Super User

Super User

قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية القطرية لولوة الخاطر، إنه في ظل الأزمة الخليجية لا يمكن إطلاق "ناتو عربي".

جاء ذلك في حوار مع صحيفة "ديلي صباح"، التركية (ناطقة بالإنجليزية)، ترجمتها صحف قطرية.

وحول رغبة الأمريكيين في إنشاء "ناتو عربي"، ذكرت الخاطر، "أبلغنا عدة مرات أصدقاءنا الأمريكيين بأنه لا يمكن لأي تحالف أن ينجح إذا لم يتفق أعضاء هذا التحالف على المبادئ الأساسية التي تحكم علاقاتهم".

وأضافت "ليس من الممكن إقامة تحالف قائم على العداء تجاه بلد ما".

وأوضحت الخاطر، أنه "لا توجد علامات إيجابية حتى الآن لحل الأزمة الخليجية".

وأشارت إلى أن "قطر تدعو، منذ اليوم الأول، جميع الأطراف إلى حل هذه الأزمة من خلال الحوار، وحتى الآن فشلت جميع الجهود التي بذلتها الدوحة في حل الأزمة الخليجية".

وكشفت الخاطر، أن أحدث مثال على ذلك، رسالة من أمير الكويت إلى ملك السعودية، "ولا يوجد رد إيجابي على الرسالة حتى الآن" دون مزيد من التفاصيل.

وأضافت "من الناحية السياسية الأزمة تؤثر على استقرار المنطقة".

وتشهد منطقة الخليج أسوء أزمة في تاريخها، بدأت في 5 يونيو/حزيران 2017، حين قطعت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، ثم فرضت عليها "إجراءات عقابية".

وحول العلاقات التركية القطرية، لفتت الخاطر، إلى أن "الحصار الذي فرضته الدول المجاورة على قطر باعتباره اختبارا رئيسيا للعلاقات مع تركيا، ونتيجة لذلك، تم تعزيز التحالف الثنائي".

وأضافت "الآن تعتبر تركيا شريكنا الرئيسي للأمن الغذائي والتجاري، ومن جهة أخرى تصدر قطر الغاز الطبيعي المسال والألمنيوم إلى تركيا".

وفيما يتعلق بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، أكدت الخاطر، أن الدوحة تؤيد التدابير التي اتخذتها تركيا للتحقيق في مقتل خاشقجي.

ودعت إلى إجراء تحقيق شامل لإلقاء الضوء على قتل الصحفي السعودي.

ولفتت إلى أنه بالرغم من أن خاشقجي، كان مواطنا سعوديا، وجريمة القتل وقعت على أرض تركية، فإن الحادث لا يمكن اعتباره مشكلة داخلية للمملكة.

وأثارت جريمة قتل الصحفي السعودي في قنصلية بلاده بإسطنبول، مطلع أكتوبر/تشرين أول 2018؛ غضبا عالميا ومطالبات مستمرة بالكشف عن مكان الجثة، ومن أمر بقتله.

وبعدما قدمت تفسيرات متضاربة، أقرت الرياض بأنه تم قتل وتقطيع جثة خاشقجي داخل قنصليتها في إسطنبول إثر فشل مفاوضات لإقناعه بالعودة إلى المملكة.

تعهد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، مساء الأحد، بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة دون الترشح فيها حال فوزه في سباق الرئاسة المقرر في 18 أبريل/نيسان المقبل.

جاء ذلك في رسالة للجزائريين نشرتها وكالة الأنباء الرسمية بالتزامن مع تفويض مدير حملته عبد الغني زعلان بتقديم ملف ترشحه أمام المجلس الدستوري (المحكمة الدستورية).

وقال بوتفليقة في رسالته: "إنني لمصمم -بحول الله تعالى- إن حباني الشعب الجزائري بثقته فيَ مجددا، على الاضطلاع بالمسؤولية التاريخية بأن ألبي مطلبه الأساسي؛ أي تغيير النظام" في إشارة إلى مطالب متظاهرين خرجوا رافضين لترشحه لولاية خامسة.

وفي هذا الصدد، تعهد الرئيس الجزائري بـ6 إلتزامات "أمام الله تعالى وأمام الشعب الجزائري".

وقال عن الالتزام الأول: "مباشرة بعد الانتخابات الرئاسية، أدعو إلى تنظيم ندوة وطنية شاملة جامعة ومستقلة لمناقشة وإعداد واعتماد إصلاحات سياسية ومؤسساتية واقتصادية واجتماعية من شأنها إرساء أسأس النظام الجديد الإصلاحيّ للدّولة الوطنية الجزائرية، المنسجم كل الانسجام مع تطلعات شعبنا".

أما الالتزام الثاني فهو "تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة (مبكرة) طبقا للأجندة التي تعتمدها الندوة الوطنية، وستحدد الندوة الوطنية هذه تاريخ الانتخابات الرئاسية المسبقة".

وأضاف بوتفليقة: "أتعهد أنني لن أكون مترشحا فيها (الانتخابات)، من شأن هذه الانتخابات أن تضمن استخلافي في ظروف هادئة وفي جو من الحرية والشفافية".

والالتزام الثالث يتمثل في "إعداد دستور جديد يزّكيه الشعب الجزائري عن طريق الاستفتاء، ويكرس ميلاد جمهورية جديدة والنظام الجزائري الجديد".

ونص الالتزام الرابع على "وضع سياسات عمومية عاجلة كفيلة بإعادة التوزيع العادل للثروات الوطنية، وبالقضاء على كافة أوجه التهميش والاقصاء الاجتماعيين، ومنها ظاهرة الحرقة (الهجرة غير النظامية)، إضافة إلى تعبئة وطنية فعلية ضد جميع أشكال الرشوة والفساد".

وفي الالتزام الخامس، تعهد بوتفليقة بـ"اتخاذ إجراءات فورية وفعالة ليصبح كل فرد من شبابنا فاعلا أساسيا ومستفيدا ذا أولوية في الحياة العامة على جميع المستويات، وفي كل فضاءات لتنمية الاقتصادية والاجتماعية".

أما الالتزام السادس فهو "مراجعة قانون الانتخابات، مع التركيز على إنشاء آلية مستقلة تتولى دون سواها تنظيم الانتخابات".

وحسب الرئيس الجزائري، فإن هذه "الالتزامات التي أقطعها على نفسي أمامكم، ستقودنا بطبيعة الحال إلى تعاقب سلس بين الأجيال، في جزائر متصالحة نفسها".

** سمعت آهات المتظاهرين

وتطرق بوتفليقة للحراك الشعبي المعارض لترشحه لأول مرة بالقول: "لقد نمت إلى مسامعي، وكلي اهتمام، آهات المتظاهرين، ولا سيما تلك النابعة عن آلاف الشباب الذين خاطبوني في شأن مصير وطننا".

وتابع: "وإنه لمن واجبي، بل وإنّها لنيتي، طمأنه قلوب ونفسيات أبناء بلدي، وإنني إذا أفعل ذلك اليوم، أفعله كمجاهد مخلص لأرواح شهدائنا الأبرار وللعهد الذي قطعناه أنا وكل رفقائي الأخيار في الملحمة التحريرية".

وتابع: "وأقوم به أيضا كرئيس للجمهورية يقدس الإرادة الشعبية التي قلّدتني مسؤولية القاضي الأول بالبلاد، بل وأيضا، وعن قناعة، بصفتي كمرشّح للانتخابات الرئاسية المقبلة".

عادة ما ينظر العالم إلى روسيا كقوة موازنة للولايات المتحدة الأمريكية، وهو الدور الذي ورثته موسكو عن الاتحاد السوفيتي، ربما كان ذلك الدور هو قدر روسيا الجيوسياسي، إلا أن هذا الدور ينمو تدريجيا بتطور المواجهات الروسية الأمريكية.

