
Super User
لاخيارات باستثناء السيطرة على"وحش فرانكشتاين الجهادي"
الكاتب في صحيفة "اندبندنت" البريطانية باتريك كوكبرن يرى أن سياسة الغرب في سورية غرقت معتبراً أن واشنطن ولندن وباريس أعادت في سورية إنتاج مشهد أفغانستان في الثمانينيات محذراً من العواقب المدمرة لهذا الواقع.
كتبت صحيفة "اندبندنت" البريطانية أن "الإفلاس الأخير للسياستين الأميركية والبريطانية في سورية تجلى قبل عشرة أيام مع سيطرة الجبهة الإسلامية المدعومة من السعودية على مقر قيادة المجلس الأعلى العسكري التابع للجيش السوري الحر في باب الهوى على الحدود السورية التركية" لافتة إلى أن "الجيش الحر والائتلاف الوطني السوري اللذين ادعت الولايات المتحدة وبريطانيا أنهما في قلب المعارضة العسكرية والسياسية، فقدا مصداقيتهما".
وقالت الصحيفة البريطانية "إن من تبقى من مقاتلي الجيش الحر إما فروا أو انقشوا عنه أو يكرسون جهدهم للبقاء على قيد الحياة أمام هجمات الكتائب الجهادية أو المرتبطة بتنظيم القاعدة".
الكاتب في الصحيفة باتريك كوكبرن رأى "أن إيقاف أميركا وبريطانيا لمساعداتهما "غير الفتاكة" لمستودع باب الهوى هو من جملة الآثار المترتبة على "كارثة الغرق" كما وصفها، مستعرضاً جملة من المعطيات التي تدعم هذا التوصيف. من بينها "هروب "قائد الثوار المفضل لدى الغرب" الجنرال سليم إدريس وتنقله بين تركيا وقطر. إقفال تركيا لحدودها فيما الجهة الأخرى من الحدود تسيطر عليها الجبهة الإسلامية. النفوذ المحدود لما يسمى "الجناح المعتدل" بين المتمردين السوريين في وقت لا تزال واشنطن ولندن تطالب ممثلي هذا الجناح بالمشاركة في مؤتمر جنيف الثاني في 22 كانون الثاني/ يناير المقبل للتفاوض حول رحيل الرئيس بشار الأسد عن السلطة".
ورأى كوكبرن "أن الإلتباس الحاصل حول ما يجري كبير جداً لدرجة أن زعماء الغرب قد لا يدفعون على المستوى الداخلي الثمن السياسي الذي يجب أن يدفعوه لقاء فشل سياستهم في سورية" مضيفاً "لكن من المفيد التذكير بأن الائتلاف الوطني السوري والجيش السوري الحر هم نفس الأشخاص الذين من أجلهم أراد الأميركيون والبريطانيون الذهاب للحرب في آب/ أغسطس ورأوا فيهم المرشحين للحلول مكان الأسد في السلطة". وقال الكاتب "إن الهزيمة الأخيرة تظهر إلى أي مدى كان الرأي العام في كلا البلدين محقاً بشأن رفض التدخل العسكري" في سورية.
وتابع كوكبرن أن "الرابح الأول في الوضع الجديد هو الأسد لأن المعارضة له والتي بدأت كانتفاضة شعبية ضد ديكتاتورية فاسدة وقمعية في 2011 تحولت الى حركة مجزأة تسيطر عليها مظلة القاعدة أي الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، أما الرابح الآخر فهو امتياز القاعدة (في سورية) "جبهة النصرة" والجبهة الإسلامية التي تضم من ست إلى سبع تشكيلات عسكرية واسعة يبلغ تعدادها قرابة 50 ألف مقاتل" لافتاً إلى أن "عامل توحيد هذه التشكيلات هو المال السعودي والايديولوجية السنية المتطرفة المماثلة لتوجه المملكة العربية السعودية".
بحسب المقال فإن "السعوديين يرون أن هذا التحالف قادر على القتال ضد قوات الأسد كما ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام لكن اعتراضات الرياض على هذه المجموعات استندت إلى عملها بشكل مستقل بعيداً عن سيطرة السعودية، وليس اشمئزازاً من سجل هذه المجموعات في ذبح الشيعة والعلويين والمسيحيين والأرمن والكرد والتركمان والسنة المعارضين لها". ورأى الكاتب أن الحديث عن سيطرة السعودية أصبح من الأسهل إثباته اليوم، مضيفاً "أنه حتى عام مضى ظل السعوديون في الجهة الخلفية في ما يتعلق بتمويل المقاتلين السوريين حيث قادت هذا الدور قطر بالتعاون مع تركيا. لكن فشل هؤلاء في تحقيق أي انتصار وغضب الولايات المتحدة من سماح تركيا وقطر بوصول المساعدات إلى الجماعات الجهادية أدى إلى تغيير هام هذا الصيف، حيث تسلمت السعودية من قطر القيادة في دعم الجماعات المسلحة".
يورد كوكبرن مثلاً على مدى سيطرة السعودية اليوم وقيادتها لهذه الجماعات، الاعترافات الخطيرة التي كان أدلى بها قائد "لواء الله أكبر" صدام الجمل أحد قادة الجيش الحر السابقين الذين انشقوا عنه وانضموا إلى داعش والتي تناول فيها محاضر اجتماعات مع مسؤولين سعوديين ودعم هؤلاء للجماعات المقاتلة في سورية.
ورأى الكاتب "أن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لا تملك الكثير من الخيارات باستثناء محاولة السيطرة على وحش فرانكشتاين الجهادي التي ساهمت في خلقه في سورية والذي بدأ فعلاً بزعزعة الاستقرار في العراق ولبنان" مضيفاً أن "تركيا قد تندم قريباً على فتح معابرها للكثير من الجهاديين في طريقهم إلى سورية. قد تقفل أنقرة حدودها الممتدة لـ500 ميل مع سورية وتدقق في العابرين لها. لكن سياسة تركيا في سورية والعراق خلال السنوات الثلاث السابقة كانت مختلة لدرجة أنه قد يكون فات الأوان لتصحيح عواقب قناعتها الذاتية بأن الأسد سيسقط".
ولفت كوكبرن إلى أنه "يُنظر إلى مؤتمر جنيف 2 على أنه "ولد ميتاً" لأن الجيش الحر ونظراءهه المدنيين (الائتلاف الوطني السوري) لم يعودوا يمثلون أحداً في سورية فيما تسيطر على المعارضة المسلحة الكتائب الإسلامية التي ترعاها السعودية من جهة والتابعة للقاعدة من جهة ثانية" ليخلص إلى أن "الحسابات الخاطئة لكل من أميركا وبريطانيا وفرنسا أنتجت في سورية إعادة لمشهد أفغانستان في الثمانينيات من خلال خلق وضع لم تظهر عواقبه المدمرة بعد. فحين سيكتشف الجهاديون في سورية أنهم لن ينتصروا هناك فإنهم قد يبحثون عن أهداف أقرب إلينا".
طهران تدرس العقوبات الأميركية وسترد عليها بما يناسبها
وزير الخارجية الإيراني يؤكد أن بلاده سترد على العقوبات الأميركية الأخيرة، بشكل يتناسب معها، مشدداً على أن طهران ستمضي قدماً في الاتفاق النووي.
أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن "إيران سترد على العقوبات الأميركية الأخيرة بعد دراستها جيداً ليكون الرد الإيراني متناسباً مع العقوبات المفروضة".
ظريف اعتبر "أن الحديث عن موت اتفاق جنيف لا يعدو كونه أمان من قبل من يودون إنهاء الإتفاق"، مشدداً على "أن إيران ستتابع المضي في التوافق النووي وستبدي رداً يتناسب مع أي قرار غير مناسب وغير بناء من الطرف المقابل".
كما جدد التأكيد على أن سير عملية التفاوض لتصل إلى مراحلها الأخيرة "ليس بالأمر السهل وسيشهد هذا المسير عقبات عديدة يجب تذليلها".
في هذه الأثناء أفاد مراسل الميادين في طهران عن توجه معاون وزير الخارجية الإيراني وعضو الفريق الإيراني المفاوض عباس عراقتشي إلى ألمانيا الأحد لإجراء مباحثات مع المسؤولين الألمان حول العلاقات الثنائية والملف النووي.
في السياق ذاته اعتبر رئيس مجلس الشوري الإسلامي علي لاريجاني أن فرض أميركا عقوبات جديدة ضد إيران هو جزء من الأخلاق السياسية السيئة لأميركا والغرب، مؤكداً أن "وضع العقبات أمام اتفاق جنيف لا يخدم مصالح الغرب".
وأوضح لاريجاني في تصريح له الأحد أنه "وفقاً للمفاوضات التي جرت مع مجموعة 5+1 كان من المقرر أن يتم تسهيل مسار هذا الاتفاق، لكن فرض العقوبات الجديدة عارض روح الاتفاق ولم يسهله، بل أثار سوء الفهم حوله أيضاً".
الإستفتاء على دستور مصر الجديد في 14 و15 كانون الثاني/ يناير المقبل
الرئيس المؤقت عدلي منصور يدعو المصريين إلى المشاركة في الاستفتاء على الدستور يومي 14 و15 كانون الثاني/ يناير المقبل مؤكداً أن مصر بلد لا يحتمل الإنقسام والتفرقة.
أعلن الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور موعد الاستفتاء على الدستور الجديد لمصر يومي 14 و15 كانون الثاني/ يناير المقبل. وفي كلمة وجهها للمصريين قال منصور "إن يوم الاستفتاء هو يوم تعبير المصريين عن إرادتهم الحرة" داعياً "المعترضين للحاق بركب الوطن".
وقال منصور "إن مشروع الدستور الجديد يؤكد على السير بموجب خارطة الطريق" مضيفاً "أن لا نفاذ لهذه الوثيقة إلا بأصوات المصريين".
الرئيس المصري المؤقت أكد أن "مصر بلد لا يتحمل فرقة ومستقبله لا يقبل الإنقسام" مشدداً على ضرورة التصدي للإرهاب بمزيد من الإصرار على الحياة. واعتبر أن الدستور الجديد يعبر عن ثقافة الشعب المصري المتنوعة قائلاً إنه "لا يصل إلى درجة الكمال إلا أنه يحقق التوافق والصالح العام". ووصف منصور اللحظة بأنها "لحظة فارقة في تاريخ مصر".
