Super User

Super User

الثلاثاء, 15 كانون2/يناير 2019 10:53

ما هي مواصفات صاروخ "سومار" الذي أرعب الغرب؟

أعرب نائب وزير الدفاع الإيراني العميد "قاسم تقي زادة"، يوم أمس الأحد، أن وزارة الدفاع تبحث تسليم صاروخ "سومار" إلى قوات حرس الثورة الإسلامية، وأضاف "تقي زادة": إن برامج وزارة الدفاع الإيرانية يؤكد في المرحلة الأولى على تحسين كامل التجهيزات والمعدات العسكرية ورفع مستواها وفي المرحلة التالية تؤكد هذه الوزارة على مواصلة إنتاج كل المعدات العسكرية التي تحتاج إليها القوات المسلحة وفقاً لخطة منظمة وقال "تقي زادة" بأن صاروخ "سومار" يعدّ من أهم وأخطر ما توصل إليه الخبراء الإيرانيون في هذا المضمار، خاصة أنه صاروخ بعيد المدى يصل إلى أكثر من 2500 كیلو متر، وهو أحد أجيال الصواريخ الباليستية "کروز".

يذكر أن مؤسسة الصناعات الدفاعية الإيرانية هي التي قامت بإنتاجه، ولقد أزيح الستار عنه في مارس 2015 بحضور وزير الدفاع الإيراني، لكن إيران جربته في فبراير 2017 بنجاح وفي التجربة الصاروخية الأخيرة تمكن "سومار" من التحليق لنحو 600 كيلومتر في أول اختبار ناجح معلن لإطلاقه، وتفيد تقارير دولية بقدرة الصاروخ ويمكن أن يتراوح مداه بين 2000 و3000 كيلومتر، وبالتالي ولكونه أشبه بصاروخ "خا - 55" فإنه قد يتمكن من استهداف مرماه ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل أيضاً في جنوبي وشرقي أوروبا، وتجدر الإشارة هنا، إلى أن وزارة الدفاع الإيرانية أطلقت على هذا الصاروخ اسم "سومار" استشهاداً ببطولات الجنود الإيرانيين في منطقة عمليات عسكرية شهيرة إبان الحرب العراقية ـ الإيرانية، حملت الاسم ذاته وهي إحدى مدن محافظة "كرمنشاه" الواقعة في المنطقة الحدودية بين إيران والعراق.

وبحسب تصريحات أحد الخبراء العسكريين، فإن إمكانية صدّ صواريخ كروز أصعب مقارنة بالصواريخ الباليستية، حيث إنها تحلّق على مستويات منخفضة ربما لا تلتقطها أنظمة الرادار ما يربك أنظمة الدفاع الصاروخية، كما أن بإمكان كروز ضرب أهداف في عمق أراضي الخصم، ولفت ذلك الخبير إلى أن الميزة الكبيرة من وجهة نظر إيران هي أن صواريخ كروز لم تذكر في أي من قرارات الأمم المتحدة التي تحظر العمل على تصنيع الصواريخ الباليستية القادرة على حمل أسلحة نووية.

خوف الغرب من الصواريخ الإيرانية

أعربت العديد من المصادر الإخبارية، بأن طهران قامت بعد أيام قليلة من التحذير الأمريكي لها بالمضي قدماً في إطلاق صواريخ فضائية، حيث جاء ردّ طهران على هذا التحذير، بإعلان الرئيس الإيراني "حسن روحاني" إطلاق صواريخ تحمل أقماراً صناعية في غضون الأسابيع المقبلة، ويبدو أن الرئيس الإيراني لم يبد أي اهتمام بالتحذير الأمريكي في حال قيامه بإطلاق صواريخ.

في سياق متصل، أعرب موقع "روسيا اليوم"، بأن صاروخ "سومار" الذي كشفت عنه إيران أمس الأحد، بجانب ترسانة الصواريخ لدى الحرس الثوري، قادرة على استهداف الكيان الإسرائيلي والقواعد الأمريكية في المنطقة، وأشارت صحيفة "روسيا اليوم"، إلى القدرات التي يتمتع بها صاروخ كروز" سومار"، معتبرة إزاحة الستار عنه شكّل ذعراً للكيان الإسرائيلي، ولفتت صحيفة "روسيا اليوم" إلى تغطية وسائل الإعلام الإسرائيلية للحدث حيث قالت بدورها إن إيران لأول مرة تكشف عن هذا النوع من السلاح، وأضافت: إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعمد إلى تعزيز قدراتها الدفاعية، وأنها قامت بتجارب مستمرة لأسلحة متطورة خلال السنوات الأخيرة.

وفي النهاية أشارت صحيفة "روسيا اليوم" إلى بعض التجارب الإيرانية على الأسلحة ومنها الهندسة العكسية للطائرة دون طيار RQ170 الأمريكية، مؤكدة أن الحرس الثوري الإيراني يمتلك ترسانة صواريخ متطورة، يصل مداها إلى "إسرائيل" والقواعد الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط.

أعلنت الجماعات الكردية في سوريا نيتها بالدخول في مفاوضات مباشرة مع حكومة دمشق الشرعية وذلك من أجل التوصل إلى تسوية سياسية ولقد جاءت هذه الخطوة الكردية عقب إعلان الحكومة الأمريكية بأنها ستقوم بإخراج قواتها العسكرية من سوريا في القريب العاجل وهذا الأمر زاد من خوف الأكراد السوريين من الهجمات العسكرية التركية المحتملة على أراضيهم، تجدر الإشارة إلى أنه خلال السنوات الأخيرة، عانى الأكراد السوريون كثيراً؛ فمن ناحية، عانوا من ظلم وويلات تنظيم "داعش" الإرهابي، ومن ناحية أخرى، عانوا من الوجود الأمريكي في أراضيهم الذي عمل على خلق الكثير من الخلافات بين الجماعات الكردية المختلفة ولذلك، فإن الأكراد السوريين يعيشون في وقتنا الحالي في خضم عاصفة من الأحداث التي جاءت نتيجة لبعض السياسات الدولية وكذلك لنوايا بعض القوى الداخلية الرجعية.

وخلال السنوات الثماني الماضية، واجه الأكراد معضلات كبيرة حيث كان يجب عليهم اختيار أحد الطريقين الذين لكل منهما تكاليف وعواقب مختلفة ولسوء الحظ، فلقد خدعتهم بعض الوعود الأمريكية وأجبرتهم على اختيار طريق الوقوف مع واشنطن، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى حدوث الكثير من الخسائر لهم، يذكر أن الأكراد السوريون قاموا بإرسال العديد من شبابهم إلى القواعد الأمريكية المتمركزة في أراضيهم لمساعدتهم وتدريبهم عسكرياً وذلك من أجل الاستفادة من قدراتهم على الدفاع عن الشعب الكردي، لكن للأسف، لم يقم الأمريكيون بمساعدتهم وتدريب أبنائهم، في الواقع، كانت واشنطن تستغل الشباب الأكراد لتحقيق الكثير من أهدافهم في المعادلات السياسية والعسكرية في المنطقة وهذا الأمر يؤكده القرار المفاجئ وغير المتوقع الذي قامت به واشنطن والمتمثل بإنهاء دعمها للأكراد.

وفي سياق متصل، تلقى الأكراد السوريون رسائل سيئة من الأقليات الكردية المستوطنة في الدول المجاورة لسوريا، ومن جهة أخرى أدّت الحملات العسكرية التركية على بعض مناطق الأكراد في "عفرين" إلى زيادة الأمور سوءاً بالنسبة لجميع الأكراد الذين يعيشون في سوريا.

