
Super User
الاستعمار الاستيطاني الصهيوني
أهدافه وآلياته وسماته الأساسية
تنطلق الحركة الصهيونية من أن اليهود شعب واحد بلا أرض، وأن فلسطين أرض بلا شعب، ومن ثم، يرى الصهاينة أن فلسطين هي المسرح الذي يتحقق فيه المشروع الصهيوني، وأنها في واقع الأمر ملك للشعب اليهودي سواء كان يشغلها الفلسطينيون أم لا.
ووضع هذه الرؤية الأسطورية موضع التنفيذ لم يكن أمرًا سهلاً، إذ إن المستوطنين الصهاينة حلوا في أرض لا يعرفونها، وهي أرض مأهولة بالسكان، ومن هنا كان من الضروري أن ينظموا أنفسهم بطريقة صارمة، وأن تكون لهم مؤسساتهم الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية لوضع المشروع الصهيوني موضع التنفيذ.
فتم تأسيس الوكالة اليهودية، ومهمتها القيام بمعظم عمليات التخطيط والتطبيق الفعلي لهجرة وتدريب المستوطنين، وتأمين كل ما يحتاجونه من وسائل وأدوات إنتاج وخدمات للمهاجرين، وكانت مهمة الصندوق القومي اليهودي شراء الأرض لصالح اليهود، وتعتبر المؤسسة العسكرية والتنظيمات شبه العسكرية من أبرز القواعد التي تضطلع بتطبيق المخطط الاستيطاني الصهيوني والمحافظة على استمرار العملية الاستيطانية وحمايتها فتقوم المؤسسة العسكرية بتعبئة الجماهير، وتجنيدهم حول فكرة الاستيطان باعتبارها المثل الأعلى للمواطن الإسرائيلي، أما التنظيمات العسكرية وشبه العسكرية مثل: الهاجاناه والناحال والجدناع، فتقوم بأدوار الحراسة والأدوار الأمنية ورفع الروح المعنوية.
ويمكن القول بأن الأهداف والسمات الأساسية للاستيطان الصهيوني هي ما يلي:
1- يهدف الاستيطان الصهيوني إلى أن تحل الكتلة البشرية الصهيونية الواحدة محل السكان الأصليين، فهو استعمار إحلالي، وانحلالية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني.
2- حددت منظمة الهاجاناه جوهر الاستراتيجية الاستيطانية عندما أكدت عام 1943م أن الاستيطان ليس هدفًا في حد ذاته، وإنما هو وسيلة الاستيلاء السياسي على البلد، أي فلسطين، وقد استمرت هذه السياسة قبل وبعد عام 1948م أي أنها العنصر الأساسي الثابت في الاستراتيجية الصهيونية، ومن ثم عرف بن جوريون الصهيونية بأنها الاستيطان، وهو محق في ذلك تمامًا، ولذا يمكن القول بأن الاستيطان هو نفسه التوسع الصهيوني، لايوجد أي فاصل بينهما.
وهذه هي السمة البنيوية الثانية من سمات الاستيطان الصهيوني.
3- ثمة سمة بنيوية ثالثة يتسم بها الاستيطان الصهيوني هي أنه ليس مشروعًا اقتصاديًا، وإنما مشروع عسكري استراتيجي، ولذا فهو لا يخضع لمعايير الجدوى الاقتصادية، ولا بد أن يمول من الخارج، يمكن أن يكون الدياسبور اليهودية الثرية (أي الجماعات اليهودية في العالم أو الراعي الإمبريالي).
4- يتسم الاستيطان الصهيوني بأنه استيطان جماعي عسكري بسبب الهاجس الأمني (استجابة لمقاومة السكان)، ولأن جماعة المستوطنين ترفض الاندماج في المحيط الحضاري الجديد الذي انتقلت إليه وتساهم علميات التمويل من الخارج في تعميق هذه السمة.
5- ارتبط انتشار المستوطنات بحركة الهجرة اليهودية، وهو ما جعل استراتيجبة الاستيطان تتخذ خطًا متوازيًا مع الخطوات التي قطعها المشروع الصهيوني لجذب المهاجرين اليهود واقتلاعهم من البلاد التي أقاموا فيها.
6- من الملاحظ أن المؤسسات الاستيطانية الصهيونية تقف على رأسها بدلاً من أن تقف على قدميها (ويمكن أن نسميها الهرم الاستيطاني الصهيوني المقلوب)، فقد كان هناك مزارع الكيبوتس، وهي تنظيمات زراعية هدفها الاستيلاء على الأرض التي ستزرع، وتكوين طبقة مزارعين يهود، كما كان هناك الهستدروت، وهي نقابة عمال تهدف إلى خلق الطبقة العمالية، وذلك على خلاف النقابات العمالية التي لا تظهر إلا كتعبير عن وضع قائم بالفعل. ثم كانت هناك جماعات الحراس المختلفة مثل: الحارس والهاجاناه والبالماخ، وهي تنظيمات عسكرية تهدف إلى خلق الشعب اليهودي، أي أن الجيش يسبق الشعب ،أو كما قال شاعر إسرائيلي: كل الشعوب تملك سلاح طيران إلا في "إسرائيل" حيث يوجد سلاح طيران يملك شعبًا، بل إن الجامعة العبرية نفسها أسست بادئ الأمر كمبان وهيئة تدريس في انتظار الطلبة، ويمكن سحب هذا المنطق على كل الحركة الصهيونية فهي قد بدأت بتأليف الحكومة التي كان هدفها الأساسي إقامة الدولة التي كانت ترمي أساسًا إلى تجميع السكان: حكومة، فدولة، فشعب، وما من شك في أن هذا يعود إلى أن الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة هي صيغة غير يهودية تم تهويدها لتجنيد المادة البشرية التي رفضت هذه الصيغة أو تملصت منها، كما أن الأصول الطبقية لبعض العناصر البشرية المستوطنة صعبت عليهم الاضطلاع بوظائف معينة، ولذا كان حتميًا أن يسبق عملية الاستيطان مؤسسات استيطانية مختلفة مهمتها جذب المستوطنين وتدريبهم، كما أن من أهم سمات الاستيطان الصهيوني أن الكيان الاجتماعي الصهيوني في فلسطين لم يكن متكاملاً، بل كان في مرحلة بداية التكون والتشكل، ولم يكن هدف المستوطنين الاندماج في المجتمع القائم، بل إقامة كيان اجتماعي وسياسي مستقل.
ويعد عام 1967 لحظة فارقة في تاريخ الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، إذ ضمت الدولة الصهيونية مساحات شاسعة من الأراضي، وقررت الاحتفاظ بها، وتأسيس المستوطنات فيها رغم وجود كثافة سكانية فلسطينية فيها، ومن ثم تحول الاستعمار الاستيطاني الصهيوني من استعمار استيطاني إحلالي إلى استعمار استيطاني مبنى على الآبار تهايد، وفكرة المعازل البشرية للسكان الأصليين، ولكن مع هذا لم تتغير الثوابت الاستراتيجية الصهيونية، وإن اختلفت الأهداف والآليات بسبب تغير الظروف.
ويمكن تحديد أهداف الاستيطان الصهيوني في الأراضي المحتلة بعد عام 1967 بما يلي:
1- تهيئة الفرصة لوجود عسكري إسرائيلي سواء من خلال قوات الجيش الرئيسية أو عن طريق الاستعانة بمستوطنين مسلحين يتبعون هذه القوات، أو باستخدام وحدات من جيش الاحتلال يتم نشرها.
2- أن تكون المستوطنات رأس جسر لكسب مزيد من الأرض من خلال نزع الملكية أو سبل أخرى أكثر دهاء، مثل: إزالة المزروعات، واقتلاع الأشجار، ورفض التصريح بإقامة مبان جديدة أو إصلاح المباني القديمة.
3- خلق الحقائق الاستيطانية الجديدة في الأراضي المحتلة بحيث تصبح العودة إلى حدود عام 1967م مستحيلة، ومما يجدر ذكره أن الاستيطان قام دائمًا بدور أساسي في رسم حدود الكيان الصهيوني وخصوصًا منذ بداية عرض خطط تقسيم فلسطين في النصف الثاني من الثلاثينيات وصولاً إلى صدور قرار تقسيمها سنة 1947، ولا شك في أن الإسرائيليين يطمعون في أن يقوم الاستيطان الجديد بدور مماثل في توسيع حدود كيانهم، واستهدفت السياسة الاستيطانية بناء خط من المستوطنات من الجولان حتى شرم الشيخ مرورًا بغور الأردن، وأهم مشروع استيطاني كان مشروع إيجال آلون الذي استهدف بناء حاجز بين الضفتين الغربية والشرقية وتصحيح الحدود وتعديل مسار الخط الأخضر وتجزئة الضفة الغربية إلى منطقتين.
4- إيجاد القاعدة البشرية من المهاجرين اليهود من مختلف أنحاء العالم.
5- بعد فشل الصهاينة في إقناع الفلسطينيين عن طريق شراء الأراضي والإرهاب بترك الأرض بحيث تصبح أرضًا بلا شعب، قرر الصهاينة اللجوء إلى أسلوب الآبار تهايد التقليدي، وهو تأسيس المعازل، ومن ثم أصبح من أهم أهداف المستوطنات قطع التواصل بين مناطق سكنى الفلسطينيين بحيث ينقطع الاستمرار بين المراكز السكانية الفلسطينية الأساسية، أي أن وظيفة المستوطنات أصبحت تحويل الضفة الغربية إلى كانتونات ممزقة مفصولة بعضها عن بعض ولا تربطها سوى ممرات محدودة تحيط بها من كل جانب المستوطنات والثكنات العسكرية للجيش الإسرائيلي بحيث لا يستطيع الفلسطينيون التحرك بحرية داخل الأراضي المحتلة، وبالفعل قامت المستوطنات الموزعة في كتل أو أطواق بخدمة استراتيجية الفصل والوصل الاستيطانية، فالأطواق الاستيطانية المحيطة بالقدس تؤمن التواصل فيما بينها وبين القدس الغربية، وتفصل القدس الشرقية عن سائر الضفة، كما تفصل شمال الضفة عن جنوبها في آن واحد، كما أن الشريط الاستيطاني المحاذي للخط الأخضر يشكل استمرارًا إقليميًا لفلسطين المحتلة سنة 1948م، وعازلاً بين الفلسطينيين على جانبي الخط على غرار الهدف الذي حدده دروبلس لخطة "الكواكب السبعة"، وينطبق الأمر نفسه على كتلتي الاستيطان في جنوب مرتفعات الجولان وشمالها وعلى كتلة مستوطنات إيرز الناشئة في شمال قطاع غزة، أما كتلة قطيف الاستيطانية في جنوب القطاع فتشكل تطويقًا لمدن القطاع وعازلاً صهيونيًا على الحدود الفلسطينية المصرية.
وشهد الاستيطان الإسرائيلي خلال هذه الفترة تقلبات في الوتيرة وتغيرات في التركيز الجغرافي تعود أساسًا إلى اختلاف الحزب/ الائتلاف الحزبي الحاكم، وبالتالي اختلاف تكتيكه الاستيطاني باختلاف نظرته السياسية الأمنية إلى الأراضي المحتلة ومستقبلها، ومع ذلك فإن الخريطة الاستيطانية الراهنة جاءت نتاجًا للتفاعل والتجاذب بين هذا التباين التكتيكي والإجماع القومي الاستراتيجي الذي يلف مختلف الأحزاب الصهيونية (عدم العودة إلى حدود 1967، وخصوصًا تهويد القدس وضمها إلى إسرائيل).
ففي بداية الاستيطان بعد حرب يونيه 1967 كان هناك منطق سياسي وراء إنشاء المستوطنات، إذ تم تحضيرها استنادًا إلى الخطة التي وضعها بيجال آلون، وعلى أساس الاحتياجات الأمنية الحيوية لدولة "إسرائيل"، وأصبحت هذه الخطة منذ أن وضعت الموجه الأساسي لسياسة حزب العمل تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما كانت الموجه الأساسي لنمط الحلول السياسية التي تقترحها أو تقبلها "إسرائيل".
ولكن حتى حكومات حزب العمل خرجت عن معايير مشروع آلون، إما خضوعًا للملتزمين حين أنشأوا مستعمرة كريات أربع في الخليل، أو نزوة وزير الدفاع موشي ديان، الذي أنشأ مستعمرة يميت في سيناء، أو نتيجة صراعات داخلية بين إسحق رابين، وشمعون بيريز في عهد حكومة رابين الأولى، حيث حدث توسع في مناطق معينة في الضفة الغربية لا تشملها خطة آلون، ولكن سلوكها كان محكومًا بالمنطق الداخلي لبنية الاستيطان الصهيوني التي تتجه نحو المزيد من ضم الأراضي والتوسع.
والخروج على قواعد خطة آلون في عهد حزب العمل كان بمنزلة قطرات خفيفة نسبيًا، ولكن هذه القطرات تحولت في عهد حكومات الليكود إلى طوفان، وبعد إخلاء مستعمرة يميت إثر توقيع الصلح المصري الإسرائيلي، وبعد الفشل في حرب لبنان عام 1982، أرادت حكومات حزب الليكود أرضاء ناخبيها فضاعفت زخم الاستيطان، ولم يعارض حزب العمل ذلك، وغطى موافقته آنذاك بموقف سياسي يقول "ضمن العلاقات السلمية من الممكن أن تظل مستوطنات يهودية تحت السيادة العربية، كما توجد مدن وقرى عربية تحت السيادة الإسرائيلية".
لقد جاءت المحصلة الاستيطانية منسجمة مع جوهر الاستراتيجية الاستيطانية الصهيونية سواء من جهة انتشار المستوطنات أو تركيزها، فمن جهة الانتشار غطت المستوطنات مختلف أنحاء الأراضي العربية المحتلة بهدف إحكام السيطرة عليها فأقيمت مستوطنات لا مبرر أمنيًا لها، ولا جدوى اقتصادية لها مثل مستوطنة نتساريم في غزة، وهذه حال المستوطنات التي أقامها المعراخ في وسط الجولان إثر حرب 1973، والمستوطنات التي نثرها الليكود في سائر أنحاء الضفة خارج مناطق الأمن.
خبراء صهاينة: الأوضاع الأمنية ستضطرنا لاستعادة أجزاء من سيناء
نشر مركز "بيجن – السادات" للدراسات الإستراتيجية في جامعة بار إيلان دراسة تحت عنوان " الثورات العربية 2011 والأمن القومي الصهيوني"، اعتبر فيها أن الثورات العربية وخصوصاً المصرية خلقت وضعا أمنياً هو الأسوأ والأكثر خطورة بالنسبة للكيان الصهيوني منذ نهاية الحرب الباردة.
وجاء في الدراسة أن الاحتلال الصهيوني سيضطر في ظل ظروف معينة إلى استعادة أجزاء من شبه جزيرة سيناء في ظل حكم الرئيس المصري الجديد محمد مرسي، في حال استمر تدهور الوضع الأمني.
ووصفت الوضع الأمني في سيناء بـ "المريع"، وقالت إن المسلحين هناك يسهل عليهم ايجاد ملاذ آمن، داعية الحكومة الصهيونية إلى تشديد الإجراءات الأمنية على طول الحدود المصرية.