من جهته قال عمرو موسى رئيس لجنة الخمسين التي وضعت الدستور إن "الدستور هو الخطوة الأولى لإرساء مستقبل جديد لمصر" مضيفاً أن الدستور "يؤكد على المواطنة وإعلاء قيم الثورة ويراعي التنمية المتوازنة ويضمن الملكيات العامة والخاصة وحقوق العمال والفلاحين ويراعي المعايير العالمية في التعليم والصحة الجديد وينص على أن مصر دولة مدنية وقانونها مدني".
الجيش اللبناني يقتل جندياً إسرائيلياً على الحدود ويصد هجومين في صيدا
مقتل جندي إسرائيلي بعد إطلاق جندي لبناني الرصاص عليه عند الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، يتزامن مع هجوم لمسحلين على حاجزين للجيش اللبناني في مدينة صيدا يسفر عن مقتل جندي وأربعة مسلحين.
قالت مصادر أمنية لبنانية والجيش الإسرائيلي إن جندياً لبنانياً أطلق النار على قوة إسرائيلة على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة ما أدى لمقتل جندي إسرائيلي.
وقالت المصادر اللبنانية إنها فقدت الاتصال مع الجندي اللبناني بعد اطلاق النار الذي وقع عند الطرف الغربي من المنطقة الحدودية عند الناقورة، وقال متحدث باسم الجيش الاسرائيلي دون اعطاء تفصيلات عن أي ضحايا أن "قناصاً من القوات المسلحة اللبنانية أطلق النار على مركبة مدنية على الجانب الإسرائيلي".
وذكرت قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب لبنان أنه تم ابلاغها بوقوع "حادث خطير" على الحدود، وقال اندريه تينيتي المتحدث باسم قوة الأمم المتحدة (يونيفيل) "نحاول الآن تحديد الوقائع لما حدث"، مضيفاً "قائد قوة اليونيفيل على اتصال بنظرائه في الجيشين اللبناني والاسرائيلي ويحث على ضبط النفس.
هجومين مسلحين على حواجز للجيش اللبناني في صيدا
أما في صيدا جنوب لبنان فق قتل جندي لبناني وأربعة مسلحين بينهم انتحاري مساء الأحد في اعتداءين على حاجزين عسكريين للجيش اللبناني في المدينة.
وقالت قيادة الجيش اللبناني في بيان "أقدم رجل مسلح على تجاوز حاجز الأولي التابع للجيش اللبناني شمال صيدا، ورمى قنبلة يدوية باتجاهه، ما أسفر عن إصابة عسكريين اثنين بجروح"، مشيرة إلى "رد عناصر الحاجز بالنار على الشخص المذكور ما أدى إلى مقتله".
وتابع البيان "وعند وصول سيارة رباعية الدفع نوع (Envoy) تقل ثلاثة مسلحين إلى حاجز الجيش في محلة مجدليون- صيدا، ترجل أحدهم وأقدم على تفجير نفسه بواسطة رمانة يدوية، ما أسفر عن مقتله واستشهاد أحد العسكريين وجرح آخر، وقد قام عناصر الحاجز بإطلاق النار على المسلحين الآخرين وقتلهما".
ولم تقدم قيادة الجيش تفاصيل عن المسلحين أو جنسياتهم، مشيرة إلى أن الشرطة العسكرية فتحت تحقيقاً في الحادثين.
دراسة بريطانية: كيف يجب على الغرب التعاطي مع الأزمة السورية؟
صدرت عن المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية أو ما يعرف بـ"Chatham House" دراسة جاء فيها أنه "في مواجهة الأزمة السورية المتصاعدة على مدى العامين والنصف تأرجحت مواقف الحكومات الغربية (تحديداً الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا) بين المطالبة الصريحة للرئيس بشار الأسد بالتخلي عن السلطة والقبول الضمني به كشريك أساسي في مفاوضات السلام المدعومة من الامم المتحدة. وتخلل ذلك ايضاً الإنتقال من النظر في مسالة التدخل العسكري في سورية إلى مسالة تأييد حضور الرئيس الاسد اجتماع جنيف 2 مقابل تسليمه السلاح الكيميائي".
وأردفت الدراسة "أن المواقف الغربية لم تكن متسقة مثل تلك المؤيدة للحكومة السورية خصوصاً من قبل روسيا وإيران" مضيفة أن "الحكومات الغربية أخذت على عاتقها زمام المبادرة في تنسيق الجهود الإنسانية لمساعدة نصف الشعب السوري إنسانياً إلا أنه ما زال بأمس الحاجة إلى هذه المساعدات".
وأوصت الدراسة الحكومات الغربية باعتماد "مقاربة استراتيجية أكثر فاعلية مبنية على أساس الإبتعاد عن التبسيط الشعبي في تصوير الأزمة السورية على أنها في المقام الأول هي ازمة ذات أسس طائفية ودينية".
واقترحت اعتماد استراتيجية واضحة الأهداف تتضمن "وضع حد للعنف والتقليل من القتل ومنع انهيار الدولة والعمل في المناطق السورية التي يوجد فيها نفوذ غربي، فضلاً عن تجاوز فكرة التركيز على توحيد المعارضة تحت مظلة الائتلاف الوطني السوري، والتعامل مع أوسع شريحة من اطياف الشعب السوري".
ولخصت الدراسة البريطانية الإستراتيجية المفترض اعتمادها في مواجهة الأزمة السورية على النحو التالي:
أولاً: تحديد اهداف واضحة واعطاء الأولوية اكثر لما يهم سورية.
ثانياً: الحفاظ على سلامة الدولة وما تبقى من المجتمع المدني.
ثالثاً: التركيز على المناطق السورية التي يوجد فيها نفوذ الغربي.
رابعاً: التعاطي مع اوسع شريحة من الممثلين للشعب السوري.
خامساً: الانخراط بشكل أوسع مع المجتمع المدني.
سادساً: تحديد مجالات والأرضية المشتركة بين اللاعبين الرئيسين.
سابعاً: خطة لإصلاح المؤسسات الأمنية بعد الصراع في سورية.
ثامناً: التفكير في كيفية ضمان الأمن بعد الصراع في سورية.
تاسعاً: النظر الى الأمم المتحد على أنها أكثر من منظمة للشؤون التنسيقية والإنسانية.
عاشراً: تجنب رؤية الأزمة السورية على أنها في المقام الأول أزمة طائفية.
محادثات قريبة بين قادة "الجبهة الإسلامية" والأميركيين في تركيا
استمرت تداعيات سيطرة مقاتلي "الجبهة الإسلامية" على مقار ومخازن العتاد التابعة لـ"الجيش الحرِّ" عند معبر باب الهوى على الحدود السورية التركية. وأُفيد بأن "قادة في هذه الجبهة سيجرون محادثات مع مسؤولين أميركيين في تركيا في الأيام المقبلة".
ونقلت وكالة "رويترز" عن أحد مقاتلي المعارضة في "الجبهة الإسلامية" التي تخوض مواجهات مع تنظيم داعش "أنه يتوقع أن يناقش في المحادثات في تركيا ما إذا كانت الولايات المتحدة ستساعد في تسليح الجبهة".
ونقل عن مصادر ديبلوماسية في تركيا توقعها وصول السفير الأميركيّ لدى سورية روبرت فورد إلى إسطنبول قريباً.
هذه الأنباء تأتي بعد أيام على إعلان الولايات المتحدة وبريطانيا تعليقهما المساعدات غير القتالية إلى المعارضة بعد سيطرة الجبهة الاسلامية على مستودعات أسلحة للجيش الحر.
وقد اتهم مدير الإستخبارات السعودية السابق الأمير تركي بن الفيصل هذين البلدين برفض مساعدة المعارضة السورية، ما تسبّب في الوضع الصعب الذي تواجهه منذ بداية الصراع. ورأى الأمير أن هذين البلدين تركا الجيش الحرّ ليدافع عن نفسه.
سياسياً أعرب وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس عن تشاؤمه حيال الوضع في سورية وقال "إن لديه شكوكاً قوية في إمكانية نجاح مؤتمر جنيف 2 المقرر عقده الشهر المقبل في إرساء السلام على الأراضي السورية".
المنازل الثلاثة للرحمة في القرآن
في حياة الإنسان ثلاثة منازل لرحمة الله تعالى:
1 ـ الفقر والحاجة.
2 ـ الدعاء والسؤال.
3 ـ السعي والعمل.
وفيما يلي شرح موجز لهذه المنازل:
المنزل الأول: الفقر والحاجة:
وهما أولا منازل رحمة الله تعالى فالفقر يستنزل رحمة الله حتى من غير أن يعي صاحب الفقر فقره إلى الله. وبين (الفقر إلى الله) و(رحمة الله) علاقة تكوينية، كلّ منهما يطلب الآخر، فالفقر إلى الله يستنزل رحمة الله، ورحمة الله
تطلب مواقعَ الحاجة والفقر. وهي سنة عامة في الكون، في كلّ موضع للفقر والغنى، والضعف والقوة. فإنّ الضعف يطلب القوة، والقوة تطلب الضعف، والفقر يطلب الغنى، والغنى يطلب الفقر، والجهل يطلب العلم، والعلم يطلب الجهل، والمريض يطلب الطب، كما أن الطب يطلب المرض.
وليست حاجة العالِم إلى الجاهل ليعلّمه بأقل من حاجة الجاهل إلى العالم، ولا حاجة الطبيب إلى المريض ليداويه بأقل من حاجة المريض إلى الطبيب، ولا حاجة الأمّ إلى الطفل لتسبغ عليه حنانها وعطفها بأقل من حاجة الطفل إلى الأُمّ لتتولاّه برعايتها وعطفها.
إنّها سنّة الله في كل موضع للفقر والغنى، والضعف والقوة، وهي سنة الله تعالى في علاقته بفقر عباده وعجزهم وضعفهم وحاجتهم حتى من غير سؤال وطلب ودعاء، ومن غير وعي منهم لحاجتهم وفقرهم.
إن هذه العلاقة من أسرار هذا الدين، وهي من أسرار هذا الكون وقوانينه، وما لم يفهم الإنسان هذا القانون في الكون، وفي علاقة الإنسان بالله تعالى لا يستطيع أن يدرك طائفة واسعة من معارف هذا الدين وأسراره.