وبعد مرور سبع سنوات فإنه من المحتمل أن تكون هذه الفترة الزمنية بالنسبة للجماعات الكردية، هي الفترة الأفضل ولهذا فإنهم هذه المرة على عكس الماضي، يفكرون في الدخول في مفاوضات مباشرة مع الحكومة السورية برئاسة "بشار الأسد"، من أجل الحفاظ على وحدة أراضي سوريا، ما يعني استعادة الأوضاع السابقة التي سبقت بداية اندلاع الأزمة في سوريا وفي وقتنا الحالي، يكمن الأمل الوحيد للأكراد في بدء جولة جديدة من المفاوضات مع حكومة دمشق الشرعية، على أمل أن يتمكّنوا من التعويض عن الخسائر التي لحقت بهم في الماضي.

وهنا يمكن القول إن الجولة الجديدة بدأت بإعلان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" سحب قوات بلاده من سوريا وبالطبع لقد أثار هذا الإعلان الأمريكي في البداية الكثير من المخاوف بين الأكراد وعلى وجه الخصوص، أنه مع انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، فلن يكون هنالك أي حواجز أمام الجيش التركي للقيام بعمليات عسكرية في المناطق الكردية، يذكر أن تركيا تحدثت قبل حوالي ثلاثة أشهر عن نيتها تنفيذ عملية عسكرية كبيرة في شمال سوريا، ولهذا فلقد دعت أنقرة إلى تحرك جماعات المعارضة الكردية في المناطق الشمالية من سوريا لتكون الذريعة الرئيسية لها لشنّ هجوم عسكري جديد على تلك المناطق.

في الوقت نفسه، أظهرت التجارب الكردية في مدن مختلفة في شمال سوريا، ولا سيما مدينة "عفرين"، أن التهديدات قد تضعهم في مأزق جديد، وبالتالي، فلقد بدأ الأكراد حوارهم مع الحكومة السورية، وخلافاً لتوقعات "أنقرة"، فلقد تمكن الأكراد من التوصل إلى حل حكيم والبدء في التعاون مع الحكومة السورية، والذي سيؤدي بدوره إلى تحقيق الكثير من النتائج الإيجابية لجميع الأطراف السورية، على الرغم من أنه في نفس الوقت تسبب في غضب وقلق الجانب التركي والأمريكي وبعض الدول العربية في المنطقة.

إن من أبرز الخيارات والسيناريوهات التي تنتظر المحادثات القادمة للأكراد مع الحكومة السورية، يتمثل في بقاء جزء من القوات الأمريكية في المناطق السورية الشمالية، وفي هذه الحالة على الأكراد اختيار أحد الطريقين فإما أن يواصلوا التعاون مع أمريكا أو يبدؤوا بالتعاون مع الحكومة السورية وهذان الطريقان يمكن أن يؤديا إلى خلق خلافات بين المجموعات الكردية والخيار الآخر يتمثل في زيادة الوجود العسكري التركي في المناطق الكردية السورية وهذا الأمر قد يخلق الكثير من المضايقات الجديدة والعنيفة للأكراد، الأمر الذي سيؤدي بلا شك إلى مزيد من المشاركة والتعاون بين الأكراد والحكومة السورية وهذه المرة، ستقف الجماعات المسلحة الكردية إلى جانب الجيش السوري في الدفاع عن مناطق إقامتهم، بطبيعة الحال، إن الوجود العسكري التركي في سوريا سيخلق فجوة بين الأكراد الأتراك والأكراد السوريين، وسوف يوقف أو يعوق سلسلة التعاملات بين هذه المجموعات العرقية المختلفة.

ما يعبّر عنه الرئيس التركي وحكومته في المطالبة بأراضٍ في سوريا والعراق بذريعة "مكافحة الإرهاب"، يستند في خلفياته إلى ما يسمى في تركيا "ميثاق ملّي" الذي أقرّه "مجلس مبعوثان عثماني" (شبه برلمان) العام 1920 قبل التراجع عنه في معاهدة لوزان العام 1923، وهي التي نشأت بموجبها الجمهورية التركية. لكن عودة تركيا إلى ما قبل جمهوريتها واستقلال الدول العربية، تضرب الاعتراف الدولي والعربي بحدودها وتفتح إمكانية المطالبة السورية بأراضٍ ضمّتها لوزان إلى تركيا.

ما تثيره الحكومة التركية من ذرائع تسميها "مكافحة الإرهاب"، هو من باب لزوم ما يلزم للتورية عن أطماع يصعب عليها المجاهرة بها لما تثيره من أطماع فجّة وتضع موضع التشكيك التركي بالمعاهدات التي أقرّت حدود الجمهورية التركية بدءاً باتفاقية الاستسلام في الحرب العالمية الأولى.

ما نطق به مؤخراً وزير الداخلية التركي سليمان صويلي أثناء تفقده أحد المخيمات السورية في تركيا، أشار إلى أن اللاجئين "هم من مناطق ميثاق ملّي". وهذه الإشارة كان قد ألمح إليها الوزير في دعوته الى تجنيس الأطفال السوريين. فهي في سياق حملة يتناولها بشكل دائم مؤرخون قوميون وسياسيون ومحللون يدعون إلى العودة إلى "ميثاق ملّي" (الميثاق الوطني) وفق ما أعلنه الرئيس التركي في "مؤتمر القانون الدولي" المنعقد في أنقرة بتاريخ 13 أيلول/ سبتمبر عام 2016 لتبرير رفضه الانسحاب من بعشيقة العراقية. وقد كرر التعبير نفسه في العام التالي أمام المخاتير الأتراك طالباً مراجعة معاهدة لوزان.

إردوغان أفصح في حديثه عن القانون الدولي أن "مشكلات تركيا على حدودها في الجنوب الشرقي ناجمة عن تنازلها عن ميثاق ميللي"، فيضع إصبعه على الجرح في نقضه معاهدة لوزان "التي قبلتها تركيا مجبرة" بحسب تعبيره، ممهّداً بذلك الطريق للمجاهرة بالعمل لتجاوز المعاهدة والعودة عن الاعتراف بالحدود السورية على وجه الخصوص في العام 2023 بمناسبة مرور مائة عام هي مدّة المعاهدة الزمنية.

الحلم التركي بالعودة إلى "ميثاق ملّي" يلقى صدىً واسعاً بين أنصار حزب العدالة والتنمية، وحزب الحركة القومية التي شاركت ميليشيات منها في الحرب على سوريا الشمالية. لكن أكثرها تشدداً بعقيدة الميثاق بين "العثمانيين الجدد" هي مجموعة الذئاب الرمادية التي قاد زعيمها "ألب أرسلان جيلك" الحرب التركية في جبل التركمان بمحافظة اللاذقية.

وما يجمع بينها هو العمل على نقض معاهدة لوزان في الجانب المتعلّق بالأراضي السورية والعراقية، بينما تكتفي في جوانب المعاهدة الأخرى المتعلّقة باليونان وقبرص والقرم والسعودية ومصر... إلخ بالتعبير عن الحنين من دون خطوات ملموسة كالتي تعمل عليها الاستخبارات التركية لتجميع وسرقة وثائق الملكيات التركية السابقة في الموصل وكركوك البالغة 100 ألف وثيقة في مديرية "الطابو" التركية.

اللافت المريب أن "ميثاق ميلّي" نقضته تركيا نفسها في معاهدة الاستسلام إثر هزيمتها في الحرب العالمية الأولى وفي توقيعها معاهدة " سيفر" عام 1920 في حين أن معاهدة لوزان عام 1923 التي تحاول الحكومة التركية الانقلاب عليها، هي التي نقضت معاهدة "سيفر" عام 1920 لمصلحة تركيا التي غنمت وفق لوزان أراضٍ سورية تبلغ مساحتها حوالي 18 ألف كلم2 لقاء الاعتراف التركي بمعاهدة سايكس ــ بيكو، وتعبيراً عن دعم بريطانيا وفرنسا لجمهورية كمال أتاتورك الناشئة بنظامها الجمهوري وحدود دولتها استناداً إلى مساومات اعتراف أتاتورك بمعاهدة لوزان فيما يتعلق بحدود الدول العربية وفيما يتعلق بحدود تركيا و حدود الدول الأخرى التي كانت تضمها الإمبراطورية العثمانية قبل انهيارها.

