emamian

emamian

فيما يلي سنطل إطلالة مختصرة على أولئك الناس الذين تخلفوا عن الفتح في نهضة عاشوراء ولا أعني بهم الذين حاربوا الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه؛ فإن النظرة إليهم لا تحتاج إلى بيان، إنما أعني أولئك الذي لم يحاربوا ولم يقفوا إلى جانب من حاربه ولكنهم لم يناصروا إمام زمانهم، وهؤلاء هم على أنواع اقتصر بالحديث عن بعضها:
   
1- فمنهم من كانت مشكلته في عدم النصرة هو الجبن والخوف وهو ما يرجع بالتأكيد إلى ضعفٍ في العقيدة، من جملة هؤلاء نقرأ قصة عبيد الله بن الحرّ الجعفي الذي كان يعرف الإمام الحسين عليه السلام جيداً ويدرك قيمة الولاء له وهو الذي قال له قرب كربلاء على عتبة اليوم العاشر حينما طلب منه الإمام النصرة: "والله إني لأعلم أن من شايعك كان السعيد في الآخرة، ولكن ما عسى أن أغني عنك ولم أخلِّف لك بالكوفة ناصراً، فأنشدك بالله أن تحملني على هذه الخطة، فإن نفسي لم تسمح لي بالموت"([1]).
إن هذا الرجل لا تنقصه معرفة بصاحب الحق لكنه جبان وشفَّاف في الاعلان عن جبنه بخلاف البعض الذي أخذ يتذرَّع بأمور أخرى لعدم النصرة.
 
2- ومن هؤلاء من لم يتحدث عن عدم قناعة بالموقف بل برَّر خذلانه للإمام ببعض العناوين الدينية، ومن أمثلة هؤلاء عمرو المشرقي وابن عمه اللذين واجههما الإمام الحسين عليه السلام أعتاب العاشر فقال لهما: "اجئتما لنصرتي؟ فأجاب عمرو: إني رجل كبير السن كثير الدَّين كثير العيال، وفي يدي بضايع للناس، ولا أدري ما يكون وأكره أن أضيَّع أمانتي"([2]).
 
لقد امتطى هذا عنواناً دينياً هو حفظ الأمانة ليبرّرا خذلانهما للدين!
 
3- لكن من أولئك الذين حرموا من الفتح أناس من كبار شخصيات المجتمع ومنهم من لم يصلنا تبريرٌ عنه لعدم نصرته للإمام مع مناقبيته المشهودة له تاريخياً فما تحليل الموقف من هؤلاء؟
هل نجزم بمصيرهم الأسود الجهنمي على أساس ثقافة الفرز؟
أو أن هناك تحليلاً موضوعياً آخر؟
 
إننا نقرأ في كلمات التلميذ الأكبر في مدرسة الإمام الخميني قدس سره وهو آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي دام ظله يقول عنهم: "كان هناك أشخاص مؤمنون ملتزمون بين الذين لم ينهضوا مع الإمام الحسين عليه السلام... فليس من الصحيح أن يعدّوا جميعاً من أهل الدنيا، لقد كان بين رؤساء ورموز المسلمين في ذلك الوقت أشخاص مؤمنون وأشخاص يذعنون بالعمل وفقاً للتكليف الشرعي، لكنهم لم يدركوا التكليف الرئيسي، ولم يشخِّصوا أوضاع ذلك الزمان، ولم يعرفوا العدو الرئيسي، وكانوا يخلطون بين الوظيفة الرئيسية والوظائف التي هي من الدرجة الثانية والثالثة".

هؤلاء قطعاً هم مخطئون لا مجال للدفاع عن عملهم، لقد كان عليهم أن يتبعوا الإمام المعصوم في تشخيص التكليف، لكن هذا أمر، والحديث عن خلفيَّاتهم ومصيرهم أمر آخر حسبنا في ذلك أدب الإمام الحسين عليه السلام حينما قال عنهم "ومن تخلَّف لم يبلغ الفتح"([3]).
 
([1]) الكليني، الكافي، ج2ص382-383.
([2]) الدنيوري، الأخبار الطوال، نهاية الحسين، ص251.
([3]) محاضرة القيت في محرم 1427 هـ.

الأربعاء, 26 تموز/يوليو 2023 06:39

كربلاء وقلة الأنصار!!

من خُطَب الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء قوله: "ألا ترون أنَّ الحقّ لا يُعمل به، وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء ربّه محقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة، والحياة مع الظالمين إلّا برماً"[1].
 
لعلّ من أجلى ظواهر ثورة الإمام الحسين عليه السلام، ومن أكثرها حرقة من جهة، وإثارة لسيل من الأسئلة من جهة ثانية، ودلالة على مستوى الهبوط والانهزامية التي مُنيت بها الأمّة أيّام الإمام الحسين عليه السلام من جهة ثالثة ظاهرة، قلّة أنصاره عليه السلام وكثرة المتخاذلين عنه.
 
فلو حاولنا الوقوف عند هذه الظاهرة البارزة في أحداث كربلاء، ورمنا التأمُّل فيها، والنظر في الأسباب التي أدّت إليها، لبرزت أمامنا نقاط ونتائج من المفروض أن تكون على خلاف تلك التي وصلت إليها الأمّة آنذاك. فهي كانت نقاط قوّة، وفي صالح النهضة الحسينية، ومدعاة لكثرة الأنصار، لا لقلّتهم، ولقلّة المتخاذلين، لا لكثرتهم، أي على خلاف الواقع المؤلم حينذاك. فما الذي أدّى إلى تغيُّر هذا الواقع بهذا الشكل الذي رأيناه؟!
 
