Super User

Super User

التقى سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية صباح يوم الإثنين 04/01/2016 م أئمة الجمعة من مختلف أنحاء البلاد و أشار إلى المكانة السامية جداً لصلاة الجمعة معتبراً أياها مقراً للإيمان و البصيرة و الأخلاق، و أكد أن أهم واجبات أئمة الجمعة تبيين الحقائق و الهداية الثقافية و السياسية. كما اعتبر الانتخابات قضية على جانب كبير من الأهمية و نعمة كبيرة حقاً، و شدد على المشاركة القصوى للشعب في الانتخابات مضيفاً: لمفهوم «حق الناس» العميق أبعاد مكملة و عظيمة المعاني في مجالات التنفيذ، و الإشراف، و حقوق المرشحين، و القوائم الانتخابية، و صيانة أصوات الشعب، و قبول نتائج الانتخابات، و ينبغي على الشعب في ضوء النوايا السيئة للأمريكيين تجاه هذه الانتخابات، أن يتفطنوا تمام التفطن لقضية النفوذ و التغلغل.
و قال قائد الثورة الإسلامية في بداية حديثه: استخدام تعبير المقر لصلاة الجمعة هو بسبب أننا في حال مواجهة معنوية و عقيدية و إيمانية و سياسية فُرضت علينا كما في فترة الدفاع المقدس، و عليه فالدفاع هنا أيضاً ضروري و لازم.
و ألمح سماحته إلى قدرة الشعب الإيراني على الدفاع عن نفسه: في هذا الجهاد، يتعرض إيمان الناس و بصيرتهم و تقواهم و أخلاقهم للهجمات، و تنشر فايروسات خطيرة في أوساط المجتمع.
و أوضح قائد الثورة الإسلامية أن الواجب الأهم لأئمة الجمعة هو تبيين الحقائق قائلاً: أئمة الجمعة باعتبارهم علماء المدن و ورثة الأنبياء يجب يستخدموا فرصة تجمعات صلاة الجمعة لتبيين الحقائق و إيضاحها.
و اعتبر آية الله العظمى السيد الخامنئي أن التحدث وجهاً لوجه و بشكل مباشر في صلاة الجمعة مؤثراً جداً و أهم من أساليب التواصل غير المباشرة و عن طريق وسائل الاتصال الحديثة مؤكداً: على أئمة الجمعة أن يستفيدوا من هذه الفرصة المغتنمة لأجل الهداية السياسية و الثقافية في صلاة الجمعة التي تعتبر القلب الثقافي لكل مدينة.
و أكد سماحته على أن الهداية الثقافية أهم من الهداية السياسية، ملفتاً: من الأهداف الأصلية لأعداء الإسلام تغيير ثقافة الشعب و أخلاقه، و خصوصاً أسلوب حياتهم.
و أشار قائد الثورة الإسلامية إلى الأبعاد المختلفة لأسلوب الحياة الإسلامي مردفاً: الأدب و الابتعاد عن هتك الحرمات حتى في التحدث مع المعارضين من الأمور المهمة في أسلوب الحياة الإسلامي، و هناك مساع كثيرة تبذل لجعل الناس غير مقيدين بالأدب، و للأسف فإن هذه المساعي كانت ناجحة في بعض الأحيان.
و أوضح سماحته أن العادات و المناحي الحسنة في الحياة مثل قراءة الكتب بعد آخر من الأبعاد البالغة الأهمية في أسلوب الحياة الإسلامي، مضيفاً: ينبغي تشجيع الناس و الشباب على قراءة الكتب، كما يجب تشجيع النخبة على إنتاج الكتب، و ربما أمكن إقامة مراكز لعرض الكتب الجيدة و العصرية في أماكن صلاة الجمعة في كل مدينة.
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي على أن من المسائل المهمة في صلاة الجمعة استقطاب شباب المجتمع، موضحاً: استقطاب الشباب غير ممكن بالكلام فقط، إنما ينبغي اجتذاب الشباب لصلاة الجمعة بالقلب و الفهم.
و اعتبر سماحته الكلام و الآراء المتقنة المبرهنة في الشؤون السياسية و الثقافية و الآراء الحديثة ممهدات لاجتذاب الشباب لصلاة الجمعة، مؤكداً: الآراء الحديثة لا تعني البدع إنما تحصل الآراء الحديثة بالتفكير و التأمل و التنقيب في الأمور و القضايا.
كما عدّ سماحته صميمية أئمة الجمعة و عطفهم و ابتعادهم عن الغرور و الرياء و سلوكهم المتواضع و الأبوي و تجنب السلوك الإداري و الرئاسي من عوامل استقطاب الشباب لصلاة الجمعة مضيفاً: في خطب صلاة الجمعة ينبغي ذكر ما هو صحيح بلغة البراهين و المنطق و البيان الدافئ حتى لو لم يرتح له المستمع.
و أكد سماحة آية الله العظمى على ضرورة صيانة مكانة إمام الجمعة من قبل أئمة الجمعة أنفسهم و اللجنة المركزية و الشعب، موضحاً: إقامة صلاة الجمعة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية توفيق كبير يجب معرفة قدره، و على هذا الأساس يجب أن تكون الأفكار المطروحة في خطب صلوات الجمعة متطابقة مع متطلبات المجتمع المعاصرة.
و قال الإمام الخامنئي في جانب آخر من حديثه أن الانتخابات قضية على جانب كبير من الأهمية و نعمة كبيرة حقاً، و أضاف: هذه البركة الحقيقية جاءت نتيجة نظرة الإمام الخميني (رحمه الله) العميقة و أسلوبه، حيث كان يري، و خلافاً لبعض الآراء، أن الانتخابات في الحكومة الإسلامية عملية ضرورية و أن الناس هم أصحاب البلاد، و كان يعتقد أن قرار الشعب و انتخابه ينبغي أن يكون مؤثراً.
و لفت آية الله العظمى السيد الخامنئي: في ضوء هذه النظرة و القرار الاستراتيجي للإمام الخميني بقي الشعب دوماً إلى جانب الثورة لأنهم وجدوا أن قراراتهم مؤثرة في البلاد.
و على الصعيد الداخلي اعتبر قائد الثورة الإسلامية أن الانتخابات من شأنها تكريس الشعور بالاستقلال و الهوية و تأثير الشعب، و هي على الصعيد الإقليمي و العالمي مبعث سمعة حسنة و اعتبار للبلاد و النظام الإسلامي.
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي على المشاركة القصوى للشعب في الانتخابات القريبة قائلاً: كلما كانت مشاركة الشعب أكبر كلما كانت قوة النظام و البلاد و اعتبارهما أكبر، و لهذا شددنا دائماً على المشاركة القصوي للشعب، و هذه المرة أيضاً نصرّ على هذه القضية لأن النظام يعتمد على عواطف الناس و إراداتهم و انتخابهم.
و انتقد سماحته من يدعون عدم موثوقية الانتخابات قائلاً: البعض كأنما ابتلوا بعادة أو مرض سيئ هو أن يقرعوا دوماً عشية الانتخابات على طبل عدم موثوقية نتائج فرز الأصوات، و تشويه نعمة الانتخابات الكبرى بهذا الكلام.
و أضاف آية الله العظمى الخامنئي: طبعاً قد تكون هناك مخالفات هنا و هناك، و لكن لا توجد على الإطلاق مخالفات منظمة تغير النتائج.
و أوضح قائد الثورة الإسلامية أن الإطار القانوني و مراقبة جميع القائمين على الانتخابات و التزام المسؤولين الحكوميين و غير الحكوميين في جميع الدورات من أسباب سلامة الانتخابات، مردفاً: بعض الحكومات كانت متباينة فيما بينها 180 درجة، لكن سلوكها جميعاً في مضمار الانتخابات كان صحيحاً و كانت الانتخابات نزيهة، و سيكون الأمر كذلك في هذه الدورة أيضاً إن شاء الله.
ثم عرّج سماحة آية الله العظمى السيد الخامنئي على شرح الأبعاد المختلفة لمفهوم «حق الناس» الزاخر بالمعاني في مجال الانتخابات. و تطرق سماحته لـ «حق المرشح» فقال: من جملة مواضيع مراعاة حق الناس في الانتخابات أن لا نرفض أحداً إذا كان مؤهلاً، بل نفسح له المجال، و على العكس إذا لم يكن الشخص يتمتع بالأهلية القانونية في انتخابات مجلس الخبراء أو مجلس الشورى الإسلامي، فلا نسمح له بدخول ساحة الترشيح نتيجة غض الطرف و عدم التدقيق، و عدم الاهتمام بهاتين النقطتين بخلاف حق الناس.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامية أصوات الناس أمانة مضيفاً: صيانة هذه الأمانة من الأبعاد الأخرى لحق الناس، و على كل الذين يساهمون في تنفيذ الانتخابات و الإشراف عليها و جمع الأصوات و إعلان النتائج أن يراعوا منتهى الأمانة في صيانة أصوات الشعب، و أقل مخالفة في هذا الخصوص تعد خيانة للأمانة.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامية قبول النتائج القانونية للانتخابات من الأبعاد الأخرى لمراعاة حق الناس، مردفاً: عندما تعلن المراكز القانونية نتائج الانتخابات و تصادق عليها، فإن معارضة هذه النتائج سيكون بخلاف حق الناس.
و أشار سماحة الإمام الخامنئي إلى المشاركة العظيمة للشعب في انتخابات سنة 1388 هـ ش (2009 م) و التي بلغت نحو أربعين مليون ناخب، ملفتاً: في تلك السنة زعم البعض بكلام منكر غير مقبول حصول تلاعب و طلبوا إبطال النتائج. و أضاف يقول: لقد تسامحنا و تماشينا معهم كثيراً و تفاصيل ذلك كثيرة، و قلنا تعالوا ليعاد فرز أي عدد من الصناديق تشاءون، لكنهم لم يستجيبوا لهذه التوصيات لأنه لم يكن مقرراً أن يقبلوا كلام الحق. و لفت قائد الثورة الإسلامية: إن ذلك العمل و ذلك الادعاء فرض على الشعب و البلاد الكثير من الخسائر مما لم يعوض لحد الآن، و لا ندري متى يراد له أن يعوض!
و تابع سماحته حديثه بمراعاة حق الناس في عرض اللوائح الانتخابية، حيث قال: مراعاة حق الناس في اقتراح اللوائح الانتخابية بمعنى عدم إشراك المحسوبيات و الفئويات في تنظيم اللوائح، بل تنظم اللوائح وفق معيار الجدارة الحقيقية.
كما أوصى سماحته أبناء الشعب في انتخاب المرشحين بأن يثقوا بالأشخاص و الجماعات التي تطرح لوائحها بدافع الإخلاص و الصدق و الحب للثورة، لا بدافع أهداف خاصة و ربما فاسدة.
و واصل قائد الثورة الإسلامية حديثه في لقائه بأئمة الجمعة من شتى أرجاء البلاد حول الانتخابات بمعالجة موضوع بالغ الأهمية و التعقيد هو موضوع النفوذ.
و لفت سماحته قائلاً: الذين تتوفر لهم المعلومات يعلمون أية شراك نصبت للبلاد أو هي في طور النصب، حتى يتغلغلوا و ينفذوا داخل أسوار إرادة الشعب و قراراته.
و أشار آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى ضرورة تحلي الشعب بالوعي مؤكداً: على افتراض دخول عنصر مندس في مجلس الخبراء أو مجلس الشورى الإسلامي أو غيرهما من أركان النظام، فإنه سوف ينخر الأسس من الداخل كالأرضة.
و أضاف قائد الثورة الإسلامية: في قضية النفوذ و التغلغل ينبغي تنوير الرأي العام من دون توجيه اتهامات أو ذكر مصاديق معينة.
و لفت آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى الفترة الزمنية بالغة الحساسية الراهنة مردفاً: الجبهة الواسعة لأعداء الثورة الإسلامية و شعب إيران بأنواع المؤامرات لا تتوقف عن العمل لأنها تشعر بالخطر الجاد من انتشار أفكار الإسلام الأصيل في مختلف المناطق.
و أضاف قائد الثورة الإسلامية: أفكار الإسلام الأصيل انتشرت كالنسيم العليل و كأريج الزهور، و قد ربّت أناساً أقوياء و أكفاء في مختلف مناطق العالم، لذا فإن معارضي الإسلام و لأجل مجابهة هذا الواقع، يستهدفون الجمهورية الإسلامية بقصفهم السياسي و الإعلامي.
و أشار قائد الثورة الإسلامية إلى استخدام الأجانب لأسلوب التحريض الداخلي و القصف الإعلامي و السياسي و إنفاق المال و نصب الفخاخ الأخلاقية و مختلف صنوف الأساليب الأخرى، مردفاً: علينا جميعاً أن نكون واعين يقظين حيال النفوذ و التغلغل.
و أشار سماحة آية الله العظمى السيد الخامنئي في الجانب الأخير من حديثه إلى طمع الأمريكان بالانتخابات القريبة، مضيفاً: الأمريكان مثلنا يسعون للتحول، لكننا نروم تحولاً يقلل المسافة بين البلاد و المجتمع و بين أهداف الإسلام و الثورة، و هم على العكس تماماً من التحول الذي يريده الشعب الإيراني، يقصدون إبعاد المجتمع عن أهداف الثورة و تقريب إيران من أهدافهم.
و أكد قائد الثورة الإسلامية: لتحقيق هذا الهدف يطمع الأمريكيون في الانتخابات، لكن الشعب الإيراني الكبير الواعي يعمل على الضد من إرادات الأعداء سواء في الانتخابات أو في الأمور الأخرى، و سوف يصفعهم على أفواههم كما في الماضي.
قبيل كلمة قائد الثورة الإسلامية، تحدث في هذا اللقاء حجة الإسلام و المسلمين تقوي رئيس مجلس إدارة إئمة الجمعة في البلاد فأشار إلى إقامة ملتقى أئمة الجمعة قائلاً: تقام صلاة الجمعة حالياً بحضور أبناء الشعب و تعاونهم في 845 منطقة في البلاد.
و اعتبر أن حراسة خط الإمام الخميني و الثورة من أهم واجبات أئمة الجمعة، مضيفاً: دعم السلطات الثلاث و توعية الشعب و إبعاد منابر صلاة الجمعة عن الفئويات السياسية من أهم نشاطات و مناهج مجلس إدارة أئمة الجمعة في البلاد.
في ختام هذا اللقاء أقيمت صلاتا الظهر و العصر بإمامة قائد الثورة الإسلامية.

