
Super User
حكاية خوان غوايدو: كيف صنعت واشنطن قائد الانقلاب في فنزويلا
مجموعة "أوتبور" التي دربّت الناشطين في الثورات الملوّنة دربت أيضاً غوايدو وزملاءه الناشطين
غالبية الفنزويليين لا يريدون الحرب بل يريدون الحلّ، فخوان غوايدو ليس متوقعاً أن يقود فنزويلا نحو الديمقراطية، بل إلى إنهيار بلد كان خلال العقدين الماضيين حصناً لمقاومة الهيمنة الأميركية.
في تحقيق طويل ترجمته كتب الصحافيان الاستقصائيان ماكس بلومنتال ودان كوهين تحقيقاً طويلاً في موقع "ذا غراي زون" عن قصة صعود رئيس البرلمان الفنزويلي خوان غوايدو الذي أعلن نفسه رئيساً مؤقتاً لفنزويلا.
التحقيق يروي كيف صنعت الولايات المتحدة الأميركية غوايدو ورفاقه في حزب "الإرادة الشعبية" وحركة "العدالة أولاً"، وكيف جعلت منه قائداً للمعارضة الفنزويلية ونصبته أخيراً رئيساً مؤقتاً لفنزويلا.
فقبل يوم 22 كانون الثاني/ يناير الماضي، يوم الانقلاب على شرعية الرئيس المنتخب نيكولاس مادورو، يوم إعلان خان غوايدو نفسه رئيساً مؤقتاً على فنزويلا، كان أقل من واحد من كل خمسة فنزويليين قد سمع بخوان غوايدو. قبل أشهر فقط، كان الشاب البالغ من العمر 35 عاماً شخصية غامضة في مجموعة يمينية متطرفة وهامشية سياسياً، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأعمال شغب مروّعة في الشوارع. وحتى في حزبه، كان غوايدو شخصية متوسطة المستوى في "الجمعية الوطنية" (البرلمان) التي تهيمن عليها المعارضة، بل كان نائباً بديلاً قبل أن يحالفه الحظ ويصبح رئيساً للبرلمان.
بعد مكالمة هاتفية واحدة من نائب الرئيس الأميركي مايك بينس، أعلن غوايدو نفسه رئيسًا لفنزويلا، الدولة صاحبة أكبر احتياط نفطي في العالم. وسرعان ما اعترفت كندا، وعدد من الدول الأوروبية والبرلمان الأوروبي، و"إسرائيل"، وتكتل حكومات أميركا اللاتينية اليمينية المعروفة باسم مجموعة "ليما"، بغوايدو بأنه الزعيم الشرعي لفنزويلا.
يروي التحقيق أن غوايدو كان في الواقع نتاج أكثر من عقد من الاستمالة الحثيثة من قبل نخبة مصانع تغيير النظام التابعة للحكومة الأميركية. حيث تم تدريب كوادر من الناشطين الطلابيين اليمينيين، بينهم غوايدو لتقويض حكومة فنزويلا الاشتراكية المنحى، وزعزعة استقرار البلاد، والاستيلاء على السلطة. فقد أمضى غوايدو سنوات أثبت جدارته في قاعات السلطة في واشنطن.
وبينما يتم اليوم تسويق غوايدو على أنه وجه استعادة الديمقراطية، إلا أنه أمضى حياته المهنية في أكثر فصيل متطرف بين أحزاب المعارضة الراديكالية في فنزويلا، فكان في مقدمة حملات لزعزعة الاستقرار في البلاد، وكان مسؤولاً جزئياً عن تفتيت المعارضة.
يقول رائد الاستطلاعات في فنزويلا لويس فيسينتي ليون إن هؤلاء القادة الراديكاليين في المعارضة لا يملكون أكثر من 20 % في استطلاعات الرأي، وحزب غوايدو لا يزال معزولاً لأن غالبية السكان لا يريدون الحرب بل يريدونه الحل".
ويعتقد الكاتبان أن هذا بالتحديد هو "سبب اختيار غوايدو من قبل واشنطن: فهو ليس متوقعاً أن يقود فنزويلا نحو الديمقراطية، بل إلى إنهيار بلد كان خلال العقدين الماضيين حصناً لمقاومة الهيمنة الأميركية. ويشير صعوده غير المتوقع إلى ذروة مشروع دام عقدين من الزمن لتدمير تجربة اشتراكية قوية".
فمنذ انتخاب هوغو شافيز رئيساً لفنزويلا عام 1998، حاربت الولايات المتحدة لاستعادة السيطرة على فنزويلا وعلى احتياطياتها النفطية الهائلة. صحيح أن برامج شافيز الاشتراكية قد أعادت توزيع ثروة البلاد وساعدت في انتشال الملايين من الفقر، لكنها أيضًا جعلته هدفًا لاستهدافه من قبل واشنطن.
ويشير التحقيق إلى الانقلاب الذي قامت به المعارضة اليمينية في عام 2002، حيث أطاحت بشافيز بدعم من الولايات المتحدة بشكلٍ مؤقت، قبل أن يعيده الجيش الفنزويلي إلى سدة الرئاسة استجابة للتحرك الشعبي الجماهيري المؤيد لشافيز.
كما نجا شافيز من العديد من مؤامرات الاغتيال، قبل موته بمرض السرطان في عام 2013. وقد نجا خلفه، نيكولاس مادورو، من ثلاث محاولات اغتيال هددت حياته.
أما إدارة ترامب فقد رفعت فنزويلا إلى رأس قائمة الدول المستهدفة بتغيير النظام في واشنطن، وحاولت تجنيد أعضاء من القادة العسكريين الفنزويليين لتشكيل المجلس العسكري والانقلاب على مادورو، ولكن هذه الجهود فشلت.
وقد تورّطت واشنطن في مؤامرة للقبض على مادورو في قصر ميرافلوريس الرئاسي، ومحاولة اغتياله في عرض عسكري في يوليو/ تموز 2017. ثم حاول قادة المعارضة المنفيون في صيف 2018 قتل مادورو بقنابل من طائرة بدون طيار خلال عرض عسكري في كاراكاس، لكنهم فشلوا في ذلك.
في موازاة ذلك، وقبل أكثر من عقد على هذه المؤامرات، تم اختيار مجموعة من طلاب المعارضة اليمينيين من قبل نخبة من أكاديمية تغيير النظام الممولة أميركياً للإطاحة بحكومة فنزويلا واستعادة النظام النيوليبرالي. ففي الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر 2005، وصل خمسة "قادة طلابيين" فنزويليين إلى بلغراد، عاصمة صربيا، لبدء التدريب على الانتفاضة في مركز العمل والاستراتيجيات اللاعنفية CANVAS.
ويتم تمويل هذه المجموعة من خلال "الصندوق الوطني للديمقراطية"، وهو عبارة عن واجهة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أيه) ويعمل بمثابة الذراع الرئيسية للحكومة الأميركية لتشجيع تغيير النظام.
ووفقًا لرسائل البريد الإلكتروني الداخلية التي تم تسريبها من معهد ستراتفور، وهو شركة استخبارات تُعرف باسم "ظل السي آي إيه"، فإن مركز "كانفاس" CANVAS قد يكون تلقى تمويلاً وتدريبًا من وكالة الاستخبارات الأميركية خلال النضال ضد الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش في عامي 1999 - 2000.
"كانفاس" CANVAS هو عبارة عن مجموعة من جماعة "أوتبور" Otpor، وهي جماعة احتجاج صربية أسستها سرغيا بوبوفيتش في عام 1998 في جامعة بلغراد.
كانت "أوتبور"، التي تعني "المقاومة" في اللغة الصربية، هي المجموعة الطلابية التي اكتسبت شهرة دولية – وتم الترويج لها على مستوى هوليوود - من خلال تعبئة الاحتجاجات التي أطاحت في نهاية المطاف بسلوبودان ميلوسيفيتش.
وكانت هذه الخلية الصغيرة من أخصائيي تغيير النظام تعمل وفقًا لنظريات الراحل جيني شارب Gene Sharp، الذي عمل مع المحلل السابق في وكالة الاستخبارات العسكرية، العقيد روبرت هيلفي، لإعداد مخطط استراتيجي يجعل الاحتجاج شكلاً من أشكال الحرب الهجينة، ويصوّبه إلى الدول التي قاومت هيمنة واشنطن الأحادية القطبية.
وقد تم دعم "أوتبور" Otpor من قبل "الصندوق الوطني للديمقراطية"، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ومعهد ألبرت أينشتاين التابع لشارب. كما تلقت المجموعة تمويلاً مباشراً من "السي آي إيه".
ووفقًا لرسالة إلكترونية تم تسريبها من أحد موظفي مركز "ستراتفور"، بعد أن خرج ميلوسيفيتش من السلطة، "لقد كبر الأطفال الذين أقاموا في أوتبور"، وحصلوا على بدلات وصمموا "كانفاس" .. أي مجموعة "تصدير الثورة "التي زرعت بذور عدد من "الثورات الملوّنة". فهم ما زالوا مدمنين على التمويل الأميركي ويذهبون إلى كل أنحاء العالم في محاولة للإطاحة بالدكتاتوريين والحكومات الاستبدادية (التي لا تحبّها الولايات المتحدة)".
وكشف "ستراتفور" أن "CANVAS" حوّلت انتباهها إلى فنزويلا في عام 2005، بعد تدريب حركات المعارضة التي قادت عمليات تغيير النظام الموالية لحلف الأطلسي في جميع أنحاء أوروبا الشرقية. وقد حدد "ستراتفورد" أجندة التمرد: "النجاح ليس مضمونًا بأي حال، والحركات الطلابية هي فقط في بداية ما يمكن أن يكون جهدًا طويلًا لإطلاق ثورة في فنزويلا... عندما ترى طلاباً في خمس جامعات فنزويلية يقومون بتظاهرات متزامنة، ستعرف أن التدريب قد انتهى وأن العمل الحقيقي قد بدأ".
خلق كوادر تغيير النظام.. "الجيل 2007"
غوايدو خلال قسمه في البرلمان لدى إعلان نفسه رئيساً مؤقتاً لفنزويلا
يكشف التحقيق أن "العمل الحقيقي" قد بدأ بعد ذلك بعامين، في عام 2007، عندما تخرج غوايدو من جامعة أندريه بيلو الكاثوليكية في كاراكاس، وانتقل إلى واشنطن العاصمة للالتحاق ببرنامج إدارة الحكم والسياسة في جامعة جورج واشنطن.
