Super User

Super User

أعلن وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قريشي، الأحد، أن بلاده سترسل وفدًا رفيع المستوى، إلى إيران لبحث تداعيات الهجوم الذي استهدف "الحرس الثوري" جنوب شرقي البلاد، قبل أيام.

جاء ذلك في اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الباكستاني، ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، بحسب بيان لوزارة الخارجية الإيرانية.

وقال قريشي إن بلاده سترسل وفدًا متخصصًا إلى إيران لإجراء محادثات مع سلطات البلاد حول الهجوم الأخير.

وأعرب الوزير الباكستاني عن استعداد بلاده "لأي تعاون للتحقيق في الحادث المؤسف، والمكافحة المشتركة للجماعات الإرهابية"، بحسب المصدر نفسه.

كما أدان قريشي الهجوم، معربًا عن تعاطفه مع عوائل الضحايا.

وفي وقت سابق اليوم، استدعت الخارجية الإيرانية، سفيرة باكستان في طهران "رفعت محمود"، وسلمتها مذكرة احتجاج على خلفية الهجوم.

والسبت، اتهم الحرس الثوري كلًا من باكستان والسعودية والإمارات، بـ"دعم" الهجوم، الذي وقع قرب مدينة "زاهدان" بمحافظة "سيستان وبلوشستان"، المتاخمة للحدود الباكستانية، وأسفر عن مقتل 27 عنصرًا وإصابة 13 آخرين.

وطالب قائد "الحرس" محمد علي جعفري، في تصريح صحفي، إسلام آباد بـ"الالتزام بشكل جدي بمسؤولياتها في مكافحة الإرهاب وضمان أمن الحدود المشتركة".

وأعلنت جماعة "جيش العدل" المسلحة، مسؤوليتها عن الهجوم الذي وقع الأربعاء الماضي.

وتقول الجماعة إنها "تدافع عن" حقوق البلوش (أقلية عرقية سنية)، وتنشط جنوبي البلاد؛ فيما تعتبرها طهران "تنظيما إرهابيًا".  

في ذكرى مولد آية الله العظمى المرجع الديني والقائد الكبير الإمام روح الله الموسوي الخميني يحتار الكاتب والباحث في أيّ جانب يتطرّقون إليه في شخصيته العظيمة، فما من جانب من جوانبها إلا وتتأصّل فيه الفكر والعظمة والابتكار، كما أنّ كل جانب منها يحتاج إلى خوض بحوث معمّقة لاكتنافها وتوضيح معالمها.

1- مرحلة الطفولة:

ولد الإمام الخميني عام (1320 هـ 21/9/1902م) بمدينة (خُمين) وهي تبعد 349 كلم جنوب غربي (طهران) في بيت عُرف بالعلم والفضل والتقوى.. ولم تمضِ على ولادته ستة أشهر حتى استُشهد والده آية الله السيد مصطفى الموسوي على أيدي قطّاع الطرق، المدعومين من قِبل الحكومة آنذاك، وكان استشهاده في الحادي عشر من ذي القعدة عام (1320 هـ). وهكذا، تجرّع الإمام الخميني منذ صباه مرارة اليتم، وتعرّف على مفهوم الشهادة.

أمضى الإمام فترة طفولته وصباه تحت رعاية والدته المؤمنة السيدة (هاجر)، التي تنتسب لأسرة اشتُهرت بالعلم والتقوى، وكفالة عمّته الفاضلة (صاحبة خانم)، التي عُرفت بشجاعتها وقول الحق، وفي الخامسة عشرة من عمره الشريف افتقد وجود هاتين العزيزتين.

الأسرة والأبناء:

اقترن عام (1929م) بكريمة المرحوم آية الله الحاج الميرزا محمد الثقفي الطهراني، وكانت ثمرة هذا الاقتران ثمانية أبناء هم:

1- الشهيد آية الله السيد مصطفى.

2- ابن اسمه علي توفي في سن الرابعة.

3- السيدة صديقة عقيلة المرحوم آية الله إشراقي.

4- السيدة فريدة عقيلة السيد الأعرابي.

5- السيدة فهيمة (زهراء) عقيلة الدكتور السيد البروجردي.

6- بنت اسمها سعيدة توفيت ولها من العمر سبعة شهور.

7- المرحوم حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني.

8- بنت اسمها لطيفة توفيت وهي طفلة.

ومع أنّ سماحته كان يعتمد طوال حياته السياسية وجهاده على الله، ويتوكل عليه فحسب، ويستمد العون منه وحده، ويواصل خطواته بوحي من ثقته بإيمانه، إلاّ أنّ الدور الفعّال والمؤثر لولده الأكبر السيد مصطفى - إلى جواره - طوال مراحل النهضة الإسلامية، لم يكن خافياً على أحد. ونظراً لهذا الدور الذي كان يضطلع به السيد مصطفى في تنظيم طاقات الثورة، وجمع الأخبار والمعلومات اللازمة، وإيصال نداءات قائد الثورة السرّية إلى المراجع العظام والعلماء وزعماء الفصائل السياسية، وإيجاد قنوات الاتصال والتواصل مع العناصر الثورية، ألقت عناصر نظام سلطة الشاه القبض عليه وأُودع السجن، ثم تم نفيه بعد إطلاق سراحه، كوالده الكبير إلى تركيا، ومن ثم إلى العراق. ولا شكّ أنّ الذي مهّد الطريق لاستشهاده عام (1978) لم يكن غير دوره الفاعل في النهضة الإسلامية ومواصلتها.

ومن تلك اللحظة التي استُشهد فيها، ألقت المشيئة الإلهية المسؤولية التي كانت ملقاة حتى ذلك التاريخ على عاتق السيد مصطفى الخميني، على كاهل شاب لا يقلّ عن أخيه حنكة وتدبيراً، ألا وهو السيد أحمد الخميني.

ولا يخفى إنّ طريقة حياة الإمام ، وبساطة عيشه، ولكونها نابعة من معتقداته الدينية، بقيت ثابتةً لم تتغير في مختلف مراحل حياته، وطوال مسيرة جهاده السياسي الحافلة بالأحداث.

لقد دُهِش الصحفيون الأجانب ومراسلو وكالات الأنباء العالمية، الذين سُمح لهم بعد رحيل الإمام بزيارة محل إقامة سماحته، دُهِشوا لمشاهدتهم البيت المتواضع، ووسائل المعيشة البسيطة. وإنّ ما رأَوه لا يمكن مقارنته بأيّ وجه مع نمط حياة رؤساء البلدان والزعماء السياسيين والدينيين في عصرنا الراهن.. إنّ أسلوب حياته وبساطة معيشته يعيدان إلى الأذهان الصورة التي كانت عليها حياة الأنبياء عليهم السلام والأولياء والصالحين ومن أراد أن يطلع على سيرته الكاملة فليراجع الكتب المدّونة في ذلك بما فيها مجموعة قبسات من سيرة الإمام الخميني(ره) إعداد غلام علي الرجائي، ومن أراد أن يطلع باختصار فليراجع كتاب الإمام الخميني سيرة ومسيرة من إعداد مكتب الإمام الخامنئي في سورية.

مؤلفات حول الثورة الإسلامية والإمام الخميني:

1- قبسات من سيرة الإمام الخميني  لغلام علي رجائي، طبعة الدار الإسلامية، بيروت.

2- رجل من أهل قم للشيخ حسن فؤاد حمادة، طبعة دار الهادي، بيروت.

3- حديث اليقظة للأستاذ حميد أنصاري، طبعة دار الولاء، بيروت.

4- الإمام الخميني والثورة الإسلامية في إيران المحامي أحمد حسين يعقوب، طبعة الغدير للدراسات والنشر، بيروت.

ميلاد السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ([1])

وليدة الأسرة المباركة:

غني عن التعريف أن نذكر حياة كلّ من النبي الأكرم(ص)  والسيدة خديجة عليها السلام وكيفية زواجهما، إمّا النبي الأكرم (ص)  فهو خير البشر أجمع ولا يقاس به أحد وهو أفضل المخلوقات وسر وجودها وأمّا السيدة خديجة الكبرى فهي أول إمرأة آمنت برسول الله (ص)  وصدقته وآزرته بمالها فلذا كان رسول الله(ص)  يودّها ويحترمها ويشاورها في أموره، وكانت له وزير صدق...

وفي حقها قال النبي(ص) : «وخير نساء أمّتي خديجة بنت خويلد»([2]).

ففاطمة الزهراء عليها السلام ولدت من هذين الشخصيتين العظيمتين وهما النبي الأعظم محمد بن عبد الله (ص)  والسيدة خديجة الكبرى بنت خويلد.

وقد روى أكثر العلماء ومنهم الشيخ الطوسي في المصباح والعلامة المجلسي في حياة القلوب أن ولادة تلك السيدة الجليلة تصادف العشرين من شهر جمادى الثانية ويوم الجمعة في السنة الخامسة بعد المبعث وقيل لسنتين بعد المبعث([3]).

وفي رواية أخرى عن عائشة قالت: فادركتني الغيرة يوماً، فقلت: وهل كانت إلا عجوزاً قد أخلف الله لك خيراً منها.

قالت: فغضب حتى اهتزّ مقدم شعره، وقال: والله ما أخلف لي خيراً منها، لقد آمنت بي إذ كفر الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، وأنفقتني مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله أولادها إذ حرمني أولاد الناس.

قالت: «فقلت في نفسي والله لا أذكرها بسوء أبداً»([4]).

في هذا الجو من البهجة والسعادة والاحترام المتبادل وُلِدَت الزهراء عليها السلام ؛ فأبوها أشرف الخلق، وسيد الرسل، وخاتم الأنبياء، وحبيب الله، وهو الذي كان يتمتّع بالخُلُق السّامي حتى أثنى عليه القرآن الكريم فقال سبحانه وتعالى: (وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ)([5]) وأمّها كانت سيدة قومها ذات الشرف السامي والنسب الرفيع، والجمال المهذّب، والمال الوفير، والعقل الموزون، والشخصية المتميّزة، فهي سيدة قومها...

الزهراء كانت وليدة من هكذا أمٍّ وأبٍ فهي من دوحة النبوة، ومن ذلك الشرف والعز والعظمة.

أما كيف انعقدت نطفتها الطاهرة؟ فإليك ما اتفق عليه مؤرخوا المسلمين عن الإمام الرضا(ع) قال: قال النبي(ص): «لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبـرئيل وأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته، فتحوّل ذلك نطفة في صلبي فلمّا هبطت واقعت خديجة، فحملت بفاطمة، ففاطمة حوراء إنسية، فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة»([6]).