وكم من مريض تماثل للشفاء برحمة الله من غير سؤال {وإذا مرضت فهو يشفين}(1) وكم من فقير جائع رزقه الله تعالى، وأطعمه من جوع من غير سؤال ولا دعاء. وكم من مضطر في لجج البحار، أو تحت الأنقاض، أو تحت طائل السيوف أو في وسط الحريق أدركته رحمة الله تعالى وأنقذته من غير سؤال ولا دعاء. وكم من ظمآن بلغ به الظماء مبلغاً استنفد مقاومته، فأدركته رحمة الله تعالى وأروته من غير سؤال ولا طلب. وكم من إنسان واجه الأخطار، وكان قاب قوسين منها وهو يعلم أولا يعلم، فجاءه (ستر الله) فأنقذه منها. وكم من إنسان وصل إلى طريق مسدود في حياته ففتح الله تعالى عليه ألف طريق وطريق، وكل ذلك من غير سؤال ولا طلب ولا دعاء، بل دون أن يعرف صاحبُه الله كثيراً، فضلا من أن يعرفه فلا يطلب منه، وكم من رضيع تدركه رحمة الله تعالى دون أن يطلب من الله، ودون أن يسأل الله تعالى(2).
وقد ورد في دعاء الافتتاح: «فكم يا إلهي من كربة قد فرجتها، وهموم قد كشفتها، وعثرة قد أقلتها، ورحمة قد نشرتها، وحلقة بلاء قد فككتها».
وورد في دعاء أيام رجب: «يا من يعطي من سأله، يا من يعطي من لم يسأله، ومن لم يعرفه تحنّناً منه ورحمة».
وفي المناجاة الرّجبيّة: «ولكن عفوك قبل علمنا».
إذن الفقر والحاجة من منازل رحمة الله تعالى، وحيث يكون الفقر وتكون الحاجة، تجد رحمته تعالى.
وللعارف الروميّ الشهير بيتٌ من الشعر في هذا الباب، أذكر ترجمته هذه: لا تطلب الماء واطلب الظماء حتّى يتفجّر الماء من كلّ أطرافك وجوانبك.
وقد وردت الإشارة إلى هذه العلاقة بين رحمة الله تعالى وحاجة عباده وفقرهم في مناجاة بليغة ومؤثرة لأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، نورد فيما يلي طرفاً منها:
مولاي يا مولاي أنت المولى، وأنا العبد، وهل يرحم العبد إلاّ المولى. مولاي يا مولاي، أنت المالك، وأنا المملوك، وهل يرحم المملوك إلاّ المالك. مولاي يا مولاي، أنت العزيز، وأنا الذليل، وهل يرحم الذليل إلاّ العزيز. مولاي يا مولاي، أنت الخالق، وأنا المخلوق، وهل يرحم المخلوق إلاّ الخالق. مولاي يا مولاي، أنت القوي، وأنا الضعيف، وهل يرحم الضعيف إلاّ القوي. مولاي يا مولاي، أنت الغني، وأنا الفقير، وهل يرحم الفقير إلاّ الغني. مولاي يا مولاي، أنت المعطي، وأنا السائل، وهل يرحم السائل إلاّ المعطي.
فقد صمّم الله تعالى هذا الكون بموجب (الرحمة) و(الحكمة)، فإذا كانت حكمة الله تقتضي وقوع كارثة في إنسان أو حيوان أو نبات، فلا يعني ذلك أن ننفي البعد الآخر من فضل الله تعالى وصفاته الحسنى، وهو الرحمة.
مولاي يا مولاي، أنت الحي، وأنا الميت، وهل يرحم الميت إلاّ الحي.
الفقر الواعي والفقر المضلّل:
ولكن علينا أن نشير هنا: أن هناك نوعين من الفقر; أحدهما يستنزل رحمة الله، والآخر يحجب صاحبه عن رحمة الله. أمّا الذي يستنزل رحمة الله فهو (الفقر الواعي) الذي يشعر صاحبه بحاجته وفقره إلى الله تعالى، ويربطه بمسبب الأسباب مباشرة عبر الأسباب، دون أن يكون معنى ذلك إسقاط الأسباب عن الحساب.
والفقر المضلّل هو الفقر الذي يحبس صاحبه عند الأسباب، وتحجبه الأسباب عن الإحساس بفقره وحاجته إلى مسبب الأسباب.
وليس معنى وعي الحاجة والفقر إلى الله تعالى إلغاء الأسباب، والإعراض والانصراف عنها، فهذا ما لا يصح، ولا يجوز، ولا يقول به أحد، حتّى الأشاعرة لا يذهبون هذا المذهب المتطرف من الأسباب.
ومع تثبيت هذه الحقيقة نقول: إنّ الفقر الواعي هو الفقر الذي يشعر صاحبه بفقره إلى الله، ويثبّت ويركّز الإحساس بالفقر إلى الله في نفسه، ولا تعيقه الأسباب عن مسبّب الأسباب.
أما الفقر المضلّل فهو الفقر الذي يحبس صاحبه عند الأسباب، وتحجبه الأسباب عن الإحساس بالحاجة والفقر إلى الله تعالى، مبدأ الأسباب، ومسبّب الأسباب.
والفقر الأوّل هو المقصود من الرواية النبويّة الشريفة (الفقر مخزي) والفقر الثاني هو الذي (كاد أن يكون كفراً).
والفقر الأوّل هو الذي يستنزل رحمة الله، والثاني يحجب صاحبه عن رحمة الله. وهذا الفقر هو الذي نجده في كلمات أبي الأنبياءِ إبراهيم(ع)، كما يتلو علينا القرآن نبأه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * ..الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}(3).
فلا يريد إبراهيم(ع) في هذا الخطاب أن يلغي الأسباب الطبيعية في الإطعام والسقي والشفاء والموت والحياة من الحساب، وقد كان(ع) يتعامل مع كل ذلك إلاّ أن هذه الأسباب لن تحجبه عن الله تعالى مسبّب الأسباب ومبدأ الأسباب، وهذا هو الفرق بين الرؤية التوحيدية إلى الأسباب وبين الرؤية الأخرى المشوبة بالشرك.
المنزل الثاني: الدعاء والسؤال:
يستنزل الدعاء والسؤال من رحمة الله ما لا يستنزله الفقر وذلك أنّ الدعاء فقر وطلب، وكل منهما عامل مستقل في استنزال رحمة الله تعالى فإنّ الطلب والسؤال يستنزل رحمة الله، كما أنّ الفقر يستنزل رحمة الله، والدعاء: (فقر وطلب) ولذلك فهو يستنزل من رحمة الله ما لا يستنزله الفقر وحده.
وكلما يكون صاحب الدعاء أكثر اضطراراً وفقراً يكون دعاؤه أقرب إلى الاستجابة، فإنّ الفقر يركّز الطلب، والطلب يعمق حالة الفقر ويدخله إلى دائرة الوعي.
ولكل (دعوة) (إجابة).
يقول تعالى: {..ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(4). وهذا قانون عام لا يتخلف، والقرآن الكريم يقرّر هذه الحقيقة بكل وضوح {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.
وإن (المانع) عن استجابة الدعاء إمّا أن يكون من ناحية المسؤول، أو من ناحية السائل، وليس من ثالث، ولا يمكن أن يكون هناك مانع من ناحية المسؤول فإن الله تعالى مقتدر كريم، لا تنقص خزائنه، ولا ينفد ملكه.
{..وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ}(5).
{..وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}(6).
{إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(7).
{وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}(8).
ولا بخل ولا شحّ في ساحته، ولا حدّ لجوده وكرمه.
{..رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا..}(9).
{فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ..}(10).
{..وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا}(11).
{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ..}(12).
فلا نفاد لملك الله ورحمته وسلطانه حتى يعيق رحمته، ولا بخل ولا شحّ في ساحته حتى يمنعه من الجود والعطاء.
فليس في المسؤول ـ سبحانه وتعالى ـ ما يمنع من الاستجابة لدعاء عباده كلما دعوه وطلبوا منه شيئاً، وهو معنى قوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} من دون قيد ولا شرط، هذا من ناحية المسؤول.
وأمّا من ناحية السائل فقد تضرّ الاستجابة بحال السائل، وهو لا يعلم، والله تعالى يعلم، فلا يستجيب لدعائه، ولكن يعوضه عن ذلك بغيره من قضاء حاجاته الأخرى وغفران ذنوبه.
وقد يضرّه التعجيل بقضاء حاجته والاستجابة لدعائه، ويعلم الله تعالى أن تأجيل الاستجابة أصلح لحاله.
التبديل والتأجيل:
في الحالة الأولى يبدل الله تعالى قضاء حاجة عبده بغيرها من حاجاته. وفي الثانية يؤجل الله تعالى الاستجابة لدعاء عبده إلى الوقت الصالح له.
ففي دعاء الافتتاح:
«فصرت أدعوك آمنا، وأسالك مستأنساً، لا خائفاً ولا وجلاً، مدلا عليك فيما قصدتُ فيه إليك، فإن أبطأ عني عتبت بجهلي عليك، ولعلّ الذي أبطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الأمور».
وقد يؤخر الله تعالى إجابة دعاء عبده، كي يطول قيامه وتضرعه بين يديه تعالى والله يحب أن يطول وقوف عبده وتضرعه بين يديه، ففي الحديث القدسي: «يا موسى! إني لست بغافل عن خلقي، ولكني أحبّ أن تسمع ملائكتي ضجيج الدعاء من عبادي»(13).
وعن الصادق(ع): «إن العبد ليدعو، فيقول الله عزّوجلّ للملكين قد استجبت له، ولكن احبسوه بحاجته، فإني أُحبّ أن أسمع صوته. وإن العبد ليدعو، فيقول الله تبارك وتعالى عجّلوا له حاجته فإني أبغض صوته»(14).
ولكن حتى لو كانت الإجابة تضرّه فإن الله تعالى لا يلغي الإجابة، بشكل مطلق، وإنما (يبدله) إلى كفارة لذنوبه، وغفران لها، أو إلى رزق يرزقه إياه في الدنيا عاجلا أو درجات رفيعة له في الجنة. وفي غير هاتين الحالتين (حالة التبديل وحالة التأجيل) لابد من الإجابة.
وهذه الحتمية نابعة من حكم الفطرة القطعي إذا كان السائل محتاجاً وفقيراً ومضطراً إلى المسؤول، والمسؤول قادر على إجابة طلبه، ولا بخل ولا شحّ في خلقه.