استقبل سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية صباح يوم السبت 09/01/2016 م حشداً من أهالي مدينة قم، و أثنى على انتفاضة التاسع عشر من دي سنة 1356 هـ ش [9 كانون الثاني 1978 م] التي أشعلها أهالي هذه المدينة، و شرح أسباب و عوامل بقاء الثورة مؤكداً: في ظل المشاركة و الحضور الواعي العام سيكون بقاء الثورة و استقرار الشعب و الانتصار على مؤامرات الأعداء أمراً ممكناً.
و أشاد قائد الثورة الإسلامية بانتفاضة التاسع عشر من دي سنة 1356 التاريخية لأهالي قم ضد نظام الشاه الدكتاتوري و بدعم من المرجعية و رجال الدين، و نوه بأهالي قم باعتبارهم رواد الثورة و قادتها، مردفاً: طوال سنين من الزمن أدت كلمات الإمام الخميني (رحمه الله) و مكانة المرجعية و رجال الدين إلى تكوّن أرضيات مساعدة بين الشعب للكفاح ضد الجور الشاهنشاهي، و قد بدأت انتفاضة التاسع عشر من دي هذا الكفاح الحيوي.
و اعتبر سماحته شجاعة الشعب و بصيرته و شعوره بالواجب للنزول إلى الساحة في الوقت المناسب، عناصر أصلية في انتفاضة التاسع عشر من دي، مضيفاً: قامت تلك الانتفاضة التاريخية في الدفاع عن الإمام الخميني (رحمه الله) و أدّت الأحداث التالية إلى انتصار الثورة الإسلامية.
و أوضح قائد الثورة الإسلامية إن انتصار الثورة في ظروف سيادة دكتاتورية عميلة و مدعومة من قبل القوى الاستكبارية كان يبدو مستحيلاً في الحسابات المادية، و أضاف قائلاً: هذا الانتصار دليل وجود سنن إلهية أي قوانين في عالم الخلقة يعجز الناس الماديون عن إدراكها.
و أكد سماحته قائلاً: في الظروف الحالية أيضاً يواجه نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية جبهة واسعة من الأعداء ابتداء من أمريكا و الكيان الصهيوني إلى عملاء الاستكبار و التيارات التكفيرية و داعش، و إذا عملنا بلوازم السنن الإلهية أي الصمود و البصيرة و المبادرة في لحظة الحاجة، فسيمكن بالتأكيد الانتصار على هذه الجبهة الواسعة كما انتصرنا في الثورة الإسلامية.
ثم تطرق قائد الثورة الإسلامية إلى أسباب بقاء الثورة الإسلامية مقارنة ببعض الأحداث المهمة في تاريخ إيران المعاصر و العالم.
و أشار آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى حادثتي «نهضة تأميم النفظ» و «نهضة الدستور» قائلاً: في نهضة تأميم النفط كانت مطالبات الشعب مطالبات الحد الأدنى و هي تقصير أيدي الإنجليز عن الثروة النفطية الوطنية، و في انتفاضة الدستور كانت مطاليب الشعب أيضاً مطاليب حد أدنى و هي تقييد صلاحيات الملك و سلطته المطلقة.
و أضاف سماحته: هاتان الحادثتان مع أنهما كانتا بمطاليب الحد الأدنى و قد شارك فيهما الشعب في الساحة لكنهما أخفقتا، بينما الثورة الإسلامية الإيرانية مع أنه كان لها هدف الحد الأقصى، أي الاستقلال الشامل و إسقاط الحكومة الشاهية الاستبدادية، فقد انتصرت و بقيت.
و شدد آية الله العظمى السيد الخامنئي: لو توصل الشباب إلى تحليل صحيح لهذا الواقع فلن تثمر مساعي نثر بذور الخوف و الرعب و اليأس في قلوب الشعب أية ثمار، و سيتبين الطريق الصحيح لمستقبل البلاد.
كما أشار سماحته إلى انحراف مسارات الثورتين الفرنسية و الروسية و زوالهما، ملفتاً: الثورة الإسلامية في إيران هي الثورة الوحيدة التي استطاعت البقاء على نفس أصولها و أهدافها الأولى.
و أكد قائد الثورة الإسلامية على أن الهدف الرئيس لمراكز الفكر في العالم الإستكباري هو القضاء على عناصر بقاء الثورة الإسلامية، مردفاً: كل مساعي الأعداء طوال الأعوام الماضية سواء في الحرب المفروضة أو الحظر الاقتصادي أو الحظر الواسع الأخير، كانت بهدف القضاء على بقاء الثورة الإسلامية، و قد كانت لهم في كل دورة ابتكارات جديدة لذلك.
و لفت آية الله العظمى السيد الخامنئي: سعى الأمريكيون في سنة 88 [2009 م] إلى تطبيق تجاربهم الناجحة في عدة بلدان، في إيران أيضاً و بذريعة الانتخابات، فركزوا على أقلية لم تحرز أكثرية الأصوات، و دعموهم مالياً و سياسياً من أجل إفساد نتيجة الانتخابات و قلب الطاولة، لكن انقلابهم الملون في إيران أخفق بفضل حضور الشعب في الساحة.
و أشار قائد الثورة الإسلامية إلى دعم رئيس جمهورية أمريكا لمعارضي النظام الإسلامي و الثورة في أحداث سنة 88 موضحاً: دعمت الحكومة الأمريكية تلك الأحداث ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، لكن مشاركة الشعب في الساحة في الوقت المناسب بددت كل مخططاتهم و أفشلتها.
و قال آية الله العظمى السيد الخامنئي: يقول الأمريكان الآن إن الفترة التالية للمفاوضات النووية هي فترة التشدد مع إيران و كأنهم لم يكونوا يتشددون مع إيران قبل ذلك، لكن الشباب و الشعب و المسؤولين يقفون بوعي و يقظة و أمل و بمقاومة و توكل على الله و اعتماد على نقاط القوة في البلد بوجه الأعداء، و هذا على جانب كبير من الأهمية.
و قال قائد الثورة الإسلامية في جانب آخر من حديثه إن طبيعة الانتخابات هي منح أنفاس جديدة للشعب مضيفاً: شعور الشعب بالمسؤولية و الذي يتجلى في مشاركتهم في الانتخابات و يفرض الإخفاق على العدو، من عناصر بقاء الثورة.
و أوضح الإمام السيد علي الخامنئي أن هناك مسألتين لهما أهمية بالغة في الانتخابات، الأولى أصل المشاركة في الانتخابات، و الثانية الانتخاب الصحيح و منح الأصوات للمرشحين الأصلح.
و جدّد سماحته تأكيده على ضرورة مشاركة كل من يحق لهم الاقتراع في الانتخابات مضيفاً: نصرّ كما في الماضي على أن يشارك الجميع، حتى الذين لا يوافقون النظام الإسلامي و القيادة، عند صناديق الاقتراع، لأن الانتخابات هي للشعب و لإيران و لنظام الجمهورية الإسلامية.
و اعتبر الإمام الخامنئي أن مشاركة الجميع في الانتخابات تعزز النظام الإسلامي و تقوّيه و تديم أمن البلاد التام، و ترفع من رصيد الشعب و اعتباره في أنظار العالم، و تضاعف هيبة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في أعين الأعداء.
و قال قائد الثورة الإسلامية حول أهمية التصويت للمرشحين الأصلح: لا إشكال في الآراء و الأذواق المتنوعة، فالمهم أن نحاول و ندقق أن يكون انتخابنا انتخاباً صحيحاً.
و أضاف سماحته: إذا حصل هذا التدقيق فحتى لو تبيّن لاحقاً أن بعض المنتخبين ليسوا صالحين فإن محاولة المقترع و دقته لانتخاب المرشحين الصالحين ستكون موضع رضا الله.
و أشار آية الله العظمى السيد الخامنئي إلى المكانة الرفيعة لمجلس الشورى الإسلامي في الشؤون الداخلية و الدولية ملفتاً: لمجلس الشورى الإسلامي أهمية منقطعة النظير من زوايا مختلفة خصوصاً من حيث تصويب القوانين و رسم الخطط لمسار الحكومات و تجلي صمود الشعب.
و اعتبر سماحته مواقف مجلس الشورى الإسلامية الحالي من الشؤون الدولية جيداً، و أضاف يقول: المجلس الذي يقف بوجه العدو في الملف النووي و باقي القضايا، و يعبر عن مواقف الشعب بشجاعة و استقلال و حرية، يختلف كما بين السماء و الأرض عن المجلس الذي يكرر كلام العدو في شتى القضايا.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامية أن كل واحد من نواب مجلس الشورى الإسلامية ذو دور في تكوين مسيرة المجلس و مواقفه، مردفاً: لهذا السبب يجب على الناس في كل المحافظات و المدن أن يدققوا تماماً في انتخاب نوابهم، و أن يصلوا إلى الاطمئنان في صلاح من يريدون انتخابه.
و أضاف الإمام الخامنئي في هذا الخصوص: طبعاً من الصعب جداً معرفة كل واحد من النواب، و لكن يمكن عن طريق التدقيق في سوابق و مواقف الذين يعرضون اللوائح الانتخابية، اتخاذ القرار بشأن هذه اللوائح.
و أضاف قائد الثورة الإسلامية: إذا كان الذين يقترحون اللوائح متدينين و ثوريين و من السائرين بحق على خط الإمام الخميني، يمكن الوثوق بلوائحهم لمجلس الشورى الإسلامي و مجلس خبراء القيادة، أما إذا لم يكونوا يأبهون كثيراً للثورة و الدين و الاستقلال و قلوبهم تميل لأمريكا و باقي الأجانب فلا يمكن الوثوق بهم.
كما شدد آية الله العظمى السيد الخامنئي على أهمية مجلس خبراء القيادة ملفتاً: خلافاً لما يتصوره البعض، لا يتشكل مجلس خبراء القيادة للاجتماعات و إلقاء الخطابات مرة أو مرتين في السنة، إنما يروم تعيين قائد يوم لا يكون القائد الحالي على قيد الحياة، أي تعيين صاحب مفاتيح مسيرة الثورة، و هذه قضية على جانب عظيم من الأهمية.
و أكد سماحته على ضرورة التدقيق الكامل في انتخاب مرشّحي مجلس خبراء القيادة مردفاً: حسب تركيبة الخبراء قد يختاروا عند الضرورة شخصاً للقيادة يقف بالتوكل على الله و بشجاعة مقابل الأعداء و يواصل درب الإمام الخميني، و لكن من المحتمل أيضاً أن يختاروا شخصاً بخصوصيات مختلفة، لذلك ينبغي انتخابهم بدقة و تحقيق و معرفة و اطمئنان.
و عدّ آية الله العظمى السيد الخامنئي المشاركة في الانتخابات و خصوصاً التدقيق في انتخاب الصالح أو الأصلح سبباً في تحقيق هدفين ساميين: بقاء الثورة و استقرار الشعب و سكينته.
و قال سماحته في شرحه لتأثير الانتخاب الصحيح على بقاء الثورة: كان لنا منذ بداية الثورة الكثير من حالات التساقط و النماء، بعض الأشخاص الثوريين أعرضوا عن أصل الثورة بغير حق بسبب ظلم فردي محتمل تعرضوا له، و البعض الآخر كانت لهم مواقفهم بسبب شؤون شخصية و عائلية، لكن المهم أن حالات نماء الثورة في المجالات المختلفة بما في ذلك الطاقات المتدينة الثورية المتخصصة المتعلمة المبدعية الكفوءة كانت أكثر بكثير من حالات التساقط.
و تابع قائد الثورة الإسلامية: في الفترة الحالية أيضاً إذا عمل الشعب بواجباته في انتخاب المرشحين الصالحين لمجلس الشورى الإسلامي و مجلس الخبراء ستزداد حالات النماء الخضراء اليانعة للثورة و تضمن بقاء الثورة.
و أوضح الإمام الخامنئي أن الخصوصية الثانية لأداء الواجب فيما يتعلق ببقاء الثورة هو توفير الاستقرار و الطمأنينة في قلوب الشعب، و حسب الآيات القرآنية حول نزول السكينة و الطمأنينة على قلوب مبايعي الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) أضاف سماحته قائلاً: كل من يبايع اليوم الثورة الإسلامية و الإمام الخميني (رحمه الله) و درب الإمام الخميني فذلك بمعنى مبايعة الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) و الله سبحانه من باب أجر هذه البيعة يزيل القلق و الضطراب و اليأس من قلب الشعب و يحل محله السكينة و الطمأنينة.
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي في ختام حديثه: بقاء الثورة و صمود الشعب المتفائل المستقر يؤدي يقيناً إلى الانتصار على أمريكا و مؤامرات الأعداء.