لكن يتعين القول هنا بأن روسيا ليست الاتحاد السوفيتي، بل وإن العالم قد تغيّر جذريا خلال العقود الثلاثة الماضية. صحيح أن روسيا قادرة على الدفاع عن نفسها، فهي الآن الدولة الوحيدة في العالم التي تستطيع تدمير الولايات المتحدة الأمريكية، لكن القدرة الروسية في أتون المواجهات الإقليمية باستخدام الأسلحة التقليدية، لا شك أضعف بكثير من قدرات الاتحاد السوفيتي السابق، وقدرات الولايات المتحدة الحالية، وبالطبع الناتو. لذلك فإن أي حرب إقليمية بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية/الناتو قد تنتهي إما بهزيمة روسيا، أو (وذلك الاحتمال الأقرب) تصعيد الأزمة النووية بكل ما تحمله من تداعيات يستحيل التنبؤ بها.

وذلك كله في الوقت الذي تقع الولايات المتحدة الأمريكية فيه تحت سلطة وهم أن روسيا لن تلجأ أبدا إلى سلاحها النووي، وهو ما يرفع من خطورة الحرب التي قد تصل إلى حرب نووية، نظرا لأن روسيا بطبيعة الحال لا تعتزم قبول هزيمتها على أية حال . من هنا كانت أي مواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل مصلحة دولة ثالثة تحمل بالنسبة لروسيا مخاطر وتكلفة قد تضطر لأن تدفعها.

لذلك فإن روسيا لن تتدخل الآن تلقائيا في أي أزمة تشارك فيها الولايات المتحدة الأمريكية، لمجرد إلحاق الأذى بها، بل ولن تكون الإجراءات الروسية مبنية على أية دوافع أيديولوجية، وإنما سوف يكون الهدف الروسي دائما وأبدا مستندا إلى مصالح وطنية براغماتية ولا شيء غير ذلك.

يحتاج العالم بلا شك إلى موازنة لقوة الولايات المتحدة الأمريكية، فالدول الصغيرة والضعيفة تحتاج إلى "دب روسي" يعادل الضغط والمساومات الأمريكية، والذي تكفي مغازلته لإجبار الولايات المتحدة الأمريكية على الإقدام على تنازلات لهذه الدول.

تلك ألعاب شفافة ومفهومة، والمشاركة فيها تحمّل موسكو أيضا تكلفة سياسية معينة، لذلك فإن روسيا لا تعتزم في الوقت الراهن الدخول في تلك الألعاب، دون أن تكون هناك مصلحة وطنية في ذلك.

وحينما تلجأ تلك الدول إلى روسيا من أجل الدعم والمساعدة فقط حينما تعاني من المحن والمصاعب، بينما تتخلى عن روسيا حينما تحتاج روسيا نفسها إلى الدعم، فإنه لا يجب أن تتطلع تلك الدول إلى أكثر من الشراكة العملية البراغماتية من جانب الروس، شراكة تساوي بالمثل نفس موقف ودعم تلك الدول تجاه روسيا.

لا شك في أن العدوان المتصاعد من جانب الولايات المتحدة الأمريكية ضد فنزويلا خطر ليس فقط بالنسبة لفنزويلا، وإنما للعالم بأسره، فهو مثال لما يمكن أن يمثله أي عدوان فج غير مبرر وغير شرعي من دولة على سيادة دولة أخرى. فالضحية القادمة للولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تكون أي دولة في العالم، وبذا يكون العالم قد دخل في خضم قانون الغاب.

من هنا كانت خطوات روسيا الحاسمة في الأمم المتحدة لإحباط محاولات الولايات المتحدة الأمريكية شرعنة الانقلاب في فنزويلا والتدخل الأمريكي الفج، وسوف تواجه روسيا كذلك أي أساليب ضغط غير شرعية على فنزويلا. وسوف تقدم روسيا لفنزويلا الدعم السياسي والاقتصادي الملائم لمصالح روسيا والسلم العالمي.

لكن فنزويلا، مع الأسف، لا تندرج تحت بند الدول ذات العلاقة الخاصة مع روسيا، فبعد انهيار الأيديولوجية الشيوعية في الاتحاد السوفياتي، لم تعد التجارب الاشتراكية الفنزويلية كافية لتصبح القاعدة الوحيدة لتطوير علاقات خاصة بين البلدين.

كانت كاراكاس تودّ بالتأكيد أن تعتمد على موسكو في مواجهتها مع الولايات المتحدة الأمريكية لمدة طويلة، لكن الخطوات التي اتخذتها كاراكاس تجاه موسكو لم تتعدى التصريحات وبضع العقود التجارية وعقود السلاح، والتي لا تخرج جذريا عن إطار التعاون التقليدي بين دول العالم، على العكس من سوريا، التي تتمتع بحلف استراتيجي مع روسيا.

يصعب علي تحديد الخط الذي تصبح موسكو ورائه مستعدة لصد العدوان الأمريكي على فنزويلا، لكن رؤيتي الخاصة هي أن روسيا لن تشارك في أي مواجهة عسكرية محتملة بين البلدين، كما لن تشارك في الصراع السياسي داخل فنزويلا نفسها، لكن دعما ما سوف تمنحه روسيا.

في الشرق الأوسط، تدعم روسيا سلطة الرئيس بشار الأسد في مواجهة الإرهاب، لكنها لا تتدخل في المواجهة  بين إيران وإسرائيل، و قد يبدو ذلك غريبا فقط، لمن تجمدوا في عقلية القرن العشرين. تواكب هذه السياسة نموذج العلاقات بين موسكو والدول الأخرى، فمستوى التعاون الروسي مع أي دولة، لا تحدده سوى المصلحة المشتركة مع تلك الدولة، واستعدادها للتعاون مع روسيا.

ودعونا نتذكر التصويت على قرار الجمعية العمومية في الأمم المتحدة، مارس 2014، الذي نص على أن إرادة سكان شبه جزيرة القرم في استفتائهم على الانضمام إلى روسيا ليس شرعيا، وبذلك لم يعترف بسيادة روسيا على القرم، وهو ما وضع تكامل أراضي روسيا محل شك.

لقد دعم روسيا في تلك اللحظة العصيبة، وصوت ضد هذا القرار سوريا والسودان، بينما دعم القرار كل من البحرين والأردن وقطر والكويت وليبيا وموريشيوس والمملكة العربية السعودية وتونس. بينما امتنع عن التصويت أو لم يشارك به صديقتنا مصر وسائر الدول العربية، ولم يدعموا بذلك إرادة شعب القرم ووحدة الأراضي الروسية، ليصدر القرار الأممي جراء ذلك.

وتتكرر قرارات الجمعية العمومية للأمم المتحدة بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية كل عام لشجب "احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم"، آخرها كان في ديسمبر 2018، وصدر القرار من جديد كما في السابق، حيث صوتت كل من جيبوتي وقطر وتونس (التي يزورها سنويا ملايين السائحين الروس) لصالح القرار، وصوتت كل من سوريا والسودان ضد القرار، بينما امتنعت عن التصويت أو لم تشارك فيه: الجزائر، البحرين، مصر، العراق، الأردن، الكويت، ليبيا، موريتانيا، عمان، المملكة العربية السعودية، دولة الإمارات المتحدة، لبنان، المغرب، اليمن.

بالطبع لا يغير تصويت كهذا من الأمر شيئا بالنسبة لروسيا، ولا تعيره موسكو اهتماما مبالغا فيه، خاصة حينما يتعلق الأمر بتعاون روسيا مع تلك الدول، ولكن التصويت يشير إلى العلاقة ومستوى التعاون الذي تريده هذه الدول مع روسيا، وأعتقد أن تلك الدول لا بد وأن تدرك وتقبل رد الفعل والمشاعر الروسية تجاه هذه المواقف، وكذلك تأثير تلك المواقف على مدى استعداد روسيا لاتخاذ إجراءات للدعم والمساعدة إذا ما طلبتها أي من تلك الدول في حالة الطوارئ. على الرغم من أن روسيا وبأي حال من الأحوال مستعدة دائما للتعاون مع جميع الأطراف.

إن "الحب من جانب واحد" قد انتهى بالنسبة لروسيا بانهيار الاتحاد السوفيتي. الآن، وكما قال الراحل ياسر عرفات، لابد للتانغو من راقصين اثنين.

