Super User

Super User

أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن موسكو مستعدة لاستضافة مؤتمر دولي حول سورية، مشدداً على أن مشاركة إيران في هذا المؤتمر أمر ضروري. وكانت روسيا قد اقترحت في وقت سابق خلال جلسة غير رسمية للجمعية العامة للأمم المتحدة عقد مؤتمر دولي حول سبل تسوية الأزمة السورية، بمشاركة جميع الدول ذات التأثير في الأطراف السورية.

وقال الوزير الروسي في تصريحات للصحفيين بموسكو إن المبادرة الروسية حول عقد المؤتمر تأتي في سياق الجهود الرامية الى تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بتبني خطة كوفي أنان المبعوث الأممي العربي حول تسوية الأزمة في سورية. وتابع لافروف انه لذلك يختلف المؤتمر الذي تقترحه موسكو جوهريا عن مؤتمرات ما يسمى مجموعة "أصدقاء سورية"، التي أطلق عليها "مجموعة أصدقاء المجلس الوطني السوري". وشدد لافروف على ان روسيا اقترحت عقد المؤتمر على أساس مبادئ محددة وواضحة.

ايران تؤيد اقتراح موسكو عقد مؤتمر دولي حول سورية

من جهتها، قدمت طهران دعمها لاقتراح روسيا تنظيم المؤتمر، مؤكدة في الوقت نفسه ان المسالة السورية يجب ان تحل "من قبل السوريين". وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الايرانية رامين مهمنبارست "سندعم اي طريقة تساعد في تسوية القضية السورية عبر الحوار بين الحكومة والمعارضين في اطار مناسب". وكرر مهمنبارست القول ان "المسالة السورية ليس لها حل عسكري وان التدخل (العسكري) لدول اخرى سيخلق عدم استقرار اقليميا".

السبت, 16 حزيران/يونيو 2012 07:44

بري: المقاومة هي شرف وعز لنا

أكد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري لـ"السفير"، ان المقاومة "هي شرف وعز لنا، ولا حرج لدينا في مناقشة الاستراتيجية الدفاعية لتحصين لبنان في مواجهة المخاطر الاسرائيلية، بل انها تصبح أشد إلحاحا عندما نعلم بأن اسرائيل أجرت في الآونة الأخيرة مناورات في مزارع شبعا، وفي داخل فلسطين المحتلة، تحسبا لاي حرب مقبلة مع لبنان"، مستغربا ان يصر البعض في الوقت ذاته على إثارة مسألة سلاح المقاومة.

وقال الرئيس بري ان اجواء الجلسة الاولى من الحوار كانت جيدة ومفيدة، معتبرا ان "ما جرى في عكار، خلال الايام الماضية، من عمليات خطف، كان يكفي وحده لمعاودة الحوار، حتى لو اقتصر الامر على التقاط الصورة، فكيف إذا خرجنا ببيان مهم عكسه إعلان بعبدا".

لكن الرئيس بري أشار الى انزعاجه من التسريبات الاعلامية التي تنعكس سلبا على مناخ الحوار، لافتا الى انه سيثير هذا الامر مع المعنيين، "لعلنا نفلح في منع التسريب الذي يضرب خصوصية النقاش وسرية المداولات".

وفي سياق متصل، اكد الرئيس بري ان "رئيس الجمهورية ميشال سليمان كان ينوي الدعوة الى الجولة الثانية من الحوار ولكنّ سفر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى البرازيل لمدّة اسبوع هو الذي فرض عقدها بعد عودته".

وأبدى بري ارتياحه الى "الاجواء التي سادت الحوار مذكراً بأنه كان دوماً ينادي به لأنّ مجرد جلوس القوى السياسية على طاولة الحوار من شأنه ان يشيع مناخات ايجابية في البلاد"، مشددا على "وجوب إقرار الاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان من الاعتداءات الاسرائيلية"، مشيراً الى انّه "شرح جدوى هذه الاستراتيجية للمتحاورين.

اتهمت سوريا الولايات المتحدة بالتدخل "السافر" بشؤونها الداخلية، مؤكدة ان التصريحات التي تطلقها تشجع الجماعات المسلحة على تصعيد عملياتهم في البلاد.

وقال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية والمغتربين: "إن الإدارة الأميركية تابعت تدخلها السافر في الشؤون الداخلية للجمهورية العربية السورية ودعمها المعلن للمجموعات الإرهابية المسلحة والتغطية على جرائمها وتشويه الحقائق حول سوريا في الأمم المتحدة وممارسة أقصى درجات الابتزاز على دول العالم والمجتمع الدولي لمحاصرة سورية واستهداف مواقفها".

واشار المصدر الى ان التصريجات الاميركية التصعيدية شجعت الجماعات المسلحة على تصعيد عمليات في مختلف انحاء البلاد مما ادى الى مقتل العشرات من الابرياء.

وأضاف: "ان هذه التصريحات تجلت في أبشع صورها من خلال البيانات التي صدرت عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، والتي ادعت فيها قلق الإدارة الأميركية على الأوضاع في عدد من المدن السورية".

وشدد المصدر على ان هذه التصريحات تزور الحقائق وتشجع المجموعات الإرهابية المسلحة على ارتكاب مزيد من المجازر والعنف والإرهاب ليس في مدينة الحفة فحسب بل في جميع أرجاء سوريا.

واشار الى تجاهل المسؤولين الاميركيين لما يقوم به المسلحين في الجفة من اعتداء على السكان وطردهم من منازهلم وحرق المؤسسات العامة واغلاق المؤسسات الحكومية بالقوة، والتغطية عليها لصالح المسلحين تحت عناوين مختلفة لتشويه ما يجري على ارض الواقع في سوريا.

واكد ان من يدعم المجموعات المسلحة بالمال والسلاح ويغطي على جرائمها انما يساهم بشكل مباشر في سفك الدم السوري مهما أعلن من تصريحات.

ولفت المصدر إلى أن خطة المبعوث الدولي كوفي انان طالبت جميع الأطراف بوقف العنف واستجابت الحكومة السورية لذلك لكن المجموعات المسلحة التي تدعمها أميركا وعدد من عملائها في المنطقة أعلنوا منذ البداية تشكيكهم بالخطة وعملوا مع حلفائهم في المجموعات المسلحة على انتهاك بنود هذه الخطة.

واوضح ان إن الحكومة السورية تجدد تاكيدها على احترامها لخطة المبعوث الدولي كوفي انان واستعدادها لتنفيذ التزاماتها وممارسة مسؤولياتها، كما تؤكد حرصها على أمن الشعب السوري وتوفير الحماية له حتى تحقيق الامن والاستقرار في انحاء البلاد كافة.

ذكرت صحيفة "ذي كريستان ساينس مونيتور" الأميركية، أن قرار الولايات المتحدة سحب مفاوضيها من خضم المحادثات مع باكستان بشأن إعادة فتح طرق الإمداد البرية لقوات حلف شمال الأطلسي "الناتو" في أفغانستان مؤشر قوي على أن التوترات في العلاقات الأميركية - الباكستانية قد بلغت ذروتها.

ونقلا عن موقع اليوم السابع اليوم الاربعاء ، أشارت الصحيفة الأميركية في سياق تقرير أوردته على موقعها الإلكتروني، الثلاثاء، إلى أن فتح طرق الإمداد البرية للناتو كانت تعد واحدة من النقاط الشائكة في العلاقات المتقلبة بين واشنطن وإسلام آباد، وذلك في أعقاب قيام باكستان بإدانة الطبيب الباكستاني الذي ساعد الولايات المتحدة في تصفية أسامة بن لادن، وذلك ردا على الغارات الجوية الأميركية في الأراضى الباكستانية بدعوى ملاحقة المسلحين.

 

واعتبرت أن العلاقات الأميركية مع باكستان وصلت إلى مستوى متدن، بعد تصريحات المتحدث باسم البنتاغون جورج ليتل، الاثنين، التي أكد فيها أن أميركا سحبت فريقها للتفاوض ولم يتم تحديد أي موعد لعودة الفريق إلى إسلام آباد مرة أخرى.

وأوضحت أن رفض باكستان فتح طرق الإمدادات أمام حلف الناتو من شأنه إجبار الولايات المتحدة على استخدام طرق أطول بكثير وأكثر كلفة عبر آسيا الوسطى، وذلك لمد قوات التحالف في أفغانستان بالعتاد، والذي قد يدفع قوات التحالف أيضا إلى تأخير انسحابها المقرر من أفغانستان في عام 2014.

قال ( عليه السلام ) : ( إنّ الله تبارك وتعالى بشّر أهل العقل والفهم في كتابه ، فقال : ( فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) الزمر : 17 ـ 18 .

يا هشام بن الحكم : إنّ الله عزّ وجل أكمل للناس الحجج بالعقول ، وأفضى إليهم بالبيان ، ودلّهم على ربوبيته بالأدلاّء ، فقال : ( وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) البقرة : 163 ـ 164 .

يا هشام : قد جعل الله عزّ وجل ذلك دليلاً على معرفته ، بأنّ لهم مدبّراً ، فقال : ( وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) النحل : 12 .

وقال : ( حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) الزخرف : 1 ـ 3 .

وقال : ( وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) الروم : 24 .

يا هشام : ثمّ وعّظ أهل العقل ورغّبهم في الآخرة ، فقال : ( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) الأنعام : 32 .

وقال : ( وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) القصص : 60 .

يا هشام : ثمّ خوَّف الذين لا يعقلون عذابه ، فقال عزّ وجل : ( ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) الصافات : 136 ـ 138 .

يا هشام : ثمّ بيّن أنّ العقل مع العلم ، فقال : ( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ) العنكبوت : 43 .

يا هشام : ثمّ ذمّ الذين لا يعقلون ، فقال : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ ) البقرة : 170 .

وقال : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ) الأنفال : 22 .

وقال : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) لقمان : 25 .

ثمّ ذم الكثرة ، فقال : ( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ ) الأنعام : 116 ، وقال : ( وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) الأنعام : 37 .

يا هشام : ثمّ مدح القلّة ، فقال : ( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) سبأ : 13 .

وقال : ( وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ) ص : 24 .

وقال : ( وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ) هود : 40 .

يا هشام : ثمّ ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر ، وحلاّهم بأحسن الحلية ، فقال : ( يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ) البقرة : 269 .

يا هشام : إنّ الله يقول : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ) ـ ق : 37 ـ يعني العقل .

وقال : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ) ـ لقمان : 12 ـ قال : الفهم والعقلَ .

يا هشام : إنّ لقمان ، قال لابنه : تواضع للحق تكن أعقلَ الناس ، يا بنيّ إنّ الدنيا بحرٌ عميقٌ قد غرق فيه عالم كثير ، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله ، وحشوها الإيمان ، وشراعها التوكّل ، وقيمتها العقل ، ودليلها العلم ، وسكّانها الصبر .

يا هشام : لكل شيء دليل ، ودليل العاقل التفكّر ، ودليل التفكّر الصمت ، ولكل شيء مطيّة ، ومطيّة العاقل التواضع ، وكفى بك جهلاً ، أن تركب ما نُهيت عنه .

يا هشام : لو كان في يدك جوزة ، وقال الناس : لؤلؤة ما كان ينفعك ، وأنت تعلم أنّها جوزة ، ولو كان في يدك لؤلؤة ، وقال الناس : أنّها جوزة ، ما ضرّك وأنت تعلم أنّها لؤلؤة .

يا هشام : ما بعث الله أنبياءه ورسله إلى عباده إلاّ ليعقلوا عن الله ، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة لله ، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلاً ، وأعقلهم أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة .

يا هشام : ما من عبد إلاّ وملك آخذ بناصيته ، فلا يتواضع إلاّ رفعه الله ، ولا يتعاظم إلاّ وضعه الله .