وأضافت أنه رغم تدهور البنية الأمنية في الجوار، إلا أن الكيان الصهيوني يبقى "دولة قوية"، معتبرة بأن الفرق بين قوة الكيان وجيرانه هو الأكبر من أي وقت مضى.
وقدمت الدراسة توصيات لصناع القرار في السياسة الصهيونية في التعامل مع هذه التغييرات، من بينها "زيادة نفقات الدفاع، وزيادة حجم الجيش النظامي، وزيادة الاستثمار في مجال الدفاع الصاروخي وقوة سلاح البحرية والبحث والتطوير".
وأشارت إلى أنه يجب ينبغي البحث عن حلفاء إقليميين جدد، والحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة، والإصرار على حدود يمكن الدفاع عنها في أي "مفاوضات سلام" مع سورية أو الفلسطينيين.
ولفتت النظر إلى انخفاض مكانة الولايات المتحدة كوسيط إقليمي في المنطقة بعد انسحابها من العراق وقرارها الانسحاب من أفغانستان، ومشاركتها ولو بشكل هادئ في مسألتي إيران وسورية، وهجرتها للحكام الحلفاء من العرب في الثورات ضدهم، وقالت إن هذه التصرفات تظهر الأميركيين كضعفاء.
الامام الخمیني و یوم القدس العالمي
مع اطلالة الجمعة الاخیرة من شهر رمضان الكریم من كل عام، یستعد المسلمون على امتداد العالم بآذان صاغیة، وقلوب والهة، وعقول مستجیبة لتلبیة النداء الذی اطلقه امام القدس والامة روح الله الموسوی الخمینی الراحل (قدس سره)، حین دعا الى اعتبار هذا الیوم یوما عالمیا للقدس، یلتقی فیه المسلمون المؤمنون من شتى البقاع والاصقاع لیجددوا الولاء والوفاء لقضیتهم المركزیة وللقدس الشریف التی بقی الامام الخمینی الراحل یوصیهم بها طول حیاته لیخرجها من دائرة النسیان والاهمال التی اراد لها بعض الحكام فی عالمنا العربی والاسلامی.
فی السابع من آب عام 1979وبعد بضعة شهور من انتصار الثورة الإسلامیة فی إیران، أطلق الإمام الخمینی الراحل (قدس سره) نداءه التاریخی باعلان آخر جمعة من شهر رمضان المبارك یوما عالمیا للقدس. وبعد مرور اكثر من 28 عاما على ذلك النداء ما زال صدى صوت الامام الراحل یتردد فی الامة الاسلامیة، وما زالت الجماهیر تلبی نداءه كل عام عبر احیاء مراسم یوم القدس العالمی بتظاهرات ومسیرات تظهر قوة المسلمین وغضبهم على الكیان الاسرائیلی الغاصب، ونصرتهم للشعب الفلسطینی المظلوم.
ما زال صدى صوت امام القدس یتردد حین قال: أدعو جمیع مسلمی العالم إلى اعتبار آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، التی هی من أیام القدر ویمكن ان تكون حاسمة أیضا، فی تعیین مصیر الشعب الفلسطینی، یوما للقدس، وان یعلنوا من خلال مراسم الاتحاد العالمی للمسلمین، دفاعهم عن الحقوق القانونیة للشعب الفلسطینی المسلم.
جاءت هذه الدعوة، حضا للمسلمین، على القیام بخطوة عملیة تجاه القدس، وتوجیها لعملهم وأفئدتهم نحو بیت المقدس، لتتحول الجمعة الأخیرة من شهر رمضان المبارك، إلى یوم عالمی للقدس، هو فی الوقت نفسه، یوم مواجهة المستضعفین مع المستكبرین، حیث قال الإمام الراحل فی ندائه:
یوم القدس یوم عالمی، لیس فقط یوما خاصا بالقدس، انه یوم مواجهة المستضعفین مع المستكبرین، انه یوم مواجهة الشعوب التی عانت من ظلم أمیركا وغیرها، للقوى الكبرى، وانه الیوم الذی سیكون ممیزا بین المنافقین والملتزمین، فالملتزمون یعتبرون هذا الیوم، یوما للقدس، ویعملون ما ینبغی علیهم، أما المنافقون، هؤلاء الذین یقیمون العلاقات مع القوى الكبرى خلف الكوالیس، والذین هم أصدقاء (لإسرائیل)، فانهم فی هذا الیوم غیر آبهین، أو انهم یمنعون الشعوب من إقامة التظاهرات.
لقد بین الإمام الخمینی الراحل (قدس سره) موقع الجهاد من أجل القدس، فی تحدید معالم المعركة بین المستضعفین والمستكبرین، وهو ما تتكشف معانیه فی یوم القدس، الذی اعتبره یوما یجب ان تتحدد فیه مصائر الشعوب المستضعفة، یوما یجب ان تعلن فیه الشعوب المستضعفة عن وجودها فی مقابل المستكبرین.
وهو كما رآه الامام الراحل یوم إحیاء الإسلام، ویوم حیاة الإسلام، حیث یجب على المسلمین ان یصحوا ، وان یدركوا مدى القدرة التی یتملكونها سواء المادیة منها أم المعنویة، كما قال الامام: ملیار مسلم وهم یملكون دعما إلهیا، والإسلام سندهم، والإیمان سندهم، فمن أی شیء یخافون ؟.
لقد أكد الإمام الخمینی الراحل ( قدس سره) على متابعة إحیاء یوم القدس، لما رآه فیه من معان عظیمة تتعلق بالوحدة الإسلامیة التی دعا إلیها على الدوام، وبالجهاد من أجل القدس، التی احتلت حیزا واسعا من تفكیره واهتمامه. وهو الذی كان یقول دائما: القدس ملك المسلمین، ویجب ان تعود إلیهم، معتبرا ان واجب المسلمین ان یهبوا لتحریر القدس، والقضاء على شر جرثومة الفساد هذه عن بلاد المسلمین.
وهو القائل ایضا: نسأل الله ان یوفقنا یوما للذهاب إلى القدس، والصلاة فیها ان شاء الله، وآمل ان یعتبر المسلمون یوم القدس، یوما كبیرا، وان یقیموا التظاهرات فی كل الدول الإسلامیة، فی یوم القدس، وان یعقدوا المجالس والمحافل، ویرددوا النداء فی المساجد. وعندما یصرخ ملیار مسلم، فان إسرائیل ستشعر بالعجز، وتخاف من مجرد ذلك النداء.
القضیة الفلسطینیة في كلام الإمام الخمیني(قدس سره)
القـدس وفلسـطين
- بيت المقدس ملك للمسلمين وقبلتهم الأولى.
- على الجميع أن يعلموا أن هدف الدول الكبرى من إيجاد إسرائيل لا يقف عند احتلال فلسطين، فهؤلاء يخططون -نعوذ بالله- للوصول بكل الدول العربية إلى نفس المصير الذي وصلت إليه فلسطين.
- ألم يدرك القادة بعد، أن المفاوضات السياسية مع الساسة المحترفين والجناة التاريخيين، لن تنقذ القدس ولبنان، وأنّها تزيد الجرائم والظلم.
- نحن ندعم وبشكل كامل نضال الأخوة الفلسطينيين والسكان في جنوب لبنان ضد إسرائيل الغاصبة.
- نحن سنكون على الدوام حماةً للأخوة الفلسطينيين والعرب.
- يجب علينا أن ننهض جميعاً للقضاء على إسرائيل، وتحرير الشعب الفلسطيني البطل.
- إن من الضروري إحياء يوم القدس المتزامن مع ليلة القدر من قبل المسلمين ليكون بداية لصحوتهم ويقظتهم.
- على المسلمين أن يعتبروا يوم القدس يوماً لجميع المسلمين، بل لجميع المستضعفين.
- إن تحرير القدس، وكف شر هذه الجرثومة الفاسدة عن البلاد الإسلامية هو في الأساس واجب كل المسلمين.
- إن مسألة القدس ليست مسألة شخصية، وليست خاصة ببلدٍ ما، ولا هي مسألة خاصة بالمسلمين في العصر الحاضر، بل هي قضية كل الموحدين والمؤمنين في العالم، السالفين منهم والمعاصرين واللاحقين.
- القدس ملك المسلمين ويجب أن تعاد إليهم.
- يوم القدس هو يوم الإسلام.
- يوم القدس هو اليوم الذي يجب أن يتقرر فيه مصير الشعوب المستضعفة.
- يوم القدس يوم عالمي، لا يختص بالقدس فقط، إنه يوم مواجهة المستضعفين للمستكبرين.
- يوم القدس، يوم يجب أن يحيا فيه الإسلام.
- يوم القدس يوم حياة الإسلام.
الكيـان الغاصب للقـدس ((إسرائيل))
- إنني أرى أن تأييد مشروع قيام إسرائيل والاعتراف بحدود لها، فاجعة بالنسبة للمسلمين وكارثة بالنسبة للدول الإسلامية.
- إن الكيان الإسرائيلي الغاصب، مع ما يطمح من أهداف يمثل خطراً عظيماً على الإسلام وبلاد المسلمين.
- على الأخوة والأخوات أن يدركوا أن أمريكا وإسرائيل معاديتان للإسلام من الأساس.
- إن الحلم المجنون لإسرائيل الكبرى، يدفع هؤلاء الصهاينة لارتكاب أية جريمة.
- لتعلم الشعوب العربية، والأخوة اللبنانيون والفلسطينيون بأن كل مآسيهم إنما هي بسبب إسرائيل وأمريكا.
- إن إسرائيل تعتبر بنظر الإسلام والمسلمين وكلّ الموازين الدولية غاصبة ومعتدية، ونحن نرى أن من غير الجائز التهاون والتساهل في الوقوف بوجه اعتداءاتها.
- لقد قلت مراراً ولابدّ أنكم سمعتموني: أن إسرائيل لن تكتفي بهذه الاتفاقيات، وإنها تعتبر الحكومات العربية من النيل إلى الفرات حكومات غاصبة.
- إسرائيل يجب أن تمحي من صفحة الوجود.
- على كل مسلم أن يعد نفسه لمواجهة إسرائيل.
- لا تدعموا إسرائيل عدوة الإسلام والعرب، فهذه الأفعى الضعيفة إذا اشتدت، لن ترحم صغيراً ولا كبيراً.
- على جميع أحرار العالم المؤيدين للأمة الإسلامية، أن يدينوا اعتداءات إسرائيل غير الإنسانية.
- سوف نرفض إسرائيل، ولن يكون لنا معها أيّة علاقة، فهي كيان غاصب ومعاد لنا.
- إنني أعلن لجميع مسلمي العالم ولجميع الدول الإسلامية أينما كانوا، أن الشيعة الأعزاء منتفرون من إسرائيل وعملائها، ومنتفرون من الحكومات المساومة لإسرائيل.
- لن تكون لنا علاقات مع إسرائيل لأنها غاصبة ومحاربة للمسلمين.
- لقد اغتصبت إسرائيل حقوق العرب، وسوف نقف ضدها.
- إن إسرائيل في حالة حرب ضد المسلمين، وهي غاصبة لأراضي إخواننا، لذا فلن نبيعها النفط.
- إسرائيل مرفوضة عندنا، لن نبيعها النفط أبداً، كما أننا لن نعترف بها رسميا مطلقاً.
- ما لم تثر الشعوب الإسلامية ومستضعفو العالم ضد الاستكبار العالمي وربائبه وخصوصا إسرائيل الغاصبة، فإن أولئك لن يكفوا أيديهم المجرمة عن البلدان الإسلامية.
- إسرائيل غاصبة وعليها أن تغادر فلسطين سريعاً، والحل الوحيد لإعادة الاستقرار إلى المنطقة هو قيام الأخوة الفلسطينيين بأسرع ما يمكن بمحو هذه الجرثومة الفاسدة وقطع جذور الاستعمار.
- إن على حكومات الدول الإسلامية النفطية، استخدام نفطها ومنابعها الأخرى كحربة ضد إسرائيل والمستعمرين.
- على المسلمين عموما والحكومات الإسلامية خصوصاً مواجهة جرثومة الفساد (إسرائيل) بأي نحو ممكن.
- لقد زرعت جرثومة الفساد (إسرائيل) في قلب العالم الإسلامي بدعم من الدول الكبرى، وصارت جذور فسادها تطال الدول الإسلامية تدريجيا، لذا وجب اقتلاع جذورها بهمة الدول الإسلامية والشعوب الإسلامية الكبيرة.
مؤتمر المعارضة السورية في القاهرة يختتم اعماله باشتباكات
تحول اجتماع المعارضة السورية في القاهرة يوم 3 يوليو/تموز، الذي كان يهدف الى توحيد أطياف المعارضة، الى ساحة للمشاجرات والمشادات وتبادل الالفاظ النابية والاشتباك بالايدي ، الأمر الذي يثير شكوكا حول نجاح هذا المؤتمر، رغم اصداره وثيقة " العهد الوطني".
نشبت مشادات ومماحكات كلامية أثناء تلاوة نبيل العربي، الأمين العام للجامعة لنص وثيقة "الرؤية السياسية المشتركة لملامح المرحلة الانتقالية"، والتي أقرها مؤتمر المعارضة السورية. وحدثت المشادات التي تطورت إلى اشتباكات بالأيدي بين بعض المشاركين في المؤتمر، بسبب إقرار المؤتمر كل ما جاء بالوثيقة، باستثناء استخدام لفظ "الشعب الكردي" مما أدى إلى اعتراض الفصائل الكردية الأربع المشاركة في المؤتمر.
وانسحبت جماعة كردية سورية من الاجتماع مثيرة فوضى وصراخ من بعض المندوبين الذين هتفوا "فضيحة.. فضيحة". وتبادل بعض الرجال اللكمات وسارع عاملون بالفندق، الذي عقد فيه الاجتماع، الى ابعاد المناضد والمقاعد مع اتساع المشاحنات. وقال عبد العزيز عثمان من المجلس الوطني أن الاكراد انسحبوا لان المؤتمر رفض بندا يدعو للاعتراف بالشعب الكردي.
وأضاف ان هذا الامر ظالم وانهم لن يقبلوا التهميش بعد الان. من جانبه اكد جواد الخطيب وهو ناشط معارض يبلغ 27 عاما ان الوضع محزن جدا وستكون له عواقب سيئة على جميع الاطراف وسيسيء للمعارضة السورية ويحبط المحتجين على الارض. وقد نجح المسؤولون بالجامعة العربية في تهدئة الموقف وإقناع الوفد الكردي بالعودة إلى قاعة الاجتماع من جديد.
من جانبها اعلنت الهيئة العامة للثورة السورية، وهي احدى المكونات الرئيسية للمعارضة السورية، انسحابها من مؤتمر المعارضة، مبررة ذلك برفضها "الدخول في التجاذبات السياسية التي تتلاعب بمصير شعبنا وثورتنا وفق رؤى وأجندات تسمح بوضع ثورتنا بين سندان التجاذبات والصراعات الدولية ومطرقة نظام في سورية".
وشددت الهيئة على ان "الاهمية القصوى الان هي الاستمرار في تعزيز الوحدة الوطنية لقوى الثورة السورية وبشكل اساسي مع الجيش الحر في الداخل وتامين الدعم لهذا الخيار بكل السبل".
وكانت القيادة العامة للجيش السوري الحر في الداخل اعلنت يوم الاثنين مقاطعة المؤتمر واصفة اياه بـ"المؤامرة".