الثلاثاء, 05 كانون2/يناير 2016 11:05

الفرق بين السعادة واللذة

من المهم أن نفرق بين السعادة واللذة. اللذة فعلاً تأتي في الغالب من وراء تناول شيء أو لمس شيء أو النظر إلى شيء محسوس... وهي تتصف بكونها عابرة ومۆقتة، فالتلذذ بالطعام والشراب والنوم على فراش وثير... يكون ما دمنا متلبسين بذلك ومباشرين له، فإذا انصرفنا عنه إلى شيء آخر، انتهت اللذة، وصارت ذكرى. وإذا كان التلذذ بشيء محرَّم، فإنّ المتلذذ يشعر بشيء من العتمة الروحية. وشيء من اللوم والندم؛ لأنّه يشعر بأنّه قد عصى الله – تعالى – وأنّه كان ضعيفاً أمام رغباته.

أما السعادة، فإنها ليست شيئاً عابراً، إنها نوع من التربع على قمة السرور والانشراح والرضا والطمأنينة، وهذا ينشأ في معظم الأحيان من شعور المرء أنّه على الطريق الصحيح وأنّه في المكان الصحيح والموقف الصحيح والعلاقة الصحيحة، باختصار إنّه الشعور الذي ينشأ من اعتقاد المرء أنّه يعيش وفق مبادئه وقيمه وقناعاته، ولهذا كان أهل الإيمان والصلاح أسعد الناس وأشدهم شعوراً بالطمأنينة والأمان، كما قال سبحانه: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُۆْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل/ 97). وقال سبحانه: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام/ 82). إذا أردنا ذكر بعض التفاصيل، فيمكن أن نقول: إننا نشعر بالسعادة:

-          حين نتذلل بين يدي الرب الكريم الرحيم، وحين نناجيه، ونطلب منه ونشكو إليه، وحين نتبرأ من حولنا وقوتنا إلى حوله وقوته.

-          حين ننتصر على أهوائنا، ونصمد في وجه المغريات.

-          حين نساعد غيرنا على مواجهة صعوبات الحياة، فالسعادة مثل (العطر) لا تستطيع أن ترش منه على الآخرين دون أن يمسَّك منه شيء.

-          حين تغتني عقولنا بالأفكار العظيمة، وحين نكتشف روعة التعبيرات الجميلة.

-          حين ننجز عملاً  كبيراً، وتمتلئ قلوبنا بالرضا عما أنجزناه.

-          حين تظل نفوسنا وأيدينا مشغولة بالعمل من أجل تحقيق شيء نريد الحصول عليه.

-          حين نتفاعل مع الجمال الذي بثه الله – تعالى – في الكون، فنطرب لابتسامة طفل ورسالة من صديق عزيز وتغريد بلبل ووهج نور يتسلل إلينا من النافذة.

ما الذي يعنيه هذا بالنسبة إليكم؟

إنّه يعني الآتي:

1-     عليكم أن تبحثوا عن المسرات الدائمة من خلال عمل الصالحات والوجود حيث يجب أن تكونوا موجودين.

2-     البطالة والعطالة والكسل والتقاعس والفوضى مصدر من مصادر التعاسة، فتخلصوا منها إذا أحببتم أن تكونوا سعداء.

3-     درَّبوا أنفسكم على أن يكون فرحكم جماعياً من خلال إدخال السرور على الأهل والأصدقاء والزملاء... واعلموا أن إدخال الفرح على قلوب الناس باب من أعظم أبواب التقرب إلى الله؛ تعالى.

4-    في إمكان المرء أن يبتهج بالقليل الذي بين يديه، وأن يجعل منه مصدراً لسرور مديد، وذلك إذا تحلى بالرضا.

 

المصدر: كتاب إلى أبنائي وبناتي.. خمسون شمعة لإضاءة دروبكم

الثلاثاء, 05 كانون2/يناير 2016 10:52

روايات حول منزلة الدار

عن الامام على عليه ‏السلام:

اِنَّ لِلّدارِ شَرَفا وَ شَرَفُهَا السّاحَةُ الواسِعَةُ وَ الخُلَطاءُ الصّالِحونَ وَ اِنَّ لَها بَرَكَةً وَ بَرَكَتُها جَودَةُ مَوضِعِها وَسَعَةُ ساحَتِها وَ حُسنُ جِوارِ جيرانِها؛

مكارم الاخلاق، ص 125 و 126

 

عن رسول الاكرم صلى الله عليه و آله :

كُلُّ بَيْتٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الضَّيْفُ لَا يَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَة

جامع الأخبار(شعيري) ص 136

 

عن الامام الباقر عليه السلام :

اِذا دَخَلَ اَحَدُكُم عَلى‏ اَخيهِ فى رَحلِهِ فَليَقعُد حَيثُ يَأمُرُهُ صاحِبُ الرَّحلِ فَاِنَّ صاحِبَ الرَّحلِ اَعرَفُ بِعَورَةِ بَيتِهِ مِنَ الدّاخِلِ عَلَيهِ؛

قرب الإسناد(ط-الحديثه) ص 69، ح 222

 

عن رسول الاكرم صلى الله عليه و آله :

مِن سَعادَةِ المَرءِ المُسلِمِ الزَّوجَةُ الصّالِحَةُ و َالمَسكَنُ الواسِعُ وَ المَركَبُ البَهىُّ وَ الوَلَدُ الصّالِحُ؛

بحارالأنوار(ط-بيروت) ج73، ص155، ح35

 

عن رسول الاكرم صلى الله عليه و آله :

اِذا دَخَلَ اَحَدُكُم بَيتَهُ فَليُسَلِّم، فَاِنَّهُ يُنزِلُهُ البَرَكَةَ وَ تُونِسُهُ المَلائِكَةُ؛

علل الشرايع ج 2، ص 583، ح 23

 

عن رسول الاكرم صلى الله عليه و آله :

بَيتٌ لا صِبيانَ فيهِ لا بَرَكَةَ فيهِ؛

نهج الفصاحه ص374 ، ح1096

 

عن رسول الاكرم صلى الله عليه و آله :

غَسلُ اِلناءِ وَ طَهارَةُ الفِناءِ يورِثانِ الغِنى؛

نهج الفصاحه ص584 ، ح 2031

 

عن الامام على عليه ‏السلام:

نَظِّفوا بُيوتَكُم مِن حَوكِ العَنكَبوتِ، فَاِنَّ تَركَهُ فِى البَيتِ يورِثُ الفَقرَ؛

قرب الاسناد(ط-الحديثه) ص52

 

عن رسول الاكرم صلى الله عليه و آله :

لا تُبَيَّتُوا القُمامَةَ فى بُيوتِكُم وَ اَخرِجوها نَهارا، فَاِنَّها مَقعَدُ الشَّيطانِ؛

من لا يحضره الفقيه ج 4، ص 5، ح 4968

 

عن رسول الاكرم صلى الله عليه و آله :

بَيتُ الشَّياطينِ مِن بُيوتِكُم بَيتُ العَنكَبوتِ؛

كافى(ط-الاسلاميه) ج 6، ص 532، ح 11

 

عن رسول الاكرم صلى الله عليه و آله :