في ذلك العام، ساعد غوايدو في قيادة التجمعات المناهضة للحكومة بعد رفض الحكومة الفنزويلية تجديد ترخيص تلفزيون راديو كراكاس (RCTV) المملوكة للقطاع الخاص والتي لعبت دوراً قيادياً في انقلاب عام 2002 ضد شافيز. فمن الاحتجاجات حول تلك قناة وضد الاستفتاء الدستوري، ولد كادر متخصص من نشطاء تغيير النظام من الطبقة المدعومة من الولايات المتحدة وأطلقوا على أنفسهم اسم "الجيل 2007".
نشر موقع "ويكيليكس" بريدًا إلكترونيًا من عام 2007 يعود للسفير الأميركي في فنزويلا، وليام براونفيلد، أُرسل إلى وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي ووزارة الدفاع الأميركية، أشادت بـ"الجيل 2007" لقيامها "بإجبار الرئيس الفنزويلي على القيام برد فعل مبالغ فيه".
وبعد تدفّق الأموال النقدية من الأوليغارشية الليبراليين ومجموعات القوة الناعمة في حكومة الولايات المتحدة، أخذ الكوادر الفنزويليون المتطرفون تكتيكات "أوبتور" Optor إلى الشوارع.
وفي عام 2009 ، قام نشطاء "الجيل 2007" بتظاهراتهم الأكثر استفزازاً، وإرساء تكتيكات مسرح "حرب العصابات" الفاضحة التي رسمها جين شارب في دليل تغيير النظام. وقد حدد العديد من الفنزويليين غوايدو كأحد المشاركين الرئيسيين.
في تلك السنة، عرض غوايدو نفسه للجمهور بطريقة أخرى، حيث أسسّ حزباً سياسياً أطلق عليه اسم "الإرادة الشعبية"، وقاده ليوبولدو لوبيز، وهو من الجناح اليميني وخريج جامعة برنستون الأميركية، وهو متورط بقوة في برامج "الصندوق الوطني للديمقراطية" الأميركي، وانتُخِب رئيسًا لبلدية مقاطعة كاراكاس التي كانت واحدة من أغنى البلديات في البلاد.
كان لوبيز صورة لأرستقراطية فنزويلية، ينحدر مباشرة من أول رئيس لبلاده.
ورغم أن اهتمامات لوبيز تتماشى بدقة مع اهتمامات واشنطن، فقد أبرزت البرقيات الدبلوماسية الأميركية التي نشرها "ويكيلياكس" لوبيز بأنه "شخصية مثيرة للانقسام داخل المعارضة ... وغالباً ما يوصف بأنه متعجرّف، ومنتقد، ومتعطّش للسلطة". وأبرزت برقيات آخرى هوسه بالمواجهات في الشارع و"نهجه المتصلّب" كمصدر للتوتر مع قادة المعارضة الآخرين الذين أعطوا الأولوية للمشاركة في المؤسسات الديمقراطية في البلاد.
بحلول عام 2010، تحرك حزب "الإرادة الشعبية" وأنصاره الأجانب لاستغلال أسوأ موجة جفاف ضربت فنزويلا خلال عقود. وقد ضرب البلاد نقصٌ هائلاً في الكهرباء بسبب قلة المياه، التي كانت مطلوبة لتشغيل محطات الطاقة الكهرو-مائية.
تسبب الركود الاقتصادي العالمي وانخفاض أسعار النفط في تفاقم الأزمة، ما أدى إلى استياء الرأي العام. وقام كل من معهدي ستراتفور وكانفاس، المستشارين الرئيسيين لغوايدو وكادره، بوضع خطة لضرب الثورة البوليفارية.
راهن هذا المخطط على انهيار النظام الكهربائي في البلاد بنسبة 70٪ بحلول نيسان/ أبريل 2010. وكانت المعارضة الفنزويلية تتلقى نحو 40 -50 مليون دولار سنوياً من منظمات حكومية أميركية مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية و"الصندوق الوطني للديمقراطية".
وفي حين أن السيناريو الذي تم تصوّره من قبل "ستراتفور" لم يؤتِ ثماره، فإن نشطاء حزب "الإرادة الشعبية" وحلفاءهم انضموا إلى خطة راديكالية لزعزعة استقرار البلاد.
ففي تشرين الثاني / نوفمبر 2010، وذلك وفقاً لرسائل البريد الإلكتروني التي حصلت عليها الأجهزة الأمنية الفنزويلية، تلقى غوايدو ورفاقه والعديد من النشطاء الطلاب تدريباً سرياً لخمسة أيام في مكسيكو، عاصمة المكسيك، من قبل مجموعة "أوتبور".
ووضع غوايدو وزملاؤه خطة للإطاحة بالرئيس هوغو شافيز عن طريق توليد فوضى من خلال اضطرابات عنيفة وطويلة المدى في الشوارع.
في أيار/ مايو 2014، أصدرت كاراكاس وثائق توضح بالتفصيل مؤامرة اغتيال الرئيس نيكولاس مادورو. وحددت التسريبات هوية ماريا كورينا ماتشادو ومقرها ميامي كقائدة لهذه الخطة، وهي تعمل كحلقة وصل دولية للمعارضة، وقد زارت الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش في عام 2005.
كتبت ماتشادو في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى دييغو أريا، الدبلوماسي الفنزويلي السابق، في عام 2014: "أعتقد أن الوقت قد حان لتوحيد الجهود،.. والحصول على تمويل لإبادة مادورو، والباقي سينهار".
وفي رسالة إلكترونية أخرى، زعمت ماتشادو أن المؤامرة العنيفة كانت بمباركة السفير الأميركي في كولومبيا، كيفن ويتاكر. وقالت: "لقد اتخذت قراري بالفعل وستستمر هذه المعركة حتى يتم إسقاط هذا النظام ونقدّمه لأصدقائنا في العالم. إذا ذهبت إلى سان كريستوبال وعرّفت نفسي أمام منظمة الدول الأميركية، فأنا لا أخشى شيئًا. وقد أكد كيفن ويتاكر بالفعل دعمه وأشار إلى الخطوات الجديدة. لدينا دفتر شيكات أقوى من النظام لكسر حلقة الأمن الدولية من حوله".
في شهر شباط / فبراير 2014، قام المتظاهرون الطلاب بإقامة الحواجز العنيفة في جميع أنحاء البلاد، ليحوّلوا الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة إلى قلاع عنيفة تعرف باسم "غواريمباس" guarimbas. في حين صوّرت وسائل الإعلام الدولية الاضطرابات باعتبارها احتجاجًا عفويًا ضد حكم مادورو ذي القبضة الحديدية، كان هناك دليل كبير على أن حزب "الإرادة الشعبية" يقوم بتنظيمها.
وقد قُتل حوالي 43 شخصًا خلال أعمال شغب "غواريمباس" في عام 2014. بعد ثلاث سنوات، اندلعت الأعمال الشغب مجدداً، مما تسبب في تدمير شامل للبنية التحتية العامة، وقتل مؤيدي الحكومة، وموت 126 شخصاً. وفي حالات عدة، أُحرق أنصار الحكومة وهم على قيد الحياة من قبل العصابات المسلحة.
شارك غوايدو مباشرة في أعمال شغب "غواريمباس" لعام 2014. في الواقع، قام بالتغريد على توتير بفيديو يظهر نفسه فيه مرتديًا خوذة وقناع غاز، ومحاطًا بعناصر مقنعة ومسلّحة أغلقت طريقًا سريعًا حيث كانوا يشتبكون في صدام عنيف مع الشرطة. وقد حذف غوايدو التغريدة لاحقاً، خشية تأثيرها على صورته "كبطل للديمقراطية".
في عام 2017، ومع تصاعد العنف والاستقطاب السياسي في جميع أنحاء البلاد، بدأت الحكومة الفنزويلية في التحرك ضد قادة حزب "الإرادة الشعبية" الذين ساعدوا في تأجيج أعمال الشغب.
فريدي غيفارا، نائب رئيس الجمعية الوطنية والرجل الثاني في قيادة حزب "الإرادة الشعبية"،كان قائدًا رئيسيًا في أعمال الشغب في الشوارع في م 2017، فر من المحاكمة لدوره في أعمال العنف، ولجأ إلى السفارة التشيليّة حيث لا يزال هناك.
كارلوس غريف، وهو عضو آخر من "الجيل 2007" المدربين من قبل منظمة "أوتبور" والذي قاد حزب "الإرادة الشعبية"، اعتقل في يوليو/ تموز 2017.
وبحسب الشرطة الفنزويلية، وُجدت في حوزته حقيبة مليئة بالمسامير والمتفجرات. وتم الإفراج عنه في 27 كانون الأول/ ديسمبر 2017.
ليوبولدو لوبيز، زعيم حزب "الإرادة الشعبية" لفترة طويلة، هو الآن تحت الإقامة الجبرية، ومتهم بلعب دور رئيسي في وفاة 13 شخصاً أثناء أعمال شغب "غواريمباس" في عام 2014. يون غويكويشيا، مؤسس حركة "العدالة أولاً" المدعومة من الولايات المتحدة، أُلقيّ عليه القبض في عام 2016 من قبل قوات الأمن التي عثرت على كيلو من المتفجرات في سيارته. وتم إطلاق سراحه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017.
ديفيد سمولانسكي، وهو عضو في "الجيل 2007" المدرّب من قبل "أوتبور"، وأصغر عمدة في فنزويلا على الإطلاق عندما تمّ انتخابه في عام 2013 في ضاحية "إل هاتيلو" الراقية. ولكن تم تجريده من منصبه وحكمت عليه المحكمة العليا بالسجن لمدة 15 شهراً بعد أن وجدته مذنباً بإثارة أعمال "غواريمباس" العنيفة. لكنه فرّ إلى واشنطن.
يخلص التحقيق الصحافي إلى أن حزب "الإرادة الشعبية" قد انهار نسبياً نتيجة حملة العنف لزعزعة الاستقرار التي قادها، حيث ابتعدت قطاعات واسعة من الجمهور عنه فيما أضحى الكثير من قيادته في المنفى أو في الاحتجاز.
وظل غوايدو شخصية ثانوية نسبياً، بعد أن أمضى تسع سنوات في "الجمعية الوطنية" (البرلمان) نائباً بديلاً. لكن كيف أصبح غوايدو رئيساً للبرلمان، فهو لم ينتخب لهذا المنصب.