واشنطن ترسل تعزيزات عسكرية لمنطقة الخليج
خشية انتقام ايراني من الحظر النفطي المفروض عليها
خشية من خطوات انتقامية توجهها ايران ردا على الحرب الاقتصادية التي شنها الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة عليها بفرض حظر نفطي على توريد نفطها ، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الامريكية عن قيام الولايات المتحدة بارسال تعزيزات من سفن حربية وطائرات قتالية الى منطقة الخليج ، تحسبا لاقدام ايران على اغلاق مضيق هرمز .
وتاتي هذه التطورات اثر بدء الاتحاد الاوروبي ، في فرض حظر نفطي على توريد النفط الايراني ومنع زبائن ايران من شراء نفطها بهدف شن حرب اقتصادية اكثر ايلاما عليها من العقوبات السابقة ، وذلك في محاولة لابتزاز الموقف الايراني في مباحثات ملفها النووي وسعي الاوربيين والامريكيين للنيل من قوة المفاوض الايراني والحصول على تنازلات في مشروع ايران النووي .
هذا وكان ابراهيم اقا محمدي العضو في لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الايراني يوم الاثنين 2 يوليو/تموز قد اعلن ان اللجنة اعدت مشروع قانون حول منع ناقلات النفط من نقل النفط الخام عبر مضيق هرمز الى الدول التي اعلنت فرض العقوبات على ايران.
واكدت صحيفة " نيويورك تايمز " ، ان ارسال القوات الامريكية والتعزيزات العسكرية الاضافية ، يأتي تنفيذا للخطط الموجودة منذ فترة طويلة لتعزيز الحضور العسكري الامريكي في منطقة الخليج والتأكيد لاسرائيل على جدية نوايا الادارة الامريكية فيما يخص التعامل مع ايران. ونسبت الصحيفة الى مسؤول رفيع المستوى في الادارة قوله ان "الرئيس (الامريكي) عندما يقول ان هناك خيارات اخرى مطروحة الى جانب المفاوضات، فهو يقصد ذلك بالفعل".
وقالت "نيويورك تايمز" ان العنصر الأهم من هذه التعزيزات هو سفن حربية قادرة على زيادة القدرة على مراقبة مضيق هرمز واعادة فتحه في حال حاولت ايران منع نقل النفط من السعودية والدول المصدرة الاخرى عبر هذا المضيق ذي الاهمية الحيوية.
وقامت الولايات المتحدة بمضاعفة عدد السفن الكاسحة للالغام الموجودة بالمنطقة ليبلغ 8 سفن في خطوة وصفها المسؤولون العسكريون الامريكان بانها دفاعية بحتة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول رفيع في وزارة الدفاع الامريكية قوله ان "الرسالة الموجهة الى ايران (من خلال كل ذلك) هي انه لا يجب حتى التفكير في اغلاق المضيق".
بالاضافة الى ذلك نقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤول عسكري امريكي رفيع بان الولايات المتحدة و19 دولة اخرى ستجري مناورات كبيرة في الخليج شهر سبتمبر/ايلول القادم ستتركز على التدرب على ازالة الالغام، مشيرا ايضا الى ان دول المنطقة تتخذ مزيدا من الخطوات لتعزيز دفاعها، بما في ذلك شراء منظومات امريكية للدفاع الجوي وغيرها من الاسلحة.
وفي الوقت ذاته ذكرت الصحيفة ان ضباط القوات البحرية الامريكية يشيرون الى ان "الوضع كان هادئا في منطقة الخليج نسبيا خلال الشهرين الاخيرين".
وتاتي الاجراءات الامريكية في وقت اكد فيه المسؤولون الايرانيون وعلى راسهم قائد الثورة الاسلامية ان لاتنازل عن حق ايران في مشروعها النووي الذي يؤكدون بانه سلمي ولاوجود لابعاد عسكرية فيه ، فيما نفذت قوات حرس الثورة في سلاح القوة الصاروخية مناورتها لليوم الثاني على التوالي لتشمل اختبار قدراتها للرد على اي عدوان امريكي او اسرائيلي يستهدف البلاد .
هذا وكان قائد القوة الجوية في الحرس الثوري الايراني العميد أمير علي حاجي زاده قد اعلن امس الأحد ان " ايران ستزيل اسرائيل من على وجه الأرض ، وسترد بحزم على أي مشاكل تثيرها " دول متهورة ".
أضاف ان ايران ستستهدف القواعد الأمريكية في أفغانستان والبحرين والكويت والسعودية "وهي في مرمى صواريخنا وأسلحتنا" , في حال لجوء اسرائيل أو أمريكا الى القوة ضدها.
الحياة البرزخية - 2
حقيقة الإنسان; روحه ونفسه:و ما یشهد علیها:
الاول:الشخصيّة الإنسانيّة المعبّر عنها بالـ «أنا»:
لم يزل كلّ واحد منّا ينسُب جميعَ أفعاله إلى موجود نعبّر عنه بالـ «أنا» ويقول : «أنا فعلتُ» ... ، فإذن يقع السؤال حول تعيين الموضوع الذي تنسب إليه هذه الأفعال ، فما هو إذن؟ هل هو هذا الجسم المادّي ، أو شيء آخر وراء ذلك؟
ثم إنّنا ننسب أعضاءنا إلى شيء آخر وراء الجسم المادّي هذا ونقول : «رأسي» و «قلبي» و«بطني» و «قدمي» فهذه أعضاء رئيسية للجسم الماديّ «الإنسان» ، ومع ذلك فإنّنا ننسبها إلى شيء آخر وراء هذا الجسم المادّي .
وربما نتجاوز إلى أكثر من هذا فننسب نفس الجسم بأكمله إلى شيء آخر ، فنقول : «بدني» ، فإذن ما هذا المضاف إليه في جميع هذه الانتسابات ، من انتساب الأفعال والأعضاء والبدن بأكمله؟
وبما أنّ كلّ قضية تتركّب من موضوع ومحمول ، فبداهة العقل تحكم بأنّ لهذه المحمولات موضوعاً وإن لم يكن مرئياً إلاّ أنّنا ندركه من خلال هذه المحمولات .
فالنتيجة : أنّ الشخصية الإنسانية تكمن وراء جسمه وصورته الظاهرية .
الثانی:ثبات الشخصية الإنسانية في دوّامة التغييرات الجسدية :
إنّ كل واحد منّا يحس بأنّه باق في دوّامة التغيّرات والتحوّلات التي تطرأ على جسمه فيقول : أنا الذي كنت طفلا ، ثم يافعاً ، ثم شاباً ، ثم كهلا ، ثم شيخاً .
بل نرى أنه ينسب إلى نفسه الفعل الذي قام به قبل خمسين سنة ويقول : «أنا الذي كتبت هذا الخط يوم كنت طفلا» وهذا يعرب عن إدراكه بوجدانه أنّه هو الذي كتب ذلك الخط سابقاً .
وإذا كان التغيّر من صفات المادة ، والثبات والدوام من صفات الموجود غيرالمادّي ، نستكشف من ذلك أنّ واقع الإنسان غيرمادّي وثابت في جميع الحالات ، وهذا ما نعبّر عنه بالروح المجرّدة ، أو النفس المجرّدة .
الثالث :علم الإنسان بنفسه مع غفلته عن بدنه :
ترى الإنسان يغفل في ظروف خاصة عن كل شيء حتى عن بدنه وأعضائه، لكنّه لا يغفل عن نفسه ، وهذا برهان تجريبي يمكن لكلّ منّا القيام به ، وبذلك يصح القول بأنّ للإنسان وراء جسمه الماديّ حقيقة أُخرى ، حيث إنّه يغفل عن الأُولى ولايغفل عن الثانية، وبتعبير علمي: المغفول، غير المغفول عنه، وإليك توضيح ذلك:
إنّ إدراك هذه الحقيقة (يغفل عن كل شيء حتى جسمه ولا يغفل عن نفسه) يتوقف على ظروف خاصة بالشكل التالي :
1-أن يكون في جوّ لا يشغله فيه شاغل ولا يلفت نظره لافت .
2-أن يتصور أنّه وجد في تلك اللحظة بالذات وأنّه كان قبل ذلك عدماً ، وما هذا إلاّ ليقطع صلته بماضيه وخواطره قطعاً كاملا .
3-أن يكون صحيح العقل سليم الإدراك ، في تلك اللحظة .
4- أن لا يكون مريضاً لا يلفت المرض انتباهه إليه .
5- أن يستلقي على قفاه ويفرّج بين أعضائه وأصابع يديه ورجليه حتى لا تتلامس فتجلب انتباهه إليها .
6- أن يكون في هواء طلق معتدل لا حار ولا بارد ويكون كأنّه معلّق في الفضاء حتى لا يشغله وضع المناخ ، أو يلفته المكان الذي يستند إليه .
ففي هذه الحالة التي يقطع الإنسان كل صلاته بالعالم الخارجي عن نفسه تماماً ويتجاهل حتى أعضاءه الداخلية والخارجية ويجعل نفسه في فراغ من كل شيء وعندئذ يستشعر بذاته ، أي سيدرك شيئاً غير جسمه وأعضائه وأفكاره وبيئته التي أحاطت به ، وتلك هي «الذات الإنسانية» أي الروح أو النفس الإنسانية التي لا يمكن أن تفسّر بشيء من الأعضاء والحواس والقوى .
وهذه البينونة أظهر دليل على أنّ للإنسان وراء جسمه وأعضائه المغفول عنها في بعض الظروف ، حقيقة واقعية غير مغفول عنها أبداً ، وأنّ الإنسان ليس هو جسمه وأعضاؤه وخلاياه .
وقد لخّص الرازي هذا البرهان وقال : إنّي أكون عالماً بأنّي «أنا» حال ، أكون غافلا عن جميع أجزائي وأبعاضي ، والمعلوم ، غير ما هو غير معلوم فالذي أُشير إليه بقولي مغاير لهذه الأعضاء والأبعاض[1]
القرآن وحقيقة الشخصية الإنسانية :
إذا استعرضنا آيات القرآن الكريم نقف على أنها تدلّ تارة بوضوح وأُخرى بالإشارة على أنّ واقع الإنسان وشخصيته غير جسمه الماديّ ، ونحتج في المقام بآيات :
الآية الأُولى :
1- وقالُوا ءإذا ضَلَلْنا في الأرض ءإنّا لَفي خلَق جَديد بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرون.
2-قُلْ يَتوفّاكُمْ مَلَكُ المَوتِ الَّذي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ تُرجَعُون[2]
تدلّ هاتان الآيتان على «خلود الروح» بعد انحلال الجسد وتفكّكه وذلك بالبيان الآتي :
كان المشركون يستبعدون إمكانية عودة الإنسان بعد تفكّك جسمه الماديّ وتبدّده في التراب .
ولهذا اعترضوا على فكرة الحشر والنشر يوم القيامة فردّ القرآن الكريم هذا الاستبعاد والاعتراض بجملتين هما :
1- بَلْ هُمْ بِلِقاء رَبِّهمْ كافِرون.
2- قُلْ يَتوفّاكُمْ مَلَكُ المَوتِ.
فلا شك أنّ الجملة الأُولى ليست هي الجواب على اعتراضهم حول إمكانية إعادة المعدوم من أجزاء الجسد ، بل هي توبيخ لهم على إنكارهم لقاء الله وكفرهم بذلك ، وإنّما ترى الجواب الواقعي على ذلك في الجملة الثانية ، وحاصله هو : أنّ ما يضلّ من الآدمي بسبب الموت إنّما هو الجسد وهذا ليس حقيقةُ شخصيته ، فجوهر شخصيته باق ، وإنّ الذي يأخذه ملك الموت وينتزعه من الجسد ليس إلاّ الجانب الأصيل الذي به تناط شخصيته وهو محفوظ عندنا .
التوفّي في الآية ليس بمعنى الإماتة ، بل بمعنى الأخذ والقبض والاستيفاء ، نظير قوله سبحانه* : اللهُ يَتوفّى الأنفُسَ حِينَ مَوتِها* [3]وقوله تعالى : *وهوَ الّذي يتوفّاكُمْ بِالليلِ ويَعلَمُ ما جَرحْتُمْ بِالنَّهار* [4]ِ ومن قولهم «وافاه الأجل» وبعبارة أُخرى : لو ضلّ بالموت كلّ شيء من وجودكم لكان لاستبعادكم إمكان إعادة الإنسان وجه مقبول .
وأمّا إذا بقى ما به واقعيتكم وحقيقتكم وهي النفس الإنسانية والروح التي بها قوام الجسد ، فلا يكون لهذا الاستبعاد مبرّر; إذ تكون الإعادة حينئذ أمراً سهلا وممكناً لوجود ما به قوام الإنسان .
قال العلاّمة الطباطبائي في تفسير هذه الآية :
«إنّه تعالى أمر رسوله أن يجيب عن حجتهم المبنيّة على الاستبعاد ، بأنّ حقيقة الموت ليس بطلاناً لكم ، وضلالا منكم في الأرض ، بل ملَكُ الموت الموكَّل بكم يأخذكم تامّين كاملين من أجسادكم أي ينزع أرواحكم من أبدانكم ، بمعنى قطع علاقتها من الأبدان ، وأرواحكم تمام حقيقتكم ، فأنتم أي ما يعنى بلفظة «كُم» : محفوظون لا يَضَلّ منكم شيء في الأرض ، وإنّما تَضَلّ الأبدان ، وتتغيّر من حال إلى حال ، وقد كانت في معرض التغيّر من أوّل كينونتها ، ثم إنّكم محفوظون حتى ترجعوا إلى ربكم بالبعث ورجوع الأرواح إلى أجسادها .
وبهذا تندفع حجّتهم على نفي المعاد بضلالهم سواء أقُرّرت على نحو الاستبعاد أم قُرّرت على أنّ تلاشي البدن يُبطل شخصية الإنسان فينعدم ، ولا معنى لإعادة المعدوم ، فإنّ حقيقة الإنسان هي نفسه التي يحكي عنها يقول «أنا» وهي غير البدن ، والبدن تابع لها في شخصيته ، وهي تتلاشى بالموت ولا تنعدم ، بل محفوظة في قدرة الله حتى يؤذن في رجوعها إلى ربها للحساب والجزاء فيبعث على الشريطة التي ذكر الله سبحانه[5]
الآية الثانية :
قال سبحانه * يأيَّتُها النَّفسُ المُطمئِنَّةُ * ارجِعِي إلى ربِّكِ راضيةً مَرضَّيةً * فادخُلي في عِبادي * وَادْخُلِي جَنَّتي[6]
يخاطبها بخطاب ثم بخطاب آخر ويقول : ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ، وظرف الخطابين من حين نزول الموت إلى دخول جنة الخلد ، ثمّ يخاطبها بخطاب ثالث ورابع ويقول : فَادْخُلِي فِي عِبَادِي* وَادْخُلِي جَنَّتِي .وهما تفريعان على الخطاب الثاني الماضي أعني: ارجعي إلى ربِّك . . . وقوله: في عبادي يدلّ على أنّها حائزة مقام العبودية وفي قوله: «جنّتي» تعيين لمستقرّها وفي إضافة الجنة إلى ضمير التكلّم ، تعريف خاص ، ولا يوجد في كلامه تعالى إضافة الجنّة إلى نفسه تعالى وتقدّس إلاّ في هذه الآية[7]
ولو خُصَّ ظرف الخطاب بيوم البعث من لدن إحيائها إلى استقرارها في الجنة ، لما ضرّ بالاستدلال وإن كان على الوجه الأوّل أظهر .