أؤكد أن هذا إنما يعكس وجهة نظري الشخصية لتطور الوضع، والتي يمكن أن تختلف تماما عن وجهة نظر وموقف الكرملين.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

الأحد, 03 آذار/مارس 2019 11:03

إجتناب الخمر والمخدرات

يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}1

الخمر والعقل

ميّز الله الإنسان عن سائر الحيوانات بنعمة كبرى هي العقل فعن الإمام الصادق (عليه السلام): "لما خلق الله العقل قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحبُّ إلى منك، بك آخذ، وبك أعطى، وعليك أثيب"2 .

والعقل كما عرّفه العلاّمة المجلسي: "العقل ملكة وحالة في النفس تدعو إلى اختيار الخيرات والمنافع واجتناب الشرور والمضار"3.

وتنطلق دعوة العقل هذه من خلال التفكّر بعواقب الأعمال على قاعدة النبيّ (صلى الله عليه وآله): "إذا هممت بأمر فتدبَّر عاقبته"4 . من هنا ورد عن الإمام الصادق حينما سُئل ما العقل، قال (عليه السلام): "ما عُبد به الرحمن واكتسبت به الجنان"5.

وعن رسول الله(صلى الله عليه وآله): "لم يعبد الله عزّ وجل بشيء أفضل من العقل"6.

وأراد الله تعالى أن يبقى العقل حاكماً على سلطان الشهوة والغضب والوهم، من هنا حُرِّمَ على الإنسان ما يُذهب حصانة العقل ومنه الخمر، لذا ورد عن أمير المؤمنين: "فرض الله... ترك شرب الخمر تحصيناً للعقل"7 فالخمر يُذهب العقل، وإذا ذهب العقل يمكن أن يحصل كل شيء، من هنا ورد في حكمة تحريم الخمر عن الإمام الصادق (عليه السلام): "حرم الله الخمر لفعلها وفسادها؛ لأن مدمن الخمر تورثه الارتعاش، وتذهب بنوره، وتهدم مروته، وتحمله على أن يجتري على ارتكاب المحارم، وسفك الدماء، وركوب الزنا، ولا يؤمن إذا سكر أن يثب على حرمه، ولا يعقل ذلك ولا يزيد شاربها إلا كلَّ شر "8.

ويختصر الإمام الصادق (عليه السلام) ذلك بقوله الوارد عنه: "إنَّ الله عزّ وجل جعل للشر أقفالاً، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب"9.

اجتناب الخمر
ولشدّة الخطورة لم يتعلّق التحريم فقط بالشرب، فالآية تقول "فاجتنبوه"، والاجتناب يشمل الشرب وغيره، لذا ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله): "لعن الله الخمر، وعاصرها، وغارسها، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها، وحاملها، والمحمولة إليها"10.

من هنا حرّم الله الجلوس على مائدة عليها خمر، فعن الإمام علي(عليه السلام): "لا تجلسوا على مائدة يُشرب عليها الخمر؛ فإن العبد لا يدري متى يؤخذّ"11.

وعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر"12.

وعنه (صلى الله عليه وآله): "ملعون من جلس طائعاً على مائدة يشرب عليها الخمر"13.

كما أفتى الفقهاء بحرمة أمور عديدة تتعلّق بالخمر غير شربه مثل تعبئة سيارة بحمولة من الخمر.

مصير شارب الخمر
عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): "والذي بعثني بالحق نبياً، إنَّ شارب الخمر يأتي يوم القيامة مسوداً وجهه، يضرب برأسه الأرض وينادي وا عطشا "14

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "مدمن الخمر يلقى الله حين يلقاه كعابد وثن".

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "إنّ أهل الريّ في الدنيا من المسكر يموتون عطاشى ويُحشرون عطاشى، ويدخلون النار عطاشى".

المخدرات
وكما حال الخمر في النصوص الدينية هو حال المخدِّرات التي وردت فيها بعنوان البنج الذي فُسِّرَ بأنه نبت مخدِّر مخبط للعقل، وقد ورد في الروايات ما يدلّ على شديد قبحه، فعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): "سيأتي يوم على أمتي يأكلون شيء اسمه البنج، أنا بريء منهم، وهم بريئون منّي"15 ، وعنه (صلى الله عليه وآله): "من أكل البنج، فكأنه هدم الكعبة سبعين مرّة، وكأنما قتل سبعين ملكاً مقرّباً، وكأنما قتل سبعين نبيّاً مرسلاً، وكأنما أحرق سبعين مصحفاً، وكأنما رمى إلى الله سبعين حجراً"16.

والمخدّرات -اليوم- هي من الوسائل الأساسية للحرب الناعمة التي يقودها أعداء الأمَّة الإسلامية ضدّ شبابنا وشاباتنا، مما يستدعي علينا جميعاً دقّ ناقوس الخطر، وتأكيد التحذير من الوقوع في شباك هذه الآفة المهلكة.

سماحة الشيخ أكرم بركات

1- المائدة 90.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج1، ص 41.
3- المجلسي، بحار الأنوار، ج1، ص 99.
4- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص 281.
5- ابن ابي حديد، شرح نهج البلاغة، ج18، ص 186.
6- الريشهري، محمد، موسوعة العقائد الإسلامية، ج1، ص 206.
7- نهج البلاغة، ج4، ص 55.
8- الصدوق، علل الشرائع، ج2، ص 476.
9- البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج13، ص 567.
10- الصدورق، الأمالي، ص 512.
11- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج1، ص 398.
12- الصدوق، الخصال، ص 164.
13- المجلسي، بحار الأنوار، ج63، ص 500.
14- الريشهري، ميزان الحكمة، ج1، ص 814.
15- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج17، ص 86.
16- المصدر السابق، ص 86.

لماذا يتّجه الاتحاد الأوروبي نحو المنطقة العربية؟ ما هي الموضوعات المشتركة التي ناقشتها القمّة؟ هل التوصيات السبعة عشر قابلة للتنفيذ؟ هل القمّة صفحة جديدة في العلاقات العربية الأوروبية؟

لمدة يومين عُقدت القمّة العربية الأوربية في 24 و25 شباط/ فبراير 2019 على أرض الكنانة مصر المحروسة (بشرم الشيخ)، والتي عُقدت برئاسة مشتركة بين الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك من أجل تعاون ومصالح مشتركة. لماذا يتّجه الاتحاد الأوروبي نحو المنطقة العربية؟ ما هي الموضوعات المشتركة التي ناقشتها القمّة؟ هل التوصيات السبعة عشر قابلة للتنفيذ؟ هل القمّة صفحة جديدة في العلاقات العربية الأوروبية؟ ما الموقف الأميركي من توصيات القمّة؟ ما موقف القمّة من القضية الفلسطينية؟ الإرهاب؟ الوضع في سوريا واليمن وليبيا؟

إن أوروبا (القارة العجوز) تحاول الانفتاح أكثر باتجاه جنوب المتوسّط حيث الثروات الموجودة في هذه المنطقة خاصة الغاز والبترول والأسواق المفتوحة للمُنتج الأوروبي، وكذلك تجارة السلاح ومن أجل إيجاد حلول لمسألة الهجرة غير الشرعية التي تعدّ مصدر قلق أوروبي، والتي مصدرها جنوب المتوسّط باتجاه أوروبا، ومنافسة الأميركان في الاستفادة من خيرات المنطقة التي لا تنضب. في الوقت الذي توجد فيه قضايا مشتركة عربية أوروبية أهمها الإرهاب.