والقرآن الكريم يؤكد هذه العلاقة الحتمية(15) يقول تعالى:
1 ـ {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ..}(16).
فلا يحتاج المضطر في الإجابة لاضطراره، وكشف السوء عنه إلاّ إلى الدعاء (إذا دعاه)، فإذا دعاه سبحانه، استجاب لدعائه، وكشف عنه السوء.
2 ـ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}.
والآية الكريمة واضحة وصريحة في الربط بين الدعاء والاستجابة {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.
3 ـ {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ..}(17).
والعلاقة القطعية بين الدعاء والإجابة واضحة وصريحة في هذه الطائفة من آيات كتاب الله، وهي تدفع كلّ شك وريب من النفس في قطعية الإجابة من الله لكل دعاء، ما لم تكن الإجابة مضرة بالداعي أو بالنظام العام الذي يعتبر الداعي جزءاً منه، والاستجابة في هذه الآيات غير مشروطة ولا معلّقة بشيء.
وأمّا الشروط التي سوف نتحدث عنها; ففي الحقيقة ترجع إلى تحقيق الدعاء وتثبيته لمصلحة الداعي نفسه، ومن دونها يضعف الدعاء أو ينتفي.
إذن فإنّ العلاقة بين الدعاء والاستجابة علاقةٌ حتمية لا يمكن أن تتخلف، وعلاقة مطلقة لا يمكن أن تتعلق بشرط، إلاّ أن يكون الشرط مما يؤكد ويثبت حالة الدعاء نحو قوله تعالى: {..إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ..}.
وفي أحاديث رسول الله(ص) وأهل بيته ما يؤكد ويعمق هذه العلاقة بين الدعاء والإجابة.
ففي الحديث القدسي: «يا عيسى... إني أسمع السامعين، أستجيب للداعين إذا دعوني»(18).
وعن رسول الله(ص) : «ما من عبد يسلك وادياً فيبسط كفّيه، فيذكر الله ويدعو إلاّ ملأ الله ذلك الوادي حسنات فليعظم ذلك الوادي أو ليصغر»(19).
وعن أبي عبد الله الصادق(ع) في حديث: «لو أن عبداً سدّ فاه، ولم يسأل لم يعط شيئاً، فسل تعط»(20).
وعن ميسر بن عبد العزيز عن أبي عبد الله الصادق(ع): «يا ميسر! إنّه ليس من باب يقرع إلاّ يوشك أن يفتح لصاحبه»(21).
وعن أميرالمؤمنين(ع): «متى تكثر قرع الباب يفتح لك»(22).
وفي وصايا رسول الله(ص) لعليّ(ع): «يا عليّ!.. أوصيك بالدعاء فإن معه الإجابة»(23).
وعن الصادق(ع): «إذا أُلهم أحدكم الدعاء عند البلاء فاعلموا أن البلاء قصير»(24).
وعن الصادق(ع): «لا والله، لا يلح عبد على الله عزّوجلّ إلا استجاب له»(25).
والنصوصُ الإسلاميّة تؤكد هذه الحتمية، والإطلاق في العلاقة بين الدعاء والإجابة، وتبين بشكل واضح وصريح، أنّ الله تعالى يستحيي أن يرد دعاء عبده إذا دعاه.
ففي الحديث القدسي: «ما انصفني عبدي، يدعوني فاستحيي أن أرده، ويعصيني ولا يستحيي مني»(26).
وعن الصادق(ع): «ما أبرز عبد يده إلى الله العزيز الجبار إلاّ استحيى الله عزّوجلّ أن يردها»(27).
وفي الحديث القدسي: «مَن توضأ وصلّى ودعاني فلم أجبه فيما يسأل عن أمر دينه ودنياه فقد جفوته، ولستُ برب جاف»(28).
وعن أميرالمؤمنين(ع): «ما كان الله ليفتح باب الدعاء، ويغلق عليه باب الإجابة»(29).
وعنه(ع) أيضاً: «مَن أعطى الدعاء لم يحرم الإجابة»(30).
وفي النصّين الأخيرين التفاتة ذات مغزى ونكهة علوية. فإن الله تعالى كريم ووفي، فإذا فتح باب الدعاء، فلا يمكن أن يغلق على العبد باب الإجابة، وإذا رزق العبد توفيق الدعاء، فلا يمكن أن يحرمه الإجابة..
عن رسول الله(ص) : «ما فتح لأحد باب دعاء إلاّ فتح الله له فيه باب إجابة، فإذا فتح لأحدكم باب دعاء فليجهد فإنّ الله لا يمل»(31). وهذا هو المنزل الثاني من منازل رحمة الله.
اللهمّ سمعنا، وشهدنا، وآمنا.
المنزل الثالث: السعي والعمل:
قد جعل الله تعالى (السعي) و(العمل) من منازل رحمته للدنيا والآخرة.
يقول تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً..}(32).
ويقول تعالى: {فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ}(33).
فمن عمل صالحاً آتاه الله حياةً طيبةً، وأفلحه.
فإذا كان الإنسان يبتغي دنيا أو آخرة فعليه أن يسعى إليها ويعمل لها. وقد كان علي(ع) يقول:
«لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير العمل»(34).
ولا يبلغ الإنسان منازل المؤمنين في الجنة إلاّ بالعمل.
{وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ..}(35).
ومهما كان العمل قليلا فانّ الله تعالى يحصيه ويثيبه عليه:
{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}(36).
{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا..}(37).
فالعمل إذن، أحد أعظم منازل الرحمة، ولا ينال الإنسان كثيراً من الخير والرحمة والتوفيق والرزق إلاّ بالعمل.
ولا يبلغ الإنسان ما يطلبه من الخير بالتمني والترجي.
وقد روي عن الإمام الصادق(ع) انّه كان يقول:
«أبلغ شيعتنا، أنه لا ينال ما عند الله إلاّ بالعمل».
وهذه ثالث منازل رحمة الله تعالى.
المنازل الثلاثة للرحمة، في قصة إبراهيم وهاجر وإسماعيل(ع):
وفي قصة أبي الأنبياء إبراهيم(ع) نلتقي مشهداً فريداً أو نادراً من نوعه، في اجتماع المنازل الثلاثة للرحمة في موضع واحد، في قصة واحدة، وذلك عندما أودع أبو الأنبياء إبراهيم(ع) زوجتَه هاجر في واد غير ذي زرع، وترك معها ابنهما إسماعيل(ع) وهو يومئذ طفل رضيع.
وقال: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}(38).
وذهب إبراهيم خليل الله بعد ذلك إلى شأنه كما أمره الله تعالى. وترك هذه المرأة والطفل الرضيع لوحدهما في هذا الوادي القفر بأمر الله تعالى فنفد ما كان لديهما من الماء وعطش الطفل وغلب عليه الظمأ وأخذت المرأة تبحث عن الماء فلم تجد له أثراً، وأخذ الطفل يصرخ ويضرب بيديه ورجليه، والأم تهرول من هنا وهناك فتصعد على الصفا تارةً تنظر إلى الأفق البعيد بحثاً عن الماء ثم تهبط، وتهرول باحثة عن الماء إلى جانب جبل المروة، وتدعو الله تعالى أن يرزقهما الماء في هذا الوادي القفر، والطفل يصرخ ويبكي ويضرب بيديه ورجليه عند البيت الحرام.
ففجر الله تعالى الأرض ماءً تحت قدمي الطفل، فأسرعت الأم إلى الماءِ، لتروي طفلها الرضيع، ولتلملم الماء لئلا يذهب هدراً، فتقول للماء وهي تصنع له حوضاً يجمعه زم.. زم...
الرواية التاريخية لقصة السعي الأول:
تقول الرواية التاريخية:
(إنّ الله تعالى أمر عبده وخليله إبراهيم أن يخرج بزوجته هاجر (أُمّ إسماعيل) من الشام إلى صحراء الجزيرة، حيث يقع الحرم، فلما وافى إبراهيم منطقة الحرم، حيث تقع مكة اليوم نزل فيها فوجد شجراً، فألقت هاجر كساءً كان معها تستظل تحته فلما سرّحهم إبراهيم ووضعهم، وأراد الانصراف عنهم إلى سارة، قالت له هاجر: يا إبراهيم لِمَ تدعنا في موضع ليس فيه أنيس ولا ماء ولا زرع؟
فقال إبراهيم: الّذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان هو يكفيكم، ثمّ انصرف عنهم، فلمّا بلغ كدى وهو جبل بذي طوى، التفت إليهم إبراهيم فقال: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}.
ثمّ مضى وبقيت هاجر، فلمّا ارتفع النهار عطش إسماعيل وطلب الماء، فقامت هاجر في الوادي في موضع المسعى فنادت: هل في الوادي من أنيس؟ فغاب إسماعيل عنها فصعدت على الصفا، ولمع لها السراب في الوادي وظنّت أنّه ماء، فنزلت في بطن الوادي وسعت فلمّا بلغت المسعى غاب عنها إسماعيل، ثمّ لمع لها السراب في ناحية الصفا فهبطت إلى الوادي تطلب الماء، فلمّا غاب عنها إسماعيل عادت حتّى بلغت الصفا فنظرت حتّى فعلت ذلك سبع مرّات، فلمّا كان في الشوط السابع وهي على المروة نظرت إلى إسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجليه، فعدت حتّى جمعت حوله رملا فإنّه كان سائلا فزّمته بما جعلته حوله فلذلك سمّيت زمزم).
أسرار الموقف:
إن هذا المشهد العجيب استنزل يومذاك رحمة الله تعالى، ففجر الله لهما زمزم في واد غير ذي زرع، وجعلها مصدراً ومبدأً لكثير من البركات على هذه الأرض المباركة، وجعل هذا المشهد جزءاً من أعمال الحجّ، وثبّته في واحد من أشرف فرائضه.
فما هو السرّ الكامن في هذا المشهد؟ ولماذا هذا الاهتمام به في أصل الدين، وتثبيته في الحج؟ وما هو السبب المؤثر والقوي الذي استنزل رحمة الله تعالى بقوة في هذا المشهد، وجعلها مبدءاً لبركات كثيرة في تاريخ أجيال الموحّدين؟
فلابد من أن يكون هذا المشهد ينطوي على سرّ خاص استدعى نزول رحمته تعالى في ذاك الوادي القفر، واستدعى دوام هذه الرحمة وثباتها، وجعل منها مصدراً ومبدأً لكثير من البركات، واستدعى أن يثبتها الله تعالى في حج أجيال الموحدين عند بيته الحرام.