والحاصل : فسواء قلنا بأنّ ظرف الخطاب هو زمان الموت أو زمان البعث ، فالمخاطب هو نفس الإنسان لا بدنه ولا أعضاؤه فتدلّ على أنّها واقعهُ والباقي كسوة عليها .
الآية الثالثة :
قال سبحانه : فَلَولا إذا بَلغتِ الحُلْقومَ * وأنتم حِينئذ تَنظُرُونَ[8]
وجه الدلالة : أنّ الحلقوم جزء من جسمه فهناك أمر آخر يبلغ الحلقوم عند الموت وليس إلاّ النفس التي تنتقل من دار إلى دار . ولو كانت حقيقة الإنسان هو جسده المادّي ، فلا معنى للبلوغ ولا للنزوع والخروج .
وبذلك يُعلم أنّ بعض ما سنستدل به في الفصل الآتي ، يدل ضمناً على ما نحن الآن بصدد بيانه ، ولأجل ذلك نقتصر في المقام على الآيات الثلاث ، ونحيل الاستدلال بغيرها إلى ما سيوافيك في المبحث القادم .
ما هي حقيقة النفس الإنسانية؟
إنّ كثيراً من القوى الطبيعية معروفة بآثارها لا بحقائقها ، فالكهرباء نعرفها بآثارها ، كما أنّ الذرّة أيضاً كذلك ، فالعالِم بالحقائق هو الله سبحانه ، وليس حظّ الإنسان في ذلك الباب إلاّ الوقوف على الآثار ، فإذا كانت هي حال القوى الكامنة في الطبيعة ، فالروح أولى بأن تكون كذلك
آیة الله جعفرسبحانی
[1] - مفاتيح الغيب 4 : 149
[2] - سجده-10 و11
[3] - زمر:42
[4] - انعام:60
[5] - تفسير الميزان 16 : 252
[6] - فجر:27تا30
[7] - تفسير الميزان 20 : 213 ; مجمع البيان 5 : 489
[8] - الواقعة : 83 ـ 84
الحیاة البرزخیة - 1
استمرار الحياة بعد الانتقال من الدنيا الی البرزخ:
هناک کثیر من الآیات وایضا الروایات متضافرة فی الدلالة علی الحیاة البرزخیه ولکن نحن فی هذا المجال، نذکر من الآیات ما یدل علیها:
الآية الأُولى:
قال سبحانه * اللهُ يَتوفّى الأنفُسَ حِينَ مَوتها والتَّي لَمْ تَمُتْ في منَامِها فَيُمسِكُ الّتي قَضَى عَليها الموتُ ويُرسِلُ الأُخرى إلى أجل مُسمّىً إنّ في ذلكَ لآيات لِقوم يتَفكَّرون*[1]
توضيح الاستدلال يتوقف على التمعّن في أمرين :
1-المراد بالأنفس هي الأرواح المتعلّقة بالأبدان لا مجموعهما; لأنّ المقبوض عند الموت ليس هو المجموع ، بل المقبوض هو الروح ، والآية تدلّ على أنّ الأنفس تغاير الأبدان حيث تفارقها وتستقلّ عنها وتبقى بحياله[2].
2-ان لفظة «يتوفّى» و «يمسك» و «يرسل» تدلّ على أنّ هناك جوهراً غير البدن المادّي في الكيان الإنساني ، وليس المراد من التوفّي في الآية إلاّ أخذ الأنفس وقبضها ، ومعناها أنّه سبحانه يقبض الأنفس إليه ، وقت موتها ومنامها ، بيد أنّ من قضى عليه بالموت يمسكها إلى يوم القيامة ولا تعود إلى الدنيا ، ومن لم يقض عليه به يرسلها إلى الدنيا إلى أجل مسمّى ، فأيّة دلالة أوضح من قوله أنّه سبحانه يمسك الأنفس ، فهل يمكن إمساك المعدوم أو أنّه يتعلّق بالأمر الموجود؟ وليس ذلك إلاّ الأنفس .
الآية الثانية:
قوله سبحانه : ولا تَقولُوا لِمَنْ يُقتَلُ في سَبيلِ اللهِ أمواتٌ بَلْ أحياءٌ ولكنْ لا تَشعُرون[3]
وقد جاء في أسباب نزولها ، أنّ المشركين كانوا يقولون : إنّ أصحاب محمّد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يقتلون أنفسهم في الحروب بغير سبب ثم يموتون فيذهبون ، فأعلمهم الله أنه ليس الأمر على ما قالوه ، بل هم أحياء على الحقيقة إلى يوم القيامة [4]
وأدب التفسير الصحيح يبعثنا على أن نفسّر الحياة بمعناها الحقيقي أي ما يفهمه عموم الناس من لفظة «حيّ» خصوصاً بقرينة الآية الثالثة; حيث أثبتت للشهداء الرزق والفرح والاستبشار كما سيجيء ، فتفسير الآية بأنّهم سيحيون يوم القيامة تفسير باطل; لأنّ الإحياء في ذلك اليوم عامّ لجميع الناس ولا يختصّ بالشهداء ، كما أنّ تفسير الحياة في الآية بمعنى الهداية والطاعة قياساً لها بقوله سبحانه* أوَ مَنْ كانَ مَيْتَاً فَأحيَيناهُ وجَعلْنا لَهُ نُوراً يَمشي بهِ في النّاس* [5]حيث جعل الضلال موتاً والهداية حياة قياس باطل; لوجود القرينة على تفسير الحياة بالهداية والموت بالضلال فيها دون هذه الآية .
وسيوافيك تفنيد هذين الرأيين عن الرازي في تفسير الآية الثالثة .
ومعنى الآية *ولا تَقولوا لِمَنْ يُقتلُ فِي سبيلِ اللهِ أمواتٌ* أي لا تعتقدوا فيهم الفناء والبطلان ، فليسوا بأموات بمعنى البطلان ، بل أحياء ولكن حواسّكم لا تنال ذلك ولا تشعر به .
وعلى ذلك فالآيتان تثبتان للشهداء حياة برزخية غير الحياة الدنيوية وغير الأُخروية ، بل حياة متوسطة بين العالمين .
الآية الثالثة:
قال سبحانه :
1-ولا تَحسبَنَّ الَّذينَ قُتِلُوا في سَبيلِ اللهِ أمواتاً بلْ أحياءٌ عندَ ربِّهِمْ يُرزَقُونَ
2-فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضلِهِ ويَستبشرونَ بِالَّذينَ لَمْ يَلْحَقُوا بهِمْ مِنْ خَلفِهِمْ ألاّ خَوفٌ عَلَيهمْ ولا هُمْ يَحزَنُونَ .
3- يَستَبشِرُونَ بِنعمة مِنَ اللهِ وفَضل وأنَّ اللهَ لا يُضيعُ أجْرَ المُؤمنين[6]
والآيات هذه صريحة ـ كلّ الصراحة ـ في بقاء الأرواح بعد مفارقتها الأبدان ، وبعد انحلال الأجسام وتفكّكها كما يتّضح ذلك من التمعّن في المقاطع الأربعة الآتية :
1- أحياءٌ عند ربّهم
2- يُرزَقون
3- فَرِحينَ
4-َستَبشِرونَ
فالمقطع الثاني يشير إلى التنّعم بالنعم الإلهية ، والثالث والرابع يشيران إلى النعم الروحية والمعنوية ، وفي الآية دلالة واضحة على بقاء الشهداء بعد الموت إلى يوم القيامة .
وقد نزلت الآية إمّا في شهداء بدر; وكانوا أربعة عشر رجلا; ثمانية من الأنصار ، وستّة من المهاجرين ، وإمّا في شهداء أُحد; وكانوا سبعين رجلا; أربعة من المهاجرين : حمزة بن عبد المطلب ، ومصعب بن عمير ، وعثمان بن شماس ، وعبد الله بن جحش ، والبقية من الأنصار ، وعلى قول نزلت في حقّ كلتا الطائفتين .
قال الرازي في تفسير الآية : إنهم في الوقت أحياء كأنّ الله أحياهم ، لإيصال الثواب إليهم ، وهذا قول أكثر المفسرين ، وهذا دليل على أن المطيعين يصل ثوابهم إليهم وهم في القبور .
ثم أشار إلى التفسيرين الآخرين الّلذين أوعزنا إليهما :
أحدهما : للأصمّ; حيث فسّر الحياة بالحياة الدينية ، وأنّهم على هدى من ربّهم ونور .
وثانيهما : لبعض المعتزلة ، وأنّ المراد من كونهم أحياء أنّهم سيُحيون .
ثم قال : إنّ أكثر العلماء على ترجيح القول الأوّل ، ثم فنّد الرأيين الأخيرين بوجوه نذكر بعضها :
1- لو كان المراد ما قيل في القول الثاني والثالث لم يكن لقوله : *ولكن لا تشعرون* معنى; لأنّ الخطاب للمؤمنين وقد كانوا يعلمون أنّهم سيحيون يوم القيامة ، وأنّهم على هدى ونور .
2- أنّ قوله : *ويستبشرون بالَّذِين لم يلحقوا بهم *
دليل على حصول الحياة في البرزخ قبل البعث ، أي : ويستبشرون بأُناس لم يلحقوا بهم وهم في الدنيا ، فإذا كان هذا ظرف الاستبشار فيكون هو ظرف الحياة ويكون قبل البعث .
3- لو كان المراد أحد المعنيين لا يبقى لتخصيص الشهداء بهذا فائدة; فإنّ غيرهم وكثيراً من غير الشهداء على نور وهدى من ربّهم .
وما أجاب به أبو مسلم أنّه سبحانه إنّما خصّهم بالذكر; لأنّ درجتهم في الجنّة أرفع ومنزلتهم أرفع ضعيف; لأنّ منزلة النبيّين والصدّيقين أعظم من الشهداء مع أنّه سبحانه ما خصّهم بالذكر[7]
الآية الرابعة:
قوله سبحانه : وجاءَ مِنْ أقْصَى المَدِينة رجلٌ يَسعَى قالَ يا قوم اتَّبِعوا المُرسَلِيَن * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسأَلُكمْ أجراً وهُمْ مُهتدُونَ * ومالِيَ لا أعبُدُ الَّذي فَطَرني وإلَيهِ تُرجَعُونَ * أأتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلهةً إنْ يُرِدْنِ الرَّحمنُ بُضرّ لا تُغْنِ عنِّي شَفاعتُهُمْ شَيئاً ولا يُنقِذونَ * إنيّ إذاً لفي ضلال مُبين * إنِّي آمَنتُ بِربِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قيلَ ادخُلِ الجَنَّةَ قالَ يا ليتَ قَومي يَعلَمونَ * بِما غَفَر لي رَبِّي وجَعَلني مِن المُكرَمِينَ * وما أنزَلْنا على قَومِهِ مِنْ بَعدِهِ مِنْ جُند مِنَ السَّماءِ وما كُنّا مُنْزِلِينَ * إنْ كانت إلاّ صَيحةً واحدةً فإذا هُمْ خَامِدُونَ* [8]
اتّفق المفسرون على أنّ الآيات نزلت في رُسل عيسى ، وقد نزلوا بأنطاكية داعين أهلها إلى التوحيد وترك عبادة غيره سبحانه ، فعارضهم من كان فيها بوجوه مذكورة في القرآن .
فبينما كان القوم والرسل يتحاجّون إذ جاء رجل من أقصى المدينة يدعوهم إلى الله سبحانه وقال لهم :
اتّبعوا معاشر الكفار من لا يطلبون منكم الأجر ولا يسألونكم أموالكم على ما جاءوكم به من الهدى ، وهم مهتدون إلى طريق الحق ، سالكون سبيله.
فإذا بالكفار قد هاجموه فرجموه حتى قتل .
ولكنّه سبحانه جزاه بالأمر بدخول الجنة بقوله: *قيلَ ادخُلِ الجَنَّة* فلمّا دخل الجنة خاطب قومه الذين قتلوه بقوله *يا ليتَ قومي يعلمون * بما غفر لي ربِّي وجعلني من المُكرمين .
ودلالة الآية على بقاء النفس وإدراكها وشعورها وإرسالها الخطابات إلى من في الحياة الدنيا واضحة جداً ، حيث كانَ دخول الجنة* قيل ادخُلِ الجَنَّة * والتمنّي * يا ليت قومي * كان قبل قيام الساعة ، والمراد من الجنة هي الجنة البرزخية دون الأُخروية .
الآية الخامسة:
قال سبحانه :( فَوقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وحاقَ بآلِ فِرعَوْنَ سوءُ العَذاب * النّارُ يُعْرَضُونَ عَليها غُدُوّاً وعَشيّاً ويوم تقومُ السّاعةُ أدْخِلُوا آلَ فِرعونَ أشدَّ العَذابِ[9]
والآية صريحة في أنّه سبحانه أحاط بآل فرعون سوءالعذاب، وأما كيفية عذابهم فتدلّ الآية على:
أوّلا : أنّ هناك عرضاً لهم على النار وإدخالا لهم فيها ، والثاني أشدّ من الأول .
ثانياً : أنّ العرض على النار قبل قيام الساعة ، كما أنّ الإدخال حين قيامها .
وثالثاً : أنّ التعذيب بعد الموت وقبل قيام الساعة (البرزخ) والتعذيب عند قيام الساعة ، بشيء واحد وهو نار الآخرة ، لكن العذاب قبل قيامها بالعرض على النار ، وبعد قيامها بالدخول فيها ، وينتج أنّ البرزخيّين يعذّبون من بعيد وأهل الآخرة بالدخول .
ورابعاً : أنّ آل فرعون وإن ماتوا بالغرق في البحر ، لكن موتهم لم يكن بمعنى بطلانهم وفنائهم رأساً ، بل بمعنى خروج أرواحهم من أبدانهم وانتقالهم إلى عالم آخر حائل بين العالمين ، فقُضيَ عليهم بسوء العذاب إلى يوم القيامة بالعرض على النار ، والدخول فيها بعد قيامها ، ولو لم يكن إحياء ، فلا معنى لتعذيب الجماد الفاقد للشعور بالعرض على النار .
وخامساً : أنّ شخصية آل فرعون بأرواحهم لا بأبدانهم ، بشهادة بطلان أجسادهم وتشتّت أجزائها ، لكنّهم معادون بعد الموت بالعرض على النار ، وبالدخول فيها بعد قيام الساعة .
الآية السادسة:
حتّى إذا جاءَ أحدَهُمُ المَوتُ قالَ ربِّ ارجِعُونِ * لَعَلِّي أعملُ صالحاً فِيما تَركتُ كلاّ إنّها كَلمةٌ هوَ قائِلُها ومِنْ ورائِهِمْ بَرزخٌ إلى يومِ يُبعَثُونَ [10]
وقبل أن ننّوه بدلالة الآية على بقاء الحياة بعد الموت نفسر لفظين من الآية :
أحدهما :«البرزخ» ، وهو الحاجز بين الشيئين .
والثاني : لفظة «وراء»
وهو في الآية بمعنى أمام ، ومعنى قوله*ومن ورائهم*أي : من أمامهم وقدّامهم .