أفرزت القمّة العربية الأوروبية عما يعرف بـ«إعلان شرم الشيخ» الصادر يوم الإثنين الماضي، في ختام أعمال القمّة العربية الأوروبية الأولى، الذي نصّ على سبعة عشر توصية تتضمّن قضايا الإرهاب، قضية فلسطين والوضع في سوريا وليبيا واليمن، وكذلك مشروعات تنموية بين الاتحاد الأوروبي والدول العربية، ودعت للسلام والأمن الدوليين وتعزيز دور الأمم المتحدة في حل المشكلات السياسية في المنطقة العربية. فقد أكّدت على تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية وخلق فُرَص مشتركة من خلال نهج تعاوني ومواجهة التحديات المشتركة مثل ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وحماية ودعم اللاجئين بموجب القانون الدولي واحترام كافة جوانب حقوق الإنسان الدولي، وإدانة كافة أشكال التحريض على الكراهية وكراهية الأجانب وعدم التسامح واستئصال الاتّجار في البشر، ومكافحة مَن يستغلّون الضعفاء، والتأكيد على أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين، وإرساء شراكة قوية مبنية على الاستثمار والتنمية المُستدامة خاصة في مجالات التجارة والطاقة، بما فيها أمن الطاقة والعلوم والبحث والتكنولوجيا والسياحة ومصائد الأسماك والزراعة والمجالات الأخرى التي تحقّق المصلحة. وبالنسبة للقضية الفلسطينية أكّدت القمّة على دعم عملية السلام في الشرق الأوسط، بما في ذلك بشأن وضع القدس وعدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفقاً للقانون الدولي وحل الدولتين وفقاً لكافة قرارات الأمم المتحدة بوصفها السبيل الواقعي الوحيد لإنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967 والذي يشمل القدس الشرقية، والتوصل إلى سلام عادل ودائم وشامل بين الإسرائيليين والفلسطينيين عبر مفاوضات مباشرة بين الأطراف تتناول كافة قضايا الحل النهائي. ودعم وكالة "الأونروا" سياسياً ومالياً لتمكينها من الوفاء بمهامها، وأعربت عن القلق إزاء الأوضاع الإنسانية والسياسية والأمنية والاقتصادية في قطاع غزّة، والتأكيد على ضرورة الحفاظ على وحدة وسيادة وسلامة أراضي واستقلال دول اليمن وسوريا وليبيا، والتأكيد على الجهود التي تقودها الأمم المتحدة والدعم الكامل للمبعوثين الخاصين للأمم المتحدة لسوريا واليمن والممثل الخاص للأمم المتحدة في ليبيا. وبالنسبة لسوريا أكّدت القمّة على  تسوية مستدامة تتطلّب عملية انتقال سياسية حقيقية وفقاً لإعلان جنيف لعام 2012 وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وخاصة قرار رقم 2254، وأدانت كافة الأعمال الإرهابية وانتهاكات حقوق الإنسان التي تمّ ارتكابها في حق الشعب السوري أياً كان مرتكبوها. وبالنسبة لليبيا، أكّدت على تنفيذ الاتفاق السياسي الليبي لعام 2015 ودعمت خطة عمل ممثل الأمم المتحدة الخاص في ليبيا. وبالنسبة لليمن، أكّدت على تنفيذ اتفاق استوكهولم وخاصة في ما يتصل بوقف إطلاق النار في الحديدة وقرارات مجلس الأمن رقم 2216 و2451 و2452 وأعرب المشاركون عن قلقهم  بشأن الوضع الإنساني الخطير الذي ينعكس على ملايين اليمنيين بضمان تدفق الإمدادات الإنسانية والتجارية لمَن يحتاجونها، وتنقّل العاملين في المجال الإنساني من دون عراقيل، وتحقيق تسوية سياسية دائمة وجامعة تحقيقاً لمصلحة الشعب اليمني. وأكّدت القمّة على تعزيز التعاون والتنسيق الهادف منع كافة أشكال الدعم للإرهابيين بما في ذلك الدعم المالي والسياسي واللوجستي والعسكري. أكّدت القمّة على أهمية صون المنظومة الدولية لمنع الانتشار وفقاً لاتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، وعلى أهمية هدف إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل ووسائل إيصالها. وأعربوا عن تقديرهم العميق لجمهورية مصر العربية وحدّدوا مكان وموعد القمّة القادمة في بروكسل 2022 .

لا شك أن توصيات القمّة العربية الأوروبية مهمة إذا ما تمّ تنفيذها في ما يتعلق بتحقيق بالقضية الفلسطينية وكذلك المحافظة على وحدة وسلامة الأراضي السورية واليمنية والليبية وتعزيز التعاون العربي الأوروبي في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية، ومكافحة الإرهاب والتمييز بأشكاله المختلفة. والالتزام بقرارات الأمم المتحدة واحترام القانون الدولي. الواقع العملي يؤكّد مثالية التوصيات وصعوبة تنفيذها فمثلاً حظر الأسحلة النووية ومنع انتشارها في الشرق الأوسط هل يطبّق على إسرائيل؟ وكذلك لم تفرّق القمّة بين الإرهاب والمقاومة المشروعة (حقوق الفلسطينيين المشروعة في أرضهم)، لن ترضى الولايات المتحدة بقرارات أوروبية تعرقل مشروع صفقة القرن وحماية أمن إسرائيل. كيفية تحقيق السلام في اليمن ولا تزال الحرب قائمة؟

صالح محروس محمد، باحث وكاتب مصري

كانت الظروف في عهد خلافة أمير المؤمنين عليه السلام عصيبة جداً، فالمشكلة الكبيرة كانت آنذاك في تداخل الصفوف والخنادق؛ وهذا هو السبب الذي جعل للفئة الثانية - أي الناكثين - وضعًا مقبولًا ومبررًا، وكان أي مسلم يتردّد كثيرًا في محاربة شخصيات أمثال طلحة أو الزبير؛ فالزبير هو ابن عمّ الرسول وكان من الشخصيات البارزة والقريبة منه، حتى أنه بعد عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان ممّن اعترضوا على السقيفة دفاعًا عن أمير المؤمنين، ولكن الأمور بخواتيهما. نسأل الله أن يجعل عاقبتنا إلى خير.

قد يؤثر حبّ الدنيا ومظاهر الحياة في بعض الناس إلى درجة تجعل المرء يشكّ حتى في الخواص، فما بالك بالعوام.

ولا بدّ أن الناس الذين صمدوا مع أمير المؤمنين وحاربوا إلى جانبه كانوا على قدر كبير من البصيرة. وقد استشهدت عدّة مرات بقول أمير المؤمنين عليه السلام: "فلا يحمل هذا العلم إلا أهل البصر والصبر". فلا بدّ من توفر البصيرة بالدرجة الأولى. ومن هذه التداخلات والاعتراضات نعرف طبيعة المشاكل التي واجهت أمير المؤمنين، والأساليب الملتوية التي اتبعها الذين حاربوه.

طُرحت في صدر الإسلام أفكار كثيرة خاطئة، ولكن كانت تنزل آية قرآنية تفنّدها بصراحة؛ سواء عندما كان النبي في مكّة أو في المدينة؛ فسورة البقرة - على سبيل المثال - وهي سورة مدنية، حاشدة بصور من التحديات  والجدال بين الرسول صلى الله عليه وآله والمنافقين واليهود؛ حتى أنها تناولت التفاصيل الجزئية واستعرضت الأساليب التي كان يتبعها يهود المدينة في إيذاء الرسول نفسيًا، ومنها ﴿لا تقولوا راعنا﴾(البقرة:104) وما شابه ذلك. وجاءت أيضًا سورة الأعراف وهي سورة مكيّة زاخرة بمحاربة الخرافات وكُرّس فصلٌ منها للحديث عن تحريم وتحليل أنواع اللحوم، في مقابل التحليل والتحريم الزائف الذي اصطنعه الناس لأنفسهم يومذاك: ﴿قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن﴾(الأعراف:33). هذه هي المحرمات الحقيقية وليست تلك التي اصطنعتموها أنتم لأنفسكم من أمثال البَحيرة والسائبة وما شاكل ذلك. وكان القرآن يحارب مثل هذه الأفكار صراحة.

أما في عهد أمير المؤمنين، فقد كان أعداؤه يستفيدون من القرآن ويستغلون تلك الآيات القرآنية لصالحهم. ولذلك كانت مهمة أمير المؤمنين عليه السلام أكثر صعوبة من هذه الجهة. لقد قضى أمير المؤمنين مدّة خلافته القصيرة في مثل هكذا معضلات.(18/10/1377)

 وفي مقابل هؤلاء كانت جبهة عليّ، وهي جبهة قوية حقًا، وكان فيها رجال كعمّار ومالك الأشتر وعبدالله بن عباس ومحمد بن أبي بكر وميثم التمار وحجر بن عدي، فقد كانوا حقا رجالًا مؤمنين ذوي بصيرة ووعي، وكان لهم دورٌ مؤثر في توعية الناس الآخرين.