عوامل إيجابية مرجّحة لكثرة الأنصار
ما كان يفترض أن يُرجّح كفّة كثرة الأنصار لا قلّتهم نقاط قوّة عديدة اتسمت بها نهضة الإمام الحسين عليه السلام. ومن أبرز هذه النقاط:

 حضور الإمام الحسين عليه السلام نفسه:
إنّ شخصيّة الإمام عليه السلام نفسه المتميّزة جدّاً في المجتمع الإسلاميّ، وبما تختزنه من أبعاد قرآنية ونبوية، وعمق وتجذّر في الموقعين الدينيّ والاجتماعيّ للمسلمين، يُعدّ من أهمّ نقاط القوّة التي كان من المفترض أن تكون سبباً لكثرة الأنصار لا قلّـتهم. فقد كان الإمام الحسين عليه السلام في موقع لا يوازيه أحد في شرق الأرض وغربها، ولا تدنو إليه أية شخصية مهما بدت كبيرة ومميّزة. هو سيّد قريش، وإمام المسلمين، وسنام العرب. وكان عليه السلام يُنبّه دائماً إلى ذلك في مواقع عدّة، لعلّ من أبرزها خطبته عليه السلام يوم عاشوراء، بعد أن ذكّرهم ببعض ما قاله جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه وفي أخيه الإمام الحسن عليهما السلام، ثم أردف عليه السلام قائلاً: "فإن كنتم في شكٍّ من هذا، أفتشكّون أنّي ابن بنت نبيّكم؟ فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري فيكم، ولا في غيركم. وَيْحَكُم، أتطلبوني بقتيل منكم قتلته؟..."[2].
  
[1] ابن طاووس، اللهوف في قتلى الطفوف،ص48.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج54، ص7.

لقد بين الإمام الرضا (عليه السلام) أهمية وخطورة منصب الإمامة، بحيث يقطع الحجة نهائيا, ولا يمكن القول بعده أنها خاضعة لاختيار البشر, قال (عليه السلام) : «إن الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعز المؤمنين، إن الإمامة أس الإسلام النامي، وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، وتوفير الفيء والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف، الإمام يحل حلال الله، ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذب عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، والحجة البالغة، الإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم، وهي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار»[1].

وفي نفس الرواية يبين خطأ القائلين باختيار الأمة للإمام، يعتبرهم مخالفين لله ورسوله، حيث يقول: «رغبوا عن اختيار الله واختيار رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته إلى اختيارهم، والقرآن يناديهم: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُون﴾[2]، وقال عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾[3]»، إلى أن قال (عليه السلام) «فكيف لهم باختيار الإمام، والإمام عالم لا يجهل، وراع لا ينكل، معدن القدس والطهارة، والنسك والزهادة، والعلم والعبادة، ...إلخ الحديث».

وقد ظهر مما تقدم, أن مقولة البعض باختيار الأمة لإمامها, تتضمن جملة من المخاطر والمحاذير، تؤدي إلى التفريط بالدين، وإضعاف لشأنه، وذهاب حقيقته وجوهره, فإن هذه المقولة من الأسس الثابتة لفكرة فصل الدين من السياسة، الأمر الذي أدى إلى تسلط الكثير من الجهال والماجنين على رقاب المسلمين، وكان من أبرز آثاره ما تعيشه الأمة الإسلامية في العصر الراهن، كما أدى إلى إفراغ الإسلام من مضمونه الاجتماعي والسياسي، ففتح بذلك منفذا إلى المستعمرين للدخول والتأثير على ذهان المسلمين.
  
العقيدة في القرآن – بتصرّف يسير، سماحة الشيخ حاتم إسماعيل


[1] أصول الكافي، ج1، ص200
[2] سورة القصص، آية:68
[3] سورة الأحزاب، آية:36

لقد رأينا كيف أن المأمون أراد من لعبته تلك، التغلب على المشاكل التي كان يواجهها، والاستفادة منها في تقوية دعائم خلافته، وخلافة العباسيين بشكل عام.. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هو موقف الإمام (عليه السلام) نفسه من لعبة المأمون تلك، وخططه، وأهدافه؟ وهل أفسح المجال للمأمون ليحقق كل ما يريد تحقيقه، ويصل إلى ما كان يريد الوصول إليه؟.. وهل كانت لديه خطط من نوع معين، وأهداف معينة كان يسعى من أجل الوصول إليها، والحصول عليها؟!..

الحقيقة هي: أن الإمام (عليه السلام) قد استطاع، بما اتبعه من خطة حكيمة، وسلوك مثالي: أن يضيع على المأمون كافة الفرص، ويجعله يبوء بالخيبة والخسران، ويمنى بالفشل الذريع، حتى لقد أشرف المأمون منه على الهلاك، وبدا الارتباك واضحا في كل تصرفاته، وأقواله، وأفعاله..
 
المأمون في قفص الاتهام:
وهكذا.. وبعد أن اتضحت الاسباب الحقيقية للبيعة، وبعد أن عرفنا بعض الظروف والملابسات، التي أحاطت بهذا الحدث الهام، فإننا نستطيع أن نضع المأمون، ونواياه، وأهدافه، في قفص الاتهام، ولا يمكن أن نصدق ـ بعد هذا ـ أبدا، أي ادّعاء سطحي، يحاول أن يصور لنا حسن نية المأمون من البيعة، وسلامة طويته، ولا سيما ونحن نرى كتابه للعباسيين في بغداد فور وفاة الرضا، وكذلك سلوكه المشبوه مع الرضا (عليه السلام) من أول يوم طلب منه فيه الدخول في هذا الأمر، وحتى إلى ما بعد وفاته، كما سيأتي بيانه في الفصول الآتية.. وكذلك كتابه لعبد الله بن موسى المتقدم..