خريطة "ميثاق ملّي" كما تنشرها "العثمانية الجديدة"، تقتطع ثلث مساحة سوريا في الحسكة والرقة وحلب وإدلب وتقتطع من العراق كركوك والموصل وإقليم كردستان وهو ما نقضه أتاتورك في موافقته على معاهدة لوزان بكل جوانبها العربية وغير العربية.

وفي خلال فترة حكمه بين 1923 و1938 منحته بريطانيا في العام 1926 باتفاقية أنقرة 10% من نفط الموصل ووافقت بحسب تركيا أثناء المباحثات من دون تثبيت في معاهدة جديدة، على حق التدخل التركي في العراق لحماية التركمان إذا تعرّضوا لمذبحة عرقية. وربما تطرّقت المباحثات التركية مع بريطانيا وفرنسا إلى السماح بتدخل تركي في سوريا إذا تعرّضت سوريا إلى تفتيت عرقي وحروب تهدّد وحدة الأراضي التركية، لكن ما تزعمه الحكومة التركية عن حق التدخل في سوريا بسبب التفتيت العرقي لم يكن على بساط البحث في اتفاقية لوزان بيد أنه يكشف ما وراء إدعاء حكومة إردوغان بأن سوريا عُرضة للتقسيم والتفتيت العرقي.

في سوريا حظي أتاتورك وفق معاهدة لوزان بتوسيع الحدود التركية من جنوبي بانياس حتى محطة الراعي ومنها إلى نصيبين على طول خط سكة قطار الشرق السريع بضم قسم من أراضي الجزيرة الفراتية ومن نصبين إلى جزيرة عمر وماردين وطور عبدين.. وتوّجت فرنسا هداياها لأتاتورك بلواء الاسكندرون عام 1938.

الطموحات التركية في أحلام العثمانية الجديدة لنقض معاهدة لوزان، هي سيف ذو حدّين يتيح مطالبة سوريا باستعادة أراضيها التي ضمّتها تركيا إلى حدود الجمهورية التركية بمساومة مع بريطانيا وفرنسا. فحين ترفض تركيا خريطة حدودها، الحري بسوريا رفضها الاعتراف بهذه الحدود في سبيل استعادة أراضيها.

قاسم عز الدين

الثلاثاء, 15 كانون2/يناير 2019 07:26

معركة الجمل(15 / جمادى الأولى/ السنة 36 هـ)

بعد مقتل عثمان ومبايعة المسلمين الإمام علياً(ع)، اتخذت الأمور مجرى آخر، حيث أن عدالة أمير المؤمنين(ع) وتمسكه بالإسلام لا تروق لأولئك الذين اكتنزوا الكنوز، وامتلكوا الضياع وبنوا القصور من أموال المسلمين، فقاموا متحدين لمقاومة عدالة الإسلام التي لن تكتفي بحرمانهم مما ألِفوه من النهب، بل ستأخذ منهم حتى تلك الأموال التي نالوها بطريقة غير مشروعة، وجعل أولئك الذين تمنوا الموت لعثمان، وحرّضوا الناس ضده حتى أودوا بحياته، جعلهم متحدين يطالبون بدمه، حيث اتفق طلحة والزبير ومعهما عائشة زوج النبي(ص)، ، وخرجوا إلى البصرة لجمع الأنصار وإثارة الفتنة، خروجاً على إمام زمانهم.

إنها حقاً من الأمور التي تدهش العاقل، وقد بذل الإمام جهداً كبيراً لتحاشي هذه الفتنة فلم يأل جهداً في بذل النصح لهم، وتحميلهم مغبة ما سيكون إذا نشبت الحرب، وهذه إحدى نصائحه لطلحة والزبير، إذ يقول:

«أما بعد يا طلحة، ويا زبير، فقد علمتما أني لم أرد الناس حتى أرادوني، ولم أبايعهم حتى أكرهوني، وأنتما عن بادر إلى بيعتي، ولم تدخلا في هذا الأمر بسلطان غالب، ولا لعرض حاضر، وأنت يا زبير، ففارس قريش، وأنت يا طلحة فشيخ المهاجرين، ودفعْكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسع لكما من خروجكما منه، ألا وهؤلاء بنو عثمان هم أولياؤه المطالبون بدمه، وأنتما رجلان من المهاجرين، وقد أخرجتما أمكما [عائشة] من بيتها التي أمرها الله تعالى أن تقرّ فيه، والله حسبكما».

وفي البصرة - المكان الذي دار فيه القتال - استمر الإمام علي(ع) يبذل نصحه من أجل حقن الدماء فأرسل إلى الناكثين يدعوهم للصلح، ورأب الصدع، والتقى بالزبير، وذكّره بما قال النبي(ع) يوم قال: لا يدع ابن أبي طالب زهوه. فقال له النبي(ص)،:

«... مهلاً يا زبير ليس بعلي زهوّ، ولتخرجنّ عليه يوماً وأنت ظالم له؟!» فقال الزبير للإمام: بلى ولكني نسيت ذلك. وبعد أن تذكر ما ذكّره الإمام به، انصرف إلى خارج البصرة، ولم يحارب، فقتله ابن جرموز ودفنه في وادي السباع.

وبعد أن فشلت المحاولات لإخماد الفتنة التي أثارها الناكثون في البصرة تفجرّ الموقف وأُعلن القتال بين جيش الإمام علي(ع) وجيش الناكثين، لكن الإمام ظلّ ملتزماً بالصبر والأناة، وبما امتاز به من الروح الإنسانية، موضحاً لجماعته أحكام الشريعة الإسلامية في حق البغاة، ثم دعا ربه متسجيراًً من الفتنة.

أما عن مصير طلحة فقد جاءه سهم عند الهزيمة لا يُعرف راميه فجرحه ثم مات، وأسفرت هذه الفتنة عن قتل (10 آلاف) من جيش الناكثين و (5 آلاف) من جيش الإمام، وقد جرت المعركة في (10 جمادى الأولى)، وقيل العاشر من جمادى الثانية سنة (36 هـ) وسميت بحرب الجمل لأن عائشة كانت تركب فيها جملاً.

وبعد أن وضعت الحرب أوزارها بانتصار ساحق على أهل الجمل أعلن الإمام العفو العام عن جميع المشتركين فيها، وإنه حقاً موقف جسّد فيه روح العفو والصفح، ومبادلة الإساءة بالإحسان، ثم واصل الإمام (ع) خطواته الإنسانية إزاء الناكثين، إذ قام بإعادة عائشة إلى المدينة المنورة معزّزة مُكرّمة على الرغم من موقفها المعاند لولي أمرها.

لقد أحبّ رسول الله(ص)،  فاطمة عليها السلام وأحبته، وحنا عليها وحنت عليه، وكان يؤكد على علاقته بها، ويوضح مكانتها بين الأمة، وهو بذلك يمهد لأمر عظيم يرتبط بها، وبذريتها الطاهرة لكي تعطي الأمة حقها، ويحفظوا لها مكانتها، ويراعوا ذريتها حق رعايتها، وتكبر فاطمة وتشب ويزداد حب رسول الله(ص)،  لها، وتملأ قلبه بالعطف والرعاية فيسميها (أم أبيها). فإذا كانت نساء النبي وزوجاته أمهات للمؤمنين، فإن فاطمة قد احتلت الموقع الأعلى للأمومة، فكانت أم النبي(ص)،  كما وصفها بذلك النبي(ص)، .

