
Super User
في ظل التخاذل العربي لولا ثورة الإمام الخميني ’’لضاعت فلسطين‘‘
قال رئيس الهيئة الإستشارية والناطق الرسمي لمجلس علماء فلسطين في لبنان الشيخ محمد صالح الموعد ان الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني (رض) غيرت مسار التاريخ لصالح الشعوب المستضعفة وأنها رفعت لواء تحرير فلسطين، ولو لا هذه الثورة الإسلامية ’’لضاعت فلسطين والمقاومة‘‘.
ونوه الناطق الرسمي لمجلس علماء فلسطين في لبنان الشيخ محمد صالح الموعد بمناسبة الذكرى السنوية الأليمة الـ 28 لرحيل مؤسس الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخميني الراحل (رض)، أن من الأهداف السامية والأساسية لثورة الإمام الخميني (رض) هي "أن تنصر المستضعفين في الارض وان الشعب الفلسطيني هو شعب مستضعف وان تعيد الارض الاسلامية المحتلة الى اصحابها وفلسطين ارض محتلة على ايدي الكيان الصهيوني".
وأضاف: من هنا نحن نعتبر الثورة الاسلامية هي ثورة فاعلة غيرت معالم التاريخ واحدثت قفزة نوعية من اجل فلسطين ودعمت المقاومة في فلسطين ولبنان، وفي ظل هذا التخاذل والضعف العربي والعلاقت والتطبيع من قبل عدد من الدول العربية مع العدو الصهيوني دون خجل وحياء، فإنه لو لم تكن الثورة الاسلامية المباركة لكنا اليوم اصبحنا في خبر مابعد التاريخ، اي ان فلسطين والمقاومة لضاعت، لذلك من بركات هذه الثورة ان المقاومة من اجل فلسطين مازالت مستمرة في لبنان وفلسطين.
مشيرا إلى أن "الثورة الاسلامية بقيادة الإمام الخميني (رض) لها دور مهم على مستوى العالم حيث أنها نصرت المستضعفين على مستوى العالم وهي لم تضع اي جهة في العالم الا ووقفت إلى جانبها وخاصة الشعوب الاسلامية المستضعفة وانها لم تميز بين شيعي وسني.
وأوضح الناطق الرسمي لمجلس علماء فلسطين في لبنان أن "الامام الخميني رحمة الله عليه رفع شعار الوحدة الاسلامية في العالم الإسلامي والوحدة الاسلامية هي التي خففت من موضوع الفتنه المذهبية"، مشيرا إلى أن الوحدة التي رفع رآيتها الإمام الخميني (رض) والعمل عليها من قبل علماء السنة والشيعة، قد "خففت الصراع المذهبي"، حيث أن "كل هذا تحقق ببركة الامام الخميني وثورته الإسلامية".
وأشار إلى أن الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني أنهت حكم الشاه في إيران الذي ربطته علاقات وطيدة بالعدو الصهيوني والولايات المتحدة وأنهت حكمه الفاسد بفضل تضحيات عشرآت الآلاف من الشهداء.
وتطرق الشيخ صالح الموعد إلى اغلاق السفارة الإسرائيلية في طهران من قبل الإمام الخميني (رض) واحلال السفارة الفلسطينية مكانها وافتائه بدفع أموال الخمس الشرعية لدعم تحرير فلسطين وإعلانه يوم القدس العالمي لدعم مقاومة الشعب الفلسطيني والعمل على إستعادة أرضه المحتلة، باعتبار أن هذه القضايا ساهمت بشكل جوهري في افشال مخططات العدو الصهيوني.
وفي إجابته على سوال آخر لمراسل تسنيم حول مواصلة دعم القضية الفسطينية من قبل إيران بعد رحيل الإمام الخميني (رض) وتولي قيادة الثورة الإسلامية من قبل سماحة الإمام الخامنئي، قال الشيخ صالح الموعد: نحن نعتبر الامام القائد السيد علي الخامنئي هو امتداد لمسيرة الامام الخميني رحمه الله ونعتقد ان الخط مازال كما كان، الامام الخامنئي يتبنى القضية الفلسطينية ويتبنى المقاومة ومازالت ايران تدعم فلسطين والمقاومة وتدعم تحرير فلسطين، وهذا ان دل على شيء فإنه يدل على المسألة العقائدية بالنسبة لإيران تجاه القضية الفلسطينية، وعلى الجميع ان يعلم ذلك ان ايران تتعامل مع البلاد الاسلامية على اساس انها بلاد اسلامية من دون التمييز بين شيعي او سني، حيث أنها تدعم حماس وهي سنية وتدعم حزب الله وهو شيعي وتدعم حركة الجهاد الإسلامي وهي سنية.
مضيفا بالقول أن إيران تعتقد بان "الارض الفلسطينية المحتلة، قد احتلت من قبل الكيان الصهيوني وبمؤامرة امريكية غربية، وهي أرض اسلامية مغتصبة وينبغي ان تعود الى اصحابها".
وأشار الناطق الرسمي لمجلس علماء فلسطين في لبنان الشيخ محمد صالح الموعد في نهاية حديثه مع مراسل تسنيم إلى أن الغرب وبقيادة أمريكا هَدَفَ إلى تدمير الجيوش العربية من وراء ما أطلقو عليه ’’الربيع العربي‘‘، مشيرا إلى أننا رأينا "انبطاح وزحف وانجرار وتطبيع وعلاقات عربية مع الكيان الصهيوني" بعد الربيع العربي من قبل عدد من الدول العربية، منوها إلى أن فلسطين ستنتصر بإذن الله على الاحتلال الصهيوني عبر محور المقاومة التي تقوده في الوقت الراهن الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
الإمام الحسن عليه السلام ومجتمع البصيرة
لقد كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) عناية خاصة بولده الإمام الحسن (عليه السلام) فهو الإمام من بعده وإليه ينتقل إرث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وثمة جانب مهم في حياة الإمام الحسن (عليه السلام) يرتبط بدوره في فترة تولي الإمام علي (عليه السلام) الخلافة فقد كان معتمدا من قبل الإمام في معالجة الكثير من القضايا فكان الإمام يوكل إليه مخاطبة الناس والحديث معهم وتوضيح الموقف لهم، وكان يرسله إلى بعض الولاة ليتابع معه قضايا ترتبط بالمجتمع الإسلامي، وكذلك على مستوى القيادة العسكرية والقتال، وتظهر عناية الإمام أكثر في الوصية التي خصه بها بعد منصرفه من صفين والتي يظهر فيها مشاعر الأبوة مع النصح والإرشاد، فخاطبه بقوله:"وجدتُك بعضي، بل وجدتك كلّي، حتى كأنَّ شيئاً لو أصابك أصابني، وكأنَّ الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي".
لقد ارتبطت حياة أهل البيت (عليهم السلام) بظروف مختلفة لتشكل في كل مرحلة درسا لشيعتهم ومواليهم، فمن مواقف الأئمة (عليهم السلام) يرسم الإنسان موقفه من الأحداث المشابهة، فسيرتهم مصدر من مصادر التشريع على المستوى الفردي والمرتبط بالعبادات والمعاملات، وكذلك هي مصدر مهم للقادة ومن يتولى أمر الأمة وشأنا من شؤون الناس ليحسن اتخاذ الموقف من الأحداث والظروف المحيطة به.
تميزت فترة الإمام الحسن (عليه السلام) بالبيئة الاجتماعية المتبدلة والمتغيرة، والتي كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يعاني منها، ويشكو إلى الله عز وجل من القوم الذين ابتلي بهم، ولا بد للإمام الحسن (عليه السلام) أن يتعامل مع هذه البيئة في ظل مخاطر خارجية تتمثل بمخططات معاوية ومخاطر داخليّة تتمثل بالخيانات التي كانت تحدث داخل هذا المجتمع حتى ممن يرتبط بالإمام (عليه السلام) بصلة ورحم.
وميزة الضعف والوهن وعدم الثبات في مواجهة الباطل في هذا المجتمع ترجع إلى ضعف البصيرة وهذا ما يؤكد عليه الإمام الخامنئي (دام ظلّه) في استعراضه لسيرة الإمام الحسن (عليه السلام) ويشير إلى ضرورة فهم جديد وتحليل معاصر لسيرة الإمام الحسن (عليه السلام) ويعتمد على تحليل حقيقة المجتمع الذي كان يعيش فيه الإمام الحسن (عليه السلام).
يقول الإمام الخامنئي (دام ظلّه):"قد ذكرت كثیراً عندما تفتقد الأمّة القدرة على التحلیل، فستخدع ویكون مصیرها السقوط .إنّ أصحاب الإمام الحسن (عليه السلام) لم تكن لهم قدرة على التحلیل، ولم یتمكنوا من فهم تداعیات الأمور وما الذی یدور حولهم، علماً أنّ أصعب المراحل التی تمر بها أی ثورة هی المرحلة التی یلتبس فیها الحق بالباطل".
ومن هنا تكمن أهمية ودور مجتمع البصيرة في مساعدة القائد على الوصول إلى أهدافه، وأن القائد يتعامل مع الظروف المحيطة به بما تقتضيه ولذا أمام السؤال حول اختيار الإمام للصلح مع معاوية يقول الإمام الخامنئي (دام ظلّه):"صلح الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام) أدى إلى تنظیم الأمور بشكل واع وذكي، بحیث منع الإسلام والتیار الإسلامي من الورود في القناة الملوثة التي كان ظاهرها الخلافة وحقیقتها السلطنة، وقد كان هذا هو الفن الذی مارسه الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام)، فقد عمل الإمام الحسن المجتبى عملاً یمنع من دخول التیار الإسلامي الأصیل فی تیار آخر، وهو وإن لم یكن فی إطار حكومة - لعدم إمكانیة ذلك حینذاك - فلا أقل من أنّه كان في إطار تیار ثوري".
اعتداءان ارهابيان وأياد آثمة تمتد على ايران.. 12 شهيدا وأكثر من 42 جريحا
نفذت مجموعتان ارهابيتان، صباح اليوم الاربعاء، اعتدائين ارهابيين متزامنين على مجلس الشورى الاسلامي وحرم الامام الخميني (رض) أسفرا عن استشهاد 12 شخصا وجرح أكثر من 42 آخرين ومصرع واعتقال الارهابيين جميعا.
وأفادت وكالة تسنيم الدولية للانباء ان مجموعتين ارهابيتين نفذتا اليوم الاربعاء في تمام الساعة 10:40 بتوقيت طهران اعتدائين جبانين بالتزامن، الاول في مجلس الشورى الاسلامي، حيث تنكر 4 ارهابيون بزي نسائي للدخول من الباب الرئيس الذي يدخل منه المراجعون للقاء النواب ومن ثم دخلوا فناء المجلس والمبنى الجانبي له.
واقدم المسلحون على اطلاق النار داخل اروقة البرلمان واصابوا عددا من الاشخاص، وبدأ الاشتباك واطلاق النار بين الارهابيين وأمن المجلس وفي هذه الاثناء تمكن ارهابي منهم من الخروج من مبنى البرلمان واطلق النار في مختلف الاتجاهات في الشارع المؤدي الى مبنى البرلمان
وواصل نواب البرلمان اجتماعهم في قاعة البرلمان بشكل عادي، ولم يتمكن الارهابيون من الدخول الى الاجزاء الرئيسية من مبنى البرلمان.
و تمكنت قوات تحرير الرهائن التابعة لحرس الثورة الإسلامية من التسلل الى مبنى مجلس الشورى الإسلامي وقامت بالاشتباك مع الارهابيين الاربعة.
وفرضت القوات الامنية طوقا امنيا لمسافة 500 متر حول مبنى مجلس الشورى الاسلامي، وحاصرت القوات الامنية الارهابيين داخل المبنى وانتقلت الاشتباكات بالكامل الى الجانب الغربي من مبنى مجلس الشورى الاسلامي، حيث تواجد الارهابيون في الطابقين الخامس والسادس وتموضع قناصو القوى الامنية الايرانية في المباني المجاورة للمجلس واطلقوا النار على المهاجمين، وقام ارهابي من المحاصرين في الداخل بتفجير نفسه في الطابق الخامس بعد التضييق عليهم.
واستمرت الاشتباكات مع الارهابيين المحاصرين عدة ساعات الى ان تمكنت قوات الامن الايرانية من القضاء على الارهابيين الثلاثة المتبقين وبذلك تكون قد انتهت عملية البرلمان بإستشهاد 11 شخصا وجرح أكثر من 33 آخرين.
وفي الاعتداء الارهابي الاخر دخل ارهابيان اثنان حرم الامام الخميني(رض) من الناحية الغربية للحرم في الساعة 10:40 بتوقيت طهران، وكان كلاهما يحملان مواد متفجرة وشرعا باطلاق النار بشكل عشوائي لحظة دخولهما الحرم ما ادى الى استشهاد عامل وجرح ثلاثة من حراس الحرم.
وأضاف، بدأ حراس الحرم بإطلاق النار بإتجاه الارهابيين حيث اقدم واحد منهما الى تفجير نفسه أمام باب الحراس، وحاول الارهابي الثاني الفرار إلا ان حراس الحرم اردوه قتيلا وتمكن الحراس من تفكيك الحزام الناسف، وكان الارهابيان مزودان بعدد من القنابل والمواد المتفجرة.
وفي تعليق على هذه العملية لفت رئيس مجلس الشورى الاسلامي على لاريجاني إلى أن عدد من الارهابيين الجبناء اعتدوا على مبنى المجلس، مشيرا الى أنه يتم التعامل معهم بشكل مناسب.
كما أعلن وزير الداخلية الايراني عبدالرضا رحماني فضلي، عن بدء التحقيق في حادثي اطلاق النار في مدخل مجلس الشورى الاسلامي ومرقد الامام الخميني الراحل (رض) بالعاصمة طهران.
واضاف، من المحتمل عقد اجتماع لمجلس توفير الامن بمحافظة طهران.
وأعلن تنظيم داعش الارهابي مسؤوليته عن الإعتداءين الارهابيين صباح اليوم الاربعاء على مبنى مجلس الشورى الاسلامي ومرقد الامام الخميني (رض) في طهران.