والأدهى من ذلك كله رسالته للسري، عامله على مصر، التي «يخبره فيها بوفاة الرضا، ويأمره بأن تغسل المنابر، التي دعي عليها لعلي بن موسى، فغسلت..»([1]).

وكذلك لا يمكن أن نصدق بحسن نيته بالنسبة لأي واحد من العلويين، الآخرين.. كما أشرنا إليه في رسالته لعبد الله بن موسى، التي يذكر فيها: أنه راح يختلهم واحدا فواحدا.. وأيضا عند ما نرى أنه يمنعهم من الدخول عليه، بعد وفاة الرضا، ويأخذهم بلبس السواد([2]).. بل ويأمر ولاته وأمراءه بملاحقتهم، والقضاء عليهم، كما سيأتي..
 
مع المأمون في وثيقة العهد:
ويحسن بنا هنا: أن نقف قليلا مع وثيقة العهد، التي كتبها المأمون للامام (عليه السلام) بخط يده؛ فلقد ضمنها المأمون إشارات هامة، رأى أنها تخدم أهدافه السياسية من البيعة وحيث إننا قد تحدثنا، ولسوف نتحدث في مطاوي هذا الكتاب عن بعض فقراتها.. فلسوف نقتصر هنا على:

أولا: إننا نلاحظ: أنه يؤكد كثيرا على نقطتين: الأولى: أنه منطلق في هذه البيعة من طاعة الله، وإيثاره لمرضاته، الثانية: أنه لا يريد بذلك إلا مصلحة الأمة، والخير لها..
وسر ذلك واضح: فهو يريد أن يذهب باستغراب واستهجان الناس؛ الذين يرون الرجل الذي قتل حتى أخاه من أجل الحكم ـ يرونه الآن ـ يتخلى عن هذا الحكم لرجل غريب، ولمن يعتبر زعيما لأخطر المنافسين للعباسيين.. كما أنه يريد بذلك أن يكتسب ثقة الناس به، وبنظام حكمه.
وعدا عن ذلك فهو يريد أن يطمئن العلويين والناس إلى أن ذلك لا ينطوي على لعبة من أي نوع، بل هو أمر طبيعي فرضته طاعة الله ومرضاته، ومصلحة الامة، والصالح العام..

وثانيا: نراه يجعل العباسيين والعلويين في مرتبة واحدة؛ وذلك لكي يضمن لأهل بيته حقا في الخلافة كآل علي.

وثالثا: يلاحظ: أنه يعطي خلافته صفة الشرعية؛ حيث يربطها بالمصدر الأعلى (الله)، وعلى حسب منطق الناس هذا تام وصحيح؛ لأنهم بمجرد أن يعمل أحد عملاً يؤدي إلى المناداة بواحد على أنه خليفة، ويصير مقبولا لدى الناس.. إنهم بمجرد ذلك يصيرون يعتبرونه خليفة الله في أرضه، وحجته على عباده..

وهو أيضا تام وصحيح حسب منطق العباسيين، الذين يدعون الخلافة بالإرث عن طريق العباس بن عبد المطلب، حسبما تقدم بيانه..

ولهذا نلاحظ أنه يقدم عبد الله بن العباس على علي بن أبي طالب!! مع أن عبد الله تلميذ علي.. وليس ذلك إلا من أجل إثبات هذه النقطة، وجعل حق له بالخلافة، بل وجعل نفسه الأحق بها.. هذه الخلافة التي هي منصب إلهي، وصل إليه بالطريق الشرعي، سواء على حسب منطق الناس في تلك الفترة، أو على حسب منطق العباسيين..

وفي هذا إرضاء للعباسيين، وتطمين لهم، كما أنه في نفس الوقت تطمين لسائر الناس، الذين كانوا غالبا ـ يرون الخلافة بالكيفية التي أشرنا إليها وقد أكد لهم هذا التطمين باستشهاده بقول عمر؛ حيث أثبت لهم: أنه لا يزال على مذهبه، وعلى نفس الخط الذي هم عليه..

ورابعا: إننا نراه في نفس الوقت الذي يؤكد فيه مذهبه، ووجهة نظره بتلك الأساليب المتعددة والمختلفة المشار إليها آنفا ـ نراه في نفس الوقت ـ يدعي: أنه إنما يجعل الخلافة للرضا (عليه السلام)، لا من جهة أنها حق له، ولا من جهة النص عليه، حسبما يدعيه الرضا، بل من جهة أنه أفضل من قدر عليه.. وهذا أمر طبيعي جدا، وليس إقرارا بمقالة الرضا.. وكما ينطبق الآن على الرضا، يمكن أن ينطبق غدا على غيره، عند ما يوجد من له فضل، وأهلية.. وهذا دون شك ضربة لما يدعيه الرضا ويدعيه آباؤه من الحق في الخلافة، ومن النص، وغير ذلك.. هذا..

ولسوف يأتي في فصل: خطة الإمام، شرح ما كتبه الإمام (عليه السلام) على ظهر الوثيقة، ولنرى من ثم كيف نسف الإمام كل ما بناه المأمون، وصيره هباء اشتدت به الريح في يوم عاصف..
 
كلمة أخيرة:
وأخيرا: فإننا مهما شككنا في شيء، فلسنا نشك في أن المأمون كان قد درس الوضع دراسة دقيقة، قبل أن يقدم على ما أقدم عليه. وأخذ في اعتباره كافة الاحتمالات، ومختلف النتائج، سواء مما قدمناه، أو من غيره، مما أخفته عنا الأيدي الأثيمة، والأهواء الرخيصة.. وإن كانت لعبته تلك لم تؤت كل ثمارها، التي كان يرجوها منها؛ وذلك بسبب الخطة الحكيمة التي كان الإمام (عليه السلام) قد اتبعها.