إذّ قررت أحزاب المعارضة الأربعة إقامة رئاسة متناوبة للبرلمان. كان دور حزب "الإرادة الشعبية" في تسلّم الرئاسة، لكن مؤسسه لوبيز كان تحت الإقامة الجبرية، فيما لجأ غيفارا، المسؤول الثاني في الحزب، إلى السفارة التشيلية. وكان ينبغي أن يتولى خوان أندريس ميجيا المنصب، ولكن لأسباب ليست واضحة حتى الآن، تم اختيار خوان غوايدو لرئاسة البرلمان.
في كانون الأول/ ديسمبر عام 2018، تسلل غوايدو عبر الحدود وهرع إلى واشنطن وكولومبيا والبرازيل لتنسيق خطة لتنظيم تظاهرات حاشدة خلال تنصيب الرئيس مادورو. وفي الليلة التي سبقت مراسم التنصيب، دعا نائب الرئيس الأميركي مايك بينس غوايدو لتأكيد دعمه له. وقد وافق ترامب على أنه إذا أعلن غايدو نفسه رئيسًا، فسوف يدعمه.
يقول كاتبا التحقيق إن غوايدو قد يكون شخصية غامضة، لكن مزجه بين الراديكالية والانتهازية يرضي احتياجات واشنطن، فإدارة ترامب قالت عن غوايدو: "هذه القطعة الداخلية كانت مفقودة. لقد كان الجزء الذي نحتاجه لاستراتيجيتنا لتكون متماسكة وكاملة".
هيثم مزاحم
"وارسو" حلف من دون حلفاء
إلى أين تذهب "وارسو" بالحلف والحلفاء لطرفين هما "بومبيو والشرق الأوسط" ضد إيران؟، وكان الأحق وقف حروب طالت المنطقة بين شام ويمن، وتسبّبت في تشريد ومجاعات لملايين المدنيين العُزَّل.
البداية مع الإعلان عن قمّةٍ مُزمَع عقدها في بولندا (13 و14 شباط/ فبراير) المقبل "سنجمع عشرات الدول من جميع أنحاء العالم"، حيث "ستجتمع الدول جميعاً للتركيز على الاستقرار والسلام والحرية والأمن في الشرق الأوسط، وهذا يشمل عنصراً مهماً وهو التأكيد على ألا يكون لإيران نفوذ مزعزع للاستقرار"، هكذا صرّح بومبيو من القاهرة.
نعم التحالف ضد إيران ليس بالأمر الجديد، فمنذ إطاحة الشاه والإدارات الأميركية المُتعاقبة تحاول ذلك. وإن يُعدّ هذا الإعلان أحدث خطوة في سعي إدارة ترامب لما تسميه (حملة ضغط) ضد إيران، تتضمّن الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني وتشديد العقوبات عليها سعياً إلى عزلها. وهي دعوة صريحة من بومبيو إلى ضرورة التصدّي للنظام الإيرانى بدلاً من إقامة العلاقات معه. قائلاً إن واشنطن ستطرد "آخر جندي إيراني" من سوريا بـ"الدبلوماسية". على النقيض تماماً ترى الخارجية الأميركية أن الشراكة مع دول الخليج ضرورية من أجل حماية إمدادات الطاقة العالمية ومُحاربة ما يُسمّى بـ"الإرهاب الإسلامي الراديكالي"، بالإضافة إلى ما تسميه بـ"مواجهة العدوان الإيراني".
يحدث كل ذلك في عديد العواصم بين البحرين إلى الإمارات ثم قطر والسعودية وسلطنة عُمان والكويت، أي كل دول مجلس التعاون الخليجي الست. من أجل مجلس تعاون خليجي مُتّحد هو حجر الأساس للسلام الإقليمى والازدهار والأمن والاستقرار، وهو ضروري لمواجهة أكبر تهديد للاستقرار الإقليمي وهو النظام الإيراني. هكذا تأتي رسائل القاهرة بما تضمّنته من حشد بومبيو ضد إيران، ومهاجمته سياسات أوباما، في المنطقة. فمن القاهرة أفصح "بومبيو" عن رؤية أميركا في الشرق الأوسط، كما أنه صوّب أعيرة حديثة على سياسات أوباما بقوله إنه "حان الوقت أن ينتهي عار الولايات المتحدة في المنطقة". مُصرِّحاً أن الولايات المتحدة "غائبة" عن مصر خلال إدارة أوباما، واتّهمه بوضع "سوء فَهْم جوهري" في خطابه في القاهرة عام 2009.
رغم كل المساعي السالِفة لبومبيو عبر عواصم الشرق الأوسط إلا أن "الأوروبيين لن يشاركوا بسبب اختيار واشنطن وارسو مكاناً لإنعقاد القمّة كمحاولة لشقّ الصف الأوروبي". هكذا هم الرفاق حائرون، فـ"المشاركون في آخر الاجتماعات المُناهضة لإيران إما ماتوا أو فُضِحوا أو هُمّشوا، والحكومة البولندية غير قادرة على إزالة وصمة العار هذه، فبينما إيران هي التي أنقذت البولنديين في الحرب العالمية الثانية، باتت بصدَد استضافة مسرحية يائسة لمُناهضي إيران". هكذا علّقت إيران على القمّة على لسان محمّد جواد ظريف.
بالطبع فإن جولة بومبيو مُبرمَجة، ورحلة ذات أهداف رئيسية، منها تشجيع الدول العربية على إقامة "تحالف استراتيجي شرق أوسطي" ضد إيران؛ مع ضمان سلامة مجلس التعاون الخليجي وتجنّب الولايات المتحدة فُقدان نقطة الارتكاز الاستراتيجية في الشرق الأوسط؛ كذلك استرضاء الحلفاء العرب لتخفيف خيبة أملهم والقلق بشأن الانسحاب الأميركي من سوريا؛ مع مطالبة الدول العربية بتقديم المزيد من الدعم المالي، والتفنّن في حَلْب المنطقة.
نعم لا يزال "الدور الجديد" للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط غير واضح المعالم، ويُعتَبر الخطاب الذي ألقاه بومبيو في القاهرة بعد ظهر يوم 10 كانون الثاني / يناير بمثابة بيان شامل للاتجاه المستقبلي لسياسة الحكومة الأميركية في الشرق الأوسط. وتبقى الزيارة تظهر أن موقف الحكومة الأميركية الحالي بشأن القضايا العملية الإقليمية أقل وضوحاً من موقف الحكومات السابقة. وقد تندرج البلدان التي زارها بومبيو خلال هذه الجولة في "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي". فالشقوق بين دول مجلس التعاون الخليجي بسبب الأزمة الخليجية يصعب ترميمها، على الرغم من أن هذه الدول لن تنقسم على المدى القريب، ولكن انعدام الثقة المُتبادَلة أمر خطير.
الفرضيات تقول إنه قد لا تتبع الدول العربية الأخرى وتيرة السعودية وتنضمّ إلى هذا التحالف، حتى لو تمّ تأسيسه، فقد يكون مُجرّد هيكل فارغ. عليه يكون أكبر مكسب لرحلة بومبيو هو الدعم المالي من دول الخليج، وتوقيع مذكرة توسيع القاعدة العسكرية الأميركية مع قطر التي ستزيد تمويلها لتوسيعها، وزيادة استثماراتها في الولايات المتحدة من (30 مليار دولار إلى 45 مليار دولار) في العامين المقبلين. وإن كانت هذه النتائج المحدودة ليست كافية لحل مُعضلة الشرق الأوسط الحالية.
الحقيقة الواقعة هنا هي أن "وارسو" الحلف والحلفاء، يُعدّ مناورة جديدة للولايات المتحدة بالتنسيق مع حلفائها لتوحيد الجهود الدبلوماسية على المستوى الدولي لفرضِ مزيدٍ من الضغوط على إيران. وما عَقْد مثل هذا المؤتمر في هذا التوقيت، إلا لزيادةٍ غير مسبوقة من الضغوط السياسية والاقتصادية على نظام طهران، حتى يُصعد التوتّر في الداخل الإيراني لا سيما مع تأزّم الموقف مع الجانب الأوروبي. وما إعلان الولايات المتحدة انسحاب قواتها تدريجاً من سوريا وتحرّكاتها في العراق، إلا ليؤكّد مُضيّ واشنطن قُدُماً في التحالف ضد إيران.
يبقى أن نهج بومبيو المُتشدِّد، من المُرجَّح أن يتمّ الترحيب به في دوائر السياسة الخارجية العربية، حيث يعتقد الكثيرون أن مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان أقل أهمية من تعزيز القوّة الأميركية في منطقةٍ يوجد فيها العديد من حلفاء الولايات المتحدة. فبومبيو لم يُشِر فى خطاب القاهرة إلى حقوق الإنسان، بل إنه ألقى باللّوم على تردّد الولايات المتحدة في استخدام السلطة مع تفاقُم الأزمة المُتصاعِدة في سوريا.
فإلى أين تذهب "وارسو" بالحلف والحلفاء لطرفين هما "بومبيو والشرق الأوسط" ضد إيران؟، وكان الأحق وقف حروب طالت المنطقة بين شام ويمن، وتسبّبت في تشريد ومجاعات لملايين المدنيين العُزَّل.
محمد عبد الرحمن عريف، كاتب وباحث في تاريخ العلاقات الدولية والسياسة الخارجية
الحريري: وضعت مسودة للبيان الوزاري وفقرة المقاومة ستكون كما وردت في البيان السابق
رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري يعلن أنه وضع مسودة للبيان الوزاري لحكومته الجديدة ويعتقد أن يوم الثلاثاء المقبل سينتنهي منها، وأن فقرة المقاومة ستكون كما وردت في البيان السابق لحكومته الثانية.
أعلن رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري اليوم السبت أنه وضع مسودة للبيان الوزاري لحكومته الجديدة، معتقداً أن يوم الثلاثاء المقبل على أبعد تقدير ستنتهي مسودة البيان، وأن فقرة المقاومة ستكون كما وردت في البيان السابق.
وكان الحريري التقط صباحاً الصورة التذكارية الرسمية لحكومته مع كل من الرئيسين ميشال عون ونبيه بري.
كما عقدت الحكومة أولى جلساتها في قصر بعبدا، حيث يجري تأليف لجنة لصياغة البيان الوزاري.
