادلة.
معطيات حكومة الإمام علي(ع)
سيرة الإمام علي(ع) متعدّدة الأبعاد والجوانب، فمن العسير بمكان الإلمام بها جميعاً غير أننا اخترنا جانباً مهماً، وبعداً عميقاً في شخصيته المباركة ألا وهو معطيات حكومته التي أسسها على أنقاض من سبقه، حيث أنّ الاضطرابات السياسية والاقتصادية عصفت بالمسلمين إلى أن ثاروا على ولاتهم، وبعدها اتجه الناس بكلهم نحو الإمام علي(ع) ، يطالبون إستخلافه ويصرّون على مبايعته إلا أنّ علياً(ع) كان يرفض لما أيقن - نتيجة لابتعاد الناس و انفصالهم الكبير عن خط الإسلام الحقيقي الأصيل بأنه من الصعب جداً ممارسته الحكم بعد ذلك الفساد والانحراف الكبيرين اللذين عصفا بالأمة الإسلامية، وقد لا يحتمل الناس وخاصة كبار القوم تعديلاته وإصلاحاته التي يرمي إليها، ولا يطيقون عدالته، ولهذا رفض الخلافة عندما عرضت عليه.
عاش الناس مدة خمسة أيام بعد مقتل عثمان فوضى عارمة، وضياعاً كبيراً كان خلالها الناس يراجعون الإمام أفواجا تلو أفواجاً، والإمام يبعد الخلافة عن نفسه، إذ يرى الظروف غير مناسبة لقبولها، وأنّ الحجة لم تتم عليه بهذا الاقتراح، فقال لهم: “دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول، وإن الآفاق قد أغمت والحجة قد تنكرت، واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإنّ تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً”([2]).
غير أنّ الناس ترابضوا على داره وتكاثروا على مراجعته، وقد وصف(ع) شغف الناس وإقبالهم وإصرارهم عندما طالبوه بالبيعة في مواضع عديدة من النهج منها: “فتداكوا عليّ تداك الإبل الهيم يوم وردها، وقد أرسلها راعيها وخلعت مثانيها حتى ظننت أنهم قاتلي، أو بعضهم قاتل بعض ولدي، وقد قلّبت هذا الأمر بطنه وظهره حتى منعني النوم”([3]).
وقال (ع) : “فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إليّ، ينثالون عليّ من كلّ جانب حتى لقد وطىء الحسنان، وشقّ عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم”([4]).
ولولا أن تمّت الحجة على الإمام علي(ع) لما قبلها، فقد قال (ع) :
“أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز”([5]).
هذا الحكم الذي مارسه علي(ع) على الرغم من قصر عمره إلا أنه كان نموذجاً كاملاً للحكومة الإسلامية التي أشاد صرحها النبي )ص) في المدينة، وعلى الرغم من أنه (ع) لم يصل إلى كافة أهدافه الاصلاحية التي نادى بها، نتيجة المؤامرات الداخلية التي حيكت ضده إلا أنه استطاع بدون شك أن يطرح نموذجاً ناجحاً للحكومة، وفق تعاليم الإسلام ومعاييره.
وفيما يلي لمحة سريعة للخطوط العريضة والمعطيات العامة لسيرته (ع) في الحكم:
1- من خلال أقواله الكثيرة في (نهج البلاغة) يؤكد الإمام علي(ع) أنّ قبوله للخلافة فقط لأجل إجراء العدالة الاجتماعية في المجتمع، ومكافحة الفوارق الطبقية التي تجذّرت في نفوس الناس، نتيجة للحكم السابق، فقد قال (ع) :
“أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا.. ما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها”([6]).
وقال (ع) عندما رد على المسلمين قطائع عثمان: “والله لو وجدته قد تزوّج به النساء وملك به الإماء لرددته، فإنّ في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق”([7]).
2- يرى أمير المؤمنين(ع) أنّ الحكم والمنصب ليس إلا وسيلة يستخدمها الحاكم لخدمة الناس و إحقاق الحق، ودحض الباطل لا أنه غاية لدرّ الأرباح، وقد إلتزم الإمام بهذه الرؤية إلى أبعد الحدود حتى نراه يجتنب عن إعطاء المهام الحساسة كالولاية وبيت المال إلى المتعطّشين للسلطة كطلحة والزبير، ولهذا السبب فقد أجّجوا نائرة الفتن، ورفعوا لواء العصيان ضد الإمام (ع) ، وقال (ع) لما عاتبه البعض على التسوية بين المسلمين: “أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه؟! والله ما أَطُورُ به ما سَمَرَ سمير وما أمّ نجم في السماء نجماً، ولو كان المال لي لسوّيت بينهم، فكيف وإنما المال مال الله”([8]).
وقال A: “اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الاصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك”([9]).
3- كانت لأمير المؤمنيين(ع) رؤيا عميقة في زهادة الحاكم وعيشة البساطة والعزوف عن الدنيا ذلك كي لا يؤثر هوى على هداية، وباطلاً على حق، ولا تغرّه الدنيا فيقضم مال الله، ويجعله دولاً ويتخذ من عباد الله خولاً.
لقد كان عزوفه عن الدنيا وزخارفها من أبرز خصائصه الذاتية، وسيرته الحكومية فقد كتب إلى عامله على البصرة عثمان بن حنيف، وقد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها، فقال له:
“ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ثوبين خرقين، ومن طعامه بقرصيه، …. فو الله ما كنزت من دنياكم تبـراً، ولا ادخرت من غنائمها وفراً، ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً - أي ثوباً آخر-، ولا حزت من أرضها شبـراً، ولا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرةٍ، ولهي في عيني أوهى من عفصة مِقرَة … ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القزّ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة، ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع، أوَ أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى، وأكباد حرى، أو أكون كما قال القائل:
وحسبك داء أن تبيت ببطنة |
|
وحولك أكباد تحنُّ إلى القدِّ |
أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش”([10]).
4- لم يكن أمير المؤمنين على منوال الزعماء والرؤساء حيث عندهم الغاية تبرر الوسيلة، إذ لم يتوصل إلى أهدافه الإلهية النبيلة بوسائل غير شرعية، ولهذا لم يقرّ معاوية من اليوم الأول لخلافته على ولاية الشام، على الرغم من أنّ البعض اقترح عليه إقراره إلى حين، ثم عزله في وقت أمكن لعلي عزله إلا أنّ علياً(ع) لم يكن ليداهن الباطل على الحق، ولا يتوسّل به عليه، وقد كتب إلى معاوية بعد ما طلب الأخير إبقاءه على الشام، قال (ع) :
“.. وحاشى لله أن تلي للمسلمين بعدي صدراً أو ورداً، أو أجري لك على أحد منهم عقداً أو عهداً”([11]).
5- كان (ع) يراعي الأصول والضّوابط في تعامله مع أعدائه ومخالفيه، دون أن يصادر حرياتهم، إلا إذا فعلوا ما يستوجب ذلك، ففي الأشهر الأولى من خلافته همّ طلحة والزبير بالخروج، من المدينة، بعد أن يئسا منه في الحصول على الولاية، وأقبلا على الإمام، وقالا: إنا نريد العمرة. فأذن لهما بالخروج فقال (ع) لبعض أصحابه: “والله ما أرادا العمرة، ولكنهما أرادا الغدرة”([12]).
يعكس هذا النص التاريخي أنّ الإمام لم يصادر حريتهما قبل أن يرفعا لواء العصيان على الرغم من علمه بما يضمران له.
وأيضاً لمّا خالف الخوارج إمامهم وأميرهم(ع) ، إثر جهلهم وعنادهم، وسوء فهمهم إعتزلوا معسكر الإمام (ع) حين رجوعهم من صفين، وأقاموا معسكراً في النهروان، فخاطبهم الإمام (ع) بعد أن كانت مخالفتهم سياسية، ولم تتعدى القيام بعمليات عسكرية بقوله:
“أما أنّ لكم عندنا ثلاثاً ما صحبتمونا، لا نمنعكم من مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تبدؤونا”([13]).
وبهذه الطريقة فقد سايرهم الإمام (ع) من منطلق القوة، إلى أن قاموا بنشر الرعب والخوف والإخلال بالأمن حينها اضطر الإمام إلى استعمال القوة بغية القضاء على فتنتهم.
6- على الرغم من أن الإمام (ع) كان ينصب عمالاً وولاةً صالحين وكفوئين، إلا أنه كان لا يحرمهم من نصائحه ومواعظه، على الرغم من انشغاله في الحوادث المتكاثرة عليه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً، كما كان له عيون على الولاة في مناطقهم ينقلون إليه كل مخالفة ولو جزئية للوالي فسرعان ما يبدأ بالتقريع والتوبيخ والتهديد في بعض الأحيان لقمعها ومعالجتها، راجع قسم الكتب في (نهج البلاغة) ترى ما كتبه لمالك الأشتر، ولمحمد بن أبي بكر، وعثمان بن حنيف، ولزياد بن أبيه، ولغيرهم.
هذه بعض معطيات خلافة الإمام علي(ع) التي ما عرف المسلمون بعد رسول (ص) مثلها أبداً وكانت جميع الثورات التي ثارت على الدولتين الأموية والعباسية للوصول إلى حكومة الإمام علي(ع) ، والى عدالته التي تذوّقها المسلمون فترة من الزمن، ثم غابت عنهم شمسها لتقصيرهم وجهلهم.
([3]) المصدر السابق: الخطبة: 54
ولادة الإمام محمد الجواد(ع) (10/ رجب / السنة 195 هـ)
شخصية الإمام الجواد(ع)
ولد الإمام الجواد في المدينة المنورة سنة (195هـ)، والمشهور بين المؤرخين أن ولادته في (19 رمضان)([1])، وذهب بعضهم إلى أنها في (رجب)([2])، وقد صرّحت بعض الأدعية بالأخير، فقد جاء: “اللهم إني أسألك بالمولودين في رجب محمد ابن علي الثاني، وابنه علي بن محمد المنتجب”([3]).
أبوه الإمام علي بن موسى الرضا(ع)، وأمه سبيكة، وكان اسمها درّة، وقد سمّاها الإمام الرضا بعد ذلك بـ(خيزران)([4])، وهي - على ما قيل - من آل مارية القبطية زوج النبي(ص)([5]).
وكانت امرأة فاضلة تمتعت بفضائل أخلاقية سامية، وكانت أفضل نساء عصرها([6])، حتى قال الإمام الرضا(ع) في حقها: “قُدست أمّ ولدته - أي الجواد - قد خلقت طاهرة مطهرة”([7]).
كانت ملامحه (ع) كملامح آبائه التي تحكي ملامح الأنبياء، فأسارير التقوى بادية على وجهه الكريم، وقد وصفته بعض المصادر بأنه كان أبيضاً معتدل القامة([8]).
يكنّى بأبي جعفر الثاني تمييزاً له عن جده الإمام الباقر الذي كان يكنّى بأبي جعفر أيضاً، ولقّب بالجواد، لكثرة ما أسداه من الخير والبر والإحسان إلى الناس، كما لُقِّب بالتقي، والمرتضى، والرضي، والمختار، والمتوكل، والزكي، وباب المراد، وقد عُرف بالأخير بين عامة المسلمين لقناعتهم بأنه باب من أبواب الرحمة الإلهية([9]).
تولّى منصب الإمامة بعد شهادة أبيه الرضا(ع)، وكان في الثامنة أو السابعة من عمره، وكان ذلك في سنة (203هـ)، وكانت ظاهرة الإمامة المبكرة لأهل البيت غير مألوفة للشيعة، فضلاً عن غيرهم فأوجبت إمامته بهذا السن المبكر اضطراباً بين بعض رجالات الشيعة، فأظهر الله المعجزات القاطعة، والبراهين الساطعة والحجج الباهرة، والبينات النيرة، مما قوي به موقف الفكر الإسلامي، فأجلّه وسلّم بفضله جميع من عرفه فضلاً عن شيعته ومحبيه.
وقد نقل الشيخ المفيد روايات كثيرة ومتواترة في النص من الإمام الرضا(ع) على إمامته، وبعد أن ذكر عدداً من رواة النص قال: “في جماعة كثيرة يطول بذكرهم الكتاب”([10]).
عاصر الجواد(ع) في تمام فترة إمامته خليفتين عباسيين، هما (المأمون 193-218هـ) و(المعتصم 218-227هـ)، وقد دامت إمامته (17 سنة).
استشهد(ع) في آخر ذي القعدة سنة (220هـ) ببغداد متأثراً بسم دسه إليه المعتصم على يد زوجته أم فضل، ودفن في مقابر قريش في بغداد إلى جانب قبر جده الإمام الكاظم(ع)([11]).
نشأة ظاهرة الإمامة المبكرة عند الشيعة:
كان الإمام الجواد(ع) أول إمام يبلغ الإمامة في طفولته، فمن الطبيعي أن يكون مثاراً للتساؤل والجدل بين صفوف الشيعة، وغيرهم من المسلمين، حيث كيف يمكن لحدث أن يتحمل مسؤولية ومهمة إمامة وقيادة المسلمين الحساسة والكبيرة؟! ويُشبع الساحة فكرياً وسياسياً ودينياً، فهل يمكن أن يبلغ إنسان وهو بذلك العمر إلى الكمال الذي يجعله خليفة رسول الله؟!
يتبين من خلال دراسة حياة الأئمة أنهم كانوا يواجهون هذا الأمر، ولا سيما في عهد الجواد(ع)، وكانوا يدحضون التشكيكات بما نصّ عليه القرآن الكريم من نبوة يحيى وهو صبي، قال تعالى: «يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» ([12]).
ونبوة عيسى وهو في المهد، قال تعالى:« قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا» ([13]).