قصيدة بمناسبة الذكرى الـ28 لرحيل الإمام الخميني (قدس سره)
بمناسبة اقتراب الذكرى السنویة الثامنة والعشرين لرحيل مفجر الثورة الإسلامية آية الله العظمى الإمام السيد روح الله الموسوي الخميني (قدس سره الشريف) أتحفنا الزميل حميد حلمي زادة بهذه القصيدة، والتي تحمل عنوان (مُحْيِي الإيمان) :
(مُحْيِي الإيمان) :
ماتَ الطِّغامُ ولمْ تَمُتْ يا سُؤدَدُ
ولأنتَ فی دنیا الصُّمُودِ محمدُ
يَحيا رَسُولُ اللهِ نَسْلاً إنّهُ
بِبَنِي النُبُوَّةِ دِينُهُ يتجَدَّدُ
لمّا خبَا نورُ الجِهادِ رِسالةً
خرَجَ الخُمينيْ بالجُمُوعِ يُوَحِّدُ
يُهدِي الجماهيرَ الابيَّةَ ثَورَةً
باللهِ تهتِفُ بالشَّهادةِ تَسْعَدُ
هوَ ذا نَشيدُ اللهِ عندَ المُلتَقى
ما ماتَ إسلامٌ بَنُوهُ المُجَّدُ
ما ضاعَ إسلامٌ إمامٌ نَذْرُهُ
مِن يومِ عاشوراءَ وهوَ يُحَشِّدُ
وكأنَّهُ أعطى الشُعُوبَ علامَةّ
أنْ سوفَ تَشرِقُ آيةٌ تُستَرْشَدُ
هو مَنهجُ الهادي البشيرِ تفانِياً
عَلَمٌ فقيهٌ حَيدريٌّ أَصْيَدُ
موسى بنُ جعفرَ جدُّهُ وإمامُهُ
ومُحَطِّمُ الطغيانِ وهو مُصَفَّدُ
قد ذابَ في ذاتِ الإلهِ مُجاهداً
لمْ يَسترِحْ أبداً وظُلمٌ يَحْصُدُ
وثرَى فلسطينَ السليبةِ دَمعَةٌ
وصلاحُ ذاتِ البَينِ أمْرٌ مُبعَدُ
وخزائِنٌ للمُسلمينَ تبعْثَرَتْ
وشعوبُ أبناءِ العقيدةِ تُصْفَدُ
وبلادُ وَحْيِ اللهِ رَهنُ قبيلةٍ
خَضعَتْ .. عَقيدَتُها المُرُوقُ المُفسِدُ
ما كانَ رُوحُ اللهِ يَرضى ذِلَّةً
وهو اْبنُ أحمدَ والخَلائِقُ شُهَّدُ
فمضى ولم يَخشَ الطُّغاةَ ضَراوَةً
وسَعى وكلُّ نِضالِهِ يَتوَقَّدُ
وهَبَ العقيدةَ مُهجَةً ومَحجَّةً
يَسعى إليها العالِمُ المُستَرْشِدُ
ما كانَ رُوحُ اللهِ راهِبَ مَعبَدٍ
بل كان مِقدامَاً بَناهُ المَسجِدُ
مِنْ عزمِه انتصبَتْ بَيارقُ دَولةٍ
تَطوي طريقَ النَّصرِ لا تتَردَّدُ
دانتْ لإيرانَ الجبابِرُ رَهبَةً
فاْسمُ الخمينيِّ العظيمِ يُشرِّدُ
فهو الشجاعةُ والصلابةُ والإبا
وأمينُ دينِ اللهِ عَيْنَاً تَرْصُدُ
قادَ البلادَ وثورةَ الحقِّ التي
عصَفَتْ بطغيانٍ شقيٍّ يُفسِدُ
وأطاحَ بالحَرْبِ الحَقُودَةِ غايةً
نُفِخَتْ بكُلِّ مَحارِقٍ تُسْتَوقَدُ
فزِعَتْ طُغاةُ الغربِ مِنْ إيمانِهِ
مُذْ سَامَها خِزْياً اُذِلَّ به العَدُو
خرَجَتْ بهِ ايرانُ هامَةَ واثِقٍ
وأمامَها فَتحٌ قريبٌ يُنشَدُ
منّا السلامُ عليهِ قائِدَ نهْضةٍ
عزَّتْ بَني الإسلامِ حِينَ تَجَلَّدُوا
وتألَّقَ الايمانُ صارَ مَثابَةً
يأوي اليها التائِهونَ السُهَّدُ
هوَ ذا الخُمينيُّ المُفجِّرُ ثورةً
حَملَتْ الى الدنيا مَفاخرَ تُحْمَدْ
لكنَّ أعداءَ الفضِيلةِ خاتَلُوا
ورَمَوا عقيدتَنا بِرجْسٍ يُفْنَدُ
جاؤُوا بداعشَ والمُرُوقِ وعَرَّضُوا
بالمؤمِنينَ مُؤامَراتٍ تَحْقِدُ
ليَضِيعَ اسلامٌ نتيجةَ سافِلٍ
ويُعابَ قرآنٌ بِجُرْمٍ يُرعِدُ
وتحالَفَ الأوغادُ حتى يَقْتُلُوا
دِيناً هو اللُّطْفُ العَمِيمُ المُسْعِدُ
دِينُ الإلهِ البَرِّ ضَحَّى دُونَهُ
بالأهلِْ بَل كلِّ النَفائسِ أحمدُ
لا لنْ تمُرَّ خَديعَةٌ وحَبائِلٌ
فالحقُّ يَعلُو والنوائبُ مَصْعَدُ
سيَظَلُّ إسلامُ السَّماحَةِ غالِباً
أَبداً ولا يَفْنِيهِ مَكْرٌ أنْكَدُ
ويظَلُّ مِنهاجُ الخُمينيْ رايةً
للمكرُماتِ إليهِ دَومَاً يُقصَدُ
فهو الذي صَانَ المَسيرَةَ زاهِداً
حتى بِيَومِ وَفاتِهِ هو مُرْشِدُ
رَفعَتْهُ نَعشاً أعيُنٌ وَجَدَتْ بهِ
فخْرَ الجِهادِ لاُمَّةٍ تُستَعْبَدُ
لمّا رَحَلْتَ إلى الخُلُودِ مُشَيَّعاً
كنتَ الزَعيمَ ومَنْ وَرَاكَ تَجَنَّدَوا
فكتائبٌ زحفَتْ وَرَاءَكَ راحِلاً
حيثُ السلامُ وجنةٌ تتَمَدَّدُ
وعُيونُ عُشّاقٍ سَقتْكَ بِلَحْظِها
حُزْناَ فهُمْ عَبْرَ الأثيرِ توَدُّدُ
سَقْياً لرَمْسِكِ قد بَنَيْتَ مَنارَةً
وضَمِنْتَ رِفعَتَها بِفَذٍّ يَصْمُدُ
هو ذا أمِينُكَ نَستَزيدُ عَلاءَنا
بِعُلُوِّ هِمَّتِهِ إماماً يُرْشِدُ
بالخامنائِيِّ المَسيرةُ حُصِّنَتْ
شِبلُ الحسينِ وفي الغياهِبِ فَرْقَدُ
الثورية تعني عدم إنفعال المسؤولين وإستسلامهم لغطرسة المستكبرين
أكد قائد الثورة الاسلامية المعظم سماحة آية الله السيد علي الخامنئي في كلمته عصر اليوم (الأحد: 2017/6/4) أمام الحشود العظيمة لأبناء الشعب في الذكرى الـ 28 لرحيل مفجر الثورة الإسلامية الامام الخميني (رض):
إن التمتع بـ"المعنوية والفكر والعمل الثوري" هي الدرس الكبير للإمام الراحل، والشعب الإيراني يواصل طريقه لتحقيق أهداف الثورة بالمعنى الحقيقي للعقلانية أي الثورية، في ظل أهداف ومبادئ الإمام الخميني المفعمة بالجاذبية والفطنة والحذر أمام الشيطان الأكبر.
وفي بداية كلمته حيّا قائد الثورة الإسلامية المعظم الذكرى السنوية المؤلمة لرحيل الإمام الجليل وأشار إلى الأمور والحقائق التي طرحت خلال السنوات الماضية حول الإمام والثورة وأضاف: فيما يتعلق بشخصية الإمام الخميني هنالك خفايا يجب نقلها تدريجياً إلى أذهان المجتمع كما أن الحقائق التي تم بيانها خلال السنوات الماضية ينبغي تكرارها ومراجعتها بإستمرار لكي يبقى طريق الإمام ومبادئه بعيداً عن التحريف ولا يجد بعض الأشخاص الفرصة لتحريف شخصية الإمام.
وأكد سماحته بأنه يوجه خطابه بشكل رئيسي لشريحة الشباب وأضاف: بما أن جيل الشباب لم يشاهد مرحلة الحماسة العظيمة ولم يروا مرحلة انتصار الثورة، الدفاع المقدس، مرحلة الحركات الجهادية العظيمة في مواجهة الساعين للتجزئة، الشباب سمعوا هذه القصص ولذلك يتوجب علينا شرح المزيد لهم وحديثي عن شخصية الإمام موجه لهم، خاصة وأنهم معرّضون أكثر من غيرهم لحملات التحريف.
وتوجه سماحته بالخطاب للشباب وقال: إنتصار الثورة الإسلامية الذي حقق الإرادة الإلهية بواسطة الإمام الخميني وبمساعدة الشعب، لم یكن مجرد انتقال سياسي فحسب وإبتعاد جماعة عن السلطة ومجئ جماعة أخرى، بل كان هدف الثورة الإسلامية يتمثل في تغيير هذا الوضع، والذي حول المجتمع إلى مجتمع يحمل هوية، لديه استقلاله، أصالته، إبداعه وكلامه الجديد؛ هذا هو التغيير الذي أحدثته الثورة الإسلامية.
واكد قائد الثورة الإسلامية المعظم، بان الثورة الاسلامية احدثت تطورا هائلا على صعيد السياسة والمجتمع وأضاف:ان هذا التطور في مجال السياسة كان بمعنى انه تم تغيير ديكتاتورية وراثية مغلقة تابعة للاعداء كانت تحكم البلاد وتتبع الاجانب الى حكم ذي قاعدة شعبية يعتمد على الجماهير ومستقل ومرفوع الراس وصاحب هوية.
وتابع سماحته فيما يخص التغییر العمیق الذي أحدثته الثورة الإسلامية داخل المجتمع: ان مجتمعنا كان قد فقد هويته، وتحولت ايران بكل هذا الماضي والتاريخ الثقافي والعظمة وبكل هؤلاء العلماء والفلسفة والمعارف البشرية الهائلة، الى مجتمع يتبع الغرب وبلا هوية، لكن الثورة الاسلامیة حولت المجتمع الى مجتمع صاحب هوية واستقلال واصالة وابداع وكلام جديد.
وأكد سماحته بأن الثورة الاسلامية التي قادها الامام العظيم حتى النصر بدعم من الشعب، مثلت هكذا تطور وتحول، وأضاف: إن الامام الخميني كان خلال عهد النضال قد طرح الحد الاعلى للطموح الثوري وهو ازالة نظام الحكم الملكي وبالمقارنة مع ما سبق نرى ان ثورة الدستور كان هدفها التقليل من صلاحيات الملك من قبل المجلس او هدف النهضة الوطنية لتاميم النفط.
واضاف سماحته: ان هذه النهضات باهدافها التي كانت تطمح للحد الادنى لم تنجح فيما نجح الامام بهدفه الطامح للحد الاعلى، وكانت تلك قد حققت انتصارات بسيطة في البداية ومن ثم فشلت فيما تمكن الامام من تحقيق الانتصار الكامل والحفاظ عليه.
وتابع قائد الثورة افسلامية المعظم: ان ثمة جاذبية شخصية وجاذبية كانت موجودة في شعارات الامام الخميني (رض) وهذه الجاذبية كانت قوية بمكان انها استطاعت ان تستقطب الجماهير للتواجد في الساحة، واضاف: اضافة الى هذه الجاذبية كانت الحياة البسيطة التي يعيشها الامام ، وكان بوسع الشاب ان يختارها، فاختار النهضة والنضال والثورة. ان بعض هذه الجاذبية كانت متعلقة بالإمام شخصيا.
واكد سماحته ان الامام كان يملك شخصية قوية ورصينة وقدرة على الصمود في مواجهة الصعوبات. وكان الامام صريحا وصادقا فكان يتكلم بصدقية وكان جميع المتلقين يشعرون بوجود ذلك في كلامه. وأضاف: ان الايمان والتوكل على الله تعالى، كان واضحا في سلوك وكلام الامام. ومن الامور التي قدّمها الامام للجماهير هو الاسلام المحمدي الأصيل وهو الاسلام الذي لا يكون رهنا للتحجر ولا الانتقائية.
واضاف سماحته: ان من المبادئ التي اعلنها الامام الراحل (رض) هي الثورة والحرية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية والخروج من دائرة الهيمنة الامريكية، وأضاف: ان الخروج اليوم من دائرة الهيمنة الامريكية امر جذاب بالنسبة للشبان الذين يعيشون في بلدان تربطها معاهدات طويلة الامد في التبعية لامريكا.
واوضح سماحته: ان السعودية هي في خدمة الاهداف الامريكية، فان اصغيتم الى الشبان سترون بأنهم جميعا يكرهون التبعية لامريكا ويرغبون بالانعتاق من هذه الهيمنة الجائرة.
واكد قائد الثورة الإسلامية المعظم: ان من المبادئ التي طرحها الامام الخميني (رض) هي السيادة الشعبية، بأن يكون الحكم في البلاد بيد الشعب وان يبادر الشعب الى الانتخاب، وأضاف: ان احد الشعارات التي طرحها الامام هي ثقة الشعب بالذات، اي ان الامام كان يقول للشعب ويكرر بانكم قادرون ان تقفوا على اقدامكم في العلم والصناعة والشؤون السياسية، في ادارة البلاد، وفي ادارة القطاعات المهمة للبلاد.