وفي (الروض الفائق) لشعيب المصري: روى بعض الرواة الأجلاء أن خديجة الكبرى تمنّت يوماً من الأيام على سيد الأنام النبي(ص) أن تنظر إلى بعض فاكهة الجنة، فأتى جبرئيل إلى نبي الرحمة بتفّاحتين من الجنة، وقال: «يا محمد يقول لك من جعل لكل شيء قدراً كُلْ واحدةً وأطعِم الأخرى لخديجة الكبرى، واغشها، فإني خالق منكما فاطمة الزهراء، ففعل المختار ما أشار به الأمين وأمر».. إلى أن قال: «فكان المختار كلّما اشتاق إلى الجنة ونعيمها قبّل فاطمة وشمّ طيب نسيمها، فيقول حين يستنشق نسمتها القدسيّة: إن فاطمة حوراء إنسية»([7]).

أقول: هذه الرواية وعشرات في مضمونها وردت في أمّهات المصادر وكتب التاريخ تؤكد أن نطفة الزهراء انعقدت من فاكهة الجنة، وإنّ الجليل سبحانه وتعالى شاء أن تكون الزهراء حوراء إنسية كما أشار إلى ذلك النبي(ص) ، لذا وجدتُ من الأهمية بمكان أن أشير إلى جملة من المؤرخين وإلى بعض المصادر التي ذهبت إلى ذكر هذا المعنى المتّحد في ذاك المضمون وبألفاظ متقارب منهم:

الخطيب البغدادي في (تاريخه) الجزء الخامس ص87.

والخطيب الخوارزمي في (فضل الحسين) ص63.

والحافظ الذهبي في (ميزان الاعتدال) الجزء الأول ص38.

والعلامة الزرندي في (نظم درر السمطين).

والحافظ العسقلاني في (لسان الميزان) الجزء الخامس ص160.

والعلامة القندوزي في (ينابيع المودة).

والعلامة محب الدين الطبري في (ذخائر العقبى) ص43.

أقول: لقد روى هؤلاء الأعلام خبر فاكهة الجنة وانعقاد نطفة الزهراء(س) منها، وبطرق عديدة، ورواتها كلّ من: عائشة، وابن عباس، وسعيد بن مالك، وعمر بن الخطاب.

إذاً متى ولدت أم الأئمة فاطمة عليها السلام ؟

اتفقت الأخبار من طرقنا الخاصة ومن طرق غيرنا أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنوات، وفي بعض الأخبار أنها ولدت بعد المعراج مباشرة، وسنة المعراج (الأول) للنبي(ص)  كانت في السنة الثالثة من المبعث، وقيل في السنة الثانية.

ومن خلال عدة من النصوص أنّ النبي عرج به إلى السماء أكثر من مرة لذا تصدق تلك الروايات التي قالت كانت ولادة فاطمة في السنة الخامسة بعد المبعث وهي السنة التي عرج بها النبي إلى السماء وأكل من فاكهة الجنة([8]).

أما اليوم فإنه كان في العشرين من جمادى الآخرة وأقامت مع أبيها بمكة ثماني سنين، ثم هاجرت مع الفواطم إلى المدينة المنورة، وعلى هذا التحديد جملة كبيرة من علماء الأمة وكبار المؤرخين كالشيخ الكليني في كتابه (الكافي).

وابن شهر آشوب في (مناقب آل أبي طالب).

والشيخ المفيد كما في (إقبال الأعمال)، و(حدائق الرياض).

والشيخ الكفعمي في (المصباح)، وهكذا الشيخ الطوسي.

والطبري في (دلائل الإمامة)؛ كما هو المروي عن الإمام الصادق(ع)، والشيخ المجلسي في (بحار الأنوار) الجزء 43.

وعليه تأكّد لنا أن ولادة الزهراء عليها السلام كان بعد المعراج مباشرة، وهذا يعني أنها ولدت بعد البعثة المباركة بخمس سنين. ومن قال غير ذلك فهو ضعيف لا يقوم على دليل لأن قبل المبعث لم يكن معراج ولا إسراء، فافهم وتدبّر، ولا تذهب بك الظنون والمذاهب.

فاطمة... فداها أبوها:

روى الصدوق في (أماليه)، بسنده عن محمد بن قيس، قال: كان النبي(ص)  إذا قدم من سفر بدأ بفاطمة عليها السلام فدخل عليها فأطال عندها المكث، وقد خرج مرة في سفر فصنعت فاطمة عليها السلام مسكتين من ورق وقلادة وقرطين([9]) وستراً لباب البيت لقدوم أبيها وزوجها(ع)، فلمّا قدم رسول الله(ص)  دخل عليها فوقف أصحابه على الباب لا يدرون يقفون أو ينصرفون لطول مكثه عندها، فخرج عليهم رسول الله(ص)  وقد عرف الغضب في وجهه حتى جلس عند المنبر، فظنّت فاطمة عليها السلام أنه إنّما فعل ذلك رسول الله(ص)  لما رأى من المسكتين والقلادة والقرطين والستر، فنزعت قلادتها وقرطيها ومسكتيها، ونزعت الستر، فبعثت به إلى رسول الله(ص)  وقالت للرسول: قل له تقرأ عليك ابنتك السلام وتقول: اجعل هذا في سبيل الله: فلمّا أتاه قال (ص) : «فعلت!. فداها أبوها - ثلاث مرات - ليست الدنيا من محمد ولا من آل محمد، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله من الخير جناح بعوضة ما أسقى فيها كافراً شربة ما». ثم قام فدخل عليها([10]).

محبة فاطمة وشفاعتها:

عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قلت لأبي جعفر الباقر(ع): جعلت فداك يا ابن رسول الله حدّثني بحديث فضل جدتك فاطمة، إذا أنا حدّثت به الشيعة فرحوا بذلك.

فقال أبو جعفر(ع): «حدّثني أبي عن جدّي عن رسول الله(ص)  قال: إذا كان يوم القيامة تُنصب للأنبياء والرسل منابر من نور، فيكون منبـري أعلى من منابرهم يوم القيامة.

ثم يقول: اخطب، فاخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها.

ثم ينصب للأوصياء منابر من نور، وينصب لوصيّ علي بن أبي طالب في أوساطهم منبـر، فيكون منبـره أعلى من منابرهم.

ثم يقول: يا علي اخطب، فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها.

ثم ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور، فيكون لابني وسبطي وريحانتي أيام حياتي منبـر من نور، ثم يقال لهما: اخطبا. فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلها.

ثم ينادي المنادي وهو جبـريل(ع): أين فاطمة بنت محمد؟ فتقوم (س)، إلى أن قال: فيقول الله تبارك وتعالى: يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم؟

فيقول: محمد وعلي والحسن والحسين عليهم السلام: لله الواحد القهار.

فيقول الله تعالى: يا أهل الجمع إني قد جعلتُ الكرم لمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين.

يا أهل الجمع: طأطؤا الرؤوس، وغضّوا الأبصار، فإن هذه فاطمة تسير إلى الجنة، فيأتيها جبـرئيل بناقة من نوق الجنّة، مدبّجة الجنبين، خطامها من اللؤلؤ الرطب، عليها رحل من المرجان فتناخ بين يديها، فتركبها، فيبعث الله مائة ألف ملك ليسيروا عن يمينها، ويبعث إليها مائة ألف ملك ليسيروا عن يسارها، ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها على أجنحتهم، حتى يصيروا على باب الجنة، فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت، فيقول الله: يا بنت حبيبي ما التفاتك، وقد أمرتُ بك إلى جنّتي؟

فتقول: يا رب أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم.

فيقول الله: يا بنت حبيبي! ارجعي فانظري من كان في قلبه حبٌ لكِ أو لأحد من ذريتك، خُذي بيده فأدخليه الجنة».

قال أبو جعفر الباقر(ع): «والله يا جابر، إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبّيها، كما يلتقط الطير الحبّ الجيد من الحبّ الرديء، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا يقول الله تعالى: يا أحبّائي ما التفاتكم، وقد شفّعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟

فيقولون: يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم.

فيقول الله: يا أحبّائي. ارجعوا وانظروا من أحبّكم لحب فاطمة.

انظروا من أطعمكم لحب فاطمة.

انظروا من سقاكم شربة ماء لحب فاطمة.

انظروا من ردّ عنكم غيبة في حب فاطمة.

فخذوا بيده وأدخلوه الجنة»([11]).

نعم إنها الجنة إن شاء الله، هذه فاطمة بنت محمد(ص)  إنها لتشفع لمحبّيها يوم المحشر على رغم أنوف مبغضيها.

منزلة فاطمة عند رسول الله (ص):

روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله(ص)  في مرضه الذي قبض فيه، لفاطمة(س): بأبي وأمي انتِ! أرسلي إلى بعلك فادعيه لي.

فقالت فاطمة للحسين أو للحسن: «انطلق إلى أبيك فقل: يدعوك جدّي».

فانطلق إليه الحسين(ع) فدعاه، فأقبل علي بن أبي طالب(ع) حتى دخل على رسول الله(ص)  وفاطمة عنده وهي تقول: «وا كرباه لكربك يا أبتاه!».

فقال رسول الله(ص) : «لا كرب على أبيك بعد اليوم يا فاطمة، ولكن قولي كما قال أبوك على إبراهيم([12]): تدمع العينان، وقد يوجع القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون».

وروي أن النبي(ص)  دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين(ع) وقال لمن في بيته: أخرجوا عني.

وقال لأم سلمة: كوني على الباب فلا يقربه أحد.

ثم قال لعلي: اُدنُ منّي، فدنا فأخذ بيد فاطمة فوضعها على صدره طويلاً وأخذ بيد علي بيده الأخرى، فلما أراد رسول الله(ص)  الكلام غلبته عبرته، فلم يقدر على الكلام، فبكت فاطمة بكاءً شديداً وبكى علي والحسن والحسين عليهم السلام لبكاء رسول الله(ص).

فقالت فاطمة: يا رسول الله قد قطَّعت قلبي، وأحرقت كبدي لبكائك يا سيد النبيين من الأولين والآخرين، ويا أمين ربه ورسوله، ويا حبيبه ونبيه.

مَنْ لِوُلدي بعدك؟

ولذُلٍّ ينزل بي بعدك؟

مَنْ لعليّ أخيك وناصر الدين؟

مَنْ لوحي الله وأمره؟

ثم بكت وأكبّت على وجهه فقبّلته، وأكبّ عليه علي والحسن والحسين عليهم السلام فرفع رأسه (ص)  إليهم، ويد فاطمة في يده فوضعها في يد علي، وقال له: «يا أبا الحسن وديعة الله ووديعة رسوله محمد عندك فاحفظ الله واحفظني فيها، وإنك لفاعل هذا.

يا علي هذه والله سيدة نساء أهل الجنة من الأولين والآخرين، هذه والله مريم الكبـرى([13]).

أما والله ما بلغت نفسي هذا الموضع حتى سألت الله لهم ولكم فأعطاني ما سألته.

يا علي أنفذ ما أمرتك به فاطمة، فقد أمرتها بأشياء أمر بها جبـرئيل.

واعلم يا علي إني راضٍ عمّن رضيت عنه ابنتي فاطمة، وكذلك ربّي وملائكته.