وفي هذا الصدد ننقل ثلاث روايات:
الرواية الأولى: عن علي بن أسباط قال: قدمت المدينة، وأنا أريد مصر، فدخلت على أبي جعفر محمد بن علي الرضا(ع)، وهو إذ ذاك خماسي، فجعلت أتأمّله لأصفه لأصحابنا بمصر، فنظر إليّ، وقال: يا علي إنّ الله أخذ في الإمامة كما أخذ في النبوة، فقال سبحانه في يوسف:« وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً» ([14]).
وقال عن يحيى:« وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» ([15])([16]).
الرواية الثانية:يقول بعض أصحاب الإمام الرضا(ع): كنت واقفاً بين يدي أبي الحسن الرضا بخراسان، فقال له قائل: يا سيدي إن كان كون فإلى من؟ قال: إلى أبي جعفر ابني. فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر(ع)، فقال أبو الحسن(ع): «إن الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم رسولاً نبياً صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر»([17]).
الرواية الثالثة: قال الإمام الرضا(ع)، لمعمر بن خلاد: “هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي: وصيّرته مكاني، إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابـرنا القذة بالقذة”([18]).
أدّى صغر سن الإمام الجواد(ع) إلى كثرة المناظرات والحوارات معه، وقد كان لبعضها صدى كبيراً جداً، لما كان يدحض فيها من الشبهات التي كانت تثار في ذلك الوقت مع الكثير من المعتزلة، وقد كان الكثير من الناس بما فيهم بعض الشيعة يطرحون عليه أسئلة معقّدة وغامضة ظناً منهم أنه لا يتمكن من الإجابة عليها، ولكنه (ع) كان يجيب عن آخرها، بل ويضيف بعض الشقوق ويكثر في تعميق التساؤلات وتعقيدها بحيث لا يتسطيع أن يدرك إجابتها جميع المناظرين، ثم يجيبهم عن بكرتها بجواب يشفي الغليل، ويبرد قلب الحبيب.
مناظرة يحيى بن أكثم
لما قدم المأمون بغداد أشخص الجواد(ع) إليها، واقترح عليه الزواج بابنته أمّ الفضل، وكان غرضه من هذا الزواج التخفيف من وطئة الظروف السياسية الحرجة التي سببها انكشاف قتلة الإمام الرضا(ع) عند العلويين، فثار غضبهم وانزعجوا من ذلك كثيراً، فلاحظ المأمون أنّ هناك خطراً آخر قد يهدد حكمه، وهو وجود الإمام الجواد وإلتفاف الشيعة حوله فعمد إلى تزويج الجواد من ابنته ليتقرب بنفسه إلى أهل البيت(عليهم السلام)، ويخمد ثائرة الثائرين من العلويين([19])، وتنقل له ابنته عن قرب جميع ما يجري على الساحة الشيعية. وعلى كل حال فقد واجه المأمون معارضة شديدة في ذلك من العباسيين حتى قالوا له: إن هذا الفتى - وإن راقك منه هديه - فإنه صبي لا معرفة له ولا فقه.
فقال المأمون: ويحكم إني أعرف بهذا الفتى منكم، وإنّ أهل هذا البيت علمهم من الله تعالى ومدده وإلهامه، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبيّن لكم به ما وصفت لكم من حاله.
فاختار بنو العباس يحيى بن أكثم من بين جميع العلماء لشهرته العلمية، وقد جاء يحيى ومعه وفود العلماء فقال له يحيى: ما تقول في محرم قتل صيداً؟
فقال الإمام الجواد(ع): “قتله في حلِّ أو حرم؟ عالماً كان المحرم أو جاهلاً؟ قتله عمداً أو خطأً؟ حراً كان المحرم أو عبداً؟ صغيراً كان أو كبيراً؟ مبتدئاً بالقتل أو معيداً؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد أم من كبارها؟ مصرّاً على ما فعل أو نادماً؟ في الليل كان قتله للصيد أم في النهار؟ محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرماً؟”.
فتحيّر يحيى بن أكثم من كلّ هذه الفروع التي فرّعها الإمام على هذه المسألة، وبان في وجهه العجز والانقطاع ولجلج وتعتع في الكلام حتى عرف جميع أهل المجلس أمره.
فطلب المأمون من الجواد(ع) أن يجيب عن جميع هذه الشقوق، فأجاب عنها، فقال المأمون: الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي، ثم نظر إلى أهل بيته، فقال: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرون([20]).وله (ع) الكثير من هذه النماظرات فمن رام الاطلاع فليراجع([21]).
رجوع الإمام إلى المدينة
ثم إنّ أبا جعفر(ع) بعد أن أقام في بغداد هاجر إلى المدينة وسكن فيها مدة، كان خلالها المأمون يترصد تصرفاته وتحركاته من ابنته أم الفضل، ولما توفي المأمون وبويع لأخيه المعتصم لم يزل المعتصم متفكراً في أبي جعفر يخاف من اجتماع الناس حوله، ووثوبه على الخلافة، ولأجل ذلك مارس نفس السياسة التي مارسها أخوه المأمون، فاستقدم الإمام الجواد إلى بغداد سنة (220هـ)، وبقي فيها حتى دس إليه السم فقتله وعمره 25 سنة([22]).
([1]) أصول الكافي 1: 492، والإرشاد: 316.
([3]) مفاتيح الجنان: أدعية شهر رجب.
([5]) أصول الكافي 1: 315، والمناقب لابن شهر آشوب 4: 379.
([6]) إثبات الوصية، للمسعودي: 209.
([8]) الإرشاد: 356، والفصول المهمة: 252، ولكنه خلاف المعروف من وصفه بالسمرة لا البياض.
([9]) قبسات من سيرة القادة الهداة 2: 166.
([10]) الإرشاد للمفيد 2: 274- 275.
([13]) سورة مريم: الآيات 30-32.
([16]) مرآة العقول، للمجلسي 4: 250.
([17]) أصول الكافي 1: 322 و 384، والإرشاد: 319، وروضة الواعظين: 261.
([18]) كشف الغمة 3: 141، وبحار الأنوار 50: 21، وأصول الكافي 1: 320.
([19]) سيرة الأئمةG، للبيشوائي: 496.
([20]) قصة معروفة ومشهورة راجعها في الإرشاد: 319-321، وإعلام الورى: 352، وإثبات الوصية: 216، والاختصاص: 99.
([21]) راجع فتاوى الإمام في القضاء وفشل فقهاء البلاط: تفسير العياشي 1: 320، والبرهان في تفسير القرآن 1: 471، ووسائل الشيعة 18: 490، (أبواب حد السرقة: ب4)، ,راجع أجوبته في فضح وضاع الأحاديث: الاحتجاج 2: 247-248، وبحار الأنوار 50: 80-83.
ولادة الإمام علي الهادي(ع)(2/ رجب / السنة 212 هـ)
شخصية الإمام علي الهادي(ع)
ولد الإمام علي الهادي(ع) في صريا([1])، وأكثر المؤرخين على أنه ولد في سنة (212هـ)([2])، وقيل في سنة (214هـ)([3])، وقد اختلفوا في الشهر واليوم الذي ولد فيهما، فبعض المصادر على أنها كانت في منتصف ذي الحجة([4])، والبعض الآخر منها على أنها في رجب، في اليوم الثاني منه أو في الخامس على الاختلاف، وقد صرّحت بولادته في رجب بعض الأدعية منها: “اللهم إني أسألك بحق المولودين في رجب محمد بن علي الثاني - الجواد - وعلي بن محمد المنتجب - الهادي -”([5]).
أبوه الإمام الجواد(ع)، وأمه السيدة القديرة سمانة المغربية التي اشتراها له محمد بن الفرج بسبعين ديناراً([6])، وتولى الإمام (ع) تربيتها، فأقبلت على العبادة والطاعة، حتى كانت من القانتات المتهجّدات والتاليات لكتاب الله تعالى([7])، ويكفي في جلالتها أنها كانت المفزع للشيعة في نقل الأحكام الشرعية، في أيام الشدة([8]).
كان الإمام الهادي(ع) متوسط القامة، ذا وجه أبيض مشرّباً بالحمرة، وذا عينين كبيرتين، وحاجبين واسعين، وكانت أسارير وجهه تبعث على الفرح والسرور لكل من رآه.
تولى منصب الإمامة بعد شهادة أبيه الجواد(ع) وكان عمره ثمان سنوات، وكان ذلك في سنة (220 هـ)، ودامت ثلاثاً وثلاثين سنة.
وقد ورد الكثير ممّا دلّ على إمامته، قال الشيخ المفيد: “الأخبار في هذا الباب كثيرة جداً... وفي إجماع العصابة على إمامة أبي الحسن(ع) ، وعدم من يدَّعيها سواه في وقته ممن يلتبس الأمر فيه غنى عن إيراد الأخبار بالنصوص على التفصيل”([9]).
ولنذكر نصاً واحداً منها، فقد قال الصقر بن دُلف: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا(ع) يقول: “إنَّ الإمام بعدي ابني علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمامة بعده في ابنه الحسن”([10]).
يكنى الإمام الهادي(ع) بأبي الحسن الثالث، ويلقّب بالناصح، والتقي، والمرتضى، والفقيه، والعالم، والأمين، والطيب، والعسكري، والرشيد، والشهيد، والوفي، والخالص، وأشهر ألقابه الهادي([11]).
عاصر الإمام الهادي ستة من خلفاء بني العباس، وهم المعتصم والواثق والمتوكل، والمنتصر، والمستعين، والمعتز، وله مع كل واحد منهم قضايا لا يتسع المقام لذكرها أجمع.
إِشخاص الإمام الهادي(ع) إلى سامراء
لقد مارس المتوكل العباسي نفس الأسلوب الذي رسمه المأمون، ثم أخوه المعتصم من إشخاص أئمة أهل البيت(عليهم السلام) من مواطنهم، وإجبارهم على الإقامة في مقر الخلافة، وجعل العيون والحرّاس عليهم، حتى يطّلعوا على دقيق شؤونهم.
وكان المتوكل من أشدّ الخلفاء العباسيين عداءاً لعلي وآله، فبلغه مقام علي الهادي بالمدينة، ومكانته بين أهلها، وميلهم إليه، فخاف على نفسه منه، خصوصاً وقد كتب له بريحة العباسي - أحد أنصاره وأزلامه - إن كان لك بالحرمين حاجة فأخرج منها علي بن محمد، فإنّه قد دعا الناس إلى نفسه، وتبعه خلق كثير([12]).
فدعى يحيى بن هرثمة، وقال له: اذهب إلى المدينة وانظر في حاله وأشخصه إلينا.
قال يحيى: فذهبت إلى المدينة، فلمّا دخلتها ضجَّ أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله، خوفاً على علي الهادي، وقامت الدنيا على ساق، لأنه كان محسناً إليهم، ملازماً للمسجد، لم يكن عنده ميل إلى الدنيا.
قال يحيى: فجعلت أسكِّنهم وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه، وأنه لا بأس عليه، ثم فتشت منزله فلم أجد فيه إلاّ مصاحف وأدعية وكتب العلم، فعظم في عيني، وتولّيت خدمته بنفسي، وأحسنت عشرته، فلما قدمت به بغداد، بدأت بإسحاق بن إبراهيم الطاهري، وكان والياً على بغداد، فقال لي: يا يحيى إنّ هذا الرجل قد ولده رسول الله، والمتوكل من تعلم، فإن حرّضته على قتله، كان رسول الله خصمك يوم القيامة، فقلت له: والله ما وقعت منه إلاّ على كل أمر جميل، ثم صرت إلى (سر من رأى)، فلما دخلت على المتوكل وأخبرته بحسن سيرته وسلامته وورعه وزهادته، وأني فتشت داره فلم أجد فيها إلا المصاحف وكتب العلم، وأنّ أهل المدينة خافوا عليه، فأمر المتوكّل به فأنزلوه في خان يقال له خان الصعاليك، ليوهن الإمام ويقلل من شأنه، فأقام فيه الإمام يومه، ثم تقدم المتوكل فأفرد له داراً، فانتقل إليه، وكان تحت رقابة شديدة([13]).
ولكن مع هذه الرقابة الشديدة، وعلى الرغم من أنّ الإمام يعيش في نفس بلد المتوكل، إلاَّ أنه وشي به إلى المتوكل بأنّ في داره كتباً وسلاحاً من شيعته، وأنه عازم على الوثوب على الدولة، فبعث إليه جماعة من الأتراك، فهاجموا داره ليلاً فلم يجدوا فيها شيئاً، ووجدوه وعليه مدرعة من صوف، وهو جالس على الرمل والحصى، متوجه إلى الله تعالى يتلو آيات القرآن، فحملوه على هذه الحالة إلى المتوكل، وكان الأخير جالساً في مجلس الشرب، والكأس في يده، فلما أدخلوه عليه ناوله الكأس، فقال (ع) : “والله ما خامر لحمي ودمي قط فاعفني”، فأعفاه، ثم قال له: أنشدني شعراً! فقال (ع) : أنا قليل الرواية للشعر: فقال: لابد، فأنشده (ع) :
باتوا على قلل الأجيال تحرسهم |
|
غُلْب الرجال فما أغنتهم القلل |
واستنزلوا بعد عزّ من معاقلهم |
|
وأسكنوا حُفراً يا بئس ما نزلوا |
ناداهم صارخ من بعد دفنهم |
|
أين الأسرة والتيجان والحلل؟ |
أين الوجوه التي كانت منعّمة |
|
من دونها تضرب الأستار والكلل؟ |
فأفصح القبـر عنهم حين ساءلهم |
|
تلك الوجوه عليها الدود يقتتل |
قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا |
|
فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا |
فبكى المتوكل حتى بلّت لحيته دموع عينه، وبكى الحاضرون([14]).
اهتمامات الإمام الهادي(ع)
اهتم الإمام (ع) في نشر الثقافة الإسلامية، والدفاع عن فكر الإسلام، ومحاربة المفوّضة والمجبّرة، وإثبات العدل والمنزلة بين المنزلتين، وله رسالة في ذلك أوردها الحرّاني في (تحف العقول).