لقد كان رسول الله(ص)،  النموذج والقدوة في العلاقة الأبوية الطاهرة التي تساهم في بناء شخصية الأبناء، وتوجيه سلوكهم، وتملأ نفوسهم بالحب والحنان، لقد كانت هذه العلاقة هي المثل الأعلى في رعاية الإسلام للفتاة والعناية بها وتحديد مكانتها.

قبس من فضائلها

جهادها:

عاشت السيدة الزهراء عليها السلام محن تبليغ الرسالة الإلهية بتمام تفاصيلها ومنذ نعومة أظافرها، فلقد عاشت مرارة الحصار الذي فرضته قريش على النبي وبني هاشم في شعب أبي طالب، حيث قاست مع سائر أفراد عشيرتها، وعلى الرغم من عدم تجاوز عمرها عن السنتين الجوع والخوف والحر والبرد، كل ذلك في سبيل الدعوة المقدسة إلى عبادة الله الواحد الأحد.

كما أنها كانت تعايش آلام أبيها، والمحن التي كانت تعصف به، والأذى الذي لحقه من قريش، فقد روي أنه بينما كان النبي(ص)،  يصلي عند البيت إذ طلب أبو جهل من بعض الأشقياء أن يأخذ حواشي الجزور ويلقيها عليه(ص)،  فاستضحك القوم، فجاءت عليها السلام وكانت صغيرة فطرحته عن أبيها، ثم أقبلت على أبي جهل ومن معه وعنّفتهم بالقول حتى تفرّقوا.

واستمرت تواكب جهادها بخطى أبيها رسول الله(ص)،  حتى منيت بفقد أمها وهي في مقتبل العمر، ولكن رغم المصاب الجلل لم تدع عليها السلام المصيبة تجمد قدراتها ومواصلة جهادها، فأخذت على عاتقها أن تتسنّم مكان أمها بفيض الحنان المتدفق على أبيها، حتى سمّاها النبي(ص)،: Sفاطمة أم أبيهاR.

وبعد هجرة النبي(ص)،  من مكة إلى المدينة، وهجرة أصحابه، كانت عليها السلام أيضاً من المهاجرات في سبيل الله تعالى، واستمر جهادها في المدينة مع النبي(ص)،  وزوجها علي(ع)، فكانت تشكّل حلقة الوصل بين النبي والنساء، ولقد كانت من معلمات القرآن والأحكام والمبادئ، وكانت تقصدها النساء في أمور دينهن، وختمت جهادها بشهادتها مدافعة عن إمامة الحق علي(ع)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع في ذكرى مولدها في (20 جمادى الثانية).

عبادتها:

عرفت الزهراء بعابدة البيت النبوي، حتى قال الحسن البصري: ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة بنت رسول الله، وكانت تقوم بالأسحار حتى تورمت قدماها([1]).

وقال النبي(ص)،  عنها: Sمتى قامت في محرابها بين يدي ربها (جل جلاله) زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله (عز وجل) لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلى أَمَتي فاطمة، سيدة إمائي قائمة بين يدي، ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت على عبادتي، أُشهدكم أني قد آمنت شيعتها من النارR([2]).

وجاء في (عدة الداعي): أن فاطمة كانت تَنهَج في الصلاة - أي تتابع النَفَس - من خيفة الله.

وعن ابنها أبي محمد الحسن(ع) قالت: رأيت أمي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جُمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتُسمّيهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني الجار ثم الدار([3]).

صبرها:

مرض رسول الله في أواخر أيامه، واشتدّ عليه المرض، وفاطمة تنظر إليه وتشاطره آلامه ومرضه، وتمر الأيام ثقيلة على المسلمين وتعايشها فاطمة عليها السلام بحزن وألم، وينتقل النبي(ص)،  إلى جوار ربه، وتشتد الرزية على فاطمة، ويعظم المصاب في نفسها، وتظل تعيش بعد أبيها في لوعة وحزن وهي تترقب ساعة اللحاق به، والعيش معه في جنة الخلد، وظلت صابرة محتسبة منقطعة إلى الله سبحانه بالعبادة حتى وافاها الأجل الذي كانت تحنو إليه وتشتاقه لتلقى أباها رسول الله(ص)، .

شهادتها:

بعد وفاة أبيها اشتد عليها الحزن والأسى، ونزل بها المرض لما لاقته من ظلم واضطهاد من قبل أزلام الزمرة الحاكمة آنذاك من الهجوم على دارها، وعصرها بين الحائط والباب، وسقوط جنينها محسن، وكسر ضلعها، وغصب إرثها وأرض فدك.

وعندما أحسّت عليها السلام بالأجل يدنو طلبت من أسماء بنت عميس أن تضع لها فراشاً وسط البيت، وطلبت إحضار علي(ع) فحضر، فقالت له: ... أوصيك بأشياء في قلبي، فقال لها: أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله وأخرج مَنْ في البيت، ثم أتمت وصيتها، وارتفعت روحها الطاهرة إلى عالم الخلد والنعيم، وكان ذلك في الثالث عشر من جمادى الأولى (السنة 11 هـ)، وفي رواية في 3 من جمادى الثانية كما سيأتي.

وبعد انتشار نبأ رحلة الزهراء احتشد أهل المدينة على باب الإمام علي(ع) ينتظرون التشييع، فأخبرهم أمير المؤمنين بأنه أخّر تشييعها هذه الليلة، فصلى عليها بعد تغسيلها وتكفينها، وبقي جثمانها الطاهر حتى غطى الليل سماء المدينة، فدفنها وعفى أثر قبرها لئلا يعرف حسب وصيتها عليها السلام ، لتؤكد للأجيال مظلوميتها واغتصاب الحقوق التي أوصى بها أبوها لها، ولكي تبقى هذه المظلومية دائماً في ضمير التاريخ. فالمظلومية تحكي وإلى أن تقوم الساعة أنّ الدين يتجدّد بودّهم، فما من إنسان مهما كان دينه يعلم مظلومية أحد إلا وإنحاز إليه إذا كان من ذوي الألباب. وهكذا فإن الدين، هو الانحياز لأهل الكساء، الذين اختاروا أن يكونوا مظلومين ولا يكونوا ظالمين([4]).

 

([1]) بحار الأنوار 43: 84، وكتاب فاطمة الزهراء لأحمد الرحماني الهمداني: 215.

([2]) الأماني للصدوق؛ المجلد 24: 100، ونفس المصدر السابق.

([3]) دلائل الإمامة لأبي جعفر الطبري طبعة النجف: 52، وكتاب فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى لأحمد الهمداني: 79.

([4]) لمزيد المعرفة حول ما جرى على الزهراء بعد أبيها وكيفية شهادتها راجع المصادر التالية: شرح النهج لابن أبي الحديد 6: 84، وكتاب العقد الفريد لإبن عبد ربّه 5: 13، وكتاب الإمامة والسياسة لإبن قتبة 1: 12.

كان كسرى من الجبابرة في الأرض، حتى أنه ما كان يعرف بقليل رحمة في قلبه، وكان قد بنى لنفسه إمبراطورية عظيمة تحكم نصف العالم، ولكثرة ما تعاظمه الغرور والاستكبار، أمر قومه بالعبادة له وبتسميته رباً([1])، وكان ظلمه وعنفه قد طال الفرس فضلاً عن من كان تحت إمبراطوريته من غيرهم، ولما استقرت حكومة النبي(ص)،  في المدينة كان قد أرسل(ص)،  كتاباً إليه يدعوه إلى الإسلام، وقد حمل هذا الكتاب إلى كسرى عبد الله بن حذافة، وجاء فيه:

من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وإني أدعوك بدعاء الله، وإني رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حياً، ويحق القول على الكافرين. فأسلم تسلم، وإن توليت فإنّ إثم المجوس عليك.