ومن المواقف الجميلة في عهد أمير المؤمنين - ويُعزى جمالها طبعًا إلى الجهود الطيبة لهؤلاء الأكابر، إلا أنها في الوقت ذاته كانت مريرة بسبب ما لحقهم من جرائها من عناء وعذاب - هو مسيرهم نحو الكوفة والبصرة من بعد ما هبَّ طلحة والزبير وغيرهما واستولوا على البصرة وأرادوا المسير منها نحو الكوفة، حيث أرسل أمير المؤمنين الإمام الحسن عليهما السلام وبعض هؤلاء الأصحاب، وكان لهم مع الناس في المسجد مداولات وأحاديث ومحاجّات تعتبر من المواقف المثيرة وذات المغزى العميق في تاريخ الإسلام. ولهذا السبب يُلاحظ أن الهجمات الأساسية لأعداء أمير المؤمنين وجّهت صوب هذه الشخصيات؛ ضد مالك الأشتر، وضد عمار بن ياسر، وضد محمد بن أبي بكر، وضد كل من وقف إلى جانب أمير المؤمنين منذ البداية وأثبت صلابة إيمانه وسلامة بصيرته. ولم يتورع الأعداء عن كيل أنواع التهم إليهم والسعي لاغتيالهم. ولهذا قضى أكثرهم شهداء؛ فاستشهد عمار في الحرب، واستشهد محمد بن أبي بكر بتحايل أهل الشام، وكذا استشهد مالك الأشتر بحيلة من أهل الشام. وبقي البعض الآخر منهم إلى أن استشهدوا على نحو قاس وفجيع.

كان أمير المؤمنين (عليه السلام) في مواجهة فئات ثلاثة: القاسطين، والناكثين، والمارقين؛ أي أولئك الذين ظلموا؛ والذين نكثوا البيعة؛ والذين ارتدّوا عن الدين. وكانت مجموعة وصنف هي أهل الشام؛ أي أصحاب معاوية وعمرو بن العاص حيث كان لبعضهم تجربة طويلة نسبيًا في الإسلام، وبعضهم كان جديد العهد بالإسلام، ولم يمض على إسلامهم في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا سنتين أو ثلاث ولم يدركوا شيئًا من ذلك الزمان؛ وكانت عمدة فترة إسلامهم ما بعد حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم. بعض الذين كانوا من جناح أهل الشام كانوا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلّم. هؤلاء كانوا قوة مقتدرة، باللحاظ السياسي، وكذلك من جهة الإمكانات المالية والمناورات الحكومية أيضًا، وكان بيدها إمكانات كثيرة، كانت في مواجهة أمير المؤمنين عليه السلام؛ وما اعترضها أمير المؤمنين.

بالطبع لم تكن المسألة أن يَعتبرَ الإمام عليه السلام حاكمَ (والي) الشام فاسقًا ويواجهه وفقط؛ لأنَّ الولاة لم يكونوا جميعهم عادلين. عندما وصل أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحكم كانوا جميعهم، موجودين]كولاة[؛ ولم يكونوا عادلين. لم تكن العدالة شرط القيادة والإدارة[1] عند أمير المؤمنين عليه السلام؛ كان من بين هؤلاء أشخاص ضعاف الإيمان؛ فزياد بن أبيه الذي كان على ما يبدو قبل حكومة أمير المؤمنين حاكمًا في فارس وكرمان وهذه المناطق؛ وكان كذلك في زمن أمير المؤمنين عليه السلام؛ وعندما وصلت الخلافة والحكومة إلى الإمام الحسن عليه السلام كان حاكمًا أيضًا؛ بالطبع ألحق فيما بعد بمعاوية. لذلك كانت المسألة مسألة ظلم، كانت القضية قضية تغيير منهج الخط الإسلامي وتغيير اتّجاه (الوجهة) حياة المسلمين. فكان الإمام أمير المؤمنين أن صمد وثبت ولم يقع تحت تأثير أي ضغط أو اعتراض.

والمعضلة الأشد كانت مع أصحاب الجمل حيث كانت عائشة أم المؤمنين من ضمن هؤلاء، مع كل ذلك الاحترام الذي يكنّه المسلمون لها، كما أنّ طلحة والزبير كانا من أقدم المسلمين إسلامًا من الصحابة الكبار، ومن أتباع أمير المؤمنين نفسه (عليه السلام) وبعضهم من أقربائه – حيث كان الزبير ابن عم أمير المؤمنين والنبي صلى الله عليه وآله وسلّم- هؤلاء جميعًا اجتمعوا في جهة ووقف علي في جهة أخرى. وقد حدد (عليه السلام) تكليفه بدقة وتحرّك وعمل بحسم.

 إنَّ أكبر مشكلة كانت في زمن أمير المؤمنين هي وجود تيار يدعي الإسلام في الظاهر ويرفع الشعارات الإسلامية؛ إلا أنّه كان منحرفًا في قضية أساسية جدًا في الدين ألا وهي قضية الولاية؛ لأنَّ الولاية هي علامة التوحيد وظله. الولاية تعني الحكومة؛ ذلك الشيء المتعلّق بالله تعالى في المجتمع الإسلامي، وجاء منه تعالى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، ووصل من النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إلى أمير المؤمنين عليه السلام. كان لدى هؤلاء الاشخاص شكّ في هذه النقطة ووقعوا في الانحراف ولم يفهموا الحقيقة؛ مع أنه ربما كانت لديهم سجدات طويلة! هؤلاء الأشخاص الذين انكفأوا عن أمير المؤمنين في معركة صفين وذهبوا لحراسة الحدود في خراسان وبقية المناطق وسكنوا هناك. كانت لديهم عبادات وسجدات ليل لساعات طويلة، لكن ما هي فائدة ذلك من شخص لا يعرف أمير المؤمنين، ولا يعرف الخط الصحيح، الذي هو خط التوحيد وخط الولاية، ويذهب وينشغل بالسجود؟؟

ما هي فائدة هذه السجدة؟ تشير بعض روايات الولاية إلى مثل هؤلاء الأشخاص الذين كانوا يقضون أعمارهم في العبادة ولكنهم لم يعرفوا ولي الله "ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته"[2]. أي عبادة هذه؟ لقد واجه أمير المؤمنين مثل هؤلاء. (26/1/1370).

لا يخلو أي موقف نتخذه في الحياة من أحد طريقين ولونين. فأينما اتجهتم وذهبتم، إما في هذا الطريق أو ذاك الطريق؛ ولا طريق وسط؛ ولا ثالث لهما. فما هما هذان الطريقان؟ هما "الحق والباطل" طريق الحق وطريق الباطل "حقٌّ وباطلٌ ولكلّ أهل"[3]، ولكل واحد منهما أتباع وسالكون. لا يظنن أحدٌ أنّ طريق الوسط موجود هنا أيضًا! أبدًا ولا يتصورنّ أحدٌ أنه توجد منطقة وسطية غير منحازة، عسكرية أو غير عسكرية بين منطقة وصف ومعسكر أمير المؤمنين عليه السلام وبين منطقة وصف ومعسكر طلحة والزبير أو معاوية بن أبي سفيان. أبدًا؛ لا يوجد البتة.

إذا لم تكنْ – أنت- ضمن دائرة ومحيط صف علي (عليه السلام) فأنت خارج صفه. الولاية هي أهم أصل إسلامي. فالولاية هي الالتحاق والالتصاق بصف الإسلام بشكل واضح وجلي وكذلك الانفصال عن صف الباطل بنحو بارز وجلي أيضًا. لا مكان وسط بين هذين الصفين ليكون له صفة اللامعارضة لأي طرف حتى تقول أنا لست هنا ولست هناك "لا لي ولا علي" لا ثوابًا أريد ولا ذنبًا أقترف؛ وأجلس جانبًا في زاوية؛ فهذا الشيء غير متصور. (22/9/1353)

إنها لمثيرة للدهشة تلك الجملة التي ذكرها أمير المؤمنين عليه السلام "أيها الناس إنَّ أحقَّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه فإن شَغَبَ شاغبٌ استعتب فإن أبى قوتل"[4] فإذا ما وقف شخص مقابل هذا المسير الصحيح الذي أخططّه فتنةً واضطرابًا؛ نصحته ليؤوب ويرجع وإن أبى أسل السيف". فالشخص الذي يتخطى هذا الطريق، يواجه بالسيف العلوي. (26/1/1370).
 