إنني اعتقد ـ والله تعالى أعلم بأسرار هذا المشهد ـ أن هذا المشهد النادر كان يجمع يومئذ بين ثلاثة منازل من منازل رحمة الله تعالى كلّ منها يستنزل رحمته تعالى.
وأول هذه المنازل الحاجة التي كان يمثلها: (الظمأ) الذي أضرَّ بالطفل الرضيع، والذي جعله أقرب من غيره إلى رحمة الله تعالى.
ولذلك نرى أن الأطفال الرضّع إذا أضرّ بهم ألم أو جوع أو ظمأ أو برد أو حرّ كانوا أقرب إلى رحمة الله تعالى من الكبار الذين يطيقون ذلك كلّه، ولأن الحاجة تضرّ بهم أكثر من الكبار.
وقد ورد في الدعاء (اللهمّ أعطني لفقري)، والفقر إلى الله لوحده يستنزل رحمته تعالى، وكلما كان الفقر إلى الله أعظم كان أدعى لنزول رحمة الله، فان الفقر إلى الله يجعل الإنسان عند رحمة الله، ويقرب الإنسان منه، سواء كان الإنسان يعي فقره إلى الله أم لا يعي، وإن كان وعي الفقر إلى الله يضاعف من قيمته وقدرته في استنزال رحمته تعالى. ولكن بشرط ألاّ يحرّف الإنسان الفقر عن موضعه، فيتصوّره أنّه من الفقر إلى المال أو إلى حطام الدنيا، أو إلى بعض عباد الله بدل أن يعيه على واقعه من الفقر إلى الله. وشتّان بين هذا الفقر وذاك الفقر.
والذي يستنزل رحمة الله تعالى هو الفقر إلى الله، فإذا حرّف الإنسان هذا الفقر من الفقر إلى الله إلى الفقر إلى عباد الله فقد الفقرُ قيمتَه في استنزال رحمته تعالى، وأكثر فقر الناس من هذا النوع.
وفي هذا المشهد كان صراخ الطفل وضجيجه وبكاؤه من شدّة العطش مشهداً نافذاً مؤثراً في استنزال رحمة الله تعالى.
كما أنه ليس في مشاهد الحاجة والفاقة إلى الله مشهد مؤثر ورقيق يستنزل
رحمته تعالى أكثر من مشهد طفل يتلظى من العطش، ولا تجد له أُمّه إلى الماء سبيلا.
والمنزل الثاني لرحمة الله في هذا المشهد هو: (السعي) وهو شرط للرزق، ولا رزق من دون سعي، وقد جعل الله تعالى السعي والحركة في حياة الإنسان مفتاحاً للرزق.
وإذا كان عامل الفقر يُكْسِب الإنسان حالة الاضطرار والفاقة والحاجة. فإنّ عامل السعي يُكْسِب الإنسان العزم والقوّة والإرادة، والحركة والنشاط، وعلى قدر حركة الإنسان وسعيه وعزمه يرزقه الله تعالى من رحمته.
وقد تحركت أمّ إسماعيل ـ عندما نفد عندهما الماء، وغلب الظمأ على إسماعيل ـ للبحث عن الماء، وسعت تطلبه، تصعد إلى الصفا مرّة، تنظر في الأفق البعيد باحثةً عن الماء، وتنزل من الصفا وتتّجه إلى المروة، تارةً أُخرى، لتصعد عليه وتنظر إلى الأفق البعيد تبحث عن الماء، ورغم أنها استعرضت في هذه الحركة كلّ الأفق من على الصفا والمروة فلم تجد ماءً لم تيأس، وكرّرت هذه الحركة، والصعود والنزول، والهرولة من الصفا إلى المروة وبالعكس سبع مرات، ولولا هذا الأمل والرجاء لانقطع سعيها في الشوط الأوّل، ولكن الأمل والرجاء الذين كانا يعمران قلبها كانا يدعوانها كلّ مرة إلى إعادة السعي مرة أخرى، حتى فرّج الله عنهما وفجّر زمزم تحت قدمي إسماعيل، ولكن الأمل هنا في الله وليس في الماء ولو كان أملها في الماء لانقطع أملها في المرة الأولى أو الثانية.
وقد جعل الله تعالى هذا السعي وهذه الحركة شرطاً للرزق، ونزول رحمته على الإنسان، والله تعالى يرزق عباده، وينزل عليهم رحمته، ولكنه تعالى شاء أن يكون السعي والحركة مفتاحاً لرزقه ورحمته.
والمنزل الثالث لرحمة الله تعالى في هذا المشهد: هو (الدعاء)، دعاء أمّ إسماعيل، وانقطاعها إلى الله واضطرارها إليه ـ عزّ شأنه ـ في طلب الماء في هذا الوادي القفر غير ذي زرع، وكلّما انقطع الإنسان في دعائه إلى الله أكثر كان أقرب إلى رحمة الله.
ولست أدري في أية حالة من حالات الانقطاع إلى الله، كانت هذه المرأة الصالحة في تلك اللحظات في الوادي غير ذي زرع، وليس من إنسان أو حيوان حولها، ووحيدها الرضيع يتلظى عطشاً، ويكاد أن يلفظ آخر أنفاسه.
لقد انقطعت المرأة إلى الله في تلك اللحظة انقطاعاً ضجّت له ملائكةُ الله بالدعاء، وضموا أصواتهم إلى صوتها، ودعاءهم إلى دعائها.
ولو أن الناس كلهم انقطعوا إلى الله بمثل هذا الانقطاع لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم وعمّتهم رحمة الله تعالى.
عليكِ سلام الله يا أُمنا أمّ إسماعيل! من أبنائك الذين آتاهم الله النور والهدى والإيمان والنبوة، ومن المهتدين بهداهم ونورهم... ولولا ذلك الانفراد في ذلك الواد القفر غير ذي زرع في هجير الحجاز، ولولا تلك المعاناة والمحنة لم تنقطعي إلى الله عزّ وجلّ بمثل هذا الانقطاع، في ذلك الموقف العسير على جبلي الصفا والمروة، ولولا ذلك الانقطاع إلى الله، لم تنزل رحمة الله تعالى عليكما، ولولا تلك الرحمة لم يكن انقطاعك إلى الله وسعيك بين الصفا والمروة من شعائر الله في الحجّ.
{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}(39).
لقد ثبّت الله تعالى ـ يا أُمّنا ـ انقطاعك إليه في ذلك الهجير، وسعيك إلى الماء، وصراخ صغيرك إسماعيل في ذاكرة التاريخ، ليعرف الأجيال من بعدك كيف يستنزلون رحمة الله، وكيف يتعرضون لرحمة الله.
إن رحمة الله تعالى واسعة لا شحّ فيها ولا نقص، ولا عجز، ولكن الناس لا يعرفون مواضع هذه الرحمة ومنازلها، ولا يحسنون التعرّض لها والاستفادة منها.
ومنك تعلمنا يا أمّنا! كيف نطلب منازل رحمة الله، وكيف نتعرض لرحمة الله، ومنك يا أمنا أخذنا مفاتيح الرحمة.
وعذراً يا أمنا! إذا كنّا ـ نحن أبناؤك ـ لم نحفظ هذه المفاتيح التي سلّمتيها إلى إسماعيل من بعدك، وتوارثها أبناء إسماعيل من إسماعيل، وتوارثناها ـ نحن ـ من ابنك محمد المصطفى رسول الله(ص) فضيعناها فيما ضيعنا من تراث الأنبياء ومواريثهم.
لقد تعلمنا من أبينا إبراهيم كيف نوحّد الله، وتعلمنا من أمّنا هاجر كيف نسأل الله، وفي متاهات الهوى والطاغوت ضيعنا هذا وذاك.
فأعنّا اللهمّ! على تحصيل ما ضيعناه من تراث أبينا وأمنا (إبراهيم وهاجر‘) واجعلنا من أسرتهم، ولا تطردنا ربنا! من هذا البيت من آل إبراهيم وآل عمران.
{إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(40).
{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}(41).
لقد أخذت أمُّنا (أمّ إسماعيل) ـ يومذاك في ذلك الوادي القفر، وفي رمضاء هجيز ذلك الوادي ـ بأسباب الخير كلّها... وذلك هو السعي والدعاء والفقر.
لقد كانت أُمّنا تسعى إلى الماء، وتشرف على الوادي تارة من على الصفا وأُخرى من على المروة باحثة عن الماء، والله تعالى يحبّ من عباده الحركة والسعي والعمل، وجعل ذلك من أهم شروط الرزق. ولكنها في سعيها كانت منقطعة إلى الله، وتدعوه تعالى، وتسأله في حالة من الانقطاع، يقلّ نظيرها في تاريخ الإنسان، فلا السعي والتحرك، كانا يحجبانها، ويقطعانها عنه تعالى، ولا الانقطاع إلى الله كان يعطل فيها حالة الحركة، والسعي إلى الماء بأقصى ما تستطيعه امرأة في ذلك الوادي، وفي ذلك الهجير... في أشواط سبعة من الصفا إلى المروة ومن المروة إلى الصفا.
وإننا اليوم في شعائر حجّنا، نسعى هذه الأشواط بين هذين الجبلين، من غير معاناة، ولا عذاب ولا همّ، ولا قلق، فنكدح ونتعب ويرهقنا هذا السعي.
وقد قامت أمُّنا هاجر بهذا السعي كلّه في ذلك الوادي القفر، وفي رمضاء ذلك الهجير، وهي ظمأى قد استنفذ العطش كلّ حولها وقوتها، ورضيعها الصغير يكاد يلفظ آخر أنفاسه... ولكنها مع ذلك قامت بهذا السعي إلى الماء بقوّة وهمّة وعزم وإرادة.
ولم يمنعها هذا السعي ـ ولو للحظة واحدة ـ عن الانقطاع إلى الله، ولم يحجبها ولو للحظة واحدة عنه تعالى. لقد كانت في هذا السعي المرير كلّه على اتصال بالله، وانقطاع إليه لا يشغلها هذا عن ذاك ولا يحجبها ذاك عن هذا، فقرنت السعي إلى الماء بالانقطاع إلى الله، وقرنت الانقطاع إلى الله بالسعي إلى الماء، ومَن منّا يقدر على ذلك؟
والملائكة يومئذ ينظرون إليها، ويتعجبون منها، كيف استطاعت أن تنقطع إلى الله هذا الانقطاع؟ وكيف تمكنت أن تسعى إلى الماء وهي مثقلة بالمتاعب والمحن هذا السعي؟ وكيف استطاعت أن تجمع بين السعي والانقطاع إلى الله بمثل هذا الجمع؟
فيضجون إلى الله تعالى أن يستجيب لدعائها وسعيها، وأن يستنزل سعيها ودعاؤها رحمةَ الله تعالى، وتقرب رحمة الله حتى تكاد أن تنطبق السماء على الأرض.