إِنَّ الْبَيْتَ إِذَا كَثُرَ فِيهِ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ كَثُرَ خَيْرُهُ وَ اتَّسَعَ أَهْلُهُ وَ أَضَاءَ لِأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا تُضِي‏ءُ نُجُومُ السَّمَاءِ لِأَهْلِ الدُّنْيَا

كافى(ط-الاسلاميه) ج2، ص610، ح1

 

عن رسول الاكرم صلى الله عليه و آله :

خَيرُ بَيتٍ فِى المُسلِمينَ بَيتٌ فيهِ يَتيمٌ يُحسَنُ إِلَيهِ وَ شَرُّ بَيتٍ فِى المُسلِمينَ بَيتٌ فيهِ يَتيمٌ يُساءُ إِلَيهِ أَنَا وَ كافِلُ اليَتيمِ فِى الجَنَّةِ هكَذا؛

نهج الفصاحه ص470 ، ح 1510

الثلاثاء, 05 كانون2/يناير 2016 10:45

إلى كل الشباب في البلدان الغربية

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى كل الشباب في البلدان الغربية
الأحداث المريرة التي ارتكبها الإرهاب الأعمى في فرنسا دفعتني مرة أخرى لمخاطبتكم. ويؤسفني أن توفر مثل هذه الأحداث أرضية الحوار، بيد أن الواقع هو أن القضايا المؤلمة إذا لم توفر الأرضية للتفكير بالحلول ولم تعط الفرصة لتبادل الأفكار، فستكون الخسارة مضاعفة. فمعاناة الإنسان، في أيّ مكان من العالم، محزنة بحد ذاتها لبني البشر. مشهد طفل في حالة نزع الروح أمام أحبائه، وأمّ تبدلت فرحة عائلتها إلى مأتم، وزوج يحمل جسد زوجته مسرعاً إلى ناحية ما، أو متفرّج لا يدري أنه سيشاهد بعد لحظات المقطع الأخير من مسرحية حياته، هذه ليست مشاهد لا تثير العواطف والمشاعر الإنسانية. كل من له نصيب من المحبة والإنسانية يتأثر ويتألم لمشاهدة هذه المناظر، سواء وقعت في فرنسا، أو في فلسطين والعراق ولبنان وسورية. ولا شك أن ملياراً ونصف المليار من المسلمين لهم نفس الشعور، وهم براء ومبغضون لمرتكبي هذه الفجائع ومسببيها. غير أن القضية هي أن آلام اليوم إذا لم تؤد إلى بناء غد أفضل وأكثر أمناً، فسوف تختزل لتكون مجرد ذكريات مُرّة عديمة الفائدة. إنني أؤمن أنكم أنتم الشباب وحدكم قادرون، باستلهام الدروس من محن اليوم، على أن تجدوا السبل الجديدة لبناء المستقبل، وتسدوا الطرق الخاطئة التي أوصلت الغرب إلى ما هو عليه الآن.
صحيح أن الإرهاب أصبح اليوم الهم والألم المشترك بيننا وبينكم، لكن من الضروري أن تعرفوا أن القلق وانعدام الأمن الذي جرّبتموه في الأحداث الأخيرة يختلف اختلافين أساسيين عن الآلآم التي تحملتها شعوب العراق واليمن وسورية وأفغانستان طوال سنين متتالية: أولاً إن العالم الإسلامي كان ضحية الإرهاب والعنف بأبعاد أوسع بكثير، وبحجم أضخم، ولفترة أطول بكثير. وثانياً إن هذا العنف كان للأسف مدعوماً على الدوام من قبل بعض القوى الكبرى بشكل مؤثر وبأساليب متنوعة. قلّ ما يوجد اليوم من لا علم له بدور الولايات المتحدة الأمريكية في تكوين وتقوية وتسليح القاعدة، وطالبان، وامتداداتهما المشؤومة. وإلى جانب هذا الدعم المباشر، نری حماة الإرهاب التكفيري العلنيون المعروفون كانوا دائماً في عداد حلفاء الغرب بالرغم من أن أنظمتهم أكثر الأنظمة السياسية تخلفاً، بينما تتعرض أكثر وأنصع الأفكار النابعة من الديمقراطيات الفاعلة في المنطقة إلى القمع بكل قسوة. والإزدواجية في تعامل الغرب مع حركة الصحوة في العالم الإسلامي هي نموذج بليغ للتناقض في السياسات الغربية.
الوجه الآخر لهذا التناقض يلاحظ في دعم إرهاب الدولة الذي ترتكبه إسرائيل. الشعب الفلسطيني المظلوم يعاني منذ أكثر من ستين عاماً من أسوء أنواع الإرهاب. إذا كانت الشعوب الأوربية اليوم تلوذ ببيوتها لعدة أيام وتتجنب التواجد في التجمعات والأماكن المزدحمة، فإن العائلة الفلسطينية لا تشعر بالأمن من آلة القتل والهدم الصهيونية منذ عشرات الأعوام، حتى وهي في بيتها. أيّ نوع من العنف يمكن مقارنته اليوم من حيث شدة القسوة ببناء الكيان الصهيوني للمستوطنات؟ إن هذا الكيان يدمر كل يوم بيوت الفلسطينيين ومزارعهم وبساتينهم من دون أن يتعرض أبداً لمؤاخذة جادة مؤثرة من قبل حلفائه المتنفذين، أو على الأقل من المنظمات الدولية التي تدعي استقلاليتها، من دون أن تتاح للفلسطينيين حتى فرصة نقل أثاثهم أو حصاد محاصيلهم الزراعية، ويحصل كل هذا في الغالب أمام الأعين المذعورة الدامعة للنساء والأطفال الذين يشهدون ضرب وإصابة أفراد عوائلهم، أو نقلهم في بعض الأحيان إلى مراكز التعذيب المرعبة. تری هل تعرفون في عالم اليوم قسوة بهذا الحجم والأبعاد وبهذا الاستمرار عبر الزمن؟ إمطار سيدة بالرصاص في وسط الشارع لمجرد الاعتراض على جندي مدجّج بالسلاح، إنْ لم يكن إرهاباً فما هو إذن؟ وهل من الصحيح أن لا تعدّ هذه البربرية تطرفاً لأنها ترتكب من قبل قوات شرطة حكومة محتلة؟ أو بما أن هذه الصور تكررت على شاشات التلفزة منذ ستين سنة، فإنها يجب أن لا تستفز ضمائرنا؟
الحملات العسكرية التي تعرض لها العالم الإسلامي في السنوات الأخيرة، والتي تسببت في الكثير من الضحايا، هي نموذج آخر لمنطق الغرب المتناقض. البلدان التي تعرضت للهجمات ، فقدت بناها التحتية الاقتصادية والصناعية، وتعرضت مسيرتها نحو الرقي والتنمية إما للتوقف أو التباطؤ، وفي بعض الأحيان تراجعت لعشرات الأعوام فضلاً عن ما تحملته من خسائر إنسانية. ورغم كل هذا يطلب منهم بوقاحة أن لا يعتبروا أنفسهم مظلومين. كيف يمكن تحويل بلد إلى أنقاض وإحراق مدنه وقراه وتحويلها إلى رماد، ثم يقال لأهاليه لا تعتبروا أنفسكم مظلومين رجاء! أليس الأفضل الاعتذار بصدق بدل الدعوة إلى تعطيل الفهم أو نسيان الفجائع؟ إن الألم الذي تحمله العالم الإسلامي خلال هذه الأعوام من نفاق المهاجمين وسعيهم لتنزيه ساحتهم ليس بأقل من الخسائر المادية.
أيها الشباب الأعزاء، إنني آمل أن تغيروا أنتم في الحاضر أو المستقبل هذه العقلية الملوثة بالتزييف والخداع، العقلية التي تمتاز بإخفاء الأهداف البعيدة وتجميل الأغراض الخبيثة. أعتقد أن الخطوة الأولى في توفير الأمن والاستقرار هي إصلاح هذه الأفكار المنتجة للعنف. وطالما تسود المعايير المزدوجة على السياسة الغربية، وطالما يقسّم الإرهاب في أنظار حماته الأقوياء إلى أنواع حسنة وأخرى سيئة، وطالما يتم ترجيح مصالح الحكومات على القيم الإنسانية والأخلاقية، ينبغي عدم البحث عن جذور العنف في أماكن أخرى.
لقد ترسّخت للأسف هذه الجذور تدريجياً على مدى سنين طويلة في أعماق السياسات الثقافية للغرب أيضاً، وراحت تعِدّ لغزو ناعم صامت. الكثير من بلدان العالم تعتز بثقافاتها المحلية الوطنية، تلك الثقافات التي غذّت المجتمعات البشرية على نحو جيد طوال مئات الأعوام محافظه علی إزدهارها وإنجابها. والعالم الإسلامي ليس استثناء لهذه الحالة. ولكن العالم الغربي استخدم في الحقبة المعاصرة، أدوات متطورة مصرّاً على الاستنساخ والتطبيع الثقافي في العالم. إنني أعتبر فرض الثقافة الغربية على سائر الشعوب، واستصغار الثقافات المستقلة، عنفاً صامتاً وعظيم الضرر. ويتم إذلال الثقافات الغنية والإسائة لأكثر جوانبها حرمة، رغم أن الثقافة البديلة لا تستوعب أن تكون البديل لها على الإطلاق. وعلى سبيل المثال، إن عنصري «الصخب» و«التحلل الأخلاقي» اللذين تحوّلا للأسف إلى مكوّنين أصليين في الثقافة الغربية، هبطا بمكانتها ومدی قبولها حتى في موطن ظهورها. والسؤال الآن هو: هل هو ذنبنا نحن أننا نرفض ثقافة عدوانية متحللة بعيدة عن القيم؟ هل نحن مقصّرين إذا منعنا سيلاً مدمراً ينهال على شبابنا على شكل نتاجات شبه فنية مختلفة؟
إنني لا أنكر أهمية الأواصر الثقافية وقيمتها. وهذه الأواصر متى ما حصلت في ظروف طبيعية وشهدت احترام المجتمع المتلقي لها ستنتج التطور والإزدهار والإثراء. وفي المقابل فإن الأواصر غير المتناغمة والمفروضة ستعود فاشلة جالبة للخسائر. يجب أن أقول بمنتهى الأسف أن جماعات دنيئة مثل "داعش" هي ثمرة مثل هذه الصلات الفاشلة مع الثقافات الوافدة. فإذا كانت المشكلة عقيدية حقاً لوجب مشاهدة نظير هذه الظواهر في العالم الإسلامي قبل عصر الاستعمار أيضاً، في حين أن التاريخ يشهد بخلاف ذلك. التوثيقات التاريخية الأكيدة تدلّ بوضوح كيف أن التقاء الاستعمار بفكر متطرف منبوذ نشأ في كبد قبيلة بدوية، زرع بذور التطرف في هذه المنطقة. وإلّا كيف يمكن أن يخرج من واحدة من أكثر المدارس الدينية أخلاقاً وإنسانية في العالم ، والتي تعتبر وفق نسختها الأصلية أن قتل إنسان واحد يعدّ بمثابة قتل الإنسانية كلها، كيف يمكن أن يخرج منها زبلٌ مثل "داعش"؟
ومن جانب آخر ينبغي السؤال: لماذا ينجذب من وُلِد في أوربا وتربّى في تلك البيئة الفكرية والروحية إلى هذا النوع من الجماعات؟ هل يمكن التصديق بأن الأفراد ينقلبون فجأة بسفرة أو سفرتين إلى المناطق الحربية إلى متطرفين يمطرون أبناء وطنهم بالرصاص؟ وبالتأكيد علينا أن لاننسی تاثيرات التغذية الثقافية غير السليمة في بيئة ملوثة ومنتجة للعنف طوال سنوات عمر هولاء. ينبغي الوصول الی تحليل شامل في هذا الخصوص، تحليل يكشف النقاب عن الأدران الظاهرة والخفية في المجتمع. وربما كانت الكراهية العميقة التي زرعت في قلوب شرائح من المجتمعات الغربية طوال سنوات الازدهار الصناعي والاقتصادي، ونتيجة حالات عدم المساواة، وربما حالات التمييز القانونية والبنيوية، قد أوجدت عقداً تتفجّر بين الحين والآخر بهذه الأشكال المريضة.
على كل حال، أنتم الذين يجب أن تتجاوزوا الصور الظاهرية لمجتمعاتكم، وتجدوا مكامن العقد والأحقاد وتكافحوها. ينبغي ترميم الهوّات بدل تعميقها. الخطأ الكبير في محاربة الإرهاب هو القيام بردود الأفعال المتسرّعة التي تزيد من حالات القطيعة الموجودة. أية خطوة هياجية متسرعة تدفع المجتمع المسلم في أوربا وأمريكا، والمكوّن من ملايين الأفراد الناشطين المتحمّلين لمسؤولياتهم، نحو العزلة أو الخوف والاضطراب، وتحرمهم أكثر من السابق من حقوقهم الأساسية، وتقصيهم عن ساحة المجتمع، لن تعجز فقط عن حل المشكلة بل ستزيد المسافات الفاصلة وتكرّس الحزازات. التدابير السطحية والانفعالية، خصوصاً إذا شرعنت وأضفي عليها الطابع القانوني، لن تثمر سوى تكريس الاستقطابات القائمة وفتح الطريق أمام أزمات مستقبلية.
وفقاً لما وصل من أنباء، فقد سنّت في بعض البلدان الأوربية مقررات تدفع المواطنين للتجسس على المسلمين. هذه السلوكيات ظالمة، وكلنا يعلم أن الظلم يعود عكسيا شئنا أم أبينا. ثم إن المسلمين لا يستحقون هذا الجحود. العالم الغربي يعرف المسلمين جيداً منذ قرون. إذ يوم كان الغربيون ضيوفاً في دارالإسلام وامتدت أعينهم إلى ثروات أصحاب الدار، أو يوم كانوا مضيّفين وانتفعوا من أعمال المسلمين وأفكارهم، لم يلاقوا منهم في الغالب سوى المحبة والصبر. وعليه، فإنني أطلب منكم أيها الشباب أن ترسوا أسس تعامل صحيح وشريف مع العالم الإسلامي، قائم على ركائز معرفة صحيحة عميقة، ومن منطلق الاستفادة من التجارب المريرة. في هذه الحالة ستجدون في مستقبل غير بعيد أن البناء الذي شيّدتموه على هذه الأسس يمدّ ظلال الثقة والاعتماد على رؤوس بُناته، ويهديهم الأمن والطمأنينة، ويشرق بأنوار الأمل بمستقبل زاهر على أرض المعمورة.
السيد علي الخامنئي
29 نوفمبر/تشرين الثاني 2015