يا هشام : إنّ لله على الناس حجّتين ، حجّة ظاهرة ، وحجّة باطنة ، فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة ، وأمّا الباطنة فالعقول .

يا هشام : إنّ العاقل ، الذي لا يشغل الحلال شكره ، ولا يغلب الحرام صبره .

يا هشام : كيف يزكو عند الله عملك ، وأنت قد شغلت عقلك عن أمر ربّك ، وأطعت هواك على غلبة عقلك .

يا هشام : الصبر على الوحدة علامة قوّة العقل ، فمن عقل عن الله تبارك وتعالى اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها ، ورغب فيما عند ربّه ـ وكان الله ـ آنسه في الوحشة وصاحبه في الوحدة ، وغناه في العيلة ، ومعزّه في غير عشيرة .

يا هشام : نصب الخلق لطاعة الله ، ولا نجاة إلاّ بالطاعة ، والطاعة بالعلم ، والعلم بالتعلّم ، والتعلّم بالعقل يعتقد ، ولا علم إلاّ من عالم رباني ، ومعرفة العالم بالعقل .

يا هشام : قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف ، وكثير العمل من أهلِ الهوى والجهل مردود .

يا هشام : إنّ العاقل رضي بالدّون من الدنيا مع الحكمة ، ولم يرض بالدّون من الحكمة مع الدنيا ، فلذلك ربحت تجارتهم .

يا هشام : إن كان يغنيك ما يكفيك ، فأدنى ما في الدنيا يكفيك ، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك ، فليس شيء من الدنيا يغنيك .

يا هشام : إنّ العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب ، وترك الدنيا من الفضل ، وترك الذنوب من الفرض .

يا هشام : إنّ العقلاء زهدوا في الدنيا ، ورغبوا في الآخرة ، لأنّهم علموا أنّ الدنيا طالبة ومطلوبة ، والآخرة طالبة ومطلوبة ، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتّى يستوفي منها رزقه ، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة ، فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته .

يا هشام : إنّ الله جلّ وعزّ حكى عن قوم صالحين ، أنّهم قالوا : ( رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ) ـ آل عمران : 8 ـ حين علموا أنّ القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها ، إنّه لم يخف الله من لم يعقل عن الله ، ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يُبصرها ويجد حقيقتها في قلبه ، ولا يكون أحدٌ كذلك إلاّ من كان قوله لفعله مصدِّقاً ، وسرّه لعلانيته موافقاً ، لأنّ الله لم يدلّ على الباطن الخفي من العقل إلاّ بظاهر منه وناطق عنه .

يا هشام : كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، يقول : ما من شيء عبد الله به أفضل من العقل ، وما تمّ عقل امرأ حتّى يكون فيه خصال شتّى ، الكفر والشر منه مأمونان ، والرشد والخير منه مأمولان ، وفضل ماله مبذول ، وفضل قوله مكفوف ، نصيبه من الدنيا القوت ، ولا يشبع من العلم دهره ، الذلّ أحب إليه مع الله من العزّ مع غيره ، والتواضع أحبّ إليه من الشرف ، يستكثر قليل المعروف من غيره ، ويستقل كثير المعروف من نفسه ، ويرى الناس كلّهم خيراً منه ، وأنّه شرّهم في نفسه ، وهو تمام الأمر .

يا هشام : من صدق لسانه زكى عمله ، ومن حسنت نيّته زيد في رزقه ، ومن حسن برّه بإخوانه وأهله مدّ في عمره .

يا هشام : لا تمنحوا الجهّال الحكمة فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم .

يا هشام : كما تركوا لكم الحكمة ، فاتركوا لهم الدنيا .

يا هشام : لا دين لمن لا مروّة له ، ولا مُرُوّة لمن لا عقل له ، وأنّ أعظم الناس قدراً الذي لا يرى الدنيا لنفسه خطراً ، أمّا إنّ أبدانكم ليس لها ثمن إلاّ الجنّة ، فلا تبيعوها بغيرها .

يا هشام : إنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كان يقول : لا يجلس في صدر المجلس إلاّ رجل فيه ثلاث خصال : يجيب إذا سئل ، وينطق إذا عجز القوم عن الكلام ، ويشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله ، فمن لم يكن فيه شيء منهنّ ، فجلس فهو أحمق .

وقال الحسن بن علي ( عليهما السلام ) : إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها ، قيل : يا ابن رسول الله ومن أهلها ؟ قال : الذين قصّ الله في كتابه وذكرهم ، فقال : ( إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) ـ الزمر : 12 ـ قال : هم أولوا العقول .

وقال علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح ، وأدب العلماء زيادة في العقل ، وطاعة ولاة العدل تمام العز ، واستثمار المال تمام المروة ، وإرشاد المستشير قضاء لحق النعمة ، وكف الأذى من كمال العقل ، وفيه راحة البدن عاجلاً وآجلاً .

يا هشام : إنّ العاقل لا يحدّث من يخاف تكذيبه ، ولا يسأل من يخاف منعه ، ولا يعد ما لا يقدر عليه ، ولا يرجو ما يعنّف برجائه ، ولا يتقدّم على ما يخاف العجز عنه .

وكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يوصي أصحابه ، يقول : أوصيكم بالخشية من الله في السر والعلانية ، والعدل في الرضا والغضب ، والاكتساب في الفقر والغنى ، وأن تصلوا من قطعكم ، وتعفوا عمّن ظلمكم ، وتعطفوا على من حرمكم ، وليكن نظركم عبراً ، وصمتكم فكراً ، وقولكم ذكراً ، وطبيعتكم السخاء ، فإنّه لا يدخل الجنّة بخيل ، ولا يدخل النار سخي .

يا هشام : رحم الله من استحيا من الله حق الحياء ، فحفظ الرأس وما حوى ، والبطن وما وعى ، وذكر الموت والبلى ، وعلم أنّ الجنّة محفوفة بالمكارة ، والنار محفوفة بالشهوات .

يا هشام : من كفّ نفسه عن أعراض الناس أقاله الله عثرته يوم القيامة ، ومن كفّ غضبه عن الناس ، كفّ الله عنه غضبه يوم القيامة .

يا هشام : إنّ العاقل لا يكذب ، وإن كان فيه هواه .

يا هشام : وجد في ذؤابة سيف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إنّ أعتى الناس على الله من ضرب غير ضاربه ، وقتل غير قاتله ، ومن تولّى غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله على نبيّه محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، ومن أحدث حدثاً ، أو آوى محدثاً لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً .

يا هشام : أفضل ما يتقرّب به العبد إلى الله بعد المعرفة به الصلاة ، وبرّ الوالدين ، وترك الحسد والعجب والفخر .

يا هشام : أصلح أيّامك الذي هو أمامك ، فانظر أي يوم هو وأعدّ له الجواب ، فإنّك موقوف ومسؤول ، وخذ موعظتك من الدهر وأهله ، فإنّ الدهر طويلة قصيرة ، فاعمل كأنّك ترى ثواب عملك لتكون أطمع في ذلك ، واعقل عن الله وانظر في تصرّف الدهر وأحواله ، فإنّ ما هو آت من الدنيا ، كما ولّى منها ، فاعتبر بها .

وقال علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : إنّ جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الأرض ومغاربها ، بحرها وبرّها ، وسهلها وجبلها ، عند وليّ من أولياء الله ، وأهل المعرفة بحق الله كفيء الظلال ـ ثمّ قال ( عليه السلام ) : أَوَلا حرّ يدع هذه اللمّاظة لأهلها ـ يعني الدنيا ـ فليس لأنفسكم ثمن إلاّ الجنّة ، فلا تبيعوها بغيرها ، فإنّه من رضي من الله بالدنيا ، فقد رضي بالخسيس .

يا هشام : إنّ كل الناس يبصر النجوم ، ولكن لا يهتدي بها ، إلاّ من يعرف مجاريها ومنازلها ، وكذلك أنتم تدرسون الحكمة ، ولكن لا يهتدي بها منكم إلاّ من عمل بها .

يا هشام : إنّ المسيح ( عليه السلام ) قال للحوّاريين : يا عبيد السوء يهولكم طول النخلة ، وتذكرون شوكها ومؤونة مراقيها ، وتنسون طيب ثمرها ومرافقها ، كذلك تذكرون مؤونة عمل الآخرة ، فيطول عليكم أمده ، وتنسون ما تفضون إليه من نعيمها ونورها وثمرها .

يا عبيد السوء نقّوا القمح وطيّبوه ، وأدقّوا طحنه تجدوا طعمه ويهنئكم أكله ، كذلك فأخلصوا الإيمان وأكملوه ، تجدوا حلاوته وينفعكم غبّه .

بحقّ أقول لكم : لو وجدتم سراجاً يتوقّد بالقطران في ليلة مظلمة لاستضأتم به ، ولم يمنعكم منه ريح نتنه ، كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممّن وجدتموها معه ، ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها .

يا عبيد الدنيا بحق أقول لكم : لا تدركون شرف الآخرة إلاّ بترك ما تحبّون ، فلا تنظروا بالتوبة غداً ، فإنّ دون غد يوماً وليلةً ، وقضاء الله فيهما يغدوا ويروح .

بحقّ أقول لكم : إنّ من ليس عليه دين من الناس أروح وأقل همّاً ممّن عليه الدين ، وإنّ أحسن القضاء ، وكذلك من لم يعمل الخطيئة أروح همّاً ممّن عمل الخطيئة ، وإن أخلص التوبة وأناب ، وإنّ صغار الذنوب ومحقّراتها من مكائد إبليس ، يحقّرها لكم ويصغّرها في أعينكم ، فتجتمع وتكثر فتحيط بكم .

بحقّ أقول لكم : إنّ الناس في الحكمة رجلان : فرجلٌ أتقنها بقوله وصدّقها بفعله ، ورجل أتقنها بقوله وضيّعها بسوء فعله ، فشتّان بينهما ، فطوبى للعلماء بالفعل ، وويل للعلماء بالقول .

يا عبيد السوء اتّخذوا مساجد ربّكم سجوناً لأجسادكم وجباهكم ، واجعلوا قلوبكم بيوتاً للتقوى ، ولا تجعلوا قلوبكم مأوىً للشهوات .

إنّ أجزعكم عند البلاء لأشدّكم حبّاً للدنيا ، وإنّ أصبركم على البلاء لأزهدكم في الدنيا .

الإمام الكاظم ( عليه السلام )

يا عبيد السوء لا تكونوا شبيهاً بالحداء الخاطفة ، ولا بالثعالب الخادعة ، ولا بالذئاب الغادرة ، ولا بالأُسُد العاتية كما تفعل بالفرائس ، كذلك تفعلون بالناس ، فريقاً تخطفون ، وفريقاً تخدعون ، وفريقاً تغدرون بهم .

بحق أقول لكم : لا يغني عن الجسد أن يكون ظاهره صحيحاً ، وباطنه فاسداً ، كذلك لا تغني أجسادكم التي قد أعجبتكم وقد فسدت قلوبكم ، وما يغني عنكم أن تنقّوا جلودكم وقلوبكم دنسه ، لا تكونوا كالمنخل يخرج منه الدقيق الطيّب ، ويمسك النخالة ، كذلك أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم ، ويبقى الغلّ في صدوركم .

يا عبيد الدنيا إنّما مثلكم مثل السراج ، يضيء للناس ويحرق نفسه ، يا بني إسرائيل زاحموا العلماء في مجالسهم ، ولو جثوّاً على الركب ، فإنّ الله يحيي القلوب الميّتة بنور الحكمة ، كما يحيي الأرض الميّتة بوابل المطر .

يا هشام : مكتوب في الإنجيل : طوبى للمتراحمين ، أولئك المرحمون يوم القيامة ، طوبى للمصلحين بين الناس ، أولئك هم المقرّبون يوم القيامة ، طوبى للمطهّرة قلوبهم ، أولئك هم المتّقون يوم القيامة ، طوبى للمتواضعين في الدنيا ، أولئك يرتقون منابر الملك يوم القيامة .