وتعقد اللجنة أول اجتماع لها يوم الإثنين المقبل في السراي الحكومي وسط بيروت.
وجاء في البيان الوزاري السابق لحكومة الحريري الثانية:
"أما في الصراع مع العدو الإسرائيلي فإننا لن نألو جهداً ولن نوفر مقاومة في سبيل تحرير ما تبقى من أراضٍ لبنانية محتلة وحماية وطننا من عدو لما يزل يطمع بأرضنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية، وذلك استناداً إلى مسؤولية الدولة ودورها في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدته وسلامة أبنائه".
وتابع البيان "تؤكد الحكومة على واجب الدولة وسعيها لتحرير مزراع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، وذلك بشتى الوسائل المشروعة، مع التأكيد على الحق للمواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة".
وكان الأمين العام لمجلس الوزراء اللبناني فؤاد فليفل، قد أعلن الخميس الماضي، مرسوم تشكيل الحكومة اللبنانية برئاسة الحريري من القصر الجمهوري في بعبدا بعد 9 شهور من التكليف.
وبعد إعلان التأليف، قال الحريري في كلمة له إنّ وجوده في الحكومة "مهمة ليست سهلة"، مضيفاً "لكن لا خيار أمامي سوى تحمل المسؤولية".
واعتبر الحريري أنّ اللبنانيين "مروا بمرحلة سياسية صعبة يجب أن نطويها وننتقل للعمل".
وأذِّن في الناس بالحجّ
{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}، وأعلن ذلك في كلّ نداءاتك، كتشريع تقرّره وتثبته، لا مجرد صوت تطلقه، ليشعروا ـ من خلال ذلك ـ بأنّ هناك إلزاماً إلهيّاً يدفعهم إلى الامتثال، ويقودهم إلى الطاعة، فـ {يَأْتُوكَ رِجَالاً} راجلين سائرين على أقدامهم، {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} أي بعير مهزولٍ من شدّة التعب والجهد، {يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ} أي طريق بعيد، لما توحيه كلمة العمق من امتداد ضارب في المجهول، {لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ} في ما يحصلون عليه من خلال الحجّ من منافع دنيوية يحققها لهم اجتماعهم على مستوى التعارف والتبادل والتعاون والتشاور في المشاكل التي يعيشونها فكراً وواقعاً، عبر ما يثيرونه من قضايا، وما يحدّدونه من أهداف، وما ينتظرونه من حلول.
وبذلك، تسقط الحواجز المادية والنفسية التي تضعها الفواصل العرقية واللونية والقومية بين الناس، ليلتقوا على صعيد واحد، هو الإيمان بالله، والسير على منهجه، والالتزام بدينه، والجهاد في سبيله، طلباً لرضاه، ما يوفّر لهم الخروج من الدوائر الضيّقة التي يحبسون حياتهم فيها، لينطلقوا إلى الدائرة الواسعة التي تحتويهم جميعاً، مما ينقذهم من مشاكل التجزئة في حلّ القضايا العامة التي قد يستغرقون معها في خصوصياتهم، فيسيئون بذلك إلى تلك القضايا من حيث يريدون أو لا يريدون، لابتعادهم عن الأسس التي ترتكز عليها القضايا الإسلامية لجهة علاقتها ببعضها البعض، وارتباطها بالهدف الكبير الذي يتحرك فيه الإسلام في الحياة.
وهكذا، تتواصل المنافع الدنيوية في رحاب الحجّ، لتصل إلى مستوى توحيد الموقف السياسي، والتصوّر الفكري، وتحقيق التكامل الاقتصادي، والمواجهة الموحدة للقوى الطاغية وغيرها. وهذا ما يمكن الوصول إليه في هذا المؤتمر العالمي السنوي الذي يتشكل بطريقةٍ عفويةٍ، امتثالاً لأمر الله في العبادة، ليمتدّ إلى امتثال أمره في حركة الإنسان في الواقع.
أما المنافع الروحية التي تتداخل ـ في أكثر من موقع ـ مع المنافع الماديّة، فتأتي من التشريعات الإسلامية المتصلة بواجبات الحجّ المتنوّعة التي تحقّق لكلّ جانب من جوانب شخصيّة الإنسان، حركة روحيّة تغذّي فيه علاقته بالله وإخلاصه له، وشوقه للوصول إلى درجات القرب عنده في دار النعيم.
وهكذا يريد الله للناس في الحجّ أن يأتوا إلى رحاب البيت، ليشهدوا ـ من مواقع الوعي والمعاناة ـ المنافع التي يجدونها أمامهم عند الوصول، أو التي يحقّقونها بعده، {وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَـاتٍ}، هي أيّام التشريق التي تبدأ من يوم الأضحى حتى الثالث عشر من ذي الحجة، على ما ذكر في أحاديث أئمة أهل البيت(ع)، أو هي أيام الحجّ.
{عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأنعام} من الإبل والبقر والغنم، إذا ذبحوها أو نحروها في نسكهم، حيث جعل الله ذلك تعبّداً منهم له تعالى، لتكون قرباناً له، إذ أحلّ لهم هذه الأضحية، وجعل لها معنى يتصل بالجانب الإيماني من حياتهم، ما يوحي بهذا التزاوج في التشريع، بين ما هو روحي وما هو مادي في حياة الناس، إذ يجب أن لا يستغرقوا في حياتهم في جانب واحد، فالله هو الذي خلق الروح التي تلتقي به لتعبده، وهو الذي خلق المادّة لتكون شاهداً على سرّ الإبداع في عظمته، وهو الذي خلق الأنعام وأراد للإنسان أن يتقرّب بها إليه، تنميةً للحياة التي شاء لها أن تكون خاضعةً لقانون التضحية بحياة مخلوقة لله من أجل حياةٍ أخرى، يريد لها أن تؤكّد إرادته في دور الخلافة على الأرض.
العلامة السيد محمد حسين فضل الله
*من كتاب "تفسير من وحي القرآن"، ج 16.
لماذا تفشل حسابات ترامب لغزو فنزويلا وأميركا اللاتينية؟
ما يرشح عن رغبة ترامب وصقور إدارته بأن تكون فنزويلا مقدمة للسيطرة على أميركا اللاتينية، لا تعوزه تصريحات ترامب وتسريبات بعض المسؤولين الأميركيين، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال". لكن مراهنة ترامب على حلفائه لتحقيق طموحاته بسبب تهدور القوّة الأميركية، تتجاوز قدرتهم على تغيير المعادلات اللاتينية والدولية لمصلحة واشنطن ولا يتطوّعون لحرب طاحنة من أجلها.
عضو مجلس الشيوخ الأميركي من أصل كوبي، ماركو روبيو، نطق بلسان ما يجول في خاطر ترامب لغزو فنزويلا مقدمة لإسقاط كوبا والعودة إلى الحديقة الخلفية في أميركا اللاتينية ابتداء من كاراكاس. لكنه أفصح عن بعض ما يتوجب على ترامب أن يقدّمه كخطوة أولى بعد الاعتراف برئاسة خوان غوايدو منها تزويد غوايدو بملايين الدولارات لشراء الأسلحة وإنشاء جيش من المرتزقة ضد الجيش الفنزويلي ونظام الحكم.
وقد تكون ورقة جون بولتون المكتوب عليها إشارة 5000 جندي هي في هذا السياق، وكذلك إشارة ترامب إلى إمكانية تسليم العائدات النفطية الفنزويلية في أميركا إلى غوايدو.
هذه الإجراءات الموعودة بشأن عائدات النفط الفنزويلي أجرته واشنطن منذ عام 2015 بمصادرة حوالي ثلاث مليارات في أميركا وفي بنك باركليز نتيجة العقوبات الأميركية. وقد اضطرت إلى استمرار شراء حوالي 500 ألف برميل من فنزويلا لأن المصافي الأميركية في خليج المكسيك تعتمد على النفط الفنزويلي الثقيل في مزجه مع الخفيف وفي حال تعرضت عائداتها للمصادرة تقطع فنزويلا الإمدادات تلقائياً ولا تتضرر أكثر مما تتضرر واشنطن. ويبقى الاحتمال مفتوحاً لزيادة الصادرات إلى كل من الهند والصين أكثر من 300 ألف برميل لكل منهما.
وجيش المرتزقة قائم حالياً في كولومبيا يقوم بكل ما يستطيع من التخريب في فنزويلا الذي وصل إلى محاولة اغتيال مادورو. والأكثر خطورة على فنزويلا أن هذا الجيش من المرتزقة يتحكم بالتجارة مع فنزويلا التي تغطي تكاليفها الحكومة الفنزويلية بالعملة الصعبة والسعر الرسمي للدولار، وهو سبب رئيس من أسباب التضخم وانهيار العملة وفساد بعض الفئات الإدارية والحكومية.
ليس بمثل هذه الإجراءات الشاحبة والانتقائية يمكن أن تطمح واشنطن بالسيطرة على فنزويلا وأميركا اللاتينية. فهي منذ ما يُعرف "بعقيدة مونرو" العام 1823 حين رأت أن أميركا الجنوبية ملكاً خاصاً لأميركا، جنّدت أجهزة الدولة والاستخبارات والجيش والميزانيات من أجل هذا المسعى. وقد اعتمدت في كل دولة من أميركا اللاتينية على الجنرالات والميليشيات وآليات دعم لوجستي واستراتيجي.
ولم يعد يوجد من هذه الأساطيل سوى النذر القليل من البقايا في الدول الحليفة لأميركا كالبرازيل والأرجنتين وتشيلي والدول الصغيرة الأخرى وليس في كوبا وفنزويلا والدول البوليفارية.
ما تختاره واشنطن كحصان طروادة في فنزويلا، دليل واضح على عدم عثور ترامب على أحد الجنرالات وأحد الرجال الأقوياء لأن فنزويلا محصّنة من التدخل الأميركي بسبب تجربة طويلة وقرون من العبودية والاستغلال.
وقد تجاوزت أميركا اللاتينية بشكل عام ما يمكن أن يسري بعض الشيء من التضليل في مناطق أخرى بشأن السردية الأميركية للحرية والديمقراطية ومكافحة الاستبداد. فالغالبية العظمى من الفئات التي تحتج على الأزمة الاقتصادية، لا تنطلي عليها المزاعم الأميركية بالتحرر والديمقراطية.