كما اهتم بتفسير القرآن الكريم كثيراً، ورفع غوامضه، كما عمل على إرشاد الضالين، والإجابة على جميع التساؤلات الواردة من مختلف بقاع العالم الإسلامي، كما كان حلّالاً لمعضلات المتوكل وغيره من الخلفاء، وبسبب إلتفاف الأمة حوله عمد المتوكل إلى زجّه في سجن مظلم وبحذاه قبر محفور، ولكن كل ذلك لم يوهن من عزم الإمام على مواصلة طريق أجداده، وفي النهاية وجدوا أن الطريقة الوحيدة للتخلص من كل ما يعانونه إطفاء نور الله، فدسّ المعتز السم إليه، فاستشهد(ع) في رجب سنة (254هـ)، ودفن في داره في سامراء([15]).
فالسلام على علي الهادي يوم ولد، ويوم أدّى رسالته، ويوم استشهد، ويوم يبعث حياً.
([1]) صريا: قرية أسسها الإمام موسى بن جعفرA تبعد من المدينة ثلاثة أميال، جوهرة الكلام: 151.
([2]) أصول الكافي 1: 497، والإرشاد 2: 368.
([4]) على رواية الشيخ المفيدH في الإرشاد.
([5]) مفاتيح الجنان: أدعية رجب.
([6]) تاريخ الخميس 2: 321، ودلائل الإمامة: 216
([10]) المصدر السابق، وبحار الأنوار 12: 127.
([11]) قبسات من سيرة القادة الهداة 2: 202.
([13]) الإرشاد 2: 298، وإعلام الورى: 348.
ولادة الإمام محمد الباقر(ع) (1 / رجب / السنة 57 هـ)
مناسبات أيام شهر رجب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على شمس الهداية نبينا محمد(ص)، وعلى الأقمار المضيئة الأئمة الطاهرين(عليهم السلام).
جعل الله تعالى لعباده رحمة بهم مواقيت زمانية ومكانية، بغية تعميق العلاقة والارتباط بخالقهم والتفرغ فيها عمّا سواه.ومن هذه المواقيت شهر رجب وشعبان ورمضان، حيث جعلها الله تعالى موعداً للقاءه والقرب منه والزلفى إليه، مثلما جعل شهري رجب وشعبان بوابة لشهر رمضان، كما جعل أرض عرفة بوابة لدخول حرمه المقدس، فعلى المؤمن أن يبدأ فيهما بتهذيب نفسه، والتخلّق بأخلاق ربّه، والسّعي الدؤوب لتذليل كل شيء في ذات الله، وجلببته بثوب العبودية والفقر لله تعالى، ليأتي عليه شهر رمضان المبارك، وهو طاهرٌ من درن الذنوب والخطايا، قد نفض عن قلبه ونفسه وعقله غبار التعلق بغيره تعالى.
ويعتبر شهر رجب من أكثر الشهور مناسبات، وأيام الله فيه كثيرة، ومن تلك المناسبات ولادة المعصومين: أمير المؤمنين(ع) ، والأئمة الباقر والجواد والهادي(عليهم السلام).، وشهادة الإمامين الكاظم والهادي(ع) ، ووفاة السيدة زينب (عليها السلام) .
ومن أيام الله المشهودات في هذا الشهر المبارك الإسراء والمعراج ويوم المبعث، والأيام البيض، وهي (11-12-13) من الشهر، ويوم النصف منه إذ يحظى باهتمام خاص من لدن أئمتنا(عليهم السلام)...ففي منتصف رجب ليلة ونهاراً يطلبه الغسل وزيارة الحسين والصلاة والدعاء بزيارة يا مذل كل جبار، ودعاء أم داود على ما ذكر في (مفاتيح الجنان ص194) من أعمال شهر رجب.
وقد وصف الرسول الأعظم (ص)، شهر رجب فقال: “إن رجباً شهر الله وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي، فمن صام من رجب يوماً، استوجب رضوان الله الأكبر”([1]).
وفي هذا الشهر أعمال مهمةً موزّعة على أيامه ولياليه، أهمها الصوم، والصدقة، والصلوات، والغسل، والدعاء بالمأثور، والاجتهاد في طلب الحوائج من الله تعالى. وخصّ من الشهر اليوم الأول بأعمال أهمها الصدقة والصيام وزيارة الحسين(ع) حيثما تكون.
والليلة الخامسة والعشرون ويومها، حيث ذكرى وفاة الإمام موسى الكاظم(ع) .
وليلة السابعة والعشرون منه باعتبارها بعثة الرسول الأكرم (ص)،.
وفي اليوم الأخير من الشهر يستحب الغسل والصيام.
نسأل الله العلي القدير أن يوفقنا جميعاً للفوز ببركات هذا الشهر، ونيل رضاه، إنه ولي السداد والتوفيق.
ولادة الإمام محمد الباقر (ع)(1 / رجب / السنة 57 هـ)
مولده ونسبه الشريف:
ولد الإمام محمد الباقر(ع) يوم الجمعة - وقيل الاثنين - في غرة رجب سنة (57هـ)، وهناك من قال بأن ولادته كانت في الثالث من صفر، أبوه الإمام الهمام علي بن الحسين(ع) زين العابدين وسيد الساجدين، وأمه فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى(ع)
وعلى هذا فيعتبر الإمام الباقر(ع) أول فاطمي من فاطميين، وأول من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين.
ويروى أنه كان كثير الشبه بجده المصطفى محمد(ص)، ولذا كان يلقّب بالشبيه، وكان ربع القامة، رقيق البشرة، جعد الشعر، أسمر اللون، له خال على خده، وكان يكنّى بأبي جعفر، ويلقّب بالشاكر لله، والهادي، والأمين، وأشهر ألقابه على الإطلاق ما لقبّه به جدّه رسول الله(ص): أي (الباقر)، فقد روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري: أنّ النبي(ص) قال له: “يوشك أن تبقى حتى تلقى ولداً لي من الحسين، يقال له محمد، يبقر علم الدين بقراً، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام”([2]).
وجاء في معاجم اللغة، أن الباقر هو المتبحر بالعلم، المستخرج غوامضه ولبابه، وأسراره، والمحيط بفنونه، ومغازيه.
النص على إمامته:
جرت عادة الأئمة (عليهم السلام) أن ينصّ المتقدم منهم على المتأخر، ويشير السابق على اللاحق، قطعاً للمعاذير، وإقامة للحجة، وقد نصّ الإمام علي بن الحسين(ع) على إمامة ولده في مواضع متعددة، فمنها قوله (ع) : “ألا وإنه الإمام أبو الأئمة، معدن العلم يبقره بقراً، والله لهو أشبه الناس برسول الله”(ص) ([3])، وقد تواترت النصوص على إمامته، ونقلها العامة كالمسعودي والزهري، فضلاً عن الخاصة([4]).
جوانب من شخصية الإمام الباقر(ع)
1- الجانب الروحي: المتتبع لحياة الأئمة (عليهم السلام) يجدها حلقات متصلة في العبادة، وهي كلها لله وفي الله وإلى الله تعالى، والإمام الباقر(ع) واحد من هؤلاء الأئمة، والذي كان له السبق في سلّم العبادة والتعلق المطلق بذات الله تعالى، فقد ارتقى فيه حتى بلغ ذروته.
يقول الإمام الصادق(ع) في حقه: “كان أبي كثير الذكر، لقد كنت أمشي معه وإنّه ليذكر الله، وآكل معه الطعام وإنّه ليذكر الله، ولقد كان يحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر الله، وكنت أرى لسانه لازقاً بحنكه، يقول: لا إله إلا الله، وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس، ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منّا، ومن كان لا يقرأ أمره بالذكر”([5]).
وقال أفلح - مولى للإمام الباقر -: “خرجت مع محمد بن علي (الباقر(ع) ) حاجاً، فلما دخل المسجد، نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته، فقلت: بأبي أنت وأمي إنّ الناس ينظرون إليك فلو رفقت بصوتك قليلاً، فقال لي: “ويحك يا أفلح، ولم لا أبكي، لعل الله ينظر إليّ برحمة فأفوز بها عنده غداً”، ثم طاف بالبيت، ثم جاء حتى ركع عند المقام، (أي صلّى ركعات) فرفع رأسه من سجوده فإذا موضع سجوده مبتل من دموع عينيه”([6]).
2- الجانب الاجتماعي: كان الإمام الباقر(ع) - كسائر أئمة أهل البيت(عليهم السلام) - أباً عطوفاً للأمة بأسرها، فعنده محط محتاجهم، وإلى كنفه منتهى مكروبهم، وبفناء داره شفاء مغمومهم، فقد روي عن الأسود بن كثير: شكوت إلى أبي جعفر(ع) الحاجة، وجفاء الإخوان، فقال (ع) : “بئس الأخ يرعاك غنياً ويقطعك فقيراً”. ثم أمر غلامه فأخرج كيساً فيه سبعمئة درهم، فقال: “استنفق هذه فإذا فرغت فأعلمني”([7]).
وقالت سلمى - مولاة أبي جعفر -: “كان يدخل عليه أصحابه، فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيب، ويكسوهم الثياب الحسنة، ويهب لهم الدنانير، فأقول له في ذلك ليقلل منه فيقول (ع) : “يا سلمى ما حسنة الدنيا، إلا صلة الإخوان والمعروف”([8]).
وعن أبي عبد الله(ع) قال: “دخلت على أبي يوماً وهو يتصدق على فقراء أهل المدينة بثمانية آلاف دينار، وأعتق أهل بيت بلغوا أحد عشر مملوكاً”([9]).
3- الجانب العلمي والثقافي: لا نشكّ أبداً أنّ هدف الأئمة(عليهم السلام) هو: بثّ روح العلم والثقافة في أرجاء العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه، ولكن كل إمام يحقق من هذا الهدف ما تسنح له الظروف، غير أن الإمام الباقر(ع) قد سنحت له الظروف أن يبثّ الكثير الكثير من علوم الدين والثقافة الإسلامية بما لم تسمح لغيره منهم(عليهم السلام) ، فقد أدى تمادي معاوية في قتل الصحابة والتشنيع بهم، وكذلك أدى قتل يزيد للحسين وأهل بيته(عليهم السلام) وأصحابه، وواقعة الحرة.. واستباحة المدينة المنورة ورميه الكعبة بالمنجنيق و... أدّى كل ذلك إلى تدهور أوضاع الدولة الأموية، حتى وصلت إلى حافة الانهيار في عهد هشام بن عبد الملك، حيث بدأت دعوة العباسيين بـالثورة للقضاء على الدولة الأموية، داعين إلى الرضا من آل محمد(عليهم السلام) ظاهراً فاستغلّ الإمام الباقر هذا الظرف لفتح مدرسته، وليتخرج منها المئات من العلماء، الذين انتشروا في مختلف البقاع ليبثّوا الدين والفكر والثقافة على مذهب آل محمد(عليهم السلام) ، هكذا شاء الله وكان.
قال جابر الجعفي: “حدثني أبو جعفر سبعين ألف حديث”([10])، وقال محمد ابن مسلم: ما شجر في رأيي شيء إلا سألت عنه أبا جعفر(ع) حتى سألته عن ثلاثين ألف حديث([11]).
ونقل بعض من شاهد الإمام (ع) في الحج: انثيال الناس عليه يستفتونه عن المعضلات، ويستفتحون أبواب المشكلات، فلم يرم حتى أفتاهم في ألف مسألة ثم نهض يريد رحله([12]).
واليوم، وبعد مضي ثلاثة عشر قرناً على تأسيسه (ع) لهذه المدرسة العظيمة، لا يزال الفقه والحديث والتفسير وغيرها من العلوم معوّلاً عليها، تستمد من منهلها العذب، وتغترف من معينها الفيّاض.
أما تلامذته: فقد قال ابن شهر آشوب:.. وقد روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة، ووجوه التابعين، ورؤساء فقهاء المسلمين، فمن الصحابة: جابر عبد الله الأنصاري، ومن التابعين: جابر بن يزيد الجعفي، وكيسان السختياني صاحب الصوفية، ومن الفقهاء نحو: ابن المبارك، والزهري، والأوزاعي، وأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وزياد بن المنذر النهدي، ومن المصنفين نحو: الطبري، والبلاذري، والسلامي، والخطيب في تواريخهم، وفي الموطأ، وشرف المصطفى والإبانة، وحلية الأولياء، وسنن أبي داود، والالكاني، ومسندي أبي حنيفة، والمروزي، وترغيب الأصفهاني، وبسيط الواحدي، وتفسير النقاش والزمخشري، ومعرفة أصول الحديث، ورسالة السمعاني، فيقولون: “قال محمد ابن علي، وربما قالوا: قال محمد الباقر”([13]).
4- منفاه وسجنه وشهادته:
كان الإمام الباقر(ع) في وجوده وحركاته وسلوكه، وجميع تصرفاته في المدينة يشكّل خطراًً ضد الجهاز الأموي الحاكم آنذاك، المتمثل بهشام بن عبد الملك، والإمام (ع) وإن تخلى عن الجهاد والكفاح المسلح، وعمد إلى التغيير الفكري، وترويج الثقافة والمعرفة، ولكن مع ذلك فقد كان الجهاز الحاكم يعتبر ذلك مخالفاً لسلطته وجهاداً ضد حكومته، فعزم هشام على استقدام الإمام إلى الشام، فحُمل مع ولده الصادق(ع) إليها، ومبالغة في إذلاله حُبس عن لقاء هشام ثلاثة أيام لم يأذنوا له بالدخول عليه، وأنزلوهم في دار الغلمان.
ثم أذن له بالدخول، فسلم الإمام على الجميع وجلس، دون أن يخصه بالسلام، فقال له هشام:
يا محمد بن علي لا يزالُ الرجل منكم قد شقَّ عصا المسلمين، ودعا إلى نفسه، وزعم أنه الإمام سفهاً وقلة علم.