ولعمري: «.. إن بيعته للامام لم تكن بيعة محاباة؛ إذ لو كانت كذلك لكان العباس ابنه، وسائر ولده، أحب إلى قلبه، وأجلى في عينه..». على حد تعبير المأمون في رسالته للعباسيين..
 
الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام) – بتصرّف، آية الله المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي


([1]) الولاة والقضاة للكندي ص 170.
([2]) الكامل لابن الأثير، طبع دار الكتاب العربي ج 5 ص 204.

ورد في دعاء العهد: "اَللّـهُمَّ اَرِنيِ الطَّلْعَةَ الرَّشيدَةَ، وَالْغُرَّةَ الْحَميدَةَ، وَاكْحُلْ ناظِري بِنَظْرَة منِّي اِلَيْهِ، وَعَجِّلْ فَرَجَهُ وَسَهِّلْ مَخْرَجَهُ، وَاَوْسِعْ مَنْهَجَهُ وَاسْلُكْ بي مَحَجَّتَهُ، وَاَنْفِذْ اَمْرَهُ وَاشْدُدْ اَزْرَهُ، وَاعْمُرِ اللّـهُمَّ بِهِ بِلادَكَ، وَاَحْيِ بِهِ عِبادَكَ، فَاِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ: (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ اَيْدِي النّاسِ)، فَاَظْهِرِ الّلهُمَّ لَنا وَلِيَّكَ وَابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكَ الْمُسَمّى بِاسْمِ رَسُولِكَ حَتّى لا يَظْفَرَ بِشَيْء مِنَ الْباطِلِ الّا مَزَّقَهُ، وَيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُحَقِّقَهُ، وَاجْعَلْهُ اَللّـهُمَّ مَفْزَعاً لِمَظْلُومِ عِبادِكَ".
 
لقد تواترت الروايات حول أهمّيّة انتظار المهديّ المنتظر، وفرج الأمّة بتوليّه لقيادة مسيرتها بشكل ظاهر، لينجز الله وعده، ويعزّ جنده، ويظهر دينه على الدين كلّه.
 
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي، وهو يأتمّ به في غيبته قبل قيامه، ويتولّى أولياءه، ويعادي أعداءه، ذلك من رفقائي وذوي مودتي، وأكرم أمّتي عليّ يوم القيامة"[1].
 
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج"[2].
 
والانتظار عملٌ، بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل أعمال أمّتي"[3] وهو لا يعني السَّلبيّة والامتناع عن أيّ عملٍ، بل الانتظار لكلِّ أمرٍ يستتبع استعداداً متناسباً مع ذلك الأمر المنتظر. فانتظار سفرٍ قصيرٍ يستتبعُ استعداداً معيّناً، يختلفُ عن الاستعداد الذي يستلزمه انتظارُ سفرٍ طويل. ومن الواضح أنّ المنتظِر للإمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف، ينتظر قائداً إلهيّاً سيقود مسيرة تحفُّ بها الملائكة، وجمهورها الأساس أهل التَّقوى والعبادة، وسيخوض المعارك الحامية الوطيس والمتتالية.
 
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "ما تستعجلون بخروج القائم، فوالله ما لباسه إلّا الغليظ، وما طعامه إلّا الشعير الجشب، وما هو إلّا السيف، والموت تحت ظلّ السيف"[4].
 
فإذا كان المنتظِر له عليه السلام لم يهتمّ بتهذيب نفسه وتزكيتها، فهل باستطاعته الانسجام مع مسيرة المنتظرين والممهِّدين؟ بل هل يمكنه تحقيق هذا الانسجام والتناسب، إذا لم يكن يحمل روح الجهاد متشوّقاً إلى الشّهادة في سبيل الله بما يستلزمه ذلك من إعدادٍ عسكريّ يمكّنه أن يجاهد بين يدي الإمام عليه السلام؟
 
فالاعتقادُ بوجود الإمام المهديّ عليه السلام، وبيعتُه، وتجديد البيعة، أو الالتزام بقيادته عبر بيعة نائبه وطاعته، وانتظارُه، والمواظبة على آداب الغيبة، كلّ ذلك لا ينفع صاحبه شيئاً إذا لم يكن يسير كلّ ذلك تحت شعار "التقوى".
 
وممّا يرشدنا إلى الترابط بين الانتظار والتقوى ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر، وليعمل بالورع، ومحاسن الأخلاق وهو منتظرٌ، فإنْ ماتَ وقام القائم بعده، كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدّوا وانتظروا"[5].
 
وبديهيّ أنّ التقوى واجبة في كلّ حال، إلّا أنّ المقصود هو الإشارة إلى هذه العلاقة بينها وبين الانتظار، وفائدة ذلك أنْ يدرك من يغلب عليه الطابع الحركيّ العمليّ، ويحسب أنَّه من جنود المهديّ دون شكّ! إلّا أنّ هذا البعد وحده لا يكفي.
 
ولا شكّ أنّ الوقوف مع الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، أثناء غيبته إنَّما يتحقَّق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله مع نائبه الفقيه الجامع للشرائط، انطلاقاً من الاهتمام بأمور المسلمين، ومواجهة الطواغيت الذين يريدون ليطفئوا نور الله تعالى.
 
وبالتالي يكون الارتباط بالإمام الحجّة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف ليس مجرّد ارتباط بفكرة عقيديّة غيبيّة، بل بإنسان كامل حيٍّ جسداً وروحاً، ولولا وجود الإمام لساخت الأرض بأهلها، فهو أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، كما ورد في الأحاديث المأثورة عنهم عليهم السلام.
  