لقد صعد يومئذ عمود من الدعاء، والعمل الصالح من الأرض إلى السماء، ونزل عمود من الرحمة من السماء إلى الأرض واتّصلت الأرض بالسماء، والسماء بالأرض، وحشود الملائكة يشهدون هذا المشهد الفريد، ويضجون إلى الله تعالى، ويتضرعون، فيحدث ما ليس بالبال ولا الخيال، وتنفجر الأرض تحت أقدام الرضيع ماءً بارداً زلالا شفافاً هنياً.
وسبحان الله، والحمد لله، لقد استجاب الله لسعيها ودعائها، ولكن لا حيث سعت، وإنّما تحت أقدام الرضيع، الذي كان يضرب بيديه ورجليه ظمأً يومذاك، ليعلمها الله أنه تعالى هو وحده الذي رزقها هذا البارد العذب في هذه الرمضاء وفي هذا الهجير، وليست هي التي حققت ذلك بسعيها وحركتها... وإن كان لابد لها من أن تسعى وتتحرك ليرزقها الله تعالى زمزم.
ففجر الله (زمزم) تحت أقدام الرضيع، وأقام الله تعالى في ذلك الوادي بيته المحرم، وبارك في زمزم، وجعل منها سقاية الحاج مدى الأجيال، وثبت الله هذا السعي والدعاء في ذاكرة التاريخ، وجعل منه شعيرة من شعائر الحج، يحذو فيها حشود الحجاج كلّ عام حذوها، ويحيّون فيها من بُعد أمّهم هاجر وأباهم إبراهيم وإسماعيل.
لقد اجتمعت في هذا الوادي ـ يومذاك ـ ثلاثة أسباب من أسباب نزول رحمة الله تعالى: الفقر والسعي والدعاء...
فقر في أقصى درجات الضعف والفاقة، وسعي في قوة وحزم وعزم، ودعاء في تضرع وانقطاع واضطرار.
وفي الحجّ نحيي نحن كلّ عام هذا المشهد؛ لنتعلم من أمّنا (أمّ إسماعيل÷) كيف نطلب رحمة الله تعالى وكيف نستنزل فضله ورحمته، وكيف نغرف من رحمته ونتعرض لها.
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الهوامش:
1 ـ الشعراء: 80.
2 ـ وهذا لا يعني أن الناس لا يموتون تحت الأنقاض في الزلازل، ولا يحترقون في الحرايق، ولا يهلكون في لجج البحار، ولا يموت إنسان من المرض والألم ولا يموت طفل رضيع.
3 ـ الشعراء: 69 و78 ـ 82.
4 ـ المؤمن: 60.
5 ـ البقرة: 117.
6 ـ الزمر: 67.
7 ـ آل عمران: 165.
8 ـ المنافقون: 7.
9 ـ غافر: 7.
10 ـ الإنعام: 147.
11 ـ الإسراء: 20.
12 ـ فاطر: 2.
13 ـ عدة الداعي.
14 ـ وسائل الشيعة، كتاب الصلاة، أبواب الدعاء، باب 21، ح 3.
15 ـ ليس معنى القول بتحتيم هذه العلاقة فرض أمر على الله ـ تعالى ـ فهو ـ سبحانه ـ قد كتب على نفسه الرحمة {فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ..} الأنعام: 54.
16 ـ النمل: 62.
17 ـ البقرة: 186.
18 ـ أصول الكافي.
19 ـ ثواب الأعمال: 137.
20 ـ وسائل الشيعة، 4: 1084، ح 8606.
21 ـ وسائل الشيعة، 4: 1085، ح 8611.
22 ـ المصدر السابق، ح 8613.
23 ـ وسائل الشيعة، كتاب الصلاة، أبواب الدعاء، باب 2، ح 18.
24 ـ أصول الكافي، كتاب الدعاء، باب الإلحاح بالدعاء، ح 5.
25 ـ ارشاد القلوب للديلمي.
26 ـ عدة الداعي، وسائل الشيعة، كتاب الصلاة، أبواب الدعاء، باب 14، ح 1.
27 ـ إرشاد القلوب للديلمي.
28 ـ وسائل الشيعة، كتاب الصلاة، أبواب الدعاء، باب 2، ح 12 ـ وسائل الشيعة، 4: 1086، ح 8621.
29 ـ وسائل الشيعة، 4: 1086، أبواب الدعاء، باب 2، ح 8622.
30 ـ نفس المصدر.
31 ـ وسائل الشيعة، 4: 1087.
32 ـ النحل: 97.
33 ـ القصص: 67.
34 ـ نهج البلاغة: حكمة 15.
35 ـ النساء: 124.
36 ـ الزلزلة: 7.
37 ـ آل عمران: 30.
38 ـ إبراهيم: 37.
39 ـ البقرة: 158.
40 ـ آل عمران: 33 ـ 34.
41 ـ البقرة: 128.
دبلوماسية كيري: إسترضاء "إسرائيل" أولاً
أعلنت الولايات المتحدة، منذ زمن "بعيد" بدءاً من عهود الرؤساء روزفلت وترومان وأيزنهاور، أن مفهوم الأمن القومي الأميركي يمتد إلى الشرق الأوسط بأكمله، أي الهيمنة السياسية والإقتصادية والعسكرية، مفصله الأساسي حماية المشروع الصهيوني لتمزيق بلاد العرب وكياناتها السياسية، ويؤسس لخروج العرب من التاريخ بتقسيم جغرافيتهم إلى "إمارات إسلاموية،" يجسدها المشهد السياسي الراهن في القرن الحادي والعشرين.
في الإستراتيجية الاميركية
إمعانا في توضيح الاستراتيجية الأميركية وصف أحد أهم العقول الاستراتيجية الاميركية، زبغنيو بريجينسكي، الوطن العربي بأنه أقرب ما يكون إلى ساحة استقطاب وتسويات وصراع إرادات، بين الدول الأقوى في العالم. (لمزيد من التوضيح يمكن مراجعة كتابه الصادر عام 1998 بعنوان "رقعة الشطرنج الكبرى The Grand Chessboard" وإسهاماته اللاحقة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية). أهمية بريجينسكي أنه لا يزال يعدّ "الأب الروحي" ومصدر إلهام لسياسات الرئيس أوباما وأركان ادارته حول العالم قاطبة. بل اعتبر أحدهم أن "أوباما صبي بريجينسكي".
على ضوء هذه الخلفية الضرورية يمكننا النظر إلى الجولة الأخيرة في الرحلات المكوكية لوزير الخارجية الأميركي، جون كيري، وإعلانه عما اصطلح على تسميته "مبادرة كيري،" سبقتها مبادرات أميركية أخرى لم تنقطع في جوهر مراميها وأهدافها: جون فوستر دالاس، دين راسك، ويليام روجرز، ويليام سكرانتون، هنري كيسنجر، هارولد ساوندرز .. الخ. كيري غلف "مبادرته" للترتيبات الأمنية، التي سنتناولها لاحقاً، بالموافقة على إنشاء مطار فلسطيني "لكن على الأراضي الاردنية،" يرافقه وضع "اسرائيل" محطات إنذار مبكر على كل المرتفعات في نواحي "الضفة الغربية" من فلسطين المحتلة. وحتى لا يبقى تفسير "مبادرة كيري" في باب العموميات والديباجات اللغوية، أوضح "قائد المنطقة الوسطى في قوات الاحتلال الإسرائيلي الجنرال نيتسان ألون" في تصريح نشرته الصحف الإسرائيلية أن مطالب وادعاءات الفلسطينيين بالسيادة "عبارة عن هراء وتفاهة.."، بل الأهم أنه يفند دعوة كيري عينها لصيغة تسوية تفضي إلى "دولة فلسطينية".
مبادرة كيري: الإبقاء على أمن "إسرائيل"
شدد كيري في نهاية جولته التفاوضية على عزم الطرفين، "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية، التوصل إلى اتفاق حول الحل النهائي في غضون شهر نيسان المقبل "يتناول القضايا الرئيسية، مثل الأمن، ومستقبل القدس، ومصير اللاجئين ..". يشار إلى أن الجنرال جون الآن، المكلف حديثاً بالترتيبات الأمنية، حضر محادثات كيري مع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس. وطبقاً لمصادر فلسطينية عليمة بلقاء كيري، فإن الجنرال الأميركي أنجز مسودة خططه الأمنية "بحيث تتيح سيطرة عسكرية إسرائيلية مستمرة للسنوات العشرة المقبلة على منطقة الأغوار – بمحاذاة الحدود الشرقية لأي كيان فلسطيني" مسمى دولة. ودأب الجانب الفلسطيني على ترديد معادلة كيري التي طرحها المتمثلة بعقده "مقاربة بين أمن اسرائيل وسيادة فلسطينية".
"مبادرة" السيد كيري لم تأت بجوهر جديد يستوجب عناء البحث والتدقيق والتمحيص، إذ إنها تستند إلى الأهداف الأميركية والإسرائيلية" المعلنة منذ زمن، نقطة ارتكازها "الإعتراف الفلسطيني والعربي بيهودية الدولة.. وشرعنة المستعمرات الإسرائيلية، وإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح". أما جذورها وفواصلها ونقاط حروفها فقد اشتقت من "اتفاق عباس – بيلين" المعقود عام 1995، والذي تبلور ليصبح "مرجعية المفاوضين السياسيين لمرحلة الحل النهائي،" كما ورد في المصطلحات والتفاهمات السياسية المتتالية منذئذ. وثيقة "عباس-بيلين" وما تبعها من ترتيبات، سميت تفاهمات، تلاها اتفاق آخر أجراه ياسر عبد ربه مع يوسي بيلين عينه، عرفت باتفاق جنيف وتضمنت "المبادئ الأساسية للحل النهائي بعلم كل من السيد ياسر عرفات واسحق رابين" كما أوردته صحيفة "هآرتس" في عددها الصادر يوم 23 شباط 1996.