فأقبل القوم الذين في مجلس هشام على توبيخه - تنفيذاً لما طلبه هشام منهم قبل دخول الإمام عليه -، فلما سكت الجميع نهض الإمام (ع) وقال: أيها الناس أين تذهبون، وأين يراد بكم، بنا هدى الله أولكم، وبنا يختمُ آخركم، فإن يكن لكم ملكٌ معجّلٌ فإن لنا ملكاً مؤجّلاً، وليس بعد مُلكِنا مُلكُ، لأنا أهل العاقبة بقول الله عز وجل: «وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» ([14]).
فأمر هشام بسجنه، ولكن لم يمضِ وقت طويل حتى تناقلت الأخبار إلى هشام بأنّ الإمام قد استطاع بأخلاقه وعلمه وعبادته أن يأسر قلوب السجّان إليه، فخاف انقياد أهل الشام إليه، فأمر بإعادة الإمام إلى المدينة([15]).
وحين خرج(ع) من القصر يريد المدينة، وإذا براهب قد اجتمعت حوله الناس من النصارى والمسلمين، وكان من كبار رهبانهم في الشام، فلما وقع بصره على الإمام سأله عن معضلات فأتى الإمام على آخرها، مما جعل الراهب يقول للناس: “جئتم بأعلم مني كي يفضحني، لعمري ما رأيت بعيني قط أعلم من هذا الرجل، لا تسألوني عن حرف وهذا بالشام، فكل ما أردتم تجدوه عنده حاضراً”، فسرّ المسلمون وأخذوا يتناقلون الحديث عن الإمام (ع).
اشتعل هشام حقداً وحنقاً على الإمام إثر هذه الحادثة، فأرسل إليه أن يعجل بالذهاب إلى المدينة، كما أرسل إلى عامله على المدينة أن يبلّغ الناس أنه لا يحق لأحد أن يتحدث مع محمد بن علي وابنه، فإنهما وردا عليّ، ولما صرفتهما إلى المدينة مالا إلى القسيسين والرهبان، وأظهرا لهم ميلاً، ومرقا من الإسلام إلى الكفر، وتقرّباً إليهم بالنصرانية، فكرهت أن أنكّل بهما لقرابتهما، فإذا قرأت كتابي هذا، ووصلا إليكم فناد في الناس: برئت الذمة منهما([16]).
وبعد هذا فقد أخذ عامل هشام يُضيّق على الإمام مدة من الزمان، حتى ختم ذلك بدسه السم إليه بأمر من هشام بن عبد الملك، فقضى (صلوات الله عليه) شهيداً، ودفنه ولده الصادق(ع) في البقيع أمام عمه الحسن، وأبيه علي ابن الحسين(عليهم السلام). فسلام على الإمام الباقر(ع) يوم ولد، ويوم أدّى رسالته، ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.
([3]) كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر: 98.
([4]) راجع في النص على إمامته (إثبات الوصية: 142).
([6]) الفصول المهمة: 197، وصفة الصفوة 2: 63.
([7]) مطالب المسؤول 2: 53، وكشف الغمة: 211.
([12]) المناقب لابن شهر آشوب 2: 275.
([14]) سورة الأعراف: الآية 128.
"الحوت" أو "فاتح".. الغواصة الإيرانية التي غيّرت قواعد اللعبة وتمكّنت من مواجهة التهديدات
قبل بضع سنوات، تم الاتفاق على تسليم مسؤولية حماية منطقة الخليج الفارسي إلى القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني وتعدّ هذه المنطقة الزرقاء ذات أهمية كبيرة على الرغم من صغر حجمها، وتعتبر واحدة من أكثر خمس نقاط بحرية حساسة في العالم وذلك يرجع إلى مرور الكثير من حاملات النفط والغاز العملاقة من هذه المنطقة إلى نقاط متفرقة من العالم، ولهذا فلقد جلبت هذه المنطقة الحساسة والاستراتيجية أنظار واهتمام العديد من اللاعبين الإقليميين والدوليين.
ونظراً لأهمية هذه المنطقة الاستراتيجية وطمع الدول الغربية بالسيطرة عليها، فلقد قامت القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني بتطوير العديد من القطع البحرية والصاروخية لحماية هذه المنطقة التي تعدّ جزءاً لا يتجزّأ من الأراضي الإيرانية.
وحول هذا السياق، أعرب قائد القوات البحرية في الحرس الثوري اللواء "علي رضا تنكسيري" عن دخول القوات البحرية إلى مجال إنتاج واستخدام الغواصات، قائلاً: "إن الغواصة التي نعمل عليها هي من فئة "ميدجت" والتي هي أكثر تطوراً من الغواصة "غدير"، وسوف تعمل مثل غواصة "فاتح" التي يتم إنتاجها اليوم في وزارة الدفاع"، وحول الأسلحة التي يتم استخدامها في غواصات الحرس الثوري، قال "تنكسيري": "إن هذه الغواصات مزودة بطوربيدات وسوف يتم تزويدها بصواريخ كروز تحت الماء" ولفت "تنكسيري" إلى أن أول استخدام لصواريخ كروز "نصر" كان من قبل القوات البحرية لحرس الثورة الإسلامية.
الخليج الفارسي يعدّ تحدياً للغواصات
تشكّل منطقة الخليج الفارسي، باعتبارها منطقة مائية ضحلة، تحدياً كبيراً لمعظم الغواصات، في الأساس، تحتاج هذه المنطقة إلى معدات عسكرية صغيرة وخفيفة الوزن لها القدرة على إطلاق طوربيدات وصواريخ كروز للقيام بمواجهات عسكرية تحت الماء.
وهنا يجب أن ننوه بأن إمكانية إطلاق الألغام المائية تعدّ أحد أهم الخصائص التي سوف تتمتع بها المعدات والغواصات التابعة للحرس الثوري الإيراني، في الواقع إن منطقة الخليج الفارسي، تعتبر بيئة جغرافية معقّدة حيث يوجد فيها العديد من الارتفاعات والمنخفضات الحجرية والتي تجعلها بيئة صعبة للغاية على الغواصات.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في وقتنا الحالي توجد غواصتان مرشحتان للعمل في هذه البيئة الصعبة، الغواصة الأولى هي الغواصة "غدير" والغواصة الأخرى هي "فاتح"، وهما غواصتان تمت صناعتهما على أيدي أبطال وخبراء وزارة الدفاع الإيرانية.
يذكر أن وزارة الدفاع الايرانية قامت قبل عدة أشهر بتسليم القوات البحرية التابعة للحرس الثوري غواصة "غدير" وفي بداية عام 2019 أفادت وسائل إعلام إيرانية بأن غواصة "فاتح" قد انضمت إلى الأسطول البحري الإيراني بعدما اجتازت الاختبارات النهائية، في حفل حضره العديد من المسؤولين الإيرانيين وأفادت تلك المصادر الإعلامية، بأن غواصة "فاتح" مجهزة بالسونار، وبمحرك كهربائي لإدارة المعركة، وجهاز توجيه الصواريخ أرض -أرض الموجهة، وجهاز توجيه الطوربيدات، ومجهزة بتقنيات حديثة تمكّنها من المشاركة في حرب إلكترونية وحرب الاتصالات، ولديها أنظمة اتصالات آمنة ومتكاملة وعشرات من أحدث الأنظمة المتطورة وتتمتع غواصة "فاتح" أيضاً بسرعة تحت الماء تصل إلى 11عقدة، وهي قادرة على السفر تحت الماء لمسافة تصل إلى 25 كم من دون التزود بالوقود وهذه الغواصة أيضاً مسلّحة بأربعة طوربيدات من طراز 533 ملم ويمكنها أن تحمل ثمانية ألغام بحرية واثنين من الطوربيدات الاحتياطية ولكن الميزة الجيدة التي تتمتع بها غواصة "فاتح" هي امتلاكها لصواريخ مضادة للسفن من فئة كروز "نصر" وهذا النوع يعدّ من الصواريخ قصيرة المدى ويعمل بالوقود الصلب من إنتاجات مصانع القوة الجو فضائية التابعة لوزارة الدفاع الإيرانية وصاروخ "نصر" لديه رأس حربي يصل وزنه إلى 150 کيلوغرام قادر على تدمير سفن حربية يصل وزنها إلى 3 آلاف طن وباستطاعة هذا الصاروخ الذي يتم تصنيفه في قائمة الصواريخ القصيرة المدى، الانطلاق من الساحل، ويمكن تركيبه على مختلف أنواع العوامات والغواصات.
إيران هي المصنع الوحيد لغواصة "ميدجت" في العالم
واحدة من أكثر النقاط إثارة للاهتمام حول هذه الفئة من الغواصات، تتمثل في أنه يمكن القول بأن إيران هي البلد الوحيد في العالم الذي يعمل حالياً على تطوير وصناعة هذه الفئة من الغواصات.
وهنا تؤكد العديد من التقارير الإخبارية، بأن بلداناً مثل كوريا الجنوبية والصين وإيطاليا وألمانيا، تعكف حالياً على وضع خطط مختلفة لتطوير وإنتاج غواصات مشابهة لهذه الغواصة ولفتت تلك التقارير إلى أن كوريا الشمالية كانت آخر دول قامت بإحداث تعديلات على هذه الفئة من الغواصات ولكنها في وقتنا الحالي توقفت عن إنتاج عيّنات من هذه الغواصات وهنا يمكن الإشارة إلى الغواصة HDS-500 التي قامت كوريا الجنوبية بإنتاجها، والغواصة Typing 300 الألمانية، والغواصة MS 200 الصينية.
لقد بدأت وزارة الدفاع الإيرانية بالدخول إلى عالم تطوير وصناعة أنواع مختلفة من الغواصات الخفيفة وتمكّنت مؤخراً من قطع شوط كبير في هذا المجال واستطاعت أن تقوم بصنع غواصات يصل وزنها إلى 600 طن.
لقد تحققت كل هذه الإنجازات على الرغم من وجود عقوبات اقتصادية وعسكرية فرضتها الدول الغربية على طهران وهنا يمكن القول بأن تسليح القوات البحرية التابعة للحرس الثوري بغواصات من فئة "فاتح"، سوف يغيّر قواعد اللعبة في منطقة الخليج الفارسي وسيقلب موازين القوى لمصلحة إيران.
وفي النهاية، يمكن القول بأنه إلى الأمس كانت قوارب الحرس الثوري الإيراني تشكّل تهديداً للقوات العالمية المعادية المتواجدة في الخليج الفارسي وبعد فترة وجيزة ستنضم الغواصات الإيرانية الصامتة التابعة لقوات الحرس الثوري إلى قائمة مشكلات وتحديات القوات المعادية.
أكبر تجمع لعلماء الدين بالجزائر يدعو لإلغاء ترشح بوتفليقة
دعت "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" (أكبر تجمع لعلماء الدين في البلاد)، الأحد، السلطات إلى إلغاء ترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لولاية خامسة وفتح حوار جاد لتهدئة الأوضاع في البلاد.
جاء ذلك في بيان للجمعية وهو الثاني الذ يصدر عنها حول الأزمة السياسية في الجزائر.
ودعت المنظمة السلطات إلى "تحمل مسؤوليتها التاريخية في هذا الجو المشحون والظرف الخطير قبل فوات الأوان بإعلان إجراءات فورية لتهدئة الأوضاع منها إلغاء العهدة الخامسة (لبوتفليقة) وفتح حوار جاد وتحرير وسائل الإعلام من الرقابة".
كما أعلنت "رفضها المطلق لأي تدخل أجنبي في هذه الأزمة الداخلية"، وحذرت "من دعوات العصيان المدني الذي تدعو إليه جهات خفية لما له من آثار غير محودة على الحراك الشعبي".
وفي الثاني من مارس/آذار الماضي، دعت "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين"، في بيان آخر، السلطة الحاكمة إلى الإصغاء لرسالة الشعب، والعدول عن ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة، في انتخابات 18 أبريل/نيسان المقبل.
ومنذ إعلان ترشح بوتفليقة (81 عاما)، في 10 فبراير/شباط الماضي، تشهد البلاد احتجاجات وتظاهرات رافضة كانت أقواها الجمعة الماضية، بمشاركة مئات الآلاف في مظاهرات غير مسبوقة وصفت بـ"المليونية" ضد ولاية خامسة لبوتفليقة.
ويرتقب أن يعود الرئيس الجزائري مساء اليوم إلى الجزائر بعد رحلة علاج بسويسرا دامت أسبوعين، وسط توقعات بصدور قرارات مثل إجراء تعديل حكومي.
ماذا علينا أن نفعل في شهر رجب الأصب؟
يقف بنا الجواب على هذا السؤال، الذي يجب على كل مكلف داخل إلى حرم هذا الشهر المبارك أن يطرحه على نفسه، عند خمسة أمور، وسنسترشد بكلمات العالم المتعبد والمتهجد وسيد المراقبين السيد ابن طاووس رضوان الله عليه:
الأمر الأول: "فكن مقبلاً على مواسم هذا الشهر بعقلك وقلبك"، مطلوب إذاً: شد الانتباه، فشهر رجب له خصوصيته الفريدة. إنه بداية الاستعداد الخاص لليلة القدر. فمن لا يعرف عنه شيئاً فليحاول أن يتعرف، ومن يعرف فليعمل وليحاول أن يزداد معرفة، لينتبه إلى المزيد من أهمية هذا الشهر.
الأمر الثاني: "معترفاً بالمكارم المودعة فيك من ربك"، إذا وجدت رواية ثوابها عظيم، فلا تنكر، لأن الإنكار بدون دليل كالقبول بدون دليل. لا تنكر! وإنما اجعل بينك وبين هذه الرواية مقياساً. إرجع إلى كلمات العلماء فهم المختصون أو استفت مرجع تقليدك عن العمل بهذه الروايات. أما أن تحكم بما يقتضيه مزاجك، فاعلم أن هذا من وادي الرد على الله تعالى ورسوله وأهل البيت صلى لله عليه وعليهم.