خوان غوايدو الذي وجده مايك بومبيو الأكثر تأهيلاً للانقلاب على مادورو، تمرّس على أيدي مربيه في جامعة جورج تاون في أميركا أن تسليم الثروة النفطية الاحتياطية البالغة 300 مليار برميل إلى الشركات الأميركية، من شأنها أن تؤدي إلى الازدهار إذا أُوكلت إدارتها إلى القطاع الذي يدرّسه خوان غوايدو فيما يسمى مبادرات الأعمال الخاصة. فهو كغيره في هذه المدرسة يعتقد أن نجاح أعمال بعض الفئات المتحكمة بالثروات العامة، حل للأزمات الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها غالبية الفئات. وما فات غوايدو في جورج تاون اكتسبه في مجموعة براغ التي تعلّم روادها على "الحسّ الإنساني" في الدفاع عن "إسرائيل" كما عبّر غوايدو لنتنياهو.
الدول الحليفة لواشنطن في أميركا اللاتينية، لا تجد نفسها رأس حربة لتحقيق أحلام ترامب ولا تعوّل على غوايدو. فمجموعة "ليما" المؤلفة من 14 دولة مع كندا والمحسوبة حلفاً أميركياً، أيّدت غوايدو لكنها ترفض أي تدخّل عسكري للإطاحة بالرئيس مادورو بحسب وزير خارجية البيرو ألبيرو نيستور، وبحسب دعوة وزيرة الخارجية الكندية كريستا فريلاند.
وهو الموقف نفسه الذي عبّر عنه البرلمان الأوروبي على الرغم من اعترافه برئاسة غوايدو. والإشارة هي إلى ما سيسفر عنه اجتماع وزراء الخارجية للاتحاد الأوروبي.
في مقابل الحلف الأميركي تعمل المكسيك والأرغواي إلى حوار داخلي كما دعا الرئيس مادورو. ويؤيدهما العديد من الدول اللاتينية كبوليفيا ونيكاراغوا والعديد من الدول المؤثرة كجنوب أفريقيا والهند والصين وإيران وروسيا وتركيا، فما يسعى إليه ترامب في فنزويلا وأميركا اللاتينية تجاوزته المتغيرات والتحوّلات لكنها لم تتجاوز ترامب وصقور إدارته التي تعيش على أمجاد غابرة.
قاسم عز الدين
الكعبة مثابة وأمن
{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ} الكعبة الحرام {مَثَابَةً للنّاس} مرجعاً ومآباً يثوبون إليه ويقصدونه من كلّ مكان، فيكون موقعاً لحركتهم العبادية، ومناسبةً لاجتماعهم من خلال قدومهم إليه ورجوعهم منه؛ وقيل: مكاناً للثواب يثيب الله فيه عباده على حجّهم إليه وعبادتهم له، كما في مفردات الراغب الأصفهاني. وَأَمْن، يأمن فيه النّاس على أنفسهم من الظلم والاضطهاد والقتل، لأنَّ الله جعله ساحةً للسلام، فلم يرخّص لأحد في الاعتداء على أحد، ليعيش النّاس هذه التجربة الروحية التي يتمرّدون فيها على غرائزهم ونوازع الانتقام في ذواتهم، وينمّون عناصر الخير والعفو والتسامح في أخلاقهم، من موقع الجهاد النفسي الذي يفرض فيه الإنسان على نفسه الصبر على المشاعر الانتقامية.
وقيل: إنَّ هذا التشريع تحوّل إلى واقع حيّ في حياة النّاس الذين يعظِّمون البيت الحرام ويقدّسونه، حتى كان الرّجل يلقى قاتل أبيه فلا يتعرَّض له. وقد تحدّث الله عن ذلك في آية أخرى في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً ءامِناً وَيُتَخطّفُ النّاس مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ الله يَكْفُرُونَ}[العنكبوت: 67]. ولا يخفى ما في ذلك من النعم والبركات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
ثُمَّ أمر الله المسلمين أن يتّخذوا من مقام إبراهيم، الملاصق للبيت أو الواقع خلفه، مصلَّى، فقال: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}، أي مكاناً يصلّون فيه، وقد فرض الله على الحجّاج والمعتمرين الإتيان بركعتي الطواف بعد الطواف بالبيت، خلف مقام إبراهيم، مهما أمكن.
{وَعَهِدْنَآ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} اللّذين أوكل الله إليهما مهمة بناء البيت {أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ} الذي أردته مكاناً للطواف والاعتكاف والركوع والسجود، ولغير ذلك من ألوان العبادة، فكان لا بُدَّ من أن يكون طاهراً من الأصنام التي تمثّل الشرك الذي ينافي التوحيد، ومن كلّ القذارات المادية والمعنوية والقولية التي تتنافى مع أجواء العبادة. والمقصود من هذا العهد الإلهيّ لهما، أن يؤسّساه على الطهارة الكاملة.
{لِلطَّآئِفِينَ} الذين يطوفون بالبيت، {وَالْعَاكِفِينَ} أو المعتكفين الذين يقومون بالمسجد ويلازمونه ويجاورون فيه للعبادة، {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} الذين يركعون ويسجدون لله في صلاتهم.
* * *
البلد الآمن
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ} الذي أراد للبيت أن يكون مركزاً لبلدٍ يسكنه النّاس، ويجتمعون فيه للحصول على ضروراتهم العامة والخاصة؛ {رَبِّ اجْعَلْ هذ} المكان الذي يضمّ البيت الحرام {بَلَدًا آمِنً}، يعيش النّاس فيه الأمن والطمأنينة، {وَارْزُقْ أَهْلَهُ} المقيمين فيه {مِنَ الثَّمَرَاتِ} التي يحتاجون إليها في غذائهم، {مَنْ ءَامَنَ مِنْهُم بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ}، من هؤلاء الذين أخلصوا لله إيمانهم، وانفتحوا عليه، وعاشوا الاستعداد للّقاء به في اليوم الآخر الذي يخضعون فيه للحساب، لأنَّ الكافرين لا يستحقّون الخير الإلهيّ.
ولكنَّ الله الذي استجاب له دعاءه، أعلن له أنّ الرّزق الذي يمثّل متاع الحياة الدنيا لا يختصّ بالمؤمنين فقط، بل يشمل الكافرين، {قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيل} مما أرزقه من متاع الحياة الدنيا في حاجاته المادية والمعنوية، لأني أعطي النّاس جميعاً ما يحتاجونه في وجودهم الدنيوي، سواء المؤمن والكافر، والمطيع والعاصي، لأنَّ الدنيا ليست هي الأساس في قرب النّاس وبعدهم في قضايا العطاء والمنع، بل هي الدار الآخرة التي تمثّل المكان الفصل في اليوم الفاصل الذي تتحدَّد فيه المواقع ونتائج المصير بين المؤمن والكافر، فيلقى المؤمن جزاء إيمانه، أمّا الكافر، فإني أترك له الفرصة في الدنيا، {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} في الخلود في العذاب من خلال سخط الله وغضبه.
العلامة السيد محمد حسين فضل الله
*من كتاب "تفسير من وحي القرآن"، ج 3.
فريضة الحجّ فيها ما يصلح الحياة
... ينطلق الناس إلى بيت الله الحرام ليؤدّوا الحجّ كفريضة فرضها الله على من استطاع إليه سبيلاً، أو كمستحبّ استحبه الله لمن أدى هذه الفريضة، أو لمن تطوّع بذلك.
ونحن نعرف أنّ الله عندما يكلفنا بشيء، فإنه لا بدّ من أن يشتمل على الكثير مما يصلح حياتنا ويرتفع بمستوانا، سواء في الجانب الروحي أو الجانب المادّي منه، لأن كل التكليف الإلهيّ ليس شيئاً يخصّ الله، بمعنى أن يحصل له نفع من ذلك، بل هو من أجل أن تكون الحياة للإنسان أفضل وأغنى وأرحب وأقوم، وذلك هو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}.
فالإسلام كله دعوة إلى الحياة، فكل ما أمرنا الله به، فهو ينطلق من عناصر حية تمنحنا روح الحياة وحركيتها وخطها المستقيم، كما تنفتح بنا على حياة أخرى أكثر خلوداً وأكثر نعيماً وأكثر سكينةً وأكثر طمأنينة {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.
مشقّة تعقبها سعادة
لذلك ـ أيّها الأحبّة ـ عندما نريد أن ننفتح على كلّ ما أمرنا الله به وما نهانا عنه، فعلينا أن لا نفكر في أنه عبء ثقيل علينا، يثقل أوقاتنا أو يثقل أجسادنا أو مشاعرنا، لأنه في عمق معانيه، يفتح حياتنا على الأفضل، ونحن نعرف أنّ الإنسان لا يستطيع أن يحصل على العسل، إلا من خلال إبر النحل "ولا بدّ دون الشهد من إبر النحل"، وكذلك لا يستطيع أن يقطف الزهرة إلا إذا جرحته الأشواك المحيطة بها. ولذلك، فإن الجراحات التي تجرح مشاعرنا أو أحاسيسنا أو أوضاعنا من خلال ما كلفنا الله به هنا وهناك، ما هي إلا وسيلة من وسائل اقتطاف وردة الرضوان الإلهي والنعيم الإلهي والسعادة الإلهية في الدنيا والآخرة، فالناس يقصدون بيت الله الحرام ليعيشوا ذلك من خلال مكابدة المشاقّ التي تفرضها المناسك.
بدايات التّأسيس
وقد حدثنا الله عن خصوصيات هذا البيت، وعن ظروف تأسيسه، وعن روحية الشخص الذي أسَّسه وبناه، وعن الأفق الواسع الذي كان يفكّر فيه ويحلم به ويدعو الله أن يحققه، وعن الخط الذي رسمه الله له في نهاية المطاف.
فلنبدأ مع القرآن الكريم، ومع إبراهيم(ع) {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْن}، فالله أعدّه حتى يقصده الناس ويثوبوا إليه ويجلسوا عنده آمنين، كما أن الله جعله منطقة سلام في آية أخرى {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِن}، فليس لأحد أن يعتدي على أحد في هذا البيت وبما يحوطه من الحرم الذي جعله الله آمناً ببركة البيت.
