Super User

Super User

"إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ"(1).

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء هذه الأمة، وسيدة نساء المؤمنين)(2).

عندما يتحدث التاريخ عن الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) تجد نفس الحديث عن مريم العذراء و الخصائص التي اختصت بها مريم(عليها السلام) ،ومن جهة أخرى نلاحظ التفضيل الحاصل من قبل النبي لفاطمة (عليها السلام) على مريم سلام الله عليها. ونحن إذ نتعرض لخصائص مريم إنّما من باب أنّ هذه الخصائص هل هي موجودة عند الزهراء بما أنّها أفضل أولا؟

إن المتتبع لخصائص مريم(عليها السلام) يدرك أن لها ذلك المقام الذي لا يحصل عليه إلا من كانت عنده مكانة عند الله سبحانه وتعالى، ومن تلك الخصائص :

1- التحديث

"إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ"

هذا يشهد أنّ مريم أوحي إليها وكلّمتها الملائكة، ولم تكن نبياً ولا رسولاً، فالتحديث لم يقتصر على النبوة بل يكفي فيه أنّه من حجج الله سبحانه وتعالى أو لغرض الهي.

وهذا التحديث قد حصل لأم موسى (عليه السلام)، قال تعالى: "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ"(3).

وقد ورد عن أهل بيت العصمة عن أنّ فاطمة محدَّثة، كما ورد عن الصادق (عليه السلام): (إنما سميت فاطمة محدَّثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة إنّ الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ، فتحدّثهم و يحدّثونها ، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: أنّ مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإنّ الله عزّ وجل جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها، وسيدة نساء الأولين والآخرين)(4) .

2- حجية مريم بنت عمران(عليها السلام)

وحجية مريم مما صرح به القرآن بقوله تعالى : "وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً"(5). والآية هي الحجة، أي جعلنا عيسى (عليه السلام) وأمه حجة، كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن هذه الآية قال: (أي حجة)(6).

فحجيتها في عرض حجية عيسي (عليه السلام) بل أسبق ؛ من حيث أنها المبلغ الأول لبعثة النبي عيسي وشريعته ، حيث إنّها أُمرت من قبل الله تعالي بتحمل مسؤلية الإنجاب بطريقة المعجزة من دون بعل ، ليمهد الطريق لبيان المعجزة لنبوة عيسي وشريعته ، فما جري للسيدة مريم (عليها السلام) من المخاطرة بحرمتها وقدسيتها لأجل هذه الحجية ، لأجل نبوة عيسي (عليه السلام) .

هذا ما کان لمريم من الحجية ، فهل للزهراء مثل هذا ؟ نعم ، فهي حجة علي الخلق ، فلقد کانت الفصل للحق والباطل کما في آية المباهلة ، فمباهلة النبي بعلي وفاطمة والحسن والحسين يعني احتجاجه علي النصاري بهؤلاء الذين هم الحجة علي صدق نبوة الرسول (صلى الله عليه وآله) ، کما کانت مريم ومن خلال حملها حجة علي نبوة عيسي (عليه السلام) .

وأيضاً مما روي أنّ فاطمة حجة ما عن الباقر (عليه السلام) قوله : (ولقد کانت (عليها السلام) مفروضة الطاعة علي جميع من خلق الله من الجن والإنس والطير والوحش والأنبياء والملائکة) (7) .

3- الاصطفاء لمريم (عليها السلام)

ولقد اصطفيت مريم وطهرت لقابليتها للاصطفاء وقدرتها علي تلقي إرادات الله تعالي ، وکانت هذه القابلية لمريم (عليها السلام) لما نذرت نفسها لطاعة الله وعبادته والانقطاع له سبحانه وتعالي ، ولقد کان هذا الإعداد لکي تکون مريم بهذه المکانة تحت رعاية الله سبحانه وتعالي وبقيمومة زکريا (عليه السلام) الذي أو کل بمهمة الإعداد هذه .

فهل کان لفاطمة مثل هذا الاصطفاء من قبل السماء ؟ نعم ، وهذا ما صرحت به الأحاديث الدالة علي إعداد النبي لها لتلقيهذه الکرامة ، کما ذکرنا سابقاً من الأحاديث الدالة علي تحديث فاطمة (عليها السلام) من قبل الملائکة .

ولکن نقول : هذه خصائص شارکت فاطمة (عليها السلام) فيها مريم بنت عمران ، وعلي ذلک فاطمة فُضّلت بخصائص لم تکن لمريم (عليها السلام) ، وهي :

1- سيدة نساء العلمين وسيدة نساء أهل الجنة .

2- أول من يدخل الجنة .

ويکفينا هنا من فضلها ما روي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، حيث قال لفاطمة : (يا بنية ! إنّ الله أشرف علي الدنيا فاختارني علي رجال العالمين ، ثم اطلع ثانية فاختار زوجک علي رجال العالمين ، ثم اطلع ثالثة فاختارک علي نساء العالمين ، ثم اطلع رابعة فاختار ابنيک علي شباب العالمين)(8).

قال الإمام الصادق (عليه السلام) : (لو لا أن الله تعالي خلق أمير المؤمنين لم يکن لفاطمة کفء علي وجه الأرض ، آدم فمن دونه ) (9).

الشيخ عبد الجليل المكراني

------------------------------------------------------------------

الهوامش:

1 - آل عمران:45.

2 - المستدرك على الصحيحين3: 170/4740،مسند أبي داود: 167،كنز العمال12: 110.

3 - القصص: 7.

4 - علل الشرائع1: 216/1.

5 - المؤمنون: 50.

6 - تفسير البرهان3: 113.

7 - عوالم العلوم : 190، دلائل الإمامة : 30 .

8 - بحار الأنوار 43 : 12 .

9 - الکافي 1: 461/10 ، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2 : 203 .

عندما خلق الله الشمس.. اضاءت كل ماحولها، وبددت الظلام، ليحل محله النور، وهكذا كان خلق مريم ابنة عمران، اشارة الأذن بظهور ضياءها المتمثل بالمسيح في حياة البشرية، اذ كان عيسى عليه السلام ظل الله في الارض.. وفي كل مرة يخلق الله فيها نبي او رسول او وصي فان نور المرأة الام يكون اذن لبشارة جديدة، وهكذا كانت آمنة بنت وهب أذن بشارة لنور محمد صلى الله عليه وآله وسلم في حياة البشرية، وهو الفجر الصادق، والصادق الامين.. واذا بهذا النور ينتقل الى ابنته فاطمة الزهراء ويمتزج بنور علي بن ابي طالب عليه السلام ويولد من نورهما احد عشر نورا كل منها يمثل مصباحا وقمرا منيرا.. فأولهم الحسن عليه السلام، وآخرهم محمد المهدي المنتظرعليه السلام.

 

لقد مثلت السيدة الزهراء عليها السلام صفحة خاصة في حياة الامة، ولم تكن صفحة هامشية، فهي مستودع العلوم ورمز الطهارة، وكانت عليها السلام عالمة فاهمة مفهمة..

لقد مثلت السيدة الزهراء عليها السلام صفحة خاصة في حياة الامة، ولم تكن صفحة هامشية، فهي مستودع العلوم ورمز الطهارة، وكانت عليها السلام عالمة فاهمة مفهمة.. وكانت قريبة من الوحي وغير بعيدة عنه.. ففي بيت النبوة كان مهبط الوحي، بل كانت قريبة من الوحي نفسه بما خصها الله سبحانه وتعالى وأهل بيت النبوة بآية التطهير.

وعلى الرغم من مكابرة المكابرين الذين حاولوا التقليل من شانها وأنى لهم التقليل اظهرت تلك السيدة الجليلة قدراتها يوم اهتزت الخلافة بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودعت الامة الى انتهاج سبيل الحق وذكرتهم بما وصاهم به الرسول.

ولم تنته اضاءة الزهراء بمجرد موتها الجسدي لكن حياتها استمرت نورا في حياة الامة يهدي الى الحق.. فهي نور من نور. ولدت انوارا منيرة. فكيف لمثل هذا النور ان يأفل وهل يعقل ان ينتهي نورها بمجرد موتها الجسدي! فأن صدق ذلك لمات كل الانبياء والرسل!.. فهل مات الرسل او الانبياء بمجرد موتهم الجسدي ام ان ذكرهم لازال مستمرا خالدا بخلود الدهر.. نعم لازال نور آدم باقيا، ولازال نور نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد ونور كل الانبياء والرسل يضيء ويضيء ولايزالون احياء بيننا، ولايزالون أحياء عند ربهم يرزقون. وهذا هو الايمان الذي عرفناه ولن يتزعزع هذا الايمان الثابت في نفوسنا والراسخ كرسوخ الجبال.

لقد اولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عناية خاصة بالسيدة الزهراء ليس لانها ابنته لكن لانها كانت سيدة ذات خصوصية خاصة كما كان لمريم ابنة عمران خصوصية خاصة، بل ان خصوصية الزهراء عليها السلام اعظم. اذ انها سيدة نساء عالمين زمانها وغير زمانها، كما انها كانت تحمل سلسلة الانوار التي تجسدت بالرموز الخالدة خلفاء النبي الاكرم الاثني عشر بأبيهم الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه وعليهم افضل الصلاة والسلام.

والزهراء وهي ام الائمة المعصومين أدخر الله عز وجل فيها هذه السلسلة الطاهرة التي آخرها الامام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف وهو الامام الثاني عشر من ائمة اهل البيت عليهم السلام والذي سيملئ الله به الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.

وان مايلفت النظر ان قبرها عليها السلام مجهول رغم انها ابنة للنبي الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم! فلماذا ماتت وهي ابنة العشرين؟! ولماذا شيعت بصمت؟! ولماذا دفنت بصمت؟! ولم يعرف لها قبر؟! لقد كانت هذه رسالة الزهراء عليها السلام للامة..

والزهراء عليها السلام كانت عالمة بمستقبل الامة وتعلم جيدا الى من سيؤول امر هذه الامة ومن سيخلف امرها آخر المطاف، وتعلم ماسيقع على ابناءها بعد وفاتها، لذلك حملت الزهراء في نفسها هموم وآلام ابناءها وهموم وآلام الامة.

ولقد بكت الزهراء عليها السلام اباها وعمها الحمزة بن عبد المطلب وهي تعلم يقينا انهما في الجنة. ولكن هو ألم الفراق، وألم الاحساس بالظلم فقد مرت عليها السلام بأدوار عصيبة حملت في نفسها ألما لايخففه اي شئ سوى اللحاق بأبيها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

وان مايلفت النظر ان قبرها عليها السلام مجهول رغم انها ابنة للنبي الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم! فلماذا ماتت وهي ابنة العشرين؟! ولماذا شيعت بصمت؟! ولماذا دفنت بصمت؟! ولم يعرف لها قبر؟! لقد كانت هذه رسالة الزهراء عليها السلام للامة.. فلم تدفن الزهراء سرا الا لتحقيق وصيتها.

فالمال يزول والسلطة تزول ولكن الحق لايزول فالله حق وهو الازل ولايزول، والموت حق والجنة حق والنار حق والوعد حق ولن يخلف الله وعده.

فإلى الزهراء عليها السلام نهدي باقة ورد، والى زوجها امير المؤمنين وابنائهما المعصومين باقات من الورود ونسأل الله شفاعتهم يوم لاينفع مال ولابنون الا من اتى الله بقلب سليم.