 فلما قرأه مزّقه([2])، وقال: يكتب إليّ بهذا، وهو عبدي.

 ثم كتب إلى باذان وهو باليمن: أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين فليأتياني به. فبعث باذان بابويه، وكان كاتباً حاسباً، ورجلاً آخر من الفرس يقال له: خرخسوه، وكتب إليه يأمره بالمسير إليه إلى كسرى، وتقدم إلى بابويه أن يأتيه بخبر رسول الله (ص)، ، وسمعت قريش بذلك ففرحوا، وقالوا: أبشروا فقد نصب له كسرى ملك الملوك، كفيتم الرجل. فخرجا حتى قدما على رسول الله(ص)، ، وقد حلقا لحاهما وأعفيا شاربهما، فكره النظر إليهما، وقال: ويلكما من أمركما بهذا؟ قالا: ربنا، يعنيان الملك. فقال: لكن ربي أمرني أن أعفي لحيتي وأقصّ شاربي، فأعلماه بما قدما له، وقالا: إن فعلت كتب باذان فيك إلى كسرى، وإن أبيت فهو يهلكك ويهلك قومك. فقال رسول الله(ص)،: ارجعا حتى تأتياني غداً. وأتى رسول الله (ص)،  الخبر من السماء: أنّ الله قد سلّط على كسرى ابنه شيرويه فقتله في شهر كذا وليلة كذا، فدعاهما رسول الله(ص)،  وأخبرهما بقتل كسرى، وقال لهما: قولا لهُ إن ديني وسلطاني سيبلغ ملك كسرى وينتهي ما انتهى الخف والحافر، وأمرهما أن يقولا لباذان: أسلم، فإن أسلم أقره على ما تحت يده وملكه على قومه. ثم أعطى خرخسوه منطقة ذهب وفضة أهداها له بعض الملوك، وخرجا فقدما على باذان، وأخبراه الخبر، فقال: والله ما هذا كلام ملك، وإني لأراه نبياً، ولننظرنّ فإن كان ما قال حقاً فإنه لنبي مرسل، وإن لم يكن فنرى فيه رأينا. فلم يلبث باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه يخبره بقتل كسرى وأنه قتله غضباً للفرس، لما استحل من قتل أشرافهم، ويأمره بأخذ الطاعة له باليمن، وبالكف عن النبي (ص)،  فلما أتاه كتاب شيرويه أسلم وأسلم معه أبناء من فارس([3]).

 

([1]) الكامل في التاريخ لابن الأثير 2: 97.

([2]) روي عن رسول الله أنه قال لمّا بلغه أن كسرى مزّق كتاب النبي: Sمزق الله ملكه. وفعلاً تمزق ملكه بقتل ولده لهR.

([3]) سيد المرسلين للشيخ جعفر السبحاني 2: 363.

اسمها ونسبها:

زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، أمّها سيدة نساء العالمين، فاطمة بنت النبي(ص)،.

ولادتها:

ولدت بالمدينة المنورة، في الخامس من جمادى الأولى، في السنة الخامسة للهجرة.

سيرتها وفضائلها:

كانتعليها السلام  عالمة غير معَلّمة، وفهِمة غير مفهّمة، كما وصفها بذلك الإمام زين العابدين(ع)([1])، عاقلة لبيبة، جزلة، وكانت في فصاحتها وزهدها وعبادتها كأبيها أمير المؤمنين وأمها الزهراء عليهما السلام.

اتصفت عليها السلام بمحاسن كثيرة، وأوصاف جليلة، وخصال حميدة، وشيم سعيدة، ومفاخر بارزة، وفضائل طاهرة.

حدثت عن أمها الزهراءعليها السلام ، وكذلك عن أسماء بنت عميس كما روى عنها محمد بن عمرو، وعطاء بن السائب، وفاطمة بنت الإمام الحسين(ع)، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعبّّاد العامري([2]).

عرفت زينبعليها السلام  بكثرة التهجّد شأنها في ذلك شأن جدّها الرسول(ص)،  وأهل البيت عليهم السلام ، وروي عن الإمام زين العابدين(ع) قوله: Sما رأيت عمتي تصلي الليل عن جلوس إلا ليلة الحادي عشرR أي أنها ما تركت تهجدها وعبادتها المستحبة حتى تلك الليلة الحزينة، بحيث أن الإمام الحسين(ع) عندما ودّع عياله وداعه الأخير يوم عاشوراء، قال لها: «يا أختاه لا تنسيني في نافلة الليل»([3]).

وذكر بعض أرباب السير أن زينب عليها السلام كان لها مجلس خاص لتفسير القرآن الكريم تحضره النساء في الكوفة في زمن إمامة أمير المؤمنين(ع)، حيث دخل عليها أبوها (ع) فوجدها تفسّر لهنّ (كهيعص)([4]) من سورة مريم، وأيضاً روى أرباب السير أن دعاءها كان مستجاباً.

شخصية السيدة زينب عليها السلام :

ولدت السيدة زينب الكبرى في جمادى الأولى السنة الخمسة للهجرة، على ما حققه الشيخ جعفر النقدي، وقيل في السادسة، أبوها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، وأمها فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، وأخوتها الحسن والحسين من أمها فاطمةعليها السلام ([5]).

حينما علم النبي(ص)،  بهذه المولودة المباركة سارع إلى بيت بضعته فأخذها، غير أن دموعه تبلورت على سحنات وجهه الكريم، فضمها إلى صدره، وجعل يوسعها تقبيلاً.

بهرت فاطمةعليها السلام  من بكاء أبيها، فانبرت قائلةً: ما يبكيك يا أبتي، لا أبكى الله لك عيناً؟!

فقال: يا فاطمة، اعلمي أنّ هذه البنت بعدي وبعدك سوف تنصبّ عليها المصائب والرزايا([6])..

وحينما علم سلمان المحمدي بولادة هذه الوليدة المباركة أقبل على أمير المؤمنين يهنئه، فألفاه حزيناً واجماً، فتحدث له ما ستعانيه ابنته من المآسي والخطوب([7]).

سألت فاطمة عليها السلام علياً أن يسمي وليدته المباركة، فقال (ع): Sما كنت لأسبق رسول الله (ص)، R فعرض الإمام (ع) على النبي (ص)،  أن يسميها، فقال (ص)، : Sما كنت لأسبق ربيR.. فجاءه النداء من السماء: Sسمّ هذا المولود زينب، فقد اختار الله لها هذا الاسمR([8])..

وكانت عليها السلام تكنّى بأم كلثوم، وقيل بأم الحسن([9])، ولقّبت بألقاب سامية تنم عن صفاتها الكريمة، ونزعاتها الشريفة، فقد لقبت بـ‍: عقيلة بني هاشم، - ومعنى العقيلة: المرأة الكريمة على قومها، والعزيزة في بيتها -، والعالمة وعابدة آل علي، والكاملة والفاضلة([10])، كما اشتهرت بأمّ المصائب، لهول ما لاقته في مسيرة حياتها، وكنّاها الكتّاب المتأخّرون ببطلة كربلاء.

تربّت السيدة زينب عليها السلام في بيت النبوة، ومركز العلم والفضل، ومنبع الكمال، فجدّها المصطفى خير من على وجه الأرض، وأبوها سيد الأوصياء، وإمام المتقين، وأمها سيدة نساء العالمين، وإخوتها الحسن والحسين الإمامان إن قاما أو قعدا، فورثت من جدها دعوته ورسالته، ومن أبيها بلاغته وشجاعته، ومن أمها عبادتها وجلالتها، فكانت بحق مصداقاً فريداً للبيت النبوي.