وأوضح الباحث الفلسطيني، حلمي حنون، أن "الوثيقة مكونة من 17 صفحة إضافة إلى ثلاث ملاحق تتضمن خمس خرائط بيانية تفصيلية بالتعديلات التي تقترحها على حدود عام1967 وعلى حـدود بلدية القـدس الكبرى المنصوص عليها كعاصمة أبدية لإسرائيل، إلى جانب حدود بلدية القدس العربية المسـتحدثة (أبو ديس وجوارها) كعاصمة إدارية للسلطة الفلسطينية يطلق عليها اسـم "القـدس"، وخارطة تتعلق بالمستوطنات ذات الكثافة السـكانية، وأخرى بمصادر المياه المشتركة". "هآرتس" ذهبت أبعد من ذلك قائلة "إن الوثيقة تنص على إقرار الطرفين بأن اتفاقيتي أوسـلو(1) و(2) هما الأسـاس الذي يقوم عليه الحل النهائي" المحددة معالمه في هذه الوثيقة. (التشديد في الأصل)
ومضى جون كيري في توضيح الثابت من توجهاته ومبادرته، نهاية الاسبوع الجاري، أن "أمن اسرائيل" يشكل أولوية قصوى للولايات المتحدة في جولات المفاوضات النووية مع ايران ومع الفلسطينيين. وأضاف لمن لم يقرأ تصريحاته بدقة، "لا أستطيع إضفاء مزيد من التشديد على أن أمن اسرائيل في جولة المحادثات الراهنة (مع إيران) على رأس سلم جدول أعمالنا .. أمن اسرائيل يعد الركن الاساسي لهذه المفاوضات".
أهمية "اسرائيل" بالنسبة للولايات المتحدة لخصها مستشار الأمن القومي الاسبق، وليم كوانت، في عهد الرئيس جيمي كارتر، 1977-1980، بالقول "ان التعامل مع اسرائيل هو بمثابة التنبؤ بربع قرن قادم امامنا، اما التعامل مع العرب فهو تعامل مع سياسة اللحظة الراهنة .. اسرائيل هي الحليف الوفي للولايات المتحدة في المنطقة؛" اكدته ايضا صحيفة "عل همشمار" في عددها الصادر يوم 29 نيسان 1986 بأن "اسرائيل جعلت من جيشها الذراع المستقبلية المحتملة للولايات المتحدة الاميركية."
ربما المتغير الجديد في "السياسة الاسرائيلية" هو اولوية ايران وبرنامجها النووي مقابل تراجع ملحوظ للمضي في "مفاوضات التسوية" مع السلطة الفلسطينية. الأمر الذي حدا بها الى اطلاق صرخات الاستغاثة العالية لدى عواصم الدول الغربية بضرورة محاصرة تطور البرنامج النووي الايراني، وعدم التوقف عن التهويل بالخيار العسكري ضد المنشآت النووية وغيرها. وكما جرت العادة، فان توجه الكونغرس بمجلسيه نحو المصادقة ودعم اتفاق بهذا الشأن يرتبط عضويا برضى وموافقة "اسرائيل؛" ولا ينتقص منه معارضة الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات "الاسرائيلية،" يوفال ديسكين، الذي انتقد بشدة ايلاء الاولوية لايران على حساب التوصل لتسوية مع السلطة الفلسطينية.
استنادا الى جملة من المعطيات، باستطاعتنا القول ان "لاسرائيل دور تنفذه من خلف الستار" في المفاوضات النووية الجارية تجسد نظرتها لما تعتبره "قيود مقبولة" تفرض على مستقبل البرنامج النووي برمته. واوضحت يومية "هآرتس" الدور الخفي والاساسي بالقول ان "اسرائيل تبقي على اتصال مستمر بطواقم التفاوض (5+1) .. بغية ادخال الصيغة المقبولة لها في تعديلات الاتفاق، ودرءا للتنازلات التي قد تقدم لايران فيما يتعلق بمفاعلها للمياه الثقيلة في اراك ..".
ترتيبات أمنية مقترحة من كيري لمصلحة "اسرائيل"
المبعوث الامريكي السابق لـ "عملية السلام" الجنرال جيمس جونز استكمل الترتيبات الأمنية التي بدأها سلفه الجنرال كيث دايتون، الذي ارسى مفاهيم جديدة لعقيدة "قوى الأمن الفلسطينية" محورها "المحافظة على أمن اسرائيل" والمستعمرين اليهود. في عهد جون كيري تم تعيين الجنرال جون آلان في مهمة "المبعوث الاميركي الخاص لقضايا أمن اسرائيل،" لبلورة الاطار النهائي للحل الاميركي. على رأس مهامه، وفق توصيف كيري، مهمة "تقييم التهديدات المحتملة التي تواجه اسرائيل، والمنطقة، وضمان ترتيبات واجراءات أمنية .. لتوفير اعلى مستوى من الأمن لاسرائيل."
وما لبث جون كيري ان اوضح مجددا مراميه في حديث ادلى به في منتدى صابان، التابع لمعهد بروكينغز، من تعيين الجنرال الآن بالقول: سيرافق الجنرال طاقم كبير من الخبراء يصل عددهم نحو 160 فردا يضم "خبراء عسكريين، ضباط استخبارات وآخرين في نطاق تحليل المعطيات لبلورة تصور في منتهى الجدية يطرح على طاولة المفاوضات." ويدعم طاقم الجنرال الآن "خبراء ومسؤولين عسكريين يعملون في بضع عشرات من الاجهزة في الولايات المتحدة، تضم مكتب وزير الدفاع؛ وكالة التعاون والأمن (في البنتاغون)؛ وكالة خفض التهديد؛ وهيئة البنتاغون للابحاث العلمية – داربا التي لها الفضل في انشاء شبكة الانترنت؛ عدا عن قيادة هيئة الاركان المشتركة واسلحة القوات البرية والبحرية والجوية ومشاة البحرية – المارينز .. والذين يجرون تنسيقا عاليا مع جيش الدفاع الاسرائيلي .. والشين بيت والموساد .. وكذلك مع الفلسطينيين .."
مبادرة وتوضيحات كيري، في الشق الفلسطيني والملف الايراني، تثبت مجددا ان ما يهم اميركا في اي تسوية او تفاق مرتقب هو الاتساق مع المطالب "الاسرائيلية،" بصرف النظر عن تصريحات مسؤولين "اسرائيليين" سابقين تدغدغ عواطف الرأي العام، كتصريحات ديسكين مثلا.
"إسرائيل" محور التسويات الأميركية
تدرك "اسرائيل" بدقة، استنادا لتقارير الاجهزة الاستخبارية الغربية، ان ايران تخطت حاجز القدرة على تخصيب اليورانيوم؛ بيد ان الاولى ترغب في تقييد جهود التطوير المقبلة. الأمر الذي يشي "باستيعاب اسرائيل" لقدرة ايران انتاج الجيل الأول من القذائف النووية، وترمي الى حرمانها من التوصل لانتاج الجيل الثاني المتطور. تقنية الجيل الأول للقذائف النووية تستند الى عنصر اليورانيوم 235، والذي من العسير تحميله كرأس حربي على الصواريخ الايرانية بعيدة المدى نظرا لوزنه الثقيل نسبيا (قنبلة هيروشيما الاميركية بلغ وزنها 4.5 طن وطولها 3 أمتار، وقوة الانفجار الناجم عنها عادل 12.5 الف طن من مادة تي ان تي، امتد انتشاره على دائرة قطرها من 3 الى 5 كلم ليفتك بكل ما تواجد على القشرة الارضية، من انسان وجماد).
وعليه، فان مفاعل اراك للمياه الثقيلة يشكل المنصة لأي رغبة محتملة لايران للدخول في صلب مشروع الاجيال المتطورة للقذائف النووية، نظرا لدوره في انتاج عنصر البلوتونيوم الضروري لانتاج قذائف اصغر حجما واشد فتكا واقل وزنا من الجيل الأول. لهذا السبب، تعارض "اسرائيل" السماح لمفاعل اراك المضي في دورة الانتاج. تقلق "اسرائيل" وعينها على اجهزة التفجير النووية المتطورة والتي يمكن تفعيل صواعقها بسهولة نسبية. فعنصر البلوتونيوم يتعرض لتفجير داخلي باستخدام صواعق ومواد تفجيرية متطورة ليصل الى الكتلة الحرجة المطلوبة.
للبلوتونيوم خاصية اخرى تتعلق بتطويع مكوناته لانتاج قذائف بالتفجير الحراري صغيرة الحجم والوزن، مما يعزز من اهميته في تحميل الرؤوس المتفجرة على صواريخ قاذفة. ومن هنا يمكن الاستدلال على كنه القلق "الاسرائيلي" لجهود تخصيب اليورانيوم القائمة في ايران، ومطالبتها الدول الغربية بموقف متشدد من جهود ايران كي تتسق مع تحويل مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% (190 كلغم) الى اوكسيد اليورانيوم الذي لا يدخل في تطوير وصناعة الاسلحة النووية.
سيناريو "إسرائيل" الخيالي لهجوم عسكري
اضافة لما تقدم، يبقى هاجس "اسرائيل" بشن هجوم عسكري على ايران يراود صناع القرار كوسيلة ابتزاز للدول الغربية، وعلى رأسها اميركا، بعد ارجائها للخيار العسكري ضد ايران. وتطمح "اسرائيل" للحصول على تطمينات "سرية" اميركية تنص على السماح لها بشن هجمات عسكرية ضد المنشآت النووية الايرانية، في حال الفشل بالتوصل الى اتفاق مع ايران، وفي نفس الوقت تعتبر موافقتها الضمنية بالغة الاهمية لاتفاق يتوصل اليه الاميركيون مع الطاقم الايراني المفاوض.
من غير المستبعد حصول "اسرائيل" على موافقة اميركية بهذا الشأن سيما وانها لن تشكل سابقة لضوء اخصر اميركي للجوء الى الخيار العسكري نيابة عنها. ومن المرجح ان تطالب "اسرائيل" بضمانات عدة من واشنطن، منها عدم تعرضها لاجراءات مقاطعة تقودها الولايات المتحدة نتيجة للهجمات العسكرية، وكذلك حماية الدول "الخليجية" والاخرى الميسرة لمرور سلاحها الجوي فوق اراضيها؛ وضمان "تجاهل" القوات الاميركية المتعددة في منطقة الخليج لتنفيذ عدوانها ضد ايران؛ واخيرا ضمان وصولها لاستخدام اسلحة اميركية جد متطورة، مثل القنابل الخارقة للتحصينات.