المصدر: الاستقامة والبصيرة – بتصرّف يسير

[1]المقصود هنا: لم تكن العدالة شرطا في الولاة والحكام على الاقاليم والولايات.
[2]بحار الأنوار، ج65، ص333.
[3] (نهج البلاغة، خطبة16)
[4] (نهج البلاغة؛ خطبة: 173)

الأحد, 03 آذار/مارس 2019 08:40

تحية الإسلام

يقول تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا﴾1

لم يقتصر الإسلام في دعوته الحنيفة بالتركيز على المضمون بل اهتم أيضاً بالشكل ولياقاته.

ومن هذه اللياقات ما يتعلّق بلقاء المؤمن بالناس، فدعا المؤمنين أن يسعَوا ليكونوا في إلفة ومودّة مع الناس، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (المؤمن مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف) 2وعنه (صلى الله عليه وآله): (أحسِن خُلقك مع أهلك، وجيرانك، ومن تعاشر وتصاحب من الناس) 3.

ودعا الإسلام إلى حسن الأداء الاجتماعي بالفعل واللفظ. فعنه (صلى الله عليه وآله): (ثلاث يصفيّن ودَّ المرء لأخيه المسلم: يلقاه بالبشر إذا لقيه، ويوسع له في المجلس إذا جلس إليه، ويدعوه بأحب الأسماء إليه) 4.

وفي الحديث أيضاً (المؤمن بشره في وجهه وحزنه في قلبه)5.

وعن الإمام الصادق (عليه السلام):) وتبسُّم الرجل في وجه أخيه حسنة) 6.

السلام
وجعل من اللياقات الأساسية للقاء المسلم أن يسلِّم عليه، فعن أبي عبد الله (عليه السلام): (للمسلم على أخيه المسلم من الحق أن يسلم عليه إذا لقيه)7.

وأكدَّ الإمام الصادق (عليه السلام) أن يكون أول الكلام في اللقاء هو السلام، فعنه (عليه السلام): (السلام قبل الكلام)8، كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (ابدؤوا بالسلام قبل الكلام، فمن بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه)9.
والسلام هو دعاء أن يكون الآخر في سلم وسلامة في دينه ودنياه.

كيفية السلام
وكيفيته واردة في أول خلق الإنسان.

ففي الحديث: (أن الله قال لآدم انطلق إلى هؤلاء الملأ من الملائكة فقل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فسلم عليهم فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، فلما رجع إلى ربّه عز وجل قال له ربُّه تبارك وتعالى: هذه تحيتك وتحية ذريتك من بعدك فيما بينهم إلى يوم القيامة) 10.

للرواية السابقة، ولأدلّة أخرى كانت عبارة "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" هي الصيغة الرسمية للسلام، وهذا ما يدخل في إطار اهتمام الإسلام بالشكليات إضافة إلى المضمون الذي هو الأصل. لذا فإنَّ القرآن الكريم أدّب المسلمين بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ).11

وسبب هذا النهي هو أنَّ "راعنا" هو قول يدخل في الشكليات المعتمدة عن اليهود قال تعالى: (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ) .12

إذاً صيغة السلام في شريعة الله تعالى هي: "السلام عليكم"، وهي صيغة يجب ردّها حتى في الصلاة.

نعم لم يمانع الإسلام من أنواع أخرى لصيغ التحايا فيما لا يحمل ثقافة الآخر، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): (إنّ المؤمن إذا لقى أخاه الؤمن فقال له مرحبا، يُكتب له مرحبا إلى يوم القيامة) 13.

من فوائد السلام

أ‌- إضفاء المحبة بين المؤمنين:
عن النبي (صلى الله عليه وآله): أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال (صلى الله عليه وآله): (أفشوا السلام بينكم)14.

ب‌- إضفاء روحية التواضع:
عن الإمام الصادق (عليه السلام): (من التواضع أن تسلّم على من لقيت)15.

ج‌- زيادة الحسنات:
عن النبي (صلى الله عليه وآله): (سلّم على من لقيت يزد الله في حسناتك)16.

من آداب السلام

1- عدم الطبقية في كيفية التسليم
عن الإمام الرضا (عليه السلام): (من لقى فقيرا مسلما فسلم عليه خلاف سلامه على الغني لقى الله عز وجل يوم القيامة وهو عليه غضبان)17.

2- المبادرة بالتسليم
عن الإمام علي (عليه السلام): (السلام سبعون حسنة، تسعة وستون للمبتدىء وواحد للراد)18، وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إن المؤمن ليمرّ بالمؤمنين فيسلِّم عليهم فترد الملائكة: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته)19.

3- المصافحة مع التسليم
عن النبي (صلى الله عليه وآله): (إذا تلاقيتم، فتلاقوا بالتسليم والتصافح، وإذا تفرّقتم فتفرقوا بالاستغفار)20.

وقد أكدّ أهل البيت (عليهم السلام) أن للمصافحة أثاراً إيجابية، منها إزالة العلائق القلبية السلبية تجاه المؤمنين، ففي الرواية: (تصافحوا؛ فإن المصافحة تذهب السخيمة وتزيل الأحقاد)، وفي رواية أخرى: (تصافحوا يذهب الغلّ عن قلوبكم)21.

سماحة الشيخ أكرم بركات

1- النساء 86.
2- الكليني، الكافي، ج2، ص 102.
3- المجلسي، بحار الأنوار، ج74، ص 67.
4- الكليني، الكافي، ج2، ص 643.
5- نهج البلاغة، خطب الإمام علي(ع)، ج4، ص 78.
6- الكليني، الكافي، ج2، ص 188.
7- المصدر السابق، ص 171.
8- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج2، ص 1348.
9- المصدر السابق، ص 644.
10- الحر العاملي، وسائل الشيعة،ج12، ص 67.
11- البقرة، 104.
12- النساء 46.
13- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج12، ص 232.
14- جعفر السبحاني، في ظل أصول الإسلام، ص 19.
15- الكليني، الكافي، ج2، ص 646.
16- المفيد، الأمالي، ص 60.
17- الحر العاملي، وسائل الشيعة،ج12، ص 64.
18- المجلسي، بحار الأنوار، ج73، ص 11.
19- المصدر السابق، ص 6.
20- المصدر السابق، ص 5.
21- السيوطي، جمال الدين، الجامع الصغير، ج1، ص 507.

يؤكد القرآن الكريم في مجموعة من آياته على نهج التكافل المادي مع المحرومين وأصحاب العوز.. ففي قوله تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)[1] نلاحظ موقف التمجيد بالتكافل المادي معهم، وفي قوله تعالى: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ)[2] نجد دعوة للتكافل الأدبي مع السائل خاصة، ويستلزم ذلك الدعوة لاحترامه وصون كرامته.

وجاء في تفسير الإمام الصادق (عليه السلام) لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)، «المحروم: المحارف الذي قد حرم كدّ يده في الشراء والبيع». وعن الصادقين (عليهما السلام): «المحروم الرّجل الذي ليس بعقله بأس، ولم يبسط له في الرزق، وهو محارف»[3].

وعلى كل حال فإن مبدأ التكافل يستدعي التضامن مع هؤلاء، وخاصة السائل الذي يكشف لك عن أمارات وعلائم عوزه من خلال سؤاله، والتعاليم السماوية عموماً تحث على إكرام السائل، ففيما اُوحي إلى موسى (عليه السلام): «اكرم السائل إذا أتاك بردّ جميل أو إعطاء يسير»[4].

وعن زين العابدين (عليه السلام): «حقّ السائل إعطاؤه على قدر حاجته»[5].

وترتقي مدرسة أهل البيت: في مجال التكافل إلى مستوى إنساني رفيع، بكفالتها للسائلين من أهل الأديان الأخرى.

فقد مرّ شيخ مكفوف كبير يسأل، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «ما هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين نصرانيّ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): استعملتموه حتّى إذا كبر وعجز منعتموه؟! أنفقوا عليه من بيت المال»[6].