صلاة إبراهيم(ع)
ويقول تعالى: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}، لأن إبراهيم هو الذي بدأ الصلاة هناك، ليشير إلى الناس قائلاً: تعالوا إلى الصلاة هنا، اتخذوا هذا المقام مصلى، لأنّه أطلق الصلاة من خلال هذا البيت، ولذلك، فإن كل صلاة تأتي من بعده تنفتح على صلاته. وصلاة إبراهيم(ع) ـ كما سيأتي ـ هي الصلاة التي ليس فيها شيء للذات، وليس فيها شيء للجسد، وليس فيها شيء للناس {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}، {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}، فهي صلاة تنفتح على الله بكلّ عناصرها وبكل مواقعها.
ولذلك، يمكننا أن نستوحي من اتخاذ مقام إبراهيم مصلَّى، أن صلاة إبراهيم هي النموذج الأعلى للصلاة فيما انطلقت الصلاة منه في التأريخ {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ}، باعتبار أنهما اللّذان أسّسا البيت ورفعا قواعده.
تطهير البيت
عهدنا إليهما {أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}، وليس معنى "طهّرا" أي من النجاسة، بل أسّساه طاهراً ليكون بنيانه على أساس الطهارة. والطهارة هنا قد لا يكون المراد منها ـ والله العالم ـ الطهارة من النجاسات، ولكن الطهارة من الشرك، فطهّرا بيتي، أي اجعلاه طاهراً من رجس الشرك، وبهذا قال الله تعالى: { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}، باعتبار أن الشرك يمثّل قذارة فكرية وقذارة روحية. وطهّرا بيتي أيضاً، اجعلاه طاهراً من كل رجس الأوثان، وقد عبّر الله في آية أخرى عن الأوثان بأنها الرجس {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ}.
{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ} بعيداً من كل حالة صنمية، بحيث إنهم لا يتوجهون إلى البيت كما لو كان حجراً يستغرقون فيه، ولكن أن يتوجّهوا إليه من خلال كونه يمثّل معنى عبادة الله وتوحيده والإخلاص له { لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} الذين يعتكفون في البيت للعبادة {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}.
التمنيّات الإبراهيميّة
وعندما عاش إبراهيم هذا الجوّ وهذا العهد، انطلقت تمنّياته وأحلامه لهذا المشروع الذي أكرمه الله ببنائه { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِن}، واجعله واحةَ سلام لا يقتل الناس فيه بعضهم بعضاً، ولا يعتدي بعضهم فيه على بعض، حتى إنّ الناس هناك لا يعتدون حتى على الحيوان إذا لم يكن حيواناً مؤذياً.
{وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}، لأنه قال في آية أخرى: {إني أسكنتُ من ذريّتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرّم ربنا ليقيموا الصلاة}، لذلك أراد إبراهيم لهذا البلد الذي يقصده الناس ليطوّفوا به ويعتكفوا، أن يحصل على الثّمرات التي تجذب الناس إليه، أو تمثل شروط الحياة الطبيعية بالنسبة إليه {مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}، لأنه لا يدعو للكافرين مع بقائهم على كفرهم {قَالَ وَمَن كَفَرَ}، فكأن الله استجاب دعاءه، لكنه استثنى من كفر {وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}. وهنا أيضاً يحدثنا الله عن إبراهيم بعد هذه الجملة المعترضة: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ} الأسس { مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ}، فكأنهما عندما قاما ببناء هذا البيت، تعبّدا إلى الله وتقرّبا إليه بهذا الجهد الذي بذلاه، وأرادا من الله أن يتقبَّل منهما {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ} الذي تسمع دعاءنا {الْعَلِيمُ} الذي تعلم ما نخفي في سرنا.
الثبات على الإسلام
{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} وهكذا نجد أنهما، وهما المسلمان، يريدان من الله سبحانه وتعالى أن يجعلهما مسلمين، بمعنى أن يتحرك الإسلام في حياتهما إلى نهاية حياتهما، فلا يعرض عليهما شيء يختلف عن خطّ الإسلام {وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً}، وهذه هي المسألة التي نستوحيها من إبراهيم وإسماعيل، وهي أنّ على الإنسان أن لا يفكّر فقط في أن يكون هو مسلماً، بل لا بدّ له من أن يفكر في امتداد الإسلام في ذريته، لأنّ ذلك هو الدلالة على عمق الإسلام في شخصيّته، بحيث يصبح الإسلام طموحاً وهدفاً وغايةً، وليس مجرّد شيء شخصي، ولهذا قال: {ومن ذرّيتنا أمّة مسلمة لك}.
{وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَ} يعني الفروض العباديّة التي نعبدك فيها، خطّط لنا يا ربّ فروض الحجّ ومناسك الحجّ {وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}، وكانا يفكّران ربما من خلال بعض الإيحاءات التي كانا يستوحيانها مما أنزله الله عليهما، أنّ هناك رسولاً سيُبعث حتى يحمل الرسالة {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}، وهذه هي التمنيات الإبراهيمية ـ الإسماعيليّة التي كانا يشرفان من خلالها على العهد الذي أرسل فيه رسوله، وهو من ذرّية إبراهيم وإسماعيل، حيث انطلق ليتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة، وبذلك استجاب الله لإبراهيم(ع) كلّ ما طلبه مما يختصّ به وبذرّيته وبأهله وببلده وبالرسول.
ملّة إبراهيم
لذلك، اعتبر الله سبحانه وتعالى ملّة إبراهيم، هذه الملّة المنفتحة على الإسلام العقلي والقلبي والقلبي والروحي واللساني والجسدي كله، اعتبرها هي المّلة الأساسية التي خططت لكلّ الرسالات التي جاءت من بعده.. ولذلك أيضاً، قال سبحانه وتعالى: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}، لأن الله اصطفاه نبياً ورسولاً وإماماً وخليلاً وهو في الآخرة من الصالحين {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}. وهذا هو الإسلام العام؛ الإسلام المطلق الذي يفرض على الإنسان أنه عندما يقف أمام ربّه، فعليه أن يسلم كله لربّه، وأن لا يكون هناك شيء خارج إرادة ربّه.
العلامة السيد محمد حسين فضل الله
*من كتاب "النّدوة"، ج 4.
الصواريخ الدقيقة وكابوس اسمه "حزب الله"
في حين تحدث الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في مقابلته التي اجراها يوم السبت الماضي، بفخر واعتزاز عن قوة ودقة صواريخ المقاومة واصفا اياها بانها احدث تهديد للكيان الاسرائيلي، فضل رئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو غض الطرف عن هذه الحقيقة. هذا فيما بادر مساعد القائد العام لحرس الثورة الاسلامية اللواء حسين سلامي الى تأييد وتأكيد تصريحات الامين العام لحزب الله .
وقد طرحت العديد من التفاسير والتحليلات فيما يخص تصريحات السيد نصر الله في مقابلته مع الميادين وبالطبع واجهت الكثير من ردود الافعال على الصعيد الاعلامي. وفي حين ان غالبية هذه التحليلات كان ترمي الى فك الغاز هذه التصريحات، سعى نتنياهو عبثا الى التقليل من انجازات حزب الله واحتواء تصريحات نصر الله عبر التشبث والتنويه الى مسالة الانفاق وعمليات درع الشمال متغافلا عن سائر تصريحات الامين العام لحزب الله . وبالطبع كان من المتوقع ان يتخذ نتنياهو مثل هذا الموقف، لانه وخلال الاشهر الاخيرة تعرض الى ضغوط كبيرة على الصعيد الداخل تتهمه بعدم الكفاءة في ضمان امن الكيان، هذا من جهة، واما التركيز على سائر جوانب تصريحات السيد نصر الله كان سيفرض عليه تاييد عدم كفاءته، ولذلك فضل التغاضي عنها والسكوت بشأنها.
ورغم التفاسير والتحليلات العديدة التي طرحت ونشرت حول تصريحات الامين العام لحزب الله ، الا ان التمعن في هذه التصريحات ووضعها الى جانب تصريحات نائب القائد العام لحرس الثورة الاسلامية في ايران والتي ادلى بها امس، تحدد لنا آفاقا استراتيجية جديدة ستشكل في قابل الايام اكبر كابوس لنتنياهو وبالطبع الكيان الاسرائيلي.
اهم محاور الاستراتيجية الجديدة لمحور المقاومة يمكن استنباطها من الامور التالية :
اولا: تصريحات نصر الله في خصوص الصواريخ التي ورغم دقتها تحظى بقوة ومدى كافيين لاستهداف حيفا وتل ابيب، وهذا يعني ان نشوب اي حرب جديدة في المنطقة ستتجاوز الحدود وان جميع مناطق كيان الاحتلال ستكون عرضة لهذه الحرب سواء العسكرية والبنيوية وحتى النووية . ولو وضعنا هذه التصريحات الى جانب تصريحات العميد سلامي، ستعني ان اول خطأ لكيان الاحتلال ضد محور المقاومة سيكون آخر خطأ له . نائب القائد العام لحرس الثورة الاسلامية كان قد اكد في تصريحاته امس قائلا: ان قام كيان الاحتلال باي خطوة لتأجيج حرب جديدة ، فان هذه الحرب ستكون هي الحرب الكفيلة بزوال الكيان الاسرائيلي.
ثانيا: حين مازح السيد نصر الله المستوطنين وقال بان عليهم ان يرحبوا بامتلاك حزب الله للصواريخ الدقيقة، فانه في الحقيقة كان يعني ان الحرب بين محور المقاومة والكيان الاسرائيلي اصبحت متكافئة نوعا ما، بل ان محور المقاومة لديه الي الطولى من بعض النواحي في اي حرب محتملة مقبلا.
ثالثا : بناء على تصريحات السيد نصر الله التي اكد فيها، ان غزة تعيش ظروفا مختلفة وانها مستعدة للرد عسكريا على أي عدوان محتمل، وكذلك حين قال ان دخولنا الى الجليل بعد الحرب السورية بات اسهل من السابق، وبالتالي حين صرح، باننا وفيما يخص سوريا يمكننا التحدث عن نصر اكبر وان المرحلة الاخيرة لازالت باقية، يمكن الاستنتاج بان الكيان الصهيوني وفي الوقت الراهن يواجه تهديدات جادة من ثلاث جبهات ي لبنان وسوريا وفلسطين (غزة) . طبعا هذه التصريحات تذكرنا بالتصريحات السابقة للعميد سلامي التي قال فيها : اينما يقوم العدو بتحرك ضدنا، فان جيشا من تلك المنطقة سيقف بوجهه. مفهوم هذا الكلام هو انه في الظروف الراهنة اينما يقوم العدو الصهيوني بتحرك ضد محور المقاومة فان جيشا من تلك المنطقة سيتصدى له . جميع هذه الحقائق تكشف عن حقيقة مفادها ان على الكيان الصهيونية ان يكون حذرا في المستقبل حيال القيام باي خطوة وان يحسب الف حساب للعملات التي يقوم بها بذريعة استهداف منشات ومقرات ايران وحزب الله ومحور المقاومة في سوريا . ان رئيس وزراء كيان الاحتلال يعيش اليوم مفارقة مرعبة ، فهو يجب ان يواجه خصومه الداخليين الذين يتهمونه بعدم الكفاءة في ضمان امن الكيان ويسعون لسحب البساط من تحت رجله في الانتخابات المقبلة من جهة، ويفكر مليا حيال الرسالات الصريحة والحازمة التي وصلته من قبل محور المقاومة لاسيما فيما يخص القيام باي خطوة مستقبلية غير مدروسة، من جهة اخرى.