وفي جانب آخر من كلمته أشار سماحته إلى أن البعض يطرح العقلانية في مقابل شعارات الثورة ومن ان العقلانية هي في مقابل الثورية، فهذا امر خاطئ، ان العقلانية الحقيقية هي في الثورية، وأضاف: ان النظرة الثورية بامكانها ان تظهر لنا الحقائق، انظروا متى قال الامام بان امريكا هي الشيطان الاكبر ولا يمكن التعويل عليها، واليوم وبعد مضي كل هذه السنوات، فان رؤساء الدول الاوروبية يقولون ان امريكا لا يمكن الوثوق بها.
وتابع سماحته: ان العقلانية هي التي يقولها اليوم رؤساء البلدان الاوروبية، وهذا الكلام كان قد اطلقه الامام قبل 30 عاما واكثر، وجربنا بان امريكا لا يمكن الوثوق بها في جميع القضايا. ان معنى العقلانية هي ان يعرف الانسان الاصالة، والتعويل على الشعب والقوى الداخلية، العقلانية هي التوكل على الله سبحانه وتعالى، فالعقلانية ليست ان يقوم الانسان بعد التحرر من هيمنة وسيطرة امريكا والاستكبار بالتقرب منها.
وتابع سماحة آیة الله الخامنئي: ان تحدي القوى الكبرى له ثمنه لكن المساومة لها ثمنها ايضا. لاحظوا بان الحكومة السعودية ومن اجل المساومة مع الرئيس الامريكي الجديد اضطرت لانفاق اكثر من نصف احتياطيها المالي لخدمة الاهداف والرغبات الامريكية، اليس هذا ثمن؟.
واكد سماحته: ان الثورية تعني ان يكون هدف المسؤولين عدم استرضاء القوى المستكبرة. بل ان يكون هدفهم استرضاء الشعب واستخدام القوى الداخلية وتعزيز العناصر الفعالة في داخل البلاد، فهذه هي الثورية. واوضح سماحته بأن معنى الثورية هي الا ترضخ البلاد والمسؤولون للغطرسة والا يصابوا بضعف العزم والانفعال، ولا ان يرضخوا للغطرسة ولا ينخدعوا.
واكد سماحته بأنه لا ينبغي نشر الثورية تحت عنوان التطرف. فالثورية هي حاجة البلاد اليوم ودرس علّمه ايانا الامام ويجب الافادة منه، وأضاف: ان شعارات الامام الخميني (رض) وهي العدالة الاجتماعية والاقتصادية والاستقلال والحرية والسيادة الشعبية والانعتاق من دائرة الهيمنة الامريكية مازالت جذابة اليوم لشعبنا وشبابنا. إن هذه الشعارات ليست جذابة بالنسبة لنا فحسب بل للبلدان الاسلامية ايضا.
وأشار سماحته إلى إستمرار مؤامرات الأعداء المعقدة وأضاف: بعون الله فإن الثورة ومبادئ الإمام مازالت قادرة على حشد الشباب والأشخاض ذوي الإرادة والعزيمة ودفعهم للحركة والتقدم وهذا هو العامل الأهم لفشل مؤامرات الأعداء.
وأشار سماحته لنموذج من ذروة وقاحة الأعاء وقال: انظروا إلى مدى وقاحة أعدائنا! الرئيس الأمريكي في نظامٍ قَبَلي متخلّف منحطّ يقف إلى جانب رئيس القبيلة ويرقص معه بالسيف، وفي الوقت ذاته يوجّه اتهامه إلى نحو 40 مليون ناخب من الشعب الإيراني شاركوا في انتخابات حرة.
وأضاف سماحته: يواجهنا أعداء يتسمون بكل هذه الوقاحة والصلافة حيث يقفون إلى جانب الذين يقتلون الشعب اليمني في الأزقة والأسواق ليل نهار، ويتحدثون عن حقوق الإنسان أيضاً، أفهل توجد أكثر من هذه الوقاحة؟.
وأشار قائد الثورة الاسلامية المعظم الى انه للاسف الشديد فإن اخواننا في بعض الدول يعانون من بعض المشاكل في شهر رمضان المبارك، وإضاف: في البحرين واليمن وسوريا وليبيا يعاني المسلمون الصائمون من العديد من المشاكل.
وأضاف سماحته: إن السعودية ومنذ ما يقرب من سنتين ونصف تمطر اليمن بالقنابل ليل نهار، لا مراكزها العسكرية فحسب، بل الأزقة والأسواق والمساجد وبيوت الناس، وتقتل الأبرياء. وقال سماحته: على النظام السعودي ان يعلم بانه حتى لو واصل نهجه هذا 10 او 20 عاما فانه سوف لن ينتصر على الشعب اليمني، فهذه جريمة بحق الشعب اليمني البريء والاعزل ولن تحقق اي نتيجة، وهم بعدوانهم هذا انما يجعلون الانتقام الالهي بحقهم اقسى وأشد.
كما اعتبر سماحته التواجد السعودي في البحرين بأنه غير منطقي وقال: ان قضايا البحرين متعلقة بالشعب البحريني نفسه والحوار يكون بينه وبين نظامه، فلماذا تاتي حكومة اجنبية بقوات عسكرية لهذا البلد لتتدخل في شؤونه وتخطط لسياساته، فهذا العمل غير منطقي وغير عقلاني ويسبب المشاكل للشعوب والدول.
وقال قائد الثورة الإسلامية المعظم: ان فرض الارادة على شعب ما عمل خاطئ وغير ذي جدوى ولن يحقق اي نتيجة حتى لو جعلوا اميركا مواكبة لهم برشوة تبلغ عدة مئات المليارات من الدولارات.
وسماحته إلى تواجد القوات الاجنبية في سوريا مؤكداً بأنه يخالف قرار حكومة وشعب هذا البلد وان قضايا سوريا لابد ان يتم حلها عبر الحوار. واوضح ان العدو اثار حربا بالوكالة في سوريا والبحرين وينبغي الا تتدفق اي اسلحة من خارج هذين البلدين اليهما. وقال سماحته ان داعش یجري طرده اليوم من العراق وسوريا وقد أقبل على افغانستان والباكستان والفلبين وحتى بعض الدول الأوروبية، بعد خروجه من المنطقة.
وفي جانب آخر من كلمته وجّه قائد الثورة الاسلامية المعظم الشكر والتقدير لجميع الذين جاءوا الى الساحة وشاركوا في الانتخابات الرئاسية والتي بلغت اكثر من41 مليون صوت، معتبرا هذه المشاركة الواسعة مؤشرا للثقة العامة بالنظام وتعزيز مكانة البلاد.
وقال سماحته: ان الغالبية المتمثلة باكثر من سبعين ونيف بالمائة من الناخبين بحضورهم في الانتخابات قد قالوا 'نعم' للجمهورية الاسلامية الايرانية وان هذا التصويت هو في الحقيقة تصويت للنظام الاسلامي. واضاف: للاسف ان بعض الافراد ومن منطق الفهم الخاطئ او لدوافع اخرى ينكرون هذه الحقيقة ويقولون بان صوت الشعب لا علاقة له بتأييد النظام، في حين انه حتى الافراد الذين من الممكن ان يحملوا عتابا تجاه النظام يثبتون بتصويتهم في اطار النظام بانهم يقبلون هذا الاطار ويثقون به ويعتبرونه فاعلا.
وتابع سماحته: ان مجلس صيانة الدستور قد اعلن صحة الانتخابات لحسن الحظ وبطبيعة الحال فقد اُعلن بان مخالفات قد جرت ووصل الينا تقرير بهذه الحالات. واشار سماحته الى ان المخالفات لم تؤثر مطلقا في نتيجة الانتخابات واضاف: في الوقت ذاته، ان ارتكاب المخالفة في الانتخابات لا يناسب الجمهورية الاسلامية ويتوجب على المسؤولين متابعة مثل هذه المخالفات بجدية كي لا تحدث مثلها في الانتخابات القادمة للشعب الايراني لانه لو تغاظينا عن المخالفات وصرفنا النظر عنها فانها ستتكرر.
كما وجه سماحته الشكر لمسؤولي التنفيذ والمراقبة في الانتخابات وانتقد بعض التصريحات التي اطلقت خلال الحملات الانتخابية والتي جرى فيها توجيه اتهامات لبعض الاجهزة، معتبرا هذه الامور بانها لم تكن جيدة، وداعيا الى عدم تكرارها مستقبلا.
واوصى سماحة آية الله الخامنئي الشعب كله بالحلم واضاف: ينبغي على الذين فاز مرشحهم او الذين لم يفز مرشحهم تقبل الامور بالحلم ورحابة الصبر. وأضاف: لحسن الحظ ان الذين لم يفوزوا في انتخابات هذا العام قد ابدوا الاستيعاب ورحابة الصدر من انفسهم ولم يتصرفوا كما تصرف البعض في العام 1388 (الانتخابات الرئاسية في العام 2009) وخلقوا مشاكل للبلاد.
وفي جانب اخر من تصريحاته وجه قائد الثورة الاسلامية المعظم توصيات للحكومة واضاف: ان رئيس الجمهورية يحظى وفقا للدستور بامكانيات واسعة حيث ينبغي عليه تفعيل الطاقات عبر استثمار هذه الامكانيات وعدم التباطؤ في تنفيذ الوعود المقطوعة للشعب. واضاف: ينبغي في الحكومة الثانية عشرة اختيار مسؤولين فاعلين ونشطين وأكفاء لان عدم الفاعلية في القطاعات الاقتصادية وغير الاقتصادية سيكون على حساب النظام في حين ان هذا الامر غير منصف لان النظام فاعل.
واكد سماحته ضرورة التحصين امام الحظر الاميركي واضاف: ان الاميركيين وبكل وقاحة يختلقون كل يوم قضية جديدة ضد الشعب الايراني حيث ينبغي على المسؤولين تحصين البلاد امامهم من جميع الجهات السياسية والاقتصادية. واضاف سماحته: يتوجب في القضايا الدولية سماع صوت واحد وقوي من مسؤولي البلاد.
صِلَةُ الأرحام
جاء في خطبة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "وصِلُوا أرحامكم،... ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه"1...
واللافت في هذا المقطع من خطبة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّ شهر رمضان كما أنه فرصة لزيادة العطاء لمن أدّى أعماله على أحسن وجه، كذلك فإنه من الأوقات التي يتضاعف فيها العقاب فيما لو لم يحسن المرء أداء أعماله، فكما أنّ صلة الرحم باب عبور إلى الرحمة الإلهية في هذا الشهر فإنّ قطيعة الرحم باب عبور إلى الحرمان من الرحمة الإلهية يوم القيامة.
وهذا الأمر يسري على بقية الفضائل والرذائل في هذا الشهر، فالصدق له ثوابه الكبير، والكذب له عقابه الأكبر وهكذا، وهذا أمرٌ طبيعيّ عندما نكون ضيوف الرحمن والجالسين إلى مأدبة الكرم الإلهيّ.
ومن المهمّ لَفْتُ النظر إلى تعريف معنى صلة الرحم, لأنها باتت اليوم من الأمور التي تحتاج أن نذكّر بعضنا البعض به, روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الرَّحِمَ معلّقة بالعرش، وليس الواصل بالمكافىء، ولكنّ الواصل من الذي إذا انقطعت رحمه وصلها"2.
فصلة الرحم عندما تصل من يصلك أمرٌ لا لبس فيه، لكنّنا إذا شعرنا أنّ فلاناً يحاول أن يقطع هذه الصلة فإننا سرعان ما نبادر إلى القطيعة فنبادل القطيعة بالقطيعة والهجران بالهجران والجفاء بالجفاء فتتكسّر أواصر المحبة والوئام والتعاون والألفةوتنهار أعمدة الرحمة والمودة ولذلك نرى أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام كانوا يدعون الناس إلى صلة الأرحام فيجميع الأحوال، وأن تقابل القطيعة بالصلة حفاظاً على الأواصر والعلاقات، وترسيخاً لمبادىء الحبّ والتعاون والوئام.
ففي رواية أنّ رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، أهل بيتي أبوا إلاّ توثّباً عليَّ وقطيعة لي وشتيمة، فأرفضهم؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إذن يرفضكم الله جميعاً. قال: كيف أصنع؟"
قال صلى الله عليه وآله وسلم: "تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمَّن ظلمك، فإنّك إذا فعلت ذلك، كان لك من الله عليهم ظهير"3.
وتتجلّى مظاهر الصلة بالاحترام والزيارات وتفقّد أوضاعهم الروحية والمادية وكفّ الأذى عنهم. وأدنى الصلة الصلة بالسلام, روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "صلوا أرحامكم ولو بالسلام"4 وأدنى الصلة المادية السقاء, روي عن الإمام جعفرالصادق عليه السلام: "صِلْ رَحِمَكَ ولو بشربة ماء"5.
ومن جملة الأمور التي يمكن بها الاستفادة من بركات الشهر المبارك التأكيد على التواصل مع الأرحام من خلال مأدبات إفطار الصائمين، فأَوْلى الناس بالدعوة ذوو الرحم من الأبناء والأهل والأخوة والأخوات والأقرب فالأقرب.
* كتاب وتزودوا في شهر الله، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- الأمالي، ص 154.
2- الأمالي، ص 155.
3- الكافي، ج2، ص 150.
4- الخصال، الشيخ الصدوق، ص613.
5- الكافي،ج2،ص 151.
الإمارات ومصر والسعودية والبحرين تقطع علاقاتها مع قطر
قطعت كل من السعودية والإمارات ومصر والبحرين علاقتها الدبلوماسية مع قطر، بعد اتهامها بدعم وإيواء الجماعات الإرهابية.
تدهورت علاقة قطر بجيرانها منذ الرابع والعشرين من الشهر الماضي عندما بثت وسائل الإعلام القطرية كلمة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد ملخصها الخطوط العامة للسياسة القطرية التي لا تتسق وكونها عضو في مجلس تعاون الخليج الفارسي وملتزمه بالخط العام لسياساته.
وجاء في كلمة الأمير التي بثت على وكالة الأنباء الرسمية والتلفزيون الرسمي أن: وجود قاعدة العديد الأميركية في بلاده سبب في حماية بلاده "من أطماع بعض الدول المجاورة"، مؤكدا أنها (القاعدة) "الفرصة الوحيدة لأميركا لامتلاك النفوذ العسكري بالمنطقة".