يا علي: ويل لِمَنْ ظلمها، ويل لِمَنْ انبزها حقها، وويل لمن هتك حرمتها».

ثم ضمَّ (ص)  فاطمة إليه وقبّل رأسها وقال: فداك أبوك يا فاطمة([14]).

عصمة فاطمة عليها السلام:

عن أم سلمة قالت: في بيتي نزلت (إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً)([15]) فجاءت فاطمة ببرمة فيها ثريد، فقال (ص)  لها: ادعي زوجك وحسناً وحسيناً. فدعتهم، فبينما هم يأكلون إذ نزلت هذه الآية فغشّاهم بكساء خيبري كان عليه، فقال:

«اللّهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فاذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا» قالها ثلاث مرات([16]).

وعن عائشة بنت أبي بكر قالت: خرج رسول الله(ص)  غداة غدٍ وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخلهُ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: (إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً)([17]).

نقول: لقد نزلت في حق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها عليهم السلام آيات عديدة، استدلّ بها المفسّرون والمؤرخون من أصحاب الفقه وأرباب المذاهب، على عصمة هؤلاء الخمسة الأطهار، ونحن توخينا الاختصار وتركنا البحث للقارئ النبيه، إذ هناك العشرات من المصادر ينبغي مراجعتها.

من فضائل فاطمة عليها السلام ومناقبها:

رُوي عن جابر بن عبد الله قال: إنّ رسول الله(ص)  أقام أياماً ولم يُطعم طعاماً حتى شقّ ذلك عليه، فطاف في ديار أزواجه فلم يصب عند إحداهن شيئاً فأتى فاطمة، فقال (ص) : «يا بنية هل عندك شيء آكله، فإني جائع؟».

قالت: لا والله بنفسي وأخي.

فلمّا خرج عنها بعثت جارية لها رغيفين وبضعة لحم فأخذته ووضعته تحت جفنة وغطّت عليها وقالت: والله لأوثرنّ بها رسول الله(ص)  على نفسي وغيري. وكانوا محتاجين إلى شبعة طعام، فبعثت حسناً أو حسيناً إلى رسول الله(ص)  فرجع إليها، فقالت عليها السلام: «قد أتانا الله بشيء فخبأته لك». فقال (ص): «هلمّي علي يا بنية». فكشفت الجفنة فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً، فلما نظرت إليه بهتتْ وعرفت أنه من عند الله، فحمدت الله وصلّت على نبيه أبيها وقدّمته إليه، فلمّا رآه حمد الله، وقال (ص): من أين لك هذا؟

قالت: «هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب»، فبعث رسول الله(ص)  إلى علي فدعاه وأحضره وأكل رسول الله(ص)  وعلي وفاطمة والحسن والحسين وجميع أزواج النبي حتى شبعوا.

قالت فاطمة عليها السلام: «وبقيت الجفنة كما هي فأوسعت منها على جميع جيراني جعل الله فيها بركة وخيراً كثيراً»([18]).

أقول: ليهنك يا بنت محمد(ص)  حيث أجراك الله سبحانه مجرى مريم بنت عمران (إذْ كُلّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً. قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنّىَ لَكِ هَـَذَا؟ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ)([19]).

بل أنت يا أمّ الهداة أعلى وأزكى وأطهر، فكم لك من آيات باهرات وكرامات ساطعات؟!

وهل يغيب عن الأذهان ما قال فيكِ النبي الأكرم(ص) ؟! فممّا قاله؛ كما هو عن
ابن عباس قال: إن رسول الله(ص)  كان جالساً ذات يوم وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، فقال: اللهم إنك تعلم أنّ هؤلاء أهل بيتي وأكرم الناس عليّ فأحبب من أحبهم، وأبغض من أبغضهم، ووال من والاهم، وعاد من عاداهم، وأعن من أعانهم، واجعلهم مطهّرين من كل رجس، معصومين من كل ذنب، وأيّدهم بروح القدس منك.

ثم قال (ص): «يا علي أنت إمام أمتي وخليفتي عليها بعدي، وأنت قائد المؤمنين إلى الجنة، وكأني أنظر إلى ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم القيامة على نجيب من نور عن يمينها سبعون ألف ملك، وعن يسارها سبعون ألف ملك، وبين يديها سبعون ألف ملك، وخلفها سبعون ألف ملك، تقود مؤمنات أمتي إلى الجنة».

فقيل يا رسول الله هي سيدة نساء عالمها؟

فقال (ص): ذاك لمريم بنت عمران، فأما ابنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين وإنها لتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقرّبين وينادونها بما نادت به الملائكة مريم، فيقولون: يا فاطمة: «يَا مَرْيَمُ إِنّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىَ نِسَآءِ الْعَالَمِينَ»([20]).

وفي (المناقب) روى أبو علي الصولي في أخبار فاطمة، وأبو السعادات في فضائل العشرة بالإسناد عن أبي ذر الغفاري قال: بعثني النبي(ص)  أدعو علياً فأتيت بيته وناديته فلم يجبني فأخبرت النبي(ص) .

فقال (ص) : «عد إليه فإنه في البيت ودخلت عليه فرأيت الرحى تطحن ولا أحد عندها».

فقلت لعلي: إنّ النبي(ص)  يدعوك فخرج متّشحاً حتى أتى النبي(ص)  فأخبرت النبي(ص)  بما رأيت.

فقال (ص) : «يا أبا ذر لا تعجب فإنّ لله ملائكة سيّاحون في الأرض موكّلون بمعونة آل محمد»([21]).

وعن الحسن البصري، وابن إسحاق، عن عمار، وميمونة، أن كليهما قالا: وجدت فاطمة نائمة والرحى تدور، فأخبرت رسول الله بذلك، فقال: إنّ الله علم ضعف أمته فأوحى إلى الرّحى أن تدور فدارت([22]).

ومن مناقبها؛ أسلم ببركتها جمع غفير:

إنها عليها السلام رهنت كسوة لها عند امرأة زيد اليهودي في المدينة واستقرضت الشعير فلما دخل زيد داره قال: ما هذه الأنوار في دارنا؟

قالت: لكسوة فاطمة، فأسلم في الحال، وأسلمت امرأته، وجيرانه حتى أسلم ثمانون نفساً([23]).

وتزامناً مع ذكرى ميلاد سيدة نساء العالمين حبيبة المصطفى وأمّ أبيها فاطمة الزهراء عليها السلام نعيش ذكرى ميلاد مؤسس وقائد الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخميني حفيد الزهراء، وابنها البار، الذي اقتدى بنهجها وجهادها، حتى أعاد إلى الأذهان قدرة الله سبحانه، وعز الإسلام، وما وعده الله لنبيّه، فقد أنجز وعده، ونصر عبده، وأعزّ جنده، وهلك الأحزاب وحده..

 

([1]) أعلن يوم ولادة الزهراء في الجمهورية الإسلامية، يوماً للمرأة المسلمة في كل عام، ولقد تزامن يوم مولد الإمام الخمينيH مع مولد جدته فاطمة الزهراءB ولذا يحتفل الشعب الإيراني وبعض الشعوب المسلمة في هذا اليوم العظيم.

([2]) تذكرة الخواص: 302.

([3]) بنقل من كتاب منتهى الآمال 1: 255 بتصرف في العبارات..

([4]) المصدر السابق: 303.

([5]) سورة القلم: الآية 4.

([6]) أمالي الصدوق.

([7]) الروض الفائق: 214.

([8]) الكافي: 1/442 باب مولد النبي حديث 13.

([9]) المسكة: السوار، والورق أي الفضة.

([10]) أمالي الصدوق: 234.

([11]) بحار الأنوار 8: 51، ط مؤسسة الوفاء - بيروت 1983.

([12]) إبراهيم بن رسول الله وأمّه مارية القبطية، توفي وله من العمر سنة ونصف.

([13]) أراد في (كونها مريم الكبرى) أي من حيث المنزلة أو من حيث الشبه.

([14]) أمالي الصدوق.

([15]) سورة الأحزاب: الآية 33.

([16]) ينابيع المودة: 125.

([17]) ينابيع المودة: 125.

([18]) بحار الأنوار 43: 27، والخرايج.

([19]) سورة آل عمران: الآية 37.

([20]) بحار الأنوار 43: 217.

([21]) الخرايج، ومناقب ابن شهر آشوب، وبحار الأنوار 43: 29 مع اختلاف يسير في الألفاظ.

([22]) بحار الأنوار 43: 45.

([23]) المصدر السابق 43: 231.

تزامن خروج الإمام الحسين(ع) من المدينة إلى مكة مع خروج عبد الله ابن الزبير على الحكم الأموي، وقد لازم الأخير الحِجر، وجعل يحرّض الناس على بني أمية، وكان يأتي إلى الحسين ويشير عليه بالخروج إلى العراق بحجة أن من فيها شيعته وشيعة أبيه، ولكن الحسين(ع) قد خرج إلى العراق لمّا وصلته كتب أهل الكوفة بالقدوم عليهم، فانفرد ابن الزبير بمكة، وبينما كان يزيد منشغلاً بحرب الحسين(ع) في كربلاء، كان قد دعا ابن الزبير الناس إلى نفسه، وخلع بيعة يزيد، حتى استغلظ أمره في مكة وبويع عليها.

فلما فرغ يزيد من قتال أهل المدينة بسبب خروجهم على بيعته فكانت واقعة الحرة التي لم يعرف تاريخ الإسلام بعد واقعة كربلاء أبشع ولا أشرس وأعنف منها، أمر يزيد قائد جيشه مسلم بن عقبة - الذي سمي بعد ذلك مسرفاً لإسرافه في قتل المسلمين والتنكيل بهم - بالتوجه إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير وكسر شوكته، فتوجه من فوره نحو مكة، غير أن الأجل أسرع إليه قبل بلوغها، وكان قد ولّى على الجيش الحُصين بن نمير، فقدم مكة وحاصرها، وقاتل أهلها ورماهم بالمنجنيق، وكانوا يوقدون حول الكعبة فأقبلت شرارة هبت بها الريح فأحرقت أستار الكعبة، وخشب سقفها، واحترق قرنا الكبش الذي فدى الله به إسماعيل(ع)، كما وقع عليها النار إثر رمي المنجنيق.

وفي هذه الأثناء بلغ عبد الله بن الزبير موت يزيد، فنادى بأهل الشام: إن طاغيتكم قد هلك، فسرعان ما رجع الحصين بن نمير بجيشه إلى الشام بعدما تأكّد له موت يزيد.

فأخذ يدعو ابن الزبير الناس إلى نفسه، بعد أن كان يدعو إلى الشورى، فبايعه أهل مكة، وبعده هدم الكعبة لما احترقت، وبناها على قواعد إبراهيم الخليل، وضم الحِجر إلى البيت فكُبر، وجعل له بابين شرقي وغربي.