يا هشام : قلّة المنطق حكم عظيم ، فعليكم بالصمت ، فإنّه دعة حسنة ، وقلّة وزر ، وخفّة من الذنوب ، فحصّنوا باب الحلم ، فإنّ بابه الصبر ، وإنّ الله عزّ وجلّ يبغض الضحّاك من غير عجب ، والمشّاء إلى غير أرب ، ويجب على الوالي أن يكون كالراعي ، لا يغفل عن رعيته ، ولا يتكبّر عليهم .

فاستحيوا من الله في سرائركم ، كما تستحيون من الناس في علانيتكم ، واعلموا أنّ الكلمة من الحكمة ضالّة المؤمن ، فعليكم بالعلم قبل أن يرفع ، ورفعه غيبة عالمكم بين أظهركم .

يا هشام : تعلّم من العلم ما جهلت ، وعلّم الجاهل ممّا علّمت ، عظّم العالم لعلمه ، ودع منازعته ، وصغّر الجاهل لجهله ولا تطرده ، ولكن قرّبه وعلّمه .

يا هشام : إنّ كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ بها ، وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : إنّ لله عباداً كسرت قلوبهم خشيته فأسكتتهم عن المنطق ، وإنّهم لفصحاء عقلاء ، يستبقون إلى الله بالأعمال الزكية ، لا يستكثرون له الكثير ، ولا يرضون لهم من أنفسهم بالقليل ، يرون في أنفسهم أنّهم أشرار ، وأنّهم لأكياس وأبرار .

يا هشام : الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنّة ، والبذاء من الجفاء ، والجفاء في النار .

يا هشام : المتكلّمون ثلاثة : فرابح وسالم وشاجب ، فأمّا الرابح فالذاكر لله ، وأمّا السالم فالساكت ، وأمّا الشاجب فالذي يخوض في الباطل ، إنّ الله حرّم الجنّة على كلّ فاحش بذيء ، قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه ، وكان أبو ذرّ ( رضي الله عنه ) يقول : يا مبتغي العلم إنّ هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شر ، فاختم على فيك كما تختم على ذهبك وورقك .

يا هشام : بئس العبد يكون ذا وجهين وذا لسانين ، يطري أخاه إذا شاهده ، ويأكله إذا غاب عنه ، إنّ أُعطي حسده ، وإن ابتلي خذله ، إنّ أسرع الخير ثواباً البر ، وأسرع الشر عقوبة البغي ، وإنّ شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه ، وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النار ، إلاّ حصائد ألسنتهم ، ومن حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه .

يا هشام : لا يكون الرجل مؤمناً حتّى يكون خائفاً راجياً ، ولا يكون خائفاً راجياً حتّى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو .

يا هشام : قال الله جلّ وعز : وعزّتي وجلالي وعظمتي وقدرتي وبهائي ، وعلوّي في مكاني ، لا يؤثر عبد هواي على هواه إلاّ جعلت الغنى في نفسه ، وهمّه في آخرته ، وكففت عليه في ضيعته ، وضمنت السماوات والأرض رزقه ، وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر .

يا هشام : الغضب مفتاح الشر ، وأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ، وإن خالطت الناس ، فإن استطعت أن لا تخالط أحداً منهم ، إلاّ من كانت يدك عليه العليا فافعل .

يا هشام : عليك بالرفق ، فإنّ الرفق يُمنٌ ، والخرق شُؤمٌ ، إنّ الرفق والبرّ وحسن الخلق يعمّر الديار ، ويزيد في الرزق .

يا هشام : قول الله : ( هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ) ـ الرحمن : 60 ـ جرت في المؤمن والكافر ، والبرّ والفاجر ، من صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به ، وليست المكافأة أن تصنع كما صنع حتّى ترى فضلك ، فإن صنعت كما صنع فله الفضل بالابتداء .

يا هشام : إنّ مثل الدنيا مثل الحيّة مسّها ليّن ، وفي جوفها السمّ القاتل ، يحذرها الرجال ذوو العقول ، ويهوي إليها الصبيان بأيديهم .

يا هشام : اصبر على طاعة الله ، واصبر عن معاصي الله ، فإنّما الدنيا ساعة ، فما مضى منها فليس تجد له سروراً ولا حزناً ، وما لم يأت منها فليس تعرفه ، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها ، فكأنّك قد اغتبطت .

يا هشام : مثل الدنيا مثل ماء البحر ، كلّما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتّى يقتله .

يا هشام : إيّاك والكبر ، فإنّه لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال حبّة من كبر ، الكبر رداء الله ، فمن نازعه رداءه أكبّه الله في النار على وجهه .

يا هشام : ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم ، فإن عمل حسناً استزاد منه ، وإن عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب إليه .

يا هشام : تمثّلت الدنيا للمسيح ( عليه السلام ) في صورة امرأة زرقاء ، فقال لها : كم تزوّجت ؟ فقالت : كثيراً ، قال : فكلّ طلّقك ؟ قالت : لا ، بل كلاّ قتلتُ ، قال المسيح ( عليه السلام ) : فويحٌ لأزواجك الباقين ، كيف لا يعتبرون بالماضين .

يا هشام : إنّ ضوء الجسد في عينه ، فإن كان البصر مضيئاً استضاء الجسد كلّه ، وإنّ ضوء الروح العقل ، فإذا كان العبد عاقلاً كان عالماً بربّه ، وإذا كان عالماً بربّه أبصر دينه ، وإن كان جاهلاً بربّه لم يقم له دين ، وكما لا يقوم الجسد إلاّ بالنفس الحيّة ، فكذلك لا يقوم الدين إلاّ بالنية الصادقة ، ولا تثبت النية الصادقة إلاّ بالعقل .

يا هشام : إنّ الزرع ينبت في السهل ، ولا ينبت في الصفا ، فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ، ولا تعمر في قلب المتكبّر الجبّار ، لأنّ الله جعل التواضع آلة العقل ، وجعل التكبّر من آله الجهل ، ألم تعلم أنّ من شمخ إلى السقف برأسه شجّه ، ومن خفض رأسه استظلّ تحته وأكنّه ، وكذلك من لم يتواضع لله خفضه الله ، ومن تواضع لله رفعه .

يا هشام : ما أقبح الفقر بعد الغنى ، وأقبح الخطيئة بعد النسك ، وأقبح من ذلك العابد لله ، ثمّ يترك عبادته .

يا هشام : لا خير في العيش إلاّ لرجلين : لمستمع واع ، وعالم ناطق .

يا هشام : ما قسّم بين العباد أفضل من العقل ، نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل ، وما بعث الله نبياً إلاّ عاقلاً ، حتّى يكون عقله أفضل من جميع جهد المجتهدين ، وما أدّى العبد فريضة من فرائض الله حتّى عقل عنه .

يا هشام : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا رأيتم المؤمن صموتاً فادنوا منه ، فإنّه يلقي الحكمة ، والمؤمن قليل الكلام ، كثير العمل ، والمنافق كثير الكلام ، قليل العمل .

يا هشام : أوحى الله تعالى إلى داود ( عليه السلام ) : قل لعبادي : لا يجعلوا بيني وبينهم عالماً مفتوناً بالدنيا ، فيصدّهم عن ذكري ، وعن طريق محبّتي ومناجاتي ، أولئك قطّاع الطريق من عبادي ، إنّ أدنى ما أنا صانع بهم أن انزع حلاوة محبّتي ومناجاتي من قلوبهم .

يا هشام : من تعظّم في نفسه لعنته ملائكة السماء وملائكة الأرض ، ومن تكبّر على إخوانه واستطال عليهم فقد ضاد الله ، ومن ادعى ما ليس له فهو أعنى لغير رشده .

يا هشام : أوحى الله تعالى إلى داود ( عليه السلام ) : يا داود حذّر ، وأنذر أصحابك عن حبّ الشهوات ، فإنّ المعلّقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم محجوبة عنّي .

يا هشام : إيّاك والكبر على أوليائي ، والاستطالة بعلمك فيمقتك الله ، فلا تنفعك بعد مقته دنياك ولا آخرتك ، وكن في الدنيا كساكن دار ليست له ، إنّما ينتظر الرحيل .

يا هشام : مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة ، ومشاورة العاقل الناصح يُمنٌ وبركة ، ورشد وتوفيق من الله ، فإذا أشار عليك العاقل الناصح فإيّاك والخلاف ، فإنّ في ذلك العطب .

يا هشام : إيّاك ومخالطة الناس والأنس بهم ، إلاّ أن تجد منهم عاقلاً ومأموناً ، فآنس به واهرب من سايرهم ، كهربك من السباع الضارية ، وينبغي للعاقل إذا عمل عملاً أن يستحيي من الله ، وإذا تفردّ له بالنعم أن يشارك في عمله أحداً غيره ، وإذا مرّ بك أمران لا تدري أيّهما خيرٌ وأصوب ، فانظر أيّهما أقرب إلى هواك فخالفه ، فإنّ كثير الصواب في مخالفة هواك ، وإيّاك أن تغلب الحكمة وتضعها في أهل الجهالة .

قال هشام : فقلت له : فإن وجدت رجلاً طالباً له ، غير أن عقله لا يتّسع لضبط ما القي إليه ؟

قال ( عليه السلام ) : فتلطّف له بالنصيحة ، فإن ضاق قلبه فلا تعرضنّ نفسك للفتنة ، وأحذر ردّ المتكبّرين ، فإنّ العلم يُذِلُّ على أن يملى على من لا يفيق ) .

قلت : فإن لم أجد من يعقل السؤال عنها ؟ قال ( عليه السلام ) : ( فاغتنم جهله عن السؤال حتّى تسلم من فتنة القول ، وعظيم فتنة الردّ ، واعلم أنّ الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم ، ولكن رفعهم بقدر عظمته ومجده ، ولم يؤمنّ الخائفين بقدر خوفهم ، ولكن آمنهم بقدر كرمه وجوده ، ولم يفرّح المحزونين بقدر حزنهم ، ولكن بقدر رأفته ورحمته ، فما ظنّك بالرؤوف الرحيم الذي يتودّد إلى من يؤذيه بأوليائه ، فكيف بمن يؤذى فيه ، وما ظنّك بالتوّاب الرحيم الذي يتوب على من يعاديه ، فكيف بمن يترضاه ، ويختار عداوة الخلق فيه .

يا هشام : من أحبّ الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه ، وما أوتي عبدٌ علماً فازداد للدنيا حبّاً إلاّ ازداد من الله بعداً ، وازداد الله عليه غضباً .

يا هشام : إنّ العاقل اللبيب من ترك ما لا طاقة له به ، وأكثر الصواب في خلاف الهوى ، ومن طال أمله ساء عمله .

يا هشام : لو رأيت مسير الأجل لألهاك عن الأمل .

يا هشام : إيّاك والطمع ، وعليك باليأس ممّا في أيدي الناس ، وأمت الطمع من المخلوقين ، فإنّ الطمع مفتاح للذل ، واختلاس العقل ، وأخلاق المروات ، وتدنيس العرض ، والذهاب بالعلم ، وعليك بالاعتصام بربّك والتوكّل عليه ، وجاهد نفسك لتردّها عن هواها ، فإنّه واجب عليك كجهاد عدوّك .

قال هشام : فقلت له : فأَيّ الأعداء أوجبهم مجاهدة ؟ قال ( عليه السلام ) : أقربهم إليك وأعداهم لك ، وأضرّهم بك وأعظمهم لك عداوة ، وأخفاهم لك شخصاً مع دنوه منك ، ومن يحرّض أعداءك عليك ، وهو إبليس الموكّل بوسواس القلوب ، فله فلتشتد عداوتك ، ولا يكونن أصبر على مجاهدته لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته ، فإنّه أضعف منك ركناً في قوّته ، وأقلّ منك ضرراً في كثرة شرّه ، إذا أنت اعتصمت بالله ، فقد هديت إلى صراط مستقيم .