السبت, 12 أيار 2012 05:31

ألمانيا تدعم العدوان

هي الغواصة الرابعة التي تسلّمها ألمانيا للكيان الصهيوني، وهي كمثيلاتها الأخرى قادرة على حمل وإطلاق رؤوس نووية .

ألمانيا مازالت مصرّة على دفع ضريبة ما يسمى “الهولوكوست”، أي تزويد الكيان بأسنان نووية . النازية الألمانية ارتكبت ما ارتكبت بحق اليهود، والشعب الفلسطيني ومعه الشعب العربي، يدفعان الثمن . ألمانيا قتلت والعرب ضحاياها وضحايا ضحاياها .

ماذا اقترف العرب والفلسطينيون بحق ألمانيا حتى تُقْدِم على مثل هذا العمل الذي يحمل في ثناياه نُذُرَ إبادة لشعوب المنطقة؟ ولماذا هذا التسليح بأسلحة دمار شامل، وهذه الكراهية المطلقة والمعلنة للعالم العربي؟

هذا التزاحم الألماني والغربي عموماً على تزويد “إسرائيل” بأسلحة تقليدية متطورة، وأسلحة غير تقليدية، يعني تمكين هذا الكيان من مواصلة الغطرسة والعدوان، واللجوء إلى كل ما يملك من وسائل قوة لفرض إرادته على العرب، ومنعهم من استرداد حقوقهم ولو في حدودها الدنيا، وتشجيع الكيان على إعطاء ظهره لكل جهود السلام، وإحباط أية تسوية، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الأساسية في إقامة وطن على أرضه .

التصرف الألماني خطوة عدائية ليس للشعب الفلسطيني، بل لكل الأمة العربية، لأنها تنم عن تأييد لكل ممارسات الكيان الصهيوني من عدوان وعنصرية وتهويد وإقامة مستوطنات وانتهاك لقرارات الشرعية الدولية والقوانين الدولية .

إن هذه الدول التي تزود الكيان الصهيوني بمثل هذه الأسلحة، تتحدّث في الوقت نفسه عن السلام والتزام الشرعية الدولية، وهي بذلك تمارس نفاقاً سياسياً مكشوفاً، لأن من يريد السلام فعلاً في المنطقة لا يزوّد من يرفض السلام بالسلاح .

الغرب يبيعنا الكلام المعسول، ويقدم أسلحة الدمار للكيان الصهيوني . . إنه ذروة انعدام الأخلاق السياسية .

السبت, 12 أيار 2012 05:28

شعبية اوباما

تشير استطلاعات الرأي الى تدني شعبية الرئيس اوباما ، حتى انه بات يقارن بالرؤساء الاقل شعبية في تاريخ الولايات المتحدة. ولعل ابرز الاسباب لتدني هذه الشعبية هو الوضع الاقتصادي ، فالمواطن الامريكي لم تعد تدغدغ عواطفه الخطابات الرنانة والوعود الوردية بتخطي الازمة الاقتصادية وتحقيق الرفاه ما دام انه لم يلمس عن كثب تحسن الوضع الاقتصادي من خلال تحسن الدخل لتشمل قطاعات لها علاقة مباشرة به.

لغة الارقام وحدها هي القادرة على تغيير صورة الرئيس ورفع شعبيته وليس لغة الكلام والوعود، وهذا هو المؤشر الحقيقي لعلاقة الرئيس بمواطنيه ، فانت رئيس ناجح ما دمت قادرا على تحقيق وعودك الانتخابية وتحقيق الرفاهية للفرد العادي ، ولعل هذا الامر يعكس عقلية الشعب الامريكي البراغماتيه والتي تتحرك بوصلتها وفق المصلحة والمصلحة فقط.

لقد اكثر الرئيس اوباما من الوعود في حملته الانتخابية وهذه الوعود اصبحت عبئا عليه عندما تسلم مقاليد الحكم ، وهذا قد يلحق الاذى بالحزب الديمقراطي الذي قد يخسر حظوظه بالاغلبية لصالح الحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية القادمة.

لم يستطع الرئيس حتى الان تحقيق اي وعد من وعوده الانتخابية وهذا ما يزيد الضغط على حزبه الذي بات في موقع حرج للغاية انتخابيا، وربما ادرك الرئيس بعد الانتخابات بانه اسرف في اطلاق الوعود بالتغير في حين يقف الان عاجزا عن تنفيذ اي منها ولاسباب عديدة، وزاد الوضع سوءا التسرب النفطي في خليج المكسيك والذي عطل الحياة البحرية لعدة اشهر .

ربما يساور الرئيس اوباما الشك في قدرته على النجاح في الفترة الرئاسية الثانية بعد عامين او يزيد و يقلق حزبه توقعات الانتخابات القادمة والتي قد يخسر فيها الحزب لصالح الجمهوريين، في وقت يزداد فيه الضغط الجماهيري على الرئيس وحزبه بشكل عام.

لا احد ينكر ذكاء الرئيس اوباما ، لكن التحديات الاقتصادية التي تمر بها الولايات المتحدة تجعله مكبل اليدين في وسط طوفان من المعارضة والتذمر في الشارع الامريكي ، في حين يستغل الحزب الجمهوري هذا الامر لممارسة مزيد من الضغوط على الرئيس وادارته.

اذا ما فاز الجمهوريون بالاغلبية في الانتخابات النصفية فان من المستبعد ان يكون الرئيس قادرا على تنفيذ ايا من الوعود التي قطعها على نفسه ، لانه في هذه الحالة سيكون في وضع لايسمح له بالتحرك او المناورة وقد يؤدي هذا الى زعزعة الحزب الديمقراطي الذي سيجد من الصعوبة بمكان ان يتبنى سياسات وقوانين لا يملك النصاب القانوني او القدرة العملية على تفعيلها ومن ثم تمريرها وسيكون الحزب كالرئيس غير قادر على التحرك او المناورة.

يبدو ان السنوات القادمة ستكون صعبة بالنسبة للرئيس ولحزبه وهذا قد يدفع الرئيس للتمسك بأي فرصة من اجل تحقيق انجاز سياسي ، ولعل عملية السلام ستكون الملاذ الاخير الذي سيحاول الرئيس وحزبه انجازه ، تماما كما حصل مع الريس كارتر عندما كانت شعبيته متدنية للغاية.

 

استمر اضراب الأسير الفلسطيني خضر عدنان عن الطعام 66 يوماً من دون أن يلقى أي اهتمام من المجتمع الدولي ومؤسساته الإنسانية!

يعتقد البعض بأن إهمال قضية الأسير عدنان يعود لانتمائه إلى منظمة الجهاد الإسلامي ولكن الحقيقة واضحة المعالم وهي أن «إسرائيل» التي تستمر في خرق المواثيق الدولية عصية على المحاسبة.

لم تحدد قوات الاحتلال الإسرائيلي العسكرية, ولا حتى السياسية أي تهمة محددة للأسير خضر عدنان, وهو بالطبع واحد من ضمن آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين لا يعرف العالم عنهم الكثير.

في «إسرائيل» تستطيع قوات الاحتلال اعتقال أي فلسطيني وتطلق عليه صفة «إرهابي» ومن دون أي محاكمة يتم وضعه في المعتقلات الإسرائيلية.

هذا ما تطلق عليه قوات الاحتلال «اعتقالاً إدارياً» وهناك ما يزيد على 300 فلسطيني قابعين في سجون الاحتلال تحت هذا المسمى.

وللعلم, فإن هذا الشكل من الاعتقال يمكن أن يمتد سنوات طويلة حيث يبقى الأسير الفلسطيني في السجن من دون محاكمة وهو لا يعرف ما هي تهمته, وعلى الرغم من أن اعتقال الفلسطينيين بهذا الشكل هو خرق فاضح لمعاهدة جنيف الرابعة فإننا لا نشهد قادة دوليين ينادون بضرورة تحرير هؤلاء الأسرى, كما حدث عندما طالبوا بإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي, جلعاد شاليط عندما كان أسيراً لدى حكومة حماس في غزة .

حتى إن حدث وتعرض هؤلاء الأسرى الفلسطينيون إلى محاكمات فهم يدركون كسجانيهم تماماً بأنه لا طريق للعدالة إلى السجون الإسرائيلية.

إن قضية الأسرى الذين بدؤوا إضرابهم المفتوح عن الطعام في سجون الاحتلال الإسرائيلي اتخذوا من ذلك وسيلة للتعبير عن رفضهم لانعدام العدالة في النظام القضائي الإسرائيلي ذي المعايير المزدوجة.

في تشرين الأول الماضي أعلن 2000 أسير فلسطيني إضرابهم عن الطعام احتجاجاً على الظروف السيئة التي يعانونها في سجون الاحتلال.

لقد أصبح خضر عدنان وجهاً مشرفاً وقدوة تحتذى من كل الأسرى الفلسطينيين وقد قال: إن كرامتي أكثر أهمية من الطعام فكل غرام واحد أخسره من وزني يزيد في كرامتي قنطاراً. خضر عدنان أصبح أيضاً رمزاً لرفض الاعتقال والاحتجاج على الإذلال والتعذيب اللذين يتعرض لهما الأسرى الفلسطينيون.

إن الثمن الذي يدفعه هؤلاء الأسرى في معركة الأمعاء الخاوية التي يخوضونها حالياً ضد سجانيهم كبير جداً, فهم يتعرضون لعقوبات جمة تتمثل في فرض العزل الانفرادي وممارسة التعذيب الجسدي والنفسي من قبل سلطات الاحتلال.

فما تشهده السجون الإسرائيلية هذه الأيام من إساءة معاملة الأسرى الفلسطينيين يستحضر إلى ذاكرة هؤلاء حوادث مؤلمة إحداها اعتقال الشاب الفلسطيني تيسير أبو سارة البالغ من العمر 18 عاماً بتهمة إلقاء الحجارة على جنود الاحتلال, ومن دون علم عائلته تم اعتقاله ليعود إليها بعد مضي سنة كاملة جثة هامدة بسبب التعذيب الذي مورس عليه في المعتقل الإسرائيلي.

أما الظروف التي يتم فيها حجز الأسرى الفلسطينيين فهي غير إنسانية وغير عادلة, وصمت المجتمع الدولي حيال ذلك مخجل تماماً, ولاسيما ما يخص سماح المحكمة الإسرائيلية العليا لجهاز الاستخبارات الداخلي الإسرائيلي «شين بيت» باستخدام وسائل التعذيب الجسدي للضغط على الأسرى الفلسطينيين.

مؤخراً نشرت بعض الصحف مقالة للمحامية «أليكرا باتشيكو» ذكرت فيها بعض التفاصيل عن وسائل التعذيب الجسدي التي تمارس ضد الأسرى الفلسطينيين, وكان على رأسها وضع الأسرى الفلسطينيين في وضعية مؤلمة بشدّ أجسادهم بقوة وتقييد أقدامهم وأيديهم خلف ظهورهم ومن ثم تثبيتهم إلى قضبان حديدية خاصة معلقة على الجدار و تعريضهم لدرجات حرارة منخفضة جداً ومن ثم لدرجات حرارة مرتفعة جداً, إضافة إلى ركل المعتقلين وضربهم على مفاصل أقدامهم وأيديهم وحتى على أصابعهم.