نسبها الشريف:

هي فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابية، كان أبوها حزام بن خالد([1]) من أعمدة الشرف في العرب، ومن الشخصيات النابهة في السخاء والشجاعة وقرى الأضياف، وكانت أسرتها من أجلّ الأسر العربية وقد عُرفت بالنجدة والشهامة([2]).

كيفية زواج علي(ع) بها:

يُذكر أن أمير المؤمنين(ع) ندب أخاه عقيلاً - الذي كان عالماً بأنساب العرب - أن يخطب له امرأة قد ولدتها الفحول ليتزوجها، حتى تلد له غلاماً زكياً شجاعاً لينصر ولده الحسين في كربلاء، فأشار عليه عقيل بالسيدة فاطمة بنت حزام الكلابية، فإنه ليس في العرب من هو أشجع من أهلها ولا أفرس، فندبه الإمام إلى خطبتها، فانبرى عقيل إلى أبيها وعرض عليه الأمر، فاستجاب هو وابنته بكلّ فخر واعتزاز([3]).

وقد رأى فيها الإمام علي(ع) العقل الراجح، والإيمان الوثيق، وسموّ الآداب، ومحاسن الصفات، فأعزها وأخلص لها كأعظم ما يكون الإخلاص.

علاقتها بأولاد علي(ع):

منذ الأيام الأولى لانتقالها إلى دار الإمام قامت برعاية أولاد فاطمة الزهراء عليها السلام على أحسن ما ترعى أمّ ولدها، وقد وجدوا عندها العطف والحنان، ما عوّضهما من الخسارة الأليمة بفقد أمّهم فاطمة عليها السلام.

ولقد كانت السيدة أم البنين تكنّ في نفسها من المودة والحب للحسن والحسين وزينب عليها السلام ، ما لا تكنّه حتى لأولادها، ولقد قدمت أبناء رسول الله(ص) على أبنائها في الخدمة والرعاية، امتثالاً لأمر الله تعالى فيهم، حيث قال: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)([4]).

ومن مآثر هذه السيدة الفاضلة، أنها طلبت من أمير المؤمنين(ع) أن لا يناديها باسمها (فاطمة)، معتذرة إليه بأنها تخاف أن يسمع الحسنان باسم أمهما فيتذكّراها ويحزنا عليها، مما جعل أمير المؤمنين يلقّبها بعد ذلك بـ (أم البنين).

وقد كانت تأمر أولادها العباس وإخوته منذ الصغر باحترام وتقدير أبناء فاطمة وخدمتهم، وفعلاً لقد ضرب العباس الذي ارتشف من معين وفائها وإخلاصها واحترامها لأبناء الزهراء، أروع وأعظم مثالاً في الاحترام والتقدير لأخويه الحسن والحسين، فلقد كان يمشي دائماً خلف أخيه الحسين، وما عهد طيلة حياته أن نادى الحسين بـ (يا أخي) و (يا حسين)، إلاّ كان يقول له: (سيدي) ولقد أثّرت هذه التربية أثرها العميق إلى أن استشهد العباس وإخوته عطاشى فداءً لأخيهم وسيدهم الحسين(ع).

ومن مآثرها أنه عندما دخل بشر بن حذلم إلى المدينة ناعياً الحسين(ع) بعد واقعة الطف، جاءت وسألته عن الحسين، فأخبرها باستشهاد أولادها الأربعة العباس وإخوته، فكرّرت عليه السؤال عن حال الحسين(ع)، فلما أخبرها بمصرعه وقعت على الأرض مغشياً عليها، وكان حزنها على الحسين أكثر من حزنها على أولادها، حتى أنها عندما دخلت على زينب(ع) لتعزّيها، كانت تصيح: واحسيناه وا ولداه، ولم تندب عندها واحداً من أولادها، بيد أن زينبعليها السلام تبادلها الندب وتصيح: وا أخاه وا عباساه. ولهذا كانت هذه المرأة العظيمة محطّ احترام السيدة زينب(ع) وتقديرها مما لم تحضَ به امرأة قط عندها، ولقد كانت تزورها بين الفينة والأخرى، وفي أيام العيد تقديراً ووفاءً لما قدمته لهذه العترة الطاهرة.

امتنعت عليها السلام عن الزواج بعد علي(ع)، على الرغم من أنّ الأشراف قد تقدّموا لخطبتها لنيل شرف الاقتران بها([5]).

أولادها:

أنجبت من أمير المؤمنين ذكوراً أربعة، وهم: العباس وجعفر وعبد الله، وعثمان([6])، وقيل إن اسم الأخير منهم، عبد الرحمن([7]).

وفاتها:

توفيت عليها السلام في الثالث عشر من جمادى الآخرة سنة 64 من الهجرة النبوية الشريفة([8])، ودفنت في البقيع قُرب قبور الأئمة عليهم السلام ، وقبرها الآن مقصد للملهوفين والمؤمنين، وقد اشتهر بينهم أنها أحد أبواب الله التي ما قصدها أحد إلا استجاب الله له.

يقول الشهيد الأول في حقها: كانت أم البنين من النساء الفاضلات، العارفات بحق أهل البيت عليهم السلام ، مخلصة في ولائهم، ممحّضة في مودّتهم، ولها عندهم الجاه الوجيه، والمحل الرفيع، وقد زارتها زينب الكبرى بعد وصولها المدينة تعزّيها بأولادها الأربعة، كما كانت تعزّيها أيام العيد([9]).

 

([1]) رجال الشيخ الطوسي: 104 ترجمة4.

([2]) العباس بن علي: 20- 21.

([3]) تنقيح المقال 2: 128.

([4]) سورة الشورى: الآية 23.

([5]) بحار الأنوار 42: 12.

([6]) بحار الأنوار 42: 74.

([7]) المصدر السابق: 42: 90.

([8]) وقائع الأيام للبيرجندي.

([9]) نقلاً عن كتاب العباس بن علي(ع): 23-24.

نسبه الشريف:

هو جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي، ابن عم النبي(ص)، وأخو علي(ع)، أمه فاطمة بنت أسد، المرأة التي ربت رسول الله(ص)، والتي كانت أمّاً له بما لهذه الكلمة من معنى، يُكنّى بأبي عبد الله، كما يكنّى بأبي المساكين لرأفته عليهم وإحسانه إليهم كما في (عمدة الطالب)، وروى في (أسد الغابة): أن الذي كنّاه بهذه الكنية رسول الله(ص).

تزوج أسماء بنت عميس وأنجب منها (كما في عمدة الطالب) ثمانية بنين، وهم عبد الله، وعون، ومحمد الأكبر، ومحمد الأصغر، وحميد، وحسين، وعبد الله الأصغر وعبد الله الأكبر، وأمهم أجمع أسماء بنت عميس الخثعمية، وقد قتل محمد الأكبر مع عمه علي(ع) بصفين، وقتل عون ومحمد الأصغر مع ابن عمهما الحسين(ع) يوم الطف وقد ولد جميع أولاده في أرض الحبشة.

إسلامه:

اختلف المؤرّخون في وقت إسلامه، فذهب ابن إسحاق في (سيرته) إلى أنه أسلم جعفر بعد خمسة وعشرين رجلاً، ونقل قولاً: بأن إسلامه كان بعد واحد وثلاثين.

وفي (أسد الغابة) أنه (ع) أسلم بعد إسلام أخيه علي بقليل، ونقل رواية تدلّ على ذلك، وهي: أن أبا طالب رأى النبي(ص) وعلياً يصليان، وعلي عن يمينه، فقال لجعفر: صل جناح ابن عمك، فصلي عن يساره. وكذا عن ابن سعد في كتاب (الطبقات).

 وروى الشيخ الصدوق: أن رسول الله(ص) كان يصلي وأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب(ع) معه إذ مرّ أبو طالب به، وجعفر معه، فقال: يا بني صل جناح ابن عمك. فلما أحسه رسول الله(ص) تقدمهما، وانصرف أبو طالب مسروراً، فكانت أول جماعة جمعت ذلك اليوم.

وقال الشيخ محمد علي آل عز الدين العاملي في كتابه (تحية القاري لصحيح البخاري): إنّ جعفراً - على التحقيق - ثاني المسلمين، أو المصلين من الرجال.

هجرته إلى الحبشة:

بعدما فشلت قريش في التفاوض مع أبي طالب، ومع النبي(ص) في أمر هذا الدين الجديد، وتكلّلت جهودهم بالخيبة، ولما رأى صناديد مكة تكاثر المنتسبين لهذا الدين، قرروا تعذيب المستضعفين من أصحاب النبي(ص) ليثنوهم عن دينهم، ويردوهم إلى دين آبائهم وأجدادهم، وليكون ذلك مانعاً عن دخول غيرهم في الإسلام، وفعلاً أنزلوا بهم أشدّ أنواع التعذيب، حتى مات بعضهم صبراً، وآخرون قتلاً، ولكن قريش تركت من دخل في الإسلام ممن له عشيرة تمنعه، خوفاً من نشوب حرب طاحنة بين القبائل، ولما رأى النبي(ص) ما نزل بأصحابه، وما هو فيه من المنعة بجوار عشيرته، وعمه أبي طالب، قال للمعذبين: «إني أرى أن تهاجروا إلى أرض الحبشة، فإن فيها ملكاً لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق».

وتسارع المستضعفون من المسلمين إلى الهجرة، فهاجر ما يقارب السبعين من أصحاب النبي(ص)، وقد أمر(ص) جعفراً أن يهاجر معهم ليكون معلماً لهم ومتكلماً عنهم، ومبلغاً للإسلام في أرض الحبشة، وإلاّ فجعفر ما كان من المعذبين، بل كان ينعم بالمنعة بقومه وأبيه أبي طالب(ع)، ولهذا فيمكننا القول بأن جعفراً(ع) كان أول مبلّغ في الإسلام.

لقد كان اختيار جعفر في محله، فلما علمت قريش بفرار المعذبين بدينهم إلى الحبشة، أرسلت عمرو بن العاص، وبرفقته رجل آخر ليستردّ الهاربين، وكان من دهاء عمرو بن العاص أن هيأ جميع الأجواء التي تؤول إلى إقناع النجاشي ملك الحبشة لتسليم الفارّين، فلقد قدّم لبطارقة الملك وحاشيته ما يحبون من هدايا مكة للوقوف إلى جانبه في إقناع الملك بذلك، كما أنه قدّم هدايا ثمينة للملك لينفذ له رغبته، علاوةً على العلاقة الوطيدة والصداقة العميقة التي تربط الملك بعمرو بن العاص.