الثلاثاء, 05 كانون2/يناير 2016 10:36

أسباب الهجرة إلى المدينة المنورة (27)

أمضى النبي (ص) ثلاثة عشر سنة بعد بعثته الشريفة في مكة يدعو إلى الله سبحانه وتعالى ويواجه تحديات المشركين وقرر في هذه السنة الهجرة إلى المدينة المنورة. فهاجر إليها مع من بقي من المسلمين في مكة، بعد أن سبقه في الهجرة إليها معظم المسلمين.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا قرر الرسول (ص) الهجرة إلى المدينة، وما هي أسباب هذه الهجرة ودوافعها؟!. بالتأكيد لم تكن هذه الهجرة ردّ فعل لاضطهاد قريش وآذاها، أو للتخلص من التعذيب والقهر والقتل، الذي كانوا يتعرضون له من المشركين ومن قريش وحسب، وإنما كانت الهجرة إلى المدينة فعلاً خطط له النبي (ص) وقام بها نتيجة دراسة لمستقبل الإسلام، ونتيجة لإرادته وقناعته لفعله.

ويمكن تلخيص أسباب هذه الهجرة ودوافعها إلى أكثر من سبب :

الأمر الأول : إن مكة المكرمة لم تعد مكاناً صالحاً للدعوة الإسلامية، فلقد حصل النبي (ص) منها على أقصى ما يمكن الحصول عليه، خلال ثلاثة عشر سنة، فقد أسلم من أسلم وعاند من عاند، ولم يبق فيها بعد أي أمل في ظهور جماعات أو جهات جديدة يمكن العمل عليها في المستقبل القريب على الأقل.

وذلك في ظل ما وضعه المشركون من حواجز وعراقيل تمنع من تقدم الإسلام في مدينتهم. من هنا لم يعد من مبرر للرسول للبقاء فيها، بل يصبح البقاء خيانة للإسلام، ومعاونة على حربه والقضاء عليه، لاسيما بعد أن حشدت قريش كل طاقاتها لمواجهة الإسلام. فكانت الهجرة إلى المدينة، لأن النبي (ص) شعر أن المدينة يمكن أن تكون مركزاً قوياً صلباً للدعوة الإسلامية، خاصة بعدما أسلم أهلها وبايعوا الرسول (ص).

الأمر الثاني : إن الإسلام كما نعلم ليس مجرد عبادات، من صوم وصلاة وحج وغيرها، إنما هو دين شامل ونظام كامل يعالج بأحكامه وتعاليمه جميع مشكلات الحياة ومصاعبها، على جميع الصعد الاجتماعية والاخلاقية والاقتصادية والسياسية وغيرها. فهو يدعو، إضافة إلى عقيدة التوحيد وبناء الروح، إلى بناء مجتمع إنساني سياسي تطبق فيه أحكام الله سبحانه وتشريعاته في السلوك والمعاملات والأخلاق والسياسة وكل ميدان.

والنبي (ص) مرسل إلى جميع الخلق، يدعوهم إلى الإسلام، وتطبيق تشريعاته وأحكامه. فتجربة الرسول في مكة بعد ثلاثة عشر سنة، وكل التحديات التي كانت تواجهه لا تمكّنه من بناء المجتمع الإسلامي الذي يرغب فيه، والقادر على استلام السلطة وتطبيق الشريعة الإسلامية، كنظام اجتماعي وسياسي. لأجل ذلك كان لا بد من الانتقال إلى ساحة يستطيع النبي (ص) فيها بناء مثل هذا المجتمع والدولة.

الأمر الثالث : هو استمرار المشركين في الضغط بكل الوسائل على المسلمين لإجبارهم على التراجع عن دينهم وعقيدتهم، والتي تحدثنا عنها في مقالات سابقة. وكان إذا فرض عليهم الاستمرار في مواجهة هذه الضغوط والعراقيل من دون أمل أو رجاء في حلّ معين فإن من الطبيعي والحال هذه أن يتطرق اليأس إلى نفوسهم، ويملوا من هذه الحياة.

وإنه ليس بمقدورهم متابعة حياتهم بهذه الآلام والضغوط. وخصوصاً أن النبي (ص) لم يكن قادراً على توفير الحماية لهم من قريش وغيرها، فكان لا بد من إيجاد حلّ مناسب لهؤلاء المعذبين والمضطهدين، يأمنون من خلاله على أنفسهم وحياتهم وأعراضهم.

فكانت الهجرة إلى المدينة وقتها هي هذا الحل. ولذلك نجد أن الرسول (ص) حين أمر المسلمين بالهجرة قال لهم :"إن الله عزّوجل قد جعل لكم إخواناً وداراً تأمنون بها". أي داراً تعيشون فيها الأمن والهدوء والاستقرار بعيداً عن اضطهاد قريش وملاحقاتها لهم ولأسرهم. والخلاصة، إنه كان لا بد للنبي (ص) ولمن معه من المسلمين، من الخروج من مكة المكرمة إلى مكان يبعدهم عن الضغوط والاضطهاد ويملكون فيه حرية العبادة يعلنون فيه عن إسلامهم ويمارسون شعائرهم الدينية بالعلن، إلى جانب حرية التخطيط لبناء مجتمع ودولة إسلامية ويكون فيه النبي (ص) قادراً على القيام بهذه المهمة العظمى. فكانت الهجرة إلى المدينة المنورة من أجل كل هذه الأهداف.

 

الثلاثاء, 05 كانون2/يناير 2016 10:27

الهجرة إلى المدينة المنورة (26)

مهّد النبي (ص) للهجرة إلى المدينة المنورة ببيعتين مع أهل المدينة، هما بيعتا العقبة الأولى والثانية.

ويبدو أن النبي (ص) بعد إبرامه هاتين البيعتين سمح للمسلمين وخاصة أولئك الذين كانوا يتعرضون للتعذيب والاضطهاد من قبل قريش والمشركين بالهجرة إلى المدينة.

وقال لهم – كما يروي المؤرخون:"إن الله عزّ وجل قد جعل لكم إخواناً وداراً تأمنون بها". فراح المسلمون يتوافدون إلى المدينة المنورة أفراداً وجماعات مضحين بمسقط رأسهم، وعلاقاتهم. وكثير منهم ضحى بثرواته وممتلكاته ومكانته الاجتماعية في سبيل دينهم وعقيدتهم.

 

تضحية المسلمين الأوائل بكل ما يملكون :

ويبدو أن خروج المسلمين من مكة إلى المدينة أخذ في بعض الحالات طابع السرية. كما لم يكن خروجهم دفعة واحدة وإنما حصل على دفعات ومراحل. وذلك كي لا يثيروا حفيظة قريش فتقف في طريقهم وتمنعهم من الهجرة.

ولكن رغم ذلك أحست قريش بحركة المسلمين هذه وخروجهم من مكة إلى المدينة. فراحت تمنعهم من الهجرة بمختلف الوسائل، تلاحقهم وتنكل بمن يقع في قبضتها بالضرب والإهانة والحبس والضغط عليهم لحملهم على التراجع عن دينهم، وتمارس ضدهم كل أساليب الإرهاب.

والسبب الذي دفع المشركين لاتخاذ هذا الموقف السلبي من هجرة المسلمين هي أنهم كانوا يرون أعظم الخطر على مصالحهم ووجودهم المستقبلي. فقد كانوا يدركون جيدا أن هؤلاء المهاجرين سوف يتكاملون مع أنصار النبي (ص) من أهل المدينة الذين بايعوه على السمع والطاعة والجهاد، مما يعني أنهم سيشكلون قوة في وجه قريش ومصالحها. خاصة، أن تجارة قريش إلى الشام ذهابا وإياباً كانت تمر عبر طريق المدينة.

ولكن رغم كل إجراءات قريش تلك لمنع المسلمين من الهجرة لم تستطع تحقيق هدفها. بل تمكّن أكثر المسلمين من الهجرة حيث لم يبق في مكة بعد بيعة العقبة الثانية بمدة قصيرة سوى النبي (ص) والإمام علي (ع) وعدد قليل من المسلمين المستضعفين.

وهكذا بقي النبي (ص) في مكة ينتظر الإذن الإلهي للخروج.