الأمر الثالث: العمل: "مالئاً أوقاته"، "من ذخائر طاعتك لمولاك ورضاه". إملأ ساعات شهر رجب وأيامه ولياليه بالعمل.
الأمر الرابع: "واجتهد أن لا تبقى في المنزل الذي تعلم أنك راحل عنه"، أي إحذر أن تفوتك القافلة. إبذل كل جهد ممكن لتكون من خيرة العاملين في هذا الموسم الإلهي العظيم.
الأمر الخامس: "فاستظهر – رحمك الله – استظهار أهل الإمكان في الظفر بالأمان والرضوان". والمراد بالاستظهار الاحتياط. فلا يكن منطلقك إلى العمل الجد فقط، بل غاية الجد وبمنتهى الاحتياط.
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن الله تعالى نصب في السماء السابعة ملكاً يقال له الداعي، إذا دخل شهر رجب نادى ذلك الملك كل ليلة منه إلى الصباح: طوبى للذاكرين، طوبى للطائعين، يقول تعالى: أنا جليس من جالسني ومطيع من أطاعني وغافر من استغفرني. الشهر شهري والعبد عبدي والرحمة رحمتي، من دعاني في هذا الشهر أجبته ومن سألني أعطيته ومن استهداني هديته وجعلت هذا الشهر حبلاً بيني وبين عبادي، فمن اعتصم بي وصل إلي». الشهر شهري والعبد عبدي والرحمة رحمتي.
نساء داعش واليوم العالمي للمرأة
تأتينا اليوم السيّدة "شاميما بيجوم" البريطانية المولد، البنغلاديشية الأصل لتطالب العودة إلى بلادها "بريطانيا" وليس بنغلادش. نعم تريد العودة مرة أخرى إلى "بلاد الكفر" بحسب وصفها وهي غير نادمة على ما فعلته وتؤيّد قطع الرؤوس لإن "الإسلام يأمر بذلك".
مراسل التايمز (The Times) بحث وبحث ولم يجد أحداً مشرّداً، جائعاً ومريضاً إلا السيّدة "شاميما بيجوم" بين حشد المشرّدين الذين جمعهم مخيم بالإرهابية "شاميما" ويبلغ عددهم 39 ألف شخص. عمداً انتظرت إلى هذه اللحظة لأكتب مقالتي عن "الداعشيات" اللاتي يطالبن بالعودة وذلك لأن وسائل الإعلام البريطانية مرة أخرى تركت جميع مآسينا ولحقت إرهابية تعاطفوا معها إلى حد بعيد (هذه المرأة انتمت إلى كتيبة تسمّى كتيبة أمّ عمارة بقيادة البريطانية "أقصى محمّد" وكانت مهمة هذه الكتيبة هي إقناع المقاتلين والمقاتلات الأجانب بالهجرة إلى الرقة والانضمام إلى داعش). تعالوا لنقرأ معاً هذه المقالة التي كتبت من قِبل مَن عانوا من هذا التنظيم لأن أهل الرقة أدرى بشعابها.
الكاتب فقد أخته نتيجة انفجار الغاز البدائي بوجهها أثناء محاولتها إعداد الطعام لأولادها أوائل عام 2014م، لأن داعش كانت مسيطرة على الرقة وكانت تبيع مشتقّات النفط بأسعار مرتفعة للغاية لا تقوى الطبقة الفقيرة على تحمّلها مما اضطرنا إلى استخدام الوسائل البدائية للغاية. الكاتب فقد والدته كذلك نتيجة نوبة مرضية "تعتبر عادية" إذا كانت الظروف طبيعية أو توافر كادر طبي عادي. فقدت والدتي عام 2016 ولم يسمح داعش لعائلتي بنقل والدتي إلى دمشق لتلقّي العلاج هناك وإثر ذلك التحقت بالرفيق الأعلى. والذي يزيد من قهري هو أنني لم أستطع العودة إلى الرقة والمشاركة في جنازة والدتي لأننا كنا ضمن قائمة داعش السوداء والتي حكم علينا بالموت نتيجة الاعتراض على حرق الكنيسة (مقابل حديقة الرشيد بالرقة) ، والاعتراض على تواجد داعش في المدينة. وقصة الكاتب هذه هي أهون القصص التي تعرّض لها أهل الرقة من ظلم وعدوان من قِبَل داعش.
تأتينا اليوم السيّدة "شاميما بيجوم" البريطانية المولد، البنغلاديشية الأصل لتطالب العودة إلى بلادها "بريطانيا" وليس بنغلادش. نعم تريد العودة مرة أخرى إلى "بلاد الكفر" بحسب وصفها وهي غير نادمة على ما فعلته وتؤيّد قطع الرؤوس لإن "الإسلام يأمر بذلك". قبل المطالبة بعودتك إلى هناك من الأهمية بمكان أن يحقّق المسؤولون في مخيم السوريين بالمخالفات والجنايات التي ارتكبتها السيّدة المذكورة وعدم وضعها بنفس المكان الذي يتواجد فيه اللاجئون المساكين.
لماذا العودة إلى "بلاد الكفر" ألم تكن دولتكم المزعومة هي بلاد الإسلام لماذا لا تطيقين العيش بالرقة ما الذي حدث. هؤلاء لم يجلبوا لنا إلا الدمار وقتل الأطفال وقطع الرؤوس. الرقة اليوم مدمّرة بنسبة 60 بالمائة قد دمّرها التحالف الدولي في حملته ضد داعش ولا يقبل أحداً إعادة إعمارها والجثث المتعفّنة تنشر الأمراض بين السكان المحليين. تعطلت المشافي والمدارس وقتل على إثر تلك الحملة أكثر من 3500 مدني إثر الغارات الجوية التي نفّذها التحالف ضد الرقة. أطفال الرقة لم يذهبوا إلى المدارس منذ عام 2013م وإن كانت الإدارة المحلية اليوم قد فتحت أبواب المدارس فهذه المدارس تفتقر إلى أية مقومات حقيقية للتدريس بها. داعش لم تترك لنا لا تاريخ ولا جغرافيا فتاريخنا قسم دمّروه بهمجيّتهم وحرقوه (دمّروا مثلاً تمثالين لأسدين في حديقة الرشيد يعود قدمهما إلى ألفين عام قبل الميلاد) وما خفّ وزنه وغلا ثمنه هربّوه إلى دول أخرى. نساء داعش اللاتي يتباكين اليوم هن أنفسهن اللاتي عشن في بيوت مصادرة لأهالي مدينة الرقة "العاصمة السابقة لداعش" ، هذه البيوت التي تمّت مصادرتها لأن مالكي هذه البيوت إما لديهم عسكري أو تمّ اتهامهم زورا بالتعاون مع التحالف أو أنهم فرّوا من الرقة باتجاه مناطق سيطرة الحكومة السورية أو دول الجوار . حيث كان التنظيم يرغم السكان هناك على توقيع وثيقة مفادها، إنّ عدم العودة خلال شهر سيؤدّي إلى مصادرة البيوت والأراضي. السيّدة "شاميما" كانت تعيش في ظل "الدولة الإسلامية" في أحد هذه البيوت. نساء داعش كن يحملن الأسلحة والسياط ويتجولن في شوارع الرقة لضرب الفتيات هناك. هنّ مَن يعلمّن ويربين أولادهن على الجهاد وقطع الرؤوس واليوم لسن نادمات على ما فعلن.
وقفن ذات يوم ومعهن المدعوة "هدى مثنى" (التي تطالب اليوم بالعودة إلى الولايات المتحدة) رمين جوازات سفرهن هناك "ومن السهولة تمييز الجواز الأميركي بين هذه الجوازات" أضرمن النار في جوازاتهن (التي نحلم نحن المتعلّمون أن نملك واحداً من هذه الجوازات). وردّدن شعار "الدولة الإسلامية باقية وتتمدّد". ها هنّ اليوم يطالبن بالعودة إلى "بلاد الكفر" (المصطلح الذي طالما استخدمنه). "هدى مثنى" يمنية الأصل، وعندما تطالب العودة تطالب العودة إلى الولايات المتحدة وليس إلى اليمن.
نعم صدق المثل السوري "الذي يُضرب بالعصا على أقدامه ليس مثل الذي يعدّها" حوّلوا بلادنا إلى جحيم لا كهرباء ولا ماء ولا غذاء. مشرّدون هنا وهناك. عدد قليل جداً من دول العالم مَن يعطينا الحق بالدخول إلى بلادهم يتفحصوننا كأننا إرهابيون في مطاراتهم ويطلبون منا مغادرة بلادهم كوننا (سوريين فقط).
أما ما هي المهام التي كانت موكلة للنساء في تنظيم داعش؟
أهم الأدوار التي قامت بها المرأة منذ عهد الزرقاوي إلى سقوط الموصل والرقة:
من الواضح أنّ الزرقاوي (المؤسّس الفعلي لتنظيم الدولة الإسلامية، داعش) كان أول من بدأ يفكّر بإدخال النساء في العمليات القتالية وخصوصاً الانتحارية منتصف 2005. فقد أصبحت خطاباته الموجّهة للرجال تتدرج من استخدام الانتهاكات بحق نساء السنّة من أجل تجنيد الرجال إلى مخاطبة النساء بصورة مباشرة[1]، ففي كلمته الموجّهة للمرأة لأول مرة حمّل الزرقاوي النساء مسؤولية مباشرة وطالبهنّ القيام بأدوار لوجستية متعدّدة، ومهّد لبداية إشراك المرأة في الأعمال القتالية والانتحارية، حيث وجّه خطابه إلى المرأة بقوله: "هذه رسالة إلى الحرائر من نساء الرافدين خاصة وإلى نساء الأمّة عامة "أين أنتن من هذا الجهاد المبارك؟ وماذا قدمتن لهذه الأمّة؟ ألا تتقن الله في أنفسكن؟ أتُربن أولادكن ليذبحوا على موائد الطواغيت؟ أرضيتن بالخنوع والقعود عن هذا الجهاد؟"[2].
دشّن هذا الخطاب التأسيسي مرحلة جديدة من "إدخال النساء" في هياكل الجهادية العالمية. فقد مثّل موقف الزرقاوي تحوّلاً في أدوار المرأة الجهادية- كما يلاحظ فائق الجنابي-حيث أسّس لنموذج "المرأة الاستشهادية" في مقابل "الرجل المتخاذل" عن الالتحاق بساحات القتال في العراق، بعد أن تجنّب منظّرو تنظيم القاعدة هذه القضية "الشائكة" دينياً واجتماعياً لسنوات[3]. وبذلك بدأت مرحلة جديدة وأدوار أكثر فاعلية للمرأة في تنظيم داعش وكان لها أدوار بارزة للغاية أبرزها:
- العمليات الإنتحارية (الإستشهادية): لقد كان الزرقاوي من أوائل القادة الذين دعوا إلى العمليات الإنتحارية والتي دُعي إلى توسعتها على كافة الأصعدة وكافة الأجناس فلا فرق لديه بين المرأة والرجل أبداً بل على العكس كان يروّج للعمليات الانتحارية التي تنفّذها النساء لإنه من الصعب كشفها. وبالفعل فقد كانت أول عمليتين انتحاريتين قامتا بهما كل من موريل ديغوك وساجدة الريشاوي. قامتا بتنفيذ عملية انتحارية في نفس اليوم بتاريخ 9 تشرين الثاني/نوفمر 2005 من مكانين مختلفين وفي مكانين متباعدين ومن جنسيات متعدّدة ومن أصول متباينة. وقد نجحت إحدى العمليّتن وفشلت الأخرى.
موريل ديجوك، Muriel Degauque، انتحارية بلجيكية (1967 – 2005) تحوّلت من الكاثوليكية للإسلام في الثلاثينيات من عمرها. ارتدت النقاب بعد زواجها من عصام غوريس، والده بلجيكي وأمّه مغربية، معروف للشرطة البلجيكية بلحيته الطويلة بصفته أصولياً إسلامياً متشدداً. عبرت ديغوك وزوجها الحدود العراقية السورية، ونفذت عملية انتحارية استهدفت القوات الأميركية في 9 تشرين الأول/ نوفمبر 2005، أسفرت عن مصرعها وإصابة جندي أميركي.
ساجدة الريشاوي، انتحارية عراقية شاركت بتنفيذ التفجيرات الثلاثة التي استهدفت ثلاثة فنادق كبرى في عمان، وأسفرت عن مقتل 60 شخصاً.
نجت الريشاوي من الموت بعد فشلها بتفجير حزامها الناسف داخل أحد الفنادق المستهدفة، وقتل زوجها الذي فجّر حزاماً ناسفاً كان يرتديه في العملية. تلقّت الريشاوي حكماً بالإعدام في شباط/ فبراير 2007، ونفّذ الإعدام فجر الأربعاء 4 شباط 2015 كرد فعل لقيام تنظيم داعش بقتل الطيّار الأردني معاذ الكساسبة حرقاً بالنار. ومنذ ذلك الوقت بدأت مرحلة الاستشهاديات والتي لم تنته أبداً.
- الجهاد الفردي (الذئاب المنفردة): لم يقتصر دور المرأة في داعش على الانضمام إلى الكتيبتين النسائيتين (أمّ الريان والخنساء) واللاتي تمّ تشكيلهما في الرقة بل تعداه إلى أكثر من ذلك ، تعداه إلى دعوة المرأة أن تشارك بالجهاد الفردي. فإن هي لم تستطع الانضمام إلى صفوفه في مناطق نفوذه فهي مكلفة كواجب شرعي مثلها مثل الرجال بمهاجمة الأعداء في بلدها الذي تعيش فيه ولقد شكّلت نسبة مشاركة النساء في عمليات الجهاد الفردي ما يقارب 29 بالمائة من مجموع الهجمات (بحسب دراسة أصدرِت لي بعنوان: خرافة ذئاب داعش المنفردة) وكانت هؤلاء النساء ضمن حلقات وخلايا أوسع.