ولكن الذي حال دون تحقيق رغبة عمرو وما جاء من أجله، موقف جعفر أمام الملك، وإليك بعض ما جاء في ذلك:

لما دخل جعفر وأصحابه على الملك، وكان عمرو بن العاص قد حدثه عن مفارقتهم دين آبائهم، وعدم دخولهم في دينه، وإنما ابتدعوا ديناً خاصاً مخالفاً لشريعة عيسى وموسى، قال لهم: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا في دين أحد من هذه الملل؟

فقال جعفر(ع): أيها الملك، كنّا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطّع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنّا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحّده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة، وصلة الرحم وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وكل ما يعرف من السيئات، وأمرنا بالصلاة و(الزكاة والصيام)([1])، والصدقة، وكل ما يعرف من الأخلاق الحسنة. - فعدّد عليه أمور الإسلام - وتلا شيئاً لا يشبهه شيء، فصدقناه وآمنا به واتبعناه، وعرفنا أن ما جاء به هو الحق من عند الله، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئاً، وحرّمنا ما حرّم علينا، وأحللنا ما أُحل لنا، فعدا علينا قومنا فعذّبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، فلمّا قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك.

فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟

فلما كان يعلم جعفر(ع) أن النجاشي كان من أهل الكتاب، وعلى دين عيسى، اختار له تلاوة قصة مريم من سورة «كهيعص»([2]) فلما أكمل، بكى النجاشي حتى اخضلّت لحيته، وبكى أساقفته حتى اخضلّت لحاهم، ثم قال النجاشي: إنّ هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة.

ثم توجه إلى عمرو بن العاص، وقال له: والله لا أسلمهم إليكم ولا يكادون..

وهكذا وطّد الله أرض الحبشة للمسلمين المهاجرين، بفضل حنكة جعفر ودرايته في التعامل والتخاطب مع ملك الحبشة، وهذا يكشف عن سر اختيار النبي جعفراً ليكون على رأسهم وزعيمهم.

ولم يكتف جعفر بهذا، بل وطد علاقته مع الملك، وأكثر الكلام معه إلى أن دخل هو وابنه في الإسلام، ودخل من أهل الحبشة خلق كثير، وكان مبلّغهم ومعلمهم والداعي لهم جعفر(ع)، ولعلّ هذا هو السر في عدم هجرة جعفر إلى المدينة للالتحاق بالنبي فيها، على الرغم من أن النبي كان بحاجة ماسة إلى شخصية كجعفر(ع).

وعلى أيّ حال بقي جعفر في الحبشة حتى قدم على النبي في خيبر، ففرح بقدومه كثيراً حتى ضمه إلى صدره، وقبّل ما بين وجنتيه، وترافق مع قدوم جعفر عودة علي(ع) من خيبر منتصراً ظافراً، فازداد انبساط النبي(ص) وفرحه، حتى قال: لا أدري بأيّهما أنا أكثر فرحاً بفتح خيبر أم بقدوم جعفر.

وروي أن النبي(ص) عند قدوم جعفر(ع)، قال له: «ألا أحبك، ألا أهديك». فعلّمه الصلاة التي أصبحت بعد ذلك تسمى بصلاة جعفر الطيار، والتي اتفق المسلمون جميعاً على روايتها وعظيم فضلها، وغدت هذه الصلاة المباركة وسيلة التضرع والتقرب للمكروبين والمضطرين إلى ربهم لكشف كربهم وضرهم، وللإطلاع على كيفية إقامة هذه الصلاة عليك بمراجعة كتاب مفاتيح الجنان.

شهادته:

قتل جعفر(ع) شهيداً في غزوة مؤتة، وكانت في السنة الثامنة للهجرة، وقد ذكرنا في مناسبات شهر جمادى الأولى تفصيل هذه المعركة وأسبابها فراجع. ولكن الجدير بالذكر أن جعفراً(ع) كان يقاتل في هذه المعركة قتالاً مستميتاً على الرغم من كثرة الروم، حتى قيل: كان عددهم مئة ألف أو مئتي ألف مقاتل، وجعفر يوسع بهم ضرباً، وبيده الراية لا يتخلى عنها على الرغم من كثرة الطعنات والضربات، حتى أضحى في جسده تسعون ضربة، فعمدوا إلى قطع يديه اللذين أخبر النبي(ص) أن الله تعالى عوضه عنهما بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة. دفن (ع) في أدنى البلقاء في مدينة الكرك التي هي الآن من أراضي الأردن، فسلام على جعفر يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.

ما جاء في فضله (ع):

روي عن النبي - كما جاء في (شرح النهج) لابن أبي الحديد - قال: سادة أهل المحشر، سادة أهل الدنيا أنا وعلي وحسن وحسين وحمزة وجعفر.

وروي كثيراً أن النبي(ص) قال لجعفر(ع): أشبهت خَلقي وخُلقي.

وروي أنه لما قتل جعفر دعا النبي(ص) فقال: «اللهم أخلف جعفراً في أهله خير ما خلّفت عبداً من عبادك الصالحين». وفي رواية أخرى:  «اللهم إن جعفرا قدم إلي أحسن الثواب فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته»([3]).

 

([1]) لعله أراد بها المندوب، وإلا فالصيام فُرضت في العام الثاني بعد الهجرة وللزكاة في التاسعة للهجرة.

([2]) سورة مريم: الآية 1.

([3]) شرح نهج البلاغة 15: 71.

مناسبات شهر جمادی الثانية

تمهيد

في هذه السلسلة من المناسبات الإسلامية لشهر جمادى الثانية نقدّم للقارئ الكريم باقات عطرة من باقات الأحداث والوقائع الإسلامية التي جرت في هذا الشهر شهر الأحزان والأفراح، حيث اجتمعت فيه ذكرى شهادة الصدّيقة الكبرى أم أبيها سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراءعليها السلام وذكرى ميلادها الميمون، ولهذا ينبغي الاهتمام بهاتين المناسبتين من إقامة مجالس الأحزان والأفراح، ففي ذكرى الشهادة في الثالث منه لابد من إقامة العزاء والزيارة، وأما في ذكرى الولادة في العشرين منه فلابد من تجديد السرور والفرح، واستحباب الصيام، والتطوّع فيه بالخيرات والصدقات على المؤمنين، وزيارة سيدة النساء.

والجدير بالذكر أنّ يوم ميلاد الزهراء عليها السلام يصادف ذكرى ميلاد حفيدها البار الإمام روح الله الموسوي الخميني  مفجّر الثورة الإسلامية في إيران.

وقد أعلن الإمام (رضوان الله عليه) هذا اليوم يوماً وعيداً للمرأة المسلمة تكريماً لها، وذلك من أجل ربط المرأة بالقدوة المثلى، وتوجيه نساء الأمة للاتصاف بأوصافها والتخلّق بأخلاقها والالتزام بنهجها فكراً وعملاً، لترتفع المرأة من حضيض حضارة الفساد إلى قمة القيم والعظمة.

ومن المناسبات الإسلامية المهمة التي جرت في الشهر المذكور واقعة مؤتة وشهادة جعفر بن أبي طالب(ع)، وذكرى وفاة السيدة فاطمة الكلابية الملقّبة بأم البنين، وهدم عبد الله بن الزبير الكعبة وإعادة بنائها.فحريٌّ على القارئ الكريم أن يستثمر هذا الشهر، وينهض به إلى تحقيق الأهداف الإلهية المأمولة فيه.

ونرجو من العلي القدير أن تكون هذه السلسلة من البحوث والمواضيع مفيدة وتكوّن ثقافة واعية وهادفة.منه تعالى التوفيق، ومن القارئ العزيز حسن المتابعة، وهو من وراء القصد، إنه سميع مجيب.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

اختلف المؤرخون من العامة والخاصة في المدة التي عاشتها السيدة فاطمة الزهراءعليها السلام  بعد أبيها رسول الله(ص)، بعد اتفاقهم على أن سنة وفاتها عليها السلام  كانت في السنة الحادية عشرة من الهجرة.

وأقوالهم في ذلك خمسة:

القول الأول: أنها بقيت بعد أبيها (30) أو (35 يوماً)، كما اختاره اليعقوبي في (تاريخه)، وجماعة من مؤرخي العامة، وهذا أقل ما قيل في مدة بقائها بعد النبي(ص)([1]).

القول الثاني: أنها عاشت بعده (ص) أربعين أو خمسة وأربعين يوماً، كما اختاره القرطبي في (تفسيره)([2])، ونقل عن جماعة.

القول الثالث: أنها عاشت بعده(ص) (75 يوماً)، وهذا هو الأشهر بين المؤرخين، ويتوافق مع (13 جمادى الأولى) تقريباً([3]).

القول الرابع: أنها عاشت بعده (ص) (95 يوماً)، ويتوافق في (3 جمادى الآخرة)، وقد رواه الطبري في كتابه (دلائل الإمامة) بإسناده، عن الإمام الصادق(ع)، قال: «قُبضت فاطمةعليها السلام  في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه، سنة إحدى عشرة من الهجرة»([4]).

القول الخامس: عاشت عليها السلام  بعد وفاة أبيها ستة أشهر، وهذا هو المشهور بين مؤرخي أبناء العامة([5]).

وهناك أقوال أخرى لا يُعبأ بها بين جمهور المؤرخين، وقد تقدم موجز عن حياتها في مناسبات جمادى الأولى، فراجع.

وهنا ينبغي أن نذكر مواقف عن فاطمة الزهراءعليها السلام  في:

دفاع السيدة الزهراءعليها السلام  عن الوصي والإمامة:

من أبرز ملامح شخصية الزهراءعليها السلام  أنها كانت أول مدافعة ومجاهدة عن إمامة أمير المؤمنين(ع)، وقد برزت مواقفها الجهادية في مواطن متعددة، وإليك بعضها:

الموقف الأول:

لما هجم القوم على دارها، وكان في الدار علي(ع) مع لفيف من أصحابه، كانت قد منعتهم من دخوله، غير أن القوم اقتحموا الدار، ودخلوا على أمير المؤمنين وأخرجوه من الدار، لكن السيدة فاطمةعليها السلام  وقفت وصرخت في وجوههم رغم ما حلّ بها جراء الاقتحام، وقالت: والله لا أدعكم تجرّون ابن عمّي، ويلكم ما أسرع ما خلفتم الله ورسوله فينا أهل البيت، وقد أوصاكم رسول الله(ص) باتباعنا، ومودّتنا والتمسّك بنا، فقال الله تعالى: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)([6]).

ولما أخرجوا الإمام من داره - على الرغم عنها - خرجت وراءهم وهي تنادي: خلّوا عن ابن عمي، فو الله الذي بعث محمداً أبي بالحق إن لم تخلّّوا عنه لأنشرنّ شعري، ولأضعنّ قميص رسول الله(ص) على رأسي، ولأصرخن إلى الله تبارك وتعالى، فما صالح بأكرم على الله من أبي، ولا الناقة بأكرم مني، ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي([7]).

وهذا الموقف منها (ص) فيه حجة واضحة على أنهم يتجرؤون على أهل بيتٍ أَمر الله تعالى باتباعهم ومودتهم والتمسك بهم، ولقد أرادت عبر موقفها هذا أن تقارن بين ما نص التشريع عليه من حقهم ومقامهم، وبين قلب الأمة لهذا التشريع إلى الظلم لهم، والاستهانة بهم، وهذا منها فضيحة لهم.