وأن لدى قطر تواصل مستمر مع إسرائيل، مشيرا إلى أن التوتر مع الولايات المتحدة لن يستمر "بسبب التحقيقات العدلية تجاه مخالفات وتجاوزات الرئيس الأميركي".
وعن علاقات بلاده مع إيران، أوضح أمير قطر أن "إيران تمثل ثقلا إقليميا وإسلاميا لا يمكن تجاهله"، وأن بلاده تحتفظ بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة وإيران في وقت واحد.
وأوضح في حديثه أن ليس من المصلحة التصعيد مع إيران خاصة أنها قوة كبرى تضمن الاستقرار في المنطقة. كما اعترف الشيخ تميم بان حزب الله اللبنانية حركة مقاومة.
وفي اليوم التالي، وبعد الضجة التي أحدثتها تصريحات الأمير، كونها تعبر تماما عن خط السياسة القطرية، أعلنت قطر أن موقع وكالة الأنباء تم اختراقه وليس هناك تصريحات للأمير وكانت وكالة الأنباء سحبت الكلمة بالفعل.
السیدة خدیجه (س)
السیدة خدیجه بنت خویلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصّی بن کلاب بن مرة بن کعب بن لؤی بن غالب بن فهر، جدّها «خویلد» کان بطلاً مغواراً دافع عن حیاض الکعبة المشرّفة فی یوم لا ینسى. والدتها «فاطمة» بنت زائدة بن أصمّ بن رواحة بن حجر بن عبد بن معیص بن عامر بن لؤی بن غالب بن فهر، کانت سیّدة جلیلة مشهود لها بالفضل والبرّ. إذن، فهذه السیّدة العظیمة خدیجة الکبرى سلام الله علیها تنتسب إلى قبیلة قریش، ویلتقی نسبها بنسب الرسول الأعظم صلى الله علیه وآله عند جدّها الثالث من أبیها، وعند جدّها الثامن من أمّها.
• أسماؤها وألقابها (علیها السلام)
للسیّدة خدیجة علیها السلام ألقاب کثیرة تعکس عظیم نبلها وشدید قدسها، من هذه الألقاب: الصدّیقة، المبارکة، أمّ المؤمنین، الطاهرة، الراضیة، المرضیة ...إلخ. کانت تعطف على الجمیع، وتحنو علیهم کأمّ رؤوم بأولادها، فکانت «أمّاً للیتامى»، و«أمّاً للصعالیک» و«أمّاً للمؤمنین»، وهی کوثر الخلق، وسمّیت أیضاً «أمّ الزهراء» أو ینبوع الکوثر.
• ملامح السیدة خدیجة فی مرآة الوحی
بعد عامین من بعثة الرسول صلى الله علیه وآله التی بدأت من بیت خدیجة، وفی طریق عودته من معراجه فی شهر ربیع الأول، جاءه أمین الوحی جبریل وقال له: «حاجتی أن تقرأ على خدیجة من الله ومنّی السلام»، وعندما أبلغ الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله زوجه خدیجة علیها السلام سلامَ الله تعالى، قالت: إنّ الله هو السلام، منه السلام وإلیه السلام.
فی إحدى الحملات الوحشیة لقریش انتشرت إشاعة اغتیال النبی الکریم صلى الله علیه وآله وسلم، فهامت السیّدة خدیجة علیها السلام على وجهها فی الودیان والصحاری المحیطة بمکة بحثاً عن حبیبها، وکانت الدموع تنهمر على خدیها، فما کان من جبریل إلا أن نزل على الرسول الأکرم وقال له: لقد ضجّت ملائکة السماء لبکاء خدیجة علیها السلام، أُدعُها إلیک وأبلغها سلامی وقل لها بأنّ ربّها یقرؤها السلام ویبشّرها بقصر فی الجنة، لا صخب فیه ولا نصب.
• خدیجة الکبرى عند الرسول الأعظم صلى الله علیه وآله
روی عن الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله أحادیث کثیرة فی مناقب السیّدة خدیجة علیها السلام، نسلّط الضوء على بعضاً منها:
1. یا خدیجة إنّ الله عزّوجلّ لیباهی بک کرام ملائکته کل یوم مرارا.
2. والله ما أبدلنی الله خیراً منها قد آمنت بی إذ کفر بی الناس، وصدَّقتنی إذ کذبنی الناس ، وواستنی بمالها إذ حرمنـی الناس، ورزقنی الله أولادها وحرمنی أولاد الناس.
3. خیر نساء العالمین: مریم بنت عمران، وآسیة بنت مزاحم، وخدیجة بنت خویلد وفاطمة بنت محمد صلى الله علیه وآله.
4. خیر نساء الجنة: خدیجة بنت خویلد، وفاطمة بنت محمد، ومریم بنت عمران، وآسیة بنت مزاحم (امرأة فرعون).
5. خدیجة سبقت جمیع نساء العالمین بالإیمان بالله وبرسوله.
6. أحببتها من أعماق فؤادی.
7. أحبّ من یحبّ خدیجة.
8. لم یرزقنی الله زوجة أفضل من خدیجة أبدا.
9. لقد اصطفى الله علیّاً والحسن والحسین وحمزة وجعفر وفاطمة وخدیجة على العالمین.
• السیّدة خدیجة فی أقوال العظماء
ونکتفی هنا بالإشارة إلى بعض أصحاب السیر والتراجم:
یقول ابن هشام صاحب المصنَّف الشهیر «السیرة النبویة»: خدیجة صاحبة النسب الکریم، والشرف الرفیع، والثروة والمال، وأحرص نساء قریش على صون الأمانة والتمسّک بالأصول الأخلاقیة والعفة والکرامة الإنسانیة، فهی التی تربّعت على قمة الشرف والمجد". والذهبی وهو رائد علم الرجال عند العامة یقول: "خدیجة، سیّدة نساء الجنة، حکیمة قریش، من قبیلة أسد، عظیمة القدر، ذات دین ومروءة وعزّة، من نساء الجنة وإحدى النساء اللائی تربّعن على قمة الکمال". ویقول ابن حجر العسقلانی فیها: "لقد صدّقت خدیجة بالرسالة فی اللحظات الأولى لبعثة الرسول الکریم صلى الله علیه وآله، وکان رسوخ إیمانها وثبات قدمها نابعین من یقین تام، وعقل راجح، وعزم راسخ. ویقول السهیلی الذی له تصانیف کثیرة فی السیر والمغازی: خدیجة سیدة نساء قریش، لقبّت بـ«الطاهرة» فی الجاهلیة والإسلام.
• أول سیّدة فی الإسلام
لقد کانت السیّدة خدیجة علیها السلام على دین أبیها إبراهیم علیه السلام وذلک قبل أن یُبعث الرسول الکریم صلى الله علیه وآله، وکانوا یُعرفون بالحنفاء، وقد آمنت فی الیوم الأول من بعثة المصطفى صلى الله علیه وآله، کما جاء فی الحدیث الشریف: أوّل من آمن بالنبی صلى الله علیه وآله من الرجال علی علیه السلام ومن النساء خدیجة علیها السلام.
عندما رجع الرسول الکریم صلى الله علیه وآله من غار حراء وهو ینوء بثقل الرسالة العظیمة، کانت السیّدة خدیجة علیها السلام فی استقباله حیث قالت له: أیّ نور أرى فی جبینک؟ فأجابها: إنّه نور النبوّة، ومن ثمّ شرح لها أرکان الإسلام، فقالت له: «آمنت وصدّقت ورضیت وسلّمت».
• أول سیّدة مصلّیة
کانت السیّدة خدیجة أول سیّدة فی الإسلام تصلّی، إذ أنّه لسنوات طویلة انحصر الإیمان بالدین الإسلامی بخدیجة علیها السلام والإمام علی علیه السلام، وکان الرسول الأعظم یذهب إلى المسجد الحرام ویستقبل الکعبة وعلی علیه السلام إلى یمینه وخدیجة خلفه، وکان هؤلاء الثلاثة هم النواة الأولى لأمّة الإسلام، وکانوا یعبدون معبودهم الواحد إلى جانب کعبة التوحید.
• أول سیّدة تأکل من فاکهة الجنّة
نعم، إنّها أول سیّدة مسلمة تأکل من فاکهة الجنّة حیث ناولها الرسول الأعظم صلى الله علیه وآله بیده الشریفة عنقوداً من عنب الجنّة.
• الزوجة الوحیدة
مبارک زواج النور من الطهر السیّدة خدیجة علیها السلام هی الزوجة الوحیدة من بین أزواج النبی الکریم صلى الله علیه وآله التی أنسلها واستمرّ نسلها الطاهر حتى یومنا هذا. لقد ارتأت المشیئة الإلهیة أن تکون السیّدة خدیجة وعاءً لأنوار الإمامة وضیائها. والرسول الکریم صلى الله علیه وآله فی معرض بیان عظم منزلة هذه السیّدة الجلیلة، نجده یخاطب ابنته الأثیرة على قلبه الزهراء البتول علیها السلام بقوله: یا ابنتی، إنّ الله تعالى جعل خدیجة وعاء لنور الإمامة. إنّ الرسول الأعظم صلى الله علیه وآله لم یتزوّج على السیّدة خدیجة فی حیاتها أبداً حتى ماتت، لقد کانت کوثر النبوة الصافی أفاضت على العالمین بما یقرب من 80 ملیون سیّداً علویاً جمیعهم ینتمی إلى الدوحة المحمدیة الوارفة، وهم مظاهر الخیر العمیم ومصادیق الکوثر الوفیر، عطایا الرحمن لحبیبه خیر الأنام وسیّد البشر النبی المصطفى صلوات الله علیه وعلى آله. فی اللحظات الختامیة من عمر هذه السیّدة الجلیلة، بشّرها زوجها الحانی بأنّها ستکون زوجه فی الجنّة أیضاً.
• حکیمة قریش والزواج
اشتهرت السیّدة خدیجة علیها السلام بالجمال والکمال والثروة والشرف الرفیع والعلم والحلم وصلابة فی اتّخاذ القرار، ودقة فی الرأی، ورأی سدید، وعقل راجح وفکر صائب، ومن الطبیعی أنّ من تجتمع لها صفات الکمال والفضل یتسابق الرجال إلى خطبتها والزواج بها، وهذا ما کان مع السیّدة خدیجة حیث سارع رؤوس بنی هاشم وأقطابها، لا بل وصل الأمر إلى ملوک الیمن وأشراف الطائف، الذین سعوا عبر إغداق الأموال والهدایا للفوز بقلبها، والتربّع على قمّة الشرف والمجد، لکنّها خذلتهم جمیعاً، ووقع اختیارها على أمین قریش ومؤتمنها لکی یفوز بقلبها.
وتدخل غرفة الرسول العظم فی بیت االسیدة خدیجة شرح السیّدة خدیجة علیها السلام سبب هذا الاختیار بالقول:
«یا بن عمّ إنّی رغبت فیک لقرابتک منّی وشرفک من قومک وأمانتک عندهم وصدق حدیثک وحسن خلقک». کما أفشت بسرّ هذا الاختیار إلى صفیّة بقولها: «إنّی قد علمت أنّه مؤیّد من ربّ العالمین». لقد استشارت السیّدة خدیجة علیها السلام سیّدة أخرى جلیلة فی هذا الأمر حتى ذهبت بمعیّتها إلى الرسول الکریم صلى الله علیه وآله وعرضت علیه الزواج قائلة: لقد اخترت لک امرأة من قریش، فأجاب الرسول العظیم: ومن تکون؟ فقالت السیّدة خدیجة: هی مملوکتک خدیجة.
• الخطبة والزواج
حضر هذه المراسیم أبو طالب علیه السلام وکان أول المتکلمین إذ ألقى خطبة ذکر فیها عظمة منزلة النبی الکریم صلى الله علیه وآله وشرفه وفضله، ثمّ خطب خدیجة للنبی من والدها خویلد، الذی خیّرها، بعدها استأذنت خدیجة عمّها «عمرو بن أسد» کبیر قومه، فأعلنت موافقتها وقالت بأنّ مهرها سیکون من مالها. ثم قام عمّها فخطب فی الحاضرین خطبة بلیغة ختمها بقوله: زوّجناها ورضینا به. بعد ذلک أعلنها على الملأ بکل صراحة: من ذا الذی فی الناس مثل محمد. وقال خویلد فی مراسیم الخطبة: یا معشر العرب، لم تظلّ السماء ولم تقلّ الأرض رجلاً أفضل من محمد، فاشهدوا أنّی أنکحته ابنتی وأنّی لأفخر بهذا الارتباط المقدّس.
بعد ذلک أرسلت السیّدة خدیجة علیها السلام إلى أبی طالب أموالاً وأغناماً وقواریر العطور وأنواع اللباس لیعدّ لولیمة العرس. ولم یأل أبو طالب علیه السلام جهداً فی التحضیر لأعظم مأدبة، حیث أطعم أهالی مکة وأطرافها لثلاثة أیام متتالیة. وکانت أول ولیمة یعدّها الرسول الأعظم صلى الله علیه وآله.
• ثروة السیّدة خدیجة (ع)
لسنوات طویلة کانت القوافل التجاریة للسیّدة خدیجة علیها السلام من أکبر قوافل قریش، وقد ربحت من تجارتها ثروات طائلة، وضعتها جمیعها تحت تصرّف الرسول الکریم صلى الله علیه وآله، لینفقها فیما یراه مناسباً. یقول العلامة المامقانی: لقد وصلنا بالتواتر عن الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله أنّه قال: ما قام الدین إلاّ باثنتین: سیف علیّ وأموال خدیجة.
• حکمة السیّدة خدیجة
خدیمة الکبرى أم الأئمة الأطهاریکفی فی رجاحة رأیها وصلابة فکرها ما رواه المؤرّخون من أنّ النبی الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم کان یشاورها فی جمیع أموره.
کان علیه الصلاة والسلام یتطلّع إلى أن تُسلم قریش لتنجو من عذاب الله وسخطه، فکان یجابه بعنادهم ورفضهم وإصرارهم على باطلهم، فیعتصر قلبه الشریف ألماً وحزناً، فی تلک اللحظات العصیبة کان یلجأ إلى بیت العطف والرسالة فیشکو بثّه ومعاناته إلى زوجه وشریکة همّه السیّدة خدیجة علیها السلام، فکانت تواسیه وتشدّ من أزره بکلماتها الحکیمة ونظرات العطف والحنان، فتسکن من آلامه وأحزانه.