 

قريش تتآمر على النبي بخطة لقتله :

وبعد هذه الهجرة الواسعة للمسلمين إلى المدينة شعرت قريش بأن الدعوة الإسلامية قد انتقلت من مكة إلى المدينة حيث يوجد الأنصار والأعوان الذين هم على أتمّ الاستعداد للتضحية بأنفسهم وأموالهم دفاعاً عن نبيهم وعن الرسالة. وأدركت أيضاً أن محمداً بين عشية وضحاها سيلتحق بأصحابه ويهاجر هو بنفسه إلى المدينة ليمارس بحرية كاملة عملية القيادة والدعوة لدينه.

وقدّرت بأن محمداً سوف تكون له الغلبة عليهم عاجلاً أم أجلاً إن هو ترك مكة وارتحل إلى المدينة. لأجل ذلك لم يكن أمامها إلا أن تتخذ بحق النبي (ص) قراراً نهائياً وحاسماً قبل فوات الأوان، فهو لا يزال بينهم وفي قبضتهم، فلا بد من تدبير أمر ما قبل أن يتحول إلى قوة فعلية تهدد مصلحتهم.

ومن هنا اجتمع طواغيت قريش في دار الندوة ليتخذوا القرار المناسب بشأن النبي محمد (ص). وبعد مشاورات سرية للغاية فيما بينهم أقروا خطة لاغتياله والقضاء عليه بشكل نهائي، يريحهم منه للأبد.

وكانت هذه الخطة تقضي بأن يختاروا من كل قبيلة شخصاً قوياً، ويشتركوا جميعاً في قتله، بأن يضربوه ضربة رجل واحد. وذلك من أجل أن يتفرّق دمه بين القبائل جميعاً فلا يعود بإمكان أحد من أنصاره وأتباعه أو من بني هاشم عائلة النبي (ص) أن يثأر لقتله.

بهذه الطريقة بني هاشم لا تقدر على مقاتلة كل هذه القبائل، فيضطرون إلى القبول بالدية والاكتفاء بها. وهكذا اتفقوا على عشرة رجال أشداء من كل القبائل، وعيّنوا الليلة التي ستنفذ فيه هذه العملية.

ولكّن الله سبحانه أخبر رسوله الكريم بذلك من أجل تدبير خطة مضادة تفشل مخططهم ومؤامرتهم.

وأشار القرآن الكريم إلى هذه المؤامرة بقوله تعالى :{وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }الأنفال30 . والمقصود بمكر الله هنا أن الله قد فوت على المشركين مؤامرة اغتيال النبي (ص) إذ أخبر رسوله بواسطة الوحي جبرائيل بخطة الكافرين وأمره بالخروج ليلا من مكة، كما أمره أن يبيت علي (ع) مكانه على فراشه الخاص لإيهام المشركين بوجود النبي (ص) ليفوت عليهم خطتهم.

 

الإمام علي يفدي الرسول بنفسه :

فبات الإمام علي (ع) في فراش رسول الله (ص) في تلك الليلة التي قرر المشركون اغتيال النبي فيها. وعندما حانت ساعة الصفر لتنفيذ العملية واقتحموا مبيت النبي (ص) فوجدوا أنفسهم أمام علي بن أبي طالب وليس أمام محمد، لأن النبي (ص) كان قد خرج من الدار قبل ذلك ومن بينهم وهو يقرأ هذه الأية الكريمة :"وجعلنا من بين أيديهم سدّاً ومن خلفهم سدّاً فأغشيناهم فهم لا يبصرون".

ويذكر المؤرخون أن النبي (ص) أخذ بيده قبضة من تراب فرمى بها وجوه المشركين الذين كانوا يرصدون داره، ومرّ من بينهم، من دون أن يشعروا به، وتوجه نحو غار ثور حيث بقي في الغار ثلاثة أيام، حتى تمكّن من الخروج سالماً والتوجه نحو المدينة رغم ملاحقة قريش له.

وهكذا تمّت هجرة النبي (ص) إلى المدينة المنورة، في شهر ربيع الأول، بعد أن أمضى ثلاثة عشر عاماً في مكة يدعو إلى الله سبحانه ويواجه التحديات والصعاب. وكانت هذه الهجرة بداية التاريخ الإسلامي.

ما نستفيده من هجرة المسلمين هذه، ومن تضحياتهم بكل شيء يملكونه في سبيل الحفاظ على دينهم وعقيدتهم هو أن المسلم الحقيقي هو الإنسان الذي يكون حاضراً للتضحية بوطنه وبعلاقاته الاجتماعية وبكل ما يملك من متاع الحياة وزخرفها في سبيل الحفاظ على دينه وإسلامه. تماماً كما ضحى صهيب الرومي عندما أراد الهجرة إلى المدينة.

فقد ذكر المؤرخون أن صهيباً لما اتخذ هذا القرار حاولت قريش منعه عن ذلك. وقالت له :"أتيتنا صعلوكاً لا مال لك فكثر مالك عندنا وبلغت الذي بلغت ثم تريد أن تهاجر بمالك ونفسك؟! .. والله لا يكون ذلك أبداً ". فقال لهم صهيب :"أرايتم إن تركت لكم مالي أتخلون سبيلي؟". قالوا :"نعم"، فقال لهم :" هو لكم ". فترك لهم صهيب ماله وهاجر إلى المدينة، ليواجه مستقبلا كان يعرف جيداً أنه مليء بالأحداث الجسام والأخطار والتحديات الصعبة، كل ذلك في سبيل هدفه. وإن المسلم الحقيقي بفهم جبداً أن الدين والعقيدة أغلى من كل شيء، الوطن والمال والجاه والسلطة. وكل شيء في هذه الدنيا لا قيمة له إذا كان دين الإنسان مهدداً بالخطر والزوال. وإذا كانت قيمه وأخلاقه وحريته مهددة بالزوال والسقوط.