 الموقف الثاني:

واصلت فاطمةعليها السلام ، دفاعها عن وصيّ رسول الله(ص) الإمام أمير المؤمنين(ع) بشتى طرق الدفاع ومختلف أساليبه، فكانت تخرج مع إمامها وتأتي أبواب المهاجرين والأنصار لتذكرهم حقوق الإمام على الأمة، ودعوتهم إلى نصرته بعد أن ابتزّوا حقّه وغصبوا خلافته.

وقال ابن قتيبة: وخرج عليّ كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله(ص) على دابة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أنّ زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به، فيقول عليّ - كرم الله وجهه -: أفكنتُ أدع رسول الله(ص) في بيته لم أدفنه، وأخرج أنازع الناس سلطانه؟

فقالت فاطمة: «ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم»([8]).

وهذا الموقف من فاطمة انتفاضة صارخة بوجه الذين ابتزّوا الخلافة، ورفض عنيف لفعلهم، وإنما كان خروجها بتلك الحالة لرد الحق إلى نصابه، والدفاع عن الإمام المشروع، فإن لم توفق إلى ذلك فتكون قد أقامت الحجّة عليهم لتقتطع عذرهم.

الموقف الثالث:

دخلت أم سلمة على فاطمةعليها السلام ، فقالت لها: «كيف أصبحت عن علتك يا بنت رسول الله»؟.

فقالت عليها السلام : «أصبحت بين كمد وكرب، فقد النبي وظلم الوصيّ هتك والله حجابه، أصبحت إمامته مقتصة على غير ما شرع الله في التنزيل وسنّها النبي في التأويل، ولكنّها أحقاد بدرية وتِرات أحديّة كانت عليها قلوب النفاق مكتمنة»([9]).

ولما سمعت نساء المهاجرين والأنصار خبر علّة فاطمة بنت رسول الله، اجتمعن وذهبن إلى بيت فاطمة لعيادتها فقلن لها: «كيف أصبحت من علّتك يا ابنة رسول الله؟».

فحمدت الله وصلّت على أبيها(ص) ثم قالت: «أصبحت والله عائفة لدنيا كنّ، قالية لرجالكن، لفظتهم بعد أن عجنتهم وشنأتهم بعد أن سبـرتهم، فقبحاً لفلول الحدّ واللعب بعد الجدِّ وقرع الصفاة وصدع القناة وخطل الآراء وزلل الأهواء، وبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، لا جرم لقد قلّدتهم ربقتها، وحملتهم أوقتها، وشنت عليهم غارها، فجدعاً، وعقراً وبعداً للقوم الظالمين.

ويحكم أين زعزعوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة والدلالة، ومهبط الروح الأمين، والطيبين بأمور الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخسران المبين.

وما نقموا من أبي الحسن؟ نقموا منه والله نكير سيفه، وقلّة مبالاته بحتفه، وشدّة وطأته، ونكال وقعته وتنمره في ذات الله، وتالله لو مالوا على المحجة اللائحة وزالوا عن قبول الحجة الواضحة لردّهم إليها، وحملهم عليها، ولسار بهم سيراً سجحاً لا يكلم خشاشه، ولا يكلّ سائره، ولا يملّ راكبه، ولأوردهم منهلاً نميراً صافياً رويّاً تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه، ولأصدرهم بطاناً، ونصح لهم سراً وإعلاناً، ولم يكن يحلى من الغنى بطائل، ولا يحظى من الدنيا بنائل، غير ريّ الناهل، وشبعة الكافل، ولبان لهم الزاهد من الراغب، والصادق من الكاذب، (وَلَوْ أَنّ أَهْلَ الْقُرَىَ آمَنُواْ وَاتّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مّنَ السّمَآءِ وَالأرْضِ وَلَـَكِن كَذّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)([10])، (وَالّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـَؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ)([11])، ألا هلمّ فاستمع، وما عشت أراك الدهر عجباً، وإن تعجب فعجب قولهم، ليت شعري إلى أيّ سناد استندوا، وعلى أيّ عماد اعتمدوا، وبأيّة عروة تمسكوا، وعلى أيّة ذريّة أقدموا واحتنكوا؟! لبئس المولى ولبئس العشير، وبئس للظالمين بدلاً، استبدلوا والله الذُّنابى بالقوادم والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، ويحهم (أَفَمَن يَهْدِيَ إِلَى الْحَقّ أَحَقّ أَن يُتّبَعَ أَمّن لاّ يَهِدّيَ إِلاّ أَن يُهْدَىَ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)([12]).

أما لعمري لقد لُقحت فنظرة ريثما تُنتج، ثم احتلبوا ملء القعب دماً عبيطاً وذُعافاً مُبيداً، هنالك يخسر المبطلون ويعرف التالون، غبّ ما أسَّس الأوّلون، ثم طيبوا عن دنياكم أنفساً، واطمأنوا للفتنة جأشاً، وأبشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم، وبهرج شامل واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيداً وجمعكم حصيداً، فيا حسرة لكم وأنّى بكم وقد (عُمّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ)([13])؟!».

فأعادت النساء قولها عليها السلام  على الرجال، فجاء إليها قوم من وجوه المهاجرين والأنصار معتذرين، وقالوا: يا سيدة النساء لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر من قبل أن نبرم العهد، ونحكم العقد، لما عدلنا عنه إلى غيره. فقالت عليها السلام : «إليكم عني فلا عذر بعد تعذيركم، ولا أمر بعد تقصيركم»([14]).

لقد بيّنت عليها السلام  لهم المستقبل الذي ينتظرهم جراء مخالفتهم للحق وعروجهم عن ولاية صاحبه، وقدمت لهم الأدلة الناصحة على أن علياً(ع) هو الإمام المفترض الطاعة وعلى أن اتباعه يفتح لهم بركات السماء والأرض، ومخالفته محقق للظلم والاستبداد، وهي التي لا تنطق إلا عما يرضي الله.

وختمت عليها السلام  مواقفها الاحتجاجية على القوم، بأن أوصت أن لا يحضر أحد منهم جنازتها، ويعفى قبرها فلا يعرفها أحد، لتبقى هذه حجّة على جبين التاريخ تصل إلى كل طالب للحق والحقيقة، وتصل إلى كل من يسأل: أين قبر فاطمة؟، ولماذا أوصت أن لا يشهد جنازتها من القوم أحد؟ فيثيره ذلك البحث والاستفسار فيصل إلى حقيقة ما كانت الزهراء تناشد به وتدعو إليه.

 

([1]) تاريخ اليعقوبي 1: 67.

([2]) تفسير القرطبي 14: 214.

([3]) مجمع الزوائد 9: 166.

([4]) دلائل الإمامة للإمام الطبري: 167.

([5]) المستدرك على الصحيحين 3: 176 حديث 4761.

([6]) سورة الشورى: الآية23.

([7]) الاحتجاج 1: 113.

([8]) الإمامة والسياسة: 19.

([9]) مناقب آل أبي طالب 2: 205.

([10]) سورة الأعراف: الآية 96.

([11]) سورة الزمر: الآية 51.

([12]) سورة يونس: الآية 35.

([13]) سورة هود: الآية 28.

([14]) بحار الأنوار 43: 159.

الإثنين, 18 شباط/فبراير 2019 05:43

شُبهات و تساؤلات حول المرأة(28)

المرأة والقضاء...؟!

يقول بعضٌ: إنَّ مما يعد امتيازاً للرجل على المرأة في الإسلام، هو جواز تصدي الرجل لمنصب القضاء بعد تحقق القضاء بخلاف المرأة فإنها مهما حققت شروطه لم يسمح لها الإسلام باعتلاء منصب القضاء، وممارسته ولو في الجانب النسوي فقط، فضلاً عن الرجال.

* * * * *

لو جرّبنا مرة أن نجلس أمام قاضٍ في محكمة شرعية لنتعرف إلى حقيقة القضاء كعمل تنفيذي، لعلمنا أن ما تسوّد به الأوراق عن أنظمة القضاء وقوانينه لا يعدو أن يكون مجرد تنظير، وأما واقعه العملي فهو في الصعوبة بمكان عظيم، كالذي يصعد إلى شاهق وظهره مثقل بمئات الكيلوغرامات، فليس كل من يفهم نظرية القضاء يستطيع ببساطة ترجمته وتنفيذه على أرض الواقع، ومن هنا كانت صفات القاضي طرزاً خاصاً، ونمطاً بعيداً تمام البعد عن المتعارف، فالقضاء يحتاج إلى قوّة في الادراك وعمق في البصيرة، ونفاذ في الفكر، وتجرد عن الذات، وبعد كبير عن التعاطف، وسمو في الروح، وتوازن في التفكير، وسعة في التعقل، وعدالة عالية، ذلك لأن القضاء هو الفصل بين الحق والباطل، وبين الشبهة والحقيقة، وكم هناك تشابه في عالم الصراع بين الحق والباطل، ولذا لا تجد إنساناً يقول إنه على باطل، بل كل واحد من أفراد المجتمع يعتقد أنه على حق، وكل يقيم دعواه أو ينكر دعوى غيره، لأنه يعتبر نفسه على حق، ولذلك سميت الشبهة بالشبهة؛ لأنها تشبه الحق وهي ليست منه، يقول الإمام علي(عليه السلام): «إنما سميت الشبهة شبهة، لأنها تشبه الحق، فأما أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين ودليلهم سمت الهدى، وأما أعداء الله فدعاؤهم فيها الضلال ودليلهم الصمت»([1])، لأجل ذلك لو ألقينا نظرة في نصوص الإسلام في بيان صفات القاضي لرأينا بجلاء أن هذا المنصب، لا يقبل له الإسلام إلاّ الأوحدي من الناس، وليس هو منصباً للرجل دون المرأة، بل هو منصب لصنف خاص من الرجال، وهو ذلك الذي تتوفر فيه خصاله، نعم، لاشك أن الرجل أقدر من المرأة عليه، حيث إن القضاء بحاجةٍ إلى التعقل والتغلب على العواطف وإقامة الحق، وهذا ليس من وظيفة المرأة، لأنها في الأعم الأغلب تتميز بدرجة كبيرة من الرقة والعطف والحنان، وهي بعيدة من مظاهر الشدة، وهذا ليس بغريب طالما هناك فوارق جسمية ونفسية بين الرجل والمرأة، تجعل كل واحد في وظيفته الخاصة به، ولا ينبغي أن يفهم من هذا تفضيل الإسلام للرجل على المرأة، فإنّ الجميع من حيث الكرامة بدرجة واحدة: (وَلَقَدْ كَرّمْنَا بَنِي آدَمَ.....)([2])، وإنما هذا تفاوت وظيفي، واختلاف في شؤون الحياة على أساس ما يملكه كل واحد منهما من فسلجة خاصة به، إضافة إلى ذلك يبقى نظام الأسرة بحاجة إلى حنان الأمّ ونشاطها البيتي أكثر من حاجة الدولة إليها بعد إمكان تصدّي الرجل لقضاياها بشكل أتمّ، ولا تعد هذه الوظائف والأمور التنفيذية كمالاً ومقاماً، بل يكون الإنسان مكلّفاً بالقيام بها حفاظاً على النظام الإسلامي، وقد يقول قائل: هناك في النساء شواذ فربّ امرأة أفقه من رجل ـ كما ورد في الحديث([3]) ـ وأسمى في نشاطها وعقلها وتدبيرها، ولكن من الواضح: أن التشريع ينظر إلى الأعمّ الأغلب من الأفراد، فإن وجود امرأة بهذه الصفات مما لا ينكر، ولكن ذلك نادر وقليل، والإسلام لا يرتب أحكامه ومناصبه على الأفراد النادرة التحقق.