ويُذكر أنه في آذار 2016 قامت فتاة مغربية في ال 15 من العمر بطعن شرطي وإصابته بجروح بالغة في محطة (هانوفر) للقطارات في ألمانيا أثناء عملية روتينية للتثبّت من الهوية.
وفي 30 تشرين الأول 2016 قالت شرطة مدينة (ايسن) في ولاية (الراين ويستفاليا) غرب ألمانيا أن امرأة يُعتقد أنها متعاطفة مع تنظيم داعش هاجمت إثنين من الشرطة بسكين وكانت تصيح "الله أكبر" أثناء الهجوم وهي تبلغ من العمر 53 عاماً. كما عثرت الشرطة في منزل المرأة على رايات تشير إلى أن المرأة من مناصري داعش.
وفي أوائل أيلول من نفس العام فككت الشرطة الفرنسية خلية إرهابية مؤلّفة من 3 نساء كنّ على تواصل مع داعش في سوريا خطّطن لتفجير سيارة مليئة بقوارير الغاز قرب كاتدرائية نوتردام في باريس، وكانت واحدة من هؤلاء النسوة على الأقل على اتصال مع رجل فرنسي كان يعيش في مناطق نفوذ داعش، تلقّت النسوة التعليمات منه. وعلى ما يبدو من تفاصيل العملية أن مثل هذه التوصيات وردت في مجلة انسباير العدد 12 لعام 2014.
- جهاد النكاح: كان لأعضاء داعش نهمٌ جنسي شديد حسب الروايات والمشاهدات التي شاهدناها في الرقة لكنهم كانوا يفرغون هذا النهم إما بالتقدّم بالزواج من بنات المدينة وفي الأعم الأغلب يتمّ الرفض وإما يتزوّجون من المهاجرات اللائي هاجرن إلى هناك ، وتلك النسوة كانت إذا مات زوجها زوُجت إلى رجل آخر (هدى مثنى على سبيل المثال تزوّجت ثلاث مرات خلال تواجدها مع التنظيم) ، وأما الطريقة الثالثة فكانت عن طريق السبايا اللاتي عُوملن بوحشية وقسوة منقطعة النظير.
- أدوار تقليدية للمرأة: أصدر "داعش" بياناً يستعرض فيه بالتفصيل دور النساء في التنظيم الجهادي. البيان المؤلّف من 10000 كلمة الذي حمّله الجناح الإعلامي لـ "كتائب الخنساء" الذي يتألف فقط من النساء عبر المنتديات الجهادية الرائجة، ترجمه وحلّله شارلي وينتر، الباحث حول الجهادية في سوريا والعراق في مركز الدراسات حول مكافحة الإرهاب Quilliam Foundation، وقام بترجمته إلى اللغة الإنكليزية.
لقد سبق أن نشر مجنّدون غربيون صوَراً يظهرون فيها مع مسدّسات وحزام ناسف، وتبدو في الصوَر امرأة من جنوب لندن تعيش في سوريا، وتتباهى حتى بأنها تريد أن تكون أول امرأة تقطع رأس رهينة غربية.
- الزواج: أكثر ما يثير القلق هو ما يذكره البيان عن السن الشرعي لزواج الفتيات من مقاتلي "داعش". فقد جاء فيه: "السن الشرعي لزواج الفتاة هو تسع سنوات. الفتيات الأكثر طهارة يتزوّجن بسن السادسة عشرة أو السابعة عشرة، فيما لا يزلن يحافظن على شبابهن ونشاطهن".
وتوضح الوثيقة أنه بعد الزواج، "دور المرأة هو أن تبقى محجوبة عن الأنظار ومحجّبة، وأن تحافظ على المجتمع من وراء حجابها".
ويزعم البيان أن تشوُّش الخطوط الفاصلة بين أدوار الرجال والنساء يعود في شكل أساسي إلى خصي الرجال، في إشارة إلى أن مقاتلي "داعش" هم "رجال حقيقيون".
وبحسب البيان، تُحظَر عمليات التجميل حظراً مطلقاً، وكذلك الثقوب في الجسم أو "تدلّي أشياء من الأذنَين"، ويُمنَع حلق الشعر في بعض الأماكن. أما متاجر الأزياء وصالونات التجميل فهي من عمل إبليس[4]. وكما كان لكتيبة الخنساء دور آخر حيث طالبت من الراغبات بالزواج من مقاتلي التنظيم بوضع حجاب أبيض تحت النقاب للتعرّف عليهن في المناطق التي كان يسيطر عليها داعش ، الأمر الذي دفع كثيراً من البنات لارتداء خواتم الخطبة أو الزواج من مدنيين ليتجنّبوا كتيبة الخنساء٬ كما عرضت كتيبة الخنساء مبالغ مادية على أهالي بعض الفتيات في حال تزويج بناتهم لعناصر من التنظيم.
واستطاع مشروع صوت وصورة بالتعاون مع الرقة تذبح بصمت، توثيق 278 حالة زواج إجباري من مقاتلين أجانب، لنساء أغلبهن دون سن الثامنة عشر، بعد دفع مهر مرتفع لذوي الفتاة، يصل إلى أربعة آلاف دولار، في الوقت الذي يكون فيه المهر الطبيعي ما يقارب 900 دولار[5].
- الشرطة النسائية (كتائب داعش النسائية): شكّل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كتيبة الخنساء في شهر شباط/فبراير من عام 2014 في مدينة الرقة (بحسب موقع الرقة تذبح بصمت) بعد حدوث عدّة عمليات اغتيال نفّذها عناصر من الجيش الحر لقيادات في التنظيم، بارتدائهم للزيّ النسائي الذي فرضه التنظيم والمكوّن من النقاب وما يسمّى “الدرع” وهو قطعة قماش سوداء ثخينة تمتد من أعلى الرأس إلى منتصف القدم، واستغل مَن يسمّون مقاتلو الجيش الحر هذا الزيّ لتهريب السلاح إلى داخل المدينة، وذلك لمنع التنظيم عناصره من التعامل والتحدّث مع النساء. وتلعب الخنساء دوراً رئيسياً بمراقبة واعتقال النساء اللواتي يخالفن أوامر التنظيم ومعاقبتهن، وترتدي عناصر الخنساء الرداء الشرعي الذي فرضه التنظيم ويتم تميّزهن بحملهن للسلاح والكلبشات والقبضات اللاسلكية، وأغلبهن مهاجرات متزوّجات من مقاتلي التنظيم غير السوريين، لا يتحدثن العربية، إلا أن بعد انضمام بعض النساء السوريات للخنساء، أتاح وضع فتاتين على الأقل في كل مجموعة يتحدثن العربية، حيث تستطيع أية امرأة الانضمام لكتيبة الخنساء بعد خضوعها لمعسكر تدريبي، يشمل دروساً دينية وتدريبات لياقة بدنية ومهارات قتالية والتمرّن على استخدام السلاح، ويتفاوت عددهن بين 800 إلى 1000 مقاتلة، وذلك لصعوبة الحصول على إحصائية دقيقة بسبب تزايد أعداد المنتسبات بشكل أسبوعي في ذلك الوقت.
حملت كتيبة الخنساء سمعة سيّئة بين صفوف المدنيين. وتشكّل كابوساً للنساء في مدينة الرقة، نتيجة الممارسات التي يقمن بها لاستفزاز أشخاص لأسباب شخصية، وأغلب النساء المنضمات حديثاً هن ذوات سمعة سيّئة[6]. ومنهن "المهاجرات" الوافدات من الدول الغربية واللائي مارسن أبشع أنواع التعذيب ضد النسوة المحليات من الجَلد بالسياط إلى الاعتقال إلى التعذيب.
على غرار كتيبة الخنساء في سوريا أنشئت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التابعة لتنظيم داعش بالعراق كتيبة سميت بكتيبة العضاضات ، وهي بمثابة الشرطة النسائية لتنظيم داعش والكتيبة تعمل على رصد المخالفات التي تقوم بها النساء ويقمن بعضّهن بوحشية وقد شوهدت هذه الدوريات تسير في شوارع قضاء الحويجة في العراق، وأن هذا الإجراء العقابي الذي دأبت نسوة داعش على تطبيقه في أكثر من منطقة يسيطر عليها التنظيم المتطرف، أثار الهلع والخوف بين نساء الحويجة.
- التجنيد: شكّل داعش مجموعات من النساء لتجنيد النساء من مختلف أنحاء العالم وبناء عليه تمّ تشكيل مجموعة "أمّ عمارة" بقيادة البريطانية "أقصى محمّد" وجميع أفرادها من المقاتلات الأجنبيات اللواتي يستخدمهن التنظيم لاستجرار المقاتلين والفتيات من أوروبا إلى مدينة الرقة، عن طريق التواصل معهم واقناعهم بالقدوم والانخراط في صفوف التنظيم، حيث انضمت كل من "شميما بيجوم" (عروس داعش التي تحاول العودة اليوم إلى بريطانيا وتبكي دموع التماسيح) وخديجة سلطان (16عاماً) وفتاة ثالثة تبلغ 15 عاماً، اللاتي يحملن الجنسية البريطانية، بعد التواصل معهن عن طريق الأنترنت، ودخلن معسكراً تدريبياً ضمن مقر يتبع لكتيبة الخنساء.
- القتال المباشر: على خلفية خسائره في سوريا والعراق، ألزم تنظيم “داعش” الإرهابي النساء المؤيّدات له بالانضمام إلى القتال. ونقلت الإندبندنت البريطانية (The Independent)، عن وسائل إعلام تابعة للتنظيم قولها في وقت سابق على تحرير الرقة من التنظيم قولها: "في سياق الحرب على داعش، أصبح يتعيّن على النساء المسلمات تحقيق ما يتوجّب عليهن في جميع الجبهات عن طريق دعم المجاهدين في قتالهم".
ودعت وسائل دعاية “داعش” النساء إلى “الاستعداد لحماية دينهن عبر التضحية بأنفسهن من أجل الله”، وأشارت إلى سوابق في التاريخ الإسلامي قد تثبت هذا النداء، حسبما ذكرت الصحيفة.
بعد كل هذا السرد للأدوار التي قامت بها النساء في ظل تنظيم داعش والمقدّمة التي ذكرناها وبعد كل هذا الجدل الدائر اليوم في الأوساط الغربية والعربية ليس المهم أين تتواجد تلك النسوة وأين يرغبن بالتواجد بل المهم هو أن تقام محاكم لمحاكمة كل مَن انضم إلى هذا التنظيم الإجرامي ومحاسبتهم على كل أفعالهم. أخيراً نطرح سؤالنا المضحك المبكي: أيّ جحيم خلّفه لنا التنظيم بحيث لا تقبل حتى إرهابيّاته بالعيش فيه؟
محمود البازي، كاتب وإعلامي سوري
[1] - محمّد أبو رمّان- حسن أبو هنية، تشكّلات الجهادية النسويّة من القاعدة إلى الدولة الإسلامية، مؤسّسة فريدريش ايبرت، الأردن، 2017.
[2] - أبو مصعب الزرقاوي، أينقص الدين وأنا حيّ؟، بتاريخ 7 تموز/ يوليو 2005، الأرشيف الجامع لكلمات وخطابات أبو مصعب الزرقاوي، شبكة البراق الإسلامية، ص 306 و308.
[3] - محمّد أبو رمّان- حسن أبو هنية، تشكّلات الجهادية النسويّة من القاعدة إلى الدولة الإسلامية، المصدر السابق.
[4] -. المصدر السابق نفسه.
[5] - الرقة تذبح بصمت، كتيبة الخنساء من الألف إلى الياء، 27/3/2015، انظر الرابط التالي:
[6] - الرقة تذبح بصمت، المصدر السابق.
كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة الذكرى السنويّة لانتفاضة أهالي تبريز
محاور رئيسية
• التاسع والعشرون من بهمن يوم من أيام الله
• الشعب الإيراني أنجز في 22 بهمن عملاً كبيراً
• مشكلاتنا كلها ممكنة الحل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين المعصومين المطهّرين، لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.
أرحّب بكم كثيراً أيّها الإخوة الأعزّاء والأخوات العزيزات والعلماء والشخصيات وعوائل الشهداء المحترمون والشباب التبريزي المتحمّس النادر النظير، والحقّ أنّ أهالي تبريز وخاصّة شبابها نموذجيّون وقلّما تجد لهم نظيراً في البلاد.
التاسع والعشرون من بهمن يوم من أيام الله
أنا مسرور جداً أن وفّقنا هذا العام أيضاً للّقاء بكم في هذه الحسينية، في يوم الله، التاسع والعشرين من بهمن، الذي هو بحقّ يوم الله ومن الأيام الإلهيّة.
وأشير بدايةً إلى هذه النقطة، وهي أنّ أهالي تبريز هم من صنعوا يوم الله هذا. أيام الله هي أيّام التجلّي الخاصّ لله تعالى. فأحياناً يصنع عزم الناس وهممهم وإرادتهم مثل هذا اليوم. وقد صنع أهالي تبريز هذا اليوم في التاسع والعشرين من بهمن سنة 56 [18/02/1978 م] بهممهم وبصيرتهم وهو ما سوف أشير إليه لاحقاً.
التاريخ حافل بالمواقف المصيرية لأهالي تبريز
وبالطبع، لم تكن هذه هي المرة الأولى والأخيرة، فتاريخنا المعاصر حافل بريادة أهالي تبريز وآذربيجان في القضايا المهمة والأحداث المصيرية. ولكم أن تلاحظوا، خلال حقبة الثورة هذه ــ وأنتم الشباب لا تتذكّرون أحداث بداية الثورة ــ حيث اجترح أهالي تبريز معجزة بالمعنى الحقيقي للكلمة. فالمؤامرة التي مهّد لها العدوّ في تبريز أُحبطت على أيدي أهالي تبريز أنفسهم على أفضل وجه ممكن. وقد قال الإمام الخميني يومذاك، حين كان الكلّ قلقًا ممّا سيحدث في تبريز، وكان أعداء الثورة قد جيشوا الجيوش من سائر النواحي لعلّهم يستطيعون فصل تبريز عن الثورة؛ قال ما مضمونه: لا تقلقوا، فأهالي تبريز أنفسهم سيردّون على هؤلاء. وهذا ما حصل.