الهجر بين الزّوجين في الشّرع والقانون
من أساسيّات العلاقة الزّوجيّة في الإسلام، المودّة والرّحمة، والسّكن والسّتر المشترك، وهذا يقتضي من الزّوجين السّماحة وسعة الصّدر، والتّجاوز عن بعض الهفوات الّتي لا يسلم منها إنسان، ولهذا كان الهجر من أحد الزّوجين مخالفاً للغاية المرجوّة من الزّواج. فما حكم هجر الزّوج لزوجته شرعاً وقانوناً؟ وما أسبابه؟ وماذا لو هجرت الزّوجة زوجها لأسباب قهريّة؟ أسئلة تهمّ النّساء معرفة الردّ عليها.
يقول الدّكتور طه أبو كريشة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشّريف: لقد جعل الله سبحانه وتعالى الحياة الزّوجيّة قائمة على المودّة والرّحمة، فالرّجل يحتاج إلى المرأة، والمرأة تحتاج إلى الرّجل، فلا يستغني أحدهما عن صاحبه، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الرّوم: 21]، فجعل الله المرأة سكناً للرّجل، يأوي إليها بعد التعب والمشقّة، ولا سيّما إذا كانت لطيفة المعشر، صالحةً متودّدة إلى زوجها، تحرص على راحته، كما جاء في حديث النبي(ص): «خير النساء من تسرُّك إذا أبصرت، وتطيعك إذا أمرت، وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك».
وأود أنّ أشير هنا إلى أنّه لا يجوز للزّوج أن يهجر زوجته إلا في حالة نشوزها وعدم خضوعها لنصحه وإرشاده، وهذا الهجر خاصّ بالهجر في الفراش، بمعنى ألا يبدي الرّجل للمرأة رغبةً في الإقبال عليها والحديث معها، وهو أسلوب يتوخّى توجيه المرأة إلى ما يجب عليها نحو زوجها من الأخذ بمفهوم القوامة والرّعاية. أما إذا هجر زوجته بمعنى أن يترك البيت ولا يقيم فيه معها، فهذا أمر محرّم مهما تكن الأسباب.
وللمرأة الحقّ في طلب التفريق بينها وبين زوجها إذا تعرّضت للضّرر بسبب هذا الهجر. أمّا هجر المرأة لزوجها، فهو معصية، ويتعارض مع ما يجب عليها نحوه من الطّاعة، ولكن إذا كرهت المرأة زوجها، وخافت أن تقصِّر في حقّه بسبب هذه الكراهية، فلا تثريب عليها إذا طلبت مفارقة زوجها خلعاً إذا رفض أن يطلّقها.
أمّا عن موقف القانون من الزّوجة المهجورة، فيقول المحامي بالنقض، نشأت جلال عثمان: «يجوز للزّوجة أن تطلب الطلاق إذا هجرها زوجها فوق أربعة أشهر، فلا الشّرع ولا القانون يعطيان الزّوج الحقّ في أن يهجر زوجته إلى الأبد في الفراش»، مضيفاً: إذا هجر الزّوج زوجته، فمن حقّها طلب الطّلاق للضّرر الواقع عليها، إذا استمرّ الهجر مدّة طويلة، وشعرت الزّوجة بالفراق ودون عذر مقبول، بل يحقّ للزّوجة أن تطلب الطّلاق إذا أقام زوجها في بلد بعيد عنها.. وللأسف الشّديد، فهناك مشكلات كثيرة تحدث في العلاقات الزوجيّة، ولا يستطيع أحد أن يكتشفها، ويكون إثباتها صعباً، كأن يهجر الزّوج زوجته في الفراش وهما يعيشان في بيت واحد، وهو ما يوجب على الزّوجة أن تطلب الطّلاق من أجله، ولكنّ إثباته يكون من الأمور الصّعبة. ولفت نشأت جلال النّظر إلى أنّ القانون يعطي الزوجة كافّة الحقوق، ولكنّ هناك صوراً ونماذج لا يمكن للزّوجة أن تأخذ حقّها فيها كاملاً، ويكون فيها هجر، كأن يعيش الزّوج مع زوجته دون تطليقها ويتزوّج بأخرى ويزورها بين الحين والآخر. وأخيراً، نودّ التّأكيد أنّ الهجر ليس علاجاً حتميّاً، فإنّ من النّساء من لا يصلح الهجر معها، وتصلح معها الكلمة الطيّبة، والنّصيحة، والحوار الهادئ.
وتعليق..
الزّواج علاقة مقدّسة في الإسلام والرّسالات السماويّة، وتنمّ عن أوثق العلاقات الإنسانيّة الّتي تجمع شخصين ببعضهما البعض، ويثمر هذا الزواج أسرةً يرتبط وجودها سلباً أو إيجاباً بسلبيّة هذه العلاقة أو إيجابيّتها. وعنوان هذه العلاقة وضابطها المودّة والرّحمة التي تؤسّس البنيان المتين لهذا الزّواج، فالرحمة تنفي كل عناصر القلق والتوتر المحيطة بهذه العلاقة، وتحميها من كلّ التّداعيات السلبيّة، وبالتّفاهم والمحبّة يستطيع الزوجان حماية علاقتهما بكلّ وعي ومسؤولية، بعيداً عن كلّ الأنانيات والانفعالات الّتي تصل بالعلاقة الزوجيّة إلى مزالق خطيرة تهدّد أمن الأسرة واستقرار المجتمع بوجه عام.
ويحدّد القرآن الكريم أساليب معالجة نشوز المرأة. ففي سياق متّصل، وفي معرض تفسيره للآية المباركة{واللاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ واهجروهنّ في المضاجع ...}، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض):
وهناك نموذج آخر من النّساء يختلف كثيراً عن هذا النّموذج، هو نموذج المرأة الّتي تتمرَّد على زوجها في حقوقه الشّرعيَّة اللازمة عليها، من خلال التزامها بعقد الزَّواج؛ وهذا هو معنى النّشوز الّذي يعني الارتفاع. وقد استخدمت الكلمة هنا للتَّعبير عن ارتفاع المرأة عن طاعة زوجها، على سبيل الكناية؛ فإذا ظهرت أمارات ذلك على الزّوجة؛ وعرف الزّوج، من خلال دراسته للحالة بذهنيّة عادلة، أنّه لم ينشأ من ظروف صحية أو شرعية، فلا بدّ له من معالجة الحالة معالجة واقعيّة بعيدة عن الانفعال والتشنّج، وذلك من أجل حلّ هذه المشكلة حلاً إسلاميّاً، لإقامة النظام داخل البيت الزوجيّ على الأسس التي تم الاتفاق عليها في العقد.
وقد يطرح بعض الناس، في هذا المجال، سؤالاً يتعلّق ببعض الحالات النفسيّة التي قد لا تكون الزّوجة معها في الوضع النفسي المريح الّذي يمكنها من الإقبال على العلاقة الجنسيّة، فكيف يمكن للتّشريع أن يضغط عليها في مثل هذه الحالة، ويفرض عليها الاستجابة لرغبات الزوج، ما قد يساهم في تحطيم شخصيتها وتعقيدها إزاء هذه العلاقة، من حيث الأساس في المستقبل؟
والجواب؛ إنّ الإسلام لا ينظر إلى هذه المسألة نظرة شاعريَّة، على الطريقة التي ينظر إليها السّؤال، بل يحاول أن يجعل الزواج علاقة تعاقدية مرتكزة على المصلحة الحقيقية للزوجين، يلتزمان فيها بالتنازل عن بعض حريتهما لحساب الحقوق المتبادلة التي يفرضها العقد على أحدهما تجاه الآخر، وذلك هو الفرق بين الحياة الفردية والحياة الجماعية؛ فإن معنى أن تكون جزءاً من مجموعةٍ صغيرةٍ، أو كبيرةٍ، هو أن تتصرّف كجزءٍ من الكلّ، لا كفردٍ مستقلّ؛ فتتنازل عن بعض حريتك لمصلحة هذا الدّور؛ وعلى ضوء هذا، فإنّ الله أراد للزواج أن يعصم الزوجين من الانحراف الجنسي، والبحث عن وسائل غير شرعيّة، فألزم الزوجة بالاستجابة لرغبات الزّوج المشروعة، واعتبر ذلك من وسائل التقرّب إلى الله، ليعطي الاستجابة معنى روحيّاً يوفّر لها الحالة النفسيّة البديلة من الحالة الذاتية، لتعصم الزوجة زوجها من البحث عن رغبته خارج نطاق البيت الزوجي، ما يتسبب في هدم الزواج في نهاية المطاف... وبذلك أراد لها أن تتغلّب على مزاجها لمصلحة رغبته، لأنها إذا فقدت بعضاً من مزاجها، فإنها تربح موقعاً ثابتاً من مواقع تأكيد مفهوم المودّة والرّحمة في حياتهما الزوجية.
أمّا السبب في تأكيد هذا الجانب لدى الرّجل، فيعود إلى ما أشرنا إليه قبل هذا الحديث، من أنّ عنصر الإثارة الّذي يقود إلى يقظة الرّغبة الجنسيّة لدى الرّجل، أكثر من عنصر الإثارة لدى المرأة، ولهذا نلاحظ أنّ الرّجل هو الّذي يقود المرأة إلى الانحراف بأساليبه المتنوّعة، بينما نجد أنّ انحراف المرأة ينطلق، غالباً، من حالة ماديّة لا من حالة جنسيّة، بينما الأمر بالعكس لدى الرّجل، لأن الجنس يمثل بالنسبة إليه حالة شبه يومية، تبعاً لتوفر عناصر الإثارة لديه.