فی مراحل الشدّة والمشقة والحصار الاقتصادی فی شعب أبی طالب، کان لأموال السیّدة خدیجة علیها السلام الدور الکبیر والحاسم فی التخفیف من آثار الحصار الجائر الذی فرض على آل أبی طالب، فکانت هذه السیدة الجلیلة تشیع الأمل والفرح فی قلوب القوم وترفع الحزن والشقاء عن کاهلهم. وعلى الرغم من أنّ الله تعالى کان سنداً وظهیراً لنبیه الکریم ولم یقطع عنه حبل کرمه ولطفه طیلة تلک الفترة العصیبة، إلاّ أنّ وجه السیّدة خدیجة علیها السلام المضیء والمشرق، ونظراتها المتفائلة کانت تجعله أکثر إصراراً وعزماً على مواجهة قدره والاستعداد لأیّام أصعب وأقسى.
• أصداف الکوثر
رزقت السیّدة خدیجة علیها السلام من الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله ولدین هما القاسم وعبد الله، وبنت واحدة، فاختطف الموت ولدیه وهما صغیران وأبقى على بضعته کوثر الخلق ووالدة أئمة النور والهدى الأحد عشر، سیدة النساء الزهراء البتول علیها السلام. یتّفق أهل السیر والمؤرخین على أنّ الرسول الکریم صلى الله علیه وآله أنجب من السیّدة خدیجة علیها السلام وماریة القبطیة فقط، حیث أنجبت الأخیرة له ابنه «إبراهیم» الذی فارق والده المکرّم وهو فی الثالثة من عمره.
سيرة الإمام الخميني (ره)
الإمام الخميني من الولادة إلى الرحيل
في يوم العاشر من جمادي الثاني سنة 1320هـ.ق الموافق للثلاثين من شهريور عام 1281هـ.ش (24 أيلول 1902م) رأى النور في هذا العالم رجل كبير اسمه روح الله الموسوي الخميني، ولد لعائلة من أهل العلم والهجرة والجهاد من ذرية السيدة الزهراء الطاهرة (سلام الله عليها)، وذلك في مدينة خمين من توابع المحافظة المركزية في إيران.
ورث روح الله سجايا آبائه وأجداده الذين عملوا جيلاً بعد جيل في إرشاد الناس وهدايتهم وتحصيل العلوم والمعارف الإلهية، فكان والده الجليل المرحوم آية الله السيد مصطفى الموسوي من معاصري المرحوم آية الله العظمى الميرزا الشيرازي (رض) وقد أمضى عدة سنين في النجف الأشرف للاستزادة من العلوم والمعارف الإسلامية نال إثرها درجة الاجتهاد وقفل راجعاً إلى إيران فأقام في خمين ليكون هناك ملاذاً للناس ومرشداً وهادياً لهم في شؤونهم الدينية. لم يكن قد مضى على ولادة روح الله أكثر من خمسة شهور، حينما انبرى الطواغيت والاقطاعيون المدعومون من قبل الحكومة آنذاك فردّوا بالرصاص على نداء الحق والعدالة الذي أطلقه والده حين تصدى لعسفهم وجورهم، فنال وسام الشهادة على أيديهم وهو في طريقه من خمين إلى أراك. توجه أقارب الشهيد إلى طهران (عاصمة الحكومة) للمطالبة بتطبيق حكم القصاص الإلهي في حق قاتله، وأصروا على تنفيذ العدالة إلى أن تم لهم ما أرادوا ونفّذ القصاص بحق القاتل. وهكذا خبر الإمام الخميني منذ نعومة أظفاره آلام اليتم وتعرف على معنى الشهادة وأريجها. قضى الإمام الخميني أوان طفولته وصباه في ظل رعاية والدته المؤمنة (السيدة هاجر) وهي بدورها من بيت علم وتقوى وإحدى حفيدات المرحوم آية الله الخوانساري (صاحب زبدة التصانيف) وكذلك في كنف عمته الكريمة (صاحبة خانم) التي كانت سيدة تميزت بالشجاعة وطلب الحق، لكنه عاد ليُحرم حنان هاتين المرأتين العزيزتين في سن مبكرة حينما كان في الخامسة عشرة.
الهجرة إلى قم، الدروس التكميلية، وتدريس العلوم الدينية
بعد فترة من هجرة آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي (رحمة الله عليه) إلى مدينة قم في النيروز من عام 1300 هـ.ش (1921م) الموافق لرجب المرجب سنة 1340هـ.ق، توجه الإمام الخميني بدوره إلى الحوزة العلمية في قم، واجتاز بسرعة مراحل الدراسات التكميلية في العلوم الدينية لدى أساتذة تلك الحوزة، و يمكن الإشارة هنا إلى دراسته تتمة مباحث كتاب »المطول« في علم المعاني والبيان على يد المرحوم آقا ميرزا محمد علي أديب تهراني، وتكميل درس السطوح عند المرحوم آية الله السيد محمد تقي الخوانساري، ومن قبله المرحوم آية الله السيد علي يثربي كاشاني، ودروس الفقه والأصول عند زعيم حوزة قم آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي (رضوان الله عليهم أجمعين). بعد وفاة آية الله العظمى الحائري اليزدي، أثمرت جهود الإمام الخميني وثلة من المجتهدين في حوزة قم العلمية، فتوجه آية الله العظمى السيد حسين البروجردي (رض) إلى قم زعيماً لحوزتها العلمية. في ذلك الحين كان الإمام الخميني أحد الأساتذة والمجتهدين المعروفين الضالعين في الفقه والأصول والفلسفة والعرفان والأخلاق، إذ درّس طوال سنوات متمادية دورات عديدة من الفقه، والأصول، والفلسفة، والعرفان، والأخلاق الإسلامية في الفيضية، ومسجد أعظم، ومسجد محمدية، ومدرسة الحاج ملا صادق، ومسجد سلماسي، و... كما درّس الفقه ومعارف أهل البيت على أرفع المستويات طوال 14عاماً في مسجد الشيخ الأعظم الأنصاري (ره) في النجف الأشرف، وفي النجف أيضاً طرح لأول مرة المرتكزات النظرية للحكومة الإسلامية ضمن سلسلة دروس ولاية الفقيه.
في خندق الكفاح والنهضة
كان لروح الكفاح والجهاد في سبيل الله جذورها في الرؤية العقيدية والتربوية والبيئة العائلية والظروف السياسية والاجتماعية التي عاشها الإمام الخميني طوال فترة حياته. إنطلق نشاطه النضالي منذ فترة شبابه الأولى وتكامل بتكامل أبعاد شخصيته الروحية والعلمية من ناحية، وتطور الواقع السياسي والاجتماعي في إيران والمجتمعات الإسلامية من ناحية ثانية. وكانت لائحة الولايات والإمارات التي أطلقتها الحكومة الإيرانية في سنة 1961 و1962م فرصةً مناسبة ليمارس الإمام الخميني دوره في قيادة الثورة وعلماء الدين، وبهذا اندلعت انتفاضة الشعب وعلماء الدين الشاملة في 15 خرداد 1342ش (5/6/1963م) بسمتيها البارزتين: قيادة الإمام الخميني الواحدة، وإسلامية شعاراتها ودوافعها وأهدافها، وكانت بدايةً لفصل جديد من كفاح الشعب الإيراني الذي عرف في العالم لاحقاً باسم الثورة الإسلامية.
يسرد الإمام الخميني ذكرياته عن الحرب العالمية الأولى حينما كان حدثاً في الـ 12 من عمره فيقول: »أتذكر كلا الحربين العالميتين... كنت صغيراً لكنني في المدرسة، وكنت أرى الجنود الروس في نفس المركز الذي كنا نرتاده في مدينة خمين، وكنا عرضة للهجوم والعدوان في الحرب العالمية الأولى«.
يذكر الإمام الخميني في مناسبة أخرى أسماء بعض الإقطاعيين والجائرين الذين سطوا على أموال الناس وأعراضهم في ظل دعم الحكومة المركزية، فيقول: »كُنت في حالة حرب منذ طفولتي... كنا عرضة لاعتداءات أمثال "زلقي" و"رجب علي"، وكنا نحمل البنادق بأنفسنا، وأنا شخصياً مع أني كنت في بداية سن البلوغ، أو كنت طفلاً، لكنني كنت أذهب للخنادق المقامة في منطقتنا حيث كان الأعداء ينوون الهجوم علينا ونهبنا، كنت أذهب وأتنقل بين الخنادق«.
إنقلاب رضا خان في الثالث من أسفند 1299ش (22/2/1921م) الذي أعد له ودعمه الإنجليز كما تشير الوثائق التاريخية الدامغة، مع أنه أنهى عهد الحكومة الملكية القاجارية وقوّض إلى حد ما من حكومة ملوك الطوائف التي صال وجال فيها الإقطاعيون والشقاة على نحو مضطرب فوضوي، لكنه في مقابل ذلك كرّس حكماً دكتاتورياً تسلطت فيه العائلة الكبرى على مصير الشعب الإيراني المظلوم، وتولّت العائلة البهلوية بمفردها الدور الذي كان يمارسه الإقطاعيون والشقاة قبل ذلك.
كان علماء الدين الإيرانيون بعد أحداث ثورة الدستور عرضةً، من ناحية، لهجمات متتالية تشنها ضدهم الحكومات المركزية الإيرانية العميلة للإنجليز، وهدفاً، من ناحية ثانية، لهجمات واعتداءات المستنيرين التغريبيين. في مثل هذه الظروف العصيبة هبّ رجال الدين للدفاع عن الإسلام والحفاظ على وجودهم وكيانهم. فهاجر آية الله العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري من أراك إلى قم بدعوة من علمائها.
بعد مدة وجيزة وظّف الإمام الخميني موهبته الاستثنائية لاجتياز دروس المقدمات والسطوح في حوزات خمين وأراك بسرعة ملحوظة وانتقل عقب ذلك إلى قم فساهم عملياً في تكريس مكانة الحوزة الفتية في هذه المدينة. ولم يمض وقت طويل حتى ذاع صيته في عداد الفضلاء المميزين الذي احتضنتهم هذه الحوزة في حقول العرفان والفلسفة والفقه والأصول. بعد وفاة آية الله العظمى الحائري (10 بهمن 1315ش 30/1/1937م) تعرضت الحوزة العلمية في قم لخطر الانهيار والتلاشي، فهب العلماء الملتزمون لعلاج هذه المعضلة، وتولّى آيات الله العظام السيد محمد حجت، والسيد صدر الدين الصدر، والسيد محمد تقي الخوانساري (رضوان الله عليهم) مهمة الإشراف على حوزة قم لمدة ثمانية أعوام. أبان هذه المدة، ولاسيما بعد سقوط رضاخان، توفرت الظروف اللازمة لقيام مرجعية عظمى في حوزة قم، وكان آية الله العظمى البروجردي شخصية علمية مميزة بوسعها تمثيل البديل المناسب للمرحوم الحائري من أجل الحفاظ على كيان الحوزة. لذلك توبع هذا الاقتراح بكل جد وإسراع من قبل تلاميذ آية الله الحائري ومنهم الإمام الخميني الذي بذل جهوداً حثيثة في دعوة آية الله البروجردي للانتقال إلى قم وتقبل المسؤولية الخطيرة لزعامة الحوزة. كان الإمام الخميني يراقب الظروف السياسية للمجتمع والوضع القائم في ا لحوزات بكل دقة، ويزيد من معارفه ومعلوماته السياسية عن طريق القراءة المتواصلة لكتب التاريخ المعاصر والمجلات والصحف التي كانت تصدر آنذاك، مضافاً إلى زياراته لطهران وحضوره عند شخصيات كبيرة نظير أية الله المدرس. وفي ضوء معارفه السياسية هذه كان يدرك إدراكاً عميقاً أن كوة الأمل الوحيدة للتحرر والخلاص من ظروف الذل التي هيمنت بعد إخفاق الثورة الدستورية وفرض رضا خان حاكماً على إيران، هي يقظة الحوزات العلمية وضمان حياتها والصلة الروحية للناس برجال الدين. ولأجل متابعة أهدافه القيمة هذه أعد الإمام الخميني في سنة 1328ش (1949م) مشروع إصلاح بنية الحوزة العلمية بالتعاون مع آية الله مرتضى الحائري، واقترح هذا المشروع على آية الله البروجردي. بادر تلاميذ الإمام وطلاب الحوزة الواعون للترحيب بهذا المشروع ودعمه. وكان النظام الحاكم قد أخطأ في حساباته، ففي السادس عشر من مهر 1341ش (8/10/1962م) صادقت حكومة أمير أسد الله علم على لائحة »اتحادات الولايات والإمارات« التي أُريد لها أن تغيّر بعض الضوابط السابقة الخاصة بالمقترعين والمرشحين ومنها أن يكونوا مسلمين، وأن يُقسموا بالقرآن، وأن يكونوا ذكوراً. كان منح حق الانتخاب للمرأة غطاءً لإخفاء أهداف أخرى. وإلغاء أو تغيير الشرطين الأول والثاني كان يرمي تحديداً لتكريس وجود العناصر البهائية في مرافق البلاد المهمة. دعم الشاه للكيان الصهيوني عبر تطوير العلاقات بين إيران وإسرائيل كان الشرط اللازم لدعم أمريكا للشاه، وتغلغل أتباع الفرقة البهائية المرتبطة بالاستعمار في السلطات الإيرانية الثلاث من شأنه تحقيق هذا الشرط. بمجرد أن ذاع خبر المصادقة على هذه اللائحة اجتمع الإمام الخميني للتشاور مع كبار علماء قم وطهران ثم أعلن معارضته الأكيدة والشاملة لها. وقد كان دور الإمام في تسليط الضوء على الأهداف الحقيقية لنظام الشاه والتذكير بالرسالة الخطيرة لعلماء الدين والحوزات العلمية مؤثراً وفاعلاً جداً في تلك الظروف. البرقيات ورسائل الاعتراض المفتوحة التي بعثها العلماء للشاه وأسد الله علم أثارت تياراً هائلاً من الدعم لتحركات الإمام الخميني بين مختلف شرائح الشعب الإيراني. كانت البرقيات التي بعثها الإمام الخميني للشاه ورئيس الوزراء شديدة اللهجة وتشتمل على كثير من التحذير. جاء في أحد هذه البرقيات: » إنني أنصحك مرة أخرى بالعودة لطاعة الله والخضوع للدستور والخوف من العواقب الوخيمة للتنكر للقرآن وأحكام علماء الأمة وزعماء المسلمين والحياد عن الدستور، فلا تلقِ بالبلاد في الخطر متعمداً ومن دون سبب، وإلا فلن يتجنب علماء الإسلام إبداء آرائهم فيك«.