وفي بعض الأحيان يتم الضغط على معدة الأسير حتى يصل إلى مرحلة الاقياء, كل ذلك يضاف إليه تعذيب نفسي أو يفرض على الأسير سماع موسيقا صاخبة بصوت عالٍ جداً مدة 24 ساعة أي طوال اليوم ويحرم من النوم عدة أيام, كما تتم تغطية رأس الأسير بكيس مصنوع من مادة سميكة كل فترة التحقيق.

إن فرض عقوبة التعذيب الجسدي على الأسير الفلسطيني لا يستثني حتى رأسه ما يجعله في بعض الأحيان يسقط فاقداً وعيه, وقد سجلت حالات وفاة عديدة من جراء عمليات التعذيب الجسدي في سجون الاحتلال الإسرائيلي حيث عانى الكثير من العائلات الفلسطينية من موت أبنائها الذين كانوا أسرى لدى «إسرائيل».

منذ فترة أطلقت صرخات لمساعدة الأسرى الفلسطينيين لعل الضمير العالمي يتحرك ولو مرة واحدة ويسمع مأساة الفلسطينيين.

قبل تحرير الجندي الإسرائيلي شاليط من الاسر انطلق عشرات الآلاف من الاسرائيليين يطالبون حكومتهم بتحريره.. ربما حان الوقت الآن لنفتح العيون.

إن حل هذا الصراع لن يأتي بإغلاق العيون وصم الآذان عما يحدث كونه يؤذي إنسانيتنا, ولكن الحل يأتي من خلال إدراك هذه المأساة ولفت الرأي العام العالمي إليها.

قال مارتن لوثر كينغ ذات يوم: في النهاية لن نتذكر كلمات أعدائنا, ولكن من المستحيل أن ننسى صمت أصدقائنا.

فأين من يتحدث في الشارع الإسرائيلي عن العدالة والسلام وأهمية الحوار لوضع حد لممارسات جنود الاحتلال ضد الفلسطينيين؟!

أين نشطاء السلام ومحبوه عندما نطرح قضية تحرير الأسرى الفلسطينيين؟!

لقد وصل عدد الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام في سجون الاحتلال إلى أكثر من ألفي أسير, وهذا الرقم مفتوح ويميل إلى الزيادة يومياً.. هذا ما صرحت به جماعات حقوق الإنسان في الضفة الغربية, حيث تم مؤخراً نقل سبعة أسرى إلى مراكز صحية تابعة للمعتقلات الإسرائيلية بسبب تدهور وضعهم الصحي, ومنهم بلال دياب الذي وصل إضرابه عن الطعام إلى 58 يوماً, وكل هؤلاء الأسرى يحتجون على سجنهم من دون توجيه تهم محددة إليهم أو حتى الوقوف أمام المحكمة العسكرية!

نهلة المعاز

لاحظ الكثيرون من المراقبين الذين تابعوا وقائع الثورة المصرية في «ميدان التحرير» وغيره من الميادين والمدن غياب الشعارات التي تتعلق بإسرائيل والصراع العربي - الإسرائيلي، والقضية الفلسطينية، وعملية السلام والتسوية والولايات المتحدة الأميركية وإيران. وتوصل بعض هؤلاء إلى استنتاج مفاده ألا تغير في مواقف مصر إزاء إسرائيل، أو إزاء السياسة الخارجية المصرية عامة. وعزز من هذا الاستنتاج أن البيان الأول لشباب الثورة, والذي تضمن مطالب الثوار, خلا من إشارة إلى إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية, بالإضافة إلى ذلك فإن البند الخامس من البيان الرقم 4 والبند التاسع من البيان الرقم 5 الصادرين عن «المجلس الأعلى للقوات المسلحة», عقب تسلمه إدارة البلاد قد خلا كلاهما من الإشارة إلى إسرائيل. وأعلن البيانان التزام مصر بالاتفاقيات الدولية التي وقعتها بما فيها اتفاقية «كامب ديفيد» عام 1978، و«معاهدة السلام المصرية -الإسرائيلية» عام 1979. ويتمثل مصدر الخطأ في هذا الاستنتاج في عنصرين: الأول منهما خلو فضاء الثورة من هذه الشعارات التي تتعلق بهذه القضايا كان قراراً واعياً من الثوار والقوى السياسية التي لحقت بهم, التزم به الجميع طيلة أيام الثورة بهدف التركيز على المهمة الأولى التي طرحها الثوار على أنفسهم ألا وهي مهمة إسقاط نظام مبارك, والحؤول دون تشتت الأهداف وتجنب خلق خصومات مبكرة للثورة في المحيط الإقليمي والدولي. أما العنصر الثاني فيتمثل في التسرع بالتوصل لهذا الاستنتاج, والاستناد إلى مجرد لحظة زمنية محددة مفصولة عن السياق الزمني, واستباق السيرورة التي يمكن أن تؤول إليها الأحداث والتطورات.

توصل بعض رموز اليمين الإسرائيلي إلى أن القضية الفلسطينية أصبحت ثانوية بالنسبة للثوار والمتظاهرين, وأنها ليست السـبب في عدم الاستقرار في إقليم الشرق الأوسط, ولم يفطن هؤلاء المراقبون من الإسرائيليين وغيرهم إلى أن الثوار أرادوا منذ البداية التركيـز على هــدف واحد وهو إسقـاط نظام مبارك. وقد أظهرت التطورات اللاحقة لتنحي مبارك عن السلطة وتسليمها للقوات المسلحة المصرية, افتقاد هذا الاستنتاج المصداقية, حيث رفع المتظاهرون بكثافة شعارات حول تحرير القدس من السيطرة الإسرائيلية في الجمعة التي أعقبت التنحي. ومن اللافت للنظر أنه قد غاب عن ذهن أصحاب هذا الاستنتاج «أن كل الثورات محلية»، من زاوية الأسباب التي أفضت إليها والأهداف التي تنشد تحقيقها, ولكــنها نادراً ما تتوقف عند الحدود المحلية وتظهر تأثراتها على البيئة الإقليمـية إن عاجلاً أو آجلاً على غرار ما حدث في الثورة الفرنسية عام 1789, والثورة البلشفية عام 1917, وغيرها من الثورات, أخذاً في الاعتبار أن لكل حالة ولكل ثورة خصوصيتها التي تميزها عن غيرها. في هذا السياق فإن الثورة المصرية والثورات العربية ستعزز من مواقف الدول العربية في مواجـهة إسرائيـل وفي مقدمتها مصر, ذلك أن الثورة المصرية قد فتحت الباب (أو هكذا يفترض) أمام بناء نموذج ديموقراطي ومؤسسات تمثيلية تشريعية وتنــفيذية قائمة على الانتخاب الحر النزيه, وهو ما يعني نهاية حكم الاستبداد الذى يفرض إملاءاته على الشعب. والحال أن شعبا حراً من الاستبداد بمقدوره بدرجة أعلى مساعدة الشعب الفلسطيني الساعي إلى التحرر من الاحتلال, خاصة بالنسبة للشعب المصري الذي لم يتخل عن الشعـب الفلـسطيني في أكثر الظروف قساوة واستبداداً. من ناحية أخرى فإن الحقبة المقبلة سيكون للرأي العام تأثير في صنع القرار واتخاذه بدلاً من الدوائر الضيقة من المتنفذين في النظام السابق، الذين احتــكروا اتخاذ القـرارات ولم يعبأوا بالرأي العام. على صعيد آخر فقد جردت الثورة المصرية والثورات العربية إسرائيل من أحد أوجه تميزها, ألا وهو الادعاء بأنها واحة الديموقراطية في الإقليم, رغم وجود الديموقراطيات الأخرى التركية واللبنانية.

كانت إسرائيل تفضل عقد السلام مع نظم حكم دكتاتورية مستبدة, وحكمت سلوكها وفق المعادلة التي تقول «الاستقرار مع الاستبداد أفضل من الديموقراطية»، وأصبح لزاماً عليها عاجلاً أم آجلاً عقد سلام ترضى عنه الشعوب, بدلاً من السلام مع مئات المنتفعين والمستفيدين من القلة التي تسيطر على نظم الحكم. من الممكن أن تستمر مصر في الأفق المنظور بالالتزام بـ«معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية», بيد أن ذلك لا يحول دون تبني نهج جديد للسياسة المصرية إزاء إسرائيل, فلن يكون النظام المقبل في طور البقاء «كنزاً استراتيجياً لإسرائيل»، بل بمقدور هذا النظام أن يرفض سياسة الإملاء وفرض الهيمنة على المنطقة بالقوة والردع, ولن يسوّغ ويبرر مفاوضات عبثية مع إسرائيل تعتبرها غاية في حد ذاتها, لكسب الوقت وتيئيس الفلسطينيين. ولن يقبل باستمرار الحصار على غزة, وقد ينسج علاقات جديدة مع حركات المقاومة، ولن يوفر غطاء لضربة إسرائيلية لإيران. وقد وجدت بعض التصورات الطريق إلى الواقع, حيث تمكنت مصر بعد الثورة من صياغة ملامح مبادرة مصرية جديدة تشكلت تدريجيا، حيث دان نبيل العربي، وزير الخارجية السابق، الحصار على غزة ودعا إلى مؤتمر دولي للسلام, بديلاً للمفاوضات الثنائية العبثية, وتم عقد المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية دون تنسيق مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، وأعلنت مصر فتحها لمعبر رفح دائما. يعزز من ذلك أن مصر منذ منتصف الخمسينيات والستينيات, قد استطاعت أن تبني نموذجاً متكاملاً للسياسة الداخلية والإقليمية والدولية في حقبة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تمحور حول التحرر الوطني والحياد الإيجابي والاشتراكية, وامتد تأثير هذا النموذج لما وراء حدود مصر.

بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011، فإن النموذج المنشود شعبياً وثورياً من الممكن أن يقوم على الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان والحرية وتعزيز القدرات التنافسية للاقتصاد المصري, وتحقيق العدالة الاجتماعية عبر إعادة توزيع الثروة, ودعم المساءلة والشفافية والمراقبة، وبمقدور مصر لو تمكنت من بناء هذا النموذج أن تكون قدوة لبقية الأقطار العربية. إن نجاح مصر في بناء مثل هذا النموذج, من شأنه أن يعزز المصانع الوطنية المصرية, وأن يؤثر إيجاباً على تبنيها سياسة خارجية مستقلة في مواجة إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وسيمكنها من استعادة دورها الإقليمي والعربي. وهذا النجاح المأمول والافتراضي لمصر في بناء هذا النموذج قد يفضي في المدى المتوسط (5-10سنوات) إلى اعادة النظر في المعاهدة المصرية - الإسرائيلية أو تعديل بعض بنودها, خاصة تلك التي تقيد السيادة المصرية على سيناء, حيث إن هذه المعاهدة مع إسرائيل في نظر الكثيرين من المصريين قد أصابت مصر بالشلل, وسمحت لإسرائيل وأميركا بالدفاع عن مصالحهما دون تردد, حيث سمحت المعاهدة لإسرائيل بضرب المفاعل النووي العراقي عام 1981وشنت عدوانها على لبنان عام 1982 وعلى لبنان مرة أخرى عام 2006 وعلى غزة 2008 وضاعفت إسرائيل عدد المستوطنين, وأعلنت القدس عصمة موحدة لها وقصفت المنشآت السورية. أما مصر فقد قدمت مساهمات سياسية وعسكرية في حرب الخليج 1990-1991, وقادت الحملة ضد إيران وتهديدها وغذت وهم السلام في المنطقة ومارست ضغوطاً على السلطة الفلسطينية للاستمرار في التفاوض العبثي. وبصرف النظر عمن سيحكم مصر في الشهور المقبلة، فإن السياسة المصرية إزاء إسرائيل, لن تعود إلى سيرتها الأولى, لأن الشعوب تتعلم في زمن الثورات أكثر مئات المرات من الزمن العادي. وقد تشهد العلاقات المصرية -الإسرائيلية تغيرات كبيرة، خاصة مع تصلب المواقف الإسرائيلية إزاء الشعب الفلسـطيني ودخول الرأي العام المصري على الخط في ما يتعلق بهـذه العلاقات. وربمــا لا يتحدد مستقبل هذه العلاقات المصرية - الإسرائيلية وفق الإدراك والتصور المصري فحسب لحدود العلاقة مع إسرائيل, ودور مصر الإقلــيمي والعربي, ذلك أن هذا التصور سيتفاعل مع التصور الإسرائيلي لطبيعة العلاقات مع مصر في مرحلة ما بعد الثورة، خاصة أن إسرائيـل بعد الثــورة المــصرية قد شهدت تظاهرات لليسـار للمطالبـة بدولة فلسطـينية استنـادا إلى قراءة دلالات الثورات العربية ومسارها وأصبح لديها كتلة من السكان تتساءل عن المصير والمستقبل. وقد تسهم هذه المؤشرات في تقييد قدرة الحكومة الإسرائيلية على تزييف وعي الإسرائيليين باستحالة قيام دولة فلسطينية.

يتوقف الأمر على توازن القوى الداخلي في إسرائيل، بين القوى اليمينية واليسارية هناك، وقدرة حكومة نتنياهو على الصمود أو قابليــتها للانهيار. ما يهم إسرائيل في المقام الأول هو الإبقاء على معاهدة السلام مع مصر، في حين أن تعرض العلاقات مع مصر لتغيرات في المجالات الاقتصادية والتجارية يأتي في الدرجة الثانية؛ ما دام الجوهر باقياً أي استمرار المعاهدة. في مواجهة هذه التطورات فإن إسرائيل تتهـيأ للأســوأ، أي المواجهة مع حصيلة هذه التطورات الإقليمية وشكل النظم المقبلة وقدرة الاتفاقيات على الصمود. تتخذ إسرائيل منحى معادياً للديموقراطيـة وتشكك من الآن فيها، فهذه الديموقراطية من وجهة النظر الإسرائيلــية ليست هي الديموقراطية الغربية العلمانية, لأنها ستكون بعيدة عن القيم الغربية. وتروج إسرائيل لفكرة الحليف الثابت المستقر في الإقليم للولايات المتحدة, والذي تمثله إسرائيل في محيط إقليمي مضطرب, وغير مســتمر وهو ما يعزز الإبقاء على القوة العسكرية باعتبارها الضمانة الوحيدة في مواجهة الإقليم المضطرب. وتتوقف محصلة هذه التفاعلات في الرؤى والتصورات على توازن القوى السياسي الناشئ، إن في مصر وإن في العالم العربي وقدرة مصر والعالم العربي على استمالة القوى الدولية والمجتمع الدولي لمصلحة أجندة جديدة تكفل التسوية والاستقرار وإنصاف الشعب الفلسطيني.

السيناريوهات

أول السيناريوهات: بقاء «المجلس العسكري» في الحكم, رغم الجدول الزمني الذي أعلن مؤخراً وتسليمه السلطة للمدنــيين نهـاية يونيو/حزيران عام 2012، وذلك بافتراض حدوث تطورات واحتــجاجات قد تؤدي إلى الفوضى وخلط الأوراق تحيل مصر إلى ساحة مواجهات. وفي هذه الحالة سيجد «المجلس العسكري» مبرراً للاستمرار في الحكم بدعم شعبي وجماهيري للاستقرار وتجنب الفوضى. وقد يكون هذا السيناريو ضعيفاً، نظراً للإعلان المتكرر من «المجلس العسكري» عن تسليمه السلطة إلى المدنيين. ولكن إذا حدث فإن العلاقات المصرية - الإسرائيلية لن تشهد تغيرات كبيرة وقد تستمر وتيرتها الحالية، أي استمرار السفــراء والسفارات والعلاقات القانونية والديبلوماسية والإبقاء على المعاهدة المصرية - الإسرائيلية دون تعديل, خاصة مع استجابة إسرائيل لزيادة عديد القوات الأمنية المصرية في المنطقة (ج) المجاورة لحدودها. وهذا السيناريو له حظــوة لدى إسرائيــل والولايات المتحـدة الأميركـية على الأقل ضمنياً؛ فكلاهما يعرف قادة الجيش المصري وهيــئة أركانه, وجميعهما قد يحمل لنظام مبارك وسياساته تقديراً من نوع ما أو ولاءً بدرجة معينة, وفي هذه الحالة لن يكون ثمة انقلاب في العلاقات المصرية -الإسرائيلية.

ثاني السيناريوهات: أن تفضي التطورات الجارية في مصر, الانتخابات التشريعية في مراحلها الثلاث إلى فوز ساحق لـ«الإخوان المسلمين» و«السلفيين» وإلى تخلي «المجلس العسكري» عن حكم البلاد بعد انتخاب رئيس الجمهورية، واستكمال المؤسسة التشريعية وتشكيل حكومة بقيادة «الإخوان المسلمين» و«السلفيين». وفي هذه الحالة تتوقع إسرائيل أن يتم إلغاء المعاهدة أو تعديلها، وإجراء تغييرات جوهرية في مضمون هذه العلاقات, خاصة مع دعم هذه القوى ـ إن لم تكن لخيار الحرب ـ لخيار المقاومة وثقافة المقاومة, خاصة أن «حركة حماس» في فلسطين هي الامتداد الإخواني الفلسطيني, واحتمال تشكيل محور للمقاومة مع الفصائل الفلسطينية الأخرى في لبنان و«حزب الله». وتتوقع إسرائيل أن تواجه سيطرة «حماس» على الأراضي الفلسطينية وسيطرة «حزب الله» على لبنان و«الإخوان المسلمين» على مصر. تبدي إسرائيل تخوفها من هذا السيناريو، لأنها تنظر إلى «الإخوان المسلمين» كمتطرفين دينياً ويطالبون بفلسطين التاريخية على غرار «حماس». والنقطة المثيرة للجدل والانتباه في هذا السيناريو هي تجاهل الفارق بين البقاء في المعارضة والوصول إلى الحكم, فثمة احتمال أن تتغير المواقف والسياسات بعد الوصول إلى الحكم نظراً لطبيعة المسؤوليات وتداعيات القرارات التي تُتخذ وقد تكون خبرة «حركة حماس» داعمة لهذا الافتراض، لأنها واجهت معضلة الجمع بين الحكم والمقاومة في آنِ واحد.

ثالث السيناريوهات: يتمثل في احتفاظ رئيس الجمهورية المقبل في مصر بصلاحيات الرئيس في النظام نصف البرلماني ونصف الرئاسي كما هو الحال في فرنسا مثلاً, وهي صلاحيات الدفاع والأمن والخارجية وعقد المعاهدات الدولية، وذلك وفق صيغة الدستور المقبلة في مواجهة من يريدون نظاماً برلمانياً يحظى فيه الرئيس بصلاحيات رمزية. وفي هذه الحالة ستبقى العلاقات مع إسرائيل بيد الرئيس المقبل وكذلك المعاهدة وتعديلها، أو الإبقاء عليها، كما هي وفق تفاهمات من الجانب الإسرائيلي.

عبد العليم محمد

أعفى العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبدالعزيز رجل الدين واحد مستشاريه الشيخ عبد المحسن العبيكان بعدما وجهت له الصحافة السعودية مؤخرا سيلا من الانتقادات بسبب الفتاوى التي أطقلها .

وكانت الصحف السعودية شنت خلال الأيام الماضية هجومها على العبيكان في عدة مقالات نشرت خلال الأسبوع الحالي كان أبرزها مقالة تركي السديري في جريدة' الرياض'، وشن خالد المالك رئيس تحرير صحيفة 'الجزيرة' هجوما على العبيكان واصفا تصرفه بالأحمق.

وجاء في بيان صادر عن الديوان الملكي السعودي الجمعة 'يعفى فضيلة الشيخ عبدالمحسن بن ناصر العبيكان المستشار بالديوان الملكي من منصبه، دون ذكر العبارة الشهيرة التي عادة ما تصاحب إعفاء أي مسئول من منصبه بناءا على طبه.

واضاف البيان، الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية 'واس'، 'يبلغ أمرنا هذا للجهات المختصة لاعتماده وتنفيذه' وذيل البيان بتوقيع الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود .

وكان العبيكان قال يوم الجمعة الماضية إن هناك من يحول بينه وبين لقاء خادم الحرمين لمنعه من كشف مخططات لهدم القضاء والمؤسسة الدينية متوعدا بفضح 'هؤلاء'.

وقال رئيس تحرير صحيفة 'الجزيرة' خالد المالك في مقال له الخميس إن العبيكان يتحدث بدون علم ويلوي عنق الحقائق ويكيل الاتهامات يمينا ويسارا دون أن يستثني صغيرا أو كبيرا ودون أن يتعلم الدرس من ماضيه، متهما إياه بأنه يستخدم الدين لتمرير أهدافه مدعيا أنه يحارب الفساد.

وكان الكاتب الصحافي محمد الوعي ورئيس تحرير صحيفة 'اليوم' السعودية وصف تصريحات العبيكان بالعورات الفكرية والنفسية، حيث عاد لممارسة تقلباته الفكرية وتناقضاته النفسية.

وقال الوعيل أن العبيكان رجل لا يزال يعيش في الماضي، والأوهام، والتخيُّلات والمؤامرات، لم يخرج بعد من كهفه القديم'.

وكان العبيكان أجاز مؤخرا الذهاب للسحرة للاستشفاء، مستدلًا بالشاذ والضعيف والمتروك.

واتهم العبيكان أهل الحِل والعقد والعلم والثقافة بأنهم يريدون نشر الفساد في بلاد الحرمين الشريفين، وافتى العبيكان أيضا فتوى تجيز 'إرضاع (المرأة) الكبير'.

إلا أن الداعية السعودي الشيخ سعد البريك استنكر ما قال انه هجوم يتعرض له العبيكان، واصفاً من يقومون بمهاجمته بأنهم كهواتف العملة ما أن تم شحنها حتى بدأت في الردح.

وقال ان الشيخ عبد المحسن' استفز إخطبوط الفساد فأوعز الأخطبوط إلى هواتف العملة، تأخرت الهواتف قليلا حتى تم الشحن وبعدها بدأ الردح'.

وأشار البريك على حسابه الشخصي 'بتويتر' إلى تلقيه تهديدات بأن الدور عليه في الهجوم، قائلاً 'احدهم أرسل لي يهدد بان الدور علي بمهاجمتي، ألا يعلم أن مهاجمة بعض الكتاب المعروفين بـ(..) تعني تزكية لا تحتاجها ولا تضرك'.