قال سبحانه* وكانَ وَراءَهم مَلِكٌ يأخُذُ كلَّ سفينة غَصْبا *[11]
والاستدلال بهذه الآية من وجهين :
1-إنّ الإنسان المذنب يرى حين الموت ما أُعدّ له في مستقبل أمره من عذاب أليم ، ولأجل ذلك يطلب من ملائكة الله أن يرجعوه إلى عالم الدنيا ، حتى يتدارك ما فاته ويتلافى ما فرّط ، وإلى هذا يشير قوله سبحانه* حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِي* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ* .
2- إنّ قوله تعالى : * ومِنْ ورائِهمْ برزخٌ إلى يومِ يُبعَثون *
تصريح لا غموض فيه بوجود حياة متوسطة بين الموت والبعث ، وإنّما سميت برزخاً لكونها حائلا بين الدنيا والآخرة ، ولا تتحقق الحيلولة إلاّ بأن يكون للإنسان واقعية في هذا الحدّ الفاصل; إذ لو كان الإنسان بين هاتين الفترتين معدوماً لما صحّ أن يقال بين الحالتين برزخٌ ، وهو حائل وفاصل بين الإنسان في الدنيا والإنسان في الآخرة .
الآية السابعة:
ولَوْ تَرى إذ الظّالمونَ في غَمَرات المَوتِ والمَلائكةُ باسِطوا أيدِيِهمْ أخْرِجُوا أنفُسَكُمُ اليومَ تُجزَونَ عَذابَ الهُونِ بِما كُنتمْ تَقولُونَ عَلى اللهِ غيرَ الحَقِّ وكُنتُمْ عنْ آياتهِ تَستَكْبِرونَ[12]
والاستدلال بالآية على بقاء الروح بعد فناء الجسد من طريقين :
أ ـ قوله : أخرجوا أنفسكم
صريح في أنّ الملائكة تنتزع الروح من البدن ويعني هذا أنّ المتروك هو البدن ، وأمّا الروح فتؤخذ وتخرج من الجسد إخراجاً .
ب ـ إنّ ظاهر قوله : اليوم تُجزون عذابَ الهُون
هو الإشارة إلى يوم الموت ، وساعته ، ولو كان الموت فناءً كاملا للإنسان لما كان لهذه العبارة معنى ، إذ بعد فناء الإنسان فناءً كاملا شاملا لا يمكن أن يحسّ بشيء من العذاب .
ومن هنا يتبيّن أنّ الفاني إنّما هو الجسد ، وأمّا الروح فتبقى وترى العذاب الهون وتذوقه وتحسّ به .
قال العلاّمة الطباطبائي في تفسير هذه الآية : إنّ كلامه تعالى ظاهر في أنّ النفس ليست من جنس البدن ، ولا من سنخ الأُمور المادية الجسمانية ، وإنّما لها سنخ آخر من الوجود يتّحد مع البدن ويتعلّق به نوعاً من الاتحاد والتعلّق غير مادّي .
فالمراد بقوله: * أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ* قطع علقة أنفسهم من أبدانهم وهو الموت[13]
الآية الثامنة:
ولَوْ تَرى إذْ يتَوفّى الَّذينَ كَفَروا الملائِكَةُ يَضْرِبونَ وُجُوهَهُمْ وأَدْبارَهُمْ وذُوقُوا عَذابَ الحريقِ * ذلكَ بِما قَدَّمَتْ أيديكُمْ وأَنَّ اللهَ ليسَ بِظلاّم لِلعَبيد[14]
تدلّ الآية على أنّ الكافرين يعذَّبون حين الموت بوجهين :
الأوّل : بضرب الملائكةِ وجوهَهم وأدبارهم ، وقد أُشير إليه في آية أُخرى أيضاً ، قال
سبحانه:*فَكيفَ إذا تَوفَّتهُمُ الملائكةُ يَضرِبونَ وُجوهَهُمْ وأدبارَهُمْ* [15]
الثاني : بعذاب الحريق ، الذي يدلّ عليه قوله سبحانه*ذُوقوا عَذابَ الحريقِ *فالآية تدلّ على أنّ هناك عذابين منفصلين موضوعاً ومحمولا ، فالعذاب الأوّل موضوعه الجسد ، والثاني موضوعه روح الإنسان المنتقل إلى الحياة غير الدنيوية .
الآية التاسعة:
قال سبحانه *مِمّا خطيئاتهم أُغرِقُوا فأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أنصارا *[16] والآية نازلة في شأن قوم نوح الذين غرقوا لخطيئاتهم أوّلا فأُدخلوا ناراً ثانياً .
ومن المفسرين من فسر الجملة الثانية بنار الآخرة ويقول : جيء بصيغة الماضي لكون تحقّقه قطعيا.[17]ولكنّه بعيد; لأنّ ظاهر الآية كون الدخول في النار متّصلا بغرقهم لا منفصلا ، بشهادة تخلّل لفظة «فاء» وإلاّ كان اللازم التعبير بـ «ثم.
الآية العاشرة:
قوله سبحانه : قالُوا رَبّنا أمَتَّنَا اثنَتينِ وأحْيَيتنا اثنتَينِ فَاعترَفنا بِذُنوبِنا فَهلْ إلى خروج مِنْ سَبيل[18]
الآية تدلّ بوضوح على أنّه مرّت على الإنسان المحشور يوم القيامة ، إماتتان وإحياءان .
فالإماتة الأُولى : هي الإماتة الناقلة للإنسان من الدنيا .
والإحياء الأوّل : هو الإحياء بعد الانتقال منها .
والإماتة الثانية : قُبيل القيامة عند نفخ الصور الأوّل .
والإحياء الثاني : عند نفخ الصور الثاني .
قال سبحانه: *ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ في السَّموات وَمنْ في الأرضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فيهِ أُخرى فإذا هُمْ قِيامٌ يَنظُرُون*[19]
وعلى ما ذكرنا فكل من الإحياءَين لا صلة له بالدنيا ، بل يتحقّقان بعد الانتقال من الدنيا ، أحدهما في البرزخ بعد الإماتة في الدنيا ، والآخر يوم البعث بعد الإماتة بنفخ الصور الأوّل .
وعندئذ تتضح دلالة الآية على الحياة البرزخية بوضوح .
نعم لم يتعرض القائلون بالحياة الدنيوية ولم يقولوا وأحييتَنا ثلاثاً وإن كانت إحياء لكونها واقعة بعد الموت الذي هو حال عدم ولوج الروح ، ولعلّ الوجه هو أنّ الغرض تعلّق بذكر الإحياء الذي يعدّ سبباً للإيقان بالمعاد ومورِّثاً للإيمان وهو الإحياء في البرزخ ثم يوم القيامة ، وأمّا الحياة الدنيوية ، فإنّها وإن كانت إحياء بلاشكّ لكنّها لا توجب بنفسها يقيناً بالمعاد ، فقد كانوا مرتابين في المعاد وهم أحياء في الدنيا[20]
تفسير خاطئ للآية :
إنّ بعض المفسّرين فسّروا الآية بالنحو التالي :
الإماتة الأُولى : حال النطفة قبل ولوج الروح .
الإحياء الأوّل : حال الإنسان بعد ولوجها فيها .
الإماتة الثانية : إماتته في الدنيا .
والإحياء الثاني : إحياؤه يوم القيامة للحساب .
وعندئذ تنطبق الآية على قوله سبحانه كَيفَ تَكفُرونَ باللهِ وكُنتُمْ أمواتاً فَأحياكُمْ ثُمّ يُميتُكُم ثمَّ يُحْيِيكُمْ ثمَّ إليه تُرجَعون[21]
ولكنّه تفسير خاطئ وقياس باطل .
أمّا كونه خاطئاً ، فلأنّ الحالة الأُولى للإنسان أي حالته قبل ولوج الروح في جسده لا تصدق عليها الإماتة ، لأنّه فرع سبق الحياة ، والمفروض عدمه .
وأمّا كونه قياساً باطلا ، فلأنّ الآيتين مختلفتان موضوعاً ، إذ المأخوذ والوارد في الآية الثانية هو لفظة «الموت» ويصحّ تفسيره بحال النطفة قبل ولوج الروح ، بخلاف الوارد في الآية الأُولى ، إذ الوارد فيها «الإماتة» فلا يصح تفسيره بتلك الحالة التي لم يسبقها الإحياء .
ولأجل ذلك يصحّ تفسير الآية الثانية بالنحو التالي :
1- كنتم أمواتاً : الحالة الموجودة في النطفة قبل ولوج الروح .
2- فأحياكم : بولوج الروح فيها ثم الانتقال من البطن إلى فسيح الدنيا .
3-ثمّ يُميتُكم : بالانتقال من الدنيا إلى صوب الآخرة .
4-ثم يُحييكُم : يوم البعث للحساب والجزاء .
وبما أنّ موقف الآيتين مختلف هدفاً وغاية ، اختلف السياقان ، فصارت احداهما تلمح بالحياة المتوسطة بين الدنيا والآخرة(البرزخ)دون الأُخرى ، ولا ملزم لتطبيق إحداهما على الأُخرى بعد اختلافهما في الموضوع والغاية .
وليس ما يدل من الآيات على البقاء بعد الموت منحصراً في هذه الآيات العشر ، بل هناك مجموعة من الآيات تصلح للاستدلال على المقصود ، مثل: وكذلكَ جَعلناكُمْ أُمّةً وَسطاً لتكُونُوا شُهَداء على النّاسِ ويكونَ الرسولُ عليكُمْ شَهيدا [22]
*فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهِيد وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدَاً*[23] فلو قلنا : بأن موت النبيّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عبارة عن فنائِه المطلق ، فما معنى كونه شهيداً على أُمّته في تمام الأجيال؟
وأمّا الاستدلال بالسنّة الشريفة على أنّ الموت ليس بمعنى فناء الإنسان برأسه ، وإنّما هو الانتقال من دار إلى دار ، فسيوافيك قسم من الروايات في المبحث التالي المتكفّل لبيان وجود الصلة بين أهل الدنيا والنازلين في البرزخ ، بحيث يسمعون كلامهم ويجيبون دعاءهم وإن كنّا نحن غير سامعين ولا فاهمين .
ولا عجب في أن يكون هناك رنين أو صراخ وكنّا بمعزل عن السمع والفهم ، قال سبحانه*وإنْ مِنْ شَيء إلاّ يُسبِّحُ بِحمِدِهِ ولكنْ لا تَفقَهونَ تَسبيحَهُمْ إنّهُ كانَ حَليماً غَفوراً*[24]
و ایضا هناک آیات اخری تشیر الی الحیاة البرزخیه ولکننا نکتفی بتلک العشرة.
آیة الله جعفرسبحانی
[1] - زمر:42
[2] - زمر:42
[3] - بقره:154
[4] - الواحدي ، أسباب النزول : ص27 . ط . دار الكتب العلمية ـ بيروت
[5] - انعام:122
[6] - آل عمران : 169 ـ 171
[7] - مفاتيح الغيب 4 : 146
[8] - يس : 20 ـ 29
[9] - غافر : 45 ـ 46
[10] - المؤمنون : 99 ـ 100
[11] - الكهف : 79
[12] - الأنعام : 93
[13] - تفسير الميزان 7 : 285
[14] - الأنفال : 50 ـ 51
[15] - محمد : 27
[16] - نوح : 25
[17] - مجمع البيان 5 : 364
[18] - غافر : 11
[19] - الزمر : 68
[20] - تفسير الميزان 17 : 313
[21] - البقرة : 28 ، أنظر تفسير الكشاف 3 : 363 طـ دار المعرفة ـ بيروت
[22] - البقرة : 142
[23] -نساء:41
[24] -اسرا:44
السلفية
السلف في اللغة كلّ من تقدّمك من آبائك وذوي قرابتك.
وفي المصطلح عبارة عن جماعة الصحابة والتابعين وتابعي التابعين حيث تعد اجتهاداتهم وآراؤهم في الأُصول والفروع أسوة للآخرين، ولا يجوز الخروج عنها قيد شعرة، ويجب التمسّك بها والدعوة إليها على أنّها مظهر الدين الحق وعنوان العقيدة الصحيحة معتمداً على ما رواه الشيخان من رواية عبد اللَّه بن مسعود: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته».
ولا شك انّ المراد من الخيرية هو خيرية أهل القرون الثلاثة من المسلمين لا نفس الزمان، فالذين يمثلون الحلقة الأُولى من تلك السلسلة هي حلقة الصحابة، والحلقة الثانية تمثل التابعين الذين لم يستضيئوا بنور النبي صلى الله عليه و آله و سلم مباشرة ولكن غمرهم ضياء النبوة باتّباعهم لأصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم والاهتداء بهديهم.
وأمّا الحلقة الثالثة فهي تمثّل تابعي التابعين، وبعد انتهاء هذه الحلقات الثلاث ظهرت البدع ظهوراً فاشياً، وتتابعت الفرق الضالّة الّتي تشذ عن صراط تلك العصور الثلاثة، كل فرقة تشق لنفسها من ذلك الطرف العريض سبيلًا متعرجة تقف على فمه وتدعو إليه، مخالفة بذلك قول اللَّه عزوجل: «وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»
فهذا هو السلف، والسلفية عبارة عن الخلف الذين يقتدون بهم في الأُصول والفروع ولا يخرجون عمّا رأوا من الفعل والترك قيد شعرة.
والسلفية بهذا المعنى تعتمد على رواية عبد اللَّه بن مسعود، فلنتناولها بالبحث والتمحيص فنقول:
القرن في اللغة أهل زمان واحد، المقدار الّذي يقترن فيه أهل ذلك الزمان في أعمالهم وأحوالهم، يقال: هو على قرني أي على سنّي وعمري.
وأمّا إطلاقه على مائة سنة فاصطلاح جديد لا يحمل عليه الكتاب والسنّة.
وعلى ضوء ذلك فلا محيص عن حمل الحديث على الصحابة وتابعيهم وتابعي تابعيهم.
ولكن ابن تيمية وأتباعه راحوا يحدّدون السلفية بثلاث قرون، أي 300 سنة، فكلّ ما حدث في هذه الحقبة من الزمان فهو مظهر دين الحق وعنوان العقيدة الصحيحة، وبذلك يبرّرون أعمالهم في تحريم البناء على قبور الأولياء بأنّه حدث بعد القرون الثلاثة.
وربّما يؤيّد الحديث بما روي عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنّه قال:
وإنّ بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملّة، وتفترق أُمّتي على ثلاث وسبعين ملّة، كلّهم في النار إلّاملّة واحدة، قالوا: من هي يا رسول اللَّه؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي
أقول:
أوّلًا: لا يمكن الركون إلى هذا المؤيد، لأنّ النصوص هنا مختلفة.
روى الحاكم وأبو داود وابن ماجة بأنّ النبي قال: إلّاواحدة وهي الجماعة، أو قال: الإسلام جماعتهم.
وروى الحاكم أيضاً أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم حدّد أعظم الفرق هلاكاً، وقال: ستفترق أُمّتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فرقة، قوم يقيسون الأُمور برأيهم، فيحرّمون الحلال ويحلّلون الحرام. وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وروى صاحب الروضات عن كتاب الجمع بين التفاسير إنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: هم أنا وشيعتي.
وعلى هذا لا يمكن الاعتماد على هذا النقل.