يا هشام : من أكرمه الله بثلاث فقد لطف به : عقل يكفيه مؤونة هواه ، وعلم يكفيه مؤونة جهله ، وغنى يكفيه مخافة الفقر .

يا هشام : اعرف العقل وجنده ، والجهل وجنده تكن من المهتدين ، قال هشام : فقلت : جعلت فداك لا نعرف إلاّ ما عرّفتنا .

يا هشام : إنّ الله خلق العقل ، وهو أوّل خلق خلقه الله من الروحانيّين عن يمين العرش من نوره ، فقال له : أدبر فأدبر ، ثمّ قال له : أقبل فأقبل ، فقال الله جلّ وعز : خلقتك خلقاً عظيماً ، وكرّمتك على جميع خلقي ، ثمّ خلق الجهل من البحر الأجاج الظلماني ، فقال له : أدبر فأدبر ، ثمّ قال له : أقبل فلم يقبل ، فقال له : استكبرت فلعنه ، ثمّ جعل للعقل خمسة وسبعين جنداً ، فلمّا رأى الجهل ما كرّم الله به العقل وما أعطاه ، أضمر له العداوة ، فقال الجهل : يا ربّ هذا خلق مثلي خلقته وكرّمته وقوّيته ، وأنا ضدّه ولا قوّة لي به ، أعطني من الجند مثل ما أعطيته ، فقال تبارك وتعالى : نعم ، فإن عصيتني بعد ذلك أخرجتك وجندك من جواري ومن رحمتي ، فقال : قد رضيت ، فأعطاه الله خمسة وسبعين جنداً .

فكان ممّا أعطى العقل من الخمسة والسبعين جنداً : الخير وهو وزير العقل ، وجعل ضدّه الشر ، وهو وزير الجهل ، الإيمان ، الكفر ، التصديق ، التكذيب ، الإخلاص ، النفاق ، الرجاء ، القنوط ، العدل ، الجور ، الرضى ، السخط ، الشكر ، الكفران ، اليأس ، الطمع ، التوكّل ، الحرص ، الرأفة ، الغلظة ، العلم ، الجهل ، العفّة ، التهتك ، الزهد ، الرغبة ، الرفق ، الخرق ، الرهبة ، الجرأة ، التواضع ، الكبر ، التؤدة ، العجلة ، الحلم ، السفه ، الصمت ، الهذر ، الاستسلام ، الاستكبار ، التسليم ، التجبّر ، العفو ، الحقد ، الرحمة ، القسوة ، اليقين ، الشك ، الصبر ، الجزع ، الصفح ، الانتقام ، الغنى ، الفقر ، التفكّر ، السهو ، الحفظ ، النسيان ، التواصل ، القطيعة ، القناعة ، الشره ، المؤاساة ، المنع ، المودّة ، العداوة ، الوفاء ، الغدر ، الطاعة ، المعصية ، الخضوع ، التطاول ، السلامة ، البلاء ، الفهم ، الغباوة ، المعرفة ، الإنكار ، المداراة ، المكاشفة ، سلامة الغيب ، المماكرة ، الكتمان ، الإفشاء ، البر ، العقوق ، الحقيقة ، التسويف ، المعروف ، المنكر ، التقية ، الإذاعة ، الإنصاف ، الظلم ، التقى ، الحسد ، النظافة ، القذر ، الحياء ، القحة ، القصد ، الإسراف ، الراحة ، التعب ، السهولة ، الصعوبة ، العافية ، البلوى ، القوام ، المكاثرة ، الحكمة ، الهوى ، الوقار ، الخفة ، السعادة ، الشقاء ، التوبة ، الإصرار ، المحافظة ، التهاون ، الدعاء ، الاستنكاف ، النشاط ، الكسل ، الفرح ، الحزن ، الألفة ، الفرقة ، السخاء ، البخل ، الخشوع ، العجب ، صون الحديث النميمة ، الاستغفار ، الاغترار ، الكياسة ، الحمق .

يا هشام : لا تُجمعُ هذه الخصال إلاّ لنبي أو وصي ، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ، وأمّا ساير ذلك من المؤمنين ، فإنّ أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود من أجناد العقل ، حتّى يستكمل العقل ، ويتخلّص من جنود الجهل ، فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) ، وفّقنا الله وإيّاكم لطاعته ) .

تبیان

السبت, 16 حزيران/يونيو 2012 05:08

شهادة الإمام الكاظم ( عليه السلام )

عاصر الإمام الكاظم ( عليه السلام ) خلال فترة إمامته أربعة من الخلفاء العباسيين ، و هم : المنصور ، المهدي ، الهادي ، الرشيد . و قد زخرت هذه الفترة بالأحداث و الوقائع التاريخية الخطيرة ، و كان من أبرز تلك الوقائع ، هي الثورات و السجن و الملاحقات و القتل الفردي و الجماعي لآل علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، و بني عمومتهم من الطالبِيّين . فالولاة يحكمون ، و يعبثون ، و يتصرفون كيف شاءوا ، ما زالوا محافظين على طاعة الخليفة . لأن المطلوب هو الولاء للخليفة العباسي لابَسط العدل و إقامة أحكام الإسلام ، و في مثل هذه الأوضاع كان طبيعياً ، أن ينال الإمام ( عليه السلام ) الظلم و السجن و الاضطهاد .

فأمر الرشيد بنقل الإمام من سجن الفضل إلى سجن السندي بن شاهك ، و الأخير كان شريراً لم تدخل الرحمة إلى قلبه ، و قد تَنكّر لجميع القِيَم . فكان لا يؤمن بالآخرة و لايرجو لله و قاراً ، فقابل الإمام ( عليه السلام ) بكل قسوة و جفاء ، فَضَيّق عليه في مأكله و مشربه ، و كَبّله بالقيود . و يقول الرواة : ( إنه قَيّده ( عليه السلام ) بثلاثين رطلاً من الحديد ) . و أقبل الإمام ( عليه السلام ) على عادته على العبادة ، فكان في أغلب أوقاته يصلي لربه ، و يقرأ كتاب الله ، و يُمجّده و يَحمُده على أنْ فَرّغه لعبادته .

كتابه إلى هارون :

و أرسل الإمام ( عليه السلام ) رسالة إلى هارون الرشيد ، أعرب فيها عن نقمته عليه ، و هذا هو نَصّها : ( إِنّه لن يَنقضي عَنّي يوم من البلاء ، حَتى ينقضي عَنك يوم من الرّخَاء ، حتى نَفنَى جميعاً إلى يومٍ ليس فيه انقضاء ، و هُناك يَخسرُ المُبطلون ) . و حكت هذه الرسالة ما أَلمّ بالإمام ( عليه السلام ) من الأسى في السجن ، و أنه سيحاكم الطاغية هارون الرشيد أمام الله تعالى في يوم يخسر فيه المبطلون .

شهادته ( عليه السلام ) :

عهد هارون إلى السندي باغتيال الإمام ( عليه السلام ) ، فَدُسّ له سُمّاً فاتكاً في رطب ، و أجبره السندي على تناوله . فأكل ( عليه السلام ) مِنهُ رطبات يسيرة ، فقال له السندي : زِد على ذلك . فَرَمَقَهُ الإمام ( عليه السلام ) بَطَرْفِه ، و قال له : ( حَسبُكَ ، قد بَلغتُ ما تحتاجُ إليه ) . و تفاعل السم في بدنه ( عليه السلام ) ، و أخذ يعاني الآلام القاسية ، و قد حفت به الشرطة القُساة . و لازَمه السندي ، و كان يُسمِعُه مُرَّ الكلام و أقساه ، و مَنعَ عنه جميع الإسعافات لِيُعَجّل له النهاية المَحتومة . و لما ثقل حاله ( عليه السلام ) ، و أشرف على النهاية ، استدعى المُسيّب بن زهرة ، و قال له : ( إني على ما عَرّفتُك من الرحيل إلى الله عزَّ و جلَّ ، فإذا دَعوتُ بِشُربة من ماءٍ فَشربتُها ، و رأيتني قد انتَفَختُ ، و اصفَرَّ لوني و احمَرَّ و اخضَرَّ ، وَ أتَلَوَّنُ ألواناً ، فأخبر الطاغية بوفاتي ) .

فقال المُسيَّب : فلم أزلْ أراقب وَعده ، حتى دعا ( عليه السلام ) بشربة فَشربَها ، ثم استدعاني فقال : ( يا مُسيَّب ، إن هذا الرِّجس السِّندي بن شَاهك سَيزعم أنه يتولَّى غسلي و دفني ، و هيهات هيهات أن يكون ذلك أبداً ، فإذا حُمِلت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فَألحِدُوني بها ) .

قال المُسيَّب : ثم رأيتُ شخصاً أشبه الأشخاص به جالساً إلى جانبه ، و كان عهدي بسيِّدي الرضا ( عليه السلام ) ، و هو غلام ، فأردت أن أسأله ، فصاح بي سيدي الكاظم ( عليه السلام ) ، و قال : ( أَليسَ قَد نَهَيتُك ؟! ) . ثم إنه غاب ذلك الشخص ، و جئتُ إلى الإمام ( عليه السلام ) ، فإذا به جثة هامدة قد فارق الحياة ، فانتهيت بالخبر إلى الرشيد . و كانت شهادته ( عليه السلام ) في ( 25 ) رجب من سنة ( 183 هـ ) .

فخرج الناس على اختلاف طبقاتهم لتشييع جثمان إمام المسلمين و سيد المتقين و العابدين ، و خرجَت الشيعة ، و هي تلطم الصدور ، و تذرف الدموع ، و خرجت السيدات من نسائهم ، وَ هُنَّ يَندبْنَ الإمام ( عليه السلام ) ، و يرفَعْنَ أصواتَهُنَّ بالنياحَة عليه ( عليه السلام ) . و سارت مواكب التشييع في شوارع بغداد ، و هي تردد أهازيج اللوعة و الحزن . و سارت المواكب متجهة إلى محلة باب التبن و قد ساد عليها الحزن ، حتى انتهت إلى مقابر قريش في بغداد . فَحُفِر للجثمان العظيم قبر ، فواروه فيه ، و انصرف المشيعون ، و هم يعددون فضائله ( عليه السلام ) ، و يَذكُرون بمزيد من اللَّوعة الخسارةَ التي مُني بها المسلمون . فَتَحيَّات من الله على تلك الروح العظيمة ، التي ملأت الدنيا بفضائلها و آثارها و مآثرها .

تبیان

الثلاثاء, 12 حزيران/يونيو 2012 05:05

خيارات ما بعد أنان

واشنطن تقترح إشرافاً روسيّاً على المرحلة الانتقالية... والغرب يدفع سوريا إلى النموذج اليوغوسلافي

بحسب المهلة الدولية، فإن مهمة المبعوث الدولي كوفي أنان في سوريا تنتهي في الواحد والعشرين من شهر تموز المقبل. ولكن تداعيات الصراع في سوريا وعليها أصابت مهمته بالشيخوخة المبكرة. فبعد زيارته الاخيرة لسوريا، عاد أنان إلى مجلس الأمن وبدا مستسلماً في إحاطته التي قدمها إليه. فهي بحاجة إلى عملية إنقاذ عاجلة، فاقترح العلاج الآتي: «إنشاء مجموعة اتصال حول سوريا مؤلفة من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن ودول أخرى في المنطقة».