فقدت السيدة زينب جدها النبي(ص)،  وعاصرت محنة علي وفاطمة، وعايشت جميع مصائب أمها الزهراء، وشاهدت عن كثب آلامها وأوجاعها بقلب حزين، ومهما تخيلنا فلا نصل إلى واقع مصابها عندما فقدت أمها ولم تزل في ربيع الصبا، في الوقت الذي أحوج ما كانت تحتاجه إلى أمها، وكم أظلم البيت عليها في تلك الليالي التي كانت تمر عليها، ولا ترى لأمها فيه شخصاً، ولا تسمع لها حسيساً.

لكن رغم كل الصعوبات كانت تقف مع إخوتها إلى جانب السيد الأكبر علي بن أبي طالب، مجسّدة أفعال أمها، وارثة عنها حنانها المتدفّق الذي أفرغته لسائر أفراد أسرتها، ولئن وفّق الله النبي(ص)،  بابنته الزهراء التي كانت مصداقاً حقيقياً لخديجة في وفرة حنانها على النبي(ص)،  والوقوف إلى جانبه، حتى قال فيها النبي(ص)، : Sفاطمة أم أبيهاR([11]). فكذلك كانت زينب أُماً حنوناً ليست لعلي(ع) فحسب بل لسائر أفراد أسرتها.

لما بلغت مبلغ النساء هبّ لخطبتها الأشراف([12])، غير أن علياً(ع) اختار لها ابن أخيه عبد الله بن جعفر الطيار، الذي ربّاه([13]) بعد شهادة أبيه، وكانت أمه أسماء بنت عميس وثيقة الصلة والعلاقة بالسيدة الزهراء، وقد أصدقها الإمام (480 درهماً) من خالص ماله، كصداق أمها الزهراء ([14]).

وكان عبد الله ممن صحب النبي وسمع حديثه، وحفظ عنه، ولازم عمه أمير المؤمنين، وابني عمه الحسن والحسين، وأخذ العلم عنهم. وكان أغنى بني هاشم وأيسرهم، وكانت له ضياع كثيرة، ومتاجرة واسعة، وكان أسخى رجل في الإسلام، وله حكايات في جوده وسخاءه وكرمه كثيرة وعجيبة([15]).

عاشت زينب عليها السلام مع ابن عمها في حياة يسودها الإيمان والطمأنينة والرحمة، وكان نتاج هذا الزواج المبارك أربعة أولاد: عون([16]) - الذي استشهد مع خاله في كربلاء -، وعلي المعروف بالزينبي([17])، وإليه يرجع نسل عبد الله من زينب، وعباس([18])، وأم كلثوم البنت الوحيدة لزينب، والتي خطبها مروان بأمر من معاوية ليزيد، فجاء مروان وخطبها من أبيها عبد الله بن جعفر، فقال له: إن أمرها ليس إليّ، إنما هو لخالها الحسين، فلما أخبر الحسين بذلك وجرى بينه وبين مروان حوار، زوّجها (ع) من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر الطيار، وكان صداقها كصداق أمها وجدتها (480 درهماً)([19]).

وذكر بعض المؤرخين أن لها عليها السلام ولد آخر واسمه (محمد)، وقد استشهد مع الحسينA في كربلاء ولكنه خطأ، لأن محمداً هذا هو ابن عبد الله بن جعفر من الخوصاء من بني بكر بن وائل([20])، فاشتبه البعض فظن أن نسبته إلى عبد الله يعني ابن زينب.

مواقـفها:

يُسجل لنا التاريخ بكل فخر واعتزاز مواقف مشرّفة وبطولية للسيدة زينبعليها السلام  في يوم عاشوراء، حتى أنها أصبحت شريكة الحسين(ع) في نهضته، فلا يمكن التحدّث عن واقعة الطف ونتجاهل مواقفها، وسنذكر بعضاً من مواقفها في ذلك اليوم العصيب وفاءً لها ولصمودها بوجه أعداء آل البيت عليهم السلام.

شاهدت زينب عليها السلام  قتل أخيها الإمام الحسين(ع) وإخوتها وبني عمومتها من الشيوخ والشباب والأطفال، وخلّص أصحاب الحسين(ع) يوم عاشوراء، وكذلك قتل ولديها عون ومحمد مع خالهما أمام عينيها، ثم حُملت أسيرة من كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى الشام مع رؤوس الشهداء، ومع ذلك قابلت ابن زياد بكل شجاعة ورباطة جأش.

والملفت للنظر أن زينب عليها السلام كانت متزوجة من عبد الله بن جعفر، واختارت مرافقة أخيها الحسين(ع)، والخروج معه على البقاء عند زوجها، وزوجها راضٍ بذلك، وقد أمر ولديه بلزوم خالهما، والجهاد بين يديه ففعلا حتى قُتلا، وحق لها ذلك، فمن كان لها أخ مثل الإمام الحسين(ع) وهي بهذا الكمال الفائق، لا يستغرب منها تقديم أخيها على زوجها.

أمّا موقفها عليها السلام من ثورة الإمام الحسين(ع) فقد تبنّتْ التبليغ لهذه الثورة مع باقي نساء أهل البيت عليهم السلام بلسان فصيح هو لسان علي(ع)، والخطبتان المشهورتان اللتان ألقتهما في الكوفة والشام خير شاهد على ما نقول.

 

([1]) مقتل الحسين للخوارزمي، والاحتجاج للطبرسي، طبع لبنان عام 1403 هـ ج2، 305.

([2]) الخصائص الزينبية للسيد الجزائري 68، وكتاب رياحين الشريعة للمعلاقي ج3، 57.

([3]) زينب الكبرى من المهد إلى اللحد: 255.

([4]) سورة مريم: الآية 1.

([5]) زينب الكبرى: 18.

([6]) الطراز المذهّب: 83.

([7]) بطلة كربلاء: 21.

([8]) زينب الكبرى: 17.

([9]) المصدر السابق.

([10]) السيدة زينب: 39-40.

([11]) طبعاً هذا المعنى الظاهري لكلمته ، ويوجد لها معاني عميقة أُخرى.

([12]) عقيلة بني هاشم: 31.

([13]) المرأة العظيمة: 89-90.

([14]) المصدر السابق.

([15]) مع بطلة كربلاء لمغنية: 33.

([16]) ذكره الكثير من المؤرخين، وقد ورد ذكره فيمن استشهد مع الحسين(ع) في كربلاء في زيارة الناحية.

([17]) زينب الكبرى: 127.

([18]) المرأة العظيمة: 104، ولم يذكر المحققون شيئاً عن حياته.

([19]) زينب الكبرى: 129.

([20]) ذكره ابن الجوزي في تذكرة الخواص: 110، وغيره.