واقترح البريك عودة محاكمة الصحافة إلى المحاكم الشرعية لتضمن محاسبة الكاتب الصحفي الذي لا يضبط عبارته إلا بتذكر المحكمة الشرعية.

وكان موقع الشيخ عبد المحسن العبيكان قد تم حجبه في وقت سابق.

كما تناقل العديد على موقع التواصل الاجتماعي تويتر أنباء عن منعه من الظهور إعلاميا، فيما أكد كثير منهم توقعهم هذا الأمر.

وكان العبيكان قد ذكر على مدار حلقتين من البرنامج الأسبوعي 'فتواكم' بإذاعة UFM أن شخصيات محسوبة على القضاء تسعى لإفساد المجتمع وأنه قد يضطر لإعلان أسمائهم، كما أكد أن هناك من يحول بينه وبين لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، لأنهم يعلمون ثقة الملك به.

الأربعاء, 09 أيار 2012 05:19

مسؤلیة المراة فی دعم کیان الاسرة

باسمه تعالي

بما ان الاسلام یواکب الانسانیة لیصل بها الی بر السعادة والفلاح، تراه یعمل علی تحقیق المثل والقیم والمبادئ الانسانیة الرفیعة لدی الفرد والاسرة والمجتمع والدولة، من اجل ان تسود علاقات المحبة والمساواة والتضامن والعدالة والحریة والامان بین افراد المجتمع.

والتربیة فی الحقیقة عملیة اعداد وانشاء وتوجیه واصلاح وقیادة للانسان فی مراحله المتعددة من اجل الوصول الی الکمال والنضج الفکری والاخلاقی والسلوکی.. ولهذه الغایة جاءت الرسالات والشرائع الالهیة لتربیة الانسان وبنائه بناءً روحیاً وفکریاً وسلوکیاً وجسدیاً متوازناً و سلیما یمکنه من اداء رسالته.

ولهذا شرع مربی الانسانیة ورسول الهدایة محمد(ص) بتربیة جیل فذ فرید، لم يعرف الفصل بین العلم والعمل، او التفریق بین الفکر والممارسة. فقد کان الرسول(ص) یربی اصحابه، ویروضهم علی العمل والتطبیق وعلی هذا المنهج کان رسول الله(ص) یسیر ویبنی الفرد المسلم، والمجتمع المسلم، خطوة فخطوة ومرحلة فمرحلة.

وکان المسلمون، یجدون فی رسول الله(ص) النموذج الحی للعقیدة والرسالة فهو اول العاملین، وقدوة المطبقین، فقد اُعد ورُبی تربیة الهیة کاملة عبر نفسه عنها(ص) فقال: «ادبنی ربی فاحسن تادیبی» .

عوامل التربیة:

ان التربیة تشكل قاعده اساسیة لتنيمه الخطائص السلوکیة بصورة عامة اذا استندت الی العوامل المؤثرة فی بنائها وتکوینها، وهی کما نص علیها علماء التربیة کما یلی:

1- الوراثة: يعزي علماء النفس الذکاء والغباوه الی الوراثة، ولهذا اکد الاسلام ضروره حسن اختیار الزوج خوفاً من انجاب اولادا غیر صالحین، فیما اذا کان احد الزوجين غیر صالح فی نفسه واسرته.

قال الرسول (ص): «اختاروا لنطفکم فان الخال احد الضجیعین»[1] .

2- الاسرة: و هی من اهم العوامل الاساسیة فی بناء الکیان التربوی وایجاد عملیة التطبیع الاجتماعی، و بناء شخصیة الطفل واکتسابه العادات التی تبقی ملازمه له طول حیاته، فهی البذرة الاولی فی تکوین النمو الفردی وبناء الشخصیة وتقویم السلوک، فمنها یتعلم الطفل العادات ویکتسب القیم والاتجاهات، وقد ساهمت الاسرة فی بناء الحضارة الانسانیة واقامة العلاقات التعاونیة بین الناس، وتعلم الانسان قواعد الاداب والاخلاق.

واجبات الاسرة:

ان الاسرة مسؤولة عن تنشئة اطفالها نشأة سلیمة متسمة بالاتزان والبعد عن الانحراف، وعلیها واجبات هي ملزمة برعایتها، منها:

اولا: ان يسود البیت الاستقرار والود والطمأنینة، وان تبعد عنه جمیع الوان العنف والکراهیة والبغض، فان اغلب الاطفال المنحرفین والذین تعودوا علی الاجرام، نشاوا في اسر تعاني من عدم الاستقرار العائلی. یقول بعض المربین: نحن لو عدنا الی مجتمعنا الذی نعیش فیه فزرنا السجون، ودور البغاء ومستشفیات الامراض العقلیة، ثم دخلنا المدارس واحصینا الراسبین من الطلاب والمشاکسین، لوجدنا ان معظمهم حرموا من الاستقرار العائلی، ولم یجد معظمهم بیتا هادئاً فیه اب یحدب علیهم، وام تدرک معنی الشفقة ولا تفرط فی الدلال ولا تفرط فی القسوة، وفساد البیت اوجد هذه الحالة من الفوضی الاجتماعیة.[2]

ان السعادة العائلیة تبعث الطمأنینة فی نفس الطفل، وتساعده علی تحمل المشاق وصعوبات الحیاة، فاشاعة الود والعطف بین الابناء له اثره البالغ فی تکوینهم تکویناً سلیماً. وقد ثبت فی علم النفس ان اشد العقد خطورة واکثرها تمهیدا للاضطرابات الشخصیة هی التی تکون فی مرحلة الطفوله الباکرة، کما ان تفاهم الاسرة وشیوع الموده یساعد علی نمو الطفل الفکری، وازدهار شخصیته.

ثانیاً: ان تشرف الاسرة علی تربیة اطفالها، وقد نص علماء الاجتماع علی ضرورة ذلک واکدوا ان الاسرة مسؤولة عن عملیات التنشئة الاجتماعیة التی یتعلم الطفل من خلالها خبرات الثقافة، وقواعدها فی صورة تؤهله فیما بعد لمزید من الاکتساب وتمکنه من المشارکة التفاعلیة مع غیره من اعضاء المجتمع. وان من اهم الواجبات فی هذا المجال هو:

1- ان یتفق الاب والام علی معایير السلوک، وان یؤید کل منهما الاخر فیما یتخذاه من قرارات.

2- ینبغی ان یکون وجود الطفل مع الاب بعد عودته من عمله جزءاً من نظام حیاته الیومیة، حتی یتسنی له التعرف علی صفات واخلاق ابیه فی الحیاة.

3- ینبغی للام ان تعلم الطفل سلوک طیب وان تتجنب نقل الخلافات العائلیة والمسائل الخاصة بها فتزرع في نفسية الطفل روح الخلاف والغضب والحقد .

4- علي الاسرة ابعاد الطفل عن تناول الحرام وتعویدهم منذ نعومة اظفارهم علی تناول الحلال فان للتغذیة اثر فاعل فی سلوک الطفل، و ان اكل الحرام یغرس فی نفس الطفل النزعات الشریرة کالقسوة والاعتداء، فقد ورد عن النبی(ص) انه رای ریحانته وسبطه الاول الامام الحسن(ع) قد اخذ من تمر الصدقة فجعلها فی فمه وکان طفلاً، فزجره النبی(ص) وقال له: «ارم بها، اما علمت انا لا نأکل الصدقة»[3] .

5- ان من واجب الاسرة الاسراع فی تادیب ابنائها، اذا شذوا فی سلوکهم أو ارتکبوا ما یخالفالمبادي والتقالید الدینیة والاجتماعیة او ما یجافی الاداب العامة، وقد أکد الاسلام علی ذلک فقد أثر عن النبی(ص) انه قال: «لان یؤدب احدکم ولده خیرٌ له من ان یتصدق بنصف صاع کل یوم»[4] .و فی حدیث آخر: «اکرموا اولادکم واحسنوا ادابهم یُغفر لکم»[5] .

6- ینبغی للاسرة ان تغمر جمیع الاولاد بالحب وتساوی بینهم بالحنان والعطف والرعایة ، فان حرمان بعض الابناء من المحبة یؤدی الی العقد النفسیة، والغیرة والحفیظة ونشوب النزاعات والثورات الانفعالیة فی نفوسهم. وقد اثر عن النبی(ص) انه قال: «اعدلوا بین اولادکم بالسر، کما تحبون ان یعدل بینکم فی البر واللطف». ونظر(ص) الی رجل له ابنان فقبل احدهما و ترک الاخر فنهره(ص) وقال له: «هلا ساویت بینهما»[6] .

7- ان تقویه الروح المعنویه لدی الابناء من واجبات الاسرة الاساسیة . ان عملیة تقویة الروح الایمانیة والعبادیة عند الطفل تبدا من مرحلة المحافظة علی الفطرة وحمایتها من التلوث والانحراف. فقد روی عن النبی(ص) : "کل مولود یولد علی الفطرة فابواه یهودانه وینصرانه...‌‍‍" فالطفل فی مراحل حیاته الاولی یملک قدرة عالیة علی التلقی والتقبل، و من واجب الوالدین ان یقدما له المعلومات العبادية کتعلیم الصلاة و، و تلاوة القرآن، وتحفیظ الاناشید والقصص التی تزرع فی نفسه معانی الایمان والارتباط بالله سبحانه، وتشعره بصفات الله من العدل والرحمة والحب للعباد وقدرته علی الخلق والاحیاء و عقاب المجرمین... الخ.

ولابد للاسرة من الاهتمام بالحب والعنایة والتشجیع بالثناء علی عمل الاولاد وتقدیم الهدایا لهم والتقاط صور ملونه و هم فی حالة الصلاة وقراءة القرآن. حتی یثیر السرور فی نفس ویجعل من العبادة عملاً محبباً لدی الطفل یترسخ فی الوعی الباطن و بعکس الاسلوب القاسی او استخدام الاکراه والتشدد علی الطفل، فانه یشکل حالة من الرفض الداخلی و عدم الاقبال علی المسائل المعنویة والایمانیة.

ولهذا جاء الحث علی تعلیم الصبی القرآن والاحکام والعبادات. عن النبی(ص): «... من علمه القرآن دعی بالابوین فکسیا حلیتین تضیء من نورهما وجوه اهل الجنة».

ویثبت الامام الصادق(ع) منهج التربیة العبادیة للناشئة وتعلیمهم مبادئ الشریعة بقوله: «ویتعلم الکتاب سبع سنین، ویتعلم الحلال والحرام سبع سنین».

العوامل الاساسیة فی تقویة الروح المعنویة لدی الاسرة:

ان من اهم المحاور الاساسیة لتعزيز القيم المعنوية فی الاسرة هی:

1- العبودیة والطاعة لله تبارک و تعالی. فالله تبارک و تعالی یدعو الانسان الی العبودیة التی تعنی سعادة وتکامل الانسان ورقيه فی مدارج الحیاة، فهی کالبوصلة فی مسیرة الانسان الفردیه والاسریة والاجتماعیة، وثقافة العبودیة لله تجعل الانسان ینظر الي ولده باعتباره «امانة عنده» علیه ان یرعاها ویحافظ علیها وان یخطط للسیر فی مسیر العبودیة لله وذلک بمعرفته وتقویة الارتباط به.