 

السؤال هو لماذا تمّ الحكم دولياً على مهمة أنان، خلال الأسبوع الماضي، على أنها وصلت إلى لحظة الشيخوخة المبكرة، حتى قبل أن تستنفد وقتها الممنوح لها دولياً؟ الإجابة الدولية، وضمنها إجابة أنان عينه، تعزو ذلك بالأساس إلى فشله في وقف العنف. لكن الروس لديهم وجهة نظر مختلفة، وهي أنّ مجموعة أصدقاء الشعب السوري شجعت عبر تسليح المعارضة على استدامة العنف وتصعيده، خاصة في ظل مهمة أنان، والهدف من ذلك دفع الحدث السوري ليصل الى نقطة تشبه الوضع في يوغوسلافيا بعد مجزرتي البوسنة وسربرينيتشا ما بين 1995 و1998، حيث تمّ حينها، على أثر الأخيرة، تدخل الأطلسي عسكرياً من خارج مجلس الأمن. يعترف الروس، بالشكل على الأقل، أن الوضع السوري في هذه اللحظة بعد مجزرتي الحولة والقبير، وإعلان أنان إفلاس مهمته بنسختها الراهنة، نتيجة فشله في وقف العنف، يشبه وضع يوغوسلافيا عام 1998.

ومع ذلك حذّر الروس، الاسبوع الماضي، سواءً في لقاء الرئيس فلاديمير بوتين مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، أو وزير الخارجية سيرغي لافروف مع نظيرته هيلاري كلينتون، من أنّ الوضع في سوريا مختلف، نظراً إلى إمكانات الجيش السوري العسكرية المهمة، في وقت أعلنت فيه موسكو أن لافروف سيسافر الى طهران، يوم غد، لبحث المؤتمر الدولي حول سوريا، الذي قالت وزارة الخارجية إنه «بدون المشاركة الإيرانية فيه لن تستغل فرصة التأثير الدولي البنّاء بشأن القضية السورية بالشكل الأمثل».

ويجري الإنصات بعناية في الغرب، حسب مسؤول في الخارجية الفرنسية، إلى كلام الروس حينما يتحدثون عن نوعية تسلح الجيش السوري وحجمه، لكون روسيا هي المورد الأساس له بالسلاح، وهي بالتالي الأخبر بقدراته العسكرية. ومن ناحية ثانية، يعرف الفرنسيون كما البريطانيون وتركيا ودول خليجية، أن مشاركة أميركا ضرورية لأي خيار عسكري في سوريا، وهي لن تعتمد خياراً كهذا قبل موعد الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل.

وتصف تقارير دبلوماسية مجريات الوضع الدولي، كما تمظهر خلال الأسبوع الماضي، بأنه شهد إرهاصات إدخال الحدث السوري في عنق الزجاجة للأزمات الدولية. فمهمة إنقاذ مهمة أنان، كما أثيرت في لقاءات لافروف ــ كلينتون، ولقاءات الأخيرة، بعد يومين، مع أنان، وقبل ذلك بين هولاند ــ بوتين، ثم بين فردريك هوف ومساعدي لافروف في موسكو، أظهرت أنّ الوضع الدولي يتجه للتعاطي مع «الأزمة السورية» بوصفها «المسألة السورية» التي لن يكون ممكناً تسويتها، ومنع امتداد تشظّيها إلى باقي دول المنطقة، إلا من خلال مراعاة إشراك كل القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في صراع الشرق الاوسط، بشكل مباشر، في هذه العملية. وتخلص وقائع التشاور الدولي بشأن إنقاذ مهمة أنان، خلال الأيام الماضية، إلى المعطيات الأساسية الآتية:

أولاً، التسليم الدولي بأنه لا يمكن رسم مستقبل سوريا من غير دور محوري ومركزي لروسيا.

ثانياً، التسليم بأن مهمة أنان بحاجة إلى تعديل، وأن إعادة إنتاجها (أبعد من النقاط الست التي تمّ نعيها دولياً) تحتاج إلى أداة اتصال دولية واسعة، تتمثل فيها كل الاطراف التي تعبّر عن طبيعة التوازن الدولي والإقليمي الجديد، وهذا ما طرح أزمة دولية مستجدة داخل مهمة أنان، قوامها القوى التي يجب دعوتها للمشاركة في العملية الدولية لحل المسألة السورية.

ثالثاً، التسليم بتماسك الجيش السوري كمعبّر عن قوة النظام السوري، ليس فقط في مواجهة مشروع المعارضة الخارجية المسلحة، بل أيضاً في مواجهة جعل التدخل العسكري الخارجي أمراً غير مضمون النتائج.

كيف تمظهرت هذه المسلمات الآنفة الذكر خلال اللقاءات الدولية التي جرت تحت عنوان «تعديل» أو «إنقاذ مهمة» أنان، في الأيام الاخيرة، وأيضاً الى أي مرحلة وصلت في إنتاج الخيارات الجديدة للتعاطي مع الأزمة السورية؟

لقاء لافروف ــ كلينتون: جرى لقاء وزيري خارجية أميركا وروسيا على وقع كلام أنان في مجلس الأمن بعد زيارته الأخيرة لسوريا، حيث أعلن حاجة خطته ذات النقاط الست، إلى إجراء تعديلات عليها. وخلال اللقاء ركّز لافروف على النقاط الآتية: إصرار موسكو على متابعة مهمة أنان، مع موافقة روسيا على إجراء تعديلات عليها، وحددت روسيا مفهومها لهذا التعديل بإنشاء مجموعة اتصال دولية حول الأزمة السورية، على نحو ما اقترح أنان، وسمّى الدول التي ستشارك فيها: الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، الاتحاد الأوروبي، والجامعة العربية ودول المنطقة المؤثرة بما فيها إيران.

لقاء كلينتون ــ أنان: بعد تدارس حصيلة مباحثات كلينتون مع لافروف، بادرت الأولى إلى لقاء أنان للتباحث معه في قضية إنشاء مجموعة الاتصال الدولية، وبحسب مصدر دبلوماسي، فإن الموقف الأميركي، في هذا اللقاء، تمظهر على الشكل الآتي: توافق واشنطن على مبدأ إشراك الجميع في حلّ الازمة السورية، ولكن الإدارة الاميركية لا تزال ترفض إشراك إيران في مجموعة الاتصال الدولية المنوي تشكيلها، ومنذ الآن تركّز أميركا على إيضاح تفاصيل مرحلة ما بعد تنحّي الرئيس بشار الاسد، وهي لا تمانع في إعطاء دور محوري لروسيا في إدارة المرحلة الانتقالية. وتطالب أميركا بإيجاد مكان محايد تجتمع فيه مجموعة الاتصال الدولية الموسعة المقترحة.

الثلاثاء, 12 حزيران/يونيو 2012 04:22

الحياة الطيبة في الإسلام

الملخص

من المباحث التي تطرح نفسها في القرآن الکریم، هو البحث عن معنی "الحیاة الطیبة".

أين الطريق إلى الحياة الطيبة؟ إن الحياة الهادئة المستقرّة مطلبُ كلِّ إنسان، ومقصدُ كلّ عاقل، فكيف نتذوّقها في أنفسنا؟ كيف نعيشها في مجتمعاتنا؟ في هذه الحياة المليئة بالتعب وفي هذه الدنيا الفانية التي بها الضيق والبلاء تتطلَّع النفوس إلى ما تنشرح له وتطمئنّ به، وتتوق القلوبُ إلى ما ترتاح به وتأنَس إليه، وتتشوَّق الأبدان إلى ما تسعَد به وتهنأ في محيطه، خاصة أننا صِرنا في زمنٍ كثرت فيه أسبابُ الهموم والأحزان، وكثُرت فيه الشواغل.

الحياةُ المعاصرة أبدعت في أساليبِ الرفاهية لبني البشر، لكنَّ الحقييقة التي يجب أن نعترف بها أن الحياة المعاصرة لم تستطِع تأمينَ الحياة الطيبة، ولا سعادة القلب، ولا اطمئنان النفس، لقد بلغ العلم الحديث درجة عالية من الرّقي، فلم يحقِّق إلا لذّةً ظاهريّة ورفاهيةً آنيّة، لم تتذوّق بها النفس الحياةَ الطيبة. فأين الطريق ؟

قد يتصوَّر بعضُ الناس الحياةَ الطيبة مقترنةً بالمناصبِ الخادعة، ويتصوّرها آخرون مع الانغماس في الشهوات وآخرون مع تشييد القصور الفخمة. ولكن هل وجدوها هناك ؟

ولكن ماذا قال واهب الحياة وخالقها قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً. الإيمان الحقُّ بالله تعالى رباً ومعبوداً هو السببُ الأعظم للحياة الطيبة، الإيمان بالله هو سكينة النفس، وهداية القلب، وهو منار السالكين وأمل اليائسين، إنه أمان الخائفين ونصرة المجاهدين. وهو بشرى المتقين ومنحة المحرومين. من ملك هذا الكون ومالكه. إنه الله، خالقُ كلِّ شيء، ربّ كلّ شيء، مدبّر الأمر وحده، الخافض الرافع، المعزُّ المذلّ، الضارّ النافع، هو الذي بيده ملكوت كلّ شيء، هو على كل شيء قدير، قيومُ السموات والأرض. فإذا علم العبدُ ذلك فقد وجب عليه أن لا يخشى إلا ربَّه، وأن لا يبتغي العزةَ إلا في طاعته والتذلّل لعظمته، وأن لا يتَّجه إلى غيره، ولا يتعلق قلبه بسواه، وأن يلجأ إليه وحده في كل ما يلمّ به من المصائب والشدائد، فهو ربّه ومالكه، ومصلحُ أمره ومدبّره. وحينئذ تطمئنّ نفسُه، ويقوى قلبه؛ لأنه يعلم أنه يأوي إلى ركن شديد، ويحتمي بملك الملوك، فقد توكَّل على الحيّ الذي لا يموت، وهذا يجعل نفسَه دائماً مطمئنَّةً وحياتَه طيبة. فيقبل المؤمن على دنياه مطمئناً هانئاً سعيداً رضياً. مهما اختلفت عليه الظروف وتقلبت به الأحوال. لا ييأس على ما فات ولا يفرح بما حصل. إيمان ورضىً مقرون بتوكل وثبات، يعتبر بما مضى ويحتاط للمستقبل ويأخذ بالأسباب، لا يسخط على قضاء الله، ولا يتقاعس عن العمل، يستفرغ جهده من غير قلق، لأن شعاره وَمَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.

المفردات الرئیسة:

الحیاة، الطیبة، الحیاة الطیبة، العمل الصالح، الایمان.

 

سبب النّزول

قبل البدأ بالبحث نذکر سبب نزول الآیة الشریفة وهو کما نقل الطبرسي عن ابن عباس،أنّ رجلا من حضرموت يقال له عبدان (عیدان) الأشرع قال يا رسول الله إن امرء القيس الكندي جاورني في أرضي فاقتطع من أرضي فذهب بها مني والقوم يعلمون إني لصادق ولكنه أكرم عليهم مني فسأل رسول الله (ص) امرءالقيس عنه فقال لا أدري ما يقول، فأمره أن يحلف فقال عبدان: إنه فاجر لا يبالي أن يحلف فقال إن لم يكن لك شهود فخذ بيمينه فلما قام ليحلف أنظره فانصرفا فنزل قوله:«وَ لا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَليلاً إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95)ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَ لَنَجْزِيَنَّ الَّذينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (96)»فلمّا قرأهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال امرؤ القيس: أمّا ما عندي فينفد وهو صادق فيما يقول، لقد اقتطعت أرضه ولم أدركم هي، فليأخذ من أرضي ما شاء ومثلها معها بما أكلت من ثمرها، فنزل فيه:

«مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ»

إحصاء أقوال أهم المفسرین حول معنی "الحیاة الطیبة"

1- الفقیه البارع الشیخ الطوسي (385-460ه)[1]

هذا وعد من اللَّه تعالى بأن من عمل صالحاً من الطاعات سواء كان فاعله ذكراً او أنثى، وهو مع ذلك مؤمن بتوحيد اللَّه، مقرّ بصدق أنبيائه، فأن اللَّه يحييه حياة طيبة. وقال ابن عباس: الحياة الطيبة هو الرزق الحلال. وقال الحسن:هي القناعة. وقال قتادة: حياة طيبة في الجنة. وقال قوم: الأولى ان يكون المراد بها القناعة في الدنيا، لأنه عقيب ما توعد غيرهم به من العقوبة فيها مع ان اكثر المؤمنين ليسوا بمتسعي الرزق في الدنيا.