في السابع عشر من ربيع الأول الذكرى العطرة لولادة الرسول الأعظم سيدنا محمد المصطفى (صلى الله عليه و آله و سلم) و حفيده الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، استقبل سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي قائد الثورة الإسلامية مسؤولي البلاد و الضيوف المشاركين في مؤتمر الوحدة الإسلامية العالمي، و سفراء البلدان الإسلامية، و حشداً من مختلف شرائح الشعب الإيراني، و ذلك في صباح يوم الثلاثاء 29/12/2015 م.
و بارك قائد الثورة الإسلامية في هذا اللقاء ذكرى ولادة رسول الإسلام العظيم (صلى الله عليه و آله و سلم) و الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، و أشار إلى انبعاث روح الحياة و المعنوية الحقيقية و إحياء العالم الميت المتقلب في الآفات بظهور الإسلام و ولادة و بعثة الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم)، معتبراً الواجب الأهم الذي يقع على العالم الإسلامي اليوم، و خصوصاً على العلماء و المستنيرين الحقيقيين، السعي الجاد و الجهادي لبث روح الإسلام الحقيقي و المعنوية في العالم الحالي الملئ بالظلم و التمييز و القسوة، مؤكداً: لقد حان الدور اليوم للعالم الإسلامي ليستخدم العلم و الأدوات العالمية و كذلك العقل و التعقل و التدبر و البصيرة لإقامة الحضارة الإسلامية الحديثة.
و أوضح آية الله العظمى السيد الخامنئي أن إحياء ذكرى ميلاد الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) شيء صغير جداً بالمقارنة إلى الواجب المتوقع من العالم الإسلامي، مضيفاً: ليس واجب العالم الإسلامي اليوم مجرد إحياء ذكرى ميلاد أو بعثة رسول الإسلام (صلى الله عليه و آله و سلم)، إنما يجب على العالم الإسلامي أن يهتم بتحقيق الحضارة الإسلامية الحديثة.
و أضاف سماحته: ليست الحضارة الإسلامية الحديثة بمعنى التطاول على البلدان و سحق حقوق الناس و فرض أخلاق و ثقافة الذات على الشعوب الأخرى نظير ما قامت به الحضارة الغربية، إنما بمعنى إهداء الفضيلة الإلهية للإنسانية، و توفير الأرضية لتشخيص المسار الصحيح من قبل الناس أنفسهم.
و أشار قائد الثورة الإسلامية إلى استخدام الغرب لعلوم العالم الإسلامي و فلسفته لإرساء دعائم حضارته، ملفتاً: هذه الحضارة مع إنها قدمت تجليات جميلة من التقنية و السرعة و السهولة و أدوات الحياة المختلفة، لكنها لم تحقق السعادة و العدالة و الهناء للبشرية، و هي تعاني من التضاد و التعارض في داخلها.
و أكد آية الله العظمى السيد علي الخامنئي: الحضارة الغربية بمظاهرها و بهارجها و بريقها، هي الآن فاسدة من الناحية الأخلاقية و خاوية من الناحية المعنوية إلى درجة أن الغربيين أنفسهم يعترفون بهذا الحقيقة.
و شدّد سماحته على أنه حان الدور الآن للعالم الإسلامي لإرساء دعائم الحضارة الإسلامية الحديثة، قائلاً: للوصول إلى هذا الهدف لا أمل في ساسة العالم الإسلامي، و يجب على علماء الدين و المثقفين الحقيقيين الذين لا يكون الغرب قبلتهم، أن يعملوا على تنوير الأمة الإسلامية و أن يعلموا أن إقامة مثل هذه الحضارة أمر ممكن.
و أشار قائد الثورة الإسلامية إلى إمكانيات العالم الإسلامي و قدراته بما في ذلك الأراضي الجيدة و الموقع الجغرافي الممتاز و المصادر الطبيعية الضخمة و الطاقات البشرية الموهوبة، مردفاً: إذا امتزجت هذه الإمكانيات بالتعاليم الإسلامية الحقيقية ستستطيع الأمة الإسلامية تقديم إبداعات فنية في مجالات العلم و السياسة و التقنية و كذلك في الميادين الاجتماعية.
و عدّ قائد الثورة الإسلامية نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية نموذجاً لإمكانية الوصول إلى هذه الأهداف الكبرى مضيفاً: كانت إيران قبل انتصار الثورة الإسلامية متخلفة من الناحية العلمية و السياسية و الاجتماعية، و معزولة من الناحية السياسية، و تابعة للآخر تماماً من حيث شؤون البلاد، لكن الشعب الإيراني اليوم استطاع ببركة الإسلام أن يعبر عن هويته و شخصيته، و قد توصل البلد إلى حالات تقدم مهمة في العلوم و التقنية و العلوم الحديثة، و هو من ضمن البلدان المعدودة المتفوقة عالمياً في هذه المجالات.
و اعتبر سماحته أن هذا النموذج ممكن التعميم على كل العالم الإسلامي مؤكداً: الوصول إلى هذه المكانة لها شرطها، و شرطها هو زوال ظل القوى الكبرى الثقيل عن الشعوب، و لهذا طبعاً تكاليفه لأن الوصول إلى الأهداف الكبرى غير ممكن من دون تكاليف.
و أكد قائد الثورة الإسلامية على أن الحضارة الإسلامية و خلافاً للحضارة الغربية لا تحاول إخضاع أي بلد بالقوة لهيمنتها، مردفاً: في التأسيس للحضارة الإسلامية الحديثة يجب أن لا تكون أعيننا مسمّرة على الغرب و يجب أن لا نهتم لابتساماتهم و عبوسهم، بل ينبغي علينا السير في الطريق الصحيح بالاعتماد على قدراتنا و إمكانياتنا.
و أوضح آية الله العظمى السيد الخامنئي أن من أدوات العدو للحيلولة دون إقامة الحضارة الإسلامية الحديثة بث التفرقة بين المسلمين، قائلاً: منذ أن طرحت قضية الشيعة و السنة في أدبيات الساسة و المسؤولين الأمريكان، شعر أهل الفهم و الرأي بالقلق إذ اتضح أنهم يسعون لمؤامرة جديدة و أخطر من السابق.
و أكد سماحته على أن الأمريكيين يعارضون أصل الإسلام و يجب عدم الانخداع بتصريحاتهم في دعم بعض الفرق، ملفتاً: تصريحات رئيس جمهورية أمريكا السابق بعد حادثة الحادي عشر من أيلول حيث تكلم عن حرب صليبية تدل في الواقع على حرب العالم الاستكباري ضد الإسلام.
و اعتبر قائد الثورة الإسلامية أن تصريحات الساسة الأمريكان الحاليين حول تأييد الإسلام هي بخلاف الحقيقة و دليل نفاقهم، مضيفاً: الساسة الأمريكان الحاليون يعارضون أصل الإسلام، و بخلاف التصريحات التي يدلون بها، يحاولون بث الخلافات بين المسلمين، و مثال ذلك إيجاد الفرق الإرهابية مثل داعش و الفرق الأخرى التي ظهرت بأموال التابعين لأمريكا و مساعداتهم السياسية، و التي أرتكبت الفجائع الراهنة في العالم الإسلامي.
و أكد آية الله العظمى السيد الخامنئي على كذب تصريحات الساسة الأمريكان بشأن تأييدهم للسنة و معارضتهم للشيعة مردفاً: ألم يكن أهالي غزة الذين تعرضوا لكل تلك الهجمات سنة، أو أليس أهالي الضفة الغربية الذين يتعرضون لكل هذه الضغوط بسنة؟
و ألمح سماحته إلى تصريحات أحد الساسة الأمريكيين بأن عدو أمريكا هو النزعة الإسلامية مؤكداً: بالنسبة للأمريكان لا فرق بين الشيعة و السنة، فهم يعارضون أي مسلم يريد الحياة على أساس الأحكام و القوانين الإسلامية و الجهاد من أجل تلك الحياة.
و أوضح قائد الثورة الإسلامية أن مشكلة الأمريكان الأصلية مع المسلمين هي الالتزام و التقيد بأحكام الإسلام و دساتيره و السعي لتأسيس حضارة إسلامية ملفتاً: لهذا السبب عندما انطلقت الصحوة الإسلامية شعروا بالقلق و الاضطراب و حاولوا احتواءها و قد نجحوا في بعض البلدان، لكن الصحوة الإسلامية ليست مما يموت و ينتهي، و ستصل لأهدافها بلطف من الله.
و اعتبر آية الله العظمى السيد الخامنئي أن الهدف الأصلي لجبهة الاستكبار إشعال حرب داخلية بين المسلمين و القضاء على البنى التحتية للبلدان الإسلامية مثل سورية و اليمن و ليبيا، قائلاً: ينبغي عدم الصمت و الاستسلام حيال هذه المؤامرة، بل يجب الوقوف بوجهها ببصيرة و استقامة.
و انتقد سماحته صمت العالم الإسلامي حيال استمرار الضغوط على المسلمين في البحرين و كذلك إزاء قرابة سنة من القصف المستمر لليمن، و أوضاع سورية و العراق، و أشار إلى الأحداث الأخيرة في نيجيريا قائلاً: لماذا ينبغي ارتكاب مثل هذه الفاجعة ضد شيخ مصلح تقريبي متدين مؤمن فيقتل نحو ألف شخص و يستشهد أبناؤه و يبقى العالم الإسلامي ساكتاً؟
و أكد قائد الثورة الإسلامية: أهداف أعداء الإسلام خطيرة جداً و واجب الجميع البصيرة و الصحوة، و واجب علماء الإسلام و المثقفين الحقيقيين أن يتحدثوا مع الناس و الساسة ذوي الضمائر الحية و يبينوا لهم الحقائق.
و لفت آية الله العظمى السيد الخامنئي: عندما يخطط عالم المال و القوة بكل قدراته مخططات خطيرة للعالم الإسلامي لن يكون من حق أحد أن يخلد إلى النوم و لا يتنبه للواقع.
قبيل كلمة قائد الثورة الإسلامية، تحدث في هذا اللقاء رئيس جمهورية إيران الإسلامية الشيخ حسن روحاني فبارك ذكرى ميلاد الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) و حفيده الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) معتبراً رسول الإسلام أسوة الأخلاق و العفاف، و أضاف قائلاً: سيدنا محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) أهدى العالم درس الوحدة و الاتحاد و الأخوة.
و قال رئيس الجمهورية الإسلامية إننا نحتاج اليوم أكثر من أي وقت آخر للسير على خطى رسول الإسلام الكريم، مردفاً: بوحدة الشعب و بتوجيه قائدنا الجليل انتصرنا على القوى العالمية و طريق هذا الانتصار سيستمر.
و أشار الدكتور حسن روحاني إلى قرب موعد انتخاباتي مجلس خبراء القيادة و مجلس الشورى الإسلامي، معتبراً هذه الانتخابات اختباراً لعظمة البلاد العالمية، و تابع يقول: على الجميع أن يفكروا بانتصار النظام الإسلامي و البلاد في هذه الانتخابات.
و ألمح الشيخ روحاني إلى الملحمة التي خلقها الإيرانيون في التاسع من دي سنة 1388 هـ ش [30 كانون الأول 2009 م] مؤكداً: التاسع من دي يوم دفاع الشعب الإيراني عن آل بيت الرسالة و النظام الإسلامي و القانون و ولاية الفقيه و الولي الفقيه.
و قال رئيس الجمهورية: تم تأمين أمن الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم في ظل برامج و تدابير قائد الثورة المبجل، و شكْر هذه النعمة ممكن بمزيد من الوحدة و بمساعدة العالم الإسلامي لإنقاذ البلدان من الإرهاب و تدخل الأجانب.
و أوضح الشيخ روحاني أن الأعداء يوقعون بين العالم الإسلامي، قائلاً: لو اجتمعت البلدان الإسلامية الكبرى و فكرت بقضايا عامة المسلمين فسوف تحل مشكلات المنطقة بسهولة.
و أشار روحاني إلى أن بعض البلدان الإسلامية بدل التعامل و التواصل الثقافي و الاقتصادي فيما بينها تتعامل مع القوى خارج المنطقة، مردفاً: من المؤسف أن ينزعج بلد من انتصار شعب على الساحة السياسية، و يسلم الأرصدة السياسية للعالم الإسلامي بثمن بخس للقوى الأجنبية.
و أضاف رئيس الجمهورية الإسلامية: البلد الذي كان له أكبر الدور في خفض أسعار النفط ينظم ميزانية بلاده للسنة المقبلة بعجز قيمته مائة مليار دولار، و هذا يدل على أن من يحفر بئراً للآخرين سيسقط هو فيها أولاً.
في الختام هذه المراسم التقى عدد من ضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية العالمي عن قرب مع قائد الثورة الإسلامية.