[1] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص286.
[2] المصدر نفسه، ص644.
[3] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا، مصدر سابق، ج2، ص39.
[4] الشيخ الطوسيّ، أبو جعفر محمّد بن الحسن: الغيبة، ص460، تحقيق الشيخ عباد الله الطهرانيّ والشيخ علي أحمد ناصح، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم، 1411هـ، ط1.
[5] النعمانيّ، أبو عبد الله محمّد بن ابراهيم بن جعفر: الغيبة، ص207، تحقيق فارس حسون كريم، مهر، قم، 1422 هـ، ط1.

 في الرواية عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضوان الله تعالى عليه يقول: (لما أنزل الله عز وجل على نبيه ﴿يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أطِيعُواْ اللّهَ وَأطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنكُمْ﴾ قلت: يا رسول الله عرفنا الله ورسوله فمن أولوا الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ قال: هم خلفائي يا جابر، وأئمة المسلمين بعدي، أولهم علي بن أبي طالب ثم الحسن والحسين، ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فاقرءه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي، ثم سميي وكنيي حجة الله في أرضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للايمان. قال: فقال جابر: يا رسول الله فهل ينتفع الشيعة به في غيبته؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: إي والذي بعثني بالنبوة إنهم لينتفعون به: يستضيؤون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس، وإن جللها السحاب، يا جابر هذا مكنون سر الله، ومخزون علمه فاكتمه إلا عن أهله)([1]).
 
والمستفاد من الرواية الشريفة أن المؤمنين في عصر الغيبة، في ابتلاء وامتحان شديد، وسيتخلى عن القول بإمامة الحجة عليه السلام الكثير من الناس، وسيثبت آخرون على الاعتقاد به، وما سبب هذا إلا كثرة الامتحانات، من الدعوات الباطلة والمشككين وكثرة الابتلاءات مع قلة الصبر على طول الغيبة.
 
وقد ورد في الرواية عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: (يا منصور إن هذا الأمر لا يأتيكم إلا بعد إياس لا والله حتى تميزوا، لا والله حتى تمحصوا، لا والله حتى يشقى من يشقى، ويسعد من يسعد)([2]).
 
وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: (إنَّ لصاحبِ هذا الأمرِ غيبة، المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد([3]) ثم قال هكذا بيده ثم قال: إن لصاحب هذا الأمر غيبة فليتق الله عبد وليتمسك بدينه)([4]).
 
فهذه الفترة الطويلة من الغيبة الكبرى إنما هي امتحان وتمحيص من الله تعالى للمؤمنين ليتبين منهم الخلص ويصفَى القليلُ منهم ففي الرواية عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، قال: (إذا فقد الخامس من ولدِ السابع من الأئمة فالله الله في أديانكم لا يزيلنَّكُم عنها أحد، يا بني إنه لا بدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة، حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنما هي محنةٌ من الله امتحن الله بها خلقه)([5]).
 
وقد عبرت بعض الروايات الشريفة عن هذا الأمر بالغربلة، فإن الناس ستغربل كما الحبوب ليبقى الصالح منها، ويرمى الفاسد ففي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: (والله لتميَّزن والله لتمحَّصن والله لتُغربلُن كما يُغربَل الزُؤان من القَمح)([6]).
 
نسأل الله تعالى أن يجعلنا مصداقاً للحديث المروي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام قال: (يا علي أعجب الناس إيماناً وأعظمهم يقيناً قوم يكونون في آخر الزمان، لم يلحقوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحجب عنهم الحجة فآمنوا بسواد على بياض)([7]).
  
18 وظيفة في زمن الغيبة، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


([1]) المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة – ج 36 ص 250.
([2]) المجلسي- محمد باقر - بحار الأنوار - مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة – ج 52 ص 111.
([3]) "القتاد" شجرٌ عظيمٌ له شوكٌ مثل الإبر و"خرط القتاد" يضرب مثلاً للأمور الصعبة.
([4]) المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة – ج 52 ص 111.
([5]) المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة – ج 52 ص 113.
([6]) المجلسي-محمد باقر -بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء ,الطبعة الثانية المصححة – ج 52 ص 114.
([7]) الحر العاملي - محمد بن الحسن - وسائل الشيعة - مؤسسة أهل البيت - الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 27 ص 92.

إنَّ استفادة الإمام الرضا (عليه السلام) الأساس من مسألة ولاية العهد كانت بالغة الأهمية، فبقبوله بولاية العهد استطاع أن ينهض بحركة لا نظير لها في تاريخ حياة الأئمّة (بعد انتهاء خلافة أهل البيت في سنة 40 هجرية حتّى آخر عهود الخلافة الإسلاميّة)، ولقد تمثّل ذلك بظهور دعوة الإمامة الشيعيّة على مستوًى كبير في العالم الإسلاميّ، وخرق ستار التقيّة الغليظ في ذاك الزّمان، حيث تمّ إيصال نداء التشيّع إلى أسماع المسلمين جميعهم، فمنبر الخلافة القويّ جُعل تحت تصرّف الإمام عليه السلام، وقد قام الإمام عليه السلام من خلاله برفع ندائه وإعلان ما كان يُقال طيلة 150 سنة في الخفاء، والتقية للخواص والأصحاب المقرّبين. وبالاستفادة من الإمكانات الرائجة في ذلك الزمان الّتي لم تكن إلا تحت سيطرة الخلفاء والمقرّبين منهم في الرّتب العالية، أوصل ذلك النداء إلى أسماع الجميع.
 