النصوص الدالة...

ومن النصوص الدالة على اختصاص منصب القضاء بالرجال قوله تعالى: (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ)([4]) فالآية: تثبت قيمومة الرجال في الشؤون التي هي بحاجة إلى القيمومة والولاية على النساء دون العكس، وقوله تعالى في مقام التعليل: (بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ)([5]).

قال المرحوم الطبرسي: «يدلّ على شمولية الحكم، ومنه تولّيهم القضاء على النساء، إذ معناه: إنّما ولاّهم الله أمرهنّ لما لهم من زيادة فضل عليهن بالعلم والعقل وحسن الرأي والعزم».([6])

ومما يدل على اختصاص منصبه القضاء بالرجال روايات، ولنذكر واحدة منها، على سبيل المثال:

وهي ما جاء في رواية الصدوق عن الإمام الباقر والصادق (عليهما السلام) في الخصال، من لا يحضره الفقيه «... ولا تولّى المرأة القضاء ولا تلي الإمارة... »([7]).

وعلى أي حال، فالمسألة وإن كانت غير محسومة فقهياً على مستوى البحث، حتى إن المحقق الأردبيلي، والمحقق القمي احتملا الجواز([8]) ولكن على مستوى الفتوى، فإن مشهور الفقهاء أفتوا بعدم جواز تصدي المرأة لمنصب القضاء ومنهم الشيخ الطوسي؛ حيث يقول في كتابه الخلاف: «لا يجوز أن تكون المرأة قاضية في شيء من الأحكام»([9]).

وعلى أساس هذه الروايات وفتاوى مشهور العلماء، قامت سيرة المتشرعة من زمن المعصومين إلى يومنا هذا على عدم تولّي المرأة لمنصب القضاء، ولم ينقل لنا التاريخ الإسلامي عبر فتراته الطويلة أن امرأةً تولت القضاء بصورة مطلقة.

اختصاص منصب القضاء بالرجال

وهناك استدلال على اختصاص منصب القضاء بالرجال، بتعبير آخر عند بعض الأساتذة، وتقريره كما يلي:

هل عدم إعطاء حق القضاء للمرأة سلبٌ لحقٍ من حقوقها وتحقير لها وظلمٌ عليها؟

الجواب، أولاً: أن الظلم إنما يتحقق إذا سُلبَ حقُّ شخصٍ بينما القضاء والإمرة في الإسلام ليس امتيازاً مادياً كي يتنافس عليه بل هو تكليف ومسؤولية على العاتق، فرفعه عن أي شخص ليس سلباً لحق وأخذاً لامتياز بل هو وضع تكليف عن عاتقه.

ثانياً: أن الإسلام للحفاظ على حقوق المجتمع وإحقاق حق المظلومين وعدم صدور الظلم خطأً، وضع هذا التكليف عن النساء بما يستلزم ذلك كثيراً من صلابة وخشونة لا تلائم الحنان والعطف بينما المرأة أكثر تأثراً من الرجل في العاطفة والأحاسيس وإن كنا نشاهد أحياناً نساءً، هن أصلب من كثير من الرجال وأبعد تأثراً في العواطف ولكن الأحكام إنما شرعت بحيث يراعى فيها جانب الاحتياط.

ثالثاً: أن القضاء كثيراً ما يتطلب الاحتياط والجرأة والاستفسار عن ما يستحي منه، وهذا أمر معسور غالباً على النساء، ولعل هذا أيضاً رمز آخر لوضع التكليف عن عاتقهن.

رابعاً: بما أن قيمومة الأسرة ونفقاتها على الرجل وليست على المرأة، فيوجب ربط النساء غالباً بتربية الأولاد وتدبير المنزل وأن خروجهن في كل وقت وحين ينافي حق الرجل من التمتع، ولذلك وضع عنهن هذا التكليف.

شهادة المرأة في المحكمة

من فروع مسألة القضاء المرتبط بالمرأة شهادتها في المحاكم القضائية، فالمرأة تشارك في معظم أحكام الشهادة وشروط الشاهد الرجل، وإنما تختلف في أن هناك موارد لا تقبل شهادة النساء أبداً لا منضمات ولا منفردات وأخرى تقبل شهادة النساء منفردات، ولكن لا تقبل شهادتهن بأقل من أربع وثالثة تقبل شهادة النساء منضمات مع الرجال وتكون شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد. ومنفردات شريطة ألاّ تقبل شهادتهن بأقل من أربع.

فمن باب المثال كون شهادة امرأتين تعدل شهادة الرجل الواحد كما جاء في القرآن الكريم : (...وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مّن رّجَالِكُمْ فَإِن لّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشّهَدَآءِ أَن تَضِلّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الاُخْرَىَ...)([10]) يعلله آية الله مكارم الشيرازي في تفسيره الأمثل بقوله: «وإذا كان الشاهدان من الرجال، فلكل منهما أن يشهد منفرداً. أما إذا كانوا رجلاً واحداً وامرأتين، فعلى المرأتين أن تدليا بشهادتهما معاً، لكي تذكِّر إحداهما الأخرى إن نسيت شيئاً أو أخطأت فيه».

أما سبب اعتبار شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد، فهو لأن المرأة كائن عاطفي وقد تقع تحت مؤثرات خارجية، لذلك فوجود امرأة أخرى معها يحول بينها وبين التأثير العاطفي وغيره؛ لذلك قال تعالى: (.. .....أَن تَضِلّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الاُخْرَىَ ...)([11]).

إن الله قد أضفى كمال لطفه على المرأة حينما رفض شهادة امرأة واحدة، كي لا يتمكن الرجل من اتخاذها آلة في يده، وكي لا يستغل المرأة لصالح أعماله التي يؤديها بخشونته، ويتلاعب بشهادتها لصالح الباطل من ممارساته. فالشهادة بشأن الجرائم والجنايات خارجة عن دائرة المرأة وغير منسجمة مع ما تمتاز به من رقة القلب ولطف الروح.

 

 

[1] ـ وسائل الشيعة 18 ب 12 ح2.

[2] ـ الإسراء: 70.

[3] ـ الكافي 4: 306.

[4] ـ النساء: 34.

[5] ـ النساء: 34.

[6] ـ مجمع البيان في تفسير القرآن 3: 76.

[7] ـ الخصال 2: 585، ح 12 ، من لا يحضره الفقيه 4: 263، ح 821.

[8] ـ مجمع الفائدة والبرهان 12: 15.

[9] ـ كتاب الخلاف 1: 157.

[10]ـ البقرة: 282.

[11] ـ الأمثل في تفسير کتاب الله المنزل 2: 256، والآية 282من سورة البقرة.

الإثنين, 18 شباط/فبراير 2019 05:40

شُبهات و تساؤلات حول المرأة(27)

المرأة والتبليغ

قد يتوهم بعضٌ أن التبليغ للإسلام والمبادئ والأهداف الإلهية، ونشرها في المجتمع مقتصر على الرجال، وهذا خطأ واضح، فإنه لا بد أن يكون للمرأة دور فعال في مجال الدعوة والإرشاد، ولا يخفى مدى تأثير تبليغ المرأة بالأخص في مجتمع النساء، وفيما يلي توضيح وبيان لهذا الأمر المهم.

* * * * *

معنى التبليغ

التبليغ هو إعلام الناس بالأحكام الإسلامية، والمعارف الإلهية وتذكيرهم ووعظهم وإرشادهم لما فيه خيرهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة. وهو أيضاً تبشير بالجنة والنعم الإلهية، وإنذار المخالفين، وتحذيرهم من النار، وسخط الجبار.

وقد عبّر القرآن الكريم عنه بتعابير متعددة، كالإنذار والتبليغ، والتبشير والتخويف، والهداية والإرشاد، والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكل مفردة من هذه المفردات تشير إلى بُعد من أبعاده.

وقد تضافرت الآيات والروايات في الأمر بالتبليغ على أنه حق للأمة، وحق للجاهل على العالم، وقد كُلف به العلماء بالمرتبة الأولى، ثم الأمثل فالأمثل.

ولو استعرضنا هذه الآيات والروايات، لاستطعنا إثبات أن هذا التكليف لا يقتصر على الرجل، بل يعم المرأة، وإليك بعض هذه الأدلة من النصوص:

قال الله تبارك وتعالى: (الّذِينَ يُبَلّغُونَ رِسَالاَتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاّ اللهَ وَكَفَىَ بِاللهِ حَسِيباً)([1]) ،ودلالة الآية على الموضوع واضحة جداً، حيث إن مصداق الذين يبلغون رسالات الله يشمل كلاً من الرجل والمرأة.

قال تعالى: (وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)([2])،وواضح أن الأمر بتأسيس أمة آمرة بالمعروف وناهية عن المنكر لا تقتصر على الرجال، لأن عنوان الأمة يصدق على الجماعة الأعم من الرجال والنساء.

وقال رسول الله (ص) : رحم الله خلفائي، فقيل يا رسول الله، من خلفاؤك؟ قال: «الذين يحيون سُنّتي ويعلّمونها عباد الله»([3])، وكلامه (ص) ظاهر في إطلاق الخليفة على كل من يحيي السنة، ويعلّمها عباد الله سواء أرجلاً كان أم امرأة، وعلى هذا فلا تنحصر خلافة رسول الله (ص) بالمعنى الأعم بالرجال، بل المرأة إذا نهضت بأعباء الرسالة، وأدت إلى العباد ما يقربهم من ربهم، كانت بذلك خليفة لرسول الله(ص) في تبليغ الرسالة والدعوة إلى الحق.

وقد اتفق الفقهاء على أن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة كل فرد سواء أرجلاً كان أم امرأة، وليست مخصوصة بالرجال فحسب.

الحركة التبليغية للمرأة في مجتمع النساء

لا يخفى مدى تأثير تبليغ المرأة في مجتمع النساء، فهناك عوامل متعددة تمنع من تعليق مسألة تبليغهن على الرجال، وهي:

1- أن هناك أحكاماً خاصة بالمرأة يصعب على الرجل تبيينها وتبليغها لهن، كما يصعب عليهن سؤاله عنها، كأحكام الحيض والنفاس و...