وثانياً: أنّ المعيار الوحيد للهلاك والنجاة هو شخص النبي صلى الله عليه و آله و سلم، وأمّا أصحابه فلا يمكن أن يكونوا معياراً للهداية والنجاة إلّابقدر اهتدائهم واقتدائهم برسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، وإلّا فلو تخلّفوا عنه قليلًا أو كثيراً فلا يكون الاقتداء بهم موجباً للنجاة.
وعلى ذلك فعطف (وأصحابي) على النبي صلى الله عليه و آله و سلم لا يخلو من غرابة!!
هذا ما يرجع إلى دراسة الرواية من حيث اللفظ، وأمّا دراستها من حيث المعنى، فنقول:
أوّلًا: انّ إضفاء القداسة على جماعة خاصة على نحو يكون رأيهم في الأُصول والفروع حجة لغيرهم ولا يجوز الخروج عنه قيد شعرة بمثابة حجيّة قولهم في مجالي الأفعال والتروك، مع أنّه لم يدلّ دليل عليها غاية الأمر انّ قول الصحابي أو التابعي حجّة لهما لا لغيرهما.
وبعبارة جامعة قول الثقة إذا نقله عن النبي الصادع بالحق حجة، وإلّا فقول الصحابي فضلًا عن التابعي بما هو هو ليس بحجة، سواء أكان من القرون الثلاثة الأُولى أو ما بعدها.
وثمّة كلمة قيّمة للإمام الشوكاني نذكرها بنصها:
والحق انّه- رأي الصحابي- ليس بحجة، فإنّ اللَّه لم يبعث إلى هذه الأُمّة إلّانبينا محمداً صلى الله عليه و آله و سلم، وليس لنا إلّارسول واحد وكتاب واحد، وجميع الأُمّة مأمورة
باتّباع كتابه وسنّة نبيه، ولا فرق بين الصحابة ومن بعدهم في ذلك، فكلّهم مكلّفون بالتكاليف الشرعية وباتّباع الكتاب والسنّة، فمن قال:
إنّها تقوم الحجة في دين اللَّه عزوجل بغير كتاب اللَّه تعالى وسنّة رسوله صلى الله عليه و آله و سلم وما يرجع إليها، فقد قال في دين اللَّه بما لا يثبت.
ثانياً: انّ الخيرية الّتي أخبر عنها الرسول حسب الرواية، فهل يراد منها انّها ثابتة لجميع أفراد هذه القرون الثلاثة ممّن يظللهم الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، أو انّها ثابتة لمجموع المسلمين في تلك العصور الثلاثة؟
أمّا الافراد فقد لا تنطبق الخيرية على بعضهم، قال ابن حجر:
هل هذه الأفضلية بالنسبة إلى المجموع أو الأفراد؟ محل بحث، وإلى الثاني نحا الجمهور، والأوّل قول ابن عبد البر.
وقال أيضاً: واتّفقوا انّ آخر من كان من أتباع التابعين ممّن يقبل قوله من عاش حدود 220 ه، وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهوراً فاشياً، وأطلقت المعتزلة ألسنتها ورفعت الفلاسفة رؤوسها، وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن، وتغيّرت الأحوال تغيّراً شديداً لم يزل في نقص إلى الآن، وظهر قوله صلى الله عليه و آله و سلم: ثم يفشو الكذب ظهوراً بيّناً حتّى يشمل الأقوال والأفعال والمعتقدات.
فعلى ضوء ما ذكره فآخر ما بقي من تابعي التابعين أصل انتهاء الخيرية، وبدأ الشر بعده.
أمّا الوجه الأوّل، أي كون الخيرية لأفراد هذه الأُمّة قاطبة فدون إثباتها خرط القتاد، إذ كيف يعقل خيرية كل من عاش بعد رحيل النبي صلى الله عليه و آله و سلم إلى نهاية عام 220 ه، وقد ظهر فيهم الفساد ودبّت فيهم نار الفتنة والشقاق!!
ومن استقرأ تاريخ الإسلام وتاريخ العقائد يقف على أنّ تلك البرهة من الزمان من أحلك العصور ظلمة، ولنستعرض النماذج التالية:
1- قاد جماعة من الصحابة والتابعين حملة شعواء ضد عثمان حتّى انتهى الأمر إلى الإطاحة به وقتله، وقد بلغ من غضب الثوار على عثمان بمكان انّ الإمام أمير المؤمنين وأبناءه لم يتمكنّوا من صدّهم عنه، فهل الخير كان إلى جانب الثوار أو إلى جانب عثمان؟!
2- هذا هو طلحة والزبير قد جهّزا جيشاً جراراً لحرب الإمام علي عليه السلام وأعانتهما أُمّ المؤمنين عائشة، فقتل جرّاء ذلك خلق كثير عند هجومهما على البصرة وعند قتالهما للإمام عليه السلام، فهل الخير كان إلى جانب جيش الإمام أو إلى جانب طلحة والزبير؟!
3- كما صنع معاوية نظير ذلك حيث حارب الإمام في صفين وكان مع علي عليه السلام من البدريّين جماعة كثيرة حاربوا جيش الشام وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، فهل الخير كان إلى جانب الإمام وجيشه أو إلى جانب جيش معاوية، وقد ذهب ضحية تلك الحرب سبعون ألف من العراقيّين والشاميّين؟!
وهل يمكن لأحد أن يصف الفئة الباغية بالخير؟! وقد قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم مخاطباً عمار: «إنّك لن تموت حتّى تقتلك الفئة الباغية الناكبة عن الحق، وانّ آخر زادك من الدنيا شربة لبن».
4- انّ معاوية أوّل من بدّل نظام الحكم الإسلامي من الشورى إلى النظام الملكي الّذي ساد بين الأُمويّين ما يقرب من ثمانين عاماً، فهل تعدّ تلك العصور الدموية المليئة بالقتل وسفك الدماء خير القرون؟!
نقل صاحب المنار: انّه قال أحد علماء الألمان في الآستانة لبعض المسلمين وفيهم أحد شرفاء مكّة: إنّه ينبغي لنا أن نقيم تمثالًا من الذهب لمعاوية بن أبي سفيان في ميدان كذا في عاصمتنا «برلين» قيل له: لماذا؟! قال: لأنّه هو الّذي حوّل نظام الحكم الإسلامي عن قاعدته الديمقراطية إلى عصبية الغلب (الملك لمن غلب) ولولا ذلك لعمّ الإسلام العالم كلّه ولكنّا نحن الألمان وسائر شعوب أُوروبا عرباً مسلمين.
وبكلمة جامعة إنّا إذا استعرضنا العهد الأُمويّ الّذي تسلّم فيه الأُمويّون منصّة الخلافة ابتداءً من معاوية بن أبي سفيان فيزيد بن معاوية فمروان بن الحكم ثم أبنائه الأربعة، فهل يمكن أن نعدَّ هذه الحقبة من التاريخ خير القرون وقد قتل فيها سبط النبي صلى الله عليه و آله و سلم الحسين بن علي عليه السلام، وأُبيحت دماء أهل المدينة وأعراض نسائهم، وحوصرت مكة وهتكت حرمتها على يد الحجاج بن يوسف الثقفي، واستعبد أبناء المهاجرين والأنصار، ونقش على أيديهم كما ينقش على أيدي غلمان الروم، إلى غير ذلك من الجرائم البشعة الّتي يندى لها جبين الإنسانية؟!
فإذا كان هذا حال الأفراد، فيعلم منه حال المجموع، فكيف يمكن أن يقال: إنّ المجموع في هذه القرون الثلاثة أفضل من بقية مجاميع سائر القرون؟! ولا يقول ذلك إلّالمن غض الطرف عن قراءة التاريخ والحوادث المريرة الّتي جرت في العصور الأُولى.
وثالثاً: إنّ ابن حجر يذكر بأنّ البدع ظهرت بعد (220) سنة وأطلقت المعتزلة ألسنتها ورفعت الفلاسفة رؤوسها ... الخ، ولكنّه لم يقرأ تاريخ العقائد فإنّ قسماً كبيراً من المناهج الثلاثة، سواء أصحّت أم لم تصحّ، قد وضعت لبناتها الأُولى في هذه الحقبة من الزمان.
فهذه هي المحكّمة الذين يكفّرون عامّة المسلمين ظهرت في مختتم العقد الرابع من القرن الأوّل في مسألة التحكيم، ودامت حروب الخوارج من عصر علي إلى قرون متمادية وزهقت خلالها نفوس كثيرة.
ثم ظهرت المرجئة في العقد التاسع من القرن الأوّل، وهم الذين يقدّمون الإيمان ويؤخّرون العمل وكانت عقيدتهم ردّ فعل لما عليه المحكّمة. لأنهم كانوا يكفّرون مرتكب الكبيرة، فالمرجئة تتسامح في كل ذلك وتعدّ الجميع من أهل النجاة والفلاح، لأنّ المهم هو الإيمان دون العمل.
ثم ظهر الاعتزال عام 105 ه على يد واصل بن عطاء (المتوفّى عام 131 ه) وزميله عبيد بن عمرو (المتوفّى 143 ه). وفضلًا عن ذلك فقد ظهرت الزنادقة والملاحدة في أواخر العهد الأُمويّ وبداية العهد العباسيّ.
ورابعاً: السلفية بهذا المعنى تضفي الحجية الشرعية لأقوال السلف وأفعالهم، وانّها كاشفة عن قول النبي وفعله، والحجية مسألة أُصولية لا تثبت إلّابدليل قطعي، وما روي في المقام من أخبار الآحاد وإن نقل عن عمران بن حصين، وعبد اللَّه بن مسعود إلّاأنّها لا تخرج عن أخبار الآحاد
المذاهب الاسلامیه- شیخ جعفر سبحانی
1- السلفية للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي: 1
2- الأنعام: 15
3-سنن الترمذي: 5/ 26، كتاب الإيمان، الحديث 2641؛ ونقله الشهرستاني في الملل والنحل: 1/ 1
4- المستدرك: 1/ 12
5- سنن أبي داود: 4/ 198، كتاب السنّة
6-سنن ابن ماجة: 2/ 479، باب افتراق الأُم
7-المستدرك: 4/ 430
8-روضات الجنان: 508، الطبعة الحجرية
9- إرشاد الفحول: 214
10-فتح الباري: 7/ 4
11-. مروج الذهب: 2/ 404
12-الكامل في التاريخ: 3/ 157
13-تفسير المنار: 11/ 269، في تفسير سورة يونس
14-. فتح الباري: 7/ 4- 6
سيرة جناب "أم حبيبة"
ان السيدة ام حبيبة احدي زوجات النبي (ص) و هي بنت ابي سفيان بن حرب بن امية بن عبد الشمس ابن عبد مناف. و من المشهور أن إسمها (رملة) و جاء في بعض الأخبار انها سميت بهند. ولدت في مکة المکرمة قبل البعثة النبوية الشريفة بسبعة عشر سنة و أما امها فهي صفيية بنت ابي العاص بن عبد الشمس بن عبد مناف التي کانت عمة لعثمان بن عفان .
تزوجت رملة قبل البعثة النبوية الشريفة من عبد الله بن جحش الاسدي و هو اخو زينب بنت جحش احدي زوجات النبي (ص).
و آمنا کلاهما« اي رملة و عبد الله» بالنبي(ص) و دعوته و کانا من الأوائل السابقين في الإيمان بالإسلام و الدعوة النبوية(ص) الشريفة.
و لقد فضلت السيدة ام حبيبة، الله و رسوله علي کل شييء (النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم) فقد ءامنت بالنبي ايماناً قلبياٌ و تمسکت بالإسلام بشکل تام حتي إنها کانت تخاف من العودة الي الکفر کخوف احدٍ من الوقوع في النار و تري ان الکفر لا يناسب منزلتها الإنسانية و هذا ادل دليل علي ان التزامها بالإسلام کان مبتنياٌ علي الوعي و منبعثاٌ من القبول العقلي.
و أما ابوها (ابو سفيان) فانه کان لا يتصور يوماٌ ما ان شخصاٌ من ابناء قريش يقف أمامه بهذه الصلابة و يخالفه في قوله و فعله و يعلن معارضته له في اي مسألة مهمة و اساسية, و خصوصااذا کانت تتعلق بامور الدين . فهو کبير مکة و قائداٌ لها و الکل او الغالب منقادون له، مطيعون لاوامره ولکن ابنته (رملة) ءامنت بالله الأحد و کفرت بکل اله سوي الله و ولَت عن ءامنت اتباعاً لزوجها عبيد الله، و لکن هذا القول لم يکن صحيحاً. بل ان هذه السيدة الجليلة اعتنقت الاسلام عن وعي و معرفة و ادل دليل علي هذا الأمر تبعيتها للإسلام في إبتداء الدعوة النبوية(ص), و في وقت کان المسلمون مضطربون, خائفون, مشردون ومضطهدون مِن قِبَل بني امية و بالذات أبيها ابو سفيان.
فقد ءامنت مع زوجها عبيد الله بن جحش بالنبي(ص) لا انها ءامنت متأثرة بإيمان زوجها. و اما ابو سفيان فقد بذل کل جهده و قواه ليعيد ابنتة و صهره الي دين آبائهم و اجدادهم ,اي (الوثنية) و لکنه لم ينال خيراٌ في هذا المجال !لأن الإيمان الذي غرس في عمق وجود السيدة رملة, کان اعمق و اثبت من ان يتزعزع بالتخويف و التهديد الناشيء من غضب ابو سفيان و کان ثبات ايمانها و اعتقادها بالإسلام عاملاٌ مؤثراٌ في غضب ابو سفيان و تألمه و سبباٌ في ضعفه و انهياره .
فهو صاحب الجاه و الجبروت , و السيطرة و الغلبة و صاحب الکلمة النافذة في قومه و قبيلته, لم يستطع أن يؤثر علي ابنته و يصرفها عن اتباع الرسول(ص) فکيف يمکن له أن يواجه قريش؟ و بأي وجه يلقاهم؟ وهوالذي يدعي الرئاسة عليهم و القيادة لهم؟!!.
و أما قريش فلما علموا أن ابو سفيان غاضب علي ابنته السيدة رملة و زوجها، تجرءوا عليهم بأنواع الأذي و التضييق و الحصار, و ءاذوهما بشتي طرق التعذيب الروحي و الجسمي الي حد لم يمکن لهما استمرار المعيشة في مکة المکرمة! و لذلک بمجرد ان سمح النبي(ص) للمسلمين بالهجرة الي الحبشة, هاجرت السيدة رملة مع ابنتها الصغيرة (حبيبة) و زوجها عبد الله بن جحش الي الحبشة ,وذالک مع الوفود الأوائل الذين ترکوا ديارهم حفاظاٌ علي عقيدتهم و اطاعتاٌ لخالقهم.وقال سبحانه: (و من يخرج من بيته مهاجراٌ الي الله و رسوله فقد وقع اجره علي الله).
و بالطبع, فان ابو سفيان و باقي الکبراء و اعلام الکفر و الشرک في مکة, لم يکفوا عن اعمالهم في الأعتداء و الأذي, فأنه کان من الصعب عليهم ,يرون ان المسلمين قد فروا من ايديهم, و خرجوا عن طوق حکومتهم ,ومن الممکن ان يذوقو طعم الأستقرار و الراحة والطمأنينة تحت ضل حکومة النجاشي في الحبشة و خصوصا ان النبي (ص) وصفه بالعدالة.