وبعد ذلك، في فترة الدفاع المقدّس والأحداث المتزامنة معها، وبعدها في سنة 88 [2009]، وبعدها في التاسع من دي، حيث خرج الناس في البلد كلّه في ذلك الوقت. لكنّ أهالي تبريز خرجوا في الثامن من دي، أي قبل الآخرين وأسرع منهم بيوم، فكانوا روّاداً سبّاقين في كلّ الميادين والحمد لله. أعزائي، كونوا سبّاقين في هذه الخطوة الثانية [للثورة] أيضاً وستكونون كذلك إن شاء الله.
أهالي تبريز ثابتون على مواقفهم الثورية
أهالي تبريز يفتخرون بيوم الله في التاسع والعشرين من بهمن. لاحظوا هذه النقطة ــ وهي على جانب كبير من الأهمية ــ البعض ضعفاء ومساكين ومنفعلون. قد يكونون قاموا في يوم ما بتحرّك ثوري، إلّا أنّهم اليوم يخجلون من ماضيهم تحت ضغط مؤامرة العدوّ؛ وبالطبع، بسبب نزعاتهم الدنيوية. [لكنّ] أهالي تبريز يفتخرون بماضيهم الثوري مثل أغلبية الشعب الإيراني، ويرفعون رؤوسهم ويقولون نحن الذين كنّا أطلقنا هذه الحركة الثورية، حركة الأربعين. وذكريات الأربعين نحن الذين أطلقناها. وهم على حقّ، يفتخرون، ومجيئكم هذا إلى هنا وهذا التجمّع الهائل الحماسي، وخاصّة الشباب الأعزاء، هو من الدلائل والعلامات على هذا الافتخار الكبير العميق المعاني.
الشكر أقلّ بكثير ممّا يستحقّه شعب إيران
حسنًا، أريد أن أتكلّم قليلاً عن التاسع والعشرين من بهمن، وكلامي الأساسي يكمن في هذه النقطة التي سأذكرها. لكن قبل ذلك أريد تكرار نقطتين والتذكير بهما، فهذه فرصة بالنسبة إلي.
أ ــ الشعب الإيراني أنجز في 22 بهمن عملاً كبيراً
النقطة الأولى، هي أنّني شكرت الجماهير والشعب في نهاية بياني [الخطوة الثانيّة للثورة الإسلاميّة] على مشاركتهم في مظاهرات الثاني والعشرين من بهمن. إلّا أنّ ذلك الشكر ـ بيني وبين الله ـ أقلّ بكثير وأصغر ممّا يستحقه شعب إيران. لقد أنجز الشعب الإيراني في الثاني والعشرين من بهمن عملاً كبيراً. وأقولها لكم: إنّ الحضور الهائل للشعب في الشوارع ــ حيث رفع إليّ تقرير بأنّ الحضور على مستوى البلاد كافّة أو في ثمانية وتسعين في المائة من مدن البلاد أو أزيد بقليل ــ كان أكثر من السنوات الماضية. ففي بعض المناطق ازداد الحضور بنسبة خمسين في المائة، وفي بعضها الآخر بنسبة أربعين في المائة، وفي مناطق أخرى كان أكثر بنسبة ثلاثين في المائة. إنّ العدوّ يرى هذا الحراك لكنّه حتماً، يتكتّم عليه في إعلامه. يقولون في إعلامهم إنّ آلاف الأشخاص قد نزلوا إلى شوارع إيران. لا يقولون نزل ملايين الأشخاص في كلّ المدن بما مجموعه عشرات الملايين. هذا ما لا يقولونه لكنّهم يدركونه. فالعدوّ يدرك والكلّ في العالم يعلم بأن البلد الذي يكون شعبه متّحداً في الساحات بهذا النحو، لا يمكن أن يناله العدوّ بسوء، هذا ما يعلمه الجميع. أي إنّ حضوركم هذا في الساحة السياسية للبلاد وفي ساحة الثورة وفي ذكرى الثاني والعشرين من بهمن لسنة 57 [1979]، على مستوى البلاد كلّها، كان حركة سياسية وأمنية مهمة أُنجزت على يد الشعب الإيراني. ينبغي شكر الله على ذلك. فالقلوب بيد الله، [نعم]، القلوب بيد الله. «إِلَيْكَ نُقِلَتِ الْأَقْدَام وإِلَيْكَ مُدَّتِ الأعناق». الأيدي ممدودة نحو الله، والقلوب بيد الله، والله هو الذي قاد الناس نحو الساحات. فنشكر الله تعالى، ونشكر الشعب العزيز أيضاً من الأعماق.
ب ــ البعض ينسبون ما بهم من ضعف إلى الشعب
البعض أنفسهم ضعفاء، منفعلون ومتأثّرون بالغير؛ يقولون إنّ الثورة ضعفت؛ هم أنفسهم ضعفاء فيقيسون الأمر على أنفسهم. هم أنفسهم مفتونون مأخوذون، قد فقدوا الشجاعة، فيتصوّرون أن الناس والشعب كذلك. وينسبون ضعفهم إلى الشعب. لا؛ فالشعب هو هؤلاء الذين شاهدتموهم يوم الثاني والعشرين من بهمن. فليشملكم الله تعالى، وليشمل الشعب الإيراني والجماعة المفعمة بالنشاط التي تدافع بهذا النحو وببصيرة، عن ثورتها ونظامها وهويّتها وبلادها، برحمته ولطفه.
• "الموت لأمريكا" يعني الموت للهيمنة
لقد حضر الناس ورفعوا الشعارات نفسها، شعار «الموت لأمريكا»، وقد قلت في ذلك اليوم إنّ هذا لا يعني الشعب الأمريكي. فقد بيّنت مصداقه يوم التاسع عشر من بهمن وذكرت من هو المراد بهذا الشعار. وأقول الآن إنّ الموت لأمريكا يعني الموت للهيمنة والموت للاعتداء والموت للتطاول على حقوق الشعوب، هذا هو معناه. هذه الحركة المستنيرة الواعية الإنسانية الزاخرة بالمعاني والمضامين قام بها الشعب، بهذا الشعار، في كلّ مكان من البلاد، وهي تستحق الشكر حقّاً. هذه هي النقطة الأولى.
فلنعرف قدر شهدائنا
النقطة الثانية تتعلّق بهؤلاء الشهداء الأعزاء الذين ضحّوا بأرواحهم في سبيل أمن البلاد. ظاهر القضية أنّ عشرين أو ثلاثين شاباً قد استشهدوا. ونحن قدّمنا الكثير من الشهداء، بيد أن هذه النقطة جديرة بالتأمل. هذا شيء يجب أن يزيدنا وعياً ويقظة لنعلم بأيّ ثمن يتأتّى الأمن ويحصل. لاحظوا، هؤلاء الذين يستفيدون من الأمن المتوافر في البلاد في أعمالهم وكسبهم ومشاغلهم وفنونهم ورياضتهم ودراستهم وكلّ أعمالهم، ثمّ نرى البعض منهم ينكرون الجميل! هذا الأمن الذي نرفل ونعيش فيه يحصل بهذا الثمن، ولقد كان الثمن دماء شبابنا، خيرة شبابنا؛ هؤلاء الشباب الأصفهانيين. فسلام الله وسلام ملائكته عليهم، سلام الله على أهالي أصفهان المربّين للشهداء، الذين قاموا أوّل من أمس بذلك التشييع المهیب لجثامين هؤلاء الشهداء. وأهالي أصفهان أيضاً من الروّاد في هذه النهضة وهذه الحركة. هذا عمل مهمّ جداً. يجب أن لا ننسى كيف يصان الأمن ويحفظ: أمن حدودنا، والأمن في داخل البلاد، أمن الطرق، أمن المدن، الأمن العجيب لكلّ هذه الحشود في يوم الثاني والعشرين من بهمن. فلقد انتهت هذه الأحداث وهذه الحشود الهائلة في يوم الثاني والعشرين من بهمن بأمان؛ وهل هذا بالشيء القليل؟ من هم هؤلاء الذين يحافظون على أمننا؟ هل ترانا نعرف قدرهم؟ هل ترانا نعرفهم؟ سلام الله على الحرس الثوري وباقي العناصر التي تحافظ على الأمن، وعلى قوات الشرطة، والجيش وعلى الآخرين الذين يضحّون بهذا النحو ويقدّمون أرواحهم بسخاء. لقد حصلت هذه الثورة وهذه العزة الوطنية وهذا الأمن بهذه التضحيات.
سرّ النجاح: المبادرة للعمل في التوقيت المناسب
أ ــ انتفاضة 29 بهمن في تبريز نموذجاً
حسنًا، أمّا عن انتفاضة تبريز، فالنقطة المتعلقة بانتفاضة 29 بهمن في تبريز، والتي كانت انتفاضة بحقّ، وبالمعنى الحقيقي للكلمة، وكانت بالطبع في مدينة واحدة، لكنّها تركت تأثيراتها على البلاد كافّة، وقادت الجميع إلى الساحة وأفضت إلى تلك الثورة الشعبية العظيمة. النقطة المهمة التي كانت في انتفاضة تبريز والتي بارك الله فيها هي أنّ أهالي تبريز استطاعوا معرفة الوقت وتشخيص اللحظة بدقة أولاً، ثم إنّهم بادروا للعمل في الوقت المناسب ثانياً. هذان الأمران مهمّان للغاية. وهما مهمّان جداً في جميع الأمور والأحداث الشخصية والاجتماعية. اعرفوا الوقت واللحظة والظرف، ثم بعد أن نعرف الوقت وندرك بأن الوقت وقت عمل، فعلينا أن ننجز ذلك العمل في حينه وفي وقته المناسب؛ وبذلك سنحقّق النجاح. فإذا لم نعرف الوقت، وحصلت غفلة، أو إذا لم نقم بالعمل اللازم في حينه وأوانه، عندها لن يكون لأيّ عمل فائدة تُذكر.
• ضياع الفرصة المناسبة للعمل: حركة "التوابين" نموذجاً
والنموذج على ذلك من التاريخ هو حركة التوّابين. فالتوّابون هم الجماعة التي ثارت بعد وقوع حادثة كربلاء، واستشهاد حبيب قلب الرسول الإمام الحسين بذلك النحو. وبعد حصول كلّ تلك الحوادث، حيث غلت الدماء في عروقهم ولاموا أنفسهم على قعودهم، فنهضوا وثاروا وانتفضوا، وكانوا جماعة كبيرة، فساروا، وواجهتهم الحكومة واستشهدوا جميعاً وقتلوا. ولكن، هل كان لفعل مئة منهم من التأثير بمقدار ما كان لفعل ذلك الغلام الأسود الذي استشهد في كربلاء؟ وهل كان تأثير مئة فرد منهم يوازي تأثير شخص واحد هو حبيب بن مظاهر الذي استشهد في كربلاء؟ لا، [لأنّهم] لم يقوموا بالعمل في وقته المناسب. فلو كنتم تريدون الدفاع عن الإمام الحسين وعن الرسول وعن حريم الولاية وعن حركة الحقّ مقابل باطل "يزيد"، كان يجب أن تفعلوا ذلك في يوم عاشوراء. لكنّكم خسرتم عامل الوقت وأضعتم الفرصة. هذا هو التاريخ. لدينا في التاريخ نماذج من هذا القبيل وهي كثيرة. وحتماً لدينا نماذج من هذا القبيل في تاريخنا المعاصر أيضاً.
ب ــ تشكيل الحكومة بعيد انتصار الثورة نموذجاً آخر
لا أنسى أنّه في مطلع الثورة، وكان الإمام الخميني قد عاد إلى طهران في اليوم الثاني عشر من بهمن، وقال في بهشت زهراء «أنا سوف أشكّل الحكومة» ووعد بتشكيل الحكومة، وكانت الأرضية مهيّأة تماماً. في اليوم الرابع عشر أو الخامس عشر من بهمن ـ ولا أذكر اليوم على وجه الدقة والتحديد ـ أرسل الإمام في طلبنا، لأنّ المسؤول عن تهيئة المقدّمات لتشكيل الحكومة كان مجلس شورى الثورة التي كنت وعدد من الأشخاص الآخرين أعضاء فيها. طلبنا الإمام الخميني فذهبنا إليه في مدرسة علوي. فقال: «ماذا حصل إذاً، وما الذي جرى إنجازه؟» لاحظوا، هذا هو [الفعل] الصحيح، [فسؤاله] ما الذي حصل؟ وماذا عن تشكيل الحكومة؟ يعني: لماذا لم تهيّئوا المقدمات؟ هذه هي معرفة الوقت والاستفادة من الوقت. ثم في اليوم التالي أو الذي بعده، عيّن الإمام الخميني الحكومة المؤقتة وأصدر حكماً، واستمرت الأمور على ذلك المنوال. هذه هي معرفة الوقت.
وأنتم يا أهالي تبريز، بارك الله في عملكم لأنّكم عرفتم الوقت واللحظة المناسبة وأدركتم أن هذا الوقت هو وقت توجيه الضربة. لقد أدّت الأخطاء التي ارتكبها النظام الحاكم إلى غليان الشارع فوقعت أحداث قم، وهناك ارتكب خطأ آخر فقتل عدداً من أهالي قم، وكانت الأرضية مهيّأة. فكيف يجب أن تظهر هذه الأرضية المهيأة إلى النور؟ المناسبة الأفضل كانت أربعين شهداء قم. هذا ما أدركه أهالي تبريز، فكانت ذكرى الأربعين مظهراً للحركة والانتفاضة والثورة. لقد عرفوا الوقت وشخّصوه واستفادوا منه على أفضل وجه. لذلك بارك الله في أعمالهم، وهذا درس وعبرة.