وهكذا كانت تجربة اتحادات الولايات والإمارات تجربة انتصار قيمة للشعب الإيراني، خصوصاً لأنه عرف من خلالها سمات شخصية جديرة بقيادة الأمة الإسلامية من كل النواحي. رغم هزيمة الشاه في قضية الاتحادات، إلا أن ضغوط أمريكا لتمرير إصلاحاتها لم تنقطع. لذلك أذاع الشاه في شهر دي 1341ش (بداية شتاء 1963م) مبادئه الإصلاحية الستة وأعلن الاستفتاء العام عليها. فعاد الإمام الخميني لمناشدة مراجع الدين وعلماء الأمة في قم للاجتماع والتفكير في حل. وباقتراح من الإمام الخميني تمّت مقاطعة الاحتفال بعيد النيروز التراثي في بداية العام الشمسي 1342ش (آذار 1963م) اعتراضاً على خطوات النظام هذه. في البيان الذي أصدره الإمام وصف الثورة البيضاء التي أطلقها الشاه بأنها ثورة سوداء، وفضح تماشي الشاه مع الأهداف الأمريكية والإسرئيلية. من جهة، كان الشاه قد طمأن الساسة في واشنطن بشأن استعداد المجتمع الإيراني لتطبيق الإصلاحات الأمريكية، وأطلق على هذه الإصلاحات اسم (الثورة البيضاء)، لذا شق عليه كثيراً أن يعارضه علماء الدين. في تجمع جماهيري كبير وصف الإمام الخميني وبكل شجاعة الشاه بأنه الأداة الرئيسية للجرائم التي ترتكب في البلاد وأنه حليف لإسرائيل ودعا الجماهير إلى الثورة. وفي كلمته يوم 12 فروردين 1342ش (1/4/1963م) انتقد بشدة صمت علماء قم والنجف وسائر البلاد الإسلامية حيال جرائم النظام الجديدة وقال: »إن الصمت اليوم مواكبةٌ للنظام المتجبّر«. وفي اليوم التالي أي 13 فروردين 1342ش (2/4/1963م) أصدر بيانه المعروف تحت عنوان »محبة الشاة معناها النهب والغارة«. وهنا، يجب البحث عن سر التأثير المذهل لنداءات الإمام وكلامه في نفوس مخاطبيه والذي يصل حدود التضحية والفداء بأرواحهم، يجب البحث عنه في أصالة تفكيره، وصلابة رأيه، وصدقه الخالص مع الشعب.
ابتدأ عام 1342ش بمقاطعة احتفالات عيد النيروز واصطبغ بدماء المظلومين في المدرسة الفيضية. كان الشاه مصراً على تطبيق الإصلاحات التي تريدها أمريكا، بينما بقي الإمام ثابتاً على توعية الشعب واستنهاضه ضد التدخل الأمريكي وخيانات الشاه. في 14 فروردين 1342ش (3/4/1963م) بعث آية الله العظمى الحكيم من النجف برقية للعلماء والمراجع في إيران طالباً منهم الانتقال بشكل جماعي إلى النجف. أطلق هذا الاقتراح حفاظاً على أرواح العلماء وكيان الحوزات، لكن الإمام الخميني بعث جواب برقية آية الله العظمى الحكيم دون أي اكتراث لهذه التهديدات مؤكداً فيه أن الهجرة الجماعية للعلماء وإخلاء الحوزة العلمية في قم ليس من المصلحة إطلاقاً. وفي 12/2/1342ش (2/5/1963م) أصدر الإمام الخميني بياناً بمناسبة أربعينية فاجعة المدرسة الفيضية مشدداً فيه على ضرورة مواكبة علماء الدين والشعب الإيراني لرؤساء البلدان الإسلامية والعربية في مواجهة إسرائيل الغاصبة، وإدانة المعاهدات بين الشاه وإسرائيل.
انتفاضة 15 خرداد (5 حزيران 1963م)
وحل شهر المحرم ليصادف شهر خرداد من عام 1342ش، فاستثمر الإمام الخميني هذه الفرصة لإثارة الشعب ضد نظام الاستبداد الشاهنشاهي، ففي عصر يوم عاشوراء 13 خرداد سنة 1342ش (3/6/1963م) ألقى الإمام كلمته التاريخية التي اشعلت شرارة انتفاضة 15 خرداد، وقال فيها بصوت عال يخاطب الشاه: »أنا أنصحك يا سيد، أيها السيد الشاه، يا حضرة الشاه، أنا أنصحك أن تقلع عن هذه الأعمال، إنهم يخدعونك يا سيد. أنا لا أرغب أن يرفع الجميع أيديهم بالشكر إذا أرادوا أن تسقط وتغادر... إذا أملوا شيئاً وأعطوه لك وقالوا لك اقرأه ففكّر فيه قليلاً... إسمع نصيحتي... ما العلاقة بين الشاه وإسرائيل حتى يقول مجلس الأمن: لا تذكروا إسرائيل بسوء... وهل الشاه إسرائيلي؟! «
أصدر الشاه أوامره بإخماد الانتفاضة. بدايةً، أُلقي القبض على عدد كبير من أنصار الإمام الخميني ليلة 14 خرداد، وفي الساعة الثالثة بعد منتصف الليل (فجر الخامس عشر من خرداد) حاصر المئات من قوات الكوماندوز الموفدين من طهران منـزل الإمام وألقوا القبض عليه وهو يصلي صلاة الليل، ونقلوه إلى طهران ليسجن في معتقل نادي الضباط، ثم نقلوه غروب ذلك اليوم إلى سجن (قصر). وكان أن وصل نبأ اعتقال قائد الثورة إلى طهران ومشهد وشيراز وسائر المدن صبيحة يوم 15خرداد فسادتها أجواء مماثلة لأجواء قم. يروي الجنرال حسين فردوست أحد أقرب الندماء الملازمين للشاه في مذكراته أنهم أستخدموا تجارب وخدمات خيرة العناصر السياسية والأمنية الأمريكية لقمع الانتفاضة، ويتحدث كذلك عن الاضطراب الذي خيّم على الشاه والبلاط وأمراء الجيش والسافاك في هذه الساعات، وأوضح في مذكراته كيف أن الشاه وجنرالاته كانوا يصدرون أوامر القمع كأنهم مجانين. بعد 19 يوماً من اعتقاله في سجن (قصر) نقل الإمام الخميني إلى مقر (عشرت آباد) العسكري. وباعتقال قائد النهضة وارتكاب المجازر الوحشية ضد الجماهير في يوم 15 خرداد 1342ش، كانت الانتفاضة قد أُخمدت على ما يبدو. إمتنع الإمام الخميني في السجن عن الإجابة على أسئلة المحققين بكل شجاعة وبإعلانه أنه يعتبر الهيئة الحاكمة في إيران وسلطتها القضائية غير قانونية وتفتقر للصلاحية. في مساء 18/1/1343ش (7/4/1964م) أطلق سراح الإمام دون سابق إشعار ونقل إلى قم، وبمجرد أن علمت الجماهير بالنبأ عمت الفرحة كل أرجاء المدينة وأقيمت احتفالات كبرى في المدرسة الفيضية وأماكن أخرى تواصلت لعدة أيام. وبعد فترة تم إحياء الذكرى الأولى لانتفاضة 15 خرداد بإصدار بيان مشترك للإمام الخميني وباقي مراجع التقليد وبيانات منفصلة أخرى أصدرتها الحوزات العلمية أعلن فيها هذا اليوم يوم عزاء عام. في يوم 4 آبان 1343ش (26/10/1964م) أصدر الإمام الخميني بياناً ثورياً كتب فيه: »لتعلم الدنيا أن كل مشكلة يعاني منها الشعب الإيراني والشعوب المسلمة إنما هي بسبب الأجانب وعلى رأسهم أمريكا. الشعوب المسلمة تكره الأجانب عموماً وأمريكا على الخصوص... أمريكا هي التي تدعم إسرائيل وأنصار إسرائيل. أمريكا هي التي تقوّي إسرائيل كي تشرِّد العرب المسلمين«. الحقائق التي كشفها الإمام للناس ضد لائحة الكوبيتولاسيون (الحصانة القضائية) وضعت إيران في آبان سنة 1343ش (خريف 1964) على أعتاب انتفاضة ثانية. في فجر 13 آبان 1343ش (4/11/1964م) هجمت قوات الكوماندوز الموفدة من طهران مرة ثانية على بيت الإمام الخميني في قم وحاصرته. والعجيب أن ساعة الاعتقال صادفت كما في المرة السابقة وقت تضرع الإمام وعبادته الليلية. اعتقل الإمام الخميني ونقلته قوات الأمن مباشرة إلى مطار مهرآباد في طهران، وأقلته من هناك طائرة عسكرية أعدت من قبل إلى العاصمة التركية أنقرة برفقة عناصر من الأمن والعسكر. وفي عصر ذلك اليوم نشر السافاك في الصحف خبر نفي الإمام بتهمة التآمر ضد أمن البلاد (!) ورغم أجواء القمع والإرهاب إلا أن رياح الاعتراض هبت بقوة على شكل مظاهرات في سوق طهران وعطلة طويلة في دراسة الحوزات العلمية وإرسال طومارات ورسائل للمنظمات الدولية ومراجع التقليد. استمرت إقامة الإمام في تركيا 11 شهراً قمع نظام الشاه خلالها بقايا المقاومة والمعارضة في إيران بكل قوة، وبادر بسرعة لتنفيذ الإصلاحات التي ترغبها أمريكا منتهزاً غياب الإمام. وكان الإمام قد استغل إقامته الإجبارية هناك لتدوين رسالته العملية الكبيرة التي حملت عنوان (تحرير الوسيلة).
نفي الإمام الخميني (ره) من تركيا إلى العراق
في يوم 13 مهر 1344ش (5/10/1965م) توجه الإمام الخميني بصحبة ابنه آية الله السيد مصطفى الخميني من تركيا إلى منفاه الثاني في العراق. بعد وصول الإمام الخميني إلى بغداد سارع لزيارة مراقد الأئمة الأطهار (ع) في الكاظمية وسامراء وكربلاء، لينتقل بعد أسبوع إلى محل إقامته الرئيس في مدينة النجف الأشرف. فترة إقامة الإمام في النجف التي استمرت 13 عاماً ابتدأت في ظروف مع إنها لم تسجِّل ضغوطاً وقيوداً واضحةً من قبل إيران وتركيا على الإمام الخميني، لكن المعارضات والمشاكسات والغمز واللمز لا من قبل جبهة الأعداء الحقيقيين بل من قبل المتمظهرين بلباس رجال الدين وطلاب الدنيا المتسترين بأزياء العلم والحوزة كان قد أتسع وتفاقم إلى درجة أن الإمام رغم كل ما أوتي من صبر واحتساب اشتهر بهما ذكر ظروف الكفاح في تلك الأعوام بكل مرارة. إلا أن أياً من هذه الصعاب والمحن لم تتمكن من ثنيه عن المسار الذي اختاره بكل وعي. بدأ الإمام دروس البحث الخارج في الفقه رغم كل الاعتراضات والعراقيل التي افتعلتها العناصر المغرضة بتاريخ آبان 1344ش (11/1965م) في مسجد الشيخ الأنصاري (ره) بالنجف الأشرف، واستمرت هذه الدروس حتى مغادرته العراق إلى باريس. وكانت دروسه من أبرز وأفضل الدروس نوعياً وكمياً في حوزة النجف. منذ بداية وصوله إلى النجف بعث الإمام الخميني رسائل ونواباً إلى إيران كي يحافظ على تواصله مع المجاهدين والمعارضين وكان يدعوهم في كل مناسبة إلى الصمود في متابعة أهداف ثورة 15 خرداد. طوال كل فترة النفي التي حفلت بشتى صنوف المحن والمرارات لم يتخل الإمام عن الكفاح والنضال إطلاقاً وأبقى الأمل بالانتصار حياً في القلوب عبر ما كان يوجهه من نداءات وما يلقيه من خطابات. في حوار له مع ممثل منظمة فتح الفلسطينية بتاريخ 19 مهر 1347ش (11/10/1968م) شرح وجهات نظره حول قضايا العالم الإسلامي وجهاد الشعب الفلسطيني وأفتى في هذا الحوار بوجوب تخصيص مقدار من أموال الزكاة للمجاهدين الفلسطينيين.
في مطلع سنة 1348ش (آذار 1969م) تفاقمت حدة الخلافات بين نظام الشاه وحزب البعث في العراق حول الحدود المائية بين إيران والعراق فأخرج النظام العراقي عدداً من الإيرانيين المقيمين في العراق بأساليب وظروف جد سيئة، وحاول حزب البعث كل جهده أن يستغل عداء الإمام الخميني للنظام الإيراني. كانت أربعة أعوام من الجهود التنويرية والعلمية التي بذلها الإمام قد استطاعت إلى حد ما تغيير المناخ في حوزة النجف. وفي سنة 1969كان هناك فضلاً عن المجاهدين الكثر في داخل إيران أنصار غير قليلين للإمام الخميني في العراق ولبنان وسائر البلاد الإسلامية يعدون النهضة الخمينية نموذجاً صالحاً لهم.