تطوير العلاقات العسكرية المشتركة بين "اسرائيل" والولايات المتحدة ليس امرا او مطلبا طارئا، بل ستطالب الاولى بالمزيد من المعدات والاجهزة واجراءات التنسيق، للمحافظة على مكانتها كقاعدة عسكرية متقدمة ومتطورة تقوم بمهام الولايات المتحدة نيابة عنها. ومن المجالات البارزة في هذا الشأن، منظومات الدفاع الصاروخية ضد القذائف قصيرة المدى والمديات البعيدة، الامر الذي تعتبره "اسرائيل" مقدمة لموافقتها على تحسين نطاق معاملتها للسلطة الفلسطينية.
"التسوية" الفلسطينية تمر عبر نفق طهران وجنيف
الإصرار بتوفير الضمانات الاميركية "لأمن اسرائيل" يشكل العنصر الطاغي في مكونات سياسة الادارة الاميركية في الشرق الاوسط. تخلف "اسرائيل" عن دعم اتفاق مع ايران، ولو ضمنيا، سيفرض الفشل لاي مساعي لاتفاق بهذا الشأن، لا سيما اذ نظرنا الى دخول عامل الكونغرس بمجلسيه لتلبية متطلبات الاولى والذي ابدى جهوزيته لانزال عقوبات اقتصادية متشددة ضد ايران مما سيبطل مفعول اي اتفاقية واعاقة الجهود التالية لاحراز تقدم في التوصل لحل ديبلوماسي للأزمة السورية.
عقد توازن بين مطالب ايران و"اسرائيل" هي أس مهمة كيري الديبلوماسية، بحيث يتاح لايران القدرة على تخصيب اليورانيوم على اراضيها، ووعيه لعزم "اسرائيل" حرمان ايران من تطوير جهودها لاقتناء الاجيال التالية من المعدات والصواعق النووية.
يدرك كيري والرئيس اوباما سويا ان موافقة "اسرائيل" على الاتفاق النووي مع ايران مشروطة بابقاء الخيار العسكري قيد التداول برغم معارضة الرئيس اوباما لشن الاولى هجوم عسكري على ايران، بل ستلح على "حقها في اللجوء اليه." خلافا لذلك، من شبه المؤكد ان تمضي "اسرائيل" في جهودها لتقويض الاتفاق عبر حلفائها الكثر في مجلسي الكونغرس.
من مصلحة "اسرائيل" مطالبة اميركا تكثيف تواجدها العسكري في المنطقة لمستويات ابعد من الحالة الراهنة، على ضوء العلاقات الثنائية المتوترة بين اوباما ونتنياهو. اذ يعتقد الاخير ان مزيدا من عسكرة المنطقة ستدفع ايران الى التفاوض للتوصل الى اتفاق، ويتيح في الوقت نفسه الفرصة للتوصل الى ترتيبات أمنية مع السلطة الفلسطينية.
السياسة الاميركية في المنطقة في عهد كيري تستدعي التوصل الى اتفاق نووي مع ايران ثمرة لمفاوضات جنيف، بحيث تصبح مقبولة لدى ايران و"اسرائيل،" التي تطالب بترتيبات أمنية اضافية مع فريق السلطة الفلسطينية. الزمن كفيل بالإجابة على مدى فعالية وحنكة جون كيري التوصل إلى ذلك من عدمه.
اوباما يطلق النار علي قدميه
في الوقت الذي يحاول الرئيس الامريكي باراك اوباما واعضاء ادارته الظهور بمظهر من يسعي للالتزام بالاتفاق النووي بين ايران ومجموعة ۵+۱ الذي تم التوصل اليه في ۲۴ تشرين الثاني / نوفمبر في جنيف ، عبر اقناع الصقور في الكونغرس الامريكي بعدم فرض عقوبات جديدة علي ايران ، تفاجيء هذه الادارة العالم بفرض عقوبات غير مبررة ومريبة علي ايران.
ففي يوم الخميس ۱۲ كانون الاول /ديسمبر اضافت وزارتا الخزانة والخارجية الامريكية ۱۰ اسماء لشركات وافراد ايرانيين واجانب علي لائحتها السوداء بذريعة التفافهم علي الحظر الامريكي علي ايران.
الملفت ان مساعد وزير الخزانة الامريكية ديفيد كوهين، اعتبر اتفاق جنيف لا يتدخل ولن يتدخل في جهود امريكا الرامية إلي الكشف والوصول لجميع الذين يدعمون البرنامج النووي الإيراني أو الذين يسعون إلي الالتفاف حول الاتفاق ، في الوقت الذي لا معني لاتفاق جنيف دون ان تقلص ايران من نشاطها النووي في مقابل عدم فرض عقوبات جديدة عليها. فاتفاق جنيف قائم علي ركيزتين ، الاولي ان تحد ايران من نشاطها النووي خلال الاشهر الستة القادمة ، والثانية ان توقف امريكا والغرب ، خلال هذه الفترة ، اية اجراءات يمكن ان تشدد من الحظر المفروض علي ايران ، وفي حال اهتزت اي من هاتين الركيزيتن ينهار اتفاق جنيف برمته.
وحسنا فعلت ايران عندما استدعت فريق الخبراء الايرانيين ، الذي يفاوض منذ يوم الاثنين مندوبي مجموعة ۵+۱ (الولايات المتحدة والصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا والمانيا) الي طهران و وقف عملية التفاوض ، لدراسة الوضع واتخاذ موقف يتلائم مع هذا الاجراء الامريكي المرتبك وغير المسؤول.
الخارجية الايرانية وعلي لسان المتحدثة باسمها مرضية افخم حملت الادارة الامريكية مسؤولية تداعيات الاجراءات غير المدروسة ، واعربت عن اسفها للتخبط المشهود في توجهات الادارة الامريكية وقراراتها وتصريحات المسؤولين فيها.
اما مساعد وزير الخارجية والمفاوض الايراني عباس عراقجي فقد اعتبر الخطوة الاميركية مخالفة لروح اتفاق جنيف مشددا علي ان طهران ستدرس الوضع وستصدر رد فعل مناسب علي هذه الخطوة.
وذات الموقف صدر ايضا عن المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا التي اعتبرت قرار الادارة الامريكية يتعارض مع روح اتفاق جنيف، وحذرت من ان توسيع القائمة الامريكية السوداء يمكن ان يعقد بشكل خطير تنفيذ اتفاق جنيف.
اخيرا ورغم ان الحظر الامريكي الجديد ، لن يكون ذات اهمية او تاثير يذكر علي البرنامج النووي الايراني ، ورغم ما قيل انه ليس جديدا بل هو تفعيل لقانون قديم ، الا انه يتعارض مع روح اتفاق جنيف ، الذي يحتاج لتطبيقه ، توفير اجواء ايجابية ، عبر اجراءات تساهم في بناء الثقة المتبادلة ، كما فعلت ايران عندما سمحت للمفتشين الدوليين بزيارة منشأة اراك للماء الثقيل، واستعدادها لاستقبال مفتشين اخرين لتفقد باقي منشاتها النووية ، فاجراء ادارة اوباما يعكس تخبطا وارباكا واضحا في التعامل مع قضايا دولية ذات اهمية كبري لارضاء المتطرفين في امريكا ، وعجزا فاضحا في التعامل مع قوي تسعي لافشال اتفاق جنيف وفي مقدمتها اسرائيل ، دون ان يدرك اوباما انه بذلك يطلق النار علي قدميه .
بقلم : ماجد حاتمي
إيران تحمل واشنطن عواقب العقوبات الجديدة
المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية تحمل واشنطن عواقب فرضها عقوبات جديدة على شركات ايرانية، وتشير إلى أن مجموعات ضغط من داخل الولايات المتحدة وخارجها تعمل على القضاء على اتفاق جنيف النووي، وتصف هذه المجموعات بأنها تفتقد للإدراك الكامل.
حملت المتحدثة باسم الخارجية الايرانية مرضية أفخم الولايات المتحدة الأميركية عواقب فرضها عقوبات جديدة على شركات ايرانية.
أفخم أعربت عن أسف بلادها للعقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية على إيران واصفة السياسة الأميركية بالتائهة في آلية إتخاذ قراراتها.
أفخم أكدت أن ايران تلمس حالة من الضياع في تصريحات المسؤولين الأميركيين الذين يعملون على تبرير بعض أعمالهم.
واعتبرت أفخم القرار الأميركي بتشديد العقوبات بأنه يضر بالمسار الذي اتبعته الإدارة الأميركية سابقاً، لاسيما لجهة تأكيد المسؤولين الأميركيين رفضهم الصريح لفرض عقوبات جديدة.
وأوضحت المتحدثة باسم الخارجية أن مجموعات ضغط من داخل الولايات المتحدة وخارجها يعملون على القضاء على اتفاق جنيف النووي، ووصفت هذه المجموعات بأنها تفتقد للإدراك الكامل، وأنها تعتقد أن سياسة العقوبات ستؤدي إلى حل نهائي.
بدوره، إعتبر أمين سر مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي أن القرار الأميركي بفرض عقوبات جديدة على شركات ايرانية يعني أن الولايات المتحدة لديها مخطط جديد ضد بلاده، ويعني الدخول في مواجهة جديدة مع إيران.
وأكد رضائي أن القرار الأميركي يعني أن واشنطن لا تنوي الإستمرار بما تعهدت به في التعاون مع ايران، وأن هذا القرار سيوجه ضربة قوية لمسيرة التفاوض والتفاهم.
وفي سياقٍ متصل، نقلت وكالة الأنباء الطلابية الايرانية "إيسنا" عن "مصدر المسؤول"، أن الفريق الإيراني المفاوض ترك فيينا واتجه إلى طهران للتشاور، رداً على القرار الأميركي.
وأكد المصدر المسؤول لـ"إيسنا" أنه كان مقرراً إستمرار المفاوضات ليوم الجمعة، خاصة أن الطرفين كانا قد وصلا إلى نقاطٍ مشتركةٍ جيدة، غير أن القرار الأميركي جاء ليخالف كافة التوافقات، الأمر اضطر الفريق الإيراني لوقف المفاوضات.