2- حسن الخلق: ان الخلق الحسن یعد الوسیلة الانجح فی صیانة المعنویات داخل الاسرة وهو یوفر الارضیة اللازمة للتعالی المعنوی فی الاسرة علی احسن وجه. لان الاسرة التی لا تقوم العلاقات بین اعضاءها علی اساس حسن الخلق تکون عرضة للمشاکل والامراض. وتضعف الابعاد الروحیة والمعنویة فیها.

3- العدالة والتوازن فی العلاقات الاسریة:

ان العلاقة الاسریة علاقة حمیمة تعتمد علی رعایة حقوق وواجبات کل طرف للاخر. وهذا التوازن یجعل هذه العلاقة ناجحة فی رسم اطار سلوکیة الفرد فی هذه الدائرة.

ولهذا اکد الاسلام علی رسم الحدود فی حقوق الزوجة والابناء والوالدین والارحام.. الخ.

دور المرأة فی تقویة الجانب المعنوی للحیاة الاسریة:

لقد وهب الله المرأة عاطفة جیاشة ورقه ورأفة تخلق سكينه ورحمة فی الاسرة للزوج وللابناء.

ان طریق العاطفة والرحمة والمحبة اکثر انجازاً من طریق القوة والعقل والله یدیر العالم علی محور المحبة: «کتب علی نفسه الرحمة»[7] ، و «رحمتی وسعت کل شیء»[8] . والمرأة تدرک بان طریق المحبة ان لم یکن اقوی من طریق العقل، فهو لیس باضعف منه.

ولهذا اصبحت المرأة العمود الفقری للاسرة او کربان السفینة فی بحر لجی لا يغفل عن حمایتها من جمیع الاخطار، ولا یغمض له جفنٌ ولا یهدأ له بال اذا المت بهما نازلة فالمراه تبدل قصاری جهدها وطاقتها لوقایة الاسرة مما قد یهدد امنها وسعادتها فلا غرو ان يكون حظها من الاحسان الیها وحسن صحبتها ثلاثة امثال حظ الرجال، حیث یقول النبی(ص) لمن سأله من ابر؟ قال (ص) «أمک ثم أمک ثم أمک ثم اباک».

ان مقولة: « وراء كل عظيم امراة» مقولة صحیحة، لان المراة هی التی تهیء لحیاة الاسرة کل اسباب النجاح والفلاح والتفوق والتجدید، وتدرا عنها کل عوامل الاخفاق والتخلف والتقلید. هي لها رعاية الاسره وهذه الرعایة لها جانبان: مادی ومعنوی. ویتمثل الجانب المادی فی اعداد ما تقوم به الحیاة لکل افراد الاسرة فی نظافة الملبس والمأکل والمشرب والمسکن ولذا قال النبی(ص): «إن مهنة إحداکن فی بیتها جهاد المجتهدین» وقال (ص): «أیما امرأة رفعت من بیت زوجها شیئاً من موضع الی موضع ترید به صلاحاً، نظر الله عزوجل الیها، ومن نظر الیه لم یعذبه». وأما الجانب المعنوی فانه یتمثل فی حسن التبعل لزوجها فانه يعادل الجهاد فی سبیل الله، و كذالك رعایة الابناء رعایة حب وتوجیه، والاحسان الی الوالدین وصلة الارحام وتفقد الاحوال. وبأداء هذه المسؤولیة یکون الترابط الاسری متیناً ، کما أن ذلك يلعب دوراً اساسیاً و هاماً فی الضبط الاجتماعی، ويؤکد روابط التعاون والتکامل فی محیط الاسرة.

ولمسؤولیة المرأة فی الاسرة کرمها الاسلام اعظم تکریم، وجعل لها شخصیتها ومکانتها، و منحها کل خیر وصانها من کل شر، و منعها عن التبرج والخضوع بالقول والبعد عن مواطن الشبهات وکل ما یسیء الی عفتها. ان دور المرأة فی الاسرة یفوق دور الاب، یحکم صلتها القویة واتصالها المستمر بالابناء، وبحکم تاثیرها القوی علی شخصیاتهم، وقدرتها علی توجیهم الوجهة التی ترید، وتلقینهم المبادی التی تؤمن بها، وبخاصة فی مرحلة الطفولة. وقیل عن المرأة: «انها تحرک سریر الرضیع بیمینها، وتستطیع ان تحرک العالم بیسراها».

وکما قال الشاعر:

الام مدرسة إذا اعددتها           اعددت جیلاً طیب الاعراق

اعداد المرأة لحمایة الاسرة معنویاً وایمانیاً:

لقد توفرت فی الام بعض الدوافع الذاتیة لرعایة الطفل وتربیته، ولعل من اهمها هی:

1- إنها أصبر من غیرها علی تربیة اطفالها ورعایتهم، لانها مدفوعة بدافع فطری ذاتی،

2- انها اکثر درایة وامعاناً باخلاق ابنائها ونفسیاتهم، وابصر بالوسائل السلیمة التی تنفع فی توجیههم نحو الخیر وبعیداً عن الشر.

3- ان الطفل یستجیب لأمه بحکم فطرته، وحاجته الیها، فهو یسعی جاهداً لتنفیذ رغباتها وکسب رضاها [9].

إن هذه الامور تحمل الام المسؤولیة الخطیرة عن التربیة الواعیة لابنائها. و ان هم ما یعین المرأة علی اداء هذه الدور المهم والحیوی «العبودیة لله تبارک وتعالی والارتباط به والقرب منه» وذلک باتباع المنهج التربوی الاسلامی الذی یحدد علاقة الانسان بنفسه وبربه وباسرته ومجتمعه.

وفیما یلی بعض المناهج التی ینبغی لها ان تطبقها علی واقع تربیتها:

1- أن تحبذ لهم کل سلوک طیب، وتلمسهم النتائج الشریفة التی تترتب علی فعله او تشجعهم علیه بجمع طاقاتها.

2- ان تجنبهم عن کل عادة سیئة، وتحذرهم من أي سلوک لايتفق مع المباديء الدینیة والاجتماعیة وتوضح وتدلل لهم ما یترتب علیها من الضرر لهم وللاسرة وللمجتمع.

3- علیها ان تربی بناتها علي الطهارة والعفة، وترشدهن الی محاسن النساء الخالدات، وتحذرهن وتراقبهن وتتفحص شؤونهن حتی لا یتلوثن بالاخلاق الفاسدة التی دهمت بلاد المسلمین، وغزت حیاتهم الفکریة والاعتقادیة.

4- ان لا تسرف فی دلال اطفالها، فان لذلک من المضاعفات السیئة التی توجب تاخر التربیة وتؤدی الی عدم قابلیة الطفل فی مستقبل حیاته لتحمل مشاق الامور ومصاعبها.

5- ان تشعر ابنائها بمقام ابیهم، ولزوم احترامه حتی یتسنی له القیام بتادیبهم.

6- ان تجتنب الاسائة الي زوجها، لان ذلک یخلق جواً من البغضاء والکراهیة بینهما، فیؤدی الی اضطراب الطفل وشعوره بالمخاوف وخلق عقد نفسیه عنده، وقد حث الاسلام المرأة علی ارضاء زوجها، وحرم علیها ایتان ما یکره، فقد اثر عن النبی(ص) انه قال: «ایما امرأة آذت زوجها بلسانها، لم یقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً ولا حسنة من عملها حتی ترضیه» [10].

وقال (ص): «ایما امرأة قالت لزوجها: ما رأیت منک خیراً قط، فقد حبط عملها» [11].

إن مفهوم العبادة فی الاسلام لايقتصر علی الصلاة والصیام والحج والزکاة، بل ان للعبادة مفهوماً شاملاً ینسحب علی کل تصرفات الانسان.

فالمرأة فی قیامها بدعم کیان الاسرة تعبد الله، إن الايمان بهذا یضاعف إخلاصها وحرصها علی هذا الدعم، لتعي ان التفریط فی مسؤولیتها تجاه الاسرة اثم ومعصیة لانه تفریط فی الامر بالمعروف والنهی عن المنکر وعدم تقدیم النصیحة والتوجیه، والاهتمام بامر المسلمین.

اضحت المرأه مضرب الامثال فی التفانی والایثار، فهی تدعم کیان الاسرة وهو دعم مستمر، ولیس مجرد توجیه ورعایة، ولکنه قد یکون احیاناً دعماً مادیاً اذا کانت ظروف الاسرة الاقتصادیة لا تکفل لها حیاة کریمة. ، وقد یموت رب الاسرة، وتجد المرأة نفسها مسؤولة عن رعاية اولادها فلا تجد غضاضة من ان تمارس عملا یدر علیها دخلاً یغطی نفقات الأسرة، فانها تضحی براحتها، وقد تضحی بانوثتها من اجل ابنائها، فترفض الزواج لتتفرغ لاولادها وتحمیهم بهذا من التشرد والضیاع.

علی ان مسؤولیة المرأة في دعم الاسرة لاتعنی أنها محصورة فی نطاق الاسرة ، ولکنها تتجاوز الاسرة بحکم الموالاة بین المؤمنین والمؤمنات الی غیرها من الاسر التی تحتاج المساعدة مادامت المرأة قادرة علی القیام بهذه المسؤولیة.

وخلاصة القول ان المرأة مسؤولة شرعاً عن دعم کیان الاسرة، ولكي تنهض بهذه المسؤولیة یجب اعدادها اعداداً دینیاً شاملاً، وان یکون المناخ العام فی الأمة مساعداً لها علی القیام بما فرض علیها، وبذلک کله تظل الأسر المسلمة – مهما تکن التحدیات – عماد المجتمع وقاعدة الحیاة البشریة، وتظل النبع الفیاض بالحنان واعداد الأجیال الناشئة اعداداً یؤهلهم لتحمل الأمانة بشجاعة واتقان.

جنان واسطي پور

[1] - وسائل الشیعة، ج14.

[2] - البیت والمدرسة، محمود اکبر مود، ص27-28.

[3] - ریاض الصالحین، ص147.

[4] - مکارم الاخلاق، 1/270.

[5] - نفس المصدر.

[6] - مکارم الاخلاق، 1/270.

[7] - الانعام/ 12.

[8] - الاعراف/ 156.

[9] - الادارة التربویة ، ص9. موسسه الیونسکو.

[10] - مکارم الاخلاق، 1/46-47.

[11] - نفس المصدر.

يعتبر احياء الفکر الديني من أهم هواجس الإمام الخميني (قدّس سرُّه) في النهضةِ الإسلاميةِ في السبعينيات ِ و قبلَ تلكَ الفترة.

کانَ يدرك منذُ اللحظاتِ الأولی من حياتِهِ الفکريةِ والاجتماعيةِ والسياسيةِ، أنَّ تبيينَ الإسلامِ الصحيحِ و تهذيبَهُ من الآراءِ و الأفکار الممزوجةِ بالجهلِ والجمودِ والخرافةِ هو الهدفُ في تغييرِ عقائد وأفکار الناسِ ورجوعِهم الی الإسلام الأصيل، و هو السببُ الرئيسي في الحرکةِ الاجتماعيةِ والسياسيةِ مِن أجل ِ تغييرِ هيکليةِ الحکومةِ الاستبداديةِ وإقامةِ حکومةٍ إسلامية.