فالإسلام لا يأمر بقطع خيوط التواصل مع أهل الأديان، ويأمر بالتكافل معهم في الظروف الصعبة، إذ يتسامى فوق الفوارق والخلافات الدينية، ويرفع قوس بصره إلى مستوى الإنسانية.

 عن مصادف، قال: كنت مع أبي عبدالله (عليه السلام) بين مكّة والمدينة، فمررنا على رجل في أصل شجرة وقد ألقى بنفسه، فقال (عليه السلام): «مل بنا إلى هذا الرَّجل، فإنّي أخاف أن يكون قد أصابه عطش، فملنا فإذا رجل نصراني من القراسين طويل الشعر، فسأله: أعطشان أنت؟ فقال: نعم، فقال لي: انزل يا مصادف فاسقه، فنزلت وسقيته، ثمّ ركبت وسرنا، فقلت: هذا نصرانيّ، فتتصدّق على نصرانيّ؟! فقال: نعم إذا كانوا في مثل هذه الحال»[7]. فهذا الرجل ـ أي مصادف ـ يستغرب من إقدام الأئمة: على التكافل مع أهل الكتاب. وفاته أن الأئمة ينطلقون من رؤى إنسانية واسعة الأفق تلتقي مع مبادئ الإسلام الداعية إلى التراحم والتعاطف مع كل الناس، بل وتتّسع لتشمل العطف على الحيوان وعلى كلّ ذي روح.

عن نجيح، قال: رأيت الحسن بن علي (عليهما السلام) يأكل وبين يديه كلب، كلّما أكل لقمة طرح للكلب مثلها! فقلت له: يا بن رسول الله ألا أرجم هذا الكلب عن طعامك؟ قال: «دعه، إنّي لأستحيي من الله تعالى أن يكون ذو روح ينظر في وجهي وانا آكل ثمّ لا أطعمه»[8].

وضمن هذا الباب تؤكد تعاليم مدرسة أهل البيت: على استحباب قناعة السائل ودعائه لمن أعطاه، وزيادة إكرام السائل القانع الشاكر، فبإسناد ينتهي إلى مسمع بن عبد الملك قال: كنّا عند أبي عبدالله (عليه السلام) بمنى وبين يدينا عنب نأكله، فجاء سائل فسأله، فأمر له بعنقود فأعطاه، فقال السائل: لا حاجة لي في هذا، إن كان درهم، فقال (عليه السلام): «يسع الله لك ولم يعطه شيئاً. فذهب ثمّ رجع فقال: ردّوا العنقود، فقال (عليه السلام): يسع الله لك ولم يعطه شيئاً، ثمّ جاء سائل آخر فأخذ أبو عبدالله (عليه السلام) ثلاث حبّات عنب فناولها إيّاه، فأخذ السائل من يده، ثم قال: الحمد لله رب العالمين الذي رزقني. فقال أبو عبدالله (عليه السلام): مكانك فحثا مل ء كفّيه عنباً فناولها إيّاه، فأخذها السّائل من يده ثمَّ قال: الحمد لله ربّ العالمين، فقال أبو عبدالله (عليه السلام): مكانك يا غلام، أي شيء معك من الدّراهم؟ فإذا معه نحو من عشرين درهماً فيما حزرناه أو نحوها، فناولها إيّاه فأخذها ثم قال: الحمد لله هذا منك وحدك لا شريك لك. فقال أبو عبدالله (عليه السلام): مكانك، فخلع قميصاً كان عليه، فقال: إلبس هذا، فلبس ثمّ قال: الحمد لله الذي كساني وسترني يا أبا عبدالله، أو قال: جزاك الله خيراً، لم يدع لأبي عبدالله (عليه السلام) إلا بذا، ثمّ انصرف فذهب، قال: فظننا أنّه لو لم يدع له لم يزل يعطيه لأنّه كلّما كان يعطيه حمد الله [على ما] أعطاه»[9].

هكذا كان نهج آل البيت: مع السائل ضمن دائرة التكافل، وهكذا كان أدبهم الرَّفيع في العطاء معهم. فهو يريد من السائل أن لا يغفل عن الله تعالى الذي هو مصدر الرّزق والعطاء، وأن يدرك بأن الإنسان المنفق، وأن سمت مكانته وعلا شأنه ليس إلاّ مجرّد وسيلة للفيوضات الإلٰهية.
 
المصدر: التكافل الاجتماعي في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) - بتصرّف

[1] سورة المعارج: 70 / 24 ـ 25.
[2] سورة الضحى: 93 / 10.
[3] الكافي 3: 500 / 12 باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق، من كتاب الزكاة.
[4] تحف العقول: 492.
[5] الخصال / الشيخ الصدوق: 570.
[6] وسائل الشيعة 15: 66 / 19996 باب أنّ نفقة النصراني إذا كبر وعجز عن الكسب من بيت المال، من كتاب الجهاد.
[7] الكافي 4: 57 / 4.
[8] مستدرك الوسائل 7: 192 / 8005.
[9] الكافي 4: 49 / 12 باب النوادر من كتاب الزكاة.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يربط كلامه عن "انسحاب القوات الأجنبية من سوريا" بالقضاء على الإرهاب في منطقتين هما إدلب وشرق الفرات، ما يقود إلى التفكير بالقوات التركية في إدلب، والأميركية في شرق الفرات. فكيف فسره نتنياهو على أنه ضد إيران؟

يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على استغلال زياراته إلى موسكو لإطلاق المواقف ضد إيران ونفوذها في الشرق الأوسط. هذا الإصرار الذي كانت آخر محطاته في الزيارة التي أجراها قبل يومين إلى العاصمة الروسية، والتي حاول من خلالها تصوير نفسه أكثر قرباً من الروس مما هي حال الإيرانيين.

الزيارة السريعة هذه جرت على وقع حاجةٍ محمومة لدى نتنياهو للهرب من الضغوط الداخلية المرتبطة بالإجراءات القضائية ضده في تل أبيب، إلى صورة مصطنعة يحاول أن يلعب فيها دور المسؤول الذي يعمل لمنع إيران من الاقتراب من حدود الكيان. وهي صورةٌ يحاول نتنياهو استغلال وجوده في موسكو من أجل أن يوحي بموافقة الروس على مضامينها.

في المقلب الآخر، لم يتم رصد أية إشارة صادرة من الجانب الروسي تؤكد إيحاءات نتنياهو، بل إن تكرار هذا الأخير لعبارات مثل "إن أكبر تهديد لاستقرار المنطقة هو إيران وحلفاؤها"، يبدو مسيئاً بحق الروس أيضاً. فبعيداً عن حلفاء إيران من الفصائل المقاتلة، تشترك موسكو وطهران بتحالفهما مع الرئيس السوري وقواته على الأرض. الأمر الذي يضع هذا الأخير في مقام المهدد لاستقرار المنطقة بحسب معايير نتنياهو.

وبالتأكيد فإن ذلك لا يتوافق مع معايير موسكو. وهذا ما نقلت تأكيداً له صحيفة "كوميرسانت" الروسية، عن مصادر خاصة لها عبّرت عن عدم سرورها من تعمد الإسرائيليين إظهار قربهم من روسيا في سياق حربهم ضد إيران.

لكن نتنياهو لم يتمكن من استدراج موسكو إلى الحديث عن التعاون مع تل أبيب حول استقرار المنطقة وفق معايير نتنياهو المقلوبة، ولا حتى الموافقة على استمراره بضرب الإيرانيين في سوريا. ومع ذلك فقد درجت عادة الصحافة الإسرائيلية على تكثيف الحديث عن خلافات الروس والإيرانيين في النظرة إلى سوريا، وتعارض مصالحهما على الأرض. وفي هذا السياق، وضعت تصريح الرئيس الروسي بعد زيارة نتنياهو الأخيرة حين تحدث عن "خطة تنص على ضرورة سحب جميع القوات الأجنبية من الأراضي السورية واستعادة مؤسسات الدولة السورية مع الحفاظ على وحدة أراضيها".