الإمام الخميني (ره) ومواصلة النهضة (1970 - 1977م)
في النصف الثاني من سنة 1971م تصاعدت شدة الخلاف بين النظام البعثي العراقي وشاه إيران ما أدى إلى طرد وتشريد الكثير من الإيرانيين المقيمين في العراق. فبعث الإمام الخميني برقية لرئيس الجمهورية العراقية أدان فيها ممارسات نظامه بشدة. ولأجل إعلان معارضته لهذه الظروف والأحوال قرر الإمام مغادرة العراق، لكن حكام بغداد تنبهوا إلى تبعات هجرة الإمام من العراق فلم يسمحوا له بمغادرة العراق في ذلك الظرف. في الذكرى السنوية لانتفاضة 15 خرداد، 5 حزيران 1975م شهدت المدرسة الفيضية تارةً أخرى انتفاضة طلبتها الثوريين، وتواصلت هتافات (يعيش الخميني) و(الموت للدولة البهلوية) يومين كاملين. وقبل هذا كانت المنظمات المسلحة المعارضة للشاه قد أُبيدت وأودعت الشخصيات الدينية والسياسية المناضلة في السجون. ومواصلة لسياساته المعادية للدين غيّر الشاه في أسفند 1354ش (أذار 1976م) بكل وقاحة التاريخ الرسمي للبلاد من هجرة النبي الأكرم (ص) إلى بداية حكم الدولة الأخمينية. فبادر الإمام لإصدار فتوى شديدة حرم فيها استخدام هذا التاريخ الشاهنشاهي عديم الأساس، ورحب الشعب الإيراني بمقاطعة هذا التاريخ الوهمي كما رحب بمقاطعة حزب رستاخيز (البعث) فكانت هاتان الخطوتان فضحيةً لنظام الشاه ما اضطره للتراجع وإلغاء التاريخ الشاهنشاهي في سنة 1978م.
تصاعد الثورة الإسلامية سنة 1977م
الإمام الخميني الذي كان يتابع التطورات الجارية في إيران والعالم بكل دقة استثمر الفرصة التي سنحت فأعلن في نداء له في مرداد (آب 1977م): »الآن وبفضل الوضع في داخل إيران وخارجها، وإنعكاس جرائم النظام في المحافل والصحف الأجنبية، تتوفر فرصة يجب أن تستثمرها الأوساط العلمية والثقافية والشخصيات الوطنية والطلبة خارج البلاد وداخلها والاتحادات الإسلامية أينما كانت فينهضوا جميعاً بشكل علني«.
استشهاد نجل الإمام آية الله السيد مصطفى الخميني في الأول من آبان 1356ش (23/10/1977م) وإقامة مراسم حافلة لتأبينه في إيران كانت نقطة البداية لانتفاضة أخرى فجرتها الحوزات العلمية والمجتمع الديني في إيران. وقد وصف الإمام الخميني تلك الحادثة في حينها بأنها من الألطاف الإلهية الخفية. نشر نظام الشاه مقالاً مهيناً ضد الإمام في صحيفة اطلاعات لينتقم منه، وأدت الاعتراضات على هذا المقال لانتفاضة 19 دي في قم سنة 1356ش (9/1/1978م) حيث سقط عدد من الطلبة الثوريين مضمخين بدمائهم. ورغم كل ما اقترفه الشاه من مجازر جماعية لكنه لم يستطع إخماد مشعل الثورة المتقد.
هجرة الإمام (ره) من العراق إلى باريس
في لقاء وزيري خارجية إيران والعراق في نيويورك تقرر إخراج الإمام الخميني من العراق. في يوم 2/7/1357ش (24/9/1978م) حوصر بيت الإمام في النجف من قبل عناصر الأمن البعثية في العراق، فأثار النبأ غضباً واسعاً لدى الجماهير المسلمة في إيران والعراق وبلدان أخرى. في 12/7/1357ش (4/10/1978م) غادر الإمام النجف نحو الحدود العراقية الكويتية فرفضت الحكومة الكويتية بإيعاز من نظام الشاه دخول الإمام إلى أراضيها. كانت هناك أحاديث سابقة عن سفر الإمام إلى لبنان او سورية لكنه بعد استشارة نجله حجة الإسلام السيد أحمد الخميني قرر التوجه إلى باريس التي وصلها يوم 14/7/1357ش (6/10/1978م) وبعد يومين أقام الإمام في بيت أحد الإيرانيين في منطقة نوفل لوشاتو إحدى ضواحي العاصمة الفرنسية. وسارع المسؤولون في قصر الإليزيه لإبلاغ قرار رئيس الجمهورية الفرنسي للإمام الخميني بضرورة تحاشيه أي نشاط سياسي في فرنسا، فكان رد فعل الإمام شديداً حين صرّح أن مثل هذه القيود على الضد تماماً من دعاوى الديمقراطية الغربية، وأنه لن يترك العمل في سبيل أهدافه حتى لو اضطر للتنقّل الدائم من مطار إلى مطار ومن بلد إلى آخر. في شهر دي من سنة 1357ش (1/1979م) شكّل الإمام الخميني شورى الثورة الإسلامية في إيران، أما الشاه فقد هرب من البلد في 26/10/1357ش (16/1/1979م) بعد تشكيله الشورى الملكية وإحرازه ثقة البرلمان على حكومة شاهبور بختيار. وسرعان ما ذاع هذا الخبر في طهران ثم إيران كلها فخرج الناس إلى الشوارع يعربون عن فرحتهم واحتفالهم لهزيمة الشاه.
عودة الإمام إلى إيران بعد 14 عاماً من النفي
في بدايات شهر بهمن 1357ش (أواخر كانون الثاني 1979م) ذاع خبر عودة الإمام إلى البلاد، ففاضت أعين الناس بالدموع شوقاً إليه واغتباطاً برجعته بعد أن انتظروا هذا الميعاد 14 سنة. لكن الجماهير والأصدقاء المقربين للإمام كانوا في الوقت ذاته قلقين عليه وعلى حياته لأن الحكومة العملية للشاه لا تزال قائمة وقد أعلنت الحكومة العسكرية. بيد أن الإمام كان قد اتخذ قراره وذكر في نداءاته للشعب الإيراني أنه يريد أن يكون بجانب شعبه في هذه الأيام المصيرية الخطيرة. فما كان من حكومة بختيار إلا أن أغلقت مطارات البلاد بوجه الرحلات الخارجية بتنسيق مع الجنرال الأمريكي هايزر، غير أنها لم تستطع الإصرار طويلاً على قرارها هذا واضطرت للرضوخ لإرادة الأمة فحلَّ الإمام الخميني عائداً إلى وطنه صبيحه يوم 12 بهمن 1357ش (1/2/1979م) بعد 14 عاماً من الفراق. وقد كان استقبال الجماهير له مدهشاً وغير مسبوق إلى درجة اضطرت وكلات الأنباء الغربية للاعتراف به وذكرت أن عدد المشاركين في هذا الاستقبال تراوح بين 4 إلى 6 ملايين إنسان.
رحيل الإمام (ره)... لقاء الله.. فراق الأحبة
كان الإمام الخميني قد أعلن طوال سنوات حياته عن أهدافه ومبادئه وكل ما كان ينبغي أن يبلِّغه، بذل كل طاقته وجهوده في سبيل تحقيق هذه الأهداف. وعلى أعتاب ذكرى انتفاضة النصف من خرداد (5 حزيران) سنة 1368ش (1989م) كان قد أعد نفسه للقاء حبيبٍ أنفق كل عمره في سبيل تحصيل مرضاته، ولم تنحن قامته أمام كائن سواه، ولم تبك عيناه إلا من أجله. قصائده العرفانية تنم كلها عن آلام فراق هذا الحبيب وتفصح عن تعطّشه الكبير للحظة وصاله. وها قد اقتربت تلك اللحظة الشامخة العظيمة بالنسبة له، العصيبة القاتلة بالنسبة لأنصاره ومحبّيه. كتب هو في وصيته: »بقلب تجلّله السكينة، وفؤاد مطمئن، وروح مبتهجة، وضمير متفائل بفضل الله، أستأذِن الأخوات والإخوة وأرحل إلى موطني الأبدي وأنا بأمس الحاجة إلى أدعيتكم لي بالخير، وأطلب من الله الرحمن الرحيم أن يتقبّل عذري لقصوري وتقصيري وقلّة خدمتي، وارجو من الشعب أيضاً تقبل عذري في قصوري وتقصيري، وأن يواصلوا مسيرتهم إلى الأمام بكل قوة وعزم وإرادة«. الغريب أن الإمام الخميني كان قد قال في إحدى قصائده الغنائية (غزليات) التي نظمها قبل سنوات قليلة من رحيله: »تمر الأعوام وتتعاقب الأحداث وأنا أنتظر الفرج من النصف من خرداد«.
لحظة الوصال كانت الساعة العاشرة وعشرون دقيقة من مساء يوم الثالث عشر من خرداد 1368ش (3/6/1989م) كفّ عن الخفقان قلبٌ أحيى بأنوار الله والمعنوية ملايين القلوب. وكان أصدقاؤه ومحبوه قد نصبوا كاميرا خفية في المستشفى التي رقد فيها أواخر أيامه سجلوا عبرها أحواله أيام مرضه وإجراء العمليات الجراحية له واللحظات التي فاضت فيها روحه. وحينما عرضت من التلفاز لقطات من الحال المعنوية السامية والسكينة التي كانت تغمره في تلك الأيام هاجت القلوب وتفجرت بالعواطف وعمّها وجدٌ لا يمكن وصفه والشعور به إلا لمن عايش تلك الأجواء. كانت الشفاه تتمتم بذكر الله دوماً. في الليلة الأخيرة من حياته وبعد أن تحمل وهو في الـ 87 من عمره إجراء عدة عمليات جراحية صعبة وطويلة، وفي حين ربطوا بذراعيه المباركين عدة أمصال، كان يصلي نافلة الليل ويتلو القرآن. وكانت تغشاه في ساعاته الأخيرة طمأنينة وسكون ملكوتي وهو يلهج دوماً بوحدانية الله ورسالة نبي الإسلام محمد (ص)، فحلّقت روحه إلى الملكوت الأعلى وهو في هذه الحال. حينما ذاع خبر رحيل الإمام تغيرت حال البلاد كما لو ضربها زلزال عنيف، فتفجرت الحناجر بالبكاء، وأنهالت الأيدي باللطم على الرؤوس والصدور وعمَّ هذا التيار العارم إيران برمتها وكل أماكن العالم التي سبق أن تعرفت على اسم الإمام الخميني ورسالته. ما من قلم أو لسان بوسعه وصف أبعاد ذلك الحدث وطوفان المشاعر الجماهيرية المنفلتة التي غمرت إيران تلك الأيام. كان من حق الشعب الإيراني والجماهير المسلمة الثورية أن تضج كل هذا الضجيج صانعةً مشاهد لا نظير لها في حجمها وعظمتها طوال التاريخ. كانوا قد فقدوا شخصاً أعاد لهم عزتهم المسحوقة، وقصّر أيدي الملوك الظالمين والغربيين الناهبين عن أرضهم، وأحيى الإسلام، وأعزّ المسلمين وأسس الجمهورية الإسلامية، ووقف بوجه كافة القوى الجهنمية والشيطانية في العالم، وصمد عشرة أعوام حيال مئات المؤامرات الرامية إلى إسقاط هذه الجمهورية الفتية، ومشاريع الانقلابات، والفتن الداخلية والخارجية، وقاد لثمانية أعوام دفاعاً حربياً وقف في طرفه الآخر عدوٌّ دعمته قوى الشرق والغرب العظمى دعماً علنياً وشاملاً. كانت الجماهير قد فقدت قائدها الحبيب ومرجعها الديني والمنادي بالإسلام الحقيقي. الذين لا يستطيعون استيعاب هذه المفاهيم وهضمها قد يعجزون عن تفسير ما شاهدوه في وسائل الإعلام من أحوال عاشتها الجماهير عند توديعها وتشييعها ودفنها الجسد الطاهر للإمام الخميني، وحين سمعوا أنباء وفيات العشرات ممن لم يستطيعوا الصبر على هول الحدث الجلل فسكتت قلوبهم عن الخفقان، وإذا هم رأوا أجساد المغمى عليهم من شدة الألم والغم تُحمل على أيدي المشيعين دون انقطاع لتنقل إلى المستشفيات والمستوصفات. لكن الذين يعرفون معنى الحب وسبق لهم أن جربوه وذاقوا حلاوة طعمه لن يجدوا أية صعوبة في فهم هذه المشاهد الفريدة. لقد كان الشعب الإيراني يعشق الإمام عشقاً حقيقياً، وقد اختار شعاراً جميلاً معبراً جداً في ذكرى رحيله: »حب الخميني حب لكل الخصال الحسنة«. في يوم الـ 14 من خرداد 1368ش (4/6/1989م) اجتمع مجلس خبراء القيادة فقرأ آية الله الخامنئي وصية الإمام الخميني التي استغرقت قراءتها ساعتين ونصف الساعة. وبعد ذلك بدأ بالتداول لتعيين خَلَف للإمام الخميني وقائد للثورة الإسلامية، وبعد عدة ساعات من النقاش والتداول تم بالإجماع اختيار سماحة آية الله الخامنئي (رئيس الجمهورية آنذاك) لحمل هذه الرسالة الخطيرة، وآية الله الخامنئي هو أحد تلامذة الإمام الخميني - سلام الله عليه - ومن شخصيات الثورة الإسلامية الفذة، وأحد المساهمين الفاعلين في انتفاضة 15 خرداد (5 حزيران) ومن المعاقين والمضحين طوال فترة النهضة التي قادها الإمام الخميني بكل منعطفاتها وشدائدها. الغربيون وعملاؤهم في الداخل ممن يئسوا من الانتصار على الإمام الخميني كانوا يمنّون أنفسهم والآخرين منذ سنوات بموت الإمام الخميني. بيد أن يقظة الشعب الإيراني والانتخاب السريع والسليم الذي نهض به مجلس خبراء القيادة، والدعم الذي أبداه أنصار الإمام وجنوده، بدد كل آمال أعداء الثورة وألقى بها أدراج الرياح، فلم يكن رحيل الإمام نهاية لطريقه اللاحب على الإطلاق، وليس هذا وحسب بل يتسنى القول إن عصر الإمام الخميني انطلق بعد وفاته بأبعاد أوسع من السابق، وهل يموت الفكر والصلاح والمعنوية والحقيقة؟ في يوم وليلة الـ 15 من خرداد 1368ش (5/6/1989م) تجمع في مصلى طهران الكبير الملايين من أهالي طهران والمعزين القادمين للعاصمة من مدن البلاد وقراها ليودّعوا للمرة الأخيرة الجسد الطاهر لرجل أعاد بنهضته الشموخ والاعتدال لقامة القيم والكرامة المحنيّة في عصر الظلم الحالك، وأطلق في العالم نهضة تدعو إلى العودة لله تعالى والفطرة الإنسانية السليمة. لم يكن هناك أي أثر للتشريفات الجامدة المتداولة في مثل هذه المراسم، كل شيء كان يجري بطريقة تعبوية وشعبية عاشقة. الجسد الطاهر المجلل بوشاحٍ أخضر كان قد وضع على مرتفع يحيطه ملايين المعزين وهو يتألق وسطهم كالجوهرة. كل فرد كان يناجي إمامه بلغته الخاصة ويذرف الدموع مدرارةً عليه. كل الطرق المؤدية للمصلى كانت تغصّ بأمواج الجماهير الموشحة بثياب الحداد. أعلام العزاء السوداء ترتفع فوق كل بناية وجدار، وأصوات القرآن تسمع من كل المساجد والدوائر والمنازل. حين جن الليل اشتعلت آلاف الشموع في صحراء المصلى والتلال المحيطة بها تيمّناً بالمشعل الذي أوقده الإمام. العوائل المفجوعة تحلّقت حول الشموع وشخصت أبصارها إلى تلك القمة النيرة. هتافات »يا حسين« التي أطلقها الشباب التعبويون الذين غمرتهم مشاعر اليتم وهم يلطمون الرؤوس والصدور، بثت في تلك الأجواء أريج عاشوراء الزاكي. فكرة أنهم لن يسمعوا ثانية صوت إمامهم من حسينية جماران أجزعت النفوس وبددت الصبر والاحتساب في قلوبهم. قضت الجماهير مساءها عند جسد الإمام، وفي الساعات الأولى من صباح السادس عشر من خرداد (6حزيران) صلّى الملايين بإمامة آية الله العظمى الكلبايكاني (ره) على جسد الإمام بعيون بللتها الدموع. حشود الشعب وعظمة ملحمة حضورهم يوم عودة الإمام للوطن في 12 بهمن 1357ش (1 شباط 1979م) وتكرار هذه الملحمة في مراسم تشييعه، هو بحق من عجائب التاريخ. قدرت وكالات الأنباء الرسمية العالمية عدد الذين استقبلوه في عودته للوطن بستة ملايين نسمة وعدد المشاركين في تشييعه وتوديعه بتسعة ملايين، هذا في حين تحمل الشعب الإيراني طوال 11 سنة من حكم الإمام الخميني الكثير من المشكلات والصعاب بسبب اتحاد البلدان الغربية والشرقية في عدائهم للثورة وفرضهم حرب الثماني سنوات على إيران مضافاً إلى مئات المؤامرات الأخرى التي حاكوها ضد إيران، وقدم هذا الشعب الكثير من أعزائه وأحبائه قرابين في هذا السبيل وكان ينبغي طبعاً أن يصابوا شيئاً فشيئاً بالتعب والملل من هذا الواقع، إلا أن هذا لم يحدث على الإطلاق. الجيل الذي تربّى في مدرسة الإمام الإلهية كان يؤمن إيماناً عميقاً بمقولة الإمام: »مقدار الصبر على المصاعب والآلام والتضحيات والفداء والحرمان يتناسب وعظمة حجم الغاية وقيمتها ورفعة مكانتها«.