ثم أخبر انه يجزيهم زيادة على الحياة الطيبة «أجرهم» وثوابهم «بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» وإنما قال: «و لنجزينهم» بلفظ الجمع، لان (مَنْ) يقع على الواحد والجميع، فردّ الكناية على المعنى.

2- المفسر الکبیر العلامة الطبرسي (468-548ه)[2]

هذا وعد من الله سبحانه أي: من عمل عملا صالحا سواء كان ذكرا أو أنثى وهو مع ذلك مؤمن مصدق بتوحيد الله مقر بصدق أنبيائه «فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً» قيل فيه أقوال، (أحدها) أن الحياة الطيبة الرزق الحلال عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء و(ثانيها)أنها القناعة والرضا بما قسم الله عن الحسن ووهب وروي ذلك عن النبي (ص)و(ثالثها) أنها الجنة عن قتادة ومجاهد وابن زيد قال الحسن لا يطيب لأحد حياة إلا في الجنة وقال ابن زيد ألا ترى إلى قوله يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي و(رابعها) أنها رزق يوم بيوم و(خامسها) أنها حياة طيبة في القبر

3- ابن الجوزي (511- 597ه)[3]

قوله تعالى: (فلنحيينه حياة طيبة) اختلفوا أين تكون هذه الحياة الطيبة على ثلاثة أقوال : أحدها : أنها في الدنيا ، رواه العوفي عن ابن عباس. ثم فيها للمفسرين تسعة أقوال : أحدها : أنها القناعة، قاله علي عليه السلام ، وابن عباس في رواية، والحسن في رواية ، ووهب بن منبه . والثاني : أنها الرزق الحلال ، رواه أبو مالك عن ابن عباس. وقال الضحاك: يأكل حلالا ويلبس حلالا. والثالث: أنها السعادة، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. والرابع: أنها الطاعة، قاله عكرمة. والخامس: أنها رزق يوم بيوم، قاله قتادة. والسادس: أنها الرزق الطيب، والعمل الصالح، قاله إسماعيل بن أبي خالد. والسابع: أنها حلاوة الطاعة، قاله أبو بكر الوراق. والثامن: العافية والكفاية. والتاسع: الرضى بالقضاء، ذكرهما الماوردي. والثاني: أنها في الآخرة، قاله الحسن، ومجاهد ، وسعيد بن جبير، وقتادة، وابن زيد، وذلك إنما يكون في الجنة. والثالث: أنها في القبر، رواه أبو غسان عن شريك.

4- ابن العربي (560 -638ه)[4]

....فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً أي: حياة حقيقية لا موت بعدها بالتجرّد عن المواد البدنية والانخراط في سلك الأنوار السرمدية، والتلذّذ بكمالات الصفات في مشاهدات التجليات الأفعالية والصفاتية وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ من جنان الأفعال والصفات بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ إذ عملهم يناسب صفاتهم التي هي مبادئ أفعالهم وأجرهم يناسب صفاتنا التي هي مصادر أفعالنا، فانظر كم بينهما من التفاوت في الحسن.

5- فخر الدین الرازي (القرن التاسع)[5]

وفي الآية سؤالات: ..... السؤال الرابع: هذه الحياة الطيبة تحصل في الدنيا أو في القبر أو في الآخرة.

والجواب فيه ثلاثة أقوال:

القول الأول: قال القاضي: الأقرب أنها تحصل في الدنيا بدليل أنه تعالى أعقبه بقوله: "وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ" ولا شبهة في أن المراد منه ما يكون في الآخرة.ولقائل أن يقول: لا يبعد أن يكون المراد من الحياة الطيبة ما يحصل في الآخرة، ثم إنه مع ذلك وعدهم اللّه على أنه إنما يجزيهم على ما هو أحسن أعمالهم فهذا لا امتناع فيه.

فإن قيل: بتقدير أن تكون هذه الحياة الطيبة إنما تحصل في الدنيا فما هي؟والجواب: ذكروا فيه وجوها قيل: هو الرزق الحلال الطيب، وقيل: عبادة اللّه مع أكل الحلال، وقيل:القناعة، وقيل: رزق يوم بيوم. كان النبي صلّى اللّه عليه وسلم يقول في دعائه: «قنعني بما رزقتني»وعن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم أنه كان يدعو: «اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا»قال الواحدي وقول من يقول: إن القناعة حسن مختار لأنه لا يطيب عيش أحد في الدنيا إلا عيش القانع وأما الحريص فإنه يكون أبدا في الكد والعناء.

واعلم أن عيش المؤمن في الدنيا أطيب من عيش الكافر لوجوه: الأول: أنه لما عرف أن رزقه إنما حصل بتدبير اللّه تعالى، وعرف أنه تعالى محسن كريم لا يفعل إلا الصواب كان راضيا بكل ما قضاه وقدره، وعلم أن مصلحته في ذلك، أما الجاهل فلا يعرف هذه الأصول فكان أبدا في الحزن والشقاء. وثانيها: أن المؤمن أبدا يستحضر في عقله أنواع المصائب والمحن ويقدر وقوعها وعلى تقدير وقوعها يرضى بها، لأن الرضا بقضاء اللّه تعالى واجب، فعند وقوعها لا يستعظمها بخلاف الجاهل فإنه يكون غافلا عن تلك المعارف، فعند وقوع المصائب يعظم تأثيرها في قلبه. وثالثها: أن قلب المؤمن منشرح بنور معرفة اللّه تعالى، والقلب إذا كان مملوءا من هذه المعارف لم يتسع للأحزان الواقعة بسبب أحوال الدنيا، أما قلب الجاهل فإنه خال عن معرفة اللّه تعالى فلاجرم يصير مملوء من الأحزان الواقعة بسبب مصائب الدنيا. ورابعها: أن المؤمن عارف بأن خيرات الحياة الجسمانية خسيسة فلايعظم فرحه بوجدانها وغمه بفقدانها، أما الجاهل فإنه لا يعرف سعادة أخرى تغايرها فلا جرم يعظم فرحه بوجدانها وغمه بفقدانها. وخامسها: أن المؤمن يعلم أن خيرات الدنيا واجبة التغير سريعة التقلب فلولا تغيرها وانقلابها لم تصل من غيره إليه.

واعلم أن ما كان واجب التغير فإنه عند وصوله إليه لا تنقلب حقيقته ولا تتبدل ماهيته، فعند وصوله إليه يكون أيضا واجب التغير، فعند ذلك لا يطبع العاقل قلبه عليه ولا يقيم له في قلبه وزنا بخلاف الجاهل فإنه يكون غافلا عن هذه المعارف فيطبع قلبه عليها ويعانقها معانقة العاشق لمعشوقه فعند فوته وزواله يحترق قلبه ويعظم البلاء عنده، فهذه وجوه كافية في بيان أن عيش المؤمن العارف أطيب من عيش الكافر هذا كله إذا فسرنا الحياة الطيبة بأنها في الدنيا.

والقول الثاني: وهو قول السدي إن هذه الحياة الطيبة إنما تحصل في القبر.

والقول الثالث: وهو قول الحسن وسعيد بن جبير إن هذه الحياة الطيبة لا تحصل إلا في الآخرة والدليل عليه قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‏ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الإنشقاق: 6] فبين أن هذا الكدح باق إلى أن يصل إلى ربه وذلك ما قلناه، وأما بيان أن الحياة الطيبة في الجنة فلأنها حياة بلا موت وغنى بلا فقر، وصحة بلا مرض، وملك بلا زوال، وسعادة بلا شقاء، فثبت أن الحياة الطيبة ليست إلا تلك الحياة، ثم إنه تعالى ختم الآية بقوله: وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.

6- فیض الکاشاني (1007- 1091ه)[6]

یعيش عيشا طيّبا.قال: «هي القناعة و الرّضا بما قسم اللّه» وأیضا ً«في الدنيا يعيش عيشاً طيباً.القميّ قال القنوع بما رزقه اللَّه.وفي نهج البلاغة أنّه عليه السلام سئل عنها فقال هي القناعة وفي المجمع عن النبي صلَّى اللَّه عليه و آله و سلم أنّها القناعة و الرضا بما قسم اللَّه وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ من الطاعة.[7]

7- محمد جواد مغنیة (1322- 1400ه)[8]

اختلفوا في الحياة الطيبة التي ذكرها سبحانه بقوله: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً). اختلفوا: هل تحصل هذه الحياة في الدنيا أو في الآخرة؟ .. وغريب ان يختلف المفسرون في ذلك، وهم يشاهدون بالحس والعيان ان الدنيا جنة الكافر، وسجن المؤمن، ويتلون بل يشرحون قوله تعالى: «وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَ مَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ وَ لِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَ سُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ وَ زُخْرُفاً وَ إِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ».[9] ومن أجل هذا نرجح ان المراد بالحياة الطيبة هنا الجنة، وان قوله: ولنجزينهم أجرهم الخ عطف تفسير على قوله: فلنحيينه وتأكيد له، ومثله قوله تعالى: «إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ»[10]

8- العلامة الطباطبایي (1321- 1402ه)[11]

وقوله: «فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً» الإحياء إلقاء الحياة في الشي‏ء وإفاضتها عليه فالجملة بلفظها دالة على أن الله سبحانه يكرم المؤمن الذي يعمل صالحا بحياة جديدة غير ما يشاركه سائر الناس من الحياة العامة، وليس المراد به تغيير صفة الحياة فيه وتبديل الخبيثة من الطيبة مع بقاء أصل الحياة على ما كانت عليه، ولو كان كذلك لقيل: فلنطيبن حياته.فالآية نظيرة قوله: «أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ»: الأنعام: 122، وتفيد ما يفيده من تكوين حياة ابتدائية جديدة.

وليس من التسمية المجازية لأن الآيات المتعرضة لهذا الشأن ترتب عليه آثار الحياة الحقيقية كقوله تعالى: «أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ»: المجادلة: 22، وكقوله في آية الأنعام: «وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ» فإن المراد بهذا النور العلم الذي يهتدي به الإنسان إلى الحق في الاعتقاد والعمل قطعا.

وكما أن له من العلم والإدراك ما ليس لغيره كذلك له من موهبة القدرة على إحياء الحق وإماتة الباطل ما ليس لغيره، وقد قال سبحانه: «كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ»: الروم: 47، وقال: «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ»: المائدة: 69.

وهذا العلم والقدرة الحديثان يمهدان له أن يرى الأشياء على ما هي عليها فيقسمها قسمين حق باق وباطل فان، فيعرض بقلبه عن الباطل الفاني الذي هو الحياة الدنيا بزخارفها الغارة الفتانة ويعتز بعزة الله فلا يستذله الشيطان بوساوسه ولا النفس بأهوائها وهوساتها ولا الدنيا بزهرتها لما يشاهد من بطلان أمتعتها وفناء نعمتها.

ويتعلق قلبه بربه الحق الذي هو يحق كل حق بكلماته فلا يريد إلا وجهه ولايحب إلا قربه ولايخاف إلا سخطه وبعده، يرى لنفسه حياة طاهرة دائمة مخلدة لايدبر أمرها إلا ربه الغفور الودود، ولا يواجهها في طول مسيرها إلا الحسن الجميل فقد أحسن كل شي‏ء خلقه، ولا قبيح إلا ما قبحه الله من معصيته.