فلذالک ارسلوا ممثلين الي النجاشي حاکم الحبشة ليحرضوه علي المسلمين ويطلبون منه ان يعيد المسلمين و يطردهم من الحبشة. و ايضاٌ اتهموا المسلمين بالاعتقادات السيئة بالنسبة لعيسي المسيح(ع) و امه مريم و بما ان نجاشي کان مسيحياٌ فأرادو أن يغضب علي المسلمين و يعاقبهم علي ما يعتقدون و يتصورون. ولکن الأمر لم يتم کما أراد الکفار و المشرکون فأن نجاشي دعي کبار المهاجرين و طلب منهم ان يکشفوا عن رأيهم في عيسي ابن مريم(ع) و امه, و يظهروا حقيقه دينهم. و کذالک طلب منهم أن يتلون عليه الأيات التي نزلت علي نبي الاسلام (ص) في شأن عيسي بن مريم(ع) و امه.
فلمسلمون بينوا له حقيقة الدين الإسلامي وتلوا عليه ءايات من القرآن و حينما سمع النجاشي کلام الله انهدرت الدموع من عينيه و ءاخذ بالبکاء, الي أن بلت محاسنه ثم قال {إن ما نزل علي نبيکم محمد(ص) و ما نزل علي عيسي(ع) منشأه واحد واذا به قد اعلن اسلامه و صدق رسالة النبي المصطفي محمد(ص)فطوبي له و حسن مآب.
و من ما ثبت في التاريخ أن قادة الجيش و الزعماء في الحبشة لم يؤمنوا بالإسلام و تمسکوا بالمسيحية و لکن النجاشي استمر في حمايته و دعمه للمسلمين المهاجرين, و اعلن دفاعه عنهم بکل قوة .
و في هذه الأوضاع ضنّت السيدة ام حبيبة أن ايام المحنة قد انتهت و الراحة قد حلّت و اطلّت علي حياتها، فلقيت البلاد التي تتمکن أن تعيش فيها بأمن و سلام. لکنّها لا تعلم ما تضم لها الأيام من مقدرات, و ما يحمل لها الزمن من مستورات! فإن الحکمة الإلهية اقتضت أن تقع السيدة ام حبيبة في معرض ابتلاء الهي عظيم, و تفتن بأخبارٍ کاد أن لا يفلح فيه الکبار من الرجال و لا ينجوا منه بعض العظماء.!حيث وعدنا الله جل وعلي في کتابه الکريم :(أحسب الناس أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون)!!! و اما هي, فغلبت و انتصرت و خرجت مرفوعة الرأس,محافظة علي القيم و الأسس الألهية لأنها کانت من المومنين . و في احدي الليالي رأت السيدة ام حبيبة في عالم الرؤيا زوجها عبيد الله بن جحش و هو في حال الغرق في بحر مواج قد غلبت علي هذا البحر الظلمة و هو في وضع مأساوي قد اشرف علي الهلاک. و لما استيقظت من النوم مرعوبة, قد عم وجودها الخوف و الوحشة و کانت قد حرصت علي أن لا يطلع زوجها أو أي شخص آخر علي ما رأته في المنام.
وقد نقل بعض المورخين الرءيا بصورة اخري تشابه ما ذکرناه بعض الشي . إلا أنهم يروون ان ام حبيبة أخبرت زوجها عبد الله بن جحش بما رأته, لکنه لا يهتم لهذا الأمر ولا يتفهم خطورته ! و سرعان ما تبدلت هذه الرؤيا الي الحقيقة !!! و في يوم تلک الليلة نفسها, ارتد عبيد الله عن دينه, و أصبح مسيحياً و أقبل علي شرب الخمر الي أن اعتاد علي تناول الخمر,و أدمن عليه الي أن مات بأثر الإسراف في الشرب . نعم انه اعتاد علي اثم يعد من الذنوب التي تؤدي الي ءاثام اخري و يسير بالأنسان نحو الهلاک . وقد عثرنا في التاريخ علي روءيا اخري ثبتت لأم حبيبة أنها قالت :رأيت عبيد الله بن جحش و هو يناديني يا أم المومنين !فاستغربت من ما رأيت! ولکني في نفس الوقت تأملت أن أکون يوما ما زوجة للنبي (ص). و في هذه الظروف الصعبة وجدت السيدة ام حبيبة نفسها مخيرة بين أمور ثلاثة:اولا: أن ترتد عن الإسلام و تعتنق المسيحية .لأن عبيد الله بن جحش کان يعرض عليها المسيحية باستمرار و إن لبَت طلبه فقد خسرت الدنيا و الأخرة و نالت الفضيحة في الدارين. لکنها سيده مسلمة ،ءامنت بربها و بدعوة النبي(ص)بعمق وجدانها, و لذالک لن ترتدعن دينها و اسلامها و إن ابتليت بأنواع الأذي و إن جري عليها ما جري.
ثانياً: ان تعود الي بيت أبيها في مکة، ذلک البيت الذي بات مرکزاً و مأوي لأهل الکفر و الشرک و العناد. و هذا ما لا يمکن ان يحدث لهذه السيدة المؤمنة.فکيف لها أن تعيش في ظل الکفرة؟حيث لن يجعل الله للکافرين علي المومنين سبيلا.
ثالثاً: و إما أن تبقي بعيدة عن الأهل و الوطن من دون معيلٍ و کفيلٍ . و قد إختارت الخيار الثالث, ذالک الوجه الذي فيه رضا الله لارضاء غيره. فعزمت علي البقاءفي الحبشة متأملة الفرج من جانب الرب الرحمن الرحيم .و سرعان ما حل الفرج و اليسر.( أن مع العسر يسري)و(من يتق الله يجعل له فرقانا)
زواج الرسول(ص)من السيدة ام حبيبة وبمجرد انقضاء العدة ,نري الخير کله يطرق ابواب بيتها الحزين ,و هذه حمامة السعادة ترفرف علي منزلها تبلغها البشري. و أي بشري اروع من ما عرض عليها؟
في صباح يومٍ مشرق جاءت جارية للنجاشي تدعي (أبرهة) طرقت أبواب بيت السيدة ام حبيبة ففتحتها و لقت أبرهة امامها فسلمت أبرهة عليها بأدب و إحترام و استأذنتها في الدخول ثم قالت: أن الملک يبلغک السلام و يقول: ان محمد رسول الله (ص) ارسل لي مکتوب يطلب فيه يدک (أي يخطبک ) و قد جعلني وکيلاً عنه، فأنت إجعلي من شئت حتي يکون وکيلاً لک ففي هذه اللحظة غمرت السعادة قلبها و عمت الفرحة وجودها و نادت أبرهة قائلة لها: بشرک الله خيراً
و بدأت تخرج من يديها و رجليها الزينة و الخلخال و ما تملک معها من قرطٍ و سوارٍو خاتم و غير ذلک , فأعطتها لأبرهة، فرحة و سروراً بما بشرتها به و ربما لو کانت تملک خزائن الذهب و الفضة في ذلک اليوم لقدمته جميعهاً لأبرهة. نعم إن هذه السيدة المؤمنة علمت و بجد, ما تفضل الله عليها من نعمة عظيمة وأي منحة افضل من أن رسول الله يتقدم لخطبتها....؟؟؟
ثم قالت لأبرهة: أنا أجعل خالد بن سعيد بن العاص وکيلا عني لأنه أقرب الناس لي في هذه البلدة اي (الحبشة). و بدعوة من النجاشي في تلک الليلة حضر جمع من اصحاب الرسول(ص) کجعفر بن ابي طالب و خالد بي سعيد بن العاص و عبد الله بن حذافة السهمي و ءاخرون.
لقد عقد النجاشي هذا المجلس في قصره الذي بُني علي منطقة مرتفعة تحيط به اشجاراً جميلة و کان مشرفاً علي أحد البساتين الجميلة ذات المناظر الجذابة في الحبشة...
و من ما يزيد هذا القصر جمالاً و بداعة، الأنارة و السجاد و الزخارف المتخذة فيه و غيرها!
ولما اجتمع المدعويين ابتداء النجاشي بالکلام فخطب فحمد اللـه تعالى وأثنى عليه وتشهـد قائلاً:اشهد أن لا إله الا الله الملک القدوس السلام المومن المهيمن الجبار المتکبر. ثم قال : أما بعد ، فإن رسـول اللـه (ص) كتب إليّ أن أزوّجه أم حبيبة ، فأجبت وقد أصدقتُها قل النجاشي لاعنه أربعمائة دينار ) ثم سكب الدنانير ، ثم خطب خالـد بن سعيـد فقال : قد أجبتُ إلى ما دعا إليه رسـول اللـه (ص) وزوّجته أم حبيبة )00وقبض الدنانير ، فلما تم الأمر و أرادوا الخروج فقال لهم النجاشي إجلسوا, إن الوليمة سنة الأنبياء في الزواج .فأمر ل النجاشي أن يأتوا بالطعام فأكلوا
تقول أم حبيبة -رضي الله عنها- : فلمّا وصل إليّ المال ، أعطيتُ( أبرهة) منه خمسين ديناراً ، فردتّها عليّ وقالت : إن الملك عزم عليّ بذلك ) وردّت عليّ ما كنتُ أعطيتُها أوّلاً ثم جاءتني من الغَد بعودٍ ووَرْسٍ وعنبر ، وزبادٍ كثير -أي طيب كثير- ، فقدمتُ به معي على رسول الله (ص)
ولمّا بلغ أبا سفيان أن النبي (ص) نكح ابنته قال : هو الفحلُ لا يُجْدَعُ أنفُهُ ) أي إنه الكُفء الكريم الذي لا يُعاب ولا يُردّ
عودة المهاجرة:
لقد كانت عـودة المهاجـرة ( أم حبيبة ) عقب فتح النبـي (ص) خيبر ، عادت مع جعفر بن أبي طالب ومن معه من المهاجرين الى الحبشة ، وقد سُرَّ الرسـول (ص) کل السرور لمجـيء هؤلاء الصحابـة بعد غياب طويل ، ومعهم الزوجة الصابرة الطاهرة وقد قال الرسـول (ص) :والله ما أدري بأيّهما أفرحُ ؟ بفتح خيبر ؟ أم بقدوم جعفر )
الزفاف المبارك:
ولما وصلت السيدة أم حبيبة -رضي الله عنها- الى المدينة ، حتى استقبلها الرسول (ص) بالسرور والبهجة ، وأنزلها إحدى حجراته بجوار زوجاته الأخريات ، واحتفلت نساء المدينة بدخول أم حبيبة بيت رسول الله (ص) وهن يحملن لها إليها التحيات والتبريكات ، وقد أولم خالها عثمان بن عفان وليمة حافلة ، نحر فيها الذبائح وأطعم الناس اللحم
تذکر السيدة ام حبيبة: لما جاءوا بي الي النبي (ص) و التقبت به بدأت اتحدث عن الخطبة التي کانت في الحبشة و محفل العقد الذي عقده النجاشي و ايضا عن کيفية لقائي بأبرهة و مدي الفرحة من الخبر السار الذي جاءت به ابرهة الي الاّ و هو الخبر الذي غمر قلبها سروراً و فرحاً نعم طلب الرسول (ص) ليد ام حبيبة و ايضاً بلغت سلام ابرهة و ايمانها و اسلامها بدعوة النبي ّ الخاتم محمّد (ص) فقال النبي (ص) و عليها السلام و رحمه الله و برکاته.
واستقبلت أمهات المؤمنين هذه الشريكة الكريمة بالإكرام والترحاب ، ومن بينهن العروس الجديدة ( صفية ) التي لم يمض على عرسها سوى أيام معدودات ، وقد أبدت السيدة عائشة استعدادا لقبول الزوجة الجديدة التي لم تُثر فيها حفيظة الغيرة حين رأتها وقد قاربت سن الأربعين ، وعاشت أم حبيبة بجوار صواحبها الضرائر مع الرسول (ص) بكل أمان وسعادة
إسلام أبو سفيان:
وبعد فتح مكة أسلم أبو سفيان ، وأكرمه الرسول (ص) فقال : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، من أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن )و وصل هذا الحدث المبارك الى أم المؤمنين ( أم حبيبة ) ففرحت بذلك فرحاً شديداً ، وشكرت الله تعالى أن حقَّق لها أمنيتها ورجاءَها في إسلام أبيها وقومها
مكانة أم حبيبة وفضلها:
هي من بنات عمِّ الرسول ، ليس في أزواجه مَنْ هي أكثر صداقًا منها، ولا مَنْ تزوَّج بها وهي نائية الدار أبعد منها
وهي -رضي الله عنها- ابنة زعيم مكة وقائدها أبو سفيان بن حرب، ورغم ذلك فقد أعلنتْ إسلامها رغم معرفتها بعاقبة هذا الأمر عليها وسخط أبيها، وما يجره ذلك من متاعب وآلام انتهت بهجرتها وزوجها المسلم آنذاك إلى الحبشة
وقد هاجرت -رضي الله عنها- إلى الحبشة وهي حامل بابنتها حبيبة ووَلَدَتها هناك، وفي هذا ما فيه من المشقَّة والتعب والتضحية في سبيل الله؛ ممَّا يدلُّ على عمق إيمانها وصدق يقينها بالله تعالى، وقد تنصَّرَ زوجها عبيد الله بن جحش، وساءت خاتمته، فتُوُفِّيَ على الكفر والعياذ بالله.
ومع هذا فقد ثبتَتْ -رضي الله عنها- على الإسلام، ثبتت رغم كُفْرِ أبيها وتنصُّر زوجها، ثبتَتْ لمَا أراد الله بها من الخير، ولمَا أَعَدَّ لها من الخير في الدنيا والآخرة.
الحكمة من زواج الرسول بأم حبيبة:
تزوَّج النبي السيدة أمَّ حبيبة في العام السابع من الهجرة النبويَّة المشرَّفة، وكان زواجه منها تكريمًا لها على ثباتها في دين الله، فكم من امرأة تَتْبَعُ زوجها في كل حركة وسكنة في حياته، تفعل الخير بفعله، وتكفُّ عن الشرِّ بِكَفِّه!! لكنَّ هذه المرأة المهاجرة تبعت زوجها في الهجرة الي حبشة لما کانت مطمئنة بطريقه و دينه و انتمائه لرسول الله (ص) فلم يزعزعها الم الفراق بينها و بين عائلتها و لدتها فتبعيتها له کانت تبعية لعقيدتها ولکنّه لما بدت عليه ءاثار المعصية و الفسق و خصوصاً في شربه للخمر لم تترکه و شأنه لأنها لم تکن ضعيفة، وإنما حاولتْ بكل ما أُوتيتْ من قوَّة أن تثني زوجها عن تغيير عقيدته إلى عقيدة التوحيد، لكنَّه أصرَّ وتولَّى، فصبرتْ وشكرتْ، فكافأها الله بزواجها من رسول الله ، وجعلها أُمًّا للمؤمنين.
لم يكن رسول الله بمنأًى عمَّا يحدث لأصحابه أينما كانوا، فقد كان القائد الأوَّل للمسلمين يتابع أحوال الجميع، إنه مسئول يتفقَّد رعيَّته، ولم تكن أحوال المسلمين المهاجرين إلى الحبشة لِتَخْفَى عليه، فقد كان يُتابعها بشكل دائم، وقد وصلت إليه أخبار السيدة الكريمة الشريفة أمِّ حبيبة وما لاقتْ من مصاعب ومتاعب، وكيف صبرتْ وثبتتْ وتمسَّكتْ بالإسلام، رغم كل ما مرَّتْ به من أحوال، فكانت مواساة رسول الله لها أن طلب الزواج منها....