تتبَّعَ الإمامُ الخميني (قدّس سرُّه) مسألةَ إحياءِ التفکُّر الإسلامي ِّ الأصيلِ قبلَ وقوعِ الثورةِ الإسلاميةِ بسنواتٍ عديدةٍ، وتابعَ ذلكَ الهدفَ المقدَّسِ بعدَ انتصارِ الثورةِ الإسلامية وإنبثاقِ النظام الإسلامي في الجمهوريةِ الإسلاميةِ في إيران و علی المستوی العالمي ولم يغفل لحظة واحدة عن هذهِ القضيةِ حتی الإيام الأخيرةِ من حياته ِ المبارکةِ.

أحدُ أبعادِ ومظاهرِ سعي وجهادِ الإمام الخميني (قدّس سرّهُ) في طريقِ تحقيقِ إحياءِ الفکرِ الإسلامي، هو أحياءُ «الحجِّ»، وذلكَ من خلالِ توضيحِ وشرحِ الآراءِ الفلسفيةِ والمحاضراتِ والخطبِ والرسائل والآثار الإجتماعية والسياسيةِ العميقةِ المتعلقة به.

ويتعلقُ الجزءُ الأکبرُ من خطبِ وبيانات الإمام (قدّس سرّهُ) في مجالِ إحياءِ الحجِّ الإبراهيمي والمحمدي (ص) وبشکلٍ طبيعي إن تحقيق هذا الامر المهم لن يتم إلا بتوضيحِ وبيانِ فلسفةِ وآثارِ الحجِّ وبتطهيرِ وإزالةِ الآراءِ والأفکارِ الخرافيةِ عن هذهِ العبادةِ والفريضةِ العظيمةِ، وکذلك بفضح القوی الاستعماريةِ وقطع الأيادي القذرةِ في الدول الإسلاميةِ .

وسنبحثُ في هذا المجال قسماً من رسالة الإمام الخميني (قدّس سرّهُ) العظيمةِ حولَ هذا الموضوع ..يتألفُ هذا القسم من ثلاثِ موضوعاتٍ مختلفةٍ، يحتاجُ کلُّ منها إلی تأمّلٍ عميقٍ.

1- التفاسيرُ الخاطئةُ عن فلسفة الحجِّ

إحدی وظائف المسلمين العظيمةِ هي معرفةُ هذهِ الحقيقةِ، وهي ما هو «الحجُّ» ولِمَ يجِبُ علينا دائماً أن نستهلكَ قسماً من قدراتنا الماديةِ والمعنويةِ لأداءِ هذه الفريضةِ.

کلُّ ما قالُه الجهلةُ والمحلّلونَ المغرضون عن فلسفةِ الحجِّ لحدِّ الأن هو أنَّ الحجَّ عبادةٌ جماعيةٌ وسفرةٌ سياحيةٌ لزيارةِ بيتِ اللهِ الحرامِ، فما علاقةُ «الحجِّ» في کيفَ نعيشُ أو کيفَ يجبُ أن نناضلَ أو بأي شکلٍ يجبُ أن نقفَ بوجهِ العالم الرأسمالي والاشتراکي!

و ما علاقةُ الحجِّ بحقوقِ المسلمينَ والمحرومينَ وکيفَ يجبُ أن تؤخذَ هذه ِ الحقوق من الظالمين؟ و لِمَ يجبُ علی الحجِّ أن يجدَ حلولاً للضغوطِ النفسيةِ والروحيةِ للمسلمين؟ وما علاقةُ الحجِّ في وجوب أن يظهرَ المسلمين کقوةٍ عظيمةٍ و القدرة الثالثه في العالم ! فالحجُّ هو ذلك السفرُ الترفيهي لزيارةِ الکعبةِ و المدينةِ فقط(1)!؟

فأحدی الآفاتِ والمخاطرِ التي کانت تهَدِّدُ المجتمعاتِ الإسلاميةَ علی مرِّ التاريخِ، هي تلك المفاهيمُ والتفاسيرُ المخالفةُ لحقيقةِ الحجِّ، و التبليغُ عنها والترويجُ لها بينَ الناسِ، هذه التفاسير الخاطئةُ کانت السببَ في امتزاج حقائق وتعاليم ومعارف هذهِ الفريضةِ بالجهلِ والجمودِ والخرافات وتبقی غير مثمرةٍ وبعيدةٍ عن التغيير والتحوّل، وتکونُ السببَ لتجعلَ هذه الفريضةَ التي يجبُ أن تکونَ بشکلِ مؤتمرٍ إسلامي عظيم يضمُّ جميعَ المسلمينَ ويجمعُهم في مکانٍ واحدٍ، ويتلمسوا آثارَهُ الاجتماعيةَ والسياسيةَ المفيدة بأمِّ أعينِهم يظهره بصورةِ سفرةٍ ترفيهيةٍ يجدونَ البهجةَ والسرورَ فيه، ويرجعون إلی أوطانِهم معَ ذخائرَ من مشاهدةِ الأماکنِِ المقدّسةِ وأفراد الأممِ الأخری، وشراءِ ما يحتاجونَ من الأشياءِ والهدايا!

وبرأي الإمام الخميني (قدّس سرّهُ) أنّ هذهِ التفاسيرَ الخاطئةَ والغيرَ صحيصةِ مطروحةٌ من قِبلِ مجموعتينِ وهي مستمرةٌ لحدِّ الآن.

المجموعةُ الاولی: الجهلة، وهؤلاءِ هم المسلمون الجهلةُ في الجتمعاتِ الإسلاميةِ وبسببِ جهلهم وعدم معرفتِهم ودرايتهم اللازمةِ، يعرّفون الحجَّ ويحصرونه بأمورٍ ترفيهيةٍ وسياحيةٍ ، وجهلُ وغباءُ هؤلاءِ الأفرادِ کانَ سبباً لعدمِ فهمهِم لآثارَ وفلسفةَ الحجِّ الاجتماعية إلی جانبِ أهدافِ الحجِّ العقائديةِ و العباديةِ.

المجموعةُ الثانيةُ: هُم المحلِّلونَ المغرضونَ الذين يسعونَ لتغييرِ فلسفةِ الحجّ ذلك من أجل منافِعهم الاقتصاديةِ والحزبيةِ والسياسيةِ، ولأنَّ الحجَّ الواقعي الحقيقي سيکونُ سبباً لخسارةِ هؤلاءِ لمنافِعهم ومطامحِهم وعدمِ تحقيقها بالشکلِ المطلوبِ. لذا يحاولونَ تفسيرَ وتحليلَ هذهِ العبادةِ العظيمةِ حسبَ أهوائِهم و رغباتِهم .

و اليومَ، هؤلاءِ المحلِّلون وباسم ِ الدينِ وفي لباسِ رجالِ الدينِ يسعونَ لتشويشِ الأفکارِ العامةِ. هؤلاءِ هم نفسُ الأفرادِ الذين حاربوا الإسلامَ بعدَ انتصارِ الثورةِ الإسلاميةِ من خلالِ مخالفتِهم لآثارِ الحجِّ الإجتماعيةِ والسياسيةِ. واليومَ أيضاً يقفونَ بوجهِ القضيةِ الحياتيةِ المهمةِ والحسّاسةِ ،ألا و هي قضيةُ وحدةِ المسلمينَ والتقارُبُ بينَ المذاهبِ الإسلاميةِ، ويعتقدونَ ويؤکِّدونَ علی الجانبِ الفردي ِّ الترفيهي للحجِّ. هاتانِ المجموعتانِ بنشرِهم الأفکارَ والتفاسيرَ الخاطئةَ بينَ الناسِ يحاولونَ أن يثبتوا أنَّ لا وجودَ لأيِّ رابطةٍ بينَ الحجِّ و القضايا الاجتماعيةِ والسياسيةِ، وأساساً ليس من الضروري الوقوفُ بوجهِ القوی الامبرياليةِ والاستعماريةِ أو السعي لأجل إحياءِ حقوقِ المحرومينَ ووصولِ المسلمينَ إلی مکانتِهم الحقيقيةِ المقتدرةِ وعدِّهم قوةً عالميةً، فمحاربةُ و مخالفةُ الأيادي الاستعماريةِ القذرةِ المنتشرةِ في الدولِ الإسلاميةِ فکرةٌ غيرُ صحيحَةٍ وباختصارٍ وفي جملةٍ واحدةٍ فإنَّ وظائفَ ومسؤولياتِ الحجِّ تتحدد فقط بالأمور الفرديةِ والعباديةِ والأخلاقيةِ.

2- الحقائقُ الکامنةُ في الحجِّ الحقيقي

حاولَ الإمامُ الخميني(قدّس سرّهُ) أن يوضِّحَ لنا بالعباراتِ الآتيةِ حقيقة الحجِّ الواقعي بعدَ أن حذّرَنا مباشرةً من مخاطرِ هذهِ التفاسيرِ والتحليلات الخاطئةِ عن الحجِّ ويعتقدُ أن الحجَّ الواقعي يعارضُ ويخالفُ کلَّ هذهِ التفاسيرِ الخاطئةَ عن هذه العبادةَ المهمةِ والعظيمةِ، إذ يقولُ:

«أنَّ الحجَّ اتصِّالٌ و تقارُّبٌ بينَ صاحبِ هذا البيتِ (عزَّ وجلَّ) وبينَ الإنسانِ وليسَ الحجُّ أعمالً وحرکاتٍ وألفاظً فقط، إذ لا يمکن للإنسانِ أن يتقرَّبَ إلی اللهِ سبحانَه وتعالی بألفاظٍ وکلماتٍ وحرکاتٍ جامدةٍ بلا معنی، بل أنَّ الحجُّ موطنُ العلومِ والمعارفِ الإلهيةِ التي يجبُ علينا أن نبحثَ ونُنقِّبَ في مضامينها عن سياسةِ الإسلام ِ في کلِّ جوانبِ وزوايا الحياةِ. الحجُّ هو رسولٌ ومُبلِّغٌ لتحقيق وبناءِ مجتمعٍ بعيدٍ عن الرذائلِ الماديةِ والمعنويةِ، الحجُّ هو توضيحُ وتکرارُ لحظاتِ مشاهدِ العشقِ في الحياةِ الدنيويةِ لأي إنسان ولأي مجتمعٍ متکاملٍ، ومناسكُُ الحجِّ هي مناسكُ الحياةِ؟، لذا فإنَّ مجتمعاتِ الأمةِ الإسلاميةِ من أي عرقٍ أوقوميةٍ يجبُ أن تکونَ مجتمعاً إبراهيمياً کي يلتحقَ برکبِ اُمةِ محمدٍ (ص) وتکونَ مجتمعاً موحَّداً و يداً واحدةً.

الحجُّ هو تنظيمُ وإختبارُ وتشکيلُ هذهِ الحياةِ الموحَّدةِ. الحجُّ مسرحٌ لعرضِ وموازنةِ الإمکاناتِ و القدراتِ الماديةِ والمعنويةِ للمسلمينَ، الحجُّ مثلَ القرآنِ إذ يستفيدُ منه کلُّ مسلمٍ.

لکنَّ المفکِّرينَ و العلماءَ الذين يحسّون بألآمِ الأمةِ الإسلاميةِ، إذا ما حاولوا الغوصَ في علومِ ومعارفِ الحجِّ عن قربٍ و أدرکوا عمقَ الأحکامِ و التعاليمِ الاجتماعيةِ ولم يخافوا من شيءٍ لاستطاعوا أن يحصلوا علی دررِ الحکمةِ والهدايةِ والحريةِ بشکلٍ أوفر، ولارتووا من زلالِ الحکمةِ والمعرفةِ الی الأبد»(2).