بعد أن تعذرت مواصلة مراسم الدفن بسبب عاصفة المشاعر والزحام، أُعلن من الإذاعة كراراً أن يرجع الناس إلى بيوتهم وأن المراسم قد أوكلت إلى وقت لاحق سيعلن عنه فيما بعد. لم يكن المسؤولون يشكون في أن مضي مزيد من الوقت سيضاعف من أعداد المشيعين الخيالية ويضيف إليهم مئات الآلاف من محبي الإمام الآخرين الذين انطلقوا من المدن البعيدة متوجهين إلى طهران، ومع ذلك لم تكن ثمة مندوحة من مواصلة مراسم الدفن وسط تلك المشاعر الجياشة وبصعبوةٍ قصوى نقل مراسلو وسائل الإعلام لقطات منها لأنظار العالم وأسماعه. وهكذا كانت وفاة الإمام الخميني كما هي حياته ينبوع يقظة ونهضة متجددة خلّدت ذكراه وطريقه، فقد كان حقيقةً.. حقيقةً حيةً لا تفنى أبداً.
أبو طالب مؤمن آل قريش
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾1.
كثير من الناس يدخلون بعد النصر أفواجاً، لكنّ القليل الذين ينصرون الحقّ في أوقات المحن والبلاء.
من هؤلاء القليل أحد أولياء شهر رمضان أبو طالب عمران بن عبد المطلب (رض) الذي نبتدىء حديثنا عنه بالإشارة على طهارة آباء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
طهارة آباء النبيّ
قال تعالى: ﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾2.
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لم أزل أُنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات، حتى أُسكنتُ في صلب عبد الله، ورحم آمنة"3.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "فاستودعهم في أفضل مستودع، وأقرّهم في خير مستقر". تناسختهم كرائم الأصلاب، إلى مطهَّرات الأرحام. كلّما مضى منهم سلف قام منهم بدين الله خلف، حتى أفضت كرامة الله سبحانه إلى محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فأخرجه من أفضل المعادن منبتاً، وأعزِّ الأرومة مغرساً، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه وانتجب منها أمناءه"4.
قال الشاعر:
تنقل أحمد نوراً عظيماً
تلألأ في جباه الساجدين
تقلّب فيهم قرناً فقرناً
إلى أن جاء خير المرسلين5
آزر والتوحيد
بناءً على ما تقدَّم يرد سؤال حاصله:
كيف نجمع بين الاعتقاد بطهارة آباء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقصّة آزر في القرآن الكريم، إذ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾6.
والجواب: إنَّ العرب كانوا يطلقون على العمّ صفة الأب، ولهذا شاهدٌ في القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾7. فاسماعيل عليه السلام هو عمّ يعقوب عليه السلام وليس أباه، ومع ذلك شمله لفظ "آبائك".
أبو طالب كفيل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
من الأصلاب الشامخة أولد عبد المطلب عبد الله والد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، الذي تكفلّه عمّه أبو طالب(عمران)، الموحِّد لله تعالى، فهو الذي طالما كان يسمعه أهل قريش ينطق بشعر التوحيد والعبودية لله تعالى، فيقول:
مليك الناس ليس له شريك
هو الوهّاب والمبدي المعيد
ومَن فوقَ السماء له ملاك
ومن تحت السماء له عبيد
وربّته فاطمة بنت أسد، التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاتها: "اللهم اغفر لأمّي فاطمة بنت أسد ولقّنها حجّتها، ووسّع عليها مدخلها"8.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم عنها
"هذه المرأة كانت أمي بعد أمي التي ولدتني"9.
في عمر 12 سنة أراد أبو طالب السفر في تجارة فأخذ معه محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم فلما خرج معه أظلَّته غمامة بقيت فوق رأسه حيثما حلّ وهذا ما زاد من تعلُّق أبي طالب عليه السلام بابن أخيه حتى قال فيه: وهناك لقيه بحيراء الراهب الذي رأى فيه تلاؤم النبيّ الخاتم، فأخبره بنبوّته.
قال أبو طالب (رض):
"إن ابن آمنة النبيّ محمداً
عنــدي يفــــوق منــــازل الأولاد"10.
أبو طالب يخطب طالباً يد خديجة للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم
قال في خطبته:
"الحمد لله الذي جعلنا من ذريّة إبراهيم عليه السلام، وزرع إسماعيل عليه السلام، وجعل لنا بلداً حراماً، وبيتاً محجوباً، وجعلنا الحكام على الناس، ثم إنَّ محمد بن عبد الله أخي من لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح عليه برّاً وفضلاً وحزماً وعقلاً ورأياً ونبلاً، وإنْ كان في المال قلٌّ، فإنّما المال ظِلّ زائل، وعارية مسترجعة، وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك، وما أحببتم من الصداق فعليَّ، وله -والله- بعدُ نبأٌ شائع وخطب جليل"11.
أبو طالب المدافع عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
1- روى ابن الأثير في النهاية: لمّا أراد النبيّ أن يتكلم اعترضه أبو لهب، فقال له أبو طالب (رض): "اسكت"، ثم قال للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "قمْ يا سيّدي، فتكلّم بما تحبّ، وبلِّغ رسالة ربِّك؛ فإنك الصادق المصدَّق".
2- وجاءت قريش تشكو محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بأنّه يؤذيها في الكعبة والديار، ويُسْمِعهم ما يكرهون، فراجع أبو طالب النبيَّ محمداً صلى الله عليه وآله وسلم، فأجابه صلى الله عليه وآله وسلم: "والله، ما أنا بقادر أن أردَّ ما بعثني به ربّي، ولو أنْ يشعل أحدُهم من هذه الشمس ناراً"، فقال أبو طالب: "والله ما كذب قط، فارجعوا راشدين"12.
3- وجاء أهل قريش مرّة أخرى عند أبي طالب(رض) يطلبون منه أن يتحدَّث مع النبيّ أن يكفّ عن تعييب آلهتهم، وإلا فالحرب، فكان جواب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك فيه"13، فأجابه أبو طالب (رض): "اذهب -يا ابن أخي- فقل ما أحببت، فوالله لا أسلّمك لشيء أبداً". وأنشد يقول:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم
حتى أوسَّــد في التراب دفينا
فانفذ لأمرك ما عليك مخافة
وأبشر وقرَّ بذاك منه عيونا
وقد علمت أنّ دين محمّد
من خير أديان البرية دينا14
4- بينما كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مناجاة ربّه يؤدّي الصلاة جاء أحد المشركين وهو عبد الله بن الزَّبعري، ورمى عليه فرثَ ودم جزور، وعرف أبو طالب وجاء إلى أهل قريش الذين حاولوا الفرار من المجلس بعدما رأوا غضبه، لكنّه سمَّرهم بقوله "والله لئن قام رجلٌ جلَّلته بسيفي"15.
والتفت إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم: "يا بني، من الفاعل بك هذا؟" فدلّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ابن الزبعري، فوجأ أنفه، ثم مرَّ بالدن والفرث على القوم، ولطّخ به وجوههم ولحاهم وثيابهم، وأغلط عليهم القول، ثمّ قال لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم: يا ابن أخي، أرضيت، سئلت من أنت؟
أنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، أنت والله أشرفهم حسباً وأرفعهم منصباً.
وأردف يقول:
أنت النّبيّ محمّد
قرم أغرّ مسوّد
لمسوّدين أكارم
طابوا وطاب المولد
أنَّى تضام ولم أمت
وأنا الشجاع العربد
وبنو أبيك كأنّهم
أسد العرين توقد
ولقد عهدتك صادقاً
في القول لا تتزيّد
ما زلت تنطق بالصواب
وأنت طفل أمرد16.
5- في ليلة الاسراء افتقد أبو طالب محمداً، فدعا فتيان بني هاشم، وأمر كلاًّ منهم أن يخبّئ تحت ثيابه سلاحاً، وأن يقف كل واحد منهم عند زعيم من رجال قريش، وبعد أن عاد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أعلن أبو طالب(رض) لقريش ما كان يريد أن يفعل، فقال لهم:
"يا معشر قريش أتدرون ما هممتُ به،....والله لو قتلتموه ما أبقيت منكم أحداً، حتى نتفانى نحن وأنتم"، وأنشد:
ألا أبلغ قريشاً حيث حلَّت
وكل سرائر منها غرور
لآل محـمــــد راع حفــيـــــظ
وداد الصدر مني والضمير
ويشرب بعده الولدان رّياً
وأحمد قد تضمنه القبور
أيا بن الأنف أنفِ بني قُصَيٍّ
كأنَّ جبينك القمر المنير17.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشعر بدعم عمِّه الكبير الذي كان يحثّه على إظهار دعوته بقوله:
لا يمنعنّك من حقٍّ تقوم به
أيدٍ تصول ولا سلقٌ بأصوات
فإن كفَّك كفّي إن بليت بهم
ودون نفسك نفسي في الملمَّات
وفاة أبي طالب
في شهر رمضان وفيما كان شعره الإيماني يملأ قريشاً:
يا شاهد الله عليَّ فاشهدِ
آمنت بالواحد ربِّ محمدِ
من ضلَّ في الدين فإني مهتد
يا ربِّ فاجعل في الجنان موردِ
نزل جبرئيل قائلاً لمحمد: إن الله يأمرك أن تخرج من هذه القرية الظالم أهلها فإنّ ناصرك قد مات.
* كتاب شهر الله، سماحة الشيخ أكرم بركات.
1 سورة الانفال، الآية، 74.
2 سورة الشعراء، الآيتان: 218-219.
3 المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج12، ص 48.
4 نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، ج1، ص 185.
5 الكجوري، محمد باقر، الخصائص الفاطمية، ط1، تحقيق علي أشرف، منشورات الشريف الرضي، 1380ش، ج2، ص 127.
6 سورة الانعام، الآية 74.
7 سورة البقرة الآية 133.
8 المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج35، ص 179.
9 الأمين، محسن، أعيان الشيعة، تحقيق حسن الأمين، (لا،ط)، بيروت، دار التعارف، (لا،ت)، ج1، ص 325.
10 المفيد، محمد، إيمان أبي طالب، تحقيق مؤسسة البعثة، ط2، بيروت، دار المفيد، 1993م، ص36.
11 المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج35، ص 158.
12 الأميني، الغدير، ط3، دار الكتاب العربي، بيروت، 1387هـ، ج7، ص 354.
13 الأمين، محسن، أعيان الشيعة، ج8، ص 115.
14 المرجع السابق نفسه.
15 القرطبي، تفسير القرطبي، تحقيق أحمد البردوني، (لا،ط)، دار احياء التراث العربي، بيروت، (لا،ت)، ج6، ص 406.
16 محسن الأمين، أعيان الشيعة، ج8، ص 119.
17 المصدر السابق، ص 121.