«يا حاجّة! أنا مدين لك باعتذار.. الشخص الذي من المقرر أن يتفضل بالمجئ بعد دقائق إلى منزلكم هو السيد الخامنئي...» ما اكتملت العبارة حتى كانت دموع الوالدة جارية على خدّيها. لكن الأخوين يطلبان فرصة إضافية ليصدّقا ما سمعا، فرصة لا تتعدى الثواني. و تخنق العبرات آلفرد و آلبرت مع أول كلمات يلهجون بها...
لا نتعجّب لتعجّبهم، تعجبهم بنفس درجة تعجبنا عندما دخلنا المنزل المسيحي و وجدنا على الجدار صورتين فقط، إحداهما للشهيد روبرت لازار و الثانية تجمع الإمام الخميني و السيد الخامنئي، صورتين قديمتين.
الساعة السادسة و النصف مساء. ليس في المنزل سوى والدة الشهيد و أخويه. الكنّات و الأحفاد ذهبوا للكنيسة لإحياء مراسم ليلة ولادة السيد المسيح عليه السلام. الوالدة كانت قبل دقائق تصرّ دائماً على أن نتناول من الفاكهة و الحلويات و المكرّزات الخاصة بليلة عيدهم، و ها قد زاد إصرارها الآن. أطمئنها بكلمة واحدة: «انتظري حتى يأتي السيد و يخرج، و سنفرغ لكِ الطاولة بأكملها». تبتسم و تجلس على الكنبة إلى جوار شجرة صنوبر صناعية صغيرة. البيت صغير جداً و الأمّ قلقة من زيارة على مسؤول في البلاد لهذا البيت الصغير. لكن المشرفين على الزيارة يحاولون طمأنتها بعدم أهمية هذا الشيء. طلبوا منها السماح لهم بتغيير أماكن الكنبات و طاولة الطعام ليتسع المكان بضعة أمتار. يجلس أخوا الشهيد إلى جوار أمّهم.
يفتح آلفرد باب الحديث: «سنة 75 [1996 م] كنتُ قادماً من كاشان إلى طهران فوقع لي حادث مروري. أخذوا وثائقي إلى مدينة قم. ذهبتُ إلى قم فقالوا إن الضابط المسؤول ذهب إلى مسجد جمكران. كان الوقت شهر رمضان. كان أمامي سبيلان. إما أن أترك و أعود إلى طهران و أرجع بعد أيام، أو أذهب إلى جمكران. قلتُ مع نفسي قطعتَ هذا الطريق مرات و مرات كل هذه المدة و لم تذهب إلى جمكران و لا مرة. كانت ليلة الأربعاء و شهر رمضان، و مسجد جمكران يضج بالزوار. قلت: يا صاحب الزمان! إإتني بنبأ عن أخي هل هو حيّ أم شهيد. لم أكن أعرف صاحب الزمان، لكني وجدت الناس كلهم يدعون و يصلون فآنس فؤادي أن أدعُ لأخي المفقود في الجبهة منذ أعوام. و جاءني في تلك اللحظات شخصٌ يوزّع جفاناً من «الآش». و ناولني شخص قطعة من الخبز. باختصار انتهى شغلي مع الضابط و رجعتُ إلى طهران. يوم الأربعاء كنتُ في طهران. أخبرونا يوم الخميس من معراج أن أخي قد عاد، و سيشيّع غداً مع 1000 شهيد آخر. غداً كان يوم القدس. والدتي لم تكن تعلم بأيّ شيء. وقع في قلبها شيء. ذهبت لصلاة الجمعة لتشييع الشهداء. كان الزحام عظيماً يومها. ما من تشييع حصل بهذه الحشود. كثير من أبناء حارتنا المسلمين حضروا تشييع جنازة أخي. تجمّعوا في كنيسة مارغيوغيز و راحوا يلطمون الصدور و يردّدون: سيدنا عيسي المسيح صاحب العزاء اليوم.
تقدم أحد المسؤولين و قال: «يا حاجّة! أتذكرين في سنة 86 [2007 م] قلتِ إنكِ تريدين زيارة القائد؟ سيحضر السيد الآن لمنزلكم...». الوالدة كأنها ذاهلة عن ما يدور من حديث، و لا تتعجب حتى من عبارة «الحاجّة». إنها في عالمها الخاص. تقول: «قلتُ للجميع ليتَ السيد يأتي لزيارتنا أو نذهب لزيارته». يذهب آلفرد و يأتي بصحيفة قديمة. «صحيفة همشهري، المنطقة 11 بطهران، 12 دي 86 [2 کانون الثاني 2008 م]». فيها لقاء بنصف صفحة مع والدة الشهيد، و كتبوا في مناشيت «الوالدة في لقاءاتها المتعددة مع مسؤولي مؤسسة الشهداء طلبت منهم أن يوفروا فرصة للقاء القائد، لكنها بقيت دون جواب. يودّ قلبها أن ترى القائد و تتوقع تحقيق هذا الأمل».
تجاوزت الساعة السابعة مساء. تمسك الوالدة بزمام الحديث: «عندما ذهبتُ في قوافل السائرين إلى النور، لم أذهب لمكان استشهاد ولدي، كان بعيداً جداً. و ما الفرق؟ كل الشهداء أولادي. دفنّا ولدي في مقبرة الأقليات الدينية على طريق ساوة. أزوره دوماً. كنت هناك قبل يومين. و سنذهب في عيد الفصح أيضاً. و في عشرة الفجر أيضاً نذهب يوماً لمسح الغبار عن قبره...».
في هذه الأثناء وصل قائد الثورة. ذهبت الوالدة لاستقباله. يتقدم الأخوان و يسلمان بأدب. تقول الوالدة: «تحية لك.. تحية لكل شعب إيران». يقول القائد: «حفظك الله». تجيب الوالدة: «في ظلكم». و يدعو السيد: «حشر الله ابنكم مع أوليائه». يجلس الجميع و تقول الأم: «امتلأ كوخي الصغير. فرحتُ كثيراً لأنك تفضلت بالمجئ...» اختناقها بالعبرات لا يسمح بإتمام الكلمات. تتريث لحظات و تتابع: «قلتُ للجميع إن القائد هو لي أنا أيضاً. و هل هو للمسلمين فقط؟ إنه لكل الشعب».
يعتذر قائد الثورة لإنه وصل متأخراً و يبدي فرحته لهذا اللقاء في ليلة عيد الآشوريين. يسأل عن الشهيد كالعادة. يجيب آلفرد: «بقيتْ أيام قليلة على انتهاء خدمته العسكرية. لكنه لم يرض بالعودة. استشهد بعد قبول إيران بالقرار. قيل في البداية إنه وقع أسيراً. بعد ذلك عندما ذهبنا إلى رفيقه في القتال قال إنه كان خلف الرشاش إلى آخر لحظة. ألححنا عليه أن ينسحب إلى الوراء فلم يفعل. إلى أن سقطت قذيفة على خندقنا فجرح. وقعنا في الأسر. قالوا: أين الباقين؟ فقلنا لم يبق أحد. ضربوني بعقب البندقية على رأسي فغبت عن الوعي. عدتُ إلى الوعي في بعقوبة. سألتُ هل جئتم بأحد معي؟ فقالوا لا». و كانت هذه بداية قصة ثمانية أعوام من جهل أمّ مصير ابنها ذي الـ 22 ربيعاً.
يقول السيد إن هؤلاء مفاخرنا، لا لعائلة الشهيد فحسب بل لكل البلاد. يشير إلى أمن البلاد الذي هو ثمرة هذا الجهاد. ثم يشير للأمّ و يقول: «هذا ما يعلمه الجميع، لكن النقطة المهمة هي أن خلف هذا الجهاد هناك جهاد هذه السيدة. هذه المعنويات قيمة جداً. بعض الأحيان يبدي أحدهم جزعاً و ثبوراً بحيث يمنع الباقين من مواصلة الطريق، لكن رضا الأم و الأب و صبرهما يخلق هذه الأجواء. أين ما ذهبت من عوائل الشهداء وجدت الأمهات في الغالب بمعنويات أرفع من الآباء. نحن الرجال لا نستطيع أن ندرك مشاعر الأمهات. الرجال أيضاً يحبون أبناءهم لكن الأمهات يختلفن». يؤيد آلفرد كلام القائد: «ذهبتُ إلى معراج، و حين شاهدتُ الجثمان عرفته. كان أخي ضخم القوام جداً. عرفته من عظامه. و لكن قالوا يجب أن تأتي أمه لتؤيّد هويته». تخرج الأم من ذكرياتها: «ولدي كان بطلاً».
يعود القائد ليمسك زمام الكلام: «الأقلية المسيحية، سواء الأرمنيون منهم أو الآشوريون، خرجوا من اختبار الثورة و الحرب مرفوعي الرأس، كإيرانيين أوفياء عقلاء شجعان و أصحاب بصيرة». تقول الأمّ و قد راحت تخرج من ذهول بداية اللقاء: «في كرمانشاه أقاموا مؤتمراً صحفياً. قلتُ إنني لا أجيد التحدث بالفارسية، فقالوا لا عليك. تحدثتُ أفضل من الجميع. قلتُ نحن المسلمين و المسيحيين يجب أن نضع يداً بيد و نبني إيران. قلتُ أعطوني سلاحاً لأذهب و أقاتل». نظر السيد و قال: «لو أعطوها لذهبتْ حقاً! معنوياتها عالية جداً...» ضحكة الحاضرين تذيب جليد اللقاء. تواصل الأم: «كنتُ أسأل الله أن أرى في يوم من الأيام صداماً و هو ...» عطفها لم يسمح لها بإتمام الجملة. تريّثت لحظات و تابعت بصوت يحبسه البكاء: «رأيته و ارتحت». تمانِع سقوط الدمع و تواصل: «لأننا لم نكن أهل حرب، جاءوا و فعلوا ما فعلوا...» يؤيد القائد كلام الوالدة: «الآخرون أيضاً هكذا، غير مستعدين لتحمّل استقلالنا».
تحدث الأم ولدها بشيء باللغة الآشورية و يسأل آلفرد القائد بتردّد: «هل تأكل الكعك المنزلي؟» تتفتح أسارير الوالدة حين يجيب السيد بالإيجاب. واضح أنها هي التي أعدّت الكعك. تقول للقائد بفرح: «أقول أعطوني عملاً و شغلاً لأخدم بلادي». يقول السيد بوجه منبسط: «كلامك هذا نفسه عمل كبير. كان التبيين من أعمال الأنبياء. الكثير من الناس يسيرون في الطريق الخطأ لأنهم لا يعلمون. لو كان هناك بيان و إيضاح لاتضح الطريق. نفس هذه السمة لدى هذه السيدة و تحدّثها بهذا الكلام عمل كبير. لقد قامت السيدات في الحرب بأعمال كبيرة. ذهبن للجبهات، و مرّضن الجرحي، لكن البيان أهمّ من كل شيء. نفس كلامك هذا سواء في الكنيسة أو خارج الكنيسة، و إبداء هذه المعنويات عمل مهم جداً. أطال الله عمرك و حفظك على هذه المعنويات».
يتناول القائد قطعة من الكعك و يقول لمن حوله: «كعك لذيذ جداً، ألا تأكلون؟» تقول الأم و ولداها: «هنيئاً مريئاً».. يسير صحن الكعك نحو الحاضرين و لا يعود. تقول الأم: «يجب أن تأكل الفاكهة أيضاً، و المكرّزات أيضاً». ثم تقول بخجل: «بيتي صغير...» لا يسمح السيد بمواصلة خجلها: «القلب يجب أن يكون كبيراً. عندما يكون للإنسان هدفه، فسيكون كل مكان حسناً. يقول الشاعر: أنا مبتهج الفؤاد أين ما تكون معي / حتى لو كان منزلي في قعر بئر».
يعطون القائد صحيفة اللقاء مع الوالدة. يلقي نظرة و يقول: ما هو تاريخها؟ حين يسمع إنها تعود لسنة 86 [2008 م] يقول بحسرة: «قديمة جداً؟ ليتنا جئنا قبل هذا. ليتكم جئتم أو جئتُ أنا».
يفضي الكلام إلى وضع المسيحيين في إيران. يقول آلفرد: بعد الثورة أصبح موضوع الدين أوضح، و الآن حتى أسقف الآشوريين إيراني، بينما كان يأتي في السابق من العراق. و أسقف الأرمنيين يأتي من لبنان. يتذكر قائد الثورة أسقف الأرمنيين الفقيد آراك مانوكيان الذي صاحب الإمام الخميني (رحمه الله) منذ بداية الثورة. ثم يتحدث قليلاً عن الآشوريين الذين يعتقد أنهم أقدم المسيحيين بعد مسيحيي فلسطين (مسقط رأس النبي عيسى عليه السلام). يسترسل الكلام إلى اللغة الآشورية و قربها من العربية و العبرية و حتى الفارسية. ينحّي آلفرد الفاكهة و المكرّزات جانباً و يشير إلى قماش مطرز على الطاولة كتب عليه باللغة الآرامية: «ايدوخون هو بريخا» و يقول: معناها «عيدكم مبارك». يعتبر السيد هذا شبهاً لغوياً، فـ «ايدوخون» قريبة من كلمة «عيد»، و «بريخا» شبيهة بكلمة «بركة».
حان وقت الوداع، و قدّم قائد الثورة هدية لوالدة الشهيد و قال: «عيدكم مبارك إن شاء الله. كانت ليلة طيبة». يقول الأخوان و الأمّ سوية: «كانت ليلة لا تنسى أبداً بالنسبة لنا». يقول السيد: «نحن نهدي للمسلمين قرآناً، و لو كنتُ أستطيع أن أجد إنجيلاً جيداً لجئتُ به، هذه الأناجيل الآن هي عموماً روايات و ليست كلام الوحي. طبعاً يوحنا و لوقا و بطرس و ... هم كبار المسيحية و قد استشهد بعضهم. هؤلاء نقلوا المسيحية إلى إيران و بلاد الروم و ... . و إلّا فالمسيحية ديانة شرقية. و قد كان فيهم أنبياء و نواب أنبياء. الحواريون من عظماء الدين. في الإسلام كل من ينكر عصمة السيد المسيح و السيدة مريم يخرج من الإسلام. هكذا هو احترامنا للمسيحية. و الإنجيل أيضاً مثل القرآن و التوراة نزل من السماء. لكن الأناجيل الحالية، هذه التي قرأتُها، رواية و ليست ذلك الشيء الذي نزل من السماء. لو حصلنا على ذلك الأنجيل لوضعناه على أعيننا احتراماً له».
كان آلبرت ساكتاً مطئطي الرأس طوال اللقاء تقريباً، لكنه قال عندما شاهد القائد يهمّ بالذهاب: «الدكتور أحمدي نجاد كان قد زار منزلنا. قال ماذا تحتاجون، فقلنا له سلامة القائد. مجرد مجيئكم إلى هنا يعادل عندنا الدنيا». أجابه القائد: «معنويات الوفاء هذه ثمينة جداً. البعض لهم نظرة مادية فقط، لكن هذه معنويات».
حسب الدارج طلب السيد السماح له بالذهاب. وقف و أعطى الأولاد و الأحفاد قبل خروجه هدايا تصلهم عن طريق الآباء. يقول أحد الحاضرين همساً: «شقيقة الشهيد أيضاً في أرومية»، فأعطاها القائد هدية تصلها عن طريق والدتها. ثم ودّعهم و انصرف لزيارة عائلة شهيد مسيحي آخر.
رحنا نجمع الأدوات و الوسائل، و إذا بالوالدة تتذكر وعدنا لها في البداية، فراحت توزّع الفاكهة و المكرّزات بالإجبار على المرافقين و الحاضرين. نقول لها بإصرار إن الأحفاد سيعودون الآن و تبقين من دون أسباب ضيافة، لكنها ترفض و تقول: «لو كانوا أخبروني أن السيد يريد القدوم لضحّيت بكبش أمام قدميه، فما قيمة هذه الأشياء؟»