وكذلك أيضاً مناظرات الإمام عليه السلام الّتي جرت بينه وبين جمع من العلماء في محضر المأمون، حيث بيّن أمتن الأدلّة على مسألة الإمامة. وهناك أيضًا رسالة جوامع الشّريعة الّتي كتبها الإمام للفضل بن سهل، حيث ذكر فيها أمّهات المطالب العقائدية والفقهية للتشيّع، وأيضًا حديث الإمامة المعروف الّذي قد ذكره الإمام عليه السلام في مَرْو لعبد العزيز بن مسلم، إضافة إلى تلك القصائد الكثيرة الّتي نُظّمت في مدح الإمام بمناسبة تسلّمه ولاية العهد. ومنها قصيدتا دِعبل وأبي نوّاس اللتان تُعدّان من أهمّ القصائد المخلَّدة في الشّعر العربيّ. إنّ كلّ ما ذكرناه من استفادة الإمام عليه السلام من مسألة قبوله ولاية العهد، يدلّ على مدى النّجاح العظيم الّذي حقّقه الإمام عليه السلام في صراعه ضدّ سياسة المأمون.
 
وفي تلك السنة نجد الخطب حافلة بذكر فضائل أهل البيت في المدينة، ولعلّه في الكثير من الأقطار الإسلاميّة، وذلك عندما وصل خبر ولاية علي بن موسى الرضا عليه السلام، فبعد أنّه لم يكن هناك شخصٌ يجرؤ على ذكر فضائل أهل بيت النبيّ عليهم السلام، وكانوا يُشتمون علنًا على المنابر لمدة سبعين سنة، وما تلاها من سنوات، فقد رجع في زمان الإمام الرّضا عليه السلام ذكر عظمة وفضائل أهل البيت في كلّ مكان، كما أنّ أصحابهم ازدادوا جرأةً وإقدامًا بعد هذه الحادثة، وتعرّف الأشخاص، الّذين كانوا يجهلون مقام أهل البيت عليهم السلام، عليهم، وصاروا يُحبونهم، وأحسّ الأعداء، الّذين أخذوا على عاتقهم محاربة أهل البيت، بالضّعف والهزيمة. فالمحدّثون والمفكّرون الشّيعة أصبحوا ينشرون معارفهم ـ الّتي لم يكونوا ليجرؤوا قَبْلًا على ذكرها إلا في الخلوات ـ في حلقات دراسيّة كبيرة، وفي المجامع العامّة علنًا.
 
في حين رأى المأمون أنّه من المفيد فصل الإمام عليه السلام عن النّاس. فهذا الفصل والإبعاد هو في النّهاية وسيلة لقطع العلاقة المعنويّة والعاطفيّة بين الإمام وبين النّاس، وهذا ما يريده المأمون. ولمواجهة هذه الخطوة لم يكن الإمام عليه السلام يترك أيّ فرصة تُمكّنه من الاتّصال بالنّاس إلّا ويستفيد منها خلال تحرّكه ومسيره. فمع أنّ المأمون كان قد حدّد الطّريق الّتي سيسلكها الإمام من المدينة وصولًا إلى مرْو، بحيث لا يمرّ على المدن المعروفة بحبّها وولائها لأهل البيت مثل قم والكوفة، لكنّ الإمام عليه السلام استفاد من كلّ فرصة في مسيره لإقامة علاقات جديدة بينه وبين النّاس، فأظهر في منطقة الأهواز آيات الإمامة، وفي البصرة الّتي لم يكن أهلها من محبّي الإمام سابقًا، جعلهم من محبّيه ومريديه، وفي نيشابور ذكر حديث السّلسلة الذهبية ليبقى ذكرى خالدة، إضافة إلى ذلك الآياتُ والمعجزات الّتي أظهرها. وقد اغتنم الفرصة لهداية النّاس وإرشادهم في سفره الطّويل هذا. وعندما وصل إلى مرو الّتي هي مركز إقامة الخلافة، كان عليه السلام كلّما سنحت له الفرصة وأفلت من رقابة الجهاز الحاكم، يُسارع إلى الحضور في جمع النّاس.
 
والإمام عليه السلام، فضلًا عن أنّه لم يحضّ ثوّار التشيّع على الهدوء أو الصلح مع جهاز الحكومة، بل إنّ القرائن الموجودة تدلّ على أنّ الوضع الجديد للإمام المعصوم كان عاملًا محفّزًا ومشجّعًا لأولئك الّذين أصبحوا، بفعل حماية الإمام ومؤازرته لهم، محلّ احترام وتقدير، ليس فقط عند عامّة النّاس، بل حتّى عند العاملين وولاة الحكومة في مختلف المدن، بعد أن كانوا، ولفتراتٍ طويلة من عمرهم، يعيشون في الجبال الوعرة والمناطق النّائية البعيدة. فشخصٌ مثل دعبل الخزاعيّ، صاحب البيان الجريء، الذي لم يكن على الإطلاق يمدح أي خليفة أو وزير أو أمير، والذي لم يكن في خدمة الجهاز الحاكم، لا بل لم يسلم من هجائه ونقده أيّ شخصٍ من حاشية الخلافة، وكان لأجل ذلك ملاحَقًا دومًا من قبل الأجهزة الحكوميّة، وظلّ لسنوات طوال مهاجرًا ليس له موطن، يحمل داره على كتفه، ويسير من بلدٍ إلى بلد، ومن مدينةٍ إلى مدينة، أصبح بإمكانه الآن مع وجود الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام أن يصل ويلتقي بمقتداه ومحبوبه بحريّة، وأن يُوصل، في فترةٍ قصيرة، شعره إلى أقطار العالم الإسلاميّ كلّه. ومن أشهر قصائده وأبهاها تلك الّتي تلاها على مسمَع الإمام عليه السلام حيث اشتهر بها، والّتي تبيّن وثيقة الثّورة العلويّة ضدّ الأنظمة الأمويّة الحاكمة. حتّى أنّه، وفي طريق عودته من عند الإمام، كان يسمع قطّاع الطّرق يُردّدون تلك القصيدة نفسها. وهذا يدلّ على الانتشار السّريع لشعره.

"لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب"، تحذير أطلقه روح الله وكلمته التي ألقاها إلى مريم عليها السلام، ومن الملاحظ أنّ السيّد المسيح عليه السلام قد استخدم في هذه الفقرة من وصيّته لفظ "الأرباب"، وكأنّه يريد الذين نزعت أرواحهم إلى دعوى الربوبية بسبب محبّتهم للعلوّ على غيرهم من الخلق، أو أنّه عليه السلام أراد أصحاب العبيد الذين ملكوهم بالاسترقاق أو عبر النخاسة، والله تعالى أعلم بمراد السيّد المسيح عليه السلام، ولكنّنا ذكرنا هذين الاحتمالين لأنّنا نعلم أنّ السيّد المسيح وإخوانه الكرام من أنبياء الله ورسله عليه السلام قد أخبرونا أنّ الله كتب على نفسه الرحمة، وقد روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لمّا رأى إبراهيم ملكوت السموات والأرض: أشرف على رجل على معصية من معاصي الله، فدعا عليه فهلك، ثم أشرف على آخر، فذهب يدعو عليه، فأوحى الله إليه: أن يا إبراهيم إنّك رجل مستجاب الدعوة، فلا تدع على عبادي، فإنّهم منّي على ثلاث: إمّا أن يتوب فأتوب عليه، وإمّا أن أُخرج من صلبه نسمة تملأ الأرض بالتسبيح، وإمّا أن أقبضه إليّ، فإنْ شئتُ عفوتْ، وإن شئتُ عاقبتْ"[1].
 
إنّ الله تعالى قد كتب على نفسه الرحمة للمبتلى والمعافى من خلقه، وهو جلّ شأنه يُمهل ولا يُهمل، على عكس الذين يُراقبون الناس ويحصون عليهم عيوبهم، ويستعلون ويتكبّرون عليهم، ولا يُقيمون وزناً للآخرين، ويُسارعون إلى محاكمتهم ومحاسبتهم، فهؤلاء هم من حذّرنا ونهانا السيّد المسيح عليه السلام أن لا ننظر إلى عيوب الناس كنظرتهم حيث إنّ نظرهم هذا مزلّة قدم لا ينزلق فيها إلا جاهل، وخذ إليك مثالاً ما جرى مع سحرة فرعون، وأمرهم لم يكن غائباً عن سيّدنا المسيح عليه السلام عندما أوصى بهذه الوصيّة، فإنّهم قبل لحظات من مواجهتهم وتحدّيهم لكليم الله موسى عليه السلام كانوا لا همّ لهم إلا المال: ﴿وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾[2]، فماذا يقول من يتسرّع في الحكم عليهم؟ سيقول هؤلاء كذا وكذا، وينعتهم بأبشع الأوصاف، ويصدر عليهم أقسى الأحكام، والحقّ أنّهم ما إنْ عرفوا الحقّ حتى وقعوا سجّداً، وهم يقولون: ﴿آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾[3]، فتأمّل قولهم لما تهدّدهم وتوعّدهم فرعون قائلاً: ﴿فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى﴾[4]، ردّ عليه هؤلاء الأولياء بقولهم: ﴿لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾[5].
 
الناس مبتلى ومعافى
ثم وجّهنا السيّد المسيح عليه السلام قائلاً: "وانظروا في عيوبهم كهيئة العبيد، إنّما الناس مبتلى ومعافى، فارحموا المبتلى، واحمدوا الله على العافية"، والنظر في عيوب الناس كهيئة العبيد يوجب الستر عليهم، ورحمتهم، والاستفادة من هذا النظر بأخذ العبرة ممّا ابتلوا به، فبعد أنْ نحمد الله تعالى على أنْ عافانا ممّا ابتلى به غيرنا، يجب علينا أن نسعى لإصلاح عيوب أنفسنا، وقد رُوي عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "طوبى لمَن منعه عيبه عن عيوب المؤمنين"[6]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ليحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك"[7]، أي: ليمنعك عن أذى الناس والنظر في عيوبهم. ما تعلمه من نقصك في حقّ نفسك، وأنّك في حاجة إلى إصلاحها، فعليك أنْ تشتغل بهذا عن النظر إلى عيوب الناس.
 
طلائع القلوب، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] جلال الدين السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ج3، ص302، طبعة دار الفكر، بيروت.
[2] سورة الأعراف، الآيتان113-114.
[3] سورة طه، الآية 70.
[4] سورة طه، الآية 71.
[5] سورة طه، الآيتان 72-73.
[6] الشيخ الكليني، الكافي، ج8، ص169.
[7] الشيخ الصدوق، الخصال، ج2، ص526، والشيخ الطوسي، في الأمالي، ص541.

واستقبل النائب الأول للرئيس الإيراني محمد مخبر بعد ظهر الأحد سلطان عمان في مطار مهرآباد في طهران. وتأتي زيارته بعد زهاء عام من زيارة قام بها الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الى مسقط، تخللها توقيع اتفاقات تعاون.

وأكّد وزير خارجية السلطنة بدر بن حمد البوسعيدي في تصريحات صحفية أن "هذه الزيارة التاريخية ستنعكس إيجابًا على استقرار المنطقة وأمنها". مضيفا أن توقيت هذه الزيارة يأتي "في خضم مرحلة جديدة وإيجابية للعلاقات الإقليمية، ما يدعو دول المنطقة إلى دعمها والتشاور والتعاون لحلّ العديد من الملفات والقضايا الحالية".

وترتبط إيران بعلاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع سلطنة عمان التي أبقت تمثيلها الدبلوماسي في طهران على حاله مطلع العام 2016، على رغم قيام دول في مجلس التعاون بقطع علاقاتها مع إيران بعد الأزمة بين الرياض وطهران.