2- أن الإسلام يسعى إلى التقليل من لقاء الرجل للمرأة قدر الإمكان، فإذا كانت المرأة قادرة على الإرشاد والوعظ، من بث الثقافة الإسلامية، وتشريح أحكام الشرعية بين صفوف النساء، وكان لها التأثير عليهن، بحيث يستغنى عن تدخل الرجال في كثير من القضايا فهو أفضل من قيام الرجل به.

3- أن أسلوب عرض المفاهيم الخاصة بالنساء من جانب المرأة يتناغم مع ما تحمله من مشاعر وعواطف مشتركة مع النساء. وهذا التفاوت في العرض والإقناع يستوجب أن تأخذ المرأة دورها اللازم في التعليم والتبليغ بالأخص فيما يختص بالنساء.

4- والمرأة بشكل ما تتحسس من النقاش والأخذ والرد مع الرجل نتيجة ظهور الحياء على سمتها ونطقها، فقد تحمل في ذهنها إشكالات لا تتمكن من عرضها أمام الرجل، بخلاف ما لو كان المحاور لها المرأة فتتمكن في غالب الأحيان من عرض إشكالياتها الشرعية الخاصة دون حرج أو حياء.

ولهذا وغيره كانت الحركة التبليغية عند المرأة لمجتمع النساء أوقع من حركة الرجل.

الزهراء (عليها السلام) المبلغة

يحدثنا التاريخ أن الزهراء (عليها السلام) كانت مبلغة لمجتمع النساء في عهد رسول الله (ص) ، وكان النبي (ص) كثيراً ما يعتمد عليها في عرض أحكام الإسلام وتبليغها، وهناك رواية تعكس مدى تأصل فكرة لجوء النساء إلى الزهراء (عليها السلام) في تعلم الأحكام الشرعية، فقد جاء عن أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) أنه قال: حضرت امرأة عند الصدِّيقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فقالت: إن لي والدة ضعيفة، وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بعثتني إليك أسألك، فأجابتها فاطمة (عليها السلام) عن ذلك، فثنّت فأجابت، ثم ثلّثت فأجابت.. إلى أن عشّرت، فأجابت، ثم خجلت المرأة من الكثرة، فقالت لها: لا أشق عليك يا ابنة رسول الله، قالت الزهراء (عليها السلام) هاتي وسلي عما بدا لك، أرأيت من اكترى يوماً يصعد إلى سطح بحملٍ ثقيل، وكراه مائة ألف دينار يثقل عليه؟ فقالت: لا، قالت: اكتريت أنا بكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى ألاّ يثقل عليّ، سمعت أبي (عليه السلام) يقول: إن علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم، وجدّهم في إرشاد عباد الله، حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف حلة من نور([4]).

كما أنها حين دعتها الحاجة إلى التبليغ في مجتمع الرجال لم تتوانَ عن ذلك، فقد خرجت إلى مسجدهم، وضُرب بينها وبينهم حجاب فخطبت خطبتها الشهيرة في الدفاع عن أحد أهم أركان الإسلام، وهو إمامة زوجها علي بن أبي طالب (عليه السلام).

وهكذا كانت زينب (عليها السلام) حيث حملت فكر ثورة الحسين (عليه السلام) وبثته في كل أرض نزلت فيها، حتى ضاق يزيد بخطابها ذرعاً، فردها من الشام إلى المدينة، ولم تأل بعد ذلك جهداً في تبليغ رسالة السماء من خلال ثورة أخيها الحسين (عليه السلام) حتى أرسل والي المدينة إلى يزيد: Sإن كان لك شغل في المدينة فأخرج منها زينبR.

وهكذا كانت نساء الأئمة (عليهم السلام) وبناتهم وأخواتهم عبر العصور، وبذلك لا مجال للتشكيك في لزوم حضور المرأة في الحركة التبليغية، ولزوم تعبئتها وتثقيفها لتنهض بهذا الحمل الثقيل.

 

 

[1]ـ الأحزاب: 39.

[2] ـ آل عمران: 104.

[3] ـ مستدرك الوسائل 17: 300.

[4] ـ مستدرك الوسائل 17: 317.

تم افتتاح صباح يوم الأربعاء بمصلى الإمام الخميني (ره) معرض "اقتدار 40" الخاص بإنجازات القطاع العسكري الإيراني حيث حضر هذا المعرض رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية اللواء "محمد باقري" والقائد العام للجيش الإيراني اللواء "عطاء الله صالحي" وقائد القوة الجوية التابعة للجيش العميد "عزيز نصير زاده"، وقائد القوة البرية في الجيش الإيراني العميد "كيومرث حيدري".

وفي تصريح صحفي أدلى به العميد "حاجي زادة" على هامش هذا المعرض العسكري، قال: إن تنظيم هذا المعرض للمرة الأولى وبهذه الصورة والخصائص يعدّ فرصة مناسبة جداً للشعب الإيراني الأبي للتعرّف عن كثب على قدرات القوات المسلحة الإيرانية على مدى الأعوام الأربعين الماضية.

وأضاف، بطبيعة الحال إن المعدّات المعروضة في هذا المعرض لا تشكّل جميع قدرات القوات المسلحة إلا أن عرض هذه المجموعة في مكان واحد يعدّ فرصة جيدة ليتعرف الشعب على جهود ومنجزات مختلف قطاعات القوات المسلحة الإيرانية في المجالات العملية والبحثية والإنتاجية ومنها بالطبع منجزات وزارة الدفاع.

يذكر أن معرض "اقتدار 40" الذي أُقيم مؤخراً في العاصمة الإيرانية طهران، شهد عرضاً لأبرز الأسلحة والمنظومات العسكرية الجديدة، والتي تركّزت بشكل واضح على الأسلحة التكتيكية، خاصة الطائرات دون طيار والصواريخ بمختلف أنواعها، ومن أبرز هذه الإنجازات العسكرية المعروضة ما يلي:

"كمان 12".. أحدث طائرة من دون طيار إيرانية الصنع

شهد المعرض الإعلان الأول عن طائرة "كمان 12" وهي طائرة تستطيع التحليق بشكل متواصل لنحو 10 ساعات بسرعة قصوى تبلغ مئتي كيلو متر، ويصل مداها إلى 1000 كيلو متر، ولها قدرة على نقل حمولة من المستشعرات وكاميرات الاستطلاع يصل وزنها إلى مئة كلغ، ومن أهم مميزاتها أنها تستطيع الإقلاع على مدرج إقلاع قصير يصل طوله بالحدّ الأدنى إلى 400 م.

"اخغر".. صواريخ خاصة بالطائرات من دون طيار الهجومية

شهد المعرض أيضاً الإعلان عن مجموعة من المنظومات الجديدة، منها الجيل الجديد من الصواريخ الخاصة بالطائرات من دون طيار الهجومية، التي سيبدأ إنتاجها تحت اسم "اخغر"، وهي صواريخ موجهة تلفزيونياً يصل مداها إلى نحو 30 كلم، ومزودة بمحرك صاروخي يوفر لها سرعة تحليق تصل إلى 600 كلم في الساعة، ونسخ جديدة من الصواريخ المضادّة للدروع "طوفان" تحت اسم "طوفان 3 أم" و"طوفان7"، وهي نسخ تتميز بسرعة هجوم أكبر وبميزة مهمة جداً هي نمط الهجوم السقفي.

"قاصد 3".. الإطلاق من مسافة 100 كيلومترات

فيما يتعلق بالقنابل الجوية، تم الإعلان للمرة الأولى عن قنابل "قاصد 3" الموجهة كهروبصرياً، التي تحمل رأساً حربياً تبلغ زنته 450 كلغ، ويصل مداها إلى مئة كلم، وتستطيع التحليق بسرعة كبيرة تصل إلى 600 كلم في الساعة ويمكن حملها على طائرات "إف 4" فانتوم.

"شاهين".. رادار التشويش

تم الإعلان أيضاً عن حاضن الحرب الإلكترونية "شاهين"، الذي يتم تحميله على الطائرات المقاتلة بهدف التشويش على الرادارات وأنظمة الدفاع الجوي والإلكتروني المعادية في معرض "اقتدار 40"، ومن المنتجات اللافتة التي تم الإعلان عنها خلال هذا المعرض، كانت الطائرة الموجهة من دون طيار "كيو تي 33 أي"، التي تم إنتاجها لتصبح منصة لاختبار صواريخ "فاكر 90" جو - جو.

طائرات من دون طيار القتالية

شهد المعرض أيضاً الإعلان عن جيل جديد من طائرات "شاهد 129" تحت اسم "شاهد 129 دي" والتي تتميز بقدرات هجومية تمكّنها من حمل أربعة صواريخ من نوع "سديد 1"، كما تمّت زيادة مدى طيرانها ليصل إلى 2000 كلم، وصاروخ "سديد" الموجه يزن حوالي 34 كيلوغراماً ومجهز برأس حربي شديد الانفجار، وهذا النوع من الصواريخ تم تجهيزه بأنظمة توجيه بصرية وليزرية وبالأشعة تحت الحمراء.

إن الصواريخ لم تغب عن هذا المعرض، فلقد ظهرت مجموعة صواريخ "فجر" و"فلق" بنسخها المتعددة، إلى جانب صاروخ "ذو الفقار" الباليستي الذي يصل مداه إلى 700  كلم، وصاروخ "خورمشهر" الباليستي الذي يصل مداه إلى 2000 كلم، ويعمل بالوقود السائل ومزود بثلاثة رؤوس حربية تبلغ زنة كل منها 600 كلغ، ويمثّل هذا الصاروخ أحد أهم الأسلحة التكتيكية لدى إيران، خاصة بعد الإعلان خلال المعرض عن وجود خطة لتزويد هذا الصاروخ برأس حربي موجّه محلي الصنع يصل وزنه إلى 2000 كلغ، يتم التحكم به إلى حين وصوله إلى الهدف.

وفي هذا المعرض تم عرض صاروخ "هويزه" الذي يمثل الجيل الجديد من صواريخ "سومر" الجوالة، ويتميز عن النسخة السابقة بمداه الذي يصل إلى 1350 كلم مقابل مدى يصل إلى 700 كلم فقط لصاروخ سومر.

وتمّت زيادة نسبة دقة إصابته، وقدرته في التحليق على ارتفاعات منخفضة جداً لتجنّب رصده من جانب أجهزة الرادار، وهو يمثّل تهديداً حقيقياً للدفاعات الجوية الإسرائيلية نظراً لمداه وسرعته، وتعدّ هذه السلسلة من الصواريخ تطبيقاً أخر من تطبيقات الهندسة العكسية، إذ اعتمدت الصناعات العسكرية الإيرانية في تصميمها لهذه السلسلة على صواريخ الكروز السوفيتية "كي ادش 55" و"كي ادش 65 اي"، التي تتميز بأنها يمكن أن تحمل شحنات نووية تكتيكية.