فهذا الإنسان يجد في نفسه من البهاء والكمال والقوة والعزة واللذة والسرور ما لا يقدر بقدر، وكيف لا؟ وهو مستغرق في حياة دائمة لا زوال لها ونعمة باقية لا نفاد لها ولا ألم فيها ولا كدورة تكدرها، وخير وسعادة لا شقاء معها، هذا ما يؤيده الاعتبار وينطق به آيات كثيرة من القرآن لا حاجة إلى إيرادها على كثرتها.

فهذه آثار حيوية لا تترتب إلا على حياة حقيقية غير مجازية، وقد رتبها الله سبحانه على هذه الحياة التي يذكرها و يخصها بالذين آمنوا و عملوا الصالحات فهي حياة حقيقية جديدة يفيضها الله سبحانه عليهم.

وليست هذه الحياة الجديدة المختصة بمنفصلة عن الحياة القديمة المشتركة وإن كانت غيرها فإنما الاختلاف بالمراتب لا بالعدد فلا يتعدد بها الإنسان، كما أن الروح القدسية التي يذكرها الله سبحانه للأنبياء لا توجب لهم إلا ارتفاع الدرجة دون تعدد الشخصية.

هذا ما يعطيه التدبر في الآية الكريمة وهو حقيقة قرآنية وبه يظهر وجه توصيفها بالطيب في قوله: «حَياةً طَيِّبَةً» كأنها- كما اتضح- حياة خالصة لا خبث فيها يفسدها في نفسها أو في أثرها.

وللمفسرين في الآية وجوه من التفسير:منها: أن الحياة الطيبة هي الحياة التي تكون في الجنة فلا موت فيها ولا فقر ولا سقم ولا أي شقاء آخر.ومنها: أنها الحياة التي تكون في البرزخ ولعل التخصيص من حمل ذيل الآية على جنة الآخرة.ومنها: أنها الحياة الدنيوية المقارنة للقناعة والرضا بما قسم الله سبحانه فإنها أطيب الحياة.ومنها: أنها الرزق الحلال إذ لا عقاب عليه.ومنها: أنها رزق يوم بيوم.

ووجوه المناقشة فيها لا تكاد تخفى على الباحث المتدبر فلا نطيل بإيرادها.

وقوله: «وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» تقدم الكلام فيه في الآية السابقة، وفي معنى الآية قوله تعالى: «وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ»: المؤمن:40

9- العلامة فضل الله (1354- 1430ه)[12]

أما مسألة الحياة الطيبة، ما هي؟ هل هي في الدنيا، أو في الآخرة؟ وإذا كانت في الدنيا، فكيف نفسر المشاكل والصعوبات المادية والمعنوية التي تجعل من الحياة سجنا للمؤمن في مقابل الرفاهية والنعيم والغنى والقوّة التي يعيشها الكافر لتكون الدنيا جنّة له؟ على ما ورد: «إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر».

ذكر بعضهم أن المقصود بالحياة ليست هي الحياة المادية التي يعيشها الإنسان بموازين الحس والغريزة، بل هي الحياة الروحية المعنوية، ففي الحياة أشياء كثيرة غير المال تطيب بها الحياة في حدود الكفاية، فيها الاتصال باللَّه والثقة به والاطمئنان إلى رعايته وستره ورضاه، وفيها الصحة والهدوء والرضى والبركة وسكن البيوت ومودات القلوب، وفيها الفرح بالعمل الصالح وآثاره في الحياة ... وليس المال إلا عنصرا واحدا يكفي منه القليل، حين يتصل القلب بما هو أعظم وأزكى وأبقى عند اللَّه .[13]

وهذا تفسير جميل، وتحليل جيد للمعاني الروحية التي يختزنها الإيمان في نفس المؤمن العامل بالصالحات ويثيرها في مشاعره وأجوائه، ولكن المسألة هي التقاء هذا التحليل مع سياق الآية التي وردت لبيان الجزاء الذي يمنحه اللَّه للإنسان الذي يعمل الصالحات وهو مؤمن، مما يوحي بأن هذه الحياة التي يمنحها اللَّه له مفصولة عن الواقع الذي يعيشه الآن، وليست حالة وجدانية أو عملية في دائرته. وقد نلاحظ أن ما ذكر في "المیزان"، هو من آثار الإيمان، بينما تعتبر الآية أن الحياة الطيبة جزاء العمل الذي ينطلق من الإنسان المؤمن، واللَّه العالم، ولعل الأقرب، هو أن يكون المراد منها الدار الآخرة، أو الجنة، أو ما أشبه ذلك.[14]

10- آیة الله مکارم الشیرازي؛

لقد ذكر المفسّرون في معنى الحياة الطيبة تفاسير عديدة:فبعض فسرها بالرّزق الحلال.وبعض بالقناعة والرضا بالنصيب.وبعض بالرزق اليومي.وبعض بالعبادة مع الرزق الحلال.وبعض بالتوفيق لطاعة أوامر اللّه ... وما شابه ذلك.

ولعله لا حاجة بنا للتذكير بأن مفهوم الحياة الطيبة من السعة بحيث يشمل كل ما ذكروه وغيره، فالحياة الطيبة بجميع جهاتها، خالية من التلوثات والظلم والخيانة والعداوة والذل وكل ألوان الآلام والهموم، وفيها ما يجعل حياة الإنسان صافية كماء زلال.

وبملاحظة تعبير الآية عن الجزاء الإلهي وفق أحسن الأعمال، ليفهم من ذلك أنّ الحياة الطيبة ترتبط بعالم الدنيا بينما يرتبط الجزاء بالأحسن بعالم الآخرة.وعند ما سئل أمير المؤمنين عليه السّلام عن قوله تعالى: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً، قال: «هي القناعة»[15] .ولا شك أنّ هذا التّفسير لا يعني حصر معنى الحياة الطيبة بالقناعة، بل هو بيان لأحد مصاديقها الواضحة جدّا، حيث أنّ الإنسان لو أعطيت له الدنيا بكاملها وسلبت منه روح القناعة فإنه- والحال هذه- سيعيش دائما في عذاب وألم وحسرة، وبعكس ذلك، فإذا امتلك الإنسان القناعة وترك الحرص والطمع، فإنّه سيعيش مطمئنا راضيا على الدوام.

وقد ورد في روايات أخرى تفسير الحياة الطيبة بمعنى الرضا بقسم اللّه، وهذا المعنى قريب الأفق مع القناعة."[16]

 

ثمن الحياة الطيبة:

ثمّ يبيّن القرآن الكريم بعد ذلك- على صورة قانون عام- نتائج الأعمال الصالحة المرافقة للإيمان التي يؤديها الإنسان وبأية صورة كانت في هذه الدنيا وفي الآخرة، فيقول:

«مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.»

وعليه، فالمقياس هو الأعمال الصالحة الناتجة عن الإيمان بلا قيد أو شرط، من حيث السن أو الجنس أو المكانة الاجتماعية أو ما شابه ذلك في هذا الأمر.و«الحياة الطيبة» في هذه الدنيا هي النتاج الطبيعي للعمل الصالح النابع من الإيمان، أي أنّ المجتمع البشري سيعيش حينها حياة هادئة مطمئنة ملؤها الرفاه والسلم والمحبّة والتعاون، بل وكل ما يرتبط بالمجتمع من المفاهيم الإنسانية، وفي أمان من الآلام الناتجة عن الاستكبار والظلم والطغيان وعبادة الأهواء والأنانية التي تملأ الدنيا ظلاما وظلامات.وعلاوة على كل ما تقدم فإنّ اللّه سيجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون.[17]

 

النتیجة:

1- منابع الخلود

إنّ طبيعة الحياة في هذا العالم المادي هي الفناء والهلاك، فأقوى الأبنية وأكثر الحكومات دواما وأشد البشر قدرة لايعدون أن يصيروا في نهاية أمرهم إلى الضعف والفناء، وکل شي‏ء معرض للتلف بلا استثناء في هذا الأمر.

أمّا لو تمكنت الكائنات من أن توجد لها ارتباطا على نحو ما مع الذات الإلهية المقدسة، وتبقى تعمل لأجلها وفي سبيلها، فإنّها والحال هذه ستصطبغ بصبغة الخلود، لأنّ ذات اللّه المقدسة أبدية وأزلية وكل من ينتسب اليه يحصل على صبغة الأبدية.

فالأعمال الصالحة أبدية، والشهداء لهم حياة أبدية، والأنبياء والعلماء المخلصون والمجاهدون في سبيل اللّه يبقى ذكرهم خالدا في ذاكرة التاريخ ..لأنّهم يحملون الصبغة الإلهية.

ولهذا، تذكّرنا الآيات أعلاه وتدعونا لأن ننفذ ذخائر وجودنا من الفناء، ونودعها في صندوق لا تطاله يد الزمان ولاتفنيه الليالي والأيّام.

فهلموا لبذل الطاقات في سبيل اللّه وفي خدمة خلق اللّه، وكسب رضا الباري، لتصبح من مصاديق «عند الله» ولتكون باقية بمقتضى ما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ. وروي عن النّبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلّا عن ثلاث:صدقة جارية، علم ينتفع به، وولد صالح يدعو له»[18] وعن علي عليه السّلام أنّه قال: «شتّان ما بين عملين: عمل تذهب لذته و تبقى تبعته، و عمل تذهب مؤنته و يبقى أجره».[19]

2- التساوي بين الرجل و المرأة

ممّا لا شك فيه أنّ بين الرجل والمرأة تفاوت واختلاف من الناحيتين الجسمية والروحية، وهذا الفرق هو الذي جعلهما مختلفين في وظائفها وشؤونهما الاجتماعية، إلّا أنّ طبيعة الاختلاف الموجود لا تنعكس على الشخصية الإنسانية، ولا توجد اختلافا في مقامهما عند اللّه عزّ وجل، فهما في هذا الجانب متساويان ومتكافئان، ويحكم شخصية أي منهما مقياس واحد ألا وهو الإيمان والعمل الصالح والتقوى، وإمكانية تحصيل ذلك لأيّ منهما متساوية.

إنّ الآيات أعلاه قد بيّنت هذه الحقيقة بكل وضوح لتخرس الأفواه المشككة في الطبيعة الإنسانية للمرأة في الماضي والحاضر، ولترد بقوّة أولئك الذين يعطون للمرأة مقاما أقل ورتبة أنزل من الناحية الإنسانية نسبة إلى الرجل، وقد أعلنت الآيات المنطق الإسلامي في هذه المسألة الاجتماعية المهمّة، فقالت: إنّ الإسلام خلافا لقاصري الفكر ليس دين الرجال، فهو يخص المرأة بنفس القدر الذي يخص الرجل.

فمن عمل صالحا وهو مؤمن رجلا كان أو امرأة، فله الحياة الطيبة وسينال ثواب اللّه تعالى من غير تمايز في الجنس، ولا تفاضل بينهما إلّا من خلال ما يتفوق أيّ منهما على الآخر من حيث الإيمان والعمل الصالح.

 

3- جذور العمل الصالح ترتوي من الإيمان

العمل الصالح: مصطلح له من سعة المفهوم ما يضم بين طياته جميع الأعمال الإيجابية والمفيدة والبناءة على كافة أصعدة الحياة العلمية والثقافية والاقتصادية والسياسية والعسكرية ... إلخ.ويشمل: الاختراع الذي يبذل فيه العالم جهده سنوات طويلة من أجل خدمة الإنسانية... جهاد الشهيد الذي حمل روحه على كفه وخاض ساحة الصراع بين الحق والباطل فبذل دمه الشريف في سبيل اللّه .. الآلام التي تتحملها الأمّ المؤمنة عند الولادة وما تواجه من صعاب في تربية أبنائها .. وتشمل ما يعانيه العلماء في تحرير كتبهم الثمينة.وتشمل أيضا: أعظم الأعمال، كحمل رسالة النبوة .. وأقل وأصغر الأعمال، كرفع حجر صغير من طريق المارة، نعم، فكل ما ذكره يدخل ضمن مفهوم العمل الصالح.