كلام بوتين الذي جاء تعليقاً على مبادرة إنشاء مجموعة دولية ستتولى مهمة الاستقرار النهائي في سوريا، ربطه الرئيس الروسي "بالقضاء على جميع بؤر الإرهاب". وهو إذ قال إن جميع دول المنطقة إضافة إلى الدولة السورية وربما المعارضة سيكونون من ضمن مجموعة العمل هذه، لم يستبعد إيران وحلفاءها من جهة، واستمر في ربط ذلك بالقضاء على الإرهاب. الأمر الذي يتوافق مع الموقف الروسي الأساس من الأزمة السورية عند انطلاقتها، ويتوافق مع موقف الدولة السورية من المسألة، ولا يتعارض مع المقاربة الإيرانية للأزمة، التي تستند إلى طلب رسمي سوري بالتدخل، مقرون بضرورات محاربة الإرهاب.

وعليه، فإن تصريح الرئيس الروسي لا يخرج عن سياق التفاهمات السابقة التي حاكها الروس والإيرانيون والسوريون معاً، ولا يخرج عن سقف العلاقة المرسومة بين هذه الدول، بل إنه يتناغم مع الإصرار السوري والإيراني على تحرير إدلب واستعادة السيطرة في مناطق شرق الفرات، هذا من ناحية. بينما من ناحية أخرى فهو يؤشر إلى أن معنى "انسحاب القوات الأجنبية من سوريا" ينصب بصورةٍ رئيسة على القوات المتواجدة في المنطقتين اللتين ذكرهما بوتين بالإسم في خطابه، إدلب وشرق الفرات، أي القوات التركية في إدلب، والأميركية في شرق الفرات، وليس القوات الإيرانية التي لم يقحم بوتين مناطق تواجدها في سياق تعليقه على الإعلان عن الخطة الوليدة.

وبالتالي فإن فروقات جوهرية تلك التي رصدت بين المعنى الروسي لكلام بوتين عن خطة مجموعة العمل الدولية الجديدة وهدفها المتمثل باستعادة الاستقرار النهائي في سوريا وانسحاب القوات الأجنبية بعد القضاء على بؤر الإرهاب، وبين المعنى الإسرائيلي لذلك على أساس أنه تناغم مع نتنياهو في حربه ضد إيران.

وربما يكون تعليق كسينيا سفيتلوفا، النائب عن كتلة "المعسكر الصهيوني" المعارضة دقيقاً في هذا الشأن، حيث اعتبرت أن زيارة نتنياهو إلى موسكو تستخدم لأغراض دعائية. بينما يبدو أن تركيز بوتين منصب في مكان آخر، وهو كيفية رسم مستقبل نظام سياسي آمن لسوريا مع الأتراك والإيرانيين، وليس مع الحلفاء الأقرب لأميركا في المنطقة.

نور الدين اسكندر

اختتمت القمة العربية الأوروبية المقامة في مدينة شرم الشيخ المصرية أعمالها يوم الاثنين الماضي، هذه القمة التي عقدت في سبيل تعزيز التعاون في عدة مجالات كالتجارة والاستثمارات وتنظيم الهجرة والأمن ومشكلة تغيّر المناخ إلى جانب مشكلات المنطقة مثل القضية الفلسطينية وعودة الاستقرار إلى كل من ليبيا وسوريا واليمن، تعدّ الأولى من نوعها، حيث حضرها 28 شخصية من كبار المسؤولين في أوروبا، بما في ذلك 20 رئيساً للوزراء ومستشارين إضافة إلى رئيس جمهورية واحد، بينما حضر من الجانب العربي 12 مسؤولاً تنوعوا بين رئيس جمهورية ورئيس وزراء وملوك.

اللافت للنظر أن هذه القمة عقدت بعد 10 أيام على قمة وارسو، ما دفع بالمحللين إلى التساؤل حول علاقة القمتين ببعضهما البعض، وهل قمة شرم الشيخ مكملة لقمة وارسو؟ أم إنها تتعارض معها؟

وللإجابة على هذه الأسئلة، سنجري تحليلاً بسيطاً للقمتين على أن نعرض فيما يلي التفاوت بينهما، وهو على الشكل التالي:

أولاً- عقدت قمة وارسو بمبادرة من اليمينيين المتطرفين في إدارة ترامب والكيان الإسرائيلي، وبالرغم من أن بولندا هي التي كانت المستضيفة للقمة، إلا أن أمريكا و"إسرائيل" هما اللتان كانتا تديران القمة، أما في قمة شرم الشيخ فأمريكا و"إسرائيل" كانتا غائبتين.

ثانياً- كانت قمة وارسو تهدف إلى إيجاد اختلاف بين ما يسمى بأوروبا الشابة (اليمينية المتطرفة) وأوروبا العجوز(المعتدلة)، وهو ما يتماشى مع استراتيجية اليمين الأمريكي الذي يهدف إلى تدمير مختلف الاتحادات في سبيل تحقيق أهدافه، لكن اجتماع شرم الشيخ أظهر أن الأطراف المجتمعة فيه تهدف إلى الحفاظ على هذه الاتحادات وخاصة الاتحاد الأوروبي الذي بدأ يعتمد استراتيجية مهمة وهي السماح لمختلف الأعضاء فيه بالمشاركة في الاجتماعات الدولية وعدم اكتفاء التمثيل بفرنسا أو أوروبا كي لا تتكرر مأساة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ثالثاً- عقدت قمة وارسو بهدف تعزيز ما يسمى بـ "صفقة القرن" التي تهدف إلى إزالة دولة فلسطين من خريطة العالم وتعزيز تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي دون حل الأزمة الفلسطينية، أما في قمة شرم الشيخ فإن الجهود المشتركة من كلا الجانبين أي الدول العربية والأوروبية أكدت أهمية حل الأزمة الفلسطينية عبر التأكيد على مقررات الأمم المتحدة بإنشاء دولتين على أساس حدود 1964، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن كلا الطرفين (الأوروبي والعربي) قد أدرك أهمية وخطر إنهاء القضية الفلسطينية من أجندة القضايا الإقليمية والعالمية، وبالتالي يمكن اعتبار القمة نوعاً من المقاومة لما يسمى بـ "صفقة القرن".

رابعاً- عقدت قمة وارسو بهدف إطلاق المرحلة الثانية من مشروع "الربيع العربي"، وهذا ما كشفه معهد بيغن-السادات الإسرائيلي، حيث قال إن المرحلة الثانية من "الربيع العربي" قد بدأت وهو ما يمكن رؤيته في بعض الدول، بما في ذلك السودان والجزائر، أما قمة شرم الشيخ فعلى ما يبدو أنها كانت تهدف إلى ترميم جراح الماضي وإيجاد حل للنزاعات، خاصة أن المتضرر منها كان الطرفان الأوروبي والعربي، بحيث إن أوروبا تعاني اليوم من أزمة اللاجئين الفارين من أتون الحرب ومن أزمة عودة المتطرفين الذين يحملون جنسيتها من مناطق المعارك إليها وبالتالي المزيد من المشكلات، كما أن الدول العربية كانت أكثر ضرراً بحيث إن هذه الحروب قد جرت على أراضيها.

في الخاتمة.. إن أخذنا بعين الاعتبار هذه الفروقات والاختلافات بين القمتين نصل إلى نتيجة مفادها أن قمة شرم الشيخ هي ليست مكملة لأهداف قمة وارسو بل إنها تتناقض معها تماماً، كما يجب الالتفات أيضاً إلى نقطة مهمة وهي أن السعودية كانت متواجدة في كلتا القمتين وعلى مستوى تمثيل عال أيضاً، لذا عليها الاختيار ضمن أي تحالف يجب أن تبقى وتختار، فهل عليها البقاء في تحالف ابن سلمان المدمّر مع اليمنيين المتطرفين في أمريكا والكيان الإسرائيلي، أو تريد الانضمام إلى أوروبا المنفتحة متعددة القطبية التي تسعى إلى الوقوف في وجه الأحادية الأمريكية؟

ومن خلال نتائج هاتين القمتين نرى أن الشرق الأوسط يقف اليوم أمام مرحلة تحوّل جديدة عنوانها "تشكل تحالفات جديدة"، أوله تحالف أمريكي إسرائيلي مهزوم ومرعوب، وتحالف عربي أوروبي متردد ومحور مقاومة بدأ نجمه بالصعود سياسياً وعسكرياً.