اليوم يومُ العمل والجميع مدعو للتحرك
أعزّائي، تتوافر اليوم أمام نظام الجمهورية الإسلامية أحسن الفرص. فاليوم هو فرصة للعمل. وفرصة للتحرّك، تحرّك الحكومة وتحرّك الشعب وتحرّك المسؤولين؛ كلّ من موضعه وبحسب مهامه. على الشباب اليوم أن يتحرّكوا ويستفيدوا من الفرصة. فالموقع والظرف اليوم مناسبان. فأعداد كبيرة من السكان، وبلد كبير، وكلّ هذه الإمكانيات التي أشرت في بياني إلى القليل منها؛ فإمكانيات البلد وطاقاته أكبر بكثير مما هو موجود في تقاريرنا وكتاباتنا وأقوالنا. كلّ منطقة من مناطق البلاد، بما في ذلك آذربيجان التي أنتم فيها وتبريز التي تحدّث السيد إمام الجمعة المحترم عنها ـ وما قاله صحيح ـ بحر من الإمكانيات والطاقات المتنوعة الاقتصادية منها والعلمية والاجتماعية والفنية والمتعلّقة بجوانب الحياة الأخرى. إنّها بحر من الطاقات فيجب معرفة هذه الطاقات والاستفادة منها. ومن الذي ينبغي أن يفعل ذلك؟ نحن المسؤولون. هذا ما يقع على عاتقنا نحن المسؤولين. وبالطبع حين نقول نحن المسؤولين، فلا يعني هذا أنّ التكليف والواجب مرفوع عن عاتق الشباب. وهذا هو معنى "استلام زمام المبادرة" الذي تحدّثت عنه. معناه أنّ على الشباب كافّة، والجماعات المؤمنة في المواقع والمجالات المختلفة، أن يبادروا إلى القيام بكلّ ما يتأتّى لهم من أعمال، طبقاً لقوانين البلاد ومصالحها، ولا ينتظروا أحداً.
أ ــ طاقاتنا وإمكانياتنا كبيرة وعدونا ضعيف
إنّ عدوّنا ضعيف (1)... بوني كه بيليرم، قبلاً بويور موشيز بنده بيليرم (2) ــ جزاكم الله خيراً إن شاء الله، وحفظكم بحفظه ورعاكم ــ حسنًا، الطاقات والإمكانيات في بلادنا كثيرة، وعدوّنا اليوم ضعيف. انتبهوا، لقد قلتها مراراً وتكراراً ـ لا نريد أن نكون ساذجين ـ قلت: لا يعني "عدّ العدوّ عاجزاً وضعيفاً" أن نغفل عن نقاط قوّته. ولكن حينما ننظر جيّداً، نجد أنّ العدوّ يعاني المشاكل. فالعدوّ الرئيس لنظام الجمهورية الإسلامية وهو الاستكبار، ومظهره النظام الأمريكي المعتدي، متورّط ويعاني اليوم مشاكل داخلية وخارجية، ومتورّط في الصراع بين ساسته وزعمائه، فهم مختلفون فيما بينهم على قضايا شتّى تسمعونها وتشاهدونها في الأخبار. إنّهم متورّطون بديون هائلة: لشعبهم وللدول الأخرى، أي إنّهم متورّطون بترليون ونصف دولار من القروض والديون، ويعانون من مشكلات اجتماعية داخلية، فالشعب الأمريكي طبقاً للوثائق التي يطرحونها هم أنفسهم - وهذه ليست معلوماتنا الداخلية بل هي معطيات مستقاة منهم وموجودة في صحافتهم وفي بعض وثائقهم التي تتوافر لنا- والشباب الأمريكي يعاني من الكآبة والانتحار. وحالات القتل هناك تفوق حالات القتل في العالم أجمع، حيث يقع في أمريكا كلّ يوم عدد كبير من جرائم القتل: قتل الناس؛ قتل الناس بعضهم على أيدي بعض، وقتل الناس على يد الشرطة. وهناك الإدمان والمخدرات، فتكاليف [مواجهة] المخدرات في أمريكا تتراوح بين الخمسين والمئة مليار دولار سنويّاً ـ وهذه من إحصائياتهم وأرقامهم ـ خمسون مليار دولار تنفقها أمريكا سنويّاً لمكافحة المخدرات في البلاد من دون أن يكون لها أثر. فالمخدرات تنتشر هناك يوماً فيوماً. إنّهم متورطون، وهذه المشكلات والمعضلات هي التي تجعل وضعهم في سورية كما تشهدونه اليوم، وفي أفغانستان كما تشهدون، وفي العراق [أيضاً] كما ترون. هذه المعضلات هي التي تغضبهم. وعندها ترون أن أولئك الساسة الضعاف العقول، أو ـ كما قلتم حقّاً: الحمقى من الدرجة الأولى ـ ترونهم يغضبون من الشعب الإيراني، فيلجأون إلى السباب والشتائم، ويتخبّطون. ويقيمون مؤتمر وارسو فلا يصلون إلى نتيجة، ويدعون البلدان المتعاونة معهم والعميلة لهم والحكومات المرعوبة والضعيفة إليه، ليتّخذوا قراراً ضدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية فلا يصلون إلى نتيجة.
• عدونا ضعيف فلا يرهبكم ضجيجه
هذه كلّها من علامات ضعف العدوّ. إذاً، العدوّ ضعيف. وعندما يكون العدوّ ضعيفاً فإنّه يكثر من إطلاق الترّهات وإثارة الضجيج. ولا ينبغي لهذا الضجيج أن يؤدّي إلى فزع المسؤول الفلاني، أو إلى خطإ الشاب الفلاني، فيتصوّر بأنّ الأوضاع وخيمة. لا، لا؛ فيوم كانت هذه الثورة غرسة ضعيفة وتعاضد هؤلاء وتعاونوا على استئصالها من جذورها لم يستطيعوا. [فكيف الآن] وقد تحوّلت تلك الغرسة الضعيفة إلى هذه الشجرة الضخمة القويّة، وهذه الشجرة الطيبة العظيمة. إنّهم عاجزون عن ارتكاب أيّ حماقة. إنها ذات العبارة التي قالتها السيدة زينب ليزيد "كِد كَيدَكْ وَاسْعَ سَعْيَك فَوَالله لا تمحوا ذِكرَنا". افعل ما بدا لك، لكن اعلم أنّك لا تستطيع ارتكاب أيّ حماقة. وبالطبع فقد أريق ماء وجه كثير من ساسة البلدان التي تدّعي الإسلام، في هذه الأحداث. أريق ماء وجههم على الأرض. هؤلاء الذين جلسوا مع الكيان الصهيوني في وارسو وما شابه، سواء بعض الزعماء العرب في الخليج الفارسي أو غيرهم، وتحالفوا مع الصهاينة والأمريكان ضد الإسلام والمسلمين والجمهورية الإسلامية، هؤلاء لا ماء وجه لهم ولا سمعة [حسنة] حتّى لدى شعوبهم.
ب ــ مشكلاتنا كلها ممكنة الحل
ما أقوله هو: إنّنا الآن في نشاط الأربعين عاماً وحيويّته، وتتوافر لدينا الجاهزية والقدرة اللازمة للسير قدماً، ولدينا الإمكانيات والطاقات، وهذه المشكلات الموجودة كلّها ممكنة الحلّ. فالغلاء ممكن الحلّ. وانخفاض قيمة الريال ممكن الحلّ. والمشاكل التي تعترض الإنتاج الداخلي ممكنة الحلّ. هذه كلّها ممكنة الحلّ، وتحتاج إلى قليل من الصبر، وقليل من التدبير، وقليل من الاتحاد والتوافق، وقليل من الجدّية في السير والحركة. تحتاج إلى هذه الأمور. هذا كلّ شيء. إمكانيّاتنا جيدة جداً، والعدوّ يعاني من ضعف، وسيزداد ضعفاً إن شاء الله، فيجب الاستفادة من هذه الفرصة كما استفدتم، أنتم أهالي تبريز، من الفرصة واستثمرتموها في التاسع والعشرين من بهمن سنة 56 [شباط 79]، ووجّهتم ضربتكم وفعلتم فعلكم وقمتم بمبادرتكم.
للشباب: مستقبل البلد بأيديكم فاستعدوا لإدارته بأنفسكم
أقول لكم أيّها الشباب ـ لأنّ الغد لكم أنتم الشباب، وهذا البلد لكم: ليبني الشباب أنفسهم، وليعدّوا أنفسهم من الناحية الروحيّة ومن الناحية الجسمانيّة، ومن الناحية العلميّة، ومن حيث القدرات الإداريّة، فينبغي للبلد أن يُدار بيد الشباب. وليستفيدوا من مشورة الشيوخ وكبار السنّ ومن تجاربهم. إلّا أنّ الدينامو المحرك للبلد هم الشباب. فليعدّوا أنفسهم كما قلت من النواحي الروحية والمعنوية ومن النواحي الأخلاقية، ومن النواحي العلمية ومن حيث الدراسة والتحصيل العلمي، وأيضاً من النواحي الجسمانية ومن حيث القدرات الإدارية والتنظيمية، واللجان والهيئات؛ كي يتمكنوا من العمل. فمستقبل هذا البلد لكم، وعليكم أن تتمكّنوا من إدارته، وبإمكانكم الوصول بهذا البلد إلى القمة. حفظكم الله إن شاء الله ووفقكم لأن تثبتوا هذه الجاهزية على المستوى العملي إن شاء الله، مع ثبات القدم فهو أمر غاية في الأهمّيّة. هذه توصيتنا لكم أنتم الشباب.
لمسؤولي البلاد: لا تنخدعوا بالعدو ولا تخشوه
وتوصيتنا لمسؤولي البلاد: أن يعرفوا العدوّ جيّداً، ولا ينخدعوا بحيله ومكره، فالعدوّ يدخل من طرق عدّة ومتنوّعة، فأحياناً يكشّر عن أنيابه، وأحياناً يلوّح بقبضاته، وأحياناً يبتسم، وهذه كلّها لها معنًى واحد. فابتسامة العدوّ هي تماماً كتكشيره عن أنيابه؛ لا فرق بين الحالتين وكلاهما عداء: "قَد بَدَتِ البَغضاءُ من أَفواهِهِم وَما تُخفِي صُدُورُهُم أَكبَر". فما في قلوبهم النجسة الطافحة بالبغضاء والحقد على الإسلام والمسلمين وخصوصاً على الجمهورية الإسلامية أكثر بكثير ممّا يظهر في كلامهم. فلا ينخدع المسؤولون بخدع العدو، ولا تنطوي عليهم حيله. تلاحظون اليوم أنّ الغربيّين يمارسون الخداع بالمعنى الحقيقي للكلمة. أمّا أمريكا فقد تجاوزت الخداع، وهي تمارس العداء علناً وتشهر السيف بوضوح. الأوروبيون يعملون بمكر وخداع. ولن أقول لكم ما الذي يفعلونه. فليجتمع رجال الحكومة وليفكروا، وليحذروا من أن يخدعوا، وأن تنطلي عليهم الخدع. فلا يخدعنّهم العدوّ، ولا يعرّضوا أنفسهم والشعب لمشكلة على أمل أن يستطيعوا فعل شيء. عليهم أن لا ينخدعوا بالعدو ولا يفزعوا منه، وليعلموا أن يد الله فوق الأيدي. والله تعالى الناصر والسند للشعب الذي ينصر دينه، وهذا الشعب والحمد لله يقوم بهذا الفعل.
وأقول لكم يا شبابنا الأعزاء إنّكم ستشهدون في حياتكم إن شاء الله، اليومَ الذي يتجلّى فيه كلّ ما قلته لكم اليوم، وكرّرته مراراً بحول الله وقوّته.
والسلام عليكم ورحمة الله.
1 ـ شعار الحضور باللغة الآذربیجانیة: كلّنا جنودك يا خامنئي، نمتثل أوامرك يا خامنئي.
2 ـ قول الإمام الخامنئي باللغة الآذربیجانیة: هذا ما أعلمه فقد تفضّلتم بقوله سابقاً، وأنا أعلمه.
السراج وأمير قطر يبحثان الأوضاع السياسية والأمنية بليبيا
بحث رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، المعترف بها دوليا، فائز السراج وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، الأحد، مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا.
جاء ذلك خلال زيارة عمل قصيرة (لم تحدد مدتها) يقوم بها السراج للدوحة، حسب بيان لمكتبه الإعلامي.
وأكد السراج، وفق البيان، على "الحل السياسي للأزمة الليبية، وأهمية التوافق الوطني".
كما شدد على "الثوابت التي تشمل مدنية الدولة وتوحيد المؤسسات السيادية وإجراء الانتخابات نهاية هذا العام وفقا لخطة المبعوث الاممي غسان سلامة"، الذي يسعى لعقد مؤتمر وطني جامع يمهد لتلك الانتخابات.
وعبر السراج عن تطلعه بأن "تساهم دولة قطر والدول الشقيقة والصديقة في توحيد جهودها والعمل على تحقيق هذا التوجه".
من جانبه، أعرب أمير قطر عن مساندة بلاده لخيارات الشعب الليبي، مجددا "موقف بلاده الثابت والداعم لوحدة ليبيا واستقرارها"، وفق وكالة الأنباء القطرية.
وتعد زيارة السراج الثانية لمسؤول ليبي إلى قطر خلال مارس/آذار الجاري؛ حيث زار رئيس المجلس الأعلى الليبي خالد عمار المشري الدوحة الأسبوع الماضي والتقى خلالها أمير قطر.
ومنذ 2011، تعاني ليبيا الغنية بالنفط، صراعا على الشرعية والسلطة، يتركز حاليا بين حكومة "الوفاق" المعترف بها دوليا في العاصمة طرابلس (غرب)، وخليفة حفتر، المدعوم من مجلس النواب المنعقد بمدينة طبرق (شرق).