الثلاثاء, 15 كانون2/يناير 2019 07:15

معركة حطين (3 / جمادى الأولى / السنة 375 هـ )

في يوم الجمعة (26 /حزيران/ 1187م) استعرض الحاكم الأيوبي صلاح الدين عساكره بحوران، فتولى هو قيادة قلب الجيش، وجعل ابن أخيه على الجناح الأيمن، وقائداً آخر على الجناح الأيسر، وخرج الجيش إلى جنوب بحيرة طبرية حتى عبر نهر الأردن. أما الملك الصليبي غاي، فإنه قد حشد كل ما بوسعه أن يحشد من الفرسان في عكا، فلم يتركوا سوى حاميات صغيرة للدفاع عن القلاع الموكول أمرها إليهم، وأصدر الأوامر بالتحرك إلى طبرية، لكن صلاح الدين سبقهم وعسكر بجيشه جنوب حطين بحيث جعل البحيرة إلى ظهره، وقرية حطين إلى يمينه، وبعد الظهر وصل الفرنج إلى الهضبة التي تقع حطين خلفها مباشرة فوجدوا المسلمين أمامهم، في أسفل السفح قد سدوا عليهم الطريق، وحالوا بينهم وبين الوصول إلى البحيرة، وتحت جنح الليل حرك صلاح الدين جيشه وعبأه للقتال، ومدّ جناحيه يميناً ويساراً بحيث طوّق الجيش الصليبي كله، وما كاد يبزغ فجر السبت الرابع من تموز حتى اكتشف الصليبيون أن المسلمين قد سدّوا عليهم المنافذ، وأحاطوا بهم من ثلاث جوانب، ومع بدء إرسال الشمس أشعّتها الذهبية بدأ المسلمون الهجوم، فتقدمت فرقة الرماة، وأمطرت العدو وابلاً من سهامها، ثم تقدم القلب والجناحان بخيلهم ورجالهم، فاشتبكوا مع العدو بالسيوف والرماح، وأدرك الصليبيون أن الكارثة باتت وشيكة فانسحبوا إلى تل حطين يساراً ثم شنّوا هجوماً صاعقاً مستميتاً على ميمنة الجيش الإسلامي، فأفسح لهم المسلمون المجال حتى يمروا، ثم سدّوا عليهم الثغرة فلم يستطيعوا العودة، ولم تمض ساعات قليلة حتى ردوا جميعاً إلى التل، وهناك أعمل المسلمون في رقابهم السيف، وأبيد الجيش الإفرنجي، وكان أكبر جيش استطاع الإفرنج حشده لمعركة، وقتل ما يزيد على العشرين ألفاً منهم، وزاد عدد الأسرى على الإثني عشر ألفاً.

وتعتبر معركة حطين أول معركة جديدة قابل بها الشرق المسلم أعداءه الصليبيين، وهي نقطة انعطاف ما بين مرحلتين كان المسلمون في أولاهما مدافعين فأصبحوا في الثانية مهاجمين، وقد قضت نهائياً على أسطورة الفارس الصليبي الذي لا يقهر.

الثلاثاء, 15 كانون2/يناير 2019 07:13

واقعة مؤتة (1/ جمادى الأولى/ السنة 8 هـ)

تمهيد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على شمس الهداية نبينا محمد(ص)، وعلى الأقمار المضيئة الأئمة الطاهرين عليهم السلام.

مع إطلالة شهر جمادى الأولى تطلّ علينا أحداث ومناسبات مفرحة ومحزنة مهمة في الإسلام.

ففي اليوم الخامس منه للسنة الخامسة للهجرة يوم ولادة أسوة الصبر والجهاد وبطلة الطف والفداء السيدة زينب الكبرى عليها السلام ، فينبغي الاهتمام بهذه الذكرى العطرة من إقامة الاحتفالات ومجالس الفرح.

ومن الحوادث المهمّة التي جرت في هذا الشهر أيضاً واقعة مؤتة وشهادة جعفر الطيار، ومعركة حطين والجمل، وغيرها من المناسبات..

وفي اليوم الثالث عشر من هذا الشهر ذكرى وفاة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام على إحدى الروايات المشهورة، فينبغي على الإنسان المسلم المؤمن أن يهتم بهذا اليوم فيحضر المجالس التي تقام بهذه المناسبة لكي يتعرف على هذه الشخصية العظيمة ويشارك النبي(ص)،  وأهل البيت عليهم السلام في هذا المصاب الجلل، وهو أكبر مصيبة وأكثر حزن بعد فقد النبي(ص)، .

ونحن إذ نقدّم هذه الباقة من سلسلة المناسبات الإسلامية للقرّاء الأعزّاء نرجو من العلي القدير أن تكون هذه البحوث قد كشفت جزءاً من تراثنا الإسلامي القيّم، وذلك من أجل التعرّف على بعض من هذا التراث العظيم، والله الموفّق والمسدّد، وهو من وراء القصد.

وقعت هذه الواقعة عام (8 هـ)، ومؤتة قرية من قرى البلقاء في الكرك، من بلاد الأردن، وسببها؛ أن رسول الله(ص)،  بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتاب إلى حاكم بصرى، وهي قصبة من أعمال الشام، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغسّاني وهو من كبار بلاط قيصر فقتله، وبلغ ذلك رسول الله(ص)،  فاشتد عليه، وندب الناس فأسرعوا وخرجوا فعسكروا بالجرف، فأتى(ص)،  الجرف وعرض الجيش، وكان يعدّ ثلاثة آلاف مقاتل ثم عقد لهم راية بيضاء، وأسند الإمارة إلى جعفر بن أبي طالب، ثم قال (ص)، : Sفإن أصيب جعفر فزيد بن حارثة، فإن أصيب زيد فعبد الله بن رواحة، فإن أصيب عبد الله فليرتض المسلمون بينهم رجلاً فليجعلوه عليهمR.

وكان بعض اليهود حاضراً فقال: يا أبا القاسم، إن كنت نبياً فسيصاب من سمّيت قليلاً كانوا أو كثيراً، إن الأنبياء في بني إسرائيل كانوا لو سمّوا مئة أُصيبوا جميعاً.

ثم أوصاهم رسول الله(ص)،  إذا بلغوا حيث قتل الحارث أن يدعوا الكفار إلى الإسلام فإن أبوا فليحاربوهم، ومضى المسلمون حتى قاربوا مؤتة، فلما بلغ شرحبيل مقدمهم استنجد بالقيصر فأمدّه بجيش قوامه مئة ألف أو أكثر.

كان المسلمون طلاّب شهادة، فلم يسترهبوا كثرة الأعداء ولم يهنوا ويضعفوا لكثرة جموعهم، واصطفّ الجيشان، ونادى جعفر في الناس: أن ترجّلوا عن رواحلكم، وقاتلوا رجالا.ً وكان هذا التدبير ليشعر المسلمين أنهم لا يستطيعون الفرار، وأن عليهم أن يقاتلوا بصدق، ثم نزل عن فرس له شقراء فعقرها، ثم رفع الراية وتقدّم، واحتدمت المعركة وأقدم جعفر على القتال، وقد أنشد يقول:

يا حبّذا الجنة واقترابها
والروم روم قد دنا عذابها

 

طيبة وبـارد شـرابها
كافرة بعيدة أنسابها

عليّ إذا لاقيتها ضرابها

فقاتل قتالاً شديداً والكفار يتعاقبون كالموج فوجاً إثر فوج، وأحاطوا بجعفر كالحلقة، ثم أهووا عليه بالسيوف فقطّعوا يمناه، فأخذ الراية بيسراه فقاتل حتى أصيب مقبلاً بخمسين جراحة، ثم قطعوا يسراه فأخذ الراية بين عضديه، فضربوه في وسطه فوقع شهيداً.

ثم أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل حتى شاط في رماح القوم فقاتل قتالاً عظيماً حتى قتل فأخذ الراية عبد الله بن رواحة فتردد بعض التردّد ثم قال يخاطب نفسه:

أقسمت يا نفس لتنزلنّه

 

طائعة أو لا لتُكرهنه

إن أجاب الناس وشدّوا الرنة

 

مالي أراك تكرهين الجنة

قد طال ما كنت مطمئنة

 

هل أنت إلا نطفة في شنة

وقال أيضاً:

يا نفس إن لم تقتلي تموتي

 

هذا حمام الموت قد صليت

وما تمنيت فقد أعطيت

 

إن تفعلي فعلهما هديت

وإن تأخرت فقد شقيت

ثم نزل عن فرسه وأتاه ابن عم له بعرق لحم فأكل منه، ثم سمع الحطمة في ناحية العسكر، فقال لنفسه: وأنت في الدنيا ثم ألقاه وأخذ سيفه فقاتل حتى قتل، ثم أخذ الراية خالد بن الوليد ورجع بالناس. قالت أسماء بنت عميس زوجة جعفر(ع): أتاني رسول الله(ص)،  في اليوم الذي أصيب فيه جعفر وقد فرغت من أشغالي وغسلت أولاد جعفر، ودهنتهم فضمهم وشمهم، وجعل يمسح على رؤوسهم وذرفت عيناه بالدموع فبكى. فقلت: يا رسول الله(ص)،  بلغك عن جعفر شيء؟ قال: نعم قتل اليوم. فصحت، واجتمع إليَّ النساء، فقال: ألا أبشرك؟ قلت: بلى بأبي أنت وأمي. قال: إنّ الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة.