لقد وضحَّ الإمامُ الخميني(قدّس سرّهُ) بهذهِ العباراتِ البليغةِ والعميقةِ آثارَ وفلسفةَ الحجِّ، هذه الفريضةِ الإلهيةُ الکبيرةُ وشرح عظمة هذهِ الآثارِ ونتائجها.

3-ثابرَ الإمام الخميني(قدّس سرّهُ) علی توضيحِ وتبيينِ الحجِّ الحقيقي إلّا أنّه أظهرَ عدمَ ارتياحِهِ من أنَّ الناسَ سلّموا هذهِ الفريضةَ العظيمةَ مع آثارها الاجتماعية والسياسيةَ المهمَةَ ليدِ النسيانِ، وکيفَ أنَّ غبارَ الهجرِ قد غطّاها:

«ولکن ماذا نَفعلُ؟ ولمن نشکو حزننا وألَمنا الکبيرَ ؟ إذ أنَّ الحجَّ مثلَ القرآنِ قد تُرِك وأصبح مهجوراً، وبنفسِ المقدارِ الذي اُبتلي به هذا الکتابُ العظيمُ، کتابُ الحياةِ والکمالِ والجمالِ و أُخفي بينََ الأغلفةِ التي صنعناها بأيدينا و دُفِنَ هذا الکنزُ العظيمُ کنزُ الاسرار في أعماقِ أفکارنا المتلبِّدةِ و تبدَّلت لغتُه من لغةِ الهدايةِ والحياةِ وفلسفتها إلی لغةِ الخوفِ والموتِ والقبر! کذلك الحجُّ اُبتلي بنفسِ المصير، المصيرُ الذي هو أنّ ملايين المسلمينَ يذهبونَ کلَّ سَنةٍ إلی الحجِّ ويطاؤونَ بأقدامِهم مواضعً وطأها الرسولُ(ص) وابراهيمُ واسماعيلُ وهاجرُ ولکن ليس هناك من يسألُ نفسَه: من هو ابراهيمُ ومحمدٌ(ص) و ماذا فعلا؟ وما هو هدفهما؟ وماذا أرادوا منِّا؟ ولکنَّ الشيء الوحيدَ الذي لا نفکرُ به هو هذا الامرُ!! أيها المسلم، حجٌّ بلا روحٍ وبلا تحرُّكٍ ونهوضٍ، حجٌّ بلا براءةٍ، حجٌّ بلا وحدةٍ، حجٌّ لا يرادُ به هدم الشرك و الکفرِ ليسَ بحجٍّ مطلقاً. باختصار نقولُ يجبُ علی المسلمين أن يسعوا في إحياءِ الحجِّ والقرآنِ الکريم، وأن يعيدوا هذينِ الکنزينِ العظيمينِ إلی ميادينِ حياتِهم. وعلی باحثي الدين الإسلامي والذين ومن خلال نشرِهم التفاسيرَ الصحيحةَ والواقعيةَ عن الحجِّ سيمحونَ من الوجودِ تلك الأکاذيب الخاطئة والأفکار الخرافيةَ التي نشرها علماء البلاط بين الناسِ وسيرمونَها في بحرِ النسيان»(3).

ظهر الحزنُ والألمُ في هذا الجزءِ من رسالةِ الإمام الخميني(قدّس سرّهُ) والحديث عن هجرانِ الحجِّ ونسيانِهِ ونسيانِ فلسفةِ هذه العبادةِ العظيمةِ وآثارها الاجتماعيةِ والسياسيةِ القيمةِ والکبيرةِ، هذا النسيانُ و الهجرُ عظيمٌ لدرجةِ أنّه يذکِّرنا بنسيانِ وهجرِ القرآنِ الکريمِ، إذ تبدَّل هذا الکتاب، کتابُ الحقِّ مع تعاليمِهِ وقوانينهِ القيمةِ لبناءِ الحياةِ، تبدَّل في الدولِ الإسلاميةِ إلی کتابٍ تُتّلی آياتُه علی قبورِ الموتی ويذکّرنا بموتِ الأفرادِ ودفنِهم في الترابِ بالرغم من أنَّ القرآن هو کتابُ الحياةِ لا الموت! ذلك ليس فقط لتوضيحِ الحياةِ الفرديةِ بل انّه مفتاحُ الحياةِ الاجتماعيةِ والسياسيةِ مع الأحکامِ والقوانينِ في کافةِ مرافقِ الحياةِ الثقافيةِ والاقتصاديةِ والسياسية.

المنابع:

1. صحيفة الإمام ، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني ، المجلد21، ص77.

2. المصدر السابق.

3. المصدر السابق، ص77-78

 

 

 

على رغم أن قضية إلغاء الجانب المصري اتفاق الغاز مع إسرائيل الذي شكل أحد الموضوعات المركزية للتنديد بالنظام السابق وفساده وتبعيته، التي أضاعت على الشعب المصري الجائع مليارات الدولارات لمصلحة الدولة العبرية، احتلت الصدارة وحجزت مساحات واسعة في وسائل الإعلام مؤخراً، إلا أن الأمر يتعدى هذه الخطوة التي يعلم الجميع أنها ليست مجرد «خلاف بزنس»، أو فسخ عقد تجاري غير عادل يمكن إعادة النظر فيه، بل تطور يقول الكاتبان سيمون هندرسون وديفيد شانكر، في مقال نشره «معهد واشنطن»، إنه «لن يؤثر على «معاهدة السلام» فحسب بل سيزيد أيضاً من احتمالات وقوع نزاعات مفتعلة حول تطوير حقول الغاز في شرق البحر المتوسط»، يتعداها إلى تفاقم واتساع ما يسمى في تل أبيب «المخاطر الأمنية» التي يمكن أن تهب على إسرائيل من جبهة سيناء التي تختلف التقديرات في شأن تنامي التيارات السلفية، بما في ذلك تنظيم «القاعدة»، فيها، وقدرة السلطات المصرية على فرض سيطرتها في هذه البقعة الجغرافية الواسعة (61,000 كلم مربع) الموصلة ما بين آسيا وإفريقيا، والتي عانى أهلها الحرمان والإهمال طوال العقود السابقة.

ولعل من الضروري التذكير بأن التصويب السياسي والإعلامي على هذا الخطر المزعوم من جبهة سيناء، لم يبدأ مع حادثة إطلاق صواريخ غراد باتجاه مدينة إيلات، ومقتل عدد من الجنود المصريين برصاص الجيش الإسرائيلي في آب (أغسطس) الماضي، وإنما يعود إلى الأيام التي أعقبت سقوط الرئيس مبارك، حيث أطلقت الديبلوماسية الإسرائيلية ووسائل الإعلام العبرية، حينذاك، رزمة من التحذيرات حيال إمكانية تحول شبه جزيرة سيناء إلى مرتع «للإرهاب والإرهابيين» الذين يريدون، وبالتنسيق مع «حماس» و»الجهاد الإسلامي» وبعض القوى السلفية في غزة، المساس بـ «أمن إسرائيل»، وذلك بهدف «تحصين» اتفاقية كامب ديفيد، والضغط على القوى السياسية المصرية، وبالأخص حركة «الإخوان المسلمين» التي حازت الأغلبية في مجلس الشعب لاحقاً، لإشهار الالتزام بهذه الاتفاقية التي شكلت القاعدة والعنوان الأبرز لكل الموبقات التي ارتكبت خلال العهد السابق. غير أن «عملية إيلات وما تلاها من تظاهرات عارمة أمام السفارة الإسرائيلية في القاهرة في أيلول (سبتمبر) الماضي، ومن تفجيرات متكررة لأنابيب الغاز المتجهة إلى إسرائيل دفعت إلى رفع مستوى التهويل والتهديد الإسرائيليين إلى درجة تشبيه نتانياهو أراضي سيناء بمنطقة الغرب الأميركي خلال القرن التاسع عشر التي كان يغيب عنها القانون، حيث تستغل ما أسماه «جماعات إرهابية» من «حماس» و»الجهاد الإسلامي» و»القاعدة» الوضع السائد، بمساعدة من إيران، لتهريب وجلب السلاح لشن هجمات على إسرائيل.

وبناء على ذلك، وتحت ذريعة فقدان السلطات المصرية سيطرتها على سيناء، قام الجيش الإسرائيلي بتعزيز قواته على الحدود مع مصر، ونشر فرقة «غولاني» للمرة الأولى هناك، وزوَد القوات بمركبات «هامر» تحمل أجهزة رصد وإطلاق نيران تلقائية، فيما ارتفعت الدعوات الإسرائيلية لعبور الحدود المصرية بحجة تأمينها، واحتلال ما بين 5 أو 7 كيلومتر مربع من أراضي الجزيرة المصرية بدعوى تأمين الحدود التي تشهد وتيرة بناء مذهلة للجدار الفاصل ما بين الجانبين، وذلك قبل أن يتجه الخطاب الإسرائيلي إلى نزع برقع الديبلوماسية، بعيد إعلان الجانب المصري إلغاء اتفاق الغاز، وتتحد الحكومة والمعارضة على إطلاق نار سياسية عنيفة ضد المصريين، وصلت إلى حدود وصف زعيم المعارضة وحزب «كديما»، شاؤول موفاز، القرار المصري بـ»التدهور غير المسبوق في العلاقات، والخرق الصارخ لاتفاقية السلام»، وتنبيه عضو الكنيست بنيامين بن إليعازر، إلى أن إلغاء مصر اتفاقية الغاز «مؤشر جديد إلى إمكان قيام مواجهة» بين الدولة العبرية والمصريين، وتقديم وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان وثيقة لرئيس الوزراء نتانياهو حول ما أسماه «الأخطار الإستراتيجية المحتملة جرَاء الثورة في مصر»، جاء فيها إن «الشأن المصري أشد إقلاقاً من إيران»، ما يفرض «اتخاذ قرار سياسي شجاع، لإعادة بناء قيادة المنطقة الجنوبية من خلال إعادة إقامة الفيلق الجنوبي الذي تم حلّه بعد اتفاق السلام، وإدراج ثلاثة أو أربعة ألوية اختصاصية للجنوب، وكذا تخصيص الموازنات اللازمة وإعداد الرد الإسرائيلي على سيناريوات محتملة في المستقبل».

ومع أن العنوان المرسل إليه هذا التصعيد الإسرائيلي هو النظام المصري المقبل الذي يجب وضعه تحت الضغط الشديد، لإعلان التزامه الكامل وربما «المطلق» باتفاقية كامب ديفيد، غير أن ثمة قطبة مخفية في ثناياه تشي بأن حكومة نتانياهو، أو الحكومة المقبلة في حال حدوث انتخابات مبكرة في الدولة العبرية، ربما تعمل على الوصول إلى ترتيبات أمنية وسياسية معينة مع حكومة «حماس» في غزة لدفع المخاطر التي يمكن أن تهب من سيناء باتجاه الداخل المصري، لا سيما بعد الإشارات التي صدرت عن القيادي في «حماس» محمود الزهار حول ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية على أي شبر من أراضي فلسطين، والتي ينبغي أن تصب، وفق القراءة الإسرائيلية، في خانة الدعوة المتكررة إلى اعتبار قطاع غزة هو الدولة الفلسطينية المستقلة.

مأمون الحسيني كاتب فلسطيني