والحال هذه .. يواجهنا «السؤال» الآتي: لما ذا قيّد العمل الصالح بشرط الإيمان، في حين يمكن أداؤه بدون هذا الشرط، والساحة البشرية فيها كثير من الشواهد التي تحكي ذلك؟

و«الجواب» ينصب على تبيان مسألة واحدة، ألا وهي (الباعث الإيماني)، فإن لم يحرز هذا الباعث فغالبا ما تكون الأعمال المنجزة ملوّثة (وقد تشد عن هذه القاعدة العامّة بعض المتفرقات هنا وهناك)، وأمّا إذا ارتوت جذور شجرة العمل الصالح من ماء التوحيد والإيمان باللّه، فنادرا ما يصيب هذا العمل آفات مثل: العجب، والرياء، الغرور، التقلب، المنّة .. إلخ، ولذلك نرى القرآن الكريم غالبا ما يربط بين هذين الأمرين، لما لارتباطهما من واقعية.[20]

علي شمس

 


1- الشیخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، ج‏6، ص: 42
2- الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏6، ص 593
3- ابن الجوزي، زاد المسير، ج 4، ص 356 و357
4- محیي الدبن ابن عربي،تفسير ابن عربي، ج‏1، ص: 366
5- فخر الدین الرازي،مفاتيح الغيب، ج‏20، ص 268
6- فیض الکاشاني،الأصفى في تفسيرالقرآن، ج‏1، ص662
7- فیض الکاشاني،تفسير الصافي، ج‏3، ص 155
8- محمد جواد مغنیة،تفسير الكاشف، ج‏4، ص 551
9- الزخرف 35
10- النحل 105
11- العلامة الطباطبایي، الميزان في تفسير القرآن، ج‏12، ص342 و343
12- العلامة فضل الله، تفسير من وحي القرآن، ج‏13، ص 295
13- سيّد قطب، في ظلال القرآن، ج 4، ص 193
14- العلامة فضل الله، تفسير من وحي القرآن، ج‏13، ص 296و297
15- نهج البلاغة، الكلمات القصار، رقم 229
16- مکارم الشیرازي،الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏8، ص 317
17- مکارم الشیرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏8، ص 314
18- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج2، ص22
19- نهج البلاغة، الكلمات القصار، رقم 121
20- مکارم الشیرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏8، ص 315-317

 

 

المنابع

1- القرآن الکریم

2- نهج البلاغة

3- ابن الجوزي، زاد المسير، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1407ق

4- سيّد قطب، في ظلال القرآن، دارالشروق، بيروت- قاهرة، 1412ق

5- الطباطبایي، الميزان في تفسير القرآن، دفتر انتشارات اسلامى جامعه‏ مدرسين حوزه علميه قم، قم،الطبعة الخامسة، 1417ق

6- الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، ناصر خسرو،طهران،الطبعة الثالثة، 1372ش

7- الطوسي، محمد بن حسن، التبيان في تفسير القرآن، دار إحياء التراث العربي، بيروت

8- فخر الدین الرازي، مفاتيح الغيب،دار إحياء التراث العربي، بيروت،الطبعة الثالثة، 1420ق

9- فضل الله، سيد محمد حسين، تفسير من وحي القرآن، بيروت، دار الملاك للطباعة و النشر،الطبعة الثانیة،1419ق

10- فیض الکاشاني، الأصفى في تفسيرالقرآن، مركز انتشارات دفتر تبليغات اسلامى، قم،الطبعة الاولی، 1418ق

11- ---------،التفسير الصافي، انتشارات الصدر، طهران،الطبعة الثانیة،1415ق

12- المجلسي، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، بيروت،الطبعة الثانية، 1403ق

13- محیي الدبن ابن عربي، تفسير ابن عربي، دار إحياء التراث العربى، بيروت،الطبعة الاولی، 1422ق

14- مغنیة، محمد جواد ، تفسير الكاشف، دار الكتب الإسلامية، طهران،الطبعة الاولی، 1424 ق

15- مكارم الشيرازي، ناصر،الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل،مدرسةالامام علي بن ابي طالب، قم،الطبعة الاولی، 1421ق

الثلاثاء, 12 حزيران/يونيو 2012 04:13

لافروف في طهران لحسم الموقف المشترك من سوريا

في تطور نوعي على صعيد الجهود الروسية ـ الإيرانية لحل الأزمة السورية تتوجه موسكو جنوباً نحو طهران للإعلان رسمياً عن ولادة حلف جديد ـ قديم بين الطرفين لإيجاد مخرج لحليفهما الرئيس بشار الأسد يقوم على أساس «المزيد من التشدّد في رفض ما يعرف بالخطة اليمنية» لنقل السلطة، ولإطلاع المسؤولين الايرانيين على جزئيات «توافق يعمل الروس على بلورته مع الأميركيين» للخروج من الوضع الحالي على أساس «عدم التخلي عن الاسد» ودعمه لتجاوز الازمة، وهو ما يعزز موقف دمشق، كما الموقع التفاوضي لإيران في الاجتماع المقبل في موسكو مع مجموعة «5+1» حول برنامجها النووي من جهة ويعكس المكانة الاقليمية المتنامية لإيران في الترتيبات الاقليمية والدولية من جهة ثانية.

ومن المقرر أن يصل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف غداً الأربعاء الى طهران لإجراء محادثات حول «الوضع في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، مع التركيز على التحولات الجارية في العالم العربي وسوريا»، حسبما اوضحت وزارة الخارجية الإيرانية.

وقال مصدر إيراني مطلع رفض الكشف عن اسمه إنه سيتم خلال الزيارة «التطرق الى القضايا ذات الاهتمام المشترك بين إيران وروسيا علي الصعيد الإقليمي بما فيها الموضوع السوري».

وأوضح مصدر مطلع في طهران لـ«السفير» إن الهدف الاساسي من زيارة «لافروف يتعلق بالموضوع السوري بشكل رئيسي ومن ثم الملف النووي» الايراني.

وأضاف المصدر نفسه إن «لافروف سيبلغ الإيرانيين رفض روسيا التخلي عن الأسد وإن موسكو ستدعمه حتى النهاية. وفي المقابل سيطلب لافروف منهم دعم مسعى بلاده لعقد مؤتمر دولي بشأن سوريا، إضافة إلى مناقشة مقترح روسي ستتناوله محادثات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس الاميركي باراك أوباما المرتقبة سعياً للوصول إلى تفاهم للخروج بحل مقبول للأزمة السورية».

وكشف مصدر مقرب من دوائر صنع القرار في طهران لـ«السفير» أن الامين العام للمجلس الاعلى للامن القومي في ايران سعيد جليلي «طلب خلال زيارته الأخيرة إلى مدينة سان بطرسبرغ من نظرائه الروس التمسك بالرئيس الأسد ورفض أي حل أو مقترح على شاكلة الحل اليمني لحل الأزمة السورية». وأوضح المصدر نفسه أن جليلي طالب «موسكو بتشدد أكثر حيال هذا الموضوع بعدما أبدى بعض المسؤولين الروس تهاوناً في الموضوع».

وكانت روسيا اقترحت عقد مؤتمر دولي حول سوريا يهدف إلى إنقاذ خطة مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية كوفي انان الهادفة لحل الاوضاع في سوريا.

وحث لافروف على «إشراك ايران في المؤتمر رغم تحفظ واشنطن وباريس»، ويتحدث مراقبون هنا عن «إمكانية تجاوز تلك العواصم لتحفظاتها على مشاركة طهران لتمرير مشاركة أطراف كتركيا وقطر».

ومن المقرر أن تتناول الزيارة ايضاً المفاوضات المقررة في موسكو بين إيران ومجموعة «5+1» في الثامن عشر والتاسع عشر من حزيران الحالي.

وعبرت الخارجية الروسية عن املها في «أن تعقد جميع الاطراف بمن فيها الطرف الايراني عزمها على مفاوضات بناءة يمكن ان ينتج عنها نتائج إيجابية وتطور في مسيرة التغلب على الاختلافات». واضاف بيان صادر عنها أن من الواقعية عدم توقع «إمكان اتفاق جميع الاطراف على موضوع النووي الايراني في الاجتماع المقبل» في موسكو، ولكنها مع ذلك تعتقد «ان مسيرة المفاوضات يجب ان تستمر أيضا بعد الجولة المقبلة».

وقالت الوزارة إن المقترح الروسي المعروف باسم «خطوة خطوة» نظم على اساس «قيام طهران بتنفيذ بعض الطلبات وفي المقابل تقوم مجموعة «5+1» ببعض الإجراءات»، وهو ما «تأمل موسكو أن تتم دراسته تفصيلياً» في الاجتماع.

وأضاف البيان إن «قسماً مهماً من اهداف زيارة لافروف الى طهران الاربعاء سيخصص للتطرق إلى مقدمات اللقاء التالي بين وزير خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون مع سعيد جليلي، بحضور المدراء السياسيين لمجموعة 5+1».

وتشير أوساط إيرانية إلى أن «اقتراب موعد بدء سريان المقاطعة الاقتصادية المشددة وانخفاض أسعار النفط عالمياً وزيادة إنتاج السعودية للنفط» لتغطية النقص في إمدادات النفط الإيراني و«الضغط الاميركي على زبائن طهران «لتقليل اعتمادهم على نفطها»، جعل الغربيين «يعتقدون ان ايران في وضع حرج»، وأنها في حال «عدم تقديمها تنازلات في مفاوضات موسكو فإن العقوبات المشدّدة التي تشمل مقاطعة المصرف المركزي وحظر النفط سيبدأ سريان مفعولها». وهو ما يمكن أن «يغير مسيرة ونتائج المفاوضات لمصلحة الغرب ويعزز الآمال لديه بأن تقدم طهران تنازلات حقيقية».

وقال مصدر إيراني لـ«السفير» إن «الغرب يعمل على عدم السماح لإيران بالاستفادة من منهج ربح - ربح في التفاوض كما يعمل على الحيلولة دون توظيف استضافة الأصدقاء الروس الاجتماع لمصلحة ايران وتعزيز مكانتها الاقليمية والدولية».

واضاف المصدر نفسه إن ما يستشف من تصريحات وزيرة الخارجية الامـــيركية هيلاري كلينتون ومواقف فريـــق كاثـــرين اشتون هو «أن الطرف الغربي بصدد إعـــادة النظــــر في نهج مفاوضات اسطنبول وبغداد لتغيـــير مسارها ونتائجها» التي يمكن أن تتمـــخض عن مكاسب للطرفين الايراني والدولي.

هذا الارتياب بالغرب دعا عضو لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الاسلامي كاظم جلالي لتأكيد أن مفاوضات «موسكو هي محك لاختبار نيات الغرب ومدى جديته للوصول الى نتائج من خلال المحادثات».

واضاف جلالي «إن التجربة أثبتت أن الغربيين قلما يلتزمون بنتائج المفاوضات»، مشيراً إلى عرقلة الغربيين لمسار المحادثات وتجاهلهم» للوساطة البرازيلية والتركية في موضوع توفير الوقود النووي» للأغراض الطبية والعلمية في ايران.

وهو ما يدعو بحسب جلالي إيران إلى «عدم الوثوق بالغرب ومفاوضاته المجهدة ولا إلى الوثوق في التزامه بمضمون المحادثات ونتائجها».

وتأتي زيارة وزير الخارجية الروسي الى طهران بعد أسبوع على لقاء جمع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد على هامش قمة اقليمية في بكين، حيث أكد بوتين على حق إيران ببرنامج نووي «سلمي».