فكان هذا الزواج تعويضًا لها عمَّا لاقته -رضي الله عنها- من عَنَتٍ ومشقَّة، ومكافأة لها من الله لصبرها وثباتها، وما ادَّخره لها في الآخرة خيرٌ وأبقي...
وكانت -رضي الله عنها- مع غَيْرتها على رسول الله تحبُّ أن تشاركها فيه أختها عزَّة بنت أبي سفيان؛ فقد سمِعَتْ أن رسول الله همَّ أن يتزوَّج دُرَّة بنت أمِّ سلمة؛ فعن زينب بنت أبي سلمة أن أمَّ حبيبة قالت: قلتُ: يا رسول الله، انكح أختي بنت أبي سفيان. قال: "وَتُحِبِّينَ؟". قلتُ: نعم، لست لك بمُخْلِيَةٍ، وأحبُّ مَن شاركني في خيرٍ أُختي. فقال النبي : "إِنَّ ذَلِكَ لا يَحِلُّ لِي". قلتُ: يا رسول الله، فوالله إنَّا لنتحدَّث أنك تريد أن تنكح دُرَّة بنت أبي سلمة. قال: "بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ؟". فقلتُ: نعم. قال: "فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي؛ إِنَّهَا لاَبْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ"
وقيل: إن قول الله تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الممتحنة: 7] نزل في أبي سفيان صخر بن حرب، فإنَّ رسول الله تزوَّج ابنته أمَّ حبيبة، فكانت هذه مودَّة ما بينه وبينه
الأوصاف الاخلاقية المذکورة للسيدة ام حبيبة:
1- ينقل انها کانت من النساء العابدات و المنتميات في زمانها، تصلي کثيراً لوجه الله سبحانه و تذکره کثيراً امتثالاً لأمره سبحانه و تعالي في سورة الأحزاب و سورٍ اخري {و اذکروا الله ذکراً کثيراً و سبّحوه بکرة و اصيلا} و ايضاً نقل انها کانت تهتمّ بأمور دينها و تعاليم الإسلام الحنيف.
2- ان السيدة ام حبيبة کانت معروفة و مشهورة بالذکاء و الفطنة و حسن الرأي و في نفس الوقت کانت علي ارتباط حميم و حسنٍ مع السيدة عائشة و باقي نساء النبي (ص) هذا في وقت نري أنّ التاريخ يذکر لنا بعض المواقف الخلافية لبعض نساء النبي مع البعض الأخر لکن السيدة ام حبيبة امتازت في هذه الصفة و کما يذکر لنا ارباب التأريخ اًنها کانت تحرص علي رضائهن و ودهنّ و عدم التنازع معهن.
3- لم تصالح احداً و لا تغضي النظر علي فعل کل احد - في امور الدين و مصالح الإسلام – حتي مع ابيها لقد عقد صلح الحديبية بين المسلمين و قريش في حالٍ لم يکن ابوسفيان في مکة المکرمة، فلذلک قام أحد کبار قريش القداما ( سهيل بن عمرو العامري) بعقد الصلح و امضائه بدلاً من ابي سفيان و لابد من الألتفات لهذا الأمر ان – بني خزاعة- کانوا من المتعاعدين و المعاضدين للمسلمين و بناءً علي معاهدة صلح الحديبية لم يکن لقريش حقٌ في التعرض لهذه القبيلة. ولکن مجموعة من السفهاء و صاحبين العقول الساذجة نقضوا العهد و هجموا علي بني خزاعة فلما بلغ المسلمون هذا الأمر عزموا علي مساندة و نصرة بني خزاعة، وهنا علمت قريش بخطأها و تيقنت بخطورة هجوم المسلمين عليها و کذلک طلبوا من ابوسفيان بالذهاب الي المسلمين و ادرک الأمر ابوسفيان فعزم بالذهاب الي الرسول الاکرم (ص) ليطلب منه تمديد العهد الي اکثر من عشر سنين.
سار ابو سفيان نحو المدينة و ذهنه يعمل الآف الأفکار المتناقضة متحر و مضطرب لا يعلم ماذا يفعل أيحارب ام يصالح کان يفکر دائماً بأن ما هو الأمر الذي جعل المسلمين في هذه المنزلة و المرتبة و المکانة و في المقابل تنزلت قريش الي هذه المستوي الدني و تورطت في هذه الذلة و المهانة قبل أن يصل أباسفيان الي المدينة بدأ يفکر في أي بيت يبيت و ينزل رکبه فقال مع نفسه: لا احد اقرب الي من بيت البنتي رملة و إن کانت زوجة محمّد (ص) و لکني ابوها و تحملت الکثير في تربيتها ولي حق الأبوة عليها فستنصرني و تساعدني!!!
ولما وصل الي المدينة کان عليه قبل کل شيء ان يذهب الي رسول الله (ص) و قد فعل. فقي بدء دخوله للمدينة، ذهب الي مسجد النبي (ص) فرأي الرسول مع جمع من اصحابه هناک تقدم نحو النبي و عرض مسائله و طلباته مع رسول الله (ص) و سعي بکل جهده ان يمدد المعاهدة الي عشر سنوات فرفض الرسول (ص) و امتنع من قبول طلب ابوسفيان. فأراد ابوسفيان ان يستعين على تحقيق مراده بابنته ( السيدة ام حبيبة) فدخل دار أم حبيبة ، وفوجئت به يدخل بيتها ، ولم تكن قد رأته منذ هاجرت الى الحبشة ، فلاقته بالحيرة لا تدري أتردُّه لكونه مشركاً ؟ أم تستقبله لكونه أباهـا ؟ وأدرك أبو سفيان ما تعانيـه ابنته ، فأعفاها من أن تأذن له بالجلـوس ، وتقدّم من تلقاء نفسه ليجلس على فراش الرسـول (ص) ، فما جلس إلا وابنته تجذب الفراش لئلا يجلس عليه ، فسألها بدهشة فقال : يا بُنيّة ! أرغبتِ بهذا الفراش عني ؟ أم بي عنه ؟) فقالت أم حبيبة : بلْ هو فراشُ رسول الله (ص) وأنت امرءٌ نجسٌ مشركٌ ) فقال : يا بُنيّة ، لقد أصابك بعدي شرٌّ فقالت لا يا أبتي بل إهتديت أنا للإيمان و أنت کبير قريش إبتليت بالکفر فخرج من بيتها خائب الرجاء00
مروياتها عن رسول الله ومحافظتها على سنة النبي:
وبعد وفاة النبي ظلَّت السيدة أمُّ حبيبة -رضي الله عنها- مستمسِّكة بسُنَّته ؛ ولمَّا جاء نعي أبي سفيان من الشام دعتْ أمُّ حبيبة -رضي الله عنها- بصفرة في اليوم الثالث، فمسحتْ عارضيها وذراعيها، وقالت: إني كنتُ عن هذا لغنية، لولا أني سمعتُ رسول الله يقول: "لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا
روت أمُّ المؤمنين أمُّ حبيبة -رضي الله عنها- عن النبي عدَّة أحاديث، جعلها بَقِيّ بن مَخْلد خمسة وستِّين حديثًا، ولها في مجموع الكتب الستَّة تسعة وعشرون حديثًا، اتَّفق لها البخاري ومسلم على حديثيْن، وروى عنها أخواها معاوية وعنبسة، وابن أخيها عبد الله بن عتبة بن أبي سفيان، وعروة بن الزبير، وشُتَير بن شَكَل، وشهر بن حوشب، وأبو سفيان بن سعيد بن الأخنس وهي خالته، وأبو صالح ذكوان السمَّان، وصفية بنت شيبة، وزينب بنت أبي سلمة. وحديثها -رضي الله عنها- مشهور في تحريم الربيبة وأخت المرأة، وأيضًا حديثها في فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن مشهور، وقد رواه عنها معظم التلاميذ الذين ذكرناهم، كما حوت مرويَّاتها أحاديث في وجوب الإحداد للمرأة المتَوَفَّى عنها زوجها، وعدم جوازه لغير الزوج فوق ثلاثة أيام، والكُحْل للحادَّة... وفي أبواب الحج روت في استحباب دفع الضعفة من النساء وغيرهن من المزدلفة إلى مِنى في أواخر الليل قبل زحمة الناس، وفي أبواب الطهارة: الوضوء ممَّا مسَّته النار، وفي صلاة الرجل في الثوب الذي جامع فيه، وما يجوز للرجل من المرأة الحائض... وفي أبواب الصوم: روت في جواز القُبْلَة للصائم، وفي الدعاء بعد الأذان... وروت في العير التي فيها الجرس لا تصحبها الملائكة، وغيرها
1- روي عن السيدة ام حبيبة زوجة النبي (ص): سمعت رسول الله (ص) يقول: ما من عبد مسلم يصلي في اليوم و الليلة 12 رکعة نافلة _ اي ( الصلاة غير الواجبة) _ لوجه الله تبارک و تعالي الّا و بنا الله عز و جل له قصراً في الجنة او يبني له قصراً في الجنة. (مسلم-728)
2- نقل عن السيدة ام حبيبة و عبد الله بن عمر و ام سليم و السيدة عائشة و السيدة ميمونة و السيدة ام کلثوم و السيدة ام سلمة و ابن عباس (وهذا حديث حسن او صحيح)
و ايضاً نقل عن احمد و اسحاق انهم شهدوا ان رسول الله (ص) صلي علي الخمرة، يقول ابو عيسي (الخمرة) هي الحصيرة الصغيرة. (سنن الترمذي ج 2 ص 151-152)
3- روت زينب بنت السيدة ام سلمة عن السيدة ام حبيبة ان النبي (ص) قال: لا يجوز للمرأة المسلمة الّتي ءامنت بالله و اليوم الأخر ان تحتدّ اکثر من ثلاثة ايام - اي تترک الزينة للحداد – الّا المرأة التي توفي زوجها فتحد اربعة اشهر و عشراً.
حياة أم حبيبة بعد النبي:
عاشت السيدة أمُّ حبيبة -رضي الله عنها- بعد رسول الله ثلاثًا وثلاثين سنة، متمسِّكة بهدية، سائرة على سُنَّتِه، عميقة الصلة بالمؤمنين جميعًا، مشارِكة للمسلمين في الأحداث العظمى؛ ففي أيام الفتنة الكبرى، ولما اشتدَّ أذى المتمرِّدين على عثمان بن عفان قال الناس: لو جئتم بأمِّ المؤمنين؛ عسى أن يكفُّوا عنه. فجاءُوا بأمِّ حبيبة بنت أبي سفيان، فنظرتُ إليها وهي على بغلة بيضاء في محفة، فلمَّا جاءُوا بها إلى الدار، صرفوا وجه البغلة حتى ردُّوها.
كما كانت حسنة الصلة بأُمَّهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعًا، حريصةً على وُدِّهن واسترضائهن، ففي اللحظات الأخيرة من حياتها استدعت السيدة عائشة -رضي الله عنها- لتقول لها أمرًا غاية في الأهمِّيَّة بالنسبة لها؛ فعن عوف بن الحارث قال: سمعتُ عائشة -رضي الله عنها- تقول: دعتني أمُّ حبيبة زوج النبي عند موتها، فقالت: قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك. فقلتُ: غفر الله لكِ ذلك كله، وتجاوز وحلَّلَكِ من ذلك. فقالت: سررتني سرَّك الله. وأرسلت إلى أمِّ سلمة، فقالت لها مثل ذلك...
المنابع و المآخذ:
ابن سعد: الطبقات الكبرى 8/97، وابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 7/651، وقيل: ولدتها بمكة.
الخَدَمتين: الخَلْخالانِ، وهي حُلِيّ تلبس في الرجل من الذهب والفضة. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة خدم 12/166.
رزأ الشيء: أخذه، أو انتقصه وأصاب منه. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة رزأ 1/85.
الزباد: نوع من الطيب، قيل: يستخرج من دابة مثل السِّنَّور. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة زبد 3/192
ابن سعد: الطبقات الكبرى 8/97، 98، وابن عساكر: تاريخ دمشق 69/ 143، والصالحي: سبل الهدى والرشاد 11/194.
ابن سعد: الطبقات الكبرى 8/97، والذهبي: سير أعلام النبلاء 2/221.
الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد 5/206.
ثويبة مرضعة النبي مولاة أبي لهب. انظر: ابن حجر العسقلاني: الإصابة 7/548 (10964)، وابن الأثير: أسد الغابة 7/51.
البخاري: كتاب النكاح ، باب "وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف" (4818.
ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 8/89.
البخاري: كتاب الجنائز، باب حد المرأة على غير زوجها (1221)، ومسلم: كتاب الطلاق، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة... (1486.
المحفة: مركب للنساء كالهودج إلا أنه لا قبة له. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة حفف 9/49.
الذهبي: سير أعلام النبلاء 4/569.
ابن سعد: الطبقات الكبرى 8/100، والذهبي: سير أعلام النبلاء 2/223، وابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 7/653.
ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 7/653.
سير أعلام النبلاء/أم حبيبة
سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي
العميد محمد باكبور يشرح تفاصيل تفكيك 4 شبكات ارهابية
أعلن قائد سلاح البر في قوات حرس الثورة الاسلامية العميد محمد باكبور القضاء علي 4 شبكات ارهابية كانت تنوي القيام بأعمال اجرامية في داخل الجمهورية الاسلامية الايرانية في الايام الاولي من بدء العام الايراني الجاري.
وقال العميد محمد باكبور في تصريح لمراسل فارس حول تفاصيل تفكيك 4 شبكات ارهابية على ايدي قوات الحرس الثوري معربا: "لقد حصلنا على معلومات دقيقة ان هناك عناصر و منظمات معادية للثورة الاسلامية في الخارج قاموا بتجنيد وتأهيل فرق وشبكات ارهابية لتنفيذ عمليات انتحارية داخل البلاد".
واضاف العميد باكبور:" ان قوات الامن التابعة لقواتنا البرية بذلت بالجهد الكبير لمتابعة ومراقبة هذه الشبكات الارهابية وبفضل هذه الاجراءات والعيون الساهرة علي راحة المواطنين طاردت عناصر هذه الشبكات وتم القضاء عليها ".
واردف العميد: " لقد تم اعتقال اول شبكة في الايام الاولى من العام الايراني الجديد (اي قبل ثلاثة اشهر) حيث تم الكشف على كمية كبيرة من المتفجرات والاحزمة الناسفة التي كانت بحوزة اعضاء هذه الشبكة".
وتابع قوله :" بعد هذا النجاح كثفنا من جهودنا الامنية وحصلنا على رئوس خيوط من شبكتين اخريين في جنوب شرق البلاد حيث قمنا بعمليات عدة ادت الى تفكيك الشبكتين وهلاك 4 من عناصرها خلال الاشتباكات".
وختم باكبور قوله :"ان هناك شبكة اخرى تم القضاء عليها مؤخرا "، مضيفا:" ان قوات الحرس الثوري ستعلن قريبا عن تفاصيل وصور فوتوغرافية لتجهيزات والادوات التي كانت بحوزة هذه الشبكات الـ 4 لتبين حجم مؤامرة الاعداء على نظامنا الاسلامي ".