إنّ نظرة السؤال إلى المشكلة لا تعالج الموضوع معالجة واقعية، لأنها تطلب من الزوج أن يكبت رغبته احتراماً لرغبتها. وقد نستطيع أن نثير سؤالاً آخر: ماذا يصنع الرّجل إذا كانت الزوجة تمرّ بحالة برود جنسي معقّد؟ وماذا يفعل إذا كانت تعيش بعض الأزمات النفسيّة الطويلة؟ هل نطلب منه أن يجمّد رغبته لتتحوّل القضية بعدها إلى عقدة نفسية، أم نطلب منه أن يبحث عن ذلك في نطاق بعيد عن البيت؛ وفي كلا الأمرين، لا يكون الحلّ في مصلحة المرأة في المستقبل القريب أو البعيد؟
إنّنا لا ننكر أنّ هناك بعض السلبيّات في الحلّ الإسلاميّ، ولكنّ مستوى الإيجابيّات أعلى وأكثر؛ وقد ذكرنا أكثر من مرّة، أنّ الإسلام يوازن بين السلبيّات والإيجابيّات، فيما يركّزه من قضايا التشريع في نطاق التحريم والتحليل، لأنّ أيّ تشريع مرخّص، لا بدّ من أن يختزن بعض السلبيات في الفعل، كما أنّ أيّ تشريع مانع، لا بدّ من أن يختزن بعض الإيجابيّات في الترك؛ فليس هناك تشريع في العالم، دينياً أو غير ديني، يصل إلى نسبة المئة في المئة في إيجابيّاته وسلبيّاته، لأنّ طبيعته تفرض تخطيط الحدود للإنسان، وتحديد حريّته على هذا الأساس، ما يُولِّد الكثير من المشاكل والسلبيّات.
ونحبّ أن نثير، في هذا المجال، نقطةً بارزة، وهي أنّ الإسلام أراد للرّجل الزوج، أن لا يعيش العلاقة الجنسيّة بطريقةٍ جافّةٍ جامدةٍ، بل أراد له من ناحية أخلاقيّة تربويّة، أن يهيّئ للمرأة الأجواء الّتي تثير فيها الرّغبة، فيتزيّن لها كما يحب أن تتزيّن له، ويحترم حاجتها إلى الارتواء الجنسي في طريقة ممارسته للعلاقة، فلا يحاول الانتهاء من العمليّة إلا بعد أن يشعر بأنها بلغت منها ما تريد. وفي ضوء ذلك، يمكن للرّجل، في هذا الجوّ، أن يتغلّب على الحالة النفسية السلبية بأساليب عاطفية مدروسة، كما يمكن للمرأة أن تتوصّل إلى ذلك ببعض الأساليب الإيحائيّة الذاتيّة، أو ببعض الأجواء الروحيّة التي تدفعها إلى الإقبال على تلبية رغبة زوجها، من ناحية روحيّة، أو أن تعمل على إقناعه بالطريقة التي لا تحقّق له شعوراً بالضيق أو بالانفعال عند عدم قدرتها على ذلك في وقت ما...".
ويتابع سماحته : {فَعِظُوهُنَّ...}، هذا هو الأسلوب الأوّل الّذي أراد الإسلام من خلاله للأزواج أن يعالجوا حالة التمرّد الحاصلة من الزّوجة على الحقوق الزوجيّة، وهو أسلوب الوعظ، وذلك باتّباع الأساليب الفكريّة والروحيّة التي تحذّرها من نتائج عملها على الصّعيد الدنيويّ والأخرويّ، فيخوّفها الزوج من عقاب الله سبحانه على معصيته، فيما أوجبه عليها من حقوق للزّوج، ومن أداء ذلك إلى تهديم الحياة الزوجيّة، وانعكاسه على مستقبلها ومستقبل الأولاد إن كان هناك أولاد. ولا بدّ في سبيل تحقيق هذا الهدف، من اتّباع الأساليب الّتي تؤدّي إلى الهدف المنشود من رجوعها إلى الخطّ المستقيم وعودتها عن الانحراف... وتختلف الأساليب باختلاف ذهنيّة الزّوجة من ناحية فكريّة وروحيّة وعاطفيّة، فلا بدّ من دراسة ذلك كلّه، مع ملاحظة نقاط الضّعف والقوّة في شخصيّتها الذاتية والدينية؛ ثم مواجهة الموقف بما يتطلبه من حكمةٍ ومرونة وتخطيط زمنيّ للمراحل اللازمة للوصول إلى قناعتها والتزامها، لأنّ بعض الحالات قد تحتاج إلى وقت طويل؛ فلا يكتفي الإنسان بالكلمة العابرة المرتجلة، كما يفعله بعض الناس الّذين يعالجون مثل هذه الحالات بالكلمات التقليدية التي يطلقونها بطريقة جافة، لا روح فيها ولا حياة، ولا معنى لها لدى قائلها وسامعها.
{وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ...}؛ هذا هو الأسلوب الثّاني الّذي يريد الإسلام للزّوج اتّباعه عند إخفاق الأسلوب الأوّل ـ الوعظ ـ وهو أسلوب التّأديب النفسي، وهو الهجران في المضاجع، وذلك بمقاطعتها، كما عن بعض المفسّرين، أو بإدارة ظهره إليها عندما ينامان في مكان واحد، أو بالإيحاء لها، بطريقة أو بأخرى، بعدم الرّغبة فيها، أو بعدم المبالاة بها. ولعلّ هذا الأسلوب السّلبيّ، من أقوى الأساليب المؤثّرة في شخصيّة المرأة، لأنّ اهتمام الزّوج بها، يعتبر عاملاً مهمّاً من عوامل إحساسها بأهميّتها وبقوّة شخصيّتها، وذلك ما يقرّره المحلّلون النفسيّون في هذا المجال. [تفسير من وحي القرآن، ج 7، ص 239 وما بعدها].
مصدر التَّحقيق: جريدة الأهرام المصريّة، بتصرّف وتعليق من موقع بيّنات.
هل لمزيج العسل والقرفة تأثير على خفض الوزن؟
عرفت القرفة بأنها تساعد صحة مرضى السكري، حيث إن بعض الخبراء يعتقدون أن مكوناتها تحسن إفراز الأنسولين.
ماهي فوائد القرفة؟
ترتبط بعض فوائد القرفة بخصائص مضادات الأكسدة. ومن المعروف أن القرفة تستخدم لمساعدة مرضى السكري ويعتقد بعض الخبراء أن المكونات في القرفة تحسن إفراز الأنسولين في الدم. ينصح بتناول القرفة لتحقيق أمور أخرى ، مثل خفض مستويات الجلوكوز في مرضى السكري ، وتحسين ضغط الدم ، وتحسين أعراض التصلب المتعدد (MS) ، وخفض نسبة الكوليسترول.
ماهي الكمية المناسبة لتناول القرفة؟
لا تأخذ أكثر من 6 غرامات من القرفة يوميا. على الرغم من حقيقة أن القرفة ترقق الدم ، فإنها يمكن أن تلحق الضرر بالكبد في بعض الحالات. لهذا السبب إذا كنت تستخدم دواءا يرقق الدم من الأفضل استشارة الطبيب قبل استخدام القرفة.
بالإضافة إلى ذلك ، إذا كان لديك حساسية ، توقف عن تناول القرفة. إضافة القرفة كمكمل للنظام الغذائي الخاص بك وليس كبديل للادوية (وخاصة مرض السكري).
لا يوجد توابل أو طعام سحري لحل جميع المشاكل ، ولكن في بعض الحالات ، مثل الحفاظ على أنماط صحية للحياة، سيلعب استخدام القرفة دورًا مساعداً، مهما كانت فوائده ضئيلة ، ولكن إذا كنت ترغب في شرب الشاي أو القهوة ، أضف إليه بعض القرفة.
هل يترك العسل والقرفة تأثيرا على خفض الوزن؟
عندما يتعلق الأمر بتخفيض الوزن، يبحث الكثيرون عن حل سريع . نعلم جميعا أن أفضل طريقة لفقدان الوزن هو اتباع نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة ، ولكن هل هناك أي طريقة سحرية أخرى غير ذلك؟ واحدة من أهم تقاليد فقدان الوزن ، في هذه الأيام هي التخسيس بتناول القرفة والعسل. يستخدم الناس هذا المركب في الشاي أو الحبوب أو الأطعمة الأخرى مباشرة. ولكن هل تخسر وزنك عن طريق تناول العسل والقرفة؟
خواص العسل
ترتبط كلمة العسل بالمحبة والحيوية والصحة ولها العديد من الآثار المفيدة. في البداية ، استخدام العسل في شكل موضعي (فرك على الجرح) له خصائص مضادة للميكروبات ، ويمنع العدوى البكتيرية بفضل انخفاض درجة الحموضة والماء المؤكسج التي تنتجها انزيماته. وأظهرت الأبحاث أن العسل فعال في الحد من التهاب الجرح وهو مناسب جداً للحروق. بالإضافة إلى ذلك ، كما هو الحال مع بعض الأدوية ، مفيد في منع السعال دون الحاجة إلى الطبيب.
ميزات القرفة
رائحة القرفة لها شهرة تاريخية كما إن له العديد من الاستخدامات. استخدم المصريون القدماء القرفة لتحنيط الجثث ، وخلال فترة الإمبراطورية الرومانية كانت القرفة أكثر قيمة من الفضة بـ 15 مرة. القرفة لديها الكثير من الخصائص مثل العسل. وقد أظهرت الأبحاث أن القرفة لها خصائص مضادة للميكروبات والمطهرات. القرفة مضادة للأكسدة وتساعد على شفاء الجروح كما تقلل من ضغط الدم والكولسترول. لم يكن هناك الكثير من الأبحاث حول القرفة وتأثيرها على فقدان الوزن (مثل العسل).
هل القرفة والعسل ينفعان في التخسيس؟
الإدعاءات حول التخسيس باستخدام مزيج من القرفة والعسل كثيرة ، ولكن تم إجراء القليل من البحوث ، ولكن بعض النتائج كانت واعدة. وجدت دراسة أن استبدال السكروز بالعسل حال دون زيادة الوزن ، في حين أظهرت دراسة أخرى أنه ينشط الهورمونات المثبطة للشهية. لكن لم يثبت أي بحث أن العسل والقرفة يسببان فقدان الوزن.