وسبق لسلطنة عمان أن قامت بوساطة بين طهران وواشنطن في الفترة التي سبقت إبرام الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني لعام 2015 بين طهران وست قوى دولية كبيرة.

كما تأتي زيارة بن طارق لطهران بعد أسابيع من إبرام السعودية وإيران اتفاقا برعاية الصين في آذار/ مارس، لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما. وعززت طهران مؤخرا تواصلها مع عواصم خليجية شهدت العلاقة معها فتورا في الأعوام الماضية مثل أبوظبي والكويت.

ونظرا لخصوصية العلاقة الوثيقة بين طهران ومسقط واضطلاع الأخيرة بأدوار وساطة في ملفات إقليمية عديدة، رجح مراقبون أن السلطنة منخرطة في مساعٍ لتقريب وجهات النظر بين مصر وإيران، في ظل تقارير عن تواصل بين طهران والقاهرة قد يفضي لرفع التمثيل الدبلوماسي بينهما الى مستوى سفير. وكان السلطان هيثم زار مصر الأسبوع الماضي حيث التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي.

كذلك أدت مسقط أدوارا في تبادل سجناء بين الجمهورية الإسلامية ودول غربية.

وبعد جولات مكوكية قامت بها وفود سياسية وعسكرية وتجارية رفيعة المستوى وتبادُل رسائل خطية بين قادة طهران ومسقط، بدأ سلطان عُمان هيثم بن طارق، اليوم الأحد، زيارة رسمية إلى إيران تستمر ليومين، وفي جعبته ملفات ثنائية وإقليمية ودولية.

ويقول وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان إن الزيارة "تشكل منعطفا في علاقات البلدين على شتى الصُعد". في حين كشف السفير الإيراني لدى مسقط علي نجفي خوشرودي عن وساطة عمانية بين طهران والمنامة.

ويعتقد مراقبون في إيران أنه إلى جانب العلاقات الثنائية الوطيدة بين طهران ومسقط، فإن إطلالة البلدين على مضيق هرمز الإستراتيجي تجعلهما معنيين بأمن مياه الخليج الفارسي، كما أن دور الوساطة الذي تقوم به السلطنة بين ايران من جهة والولايات المتحدة والدول الأوروبية من جهة أخری، يزيد من أهمية الزيارة التي قد تكون محاولة اخرى لإحياء الاتفاق النووي.

وترى اوساط مطلعة أن السلطان هيثم بن طارق سيبحث خلال الزيارة "ثالوث الملفات الثنائية والإقليمية والدولية"؛ موضحة أنه فضلا عن توقيع الاتفاقيات الثنائية بين طهران ومسقط، من شأن الزيارة الجارية أن تحرك المياه الراكدة في العلاقات المتوترة بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة؛ إذ سبق وأعلن الجانب الأميركي أنه يرغب في حل الخلافات مع طهران عبر الدبلوماسية، لكن يجب على واشنطن اتخاذ خطوات عملية وحقيقية في سبيل خفض التوتر وإنهاء السياسة العدائية المتواصلة منذ أكثر من 40 عاما، ورفع جزء من اجراءات الحظر التي فرضتها الإدارة الاميركية من أجل تحفيز إحياء الاتفاق النووي، كما أن تأجيل موعد زيارة سلطان عمان إلى طهران عدة مرات، يؤكد أن توقيت الزيارة يدل على تحريك المياه الراكدة في البرنامج النووي.

كذلك يرى الخبراء أن زيارة سلطان عمان إلى طهران تأتي في سياق الانفراجة على مستوى العلاقات الإيرانية الخليجية، فإلى جانب الوساطة العمانية بشأن البرنامج النووي سيكون الملف اليمني في صلب محادثات السلطان هيثم مع الجانب الإيراني.

والايام القادمة كفيلة بكشف نتائج هذه الزيارة واهميتها.

وفي برقية التهنئة، التي بعثها مساء اليوم الاحد، هنأ آية الله رئيسي، رجب طيب أردوغان، بفوزه من جديد في الانتخابات الرئاسية.

واعرب عن ثقته في أن العلاقات الودية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وجمهورية تركيا ستشهد في الفترة المقبلة، -بناء على الاواصر التاريخية والثقافية والدينية القوية- وحسن الجوار والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة لشعبي البلدين، مزيدا من التطوير والتعاون الوثيق بين البلدين تجاه التطورات في المنطقة والعالم الإسلامي ما سيوفر ظروفًا أكثر ملاءمة لتعزيز السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة.

وفاز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بولاية جديدة مدتها 5 سنوات بعد حصوله على 52.87% من أصوات الناخبين في جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة، بينما حصل منافسه كمال كليجدار أوغلو على 47.13%، وذلك بعد فرز 99% من الأصوات، وفق نتائج أولية.

وأغلقت مراكز الاقتراع في أنحاء تركيا أبوابها مساء اليوم الأحد، وبدأت عمليات فرز الأصوات في جولة الحسم بانتخابات الرئاسة.

وكانت مراكز الاقتراع في أنحاء تركيا فتحت أبوابها صباح اليوم الأحد، لاستقبال أكثر من 60 مليون ناخب.

وتنافس بهذه الجولة الثانية كل من المرشح عن تحالف "الجمهور" الرئيس أردوغان، والمرشح عن تحالف "الشعب" زعيم حزب الشعب الجمهوري كليجدار أوغلو.

وشهدت تركيا تنظيم الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية للمرة الأولى في تاريخها الحديث، عقب إخفاق المرشحين في الحصول على نسبة (50% + صوت واحد) بالجولة الأولى التي جرت في 14 مايو/أيار الجاري.