يطفو حزب "العدالة والتنمية"، قائد الائتلاف الحاكم في المغرب، دائما على سطح المشهد السياسي في المملكة، عبر "ضربات" يتلقاها عدد من رموز وقيادات الحزب الإسلامي.

ثمة ترجيحات بأن استهداف رموز وقيادات في الحزب يهدف إلى إضعافه، في انتظار الإعلان عن دخوله خانة الأحزاب العادية، في الانتخابات التشريعية والبلدية المرتقبة عام 2021.

يذهب مراقبون إلى أن مثل هذه الضربات ربما تدفع الحزب بالفعل إلى خارج مضمار النجاحات الانتخابية، الذي يتسيده منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2011، في سياق ثورات "الربيع العربي".

لكن آخرون يرون أن تلك الضربات ستشكل ما يشبه "أرنب سباق" لفوز ثالث على التوالي للحزب في الانتخابات التشريعية، رغم محاولات وضع العصي في عجلته .

** في مرمى النيران

خلال الأيام القليلة الماضية، نشرت مواقع إعلامية وصحف مغربية صورة تقول إنها للقيادية في "العدالة والتنمية"، آمنة ماء العينين، في العاصمة الفرنسية باريس، وهي من دون حجاب وترقص.

آمنة، وهي أيضا عضو في البرلمان، قالت إن الصورة "مفبركة".

اندلع جدل على منصات التواصل الاجتماعية وفي وسائل الإعلام المحلية بين معارض لنشر صورة شخصية للبرلمانية وبين منتقد لسلوكها المزعوم.

الجدل الجديد القديم جاء بعد أقل من شهر من إعادة فتح ملف قضائي من طرف محكمة مغربية تتهم عبد العالي حامي الدين، القيادي في الحزب، بـ"المساهمة في القتل العمد".

وجاءت إعادة فتح الملف رغم حصول حامي الدين على البراءة قبل 25 سنة، على خلفية مقتل طالب جامعي يساري، عام 1993.

وقبل هذين الحدثين، تم تسريب صور للقيادي في "العدالة والتنمية"، محمد يتيم، وزير التشغيل، مع خطيبته في باريس.

** تماسك "العدالة والتنمية"

قال بلال التليدي، محلل سياسي مغربي، للأناضول، إن "تماسك العدالة والتنمية بعد محطات سياسية عديدة أثار حفيظة المشروع السلطوي في البلاد (لم يسمه)، خصوصا بعد اتهامات تم توجيهها للحزب من طرف وزير الرياضة والشباب، رشيد الطالبي العلمي، أو بعد فتح ملف قديم لحامي الدين سبق للقضاء أن أغلقه بالبراءة".

وانتقد سليمان العمراني، النائب الأول للأمين العام لـ"العدالة والتنمية"، في سبتمبر/ أيلول 2018، حديث الوزير العلمي (من حزب التجمع الوطني للأحرار المشارك في الائتلاف الحكومي) وصف فيه مشروع "العدالة والتنمية" بـ"الدخيل"، وزعم أن الحزب "يريد تخريب البلاد ليسهل عليه وضع يده عليها".

وأضاف التليدي للأناضول أن "المشروع السلطوي يرى أن العدالة والتنمية لم ينته، وله احتياطي رمزي مهم، خصوصا زعيمه السابق (الأمين العام السابق للحزب) عبد الإله بنكيران".

واعتبر أن "الضربات التي تستهدف العدالة والتنمية تتسم ببعدين: أخلاقي وسياسي".

بخصوص البعد الأخلاقي، أوضح التليدي أن "بعض الجهات (لم يسمها) تبحث عن أخطاء أو تفبرك أحداث أو تبحث عن سجلات سابقة لتشويه رموز العدالة والتنمية، فهناك رغبة للانتقام من الحزب، لإضعاف شعبيته".

وفيما يتعلق بالبعد السياسي، أضاف أنه "يوجد توجه للانتقام السياسي من قياديين بالحزب، وهي معركة ليست جديدة، إذ سبق وأن تم استهداف قياديين في فترات متقطعة، إلا أن ذلك لم يأت أكله".

وأردف أن "من يراهنون على ضرب العدالة والتنمية يفتحون معارك سياسية أخرى مع تيارات أخرى غير إسلامية، خاصة وأن الأمر يتعلق باستهداف الحرية الشخصية".

وتابع: "لذلك نجد أن أغلبية المدافعين عن بعض القياديين المستهدفين في العدالة والتنمية، هم ليسوا من الإسلاميين، بل يسارييين أو حقوقيين لهم توجهات أخرى".

وبحسب التليدي فإن "مستقبل الحريات في المغرب أصبح مهددا، والأفراد، بمن فيهم اليساريون أو تيارات أخرى، ليسوا في مأمن من هذه الحملات".

** تشويه السمعة

وقالت لطيفة البوحسيني، وهي ناشطة حقوقية مغربية، إن "ما تتعرض له البرلمانية آمنة ماء العينين من محاولة بئيسة ومنحظة لتشويه سمعتها، هو بسبب جرأتها في التعبير عن مواقفها واطلاعها بمهامها الحزبية والسياسية".

وأضافت في صفحتها بموقع "فيسبوك" أن "ما تتعرض له يعد أحد عناوين البؤس والانحطاط الذي تعيشه بلادنا، والذي يتطلب يقظة وصحوة كل الأصوات الحرة كيفما كان انتماؤها".

بينما قال لحبيب حاجي، وهو محام، على "فيسبوك": "أطالب بإلحاح من البرلمانية ماء العينين أن تلتمس من القضاء إجراء خبرة تقنية (فحص) على صورها المنشورة، والتي تزعم أنها مفبركة، كما أطالبها باختيار المختبر أو الجهة التقنية التي تراها مناسبة للقيام بهذه الخبرة، إن كانت صادقة فعلا فيما تزعمه وتدعيه".

** تأثير معاكس

بحسب التليدي فإن "الضربات التي يتلقاها حزب العدالة والتنمية لن تضر مشروعه السياسي".

واستدرك: "ممكن لبعض الحملات أن تكون لها انعكاسات سلبية على بعض القياديين، خصوصا إذا كانت الأحداث صحيحة، ولكن في العموم لن تضر مشروع العدالة والتنمية السياسي، بل بالعكس ستقوية".

وأعلن فريق "العدالة والتنمية" في مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان) تضامنه مع البرلمانية ماء العينين، ومؤازرتها في "كل الخطوات القضائية التي تنوي اتخاذها في مواجهة العنف الذي يطالها، عبر بث وتوزيع ادعاءات كاذبة بقصد المس بحياتها الخاصة والتشهير بها".

وقال الفريق النيابي، في بيان، إنه يُتابع "بامتعاض وأسف شديدين، الحملة الإعلامية غير الأخلاقية والمشبوهة والمسعورة، التي تشنها أطراف فاقدة للمصداقية، ضد ماء العينين".

وشدد على أن "هذه الأطراف تنتمي ظلما لمهن نبيلة، كالمحاماة والإعلام، والتي يقتضي شرف الانتماء إليها تحري المهنية والموضوعية والمصداقية وتوقير الأعراض والترفع عن الأحقاد".